حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

'الأرض الثابتة': انتصار أخلاق البحر على القانون

فيلم إيطالي لا يدين المهاجرين ويتعاطف مع مآساتهم

محمود عبد الرحيم*

 

الفيلم الإيطالي 'الأرض الثابتة' للمخرج إيمانويل كيريليس الفائز بالجائزة الخاصة للجنة التحكيم في مهرجان فينسيا الدولي، واحد من الأفلام التى تتناول قضية الهجرة غير الشرعية لأوروبا من الجنوب، لكنه على خلاف الكثير لا يقوم بإدانة المهاجرين، ويتعاطى معهم بتعاطف، مستوعبا مآساة هؤلاء التى تدفعهم للمجازفة بحياتهم بحثا عن التحقق الإنساني.

وربما ما يميز هذا الفيلم كونه يقول الكثير بشكل مهموس دون ثرثرة أو ضجيج، وبلغة شاعرية مكثفة تمزج بين البساطة والعمق، فيما يعلي، في جانب الرسالة التى يطرحها، من قيمة الواجب الأخلاقي على الإلتزام القانوني المفتقد للمشاعر والمتعسف، ويُغلب كذلك الحس الإنساني على ما عداه.

وربما يكون قد قصد المخرج بعنوان الفيلم'الأرض الثابتة' القيم الأخلاقية التى يجب الإتكاء عليها ولا يجب التنازل عنها، مهما تغير الزمان أو المكان.

وقد بدأ بمشهد افتتاحي يهيئ المتفرج لأجواء الفيلم، ويفسر تعاطف أهل الجزيرة الايطالية مع المهاجرين الأفارقة، من خلال لقطة بانورامية للبحر المتلاطم الأمواج، وما به من مركب وشباك صيد، يبدوان حين ندخل إلى سياق الفيلم كرمز للحيرة بين اصطياد المهاجرين وتسليمهم للسلطات الأمنية أو انقاذهم، وطيور محلقة كما لو كانت في موسم الهجرة مثل هؤلاء الأفارقة، تبعها بلقطة لمركب غارق، ثم لقطة لعائلة إيطالية متشحة بالسواد تحي ذكرى أبنها الغارق في البحر، على نحو يبين لاحقا سر الخشية من تكرار هذا المصير لأى أحد بعد مكابدة ذات المآساة، على خلفية من موسيقى يغلبها عليها حس الترقب والآسى، وسط أجواء ضبابية تبرز هذا المعنى.

ولعب المخرج في بنائه الدرامي على تيمة الصراع المحتدم على أكثر من صعيد، وأكثر من شخصية، غير أن الانتصار في الأخير كان لصالح الواجب على المصلحة، والضمير على القانون، بدءا من الجد قبطان مركب الصيد الذي حين يرى مهاجرين غير شرعيين يبلغ خفر السواحل، لكن حين يراهم يقاومون الموت يسرع بإنقاذهم، بل وإيواء المرأة الحامل وأبنها الصغير في بيته، ويتحمل مضايقات السلطات التى تصل إلى إيقافه عن ركوب البحر أو تجديد رخصته، إلتزاما بمعايير أخرى غير التى يؤمن بها.

وزوجة الأبن التى تبدي إنزعاجا من مخالفة القانون، وتحمل عبء غرباء، ثم تتشارك مع الجد وأبنها في مساعدة المرأة الأفريقية على الوضع، كما لو كانوا أسرتها الحقيقية، وترعى رضيعها وتقدم لها الطعام، وبعد أن تلح في مغادرتها سريعا، وتجد وقت تهريبها أن الشرطة بالمكان تعيدها للبيت حتى لا يتم توقيفها.

وحتى الشاب الصغير حين يذهب في مغامرة بحرية مع الشابة السائحة المغرم بها، ويتقاعس هاربا عن نجدة مهاجرين جدد، يظل شاعرا بالذنب، ويسعى للتخلص من هذا الاحساس المؤلم، بمساعدة الأفريقية على الوصول لزوجها ولم شمل أسرتها، منتهكا الحظر على سير المركب، ومخاطر ركوب البحر ليلا.

