حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«الرجل الخطأ» لهتشكوك:

من كان بلا خطيئة ليرمهم بحجر!

إبراهيم العريس

 

« تشغل ذهني الآن فكرة تمارس عليّ اغراء» عظيماً(...). عادة في هذا النوع من الأفلام يكون البريء في السجن، ولكن ليس على الشاشة معظم الوقت. أما ما يراه المتفرج على هذه الشاشة فهو إما الصحافي أو التحري الخاص الذي يقوم بالتحقيقات وقد آمن ببراءة الرجل، فيبذل الجهود لإطلاق سراحه وإثبات براءته. في هذا الاطار أعتقد بأن لا أحد سبق أن حقق فيلماً ينطلق من وجهة نظر المتهم البريء نفسه. وهذا ما أحب أن أحققه الآن». هذا الكلام قاله، في العام 1955 سيد السينما التشويقية الفريد هتشكوك في وقت كان هذا الفيلم الذي يتحدث عنه على هذا النحو، لا يزال حبراً على ورق. لكن أحداث الفيلم كانت قد جرت في الواقع. الفيلم هو «الرجل الخطأ»... أما الأحداث فمأخوذة من حادث إجرامي وقضائي كان قد وقع فعلاً في إحدى المدن الأميركية وتحدثت عنه الصحافة. ويتعلق الحادث بالقبض على موسيقي واتهامه بجريمة سطو ثم محاكمته وهو بريء من التهمة كلياً. هذه المحاكمة أثارت الرأي العام الأميركي يومها. وما إن قرأ هتشكوك تفاصيلها حتى أدرك انه عثر على موضوع فيلمه الجديد. بل على موضوع يستجيب تماماً لرغبة قديمة لديه، عبّر عنها كثيراً في عدد من أفلامه السابقة، فكرة تتمحور تحديداً حول موضوعية الانسان الذي يتهم وهو بريء.

> والحقيقة ان أكثر ما أثار هتشكوك في الحكاية كلها هو عاديّة الرجل المتهم. فهو رب عائلة عادية، يعمل عازفاً على آلة الكونترباص في ملهى ليلي. وفي الواقع ليس ثمة في عالم الأوركسترا ما هو أكثر غموضاً وعرضة للجحود، من عازف آلة الكونترباص، إذ حتى وإن كان وجوده ضرورياً للأوركسترا، فإن مكانه دائماً في الظلام. انه نكرة تماماً (وهو ما سيعبّر عنه الكاتب بيتر ساسكند لاحقاً في مسرحية بطلها عازف كونترباص، تقول أيضاً عاديّة الرجل وتفاهة حياته). المهم ان عادية الرجل، واسمه في الفيلم بالستريرو، هي التي تضفي على شخصيته كمتهم، استثنائية عبّر عنها هتشكوك، حين جعل الفيلم كله مبنياً على وجهة نظره... خصوصاً أن هتشكوك يقدمه لنا، في حياته اليومية، وسط سعاداته العائلية المنتزعة من صميم واقعه البائس (ما يرسم منذ البداية صورة دائمة لتهديد ما يعيشه ذلك النوع من السعادة). وحين تقوم الشرطة بالقبض على بالستريرو، يكون هذا تفسيراً لما اعتبره هتشكوك تهديداً محيطاً بحياة ذلك الأميركي العادي، الأميركي البلا ملامح - كما كان يمكن لروبرت موتسيل، الكاتب الألماني، ان يقول -. وهذا كله يجعل منه شهيد العدالة، ولكن شهيد الحياة أيضا، في نظرنا، نحن الذين يقول لنا هتشكوك بسرعة اننا أمام المتهم الخطأ.

