حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

بطل فيلم (العربانة).. جندي منهزم من الحرب!! 

طه المشهداني : علينا ان ننتج افلاما سينمائية ونعرضها في الشارع 

عبد الجبار العتابي من بغداد

اكد الفنان طه المشهداني ان على السينمائيين العراقيين ان يعملوا على انتاج الافلام السينمائيين وان كانت قصيرة، وان لم توجد دور عرض سينمائية وان يعرضوا افلامهم في الشارع اذا اقتضت الضرورة كي لا يمنحون اعداء الفن فرصة لتدمير الفن في العراق، مشيرا الى مشاركته في الفيلم السينمائي (العربانة) للمخرج هادي ماهود تجربة مميزة في مسيرته اسعدته وجعلته يحرص على ان تكون للسينما في العراق خطوات جادة.

·         انجزت مؤخرا (العربانة)، ماذا تقول عنه؟

- الفيلم روائي قصير، سيناريو واخراج هادي ماهود وتمثيل جمال محمد امين ونجم عذوف وانا، تم تصويره في السماوة والناصرية، كنا نحن الثلاثة في الفيلم الذي اخذ جانبا فنطازيا،واقعيا وسرياليا، وهو يتحدث عن الاحداث التي حدثت في العراق خلال فترة الحرب، فيه اسقاطات على واقعنا المعاش، فيه مشاعر انسانية، وفيه رسالة لابد ان تصل الى المتلقي والى السياسي، واعتقد ان المخرج ما كان يرى العربة هذه مجرد عربة بل لديه فيها ابعاد كثيرة، وكان الفيم تجربة مهمة بالنسبة لي وان شاء الله ينال الفيلم استحسان الجمهور والنقاد، انا تشرفت بالعمل في هذا الفيلم وعرضه الاول في مدينة السماوة من اجل تكريم طاقم العمل من اجل تكريمه من قبل مجلس المحافظة ورئاسة الجامعة هناك.

·         ما الشخصية التي جسدتها فيه؟

- شخصيتي فيه شخصية جندي خسر في المعركة، لانه رفض فكرة الحرب لانه يرى انها فكرة مجنونة تؤدي الى الموت فقط، ليس فيها نصر ولا غنائم ولا اي شيء يبعث على الحياة، فرفض فكرة الحرب وخسر نفسه في المعركة التي كان احد الحاضرين في ساحتها،ومن ثم.. انسحب، واثناء انسحابه يمر برجل لديه (عربة) وهو رجل مجنون جامح وهو يحمل على عربته شهيدا ملفوفا بالعلم العراقي الذي طالما لف العديد من شبان العراق ليكون مصيرهم فيما بعد تحت التراب ويخسرهم الوطن، وتدور عجلة هذه العربة التي اكون على ظهرها ومعها تدور عربة الحياة، فيما في داخلي تدور شحنات من العواطف والافكار والصور، بينما صاحب العربة المجنون لا اسمع منه سوى همهمات حارقة، فتمر بنا العربة بالعديد من الامكنة التي تحمل احداثا.

·         سبق لك ان كنت جنديا حقيقيا، كيف رسمت صورتك الجديدة؟

- انا لاول مرة اجد نفسي جنديا جميلا في الجيش العراقي !!، ولاول مرة اكون راضيا عن نفسي كأداء وكشخصية جسدتها، هذا الجندي لم يتكلم ولا كلمة، لكن الالم الذي يحمله في داخله والذي كان واضحا في عينيه وعلى ملامح وجهه، وكذلك الانكسار الذي يحمله في نفسه، كان معبرا اكثر من اية كلمة ممكن ان يقولها، هذا الجندي.. مر بمرحلة صعبة للغاية في مفترق طرق فكري بين السلاح الذي يحمله وبين الحياة التي يجب ان يصنعها فقرر ان يرمي السلاح والخوذة والرصاص الذي يحمله ويرجع الى اهله والى حياته الماضية.

·         ما الرسالة التي يحملها الفيلم؟

- الفيلم حمل رسالة انسانية اراد اكثر من واحد قولها وهي ان الحرب ليست هي الطريق المؤدي الى السلام، الحب هو طريق الحياة وهو وسيلة السلام في الحياة، اراد ان يقول ان العنف لن يؤدي الا الى العنف وان المحبة والتسامح هما الطريق الى السلام والامن والطمأنينة.