ويبدو الصراع على مستوى آخر بين أخلاقيات المجتمع التقليدي أو بالأحرى عالم الصيادين الذي يجسده الجد، وأقرانه المتمسكين بمبادئ من قبيل عدم التخاذل عن نجدة المحتاج، أو التضامن الجمعي بين بعضهم البعض، وبين النسق القيمي للجيل الجديد البراجماتي الذي يمثله الأبن العامل في مجال السياحة، والذي يقدم المصلحة على الواجب، وتفضيل العمل في مجال الخدمات عن العمل البدني كالصيد، أو بين موقف سكان الجزيرة الذين يتوحدون مع المهاجرين ومشاكلهم، بينما القادمون من المدن الكبرى للسياحة بعضهم يفزع لمشاهدة الأفارقة، أوالتضايق من إفساد استجمامهم، والقليل يسعى لإنقاذهم من باب الشفقة.

ويبدو الفارق الثقافي جليا كذلك بين الشاب الصغير ساكن'الجزيرة وبين أقرانه السياح، الذين يسعون للترفيه، بينما هو يسعى لإكتساب الرزق، وفيما يتصور أن صعود السائحين للجبل ورؤية حيواناته الأليفة ومعايشة بيئته الطبيعية شئ مبهج لهم مثلما له، يشعرون بالتأفف من الرائحة، ويرغبون في المغادرة للسباحة والغطس.

ويبدي المخرج تعاطفا مع قضية المهاجرين، بل نستشعر رغبته في تأكيد ضرورة مساعدتهم لا تجاهلهم أو تجريمهم من الإلحاح على هذا الرسالة عبر توظيف اللقطة الدالة للمركب الغارق التى يكررها من وقت لآخر، لتذكيرنا الدائم بأن مصير هؤلاء المهاجرين الغرق والموت، إن لم نسعى لمساعدتهم، ولم يكتف بهذا، بل يظهر لنا لقطة أخرى ذات دلالة قوية في المشاهد الأخيرة للفيلم يؤكد بها هذا المعنى لبقايا متعلقات غرقى من أحذية وحافظات نقود وغيرها، بينما يبرز مآساة المهاجرين في كلمات قليلة في مشهد بالغ الدلالة، تمت صياغته برهافة وذكاء، حيث يقوم طفل المرأة الإفريقية بمحاولة التخلص من شقيقه الرضيع غير الشرعي، فتهرول السيدة الايطالية لإنقاذه، بينما تصيب الإفريقية هسيتريا البكاء، وتبوح بسرها وما تعرضت له من معاناة في رحلة الهجرة من احتجاز على الساحل الليبي ثم اغتصابها، قبل استقلالها مركب مزدحم وهي تعاني الجوع والعطش، إلى أن وصلت للسواحل الايطالية بين الموت والحياة.

ومن اللقطات التى تتوقف عندها كذلك، وتبين مهارة هذا المخرج وحسه الفنى المتميز تلك اللقطة الطويلة الواسعة للكم الهائل من الأسماك الميتة التى جسد فيها تضامن الصيادين مع رفيقهم حين تعسفت السلطات ضده، ومنعته من تجديد رخصة البحر، بالاضراب عن العمل، وإلقاء الأسماك أمام مقر البلدية.

وكذلك لقطة الكلوز آب للكرة الأرضية المضاءة بقوة في الظلام التى يمسك بها الشاب الصغير ليبحث عن البلد التى آتت منها المرأة الأفريقية فيجدها، ولا يجد جزيرته الصغيرة، كما لو كان المخرج يريد إخبارنا أننا لسنا الأفضل كما نظن، وأن ما نراه مجهولا، ربما أكثر منا معرفة، ولن نختبر الآخر إلا إذا تعايشنا معه وبحثنا عنه، ولم ننغلق على أنفسنا.

وقد أحسن المخرج باللجوء للتصوير الداخلي أو الخارجي في الليل في معظم المشاهد، واستغلال أجواء الظلام والإضاء الخافتة على نحو يجسد الحالة السيكولوجية المتمحورة حول الترقب والتوجس والحيرة، والخوف من المجهول، والذي عززها بالتيمة الموسيقية التى تبرز هذا الشعور المناسب تماما للخيط الدرامي الذي يصل نهايته بلقطة طويلة للمركب يحمل المرأة الأفريقية وأبنيها في الظلام مبتعدا عن الساحل.

*ناقد سينمائي مصري

Email:mabdelreheem@hotmail.com

القدس العربي في

03/05/2012

 

أزهار الحرب: الكل في مواجهة الحقيقة

أمنية عادل حسن 

الخوف.. الذعر.. التضحية.. الهروب.. المواجهة..الحب.. الحق.. الحنين.. الحياة.. الموت  وغيرها من المعانى يفجرها فيلم "أزهار الحرب" فاذا بدأنا بالإسم فإننا نستدعى الكثير بأذهاننا  فالأزهار هى الحياة أما الحرب فهى الموت والدمار والعدم.

