حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

لغط

كمال رمزي

السبت 28 أبريل 2012

 

هل تأخرنا فى المطالبة بقوانين تحمى الفن والفنانين؟.. الإجابة تأتيك من قلب الأحداث: نعم تأخرنا، بل تأخرنا كثيرا، وإلا قل لى: ما معنى أن يتمطع بعض أعضاء مجلس الشعب، ثم يشمرون عن سواعدهم، ويمتشقون سيوفهم، ليعلنوا، بغرور وصلف، أنهم يعدون «قانونا»، بمقتضاه، تراجع الأفلام السينمائية، قديمها وجديدها، لإقرار مدى صلاحيتها للعرض، وحذف ما يراه الرقباء المحدثون جديرا بالمنع.. هكذا، أعمال صلاح أبوسيف، يوسف شاهين، كمال الشيخ، توفيق صالح، داود عبدالسيد، وآخرين، التى أصبحت جزءا من ذاكرة وضمير وتاريخ وإنجازات الأمة، تمسى تحت رحمة أناس ضاقت رؤاهم، لا يدركون قيمة وقوة الإبداع المصرى، الذى دخل قلوب العرب، وجعل علم الوطن يرفرف عاليا، فى مهرجانات عالمية.. وأحدثها، وليس آخرها، المشاركة المصرية الباعثة على الفخر، فى مهرجات «كان» العريق، بفيلم «بعد الواقعة» للموهوب، يسرى نصر الله.

لو أن هذا البعض، من أعضاء «مجلس الشعب» ــ الذى أتوقع عدم استمراره ــ بحثوا عن وسائل النهوض بالسينما المصرية، وحماية تراثها النابض بالحياة، وتدعيم إنتاجها، وتشجيع تصويرها، وتخفيض ضرائبها، وتوسيع آفاق الحرية أمامها، لكان هذا البعض جديرا بالاحترام. لكن أن ينصب الاهتمام على تكبيلها، ورفع عصا الوعيد أمام مبدعيها، والإعلان عن تغليظ العقوبات لمن لا يمتثل للنواهى والممنوعات، ولكل من لا ينفذ المحذوفات من الشرائط الجديدة والقديمة، فإن الأمر يغدو جد خطير، يتطلب موقفا شجاعا وحاسما، ضد هذه الحملة الهوجاء، التى تنذر بما هو اسوأ.

الاتجاه المحموم نحو فرض الوصاية على الجميع، يعبر عن القوى الاستبدادية التى تجد لها مؤازريها، وخارج مجلس الشعب، متجسدة فى أصحاب أفكار أقرب للخزعبلات، كأن يقترح أحدهم طمس وجوه التماثيل بصمغ مستورد من الخارج، لا يذوب بأشعة الشمس الساخنة، وهو رأى يبدو خفيفا، لطيفا، مرحا، مضحكا، إذا قيس بذلك الرأى الكئيب، المقبض، الفظيع، حول أحقية الزوج فى «مضاجعة الوداع» لزوجته المتوفاة، خلال «الست ساعات التى تعقب وفاتها».. أما كان يليق بمجلس الشعب أن يتصدى لمثل هذه الترهات، بدلا من الانسياق فى إطفاء أنوار العقل والوجدان.

يأتى هذا اللغط وسط أجواء الترويع الفاشلة، المصاحبة لصدور الحكم الصادم على الفنان عادل إمام، بالحبس ثلاثة أشهر، مع الشغل، وبصرف النظر ــ مؤقتا ــ عما ستؤول إليه القضية بعد الاستئناف، ثمة أكثر من مسألة جديرة بالالتفات، فأولا، ليس عادل إمام فقط هو المستهدف، ولكن الإبداع المصرى كله، فماذا يعنى تقديم أشرف أبناء الوطن إلى المحاكمة، فهل من المعقول أو المنطقى أن يكون محمد فاضل أو وحيد حامد، أو شريف عرفة، أو من فى قامتهم، مذنبا!. الإجابة تأتيك من قلب أعمالهم: لا.. والأهم أن هذه الهجمة وحدت صفوف الفنانين، وجعلتهم أشد تماسكا ويقظة، وزادت من اندماجهم فى النشاط السياسى العام، والذى تجلى واضحا، خلال أيام الثورة.. وربما آن الأوان، لبلورة بنود فى الدستور، تحمى الإبداع والفنانين، وتغلق الطريق أمام كل من هب ودب، حين تسول له نفسه، بجرجرة المبدع، إلى قاعة المحكمة.