·         ليس في بغداد دور عرض، اين من الممكن عرض الفيلم ليشاهده الناس؟

- آه.. من سؤالك هذا.. آه، انه يجعلني اقول نحن للاسف نعيش حاليا في مكان كان يسمى (بغداد) اين هي بغداد الان التي نريدها، لا اعرف بماذا اجيبك حين لا اجد الا الالم في نفسي، يا صديقي.. نحن اصبحت لدينا ثقافة عنف غزت الشارع،ولا بد لنا كفنانين ان نعمل من اجل ازالة هذه الثقافة، وعلينا ان نعمل على ترسيخ الفن في العراق وترسيخ السينما لان هنالك من يسعى الى تدمير الفن وتحطيم السينما والمسرح واي كلمة حب او كلمة فن تقال على ارض بغداد، وللاسف هناك الكثيرون يساهمون في هدم الثقافة العراقية، ومن هنا.. علينا كفنانين ان نحمل اسلحتنا ونواجه هؤلاء، اسلحتنا التي هي الكاميرا والنص والحب والفكر النير ونحارب الجهل والفساد بكل انواعه الاداري منه والاجتماعي، وان لا نقف مكتوفي الايدي ازاء محاولات التدمير هذه، وان ننتج الافلام القصيرة على الاقل ونقوم بخطوات جادة ونقول للناس تعالوا لتشاهدوها.

·         اين؟ وليس هنالك دار صالحة للعرض؟

- ليست المشكلة اين نعرض افلامنا، ونحن نعرف انه لا توجد دور عرض صالحة، المهم ان نتواصل في العمل.. حتى لو عرضنا افلامنا في الشارع واذا شاهدها خمسون فردا من المارة،فسوف نعتقد ان هذا يكفينا، نحن لا نريد دورا للعرض مكيفة كي نجلس ونتفرج، الانسان العراقي ليس بحاجة الى دار عرض سينمائية ليذهب اليها وهو خائف، بل بحاجة الى اية لمسة من الفنان العراقي، الى فيلم وان كان قصيرا يشعره بأن هناك من يعمل لاجله، وللاسف اغلب الفنانين العراقيين الان يضعون رجلا على رجل ويتكئون على تاريخهم وماضيهم وعلى كنا وكنا بينما الثفاقة العراقية يذبحها الجهلة.

·         ما اصعب مشهد مثلته في هذا الفيلم؟

- بل انه اجمل واصعب مشهد أديته عندما يمرّ رتل القوات الاميركية من جانب العربة التي كنت صاعدا عليها، وحين ادير وجهي، ألتفت الى الرتل، ولا أستطيع ان أرى شيئا، كان هذا الجندي الذي اجسد شخصيته.. لا يريد ان يعيش في ظل احتلال ولا يريد ان يعود الى المعركة ويقاتل، فيقف امام مفترق طرق ولا يعرف ما يفعل، انه مشهد يمثل الكارثة بالنسبة اليه، مثل حالنا الان حين نقف امام مفترق طرق لا نعرف الى اين تؤدي واي واحد منها الافضل، فكانت مشاعره في اعلى درجات حرارتها.

إيلاف في

28/03/2012

 

القاهرة السينمائيّ الدولي: بين الإعتراف، والإعتماد

صلاح سرميني ـ باريس 

منذ سنواتٍ طويلة، وفي كلّ مناسبةٍ صغيرة، وكبيرة، نقرأ، ونسمع تصريحاتٍ، وأقوالاً تصدر عن الأوساط السينمائية، المصرية منها خاصّةً، تتفاخر، وتتباهى بأنّ "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" هو واحدٌ من 11 مهرجاناً سينمائياً في العالم يعترف بها "الإتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام (الرقم الصحيح هو 14، وليس 11 مهرجاناً)، وهي خدعةٌ كبرى صدّقتها إدارة المهرجان، وروّجتها الصحافة العربية بدون درايةٍ حقيقية بمهام هذا الإتحاد.