هذه المعانى التى أبرزها المخرج جانج ييمو خلال 146 دقيقة  هى مدة الفيلم.

أزهار الحرب هو فيلم صينى يحكى عن فترة الحرب الصينية اليابانية الثانية التى اندعلت فى 7 يوليو 1937 ولكن أحداث فيلمنا تبدأ فى 13 ديسمبر 1937 فعقب 20 يوما من القصف المتواصل على مدينة "نانجينج" التى تدور بها أحداث الفيلم كله. والتى نراها من عين راوى يروى لنا الأحداث كما يراها هو ، هذا الراوى هو فتاة صغيرة فى الثانية عشر من عمرها لكنها شاهدنا الوحيد المتبقى الذى سيطلعنا على نفس المأساة التى تشهدها الأنسانية كلما مرت بحرب .

فنرى الفيلم من وجهة نظر نسوية والتي لها تأثير واضح فهن مجموعة من الطالبات اللاتى يسكن كنيسة هذة الكنيسة تحت الحماية اليابانبة إى أنها المأمن الوحيد فى هذه المدينة لهذا يمكثن بها و إيضا تسعى بعض من النساء اللاتى لا يسلكن سلوكا قويما للمكوث معهن إيضا ، و نشهد بداخل هذا المكان نزاعات سرعان ما تتحول إلى تلاحم نتيجة سمو الحس الأنسانى لدى كل منهم ، كل هذا بوجود رجل سيكون ملاذ كل منهن ، هذا الرجل هو " جون ميلير" .

يحمل الفيلم العديد من الثنائيات التى تترجم بشكل سلس و مترابط، ونبدأها مع الثنائية الأهم وهى  ثنائية "الأنا و الاخر" أو الانانية والتضحية التى تتجلى فى هذا العمل فبعد الأنانية الشديدة التى تتملك كل الشخصيات تتحول لتضحى لأجل بقاء الأخر حتى وإن كان هذا سيؤدى فى النهاية إلى فناء الذات، فجون ميلير بعد أن كان هذا الرجل الأنانى الذى يسعى وراء راحته ومتعته أصبح يأبه لحال الفتيات ومصيرهن بل أصبح ايضا الحامى الوحيد لهن، إلى جانب السيدات اللاتى حملن العداء لهاته الفتيات، فقررن أن يذهبن للجنود اليابانين بدلا من هن، إيضا تضحية جورج هذا الصبى الصغير الذى يحمل عهد بحماية الفتيات أيا كان السبيل.

كذلك ثنائية البقاء والرحيل فالفيلم ما هو إلا  بقاء فى انتظار الرحيل لكن كل منهم يرحل فى طريق مغاير، فبعد الاستماتة للوصول لهذه الكنيسة للاحتماء بها يرغب الجميع فى المغادرة، فما هى إلا محطة.

إلى جانب ثنائية الحبس والحماية فالجميع ركض للوصول لهذه الكنيسة ليحتمى بها لكنها أصبحت سجنا لهم جميعا يصعب الخروج منه. فاختلطت المفاهيم كلها و لم يعد هناك معنى صريح و هذا ما تنتجه الحرب تشوش ليس فقط فى ما هو حالى بل كذلك فى رؤية ما هو أت.

يناقش العمل ايضا فكرة المصيروالشرف إيضا فتصبح الفتيات مثل هؤلاء النسوه نتيجة لاستباحه اليابانين لهن، و كما قالها  جون ميلير لجورج  "ماذا نفعل هؤلاء نساء وهؤلاء فتيات الأمر سواء"، كذلك هناك فكرة أنهم جميعا تواجدوا فى هذه الحياة ليكونوا فى عون بعضهم و بهذا يصبح الجميع فى مواجهة حقيقة لا مفر منها.

لغة العمل المنطوقة تحمل العديد من المعانى فالحوار ليس مجرد كلمات وإنما هى أفعال مشروطة  فحينما تقول الفتاة "سو" لجون "أب جون" فبهذا هى تلزمه بتحمل مسئولية ليست له.