 

كوميديا.. وتراجيديا

كمال رمزي

الأربعاء 25 أبريل 2012

قالت المذيعة، فى الاستوديو، لمراسل القناة الواقف وسط مجموعة من المتظاهرين فى ميدان التحرير: صف لنا الأجواء.. ماذا يجرى عندك بالضبط؟

المراسل، شاب حديث السن، مرتبك وذكى، لم يسمعها ولكنه خمّن سؤالها، فانطلق، بصوت متوتر، بسبب الزحام والهتافات المتداخلة حوله، فى وصف غضب المؤازرين للمستبعد من ترشيحات رئاسة الجمهورية، حازم صلاح أبوإسماعيل، الذى ملأ الدنيا خبطا ورزعا وتهديدا ووعيدا، بعد أن ملأها بصورته، مبتسما، على الجدران وزجاج السيارات. وراء المراسل، تزدحم الصورة برجال أشداء، بعضهم يرتدى الجلابيب البيضاء، والبعض الآخر بناطيل وفانلات تبرز عضلات مفتولة.. يتطاير الشرر من عيونهم جميعا، يذكروننا بمجاميع المتشاجرين فى الأفلام المصرية، يتهيأون للدخول فى معركة حامية، حالا.. ذكر المراسل أن من بين المتواجدين، الأستاذ خالد يوسف، زاد اهتمام المذيعة، وخرجتُ أنا من حالة المتابع الخمول مندهشا، وربما مستنكرا، من ذلك التحول الدرامى الذى لا يباغتنا إلا فى سينمانا، والمتمثل فى مغادرة مخرجنا الوطنى، خالد يوسف، من قلب الثورة والثوار، لينضم إلى إنكشارية المستبعد.. بحماس، طلبت المذيعة من مراسلها إتاحة فرصة الكلام للأستاذ خالد يوسف.

حدقت فى الشاشة الصغيرة، فركت عينى لأتبين المشهد وأتفهمه. رجل ضخم الجثة. تكاد ملامحه تختفى تحت شعر طويل، مفلفل، موصول بلحية ضخمة، تخفى الرقبة وتمتد إلى أعلى فتكاد تغطى الشفة السفلى، بالإضافة لشارب محفوف، لا هو محلوق ولا متروك. لكن الذى سرق الكاميرا بامتياز، ذلك الرجل الواقف إلى يمين المتحدث، صاحب لحية عجيبة، نصفها الأيمن داكن السواد، شديد الغزارة، ونصفها الأيسر رمادى، أقرب للون الأبيض، خفيف الشعر.. الأستاذ خالد يوسف اندفع فى مهاجمة اللجنة العليا للانتخابات، التى رفضت أوراق الرجل الطيب، البركة، الذى يسيل لعابه على كرسى الرئاسة. ومع مقاطعات المراسل، تكتشف أن المتحدث ليس خالد يوسف، المخرج.. ولكن خالد يوسف آخر، من قيادات حملة حازم صلاح أبوإسماعيل.

بعيدا عن كوميديا الأسماء، يلمس المتابع لمزاج الشعب المصرى، ذلك الإحساس التراجيدى العام بالندم، فما إن تتحدث مع من تلتقيه على نحو عابر، حتى تدرك أنه، كأى مخدوع، يكاد يدين نفسه، يشعر أنه تم استدراجه، بإرادته، إلى منزلق وعر.. يحاول تفسير الموقف الشائك بقوله: كنت أظن أنهم لنا، بدا كل منهم ورعا، يخاف الله، سيتبنى مطالبنا ويلبى احتياجاتنا، وبالتالى انتخبتهم. ولكن ما إن جلسوا على مقاعد مجلس الشعب، حتى نسوا أو تناسوا ما وعدوا به، فبدلا من الحديث عن مرتباتنا الهزيلة، وارتفاع ثمن الدواء، والبطالة التى تتفشى بين أولادنا، وغياب المشروعات الجادة، يتشدق من انتخبناهم بكلام فارغ عن ضرورة منع البكينى على شواطئنا، ومنع تداول وبيع وشراء الخمور.. ولا يفوت النادم أن يؤكد عدم ذهابه، وأسرته، إلى المصايف أصلا، فضلا عن كونه، مثل غيره، لا يحب رائحة السبرتو ومشتقاته.. وينتهى المشتكى، غالبا، بآهة، يزفر فيها شيئا من كمده قبل أن يقول: إنه ذنبى، أنا الذى انتخب.