وبما أننا نعيش هذه الأيام إنتفاضاتٍ شعبية أسقطت، أو تسعى إلى إسقاط الأنظمة الحاكمة، فإنه من المُفيد أيضاً الحديث عن ضرورة الثورة على أنفسنا للوصول إلى تغييّراتٍ جذرية في طريقة تفكيرنا المُتشبثة بمُسلّماتٍ، ومفاهيم سائدة، ومراجعة سلوكياتنا، وأخلاقياتنا كي تتوافق ـ على الأقلّ ـ مع الرغبة العارمة بالتغيّير، وبدون هذا الفعل الثوريّ، الفرديّ، والجماعيّ المُتواصل طوال حياتنا، فإنّ ما تفعله الشعوب الثائرة حالياً، ومستقبلاً، سوف يضيع هباءً، ويقودها إلى أوضاعٍ رُبما تكون أشدّ قسوةً، وظلاميةً من تلك التي عاشتها سابقاً.

يمكن البداية بأشياء صغيرة جداً لا تحتاج إلى مليونياتٍ، وأبسطها، التخلص من تعايشنا مع الأكاذيب، والمُبالغات، والتوقف عن تجميل أنفسنا، وتضخيم ذواتنا، وإن لم نفعل، إعتقاداً بأننا نمتلك الصواب المُطلق، فلن يبقى لنا غير الإعتراف، بدون خجل، بأننا نُعاني من أمراضٍ نفسية تحتاج إلى فترة علاجٍ طويلة.

وبحصر هذه القراءة في الشأن السينمائيّ، رُبما لن أُضيف جديداً عندما أؤكد بأنّ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي(ومهرجاناتٍ عربية أخرى)، يحتاج إلى نفض غبار الزمن عنه

أولى الخطوات من أجل بداياتٍ صحيحة (قبل أن تصبح نهاياتٍ مُدمرّة مُغلفة بحماسٍ ثوريّ)، أن يتوقف عن مُبالغاته التجميليّة، لأنّ هذا "الإعتراف" المزعوم ليس أكثر من "إعتمادٍ"، وهناك فارقٌ جوهريٌّ بين المعنييّن.

ومن أجل كشف ملابسات هذا الخلط (بإنتظار مفاجأة صادمة سوف تأتي من قلب الإتحاد نفسه)، فقد جمعتُ بعض المعلومات عنه (وهي متوفرة في موقعه بغزارة)، ولكنّ إندلاع الثورة المصرية، منحتني الأمل بأنها سوف تقضي على كلّ الأمراض المُزمنة التي تُعاني منها الثقاقة السينمائية العربية، والسينما بشكلٍ عام، وشغلتني مهام أخرى أنستني هذا الأمر، حتى قراءتي يوماً مقالةً بعنوان (سرّ اللهو الخفيّ فى مهرجان القاهرة السينمائي) كتبها الناقد المصريّ "أحمد يوسف" في مُدونته، وكشف فيها عن إستمرارية الإعتقاد بوهم "الإعتراف الدوليّ"، وهذا يعني، بأنّ آليات التفكير السابقة لم تتغيّر، وإذا إستمرّ الحال بنفس العقلية، سوف تفقد الثورة معناها، وتصبح وسيلةً لتدوير أنظمة تتناسخ من بعضها، وتستبدل ديكتاتوريةً بأخرى.

وفي تتابع هذه الثورات، قرأتُ مقالةً بعنوان (فضيحةٌ مصريةٌ فى برلين) كتبها الناقد المصري "سمير فريد" في صحيفة "المصري اليوم"، يُزيل من خلالها بعض سوء الفهم حول مهرجان القاهرة، ولكنه، ما يزال يحتفظ بفكرة "الإعتراف الدولي"، ومنذ تلك اللحظة، قررت الكشف عن هذه الإشكالية، فقد تأكد لي، بأننا تأقلمنا مع ظواهر فاسدة نُمارسها في حياتنا اليومية، ومع الزمن، إكتسبت شرعيةً تتوافق مع مصالحنا، تُشعرنا بالرضا، وتعوّضناً عن خيباتنا المُتلاحقة.

بدايةً، كي أكون صريحاً ما أُمكن، لا يهمّني إن إعترف إتحادٌ بدولية مهرجان القاهرة، أو لم يعترف، ولكن، يُحزنني طريقة نظرتنا النقدية، والتحليلية للثقافة السينمائية العربية، وإنعكاس ذلك على تفاصيل سلوكياتنا.