أما عن ملامح الصورة المرئية فنلحظ اهتمام بالغ بها بداية من الصورة وزواياها العديدة مما بين عين الفتاة الراوية، كذلك ما تروه لنا عين المخرج خارج أطار المكان من خلال فلاش باك لكنه مترابط مع الحدث الآنى. كذلك لعب بالألوان بشكل ملفت فهناك لحظات وكأننا فى حلم، من خلال استخدام ألوان زاهية و التى ترتديها السيدات وكن سرعان ما يعيدنا إلى الواقع المرير بلونه الرمادى القاتم.

استقرت الكاميرا أغلب الوقت داخل الكنيسة لتدعيم الشعور بالسجن و كذلك كلما خرجت خارج اسوارها تعرضنا للخطر، هذا يدعونا للتأمل فى دلالة المكان ، فنحن داخل كنيسة بقداستها فهى ملجئ الجميع، لكن حتى داخل أسوارها لا توجد حماية.

موسيقى العمل تلعب دور هام فإلى جانب جمالها، تعد خلفية شاهدة على كل ما يحدث فمن آهات باعثة على الشجن و الحزن إلى ألالآت تصرخ بدورها ، هذا فى لحظات التأمل فى الفعل أما لحظة الفعل فكانت تكفى المؤثرات الصوتية إلى جانب الصوت البشرى، فالفيلم يحوى على صخب كبير بداخله.

انطلاق من حالة الصخب والهدوء والتى أثرت فى الإيقاع بشكل مباشر فهناك لحظات بها الحدث وتليها لحظات تأمليه بها يغمرها الهدوء إلى جانب الترقب المستمر طوال الفيلم فأما نحن بخضم الحدث مفجع أو فى انتظار حدث أخر أكثر فجاعة. ما أخذه على هذا العمل هو مدى العنف المفرط به فأبرز الجانب الوحشى بل والحيوانى من اليابانيين لكن ما يغفر له هو استثمار هذا العنف لصالحه وصالح شخصياته.

برع الممثلون فى أداء أدوارهم فجون ميلير والذى قام به "Christian Bale" وهذا يعد أول عمل صينى يمثل به تميز أدائه بالحرفية العالية، كما جاء على لسان مخرج العمل "  انهمن التحدى جعل أجنبى أن يلعب دور منقذ الصين خاصة كونه أمريكيا. لكنه إيضا صور الجندى الصينى فى شخصية "الرائد لى" الذى لعب دوره"Tong Dawei" الذى قدم تضحية الجندى المحب لوطنه فى مشهد مطول رائع.  إيضا  Tianyuan Huangالذى يلعب دور جورج الذى رغم صغر سنه إلا أنه يمتلك موهبة كبيرة و توظيف سليم لها ، كذلك الفتيات الصغيرات ، اللاتى بدأبهن العمل وانتهى بهن إيضا.

إلى جانب "Ni Ni" والتى قامت بالبطولة النسائية وهى بالفعل من نفس المدينة "نانجينج" التى يتحدث عنها العمل و تعد وجه جديد  برع فى تقديم شخصية كهذه لهذا كانت جديرة بحصولها على جائزة  أفضل ممثلة وجه جديد عن هذا الفيلم فى جولدن جلوب لفئة السينما الاسيوية.

إلى جانب ترشح الفيلم للعديد من الجوائز منها أفضل فيلم أجنبى فى جوائز الاوسكار فى دورته 84 ، كذلك تلقى العديد من الترشيحات للجولدن جلوب فى دورته الـ66.

وضعت ميزانية ضخمة لهدا الفيلم وصلت إلى 49 مليون دولار لتكون بذلك هى الميزانية الاضخم لفيلم فى تاريخ السينما الصينية . كذلك الفيلم مأخوذ من عمل أدبى للكاتب الصينى " Geling Yan" لكنه يحمل أسم " زهرات نانجينج الثلاث عشرة".

تجربة الحرب مريرة لا شك فى ذلك لكن اللعبة السينمائية تجمل القبيح وتطفى سحرا وبريقا لا مثيل له، فتعبر عن ما تعجز الكلمات عن وصفه.

عين على السينما في

03/05/2012

 

عندما يسود الاختيار الأكثر بداهة

"أسبوعي مع مارلين".. فيلم متوقع عن امرأة مبهرة

أحمد شوقي 

تقول السطور الأولى في صفحة النجمة مارلين مونرو بالموسوعة الاليكترونية "ويكيبيديا" إن مارلين هي: أسطورة السينما الأمريكية وكانت من أعلامها. وقد توفيت منتحرة بجرعة زائدة من الدواء قبل 49 عاما، وتبعاً للذوق الغربي لم تظهر خلالها ممثلة أخرى تقاربها جمالا وسحرا وانوثة وعذوبة وبراءة معا.