فى مليونية الجمعة الماضية، وفى نوبة ندم داهمت سيدة، أخذت تكيل الشتائم أمام إحدى خيمات أنصار الدولة الدينية، دفعها البعض بعيدا. اشتبكت معهم، تدخل شباب الثورة لحمايتها، وكادت الأمور تتحول إلى تراجيديا كاملة.. لولا ستر الله.

 

إنسان شريف

كمال رمزي

السبت 21 أبريل 2012

تحررت السينما اللبنانية، أخيرا، من ثقل الحرب الأهلية، دليلى على هذا مجموعة الأفلام التى ظهرت حديثا، والتى تحاول مواجهة الحاضر، ولكن ظل الماضى، بمعناه الواسع، له حضوره العصى على النسيان أو التجاهل.

المخرج، جان كلود قدسى، يعود، بعد ما يقرب من العقدين، بفيلم «إنسان شريف» الذى يعرض الآن بصالات بيروت. من قبل حقق عمله الروائى الوحيد «آن الأوان» 1994، وفيه، نتابع بحث السيدة التى تعيش فى فرنسا، عن ابنها الذى فقدته إبان الحرب، فى لبنان.

«إنسان شريف» أيضا، رحلة بحث «إبراهيم»، بأداء متماسك، متفهم، من مجدى مشموشى، يعود إلى الأردن، بعد عشرين عاما قضاها هاربا فى بيروت، ومنذ اللقطات الأولى، يطالعنا بوجه مهموم، يخفى سرا، وعيون مغرورقة بدموع. ينطلق بعربته فى طرق صحراوية. يذهب إلى مؤسسة، يسأل عن سيدة اسمها «ليلى»، تؤدى دورها كارولين حاتم، وهى ذات جمال صارخ، لكن لا علاقة لها بفن التمثيل. وجهها الخلاب، الساكن، يرفض إبداء أى تعبير، حتى حين تفاجأ بـ«إبراهيم» يغمى عليها فيتهاوى قوامها الممشوق بنعومة، وعيونها الحلوة لا يرمش لها جفن. فقط تغلقهما كما لو أن النعاس داهمها فجأة.

أما عن سبب الإغماءة اللطيفة فيرجع لكونها تظن أن «إبراهيم» مات منذ عشرين عاما. وهو الظن الذى وقر فى عقول عشيرة الرجل. وبدوافع عدة، يقرر إبراهيم العودة إلى بلده فى الأردن، ليرى زوجته المريضة ويساعد ابنه الوحيد، الشاب، ويعلن الحقيقة الغامضة التى لا يعرفها أحد.. ويسير السيناريو الذى كتبه المخرج، وفق منطق بوليسى، تعتمد حبكته على سر، أو لغز، أو سبب هروب إبراهيم من الأردن للبنان، حيث أصبح ثريا بفضل تجارة السيارات.. طبعا، «إبراهيم» يعرف الجميع، لكن الآخرين، لا يعرفونه.. فى ورشة الابن، يمنح الأب ولده مالا وفيرا كى ينقل والدته إلى مستشفى كبير. لكن الابن، الوغد، يشترى بالمبلغ عربة حمراء، ولا يعالج والدته التى تلفظ أنفاسها الأخيرة، أثناء زيارة زوجها الهارب، الذى تظنه شبحا.