> تبدأ الحكاية، إذاً، ببالستريرو وهو يعود الى منزله ليلاً، بعد أن انتهى من عمله في الملهى في مدينة نيويورك، وهو ما أن يصل الى باب بيته حتى يهاجمه رجلان يركلانه ويدفعانه، عارضينه أمام بعض الناس سائلينهم: «هل هذا هو؟...هل هذا هو؟». وإذ يجيب القوم بنعم، يقاد الموسيقي المسكين الى السجن بتهمة السطو وتبدأ المحاكمة. وبالتدريج تنهار حياته العملية وحياته العائلية الى درجة ان زوجته تفقد عقلها وتنقل الى مأوى للمجانين... والحقيقة ان المحاكمة تشكل المتن الأساس للفيلم، خصوصاً مع بروز واحد من المحلفين لا يتزعزع إيمانه بأن المتهم مذنب، بل انه يعترض على محامي الدفاع كلما حاول ان يطرح على الشهود سؤالاً يتعلق بفكرة ما، قد تؤدي الى تبرئة بالستريرو. وتتتابع فصول المحاكمة، حتى اليوم الذي يظهر فيه المجرم الحقيقي ويقبض عليه. هذه هي الحكاية باختصار. هي الحكاية الحقيقية التي حصلت في الواقع في نيويورك نفسها في العام 1952، وسنشاهدها في الفيلم. غير ان الفارق الأساس يكمن في ما يقوله لنا هتشكوك بصددها: «لقد أدركت منذ البداية، منذ قرأت عن الحادثة والمحاكمة في الصحف، ان من شأن هذا كله أن ينتج فيلماً جيداً ومثيراً للاهتمام، خصوصاً انني وجدت في تقديم الأحداث، دائماً، من وجهة نظر المتهم البريء، مبرراً لتجديد فكري وتقني. ولعل أهم ما دفعني الى هذا التفكير هو ما رأيته وسط مناخ ردود فعل راحت من البداية، وسط تهذيب مزيّف ورقّة كاذبة تجيب الرجل كلما صرخ وأقسم بأنه بريء، «آه... طبعاً... طبعاً طبعاً بالتأكيد انت بريء!». كان هذا الجواب الساخر واللامبالي هو أكثر ما أثارني. لأنني رأيته مرعباً...».

> ان كون المتهم البريء ذا زوجة وأطفال، كان عاملاً أساسياً في تحريك مشاعر هتشكوك تجاه هذا الفيلم. وهو سيقول لاحقاً، كيف اثارته ايضاً حقيقة ان الآخر، المجرم الحقيقي، كان أيضاً ذا زوجة وأطفال. وسيقول هتشكوك في الحوار الطويل الذي أجراه معه زميله الفرنسي فرنسوا تروفو (وأسفر عن واحد من أجمل وأهم الكتب في تاريخ السينما)، ان العبارة التي سيتفوّه بها المجرم الحقيقي -حين يقبض عليه في سوبرماركت حيث كان يقوم بعملية سطو جديدة، فيما البريء في السجن ينتظر الحكم عليه لجريمة لم يقترفها-، هذه العبارة أثارته تماماً، إذ يقول المجرم: «أرجوكم دعوني اذهب... ان زوجتي وأطفالي ينتظرونني في البيت...». «انها جملة مثيرة، قال هتشكوك، من المؤكد ان احداً لم يفكر بوضعها في سيناريو يتحدث عن مثل تلك الظروف».

> لكن الأساس هنا يظل فصل محاكمة البريء. هو الأهم هنا، لأنه يصوّر درب الآلام الذي يسير عليه بالستريرو، كما تسير عليه زوجته... ثم، إضافة الى هذا، اعادة رسم حياة بالستريرو كلها- تبعاً للظروف الجديدة -، لأن هذا الرجل لا يتحمل الآن، سوء صورة مكثفة لحياته كلها. ومن هنا ما يفعله هتشكوك، حين يصور بالستريرو في لقطة جريئة متحركة وهو يدور دائماً خلف قضبان السجن بعد ان فقد مبررات حياته وزوجته فأضحى سلبياً واعياً تماماً بسلبيته... منهك الجسد محطم الروح.

> لاحقاً، حتى حين لا تثبت إدانة الرجل ويطلق سراحه، ها هو حر... ولكن نظرياً، لأنه صار تحت المراقبة الدائمة. وهنا يقوده هتشكوك الى حيث يصلي في لقطة قريبة، تتبعها لقطة شفافة تنطبع فوقها لقطة اخرى لشارع يسير فيه رجل آخر، سرعان ما تشغل صورة وجهه، نفس الحيز الذي تشغله صورة وجه بالستريرو... ويحدث هذا مباشرة قبل ان تقبض الشرطة على الرجل الآخر المرتكب الحقيقي لجريمة السطو. «ماذا أراد هتشكوك ان يقول عبر تلك اللقطة؟ هل يريد ان يحدثنا عن معجزة دينية؟ عن حلم؟ عن حل مستحيل؟». يتساءل الباحث الفرنسي نويل سيمسولو في كتاب شهير له عن هتشكوك، ثم يقول: «الحقيقة ان التباس هذه اللقطة، يدفعنا الى تصديق نظرية تقول ان هتشكوك انما أراد ان يوحي بأن كل ما جرى انما كان حلماً رآه بالستريرو، ليصبح تعويذة بالنسبة اليه، بل حتى يخلص بديله المجرم من نزعة الشر - ويتمثل ذلك في رجاء هذا الأخير ان يطلق سراحه لأن لديه زوجة وأطفالاً -». في هذا البعد واضح ان هتشكوك يضع الرجلين على تناقض بعضهما بعضاً... ليوصلنا الى تشابه مطلق بل تكامل بينهما... من منطلق ان بالستريرو، مذنب بدوره، في مكان ما... حتى وإن كانت جريمته تختلف عن جريمة الآخر...وكأننا هنا بصدد كلام السيد المسيح عن المجدلية حين طاردها الرعاع راجمين...