لكن رسالة كتبتها عام 1960 أي قبل وفاتها بعامين تبين مقدار المرارة التي كانت تشعر بها، فقد جاء في الرسالة:

"لدي إحساس عميق بأنني لست حقيقة تماما، بل إنني زيف مفتعل ومصنوع بمهارة وكل إنسان يحس في هذا العالم بهذا الاحساس بين وقت واخر، ولكني أعيش هذا الاحساس طيلة الوقت، بل أظن أحيانا أنني لست إلا إنتاجاً سينمائياً فنياً أتقنوا صُنعه".

فيلم في إطار التوقعات

يكمن في المعلومات السابقة التي يسهل الحصول عليها في أقل من دقيقة، سر خيبة أمل الكثير من محبي السينما بشكل عام وعشاق مارلين بشكل خاص من فيلم "أسبوعي مع مارلين" أو "My Week with Marilyn" للمخرج البريطاني سيمون كورتيز والمأخوذ عن كتاب شهير للبريطاني كولين كلارك الذي صاحب النجمة الأسطورية خلال عمله كمساعد مخرج في فيلم قامته بتصويره في بريطانيا.

فالفيلم يقدم صورة مارلين مونرو التي يعرفها كل من قرأ عدة سطور عن حياتها، فهي تلك الفتاة الساحرة التي ضحت بأجمل سنوات عمرها من أجل نجومية حولتها لدمية جميلة يحركها من حولها لتحقيق مكاسب مختلفة دون التفكير فيما تشعر به هي من معاناة.

هذا الصراع ليس سهلا بالطبع، ويكفي أنه كان من القوة لدرجة دفعت مارلين نفسها لإنهاء حياتها بيديها. ولكنه صراع يأتي ـ على قوته ـ داخل إطار التوقعات التي ستطرأ على ذهن كل من يعلم بوجود عمل فني يتعرض لحياة النجمة الأسطورية. فلم يقدم الفيلم ما يفاجئ المشاهد عن المرأة المثيرة للجدل، واختار أن يحصر نفسه في حيز المتوقع عنها.

لذلك فقد كانت الدراما الأكثر طزاجة في شخصية مارلين (ميشيل وليامز) هو الجانب المتعلق بضعف إيمانها بموهبتها ورغبتها الدائمة في معرفة رأي الآخرين في أدائها، لم يدعمها إيجابيا بشكل دائم، وهو في حد ذاته تصعيد للصراع الداخلي الرئيسي الذي ذكرناه في البداية.

فالسيطرة الكاملة للعالم المحيط على مارلين مونرو أقنعها بأنها مجرد امرأة فاتنة لا تمتلك أي موهبة سوى جمالها.

مارلين الممثلة النجمة التي يؤمن الجميع سواها، بموهبتها، كانت أكثر حضورا وجاذبية في شريط الفيلم من مارلين الطفلة الباحثة عن مراهقتها المسلوبة عبر نزوة تدخلها مع مساعد مخرج شاب (إيدي ريدماين).

وبالمثل كان الجانب الفني هو الأكثر تشويقا في حياة السير لورانس أوليفيه (كينيث براناه) النجم ذي الخلفية المسرحية الضخمة الذي يكره سلوك مارلين ولكن لا يمكنه أن يمنع نفسه من أن يحسدها على موهبتها ونجاحها. ليتفوق الجانب الفني في البناء الدرامي لشخصيته أيضا على الجانب الإنساني المتمثل في مشكلة حبه السري لمارلين وغيرة زوجته النجمة السابقة فيفيان لي (جوليا أورموند) منها.

المحصلة هي أن الفيلم لم يكن موفقا كليا في طرحه الإنساني للشخصيات والذي جاء متوقعا وتقليديا بما لا يتناسب مع قيمة الأسماء التي يحكي عنها. وعلى النقيض تماما أجاد صناع الفيلم في الطرح الفني المتعلق بقيمة الموهبة والحرفة وتقدير النجم لذاته ليقدموا صراعا داخليا طازجا يدفعك للتفكير فيه. أي أن الخط الجانبي للفيلم كان الوسيلة التي أنقذت ماء وجه العمل وحمته من النمطية والتسطيح المسيطرين على خطه الرئيسي.