يسرف الفيلم فى مشاهد الدفن، والجنازة، والبكاء والعويل. ووسط هذه المندبة، يعلن «إبراهيم» عن نفسه، الأمر الذى يغضب والده، وبقية عائلته. إنهم يعتبرونه بطلا، قام بقتل «ليلى» قبل أن يتم قتله. قتلها دفاعا عن الشرف ومات فى سبيله أيضا. وفى مشهد سريالى، لا يتماشى مع أسلوب الفيلم، يرفع شباب العشيرة هراواتهم وينهالون ضربا على جسم «إبراهيم» الذى يبدو كما لو أنه لقى حتفه. لكن نراه، فى المشاهد التالية، بضمادات على أنفه، على طريقة النائب الخائب «البلكيمى».

خارطة العلاقات فى «إنسان شريف» شديدة الارتباك، تتابعها بصعوبة، وتخرج بنتيجة مؤداها أن «إبراهيم» هو زوج أخت «ليلى»، و«ليلى» تعرضت لاغتصاب شقيقها وأحبت بريطانيا.. هربت معه وأنجبت ابنة، أصبحت شابة،  ستقع، فى حب ابن «إبراهيم»، وتقول له «لماذا تضعون شرفكم بين سيقان نسائكم».. وفيما يبدو أن «إبراهيم» يحب «ليلى»، التى تجلس معه فى انسجام عقب زيارة قبر شقيقتها. «إبراهيم» هو الذى أنقذ «ليلى» من القتل على يد شقيقها، وهرب، بعد أن وضع جثة سائق محترق فى عربته حيث ظن الجميع أنها جثته.. وهذه، كما ترى، حبكة هزيلة، فى فيلم مرتبك، يزعم أنه يعالج قضية «الشرف»، لكنه بالتأكيد، بسبب افتعاله، لا يكسب قضيته.

 

تاكسى البلد

كمال رمزي

الأربعاء 18 أبريل 2012

فيما يبدو أن السينما اللبنانية تشهد لحظات انتعاش، فالزائر لبيروت يرصد ثلاثة أفلام جديدة، دفعة واحدة. فيلمان يعرضان فى الصالات: «تاكسى البلد» لدانيال جوزيف، و«إنسان شريف» لجان كلود قدسى.. أما الفيلم الثالث «بيروت فى الليل» أو «فندق بيروت»، حسب عنوانه الأجنبى، فإنه متوفر على الأرصفة، وفى أكشاك بيع السيديهات «المضروبة»، بعد أن منعته الرقابة، فحققت له شهرة ورواجا، لم تكن صاحبته، دانيال عربيد، تحلم بهما.. يتمتع كل عمل من الأفلام الثلاثة، بأسلوبه المستقل، الذى لا يشبه الأخرى، مما يثبت حيوية سينماتهم بالانطلاق. بعضها، مثل «تاكسى البلد» يتميز بألق شديد الخصوصية، يستوحى الروح اللبنانية، حيث الأناقة والتفاؤل. النشاط والذكاء. والأهم، تلك القدرة على الجذب، فالفيلم المتسم بالحيوية، المتدفق بالمواقف، يمنع أى ملل قد يتسرب إلى الجمهور.

«تاكسى البلد» يندرج فى باب «أفلام المدينة»، أو أفلام «العرض حال». قصته بسيطة: شاب، اسمه يوسف، بأداء جيد من طلال الجردى، قادم من ضيعة فى الشمال، يشترى بكل ماله سيارة أجرة، يعمل عليها نهارا وليلا. يلتقى عددا كبيرا من الشخصيات. يمر بمواقف متلاحقة. يتفتح قلبه بالحب تجاه وافدة أمريكة، هاربة من بلاد العم سام عقب فشل قصة حبها مع رجل لبنانى.. الفيلم ليس مجرد قصة، لكن عالم كامل، موضوعى وذاتى فى آن. هو طريقة فى السرد، يوفق فيها مخرج العمل وكاتبه، بمساندة مواهب لبنانية مبدعة فى مجال التمثيل، فضلا على طاقم عمل مرصع بخبرات أمريكية لها شأنها، على رأسها المصور تشارلز دى روزا، والممثلة كارينا توج التى جسدت دور جورديان، الباحثة عن حياة جديدة، فى مدينة حبيبها الذى هجرها.