> حين حقق الفريد هتشكوك (1899 - 1980) فيلم «الرجل الخطأ» في العام 1957، كان في قمة نضوجه، بعد ان ترسخت تجربته الأميركية التي تلت بداياته الانكليزية في وطنه الأصلي. والحال ان هذا الفيلم سيستبق سلسلة من أعمال كبيرة حققها هتشكوك منذ النصف الثاني من خمسينات القرن العشرين، أوصلت شعبيته الى ذراها ومن بينها «فرتيغو» و «شمالا بشمال غرب» و «بسايكو» و «العصافير» و «مارني». وبالنسبة الى سيد التشويق السينمائي هذا، سيظل «الرجل الخطأ» علامة فارقة في مسيرته، إذ يعتبره أكثر أفلامه حميمية، خصوصاً انه استخدم أناساً عاديين للأدوار، ومنهم أناس مثلوا الأدوار نفسها التي لعبوها في القضية الحقيقية، اضافة الى هنري فوندا، ممثله الأثير في ذلك الحين، والذي لعب، عبر شخصية بالستريرو، واحداً من أجمل وأعمق الأدوار التي أتيحت له في تاريخه السينمائي الطويل...

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

14/04/2012

 

تكلم بالفرنسية... وإلا فأنت متّهم!

الدار البيضاء – مبارك حسني

ليس الأمر سوى مسألة تواصل لا غير، تواصل قد يؤدي غيابه إلى السجن والعزلة والانهيار. وقد اختبر عمر الرداد، ذلك البستاني المغربي العامل في فرنسا، ذلك بقوة وعمق إلى حدّ الغياب واللافهم. لكن الشريط الذي حققه عنه رشدي زم وظّف قصته المشهورة والمنتمية إلى ما يسمى فرنسياً بالأحداث المختلفة fait divers كي يمنحنا مأساة إنسانية بالمفهوم المسرحي للكلمة. فالجريمة هنا قدر مغموس في الالتباس العظيم والعواطف المتنافرة الكبيرة التي تقضّ قلب إنسان في معركة حياة لم يخترها إطلاقاً.

وهنا ينتصب إشكال فني حقيقي، هل الشريط من أجل قضية البستاني، تعريفاً ودفاعاً أم قضية فنية بفكرة أصيلة مثيرة لا غير تتضمن التشويق المضمون، والمتابعة الجماهيرية الكبيرة؟ على غرار ما قالته إحدى شخصيات الشريط، وهي ناشر اقترح عليه كاتب أن يكتب عن قضية عمر لوجود ثغرات في المحاكمات والاتهامات، «قضية مسلم بريء ضمان لكتاب ناجح». لكن رشدي زم تجاوز هذا المطب كله، وقدم شريطاً فيه الكثير من الانخراط العفوي تقريباً، والتضامن مع قضية بشرة تشبه بشرته في تعاون ما بين مخرج مغربي مهاجر هو أيضاً ممثل سينمائي معروف ووجه عمومي شهير من جهة، وفرد مغربي مهاجر لكنه على عكس الأول، نكرة وطيب وأمي تائه لجهله باللغة والثقافة الغربيتين، إلا أن وجوده في صلب جريمة يجعله معروفاً. إذاً، وجهان عربيان في فرنسا معروفان لكن على النقيض. وبالتالي فهما يلخصان الوجود المغربي في أوروبا.

غموض غير خلّاق

عُرفت قضية عمر الرداد بما يعتريها من غموض كبير وتناقض في الأحداث، لكنها تفردت بالجدال اللغوي الكبير الذي أعقبها. فقد عثر في قبو الفيلا الذي قتلت فيه الفرنسية جيزلين مارشال على جملة صارت شهيرة فيما بعد كُتبت بدم الضحية مفادها «عمر قتلني»، لكنها تضم خطأ فادحاً من النادر وقوعه من طرف امراة كانت من هواة الكلمات المتقاطعة.

الشيء الذي صبغ القضية بالشك، لكنه لم يمنع المحكمة من الاكتفاء بها وإدانته، ومن ثم إدخاله السجن. اللغة والدم هما سمتا هذه القضية. وقد حاول الشريط تبيان سوء استعمالهما أو توظيفهما الذي لم يكن مستنداً إلى دلائل قوية.