ماهو صحيحٌ، بأنّ "الإتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام" يمنح "إعتماداً" سنوياً لمهرجان القاهرة، وبالفعل، هو واحدٌ من 14 مهرجاناً يندرج في قائمة المهرجانات التي تتضمّن مسابقةً دولية (لا يوجد فئة أ، ولا درجة أولى، أو ثانية، وكلّ ما يُكتب عن هذه الفئات، والتصنيفات أوهام).

ولكن، ماهو خاطئٌ تماماً، بأنّ هذا "الإعتماد" ليس "إعترافاً" بدولية المهرجان، والقائمة التي يندرج تحتها مهرجان القاهرة هي تصنيفٌ تقنيّ بحت، وليس نوعياً يُميز هذا المهرجان عن غيره في قوائم أخرى(المهرجانات المُتخصصة).

ـ هل يُصدق عاقلٌ مثلاً بأنّ مهرجان القاهرة يمتلك نفس أهمية كان، برلين، أو فينيسيا،..؟.

ـ نعم، للأسف، هناك من يصدق.

هذه المهرجانات، وعددها 51 مهرجاناً، تقدمت بطلباتٍ إلى الإتحاد، وحققت شروطاً تقنية تسمح لها بالحصول على "الإعتماد"، (وليس "العضوية"، لأنها من حقّ جمعيات منتجي الأفلام).

إذاً، ماهو هذا الإتحاد الأسطوريّ الذي ترتعب منه إدارة مهرجان القاهرة، وتستشيره في كلّ صغيرة، وكبيرة، وكأنه وصيّاً عليها :

ـ مُمكن يا إتحاد، لو سمحت يعني، وتفضلت، توافق نأجل دورة عام 2011 بسبب الأحداث، والإنتخابات (ورُبما المقصود من الطلب عدم دفع الإشتراك السنويّ، أو تأجيله).

"الإتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام"، ويُشار إليه إختصاراً بالحروف اللاتينية (FIAPF)، هو جمعيةٌ خاضعةٌ لقانونٍ فرنسيّ صدر في عام 1901 يُنظمّ عمل الجمعيات الأهلية في فرنسا، ويكفي بأن يجتمع ثلاثة أشخاص لتكوين جمعية، والحصول على رخصة خلال دقائق، ويمتلك هؤلاء الحرية بإختيار أيّ إسم لها : الإتحاد الدولي، المعهد الدولي، الجمعية العالمية، ... وبتسجيلها، تصبح شخصاً إعتبارياً.

جوهرياً، لا تسعى هذه الجمعيات إلى الربح (على عكس المؤسّسات التجارية)، وهي تجمع أعضاء يتشاركون في أهدافٍ مشتركة ترتبط بإنشغالاتهم الشخصية، الإحترافية، والحياتية، وتبدأ من سكان بناية في شارع، مروراُ بمجموعةٍ تدافع عن حقوق القطط، والكلاب الشاردة، وحتى أعظم الجمعيات شأناً (السينماتيك الفرنسية على سبيل المثال).

ومن بين آلاف الجمعيات المُسجلة في فرنسا، هناك مئاتٌُ مختصة بالشأن السينمائي من جميع الإختصاصات، والمجالات (كتابة، إنتاج، إخراج، تمثيل، تصوير، ...توزيع، صالات سينما، مهرجانات، صحافة، نقد،...).

ومنها، واحدةٌ تجمع جمعيات منتجي الأفلام من كلّ أنحاء العالم، تأسّست في باريس عام 1933، وتضمّ 26 مؤسّسة إنتاجية من 23 بلداً، تسعى إلى تمثيل المصالح الإقتصادية، القانونية، والتنظيمية للصناعة السينمائية، والتلفزيونية، وكمُدافعٍ عن المنتجين، يساعد على وضع ضوابط العمل في المجالات التالية :

ـ حقوق الطبع، والنشر المُتعلقة بحماية الملكية الفكرية، والفنية.

ـ تطبيق تشريعات حقوق الملكية الفكرية، وإتخاذ إجراءاتٍ لمكافحة القرصنة.