بناء الفيلم ينهض على شخصية الراوى، البطل، مما يعطى للعمل قدرا لا يستهان به من الحميمية، يزداد دفئها بتلك الصراحة والصدق التى يتسم بها «يوسف»، فهنا، يأتى حديثه أقرب إلى «المنولوج» الداخلى، حيث شجاعة الاعتراف للذات، بعيدا عن الرغبة فى تجميل صورته أمام الآخرين.. يسير الفيلم فى خطين. أحدهما ما يجرى فى الواقع، داخل التاكسى، فى أحشاء المدينة، فمن راكب سكران، يريد اصطياد امرأة، إلى عجوز مشاكسة ترفض النزول من السيارة إلا أمام بيتها بينما الزحمة أو «العجأة» ــ حسب التعبير اللبنانى ــ ستجعلها تصل بعد عدة ساعات. تأتى هذه الشخصات العابرة، متمتعة بخصوصية فريدة، شكلا وموضوعا، يعززها توجيه المخرج لأداء الممثلين.

أما خط الفيلم الثانى، فيتمثل فى ذكريات «يوسف» الأقرب للفلاش باكات، تتوارد أمامنا على نحو نموذجى، تتواءم تماما مع الموقف الذى يستدعى المشهد القديم. فحين يضع راكب «شبيح» مدية، فى ظهر السائق، طالبا المال، يتراءى لبطلنا صورة فتوة الضيعة «كارلو»، الذى قهر خصومه، كما أن «يوسف» يتمنى أن يكون فى جبروت «كارلو».. صور «يوسف» صبيا، تذكرنا بالأفلام الإيطالية الجميلة، فهو مشاكس، يدخن السجائر، وبشجاعة، يعترف بسرقة نقود صناديق نذور السيدة العذراء.. التفاصيل الصغيرة، فى الفيلم، تجعله عملا كبيرا، فعلى سبيل المثال، يلفت نظر بطلنا ذلك الديك الرائع الجمال، يسأل والدته عنه، تخطره أنها لا تعرف صاحبته، ولكن جاء واستقر هنا منذ عدة أيام. إذا أخفت لكل هذا شريط الصوت المعبر عن المواقف والموسيقى المصاحبة الملائمة للزمان، شذرات من محمد عبدالوهاب قديما، إلى فيروز وعبدالحليم حديثا، سيزيد إعجابك.

 

رد فعل

كمال رمزي

الأحد 8 أبريل 2012

أنجزت السينما المصرية عددا لا بأس به من الأفلام النفسية، أصبح بعضها من الكلاسيكيات التى صمدت لاختبار الزمن: «المنزل رقم 13» 1952 للمخرج الكبير كمال الشيخ الذى قدم لاحقا «بئر الحرمان» 1969. وإلى جانب يوسف شاهين، صاحب «باب الحديد» 1958، و«الاختيار» 1971، ثمة حسام الدين مصطفى الذى حقق «ذات الوجهين» 1973.. وتمكنت الأفلام النفسية أن تتسلل إلى الكوميديا، كـ«سفاح النساء» لنيازى مصطفى 1970.. وهذا كله من باب الأمثلة وليس الحصر. ذكرت هنا بمناسبة عرض «رد فعل» المرصع بأسماء جديدة، على رأسها المخرج حسام الجوهرى، وكاتب السيناريو إيهاب فتحى ووائل أبوالسعود. أما الهدف من سرد عناوين الأفلام، سالفة الذكر، فللتأكيد على أن الجديد، يأتى بعد مشوار السينما المصرية، فى هذا المجال، وبالتالى يصبح السؤال عن الجديد الذى جاء به الفيلم الجديد، أو على الأقل، مدى استفادة «رد فعل» من ما سبقه؟