ومن أجل الكشف والتوضيح، اعتمد السيناريو على تحريات الكاتب الذي اعتنق القضية، وبدت له تستحق البحث من أجل إنقاذ حياة إنسان. بموازاة ذلك، اعتمد من جهة ثانية على تجسيد بعض الوقائع في الوقت المناسب، كلحظة الاعتقال وجلسات المحكمة وأجواء العيش في السجن، بخاصة لحظة الإضراب على الطعام ومحاولة الانتحار ببلع شفرة حلاقة اللذين قام بهما عمر الرداد.

والحق أن الإيقاع كان سلساً عند الانتقال من جهة إلى أخرى، الشيء الذي مكّن من ضبط خيوط القضية والتعاطف مع صاحبها.

لكن الأهم، وفوق هذا وذاك، تجلى في الغوص في حياة كل من مدام مارشال وعمر الرداد. الأولى مثقفة معتدة بنفسها، من عائلة ثرية في مدينة صغيرة بورجوازية، تعيش في فيلا واسعة، ولها جذور عائلة تاريخية معروفة في سلك القضاء والسياسة. والثاني بستاني أمي ترق لحاله وتعطف على أمثاله الطيبين، له عائلة مغربية متواضعة ولا ينشد سوى الكفاف والعفاف. لكن الجريمة ستجعل الكل يكتشف أن مدام مارشال سيدة ذات أراء ليبرالية خاصة، وتحضن أسراراً لا أحد سيكتشفها. والجريمة ذاتها ستجعل من عمر شخصاً سيعمّق قدره المأسوي لأنه لا يقرأ ولا يكتب أصلاً، فكيف بإتقان اللغة الفرنسية التي لو كان يحسن التكلم بها لساعدته في فك طلاسم ما وقع.

وهذا أجمل ما كشفه الشريط. فعمر يبدو في حاجة إلى الآخر كي يفهم ما يجري له، وكي يوصل ما يفكر فيه، وكي يدافع عن نفسه ويرد أجوبة المحققين والمحلفين والقاضي والصحافيين، أي أن يتواصل بكل بساطة مع العالم الذي يعيش فيه من دون أن يكون قد اختاره أصلاً. فاللقطات التي تبين تلعثمه ونطقه بكلمات فرنسية معوجّة النطق، «تُعطل» الفهم وتخلق الملل والتبرم، لكنها سينمائياً تُشكل أحد أقوى لحظات التأثر.

هذا المغربي الواقع تحت الأضواء من دون اختيار ولا استعداد، أليس علامة على وجود قسري يُناطح وجوداً لم يختره بل جمعه التاريخ العنيف في لحظة ما، استعماراً أو حرباً كونية؟ أليس اللافهم والتعنّت وسلطة الخلفيات الثقافية المتحكمة في السلوكات بخاصة عند ذوي القرار ورجال السلطة هو ما يخلق المآسي بين الثقافات المختلفة ويُصعّب العيش؟ أليس الجهل والأمية ما يجعل الآخر لا يرعوي كثيراً أو لا يرى داعياً كي يعمق علاقته وفهمه، وبالتالي يقف على حقائق الأمور التي تعمي البصر عنها هذه الخلفيات؟

البريء في عالم القسوة

هذه هــــي الأسئلة التي تستتبعها مشاهدة الشريط، من دون أن يسقط في الخطابة والتقــــريرية. المخرج يفهم الشخص وينسج من حكايته شخصية محببة بريئة في واقع قاس ومعقد المساطر. من هنا رأينا في التقارب الجميل بين المخرج وعمر. كأنه لا يفهمك كثيراً إلا من كان من طينتك. وحقاً، فهذا التقارب بينهما أساسي، لأن الفيلم يسير على خط التناغم والاتفاق.

المخرج يعانق القضية من دون لف ودوران، ويقدمها من جهة ما يعضد البراءة من دون السقوط في كليشيه المؤامرة. بل يتجاوز ذلك حد تأكيدها في الكثير من الوقائع والحوارات واللفتات. إنه يقدم الوجـــه الثانـــي الذي لم يقدمه الإعلام الفرنسي حين ركـــز على جوانب سلبية في حياة عمر هـــي في حقيقة الأمر عادية جداً ولا تمت إلـــى الوقائع بصلة. بل ركز هو على العائلة الصغـــيرة وجو الحب والمودة داخلها، كما علـــى احتفاظها بعاداتها المغربية الأصيلة من دون أي توظيف ولا استغلال.