إشكالية الكشف وعلاقتها بالمصدر

يقول أساتذة الدراما السينمائية ان الحوار هو أسوأ وسيلة يمكن التعبير بها عن مشاعر الشخصيات الحقيقية أو استخدامها في تحريك الأحداث. فالأشخاص عادة لا يفصحون عن مشاعرهم بشكل صريح حتى عندما يتحدثون عنها مع الغير.

بشكل شخصي لا أميل كثيرا للتسليم بهذا الرأي كقاعدة يمكن سحبها على كافة الأعمال الدرامية، فهناك بالفعل كُتَاب موهوبين في استخدام الكشف الحواري في المكان والزمان المناسبين، وهناك مخرجين قادرين على توظيف الوسيلة بشكل لا يفقد الأحداث سريانها الطبيعي.

ما أريد قوله هنا أنه لا توجد أزمة مطلقة من توظيف الكاتب والمخرج للحوار في التعبير عن مشاعر الشخصيات وصراعها الداخلي بشرط جودة التنفيذ واختيار الموقف المناسب الذي لا يجعل الكشف مخترقا لحدود المنطق. وهو ما يجبرنا على الحديث عن معظم المشاهد التي يتحدث فيها لورانس أوليفيه مع مساعده الشاب عن آراءه في مارلين، والتي انتهجت كلها نفس البناء الدرامي: النجمة تتأخر عن موعد التصوير ثم تفسده بسبب عدم تركيزها.. المخرج يدخل غرفته ثائرا فيصيح في الجميع.. يهدأ فلا يجد جواره سوى المساعد فيبدأ في مصارحته بحقيقة مشاعره وهواجسه.

البناء السابق للمشهد يتكرر عدة مرات على مدار أحداث الفيلم بتعديلات بسيطة في كل مرة، مع طريقة إخراجية شبه ثابتة أيضا بالتركيز على وجه النجم المخضرم في مواجهة الكاميرا بينما يقف مساعدة الشاب في الخلفية مستمعا إليه قبل الانتقال بلقطة مقربة على وجه المساعد ترصد استيعابه لما قيل وتفاعله معه.

لا يمكنك أن تمنع نفسك من ملاحظة اختلاق الوضع بأكمله. فمن الغريب أن يصارح النجم الكبير مساعده الذي ألتقى به منذ أيام قليلة بهواجسه المتعلقة بأشياء حساسة لأي نجم كقدر موهبته وحرفيته مقارنة بنجوم آخرين، وإذا دفعه الموقف لفعلها مرة فمن المستبعد منطقيا أن يعيد الكرّة، وإذا حدث وتكرر فيجب على المخرج أن يعدل طريقه طرحه البصرية لكسر التكرار والرتابة.

ولمحاولة التماس العذر سنحاول التفكير قليلا في سر هذا المأزق الدرامي والإخراجي النابع أساس من المصدر. فالأصل في الفيلم هو العمل الأدبي المكتوب من وجهة نظر المساعد راصدا ما شاهده من المخرج الكبير وما استنتجه من مواقفه مع النجمة الشقراء. وهو ما وضع كاتب السيناريو أدريان هودجيز بالضرورة في مأزق نقل هذه المعلومات الحيوية بصورة ملائمة للوسيط السينمائي، ليختار أن ينقلها حواريا في مشاهد متكررة يجب أن يظهر مساعد المخرج فيها لتبرير كونه راوي الأحداث. لينتقل المأزق للمخرج المطالب بتحويل هذا التكرار لصورة، ليختار بدوره التكنيك الكلاسيكي ويكرره في كل مرة.

تلك الإشكالية المتعلقة باختيار وسيلة الكشف من قبل كاتب السيناريو وترجمتها بصريا من قبل المخرج تعيدنا مجددا لأزمتنا الأولى مع الفيلم. فصناع الفيلم يسلكون مرة أخرى أول طريق يطرأ على الذهن في جميع الاختيارات، ليحرمون المشاهدين من عمل كان من الممكن أن يكون مليئا بالمفاجئات الحسنة ليختار صناعه طواعية أن يجعلوه عملا متوسط المستوى في كل عناصره.

وفي النهاية

"أسبوعي مع مارلين" عمل محبط بسبب الاختيار السطحية لصناعه، والتي تعاملت باستسهال مع نجمة تمتلك حياتها كل أسرار النجاح لمن أراد أن يبذل جهدا في التفتيش عنها.

عين على السينما في

03/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)