الإجابة تأتيك من قلب الفيلم: لا شىء، فنحن بإزاء قاتل خفى، متسلسل الجرائم. ضحاياه، سكان عمارة فى قلب العاصمة، هم مجرد عناوين عامة وليس شخصيات إنسانية تحبها أو تكرهها، فقبل ظهور العناوين، تجلس سيدة عجوز وحيدة، على مقعد، أصابع من خلفها، ممسكة بحبل رفيع، تلفه حول رقبتها فتزهق روحها. فيما بعد، نعلم أنها ممثلة متقاعدة.. وبعد العناوين، نتعرف على الشخصيات المصمتة: صحفية دائمة الشجار، تؤدى دورها، على نحو تقليدى، انتصار.. صاحب محل ذهب رعديد، يجسده علاء زينهم، بطريقة كاريكاتورية.. محام من الصعيد، لم يجد فيه محمود الجندى سوى لهجته المميزة.. رجل منغمس فى ألاعيب سياسية، بلا مهنة، يتقمصه رءوف مصطفى، بذات الطريقة التى ظهر بها فى أفلام سابقة.. صاحب العمارة العصبى، صبرى عبدالمنعم، الذى يظهر فى مشاهد متعجلة.

وربما ثمة «عناوين» أو «أسماء»، بهتت تماما فى الذاكرة.. «رد فعل» يبدو كمن يجرى وراء عدة أرانب، لا تمكنه طاقته من الإمساك بأى منها. والأهم، أنه لم يستوعب دروس كلاسيكيات السينما المصرية، المتعلقة بضرورة التعاطف مع شخصية المهدد بالقتل. فى «المنزل رقم 13» يخفق قلب المتفرج مع فاتن حمامة وعماد حمدى، وفى «بئر الحرمان» تتعلق الأحاسيس بما ستؤول إليها حالة سعاد حسنى، والتى نفزع من مصيرها المحتمل فى «الاختيار».. التعاطف، مع الشخصيات التى تعيش لحظات الخطر، من أهم شروط هذه النوعية من الأفلام.. لا تتوافر هنا.

تتوالى الجرائم فى «رد فعل»، مرة بخنجر، وثانية بالصعق الكهربائى، وثالثة بإلقاء الضحية من حالق.. ولكن من دون تشويق أو إثارة، اللهم إلا من خلال طوفان الموسيقى التصويرية المعهودة.. ويصبح ضابط المباحث، عمرو يوسف، فى حرج أمام رؤسائه، ويتولى الطبيب الشرعى، محمود عبدالمغنى، تشريح الجثث وكتابة التقارير، وهو يستقبل ابنة خالته التى تعد دراسة الدكتوراه فى أمريكا، الوجه الجديد الواعد، حورية فرغلى.. والواضح أن محمود عبدالمغنى، حاول، ونجح فى إعطاء ما يشير إلى حقيقته، بذلك الاكتئاب الذى يداهمه بين الحين والحين، وبتذكرة، عن طريق الفلاش باك، ليلة وفاة والده، واتهام والدته للضيوف بأنهم السبب فى وفاة زوجته.. وبالضرورة ــ حسب زعم الفيلم ــ تتخلف عنده عقدة نفسية تدفعه للثأر ممن يعتقد أنهم قتلة والده.. فهل تصدق؟.. وأخيرا، فى مشهد مرتبك، يؤديه عبدالمغنى من دون اقتناع، يحاول قتل ابنة خالته الرقيقة، لكن الإنقاذ يأتى اللحظة الحرجة.. «رد فعل» نتعلم من أخطائه الشىء الكثير.

 

حظ سعيد

كمال رمزي

الأربعاء 4 أبريل 2012

التحدى الذى تواجهه السينما المصرية يتطلب منها استجابة إبداعية قوية، وفيما يبدو أن «حظ سعيد» قرر قبول التحدى، فاختار موضوعا جادا، يرتبط بالحاضر، وانتقى شخصيات من فئات تعيش فى عناء الواقع، وقدم وجوها شابة، تخطو خطواتها الأولى فى عالم الأطياف، فيما عدا أحمد عيد، المحبوب والمحترم، الذى يتمتع بوجه على قدر كبير من الصفاء، تتسم عيناه بتلك الحيرة التى تتجلى فى عيون أبناء الطبقة الوسطى، وانتقل من فيلم لآخر، معبرا، على نحو ما، عن أشواق شباب مقموع، يرنو لحياة إنسانية أكثر عدلا.. أحمد عيد، اكتسب تقديرا، عاما ورفيعا، مساء كشفه الشجاع، على الهواء مباشرة لاثنين من المذيعين، كان لهما دور فخرى، ضد ثوار يناير.