رشدي زم الممثل القدير تمكن بإخراجه هذا الشريط، على إظهار قدرات إبداعية إخراجية محترمة. قدرات مبنية على التصوير المعانق للموضوع من دون السقوط في الشكلانية ولا التورط في الرأي المنتصر للوجود القبلي للقهر والقمع وما إلى ذلك مما يستخدمه الساسة والمؤدلجون. كان إنسانياً في الطرح والمقاربة، وبهذه الصفة خدم عرب فرنسا في شكل كبير. قدم السينما التي ترضي الأكثر والأغلب بالفن أولاً وأخيراً.

الحياة اللندنية في

13/04/2012

 

تفاؤل بانتعاش شباك التذاكر... والنجوم ينافسون الشباب

القاهرة – نيرمين سامي 

رويداً رويداً تستعيد السينما المصرية بريقها الذي بهت قليلاً منذ الثورة، حيث تسود اليوم حال من التفاؤل الحذر بين الموزعين والمنتجين السينمائيين إزاء موسم الصيف المقبل على رغم تزامنه مع انتخابات الرئاسة وحلول شهر رمضان المبارك. إلا أن المراهنة على رغبة الجماهير في كسر الجرعة السياسة المكثفة التــي عاشوها على مدار أكثر من عام ربما ستلعب دوراً كبيراً في إنعاش شباك التذاكر الصيفي.

مبدئياً، بدأت خريطة موسم الصيف السينمائي تتشكل بعدما ساهمت الأفلام التي طــــرحت أخيراً في دور العرض في إنعاش السينما، وآخرها فيلم «حظ سعيد» للفنان أحمد عيد.

كما عرض أيضاً فيلم «على واحدة ونصف» للممثلة سما المصري التي صاحبت عرضه بمعركة مع الصحافيين الذين اتهموهما بالإساءة للمهنة. مهما يكن فإن إيرادات هذا الفيلم لم تكن بضخامة الحملة الدعائية نفسها التي صاحبته. كما عرض فيلم «بنات العم»، الذي حقق مفاجأة بإيرادات بلغت 10 ملايين جنيه أمام شباك التذاكر، على رغم أن أبطاله مجموعة من الشباب الجدد. أما أحدث الأفلام التي استقبلتها دور العرض فكان «رد فعل» من بطولة محمود عبدالمغني وعمرو يوسف وحورية فرغلي ومحمود الجندي وسامي العدل وانتصار، ومن تأليف وائل أبو السعود وإيهاب فتحي وإخراج حسام الجوهري، وإنتاج محمد حسن رمزي. وتدور أحداثه حول طبيب شرعي يحاول العثور على حلول لألغاز مجموعة جرائم قتل تحدث من خلال عمله بمساعدة الشرطة.

انطلاقاً إذاً من مؤشرات يعتبرونها جدية، يتطلع صناع السينما إلى إمكانية حدوث رواج جماهيري خلال موسم الصيف. لذا، قرروا طرح أفلام لبعض النجوم والتي سبق أن تم تأجيل عرضها أكثر من مرة لأسباب متعددة. من هنا سيعرض خلال الموسم الصيفي فيلم «غيم أوفر» الذي أجَّل منتجه محمد السبكي طرحه أكثر من مرة بعدما كان مقرراً عرضه في موسم عيد الأضحى الماضي، وهو أول تعاون يجمع بين يسرا والسبكي كجهة للإنتاج، كما أن الفيلم يشارك في بطولته أحمد السعدني ومي عز الدين وإخراج أحمد البدري، وتدور أحداثه في إطار اجتماعي - كوميدي تقدم فيه يسرا أغنيتين مع الفنانة مي عز الدين.

كمـــا سيعـــرض أيضاً خلال شهر أيار (مايو) المقبل فيلم «ساعة ونص» من إخراج وائــل إحسان.

وقصة الفيلم مستوحاة من حادث قطار الصعيد الشهير، وتدور أحداثه خلال ساعة ونصـــف هـــي مدة الرحلة التي يعيشها أبطاله فـــي القــــطار ويشــــارك في بطولته سمية الخشاب وإياد نصــار وفتحي عبدالوهاب وكريمة مختار.

ومن أبرز الأفلام التي تقرر عرضها خلال موسم الصيف فيلم «حلم عزيز» من بطولة أحمد عـــز وشريف منير، وتدور أحداثه في كواليس رجال الأعمال ويقدم نموذجاً لرجل أعمال يدعى عزيز يستخدم كل الطرق الملتوية لتحقيق أحلامه.

والفيلم من تأليف نادر صلاح الدين وإخراج عمرو عرفة. «حلم عزيز» لن يكون الوحيد الذي سينافس به الفنان أحمد عز على إيرادات الصيف حيث سيطرح كذلك فيلم «المصلحة» الذي يشارك في بطولته كذلك الفنان أحمد السقا الذي يجسّد دور تاجر المخدرات الذي يرهق الضابط في القبض عليه.