ـ العمل على نشر التقنيات الرقمية، وتأثيرها في المجالات السمعية/البصرية.

ـ توحيد السياقات التقنية.

ـ تنظيم وسائل الإعلام.

ـ آليات تمويل الأفلام في  القطاعيّن الخاص، والعام.

ـ القضايا المُتعلقة بالتجارة.

ومن بين هذه الأهداف، وآخرها، تنظيم عمل مهرجانات السينما العالمية عن طريق "ميثاق شرف"، وفي ثنايا هذا الهدف الذي يهمّنا، لا توجد  كلمةٌ واحدة تشير إلى سلطة الإتحاد بمنح الإعتراف لهذا المهرجان، أو ذاك

ولا تعنيه من هذه العلاقة غير مصالح المنتجين، والموزعين، وتقديم إنتاجاتهم السينمائية بأفضل الظروف، والشروط الترويجية، الإعلامية، والمادية.

وهذا لا يعني أبداً، بأنّ الإتحاد يمنحها "شرعية"، أو إعترافاً بدوليّتها، أهميتها، وعظمتها، والمهرجانات الأخرى غير المُسجلة (أيّ غير المُعتمدة) ليست دولية، أو ذات أهمية، فهي ليست من مهامه.

ومن ثمّ، هناك مهرجانات لا يهمّها هذا الإتحاد، أو غيره، وهي تواصل دوراتها بدونه، فهل يعني ذلك بأنها لا تمتلك شرعيةً، أو إعترافاً دولياً ؟

الفهم الخاطئ لفكرة هذا الإعتماد يُجسّد قصوراً معرفياً خطيراً، وتدويراً لمهام الإتحاد، وتحويله، برغبة هوسية من طرفنا، إلى جهةٍ تفرض وصايةً من نوع ما علينا، نفتخر بها، وندفع من أجلها إشتراكاتٍ سنوية باهظة.

ويبدو بأنّ مهرجان القاهرة طوال السنوات الماضية (وحتى بعد الثورة)، يريد مواصلة مسيرته بنفس العقلية.

المُفارقة الطريفة، بأننا نتابع عن قربٍ، أو بعدٍ مهرجاناتٍ كبيرة جداً، مثل : كان، برلين وفينيسا،..ولم نسمع مرةً مسئولاً يتفاخر بإعتراف "الإتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام".

وهنا من المفيد بأن نسأل أنفسنا

ـ هل تحتاج هذه المهرجانات الكُبرى إلى إعتراف إتحاد ؟ 

وبصراحة، أعتقد بأنّ أيّ منتجٍ في العالم يتمنى عرض فيلمه في إحدى مسابقاتها، أو أسواقها، فقد أصبحت مصدر إعترافٍ لهذا الفيلم، أو ذاك، وهي أكبر من "إعترافٍ"، أو "إعتمادٍ" من أيّ جهةٍ خاصة، أو عامة.

وحده، مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، يستعذبُ تكرار هذه الأسطوانة مُستثمراً كسلاً عاماً في البحث عن الحقيقة، تماماً كما حدث عندما ظهرت مُدونة ملعونة، وبدأت تكشف عن السرقات السينمائية، حيث إعتبر البعض تلك المُبادرة "الثورية" بأنها "تصفية حسابات"، وهو منطقٌ متواطئ، وعدائيّ، يعكس فساداً متأصلاً، وكامناً.

هوامش :

المهرجانات المُعتمدة من طرف الإتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام :

ـ المهرجانات التي تتضمّن مسابقةً دولية للأفلام الروائية الطويلة(مُرتبة وُفق تاريخ إنعقادها، والترتيب لا علاقة له بالأهمية إطلاقاً).

برلين، كان، شنغهايّ، موسكو، كارلو فيفاري، لوكارنو، مونتريال، فينيسيا، سان سباستيان، وارسو، طوكيو، مار دي بلاتا/الأرجنتين، غويا/الهند، القاهرة.

ـ المهرجانات التي تتضمّن مسابقةُ للأفلام الطويلة (متخصصة في بلدٍ معين، تيمة، أو نوع،..وهي لا تعني بأنها من الفئة ب، أو الدرجة الثانية، لأنه لا يوجد فئات، ولا درجات أصلاً) : 28 مهرجان.