سعيد، بأداء أحمد عيد، مثل أولادنا الذين حرموا من الانخراط فى عمل منتظم، دائم، لذا، فإنه يبيع بضاعة على فرشة مؤقتة فى الشارع.. سريعا، يداهمه رجل الشرطة، ضياء المرغنى، طالبا منه الأتاوة، وحين يرفض، يسوقه إلى القسم، ينهال عليه ضربا، باللكمات والصفعات والشلاليت، مع صوت حسنى مبارك متحدثا، فى أحد خطاباته، عن كرامة مصر التى هى من كرامة المواطن، وبعد ليلة فى التخشيبة، يُلقى بالشاب سعيد أمام بوابة القسم.. مدخل، لا بأس به للفيلم، لكن هذه المشاهد، جوهريا، تتكرر ثلاث أو أربع مرات، فى أقل من ثلث الساعة: القبض على البطل، من المخبر ذاته، ثم علقة، على مرأى من الضابط الذى يكاد يشارك، ثم قذف «سعيد» إلى الخارج. عندئذ، ندرك مدى ضعف خيال السيناريو الذى لم تسعفه قريحته إلا بهذا الموقف المتكرر، بالإضافة للإخراج الكسول الذى سيسرى فى تفاصيل وشرايين الفيلم.. «سعيد»، يرتبط عاطفيا بسماح، الفتاة الشعبية التى تؤدى دورها، بحيوية واضحة، مى كساب، لكن ظروفهما الصعبة تجعل من زواجهما مشروعا مؤجلا، فصاحبنا، تنازل عن حقه فى شقة والدته لأخيه المتزوج. أما شقيقته، وهى ممثلة لا أعرف اسمها، تحتاج لتدريبات جادة، طويلة، فى الأداء التمثيلى، ذلك أنها تعانى من خفوت الانفعالات، والواضح أنها، مع المخرج، حاولا أن تظهر جميلة، أنيقة، حتى وهى محمولة فوق الأكتاف، وتهتف بسقوط النظام، فى ميدان التحرير. ولا يفوت الفيلم أن يقدم طرفا من المشاهد الوثائقية للمجاميع الهائلة، إبان الثورة، وطبعا، الفارق شديد الاتساع بين صدق وحيوية التسجيلى من ناحية، والروائى من ناحية أخرى. أما حين يمزج الفيلم بين الاثنين، فإن التنافر، أو الانفصال بينهما يتبدى بوضوح.

سعيد، يبحث عن شقيقته، وفى ذات الوقت، ينضم إلى فلول «آسفين يا ريس» بميدان مصطفى محمود، ليس حبا فى حسنى مبارك، ولكن من أجل حفنة نقود، يوزعها أصحاب وجوه فاسدة، شاهدناها فى البداية، وعندما يصل لميدان التحرير، يكتشف أنه ليس فى مجرد مظاهرة، ولكن فى مقدمة هجوم الجمال والخيول. يلتقى بشقيقته المصابة «بواوه» فى رأسها، موضوع حولها «ميكروكروم» على أنه دم. شعرها الناعم لا يزال محتفظا بحريرته.

«حظ سعيد» يقع فى براثن السينما القديمة، عدة مرات، لعل أسوأها حين يهرب البطل من مطارديه، يحتمى بشقة تجمع ما بين الكباريه والبيت السرى، تمتلئ بنساء منحرفات، يتبخترن أمام الكاميرا، ويضحكن الضحكات الخليعة التى سمعناها، فى أفلام عفا عليها الزمن.. مهما كانت حسن النوايا، فإن الفيلم مكتوب كمسودة أولى، تحتاج لإعادة كتابة، عدة مرات، ويحتاج لمخرج آخر، غير ذلك الطموح، الذى يعوزه أسلوب يختلف عما سار عليه من قبل، فى «عجمستا».

الشروق المصرية في

04/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)