وتدور أحداثه حول شخصية ضابط شرطة في قطاع الأمن المركزي يجمع في حياته بين الكثير من التناقضات، فهو ضابط شديد الحزم والجدية، وهو على النقيض تماماً فهو شخص حنون ورومانسي إلى أقصى درجة.

الحياة اللندنية في

13/04/2012

 

سينمائيون ممنوعون من المقاومة

باريس - ندى الأزهري 

من 22 آذار (مارس) حتى 3 نيسان (أبريل)، أقيم في مركز جورج بومبيدو في باريس كما في دور أخرى للعرض، المهرجان الدولي لسينما الواقع. وهو موعد سنوي لا يمكن إغفاله للسينما الوثائقية.

تضمن المهرجان أربع مسابقات دولية للعمل الأول وللفيلم القصير ولاكتشاف الوثائقي ومسابقة للفيلم الفرنسي. وتوزعت سبع جوائز مالية تتراوح ما بين الألفين وخمسمائة والعشرة آلاف يورو.

ونظمت خلال المهرجان أيام عمل ومناقشات وندوات مع سينمائيين، وعلى سبيل المثال نظمت هذا العام ندوة حول توزيع الفيلم الوثائقي والمجالات المفتوحة أمامه، هل هي دور العرض؟ أم ثمة أمكنة بديلة أو الاثنان معاً إذ إن أحدهما يكمل الآخر.

من الأفلام الفائزة في هذه الدورة فيلم «ليلة مغبرة» للأفغاني علي حزري عن كناسي الشوارع في كابول، وكذلك فيلم «خمس كاميرات محطمة» للمخرجين عماد بورنات وغي دافيدي وهو من إنتاج فلسطيني - فرنسي - إسرائيلي يتناول جدار الفصل.

وضمن إطار المهرجان أقيمت أمسية مهداة إلى مؤلفين سينمائيين، معروفين أم مجهولين، محاصرين في إقامة جبرية، ممنوعين من المقاومة، لكن صورهم وأفلامهم تدور العالم، تتحدى القمع والعوائق التي تقف أمام الخلق... فمن أفضل من يمثل هؤلاء هذا العام؟

للإجابة على هذا السؤال كرس المهرجان الأمسية إلى سورية. إنه قسم جديد في المهرجان قرر افتتاحه في نسخته الرابعة والثلاثين، ربما بتأثير الثورات العربية... أو لعل تلك الثورات كانت السبب المباشر الذي دفع بفكرة قديمة إلى البروز، إنه هنا الآن «لينقل الحدث السياسي من إيران إلى الصين ومن سورية إلى التيبت»، ليخصص فضاءً لصور وأفلام سينمائيين، ليتمكن وبانتظام من إعطاء أخبار عن هذه السينما المحاصرة «الممنوعة من المقاومة»، عن هؤلاء الفنانين أو المتظاهرين المسلحين فقط بهواتف نقالة والذين يحاولون نقل الحدث السياسي على رغم القتل والاعتقال والمنع.

صف طويل من الفرنسيين امتد في ردهة مركز بومبيدو، حضر ليشهد ما يحدث في سورية... طويل لدرجة أن الصالة لم تتسع للمنتظرين، فعاد بعضهم خائباً. واستقر «سعيدو الحظ» في أماكنهم، هل كانوا حقاً سعيدي الحظ وهم يشهدون ما شهدوا؟

لم نر وجوهاً كثيرة ولم نقرأ أسماء، كانت الأفلام من دون أسماء، أصحابها جنود مجهولون مهددون بالموت اختاروا توثيق الحقيقة، كأنها وسيلتهم الوحيدة ليتمكنوا من العيش في مدن تحترق، ترتمي فيها أجساد فارقتها الحياة، «السينما تخرج من دواخلنا، تجعلنا نولد من جديد» يقول أحد صانعي هذه الشرائط في شهادة له قرئت من قبل الناشطة والسينمائية السورية هالة العبدالله. إن حملهم الكاميرا هو حكم بالإعدام، ولكن ليس بسبب هذا يخفون أسماءهم بل لأنه ليس مهماً من صنع الفيلم، ولا حماية حقوق المؤلف، فالفيلم هنا «هو الذي يحمي حق مؤلفه في أن يكون إنساناً». الفيلم جاء من أجل البلد والبلد لا غير. يقولون إن أفلامهم تكرّم الأماكن، «نافذة صغيرة» عليها، وعلى هؤلاء الناس وجحيمهم اليومي.

«حـــماة 82» توجت العرض. حماة الأمس واليوم. من أمسها تبدو أغصان خضراء تهزها الريح وعبرها تتراءى مقابــــر ومقابر... تحكي شاهدة أخفت وجهها عن «فرق الموت» عن أيام «كيوم القيامة»، ويتنفس شهود اليوم بعد حديث عن مشاعرهم، أنفاسهم «المكتومة أربعين سنة»، يصرخون بصـــوت عال لا يخيفه ولا يخفيه هدير القصف «ما منحبك».

أما «طريق القوافل» فكان لبلدة تلبيسة، في محافظة حمص، يؤرخ لحركة الانتفاضة فيها، لخروج أول من جاء من أهلها ليتضامنوا مع أهل درعا، ليطالبوا «بالكرامة وليس بالمناصب»، أحسوا بما لم يكونوا على دراية به، بكل ما تثيره «التظاهرة» من أحاسيس جديدة، كانوا معتادين على «المسيرة»، مسيرات التأييد فقط «التي توزع فيها السندويتشات للمؤيدين»، وحين انهمر الرصاص عليهم فإنه «لم يكسر قلوبهم بل كسر حاجز الخوف». أضيفت لهم تهمة جديدة، «حفر قبور الشهداء»، يتحدثون ويسردون ويترحّمون على قانون الطوارئ الذي «ألغي»، ويفكرون بأبنائهم «هذا من أجل ابني» ليحيا حياة أفضل من تلك التي عشتها.

الفيلم الثالث حضر مع مخرجه، هو فيلم لم ينته بعد وفي طور التوليف، نضال حسن الذي اعتقلته السلطات السورية نهاية العام الماضي لأسباب عدة منها نشره «أخباراً كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة» كما ذكر الادعاء، أفرج عنه فيما بعد. وها هو في باريس، قدم للجمهور فيلمه الذي كان بدأه في الدنمارك بعد أن حصل على منحة فيها. فيلم عن الحب والحياة والموت والثورة تنقل فيه بين كوبنهاغن ودمشق والسويداء ليحكي مصائر نساء سوريات، بعضهن رحن ضحية جرائم الشرف وأخريات حلمن بالتغيير فكان الاعتقال نصيبهـــن. الفيلم الذي كان على حسن أن يبدأه يوم 16 آذار (مارس) من العام الفائت، فجر الانتفاضة السورية احتوى على مشاهد لاحتجاجات في دمشق، لضرب تعرض له متظاهرون، نقل توتر الأيام الأولى وارتباكها...

أفـــلام تسجــــل التاريخ بطريقتها، تكتـــفي أحياناً بالتعبير البصري كأفضـــــل شاهد على الحـــدث، وأحياناً أخرى حين تفتقد الصورة (فيلم حمـــاة) تقــــدم شهادات لمعاصرين للحدث... يحكون ويحكــــون وكأنهم اكتشفوا الكلام.

الحياة اللندنية في

13/04/2012

 

«إنسان شريف»... العودة من الموت إليه

بيروت - محمد غندور 

إبتعد المخرج اللبناني جان كلود قدسي في فيلمة الروائي الثاني «إنسان شريف» (87 دقيقة)، عن مشاكل الحرب الأهلية اللبنانية، والهموم الإجتماعية المحلية الضاغطة، متجهاً صوب المجتمع الأردني وجرائم الشرف فيه التي يروح ضحيتها سنوياً أكثر من 15 فتاة غالبيتهن عذراوات. هذا الابتعاد لقدسي ومعالجته قضية عربية سينمائياً، يُسجّل له، في ظلّ إنكباب مخرجين لبنانيين على نبش الذاكرة اللبنانية وسبر أغوارها، وفي ظل عدم تطرق سينمائيين أردنيين لهذا الموضوع لما فيه من حساسية.

بعدما فشل إبراهيم (مجدي مشموشي) في قتل أخته ليلى (كارولين حاتم) حين ضبطها مع صديقها الانكليزي في أحدى القرى الأردنية، وتفادياً للفضيحة، قتل صديقه رياض، ما ساعد أخته وصديقها على الهرب والإنتقال إلى انكلترا، فيما هرب هو الى لبنان. ولكن الحقيقة لم تصل إلى عشيرته، فما وصلها أن ابراهيم غسل شرف عائلته وأعاد لها إعتبارها، بقتله أخته ودفنها في الصحراء، ومن ثم موته بحادث سيارة. وحين وصلت «الجثة»، لم تتكبد العشيرة عناء التأكد من هويتها، فالأهم حصل وباقي التفاصيل عادية، وبالتالي صار منطقياً ان يعتبر ابراهيم «بطلاً».

صراع مع الماضي

في لبنان يتصارع إبراهيم مع ماضيه، فهو يعتبر إنساناً شريفاً بالنسبة الى الجميع، من خلال عمله كتاجر سيارات مهم، لكنه في قرارة نفسه، يحتقر أفعاله ويحن للعودة الى حياته السابقة وعائلته. ولكن العودة تحكمها الخيانة وقلة الاحترام والاستفزاز وغسل العار مجدداً. الصراع الذي عاشه إبراهيم بين ماضيه وحياة اللهو والوحدة والسرعة والرغبة في الانتحار في لبنان، أسست لعالم من الخيال، يلجأ إليه للهرب من واقعه المرير. حين التقى بعد 20 سنة صدفة بأخته التي لم يقتلها مع إبنتها، وعرف منها أن زوجته تحتضر، قرّر العودة إلى عشيرته ومواجهتها. لم يقرر إبراهيم العودة لأنه إشتاق لأهله وأصحابه، بل لغسل العار الذي لبسه طوال 20 سنة، وتطهير روحه من مآثمها، وليحيا مجدداً. ولكن هل المجتمع العشائري يقبل التوبة والغفران في ما يتعلق بجرائم الشرف؟

من الواضح ان جان كلود قدسي الذي قدّم فيلمه الروائي الأول «آن الأوان» عام 1994، إنما أراد أن يُظهر مرتكب جريمة الشرف على أنه وجه آخر للضحية وإنعكاساً لها، مبيناً عذاب الضمير ووجع الروح. بيد ان عودة إبراهيم الى وطنه خلطت الأوراق مجدداً فالبطل، صار جباناً والميت بات البطل، ومن كان يُفاخر ببطولة إبنه، نكّس رأسه.

ولقد كان لافتاً كيف صوَّر المخرج مشهد تسليم إبراهيم لنفسه وسط المقبرة، وبدء تلقيه الضربات على طريقة الهنود الحمر. سقط إبراهيم أرضاً وراح يتلقى ضربات موجعة من شبان العشيرة، وهم يرقصون حوله وفي أيديهم هراوات مرفوعة. غير ان الضربات التي تلقاها، لم تكن بالنسبة اليه سوى علامة التكوين الجديد لكرامته، فهو لم يعد بطلاً ولا فرداً من العائلة، بل صار ضالاً منبوذاً ومرفوضاً. إستعاد شريط حياته وهو ملقى على الأرض، تذكر ما حصل يوم الجريمة، وكأنه ندم لعدم قتل أخته، تذكر موت زوجته وابنه الذي كان سيدفع ثمن غلطته، وأمه التي لم تسامحه.

عودة العار

من أكثر مشاهد الفيلم قسوة، أن والد ابراهيم لم يقتنع أن ابنه لم يمت، ولم يُصدق أنه أمامه، معتبراً إياه شبحاً أو شبيهاً له. ولهذا المشهد الكثير من الدلالات في المجتمع القبلي، منها عودة العار مجدداً للقبيلة، والشرف الذي ضاع من دون أن يُغتسل، وعدم تصديق الحقائق في ما يتعلق بجرائم الشرف. ذلك ان عدم تصديق الأب أن إبنه لم يقتل أخته حين ضبطها مع عشيقها، يفتح المجال أمام الكذب والخداع والأوهام وصعوبة النسيان وتقبل الحقيقة.

محاولة إبراهيم للعودة الى ماضيه، لم تزده إلا موتاً، فعشيرته لم تصدّق أنه لم يمت، ورفضت تصديق أنه لا يزال حياً، لذلك طردته مجدداً. ولكن السيناريو الذي كتبه قدسي أيضاً بطريقة ذكية، أظهر المعنى الحقيقي للحب والتضحية والوفاء، والكذب من أجل سعادة الآخر وحمايته من الموت. وبيّن المخرج أن الماضي هو امتداد للحاضر، وربما صراع لا ينتهي معه. فحين كان إبراهيم في لبنان طوال 20 سنة، لم يصوِّره قدسي باعتباره شخصاً نسي فعلته، بل تعايش معها، وجعلها عادة من عاداته اليومية.

ويقول قدسي الذي عمل مساعداً لبرهان علوية في «كفرقاسم»، وكان مُوَلِّف أفلام أخرى له، هي: «رسائل من زمن الحرب»، و«رسائل من زمن المنفى» و«أسوان»، أن الجمهور الطبيعي لهذا الفيلم هو الجمهور العربي والشرقي كونه المعني الأول بالموضوع، لذلك إختار بنية روائية كلاسيكية تتبنى السرد التدريجي. ويتميز الفيلم بهيمنة المناظر الطبيعية في الصورة، مع مرافقة لموسيقى عمر فروخ.

الحياة اللندنية في

13/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)