ـ مهرجانات الأفلام الطويلة، ولكن بدون مسابقة : 4 مهرجانات.

ـ مهرجانات الأفلام الروائية القصيرة، والتسجيلية : 5 مهرجانات.

 ـ من المُفيد مراجعة موضوع آخر بعنوان (مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تحت المجهر).

.http://doc.aljazeera.net/cinema/2011/07/201173132248796282.html

الجزيرة الوثائقية في

28/03/2012

 

امرأة من زمن الكفاح النبيل

طاهر علوان 

مشهد بالأبيض والأسود يمكن ان يتكرر في كل بلد ، مشهد امني بوليسي ، مخبرون بملابس مدنية يقفون على ناصية احد الشوارع ، هذا يدخن والآخر ينظر في الفراغ ولكنهم جميعا ينتظرون لحظة قدوم امرأة ما فيلقون القبض عليها فيما تكون سيارة وحراس آخرون بانتظارهم لكي تلقى مصيرها سجنا وعقابا وايضا سيرة نظالية تستحق التكريم والتشريف ...

انه المشهد الأول من الفيلم الوثائقي  تحرير سيلفيا بارالديني " للمخرجة الكندية "مارغو بيلتييه" والذي طاف العديد من المهرجانات حاصدا العديد من الجوائز والأهتمام الكبير.

مانلبث ان نتنقل في دراما وثائقية عاصفة مع سيرة حياة ورحلة المناضلة اليسارية الأمريكية سيلفيا بارالديني التي ملأت الدنيا وشغلت الناس لجرأتها ومساندتها كفاح المضطهدين في انحاء العالم وخاصة كفاح السود في الولايات المتحدة ابان صعود حركات الأحتجاج والتجمعات اليسارية خاصة تلك التي اتجهت للدفاع عن حقوق السود والمناداة بالمساواة والعدالة الأجتماعية ابتداءا من مطلع الستينيات وحتى مطلع الثمانينيات وهو العصر الذهبي لتلك التيارات التي تزامنت ايضا مع سطوع نجم التيارات النسائية وحركات تحرر المرأة المطالبة بحقوق وقوانين اكثر عدلا.

يحتشد الفيلم بتفاصيل رحلة شاقة خاضتها سيلفيا في صعودها العاصف مع تيارات الثوار والمحتجين وتصيبك الدهشة وانت تراقب حجم التضحيات والتحديات والمصاعب التي واجهتها تلك الحركات الديموقراطية فقد ووجهت بشراسة من طرف السلطات في العديد من الولايات وكانت مفارز "اف بي اي" اكثر بطشا بالناشطين ، القت بهم في السجون ولاحقتهم بلا هوادة واستخدمت كل اشكال السطوة والعنف وصولا الى التعذيب النفسي والجسدي حتى ان سيلفيا التي مازالت حية ترزق تعلق على تلك الغطرسة والهمجية واشكال الترويع النفسي انها كانت تجارب انتجت القصص المأساوية لسجن غوانتانامو فهو ليس الا تراكم للخبرة في اضطهاد الناشطين والحقوقيين وثوار اليسار والمنادين بالحريات المدنية وحقوق السود في حياة افضل.

كانت ولادة "حركة الفهود السود " Black Panther Party" في منتصف الستينيات من القرن الماضي بمثابة نقطة تحول مركزية في هذه الحركات الثورية الناشطة التي سرعان ماوجدت سيلفيا فيها مناخها الخصب بعدما اكتسبت هذه الحركة مسنادين واعضاء واتخذت شكلا تنظيميا بشكل متسارع اوصلها الى ان ينظوي تحت لوائها عشرات الألوف في الولايات المتحدة وهي التي اطلقت مطالبها من خلال عشرة اهداف اساسية لاتتعدى جميعها منح السود في المجتمع حقوقهم الأساسية ، حرياتهم ، الأعتراف بكرامتهم مساواتهم في الحقوق المدنية ، منحهم الحق في السكن والتعليم والرعاية الصحية والحد من اجبارهم على الخدمة في الجيش لتنفيذ مخططات توسعية وعدوانية .

ثم لتشهد الولايات المتحدة شكلا جديدا وغير مسبوق من الأحتجاجات والرفض الشعبي واحتشاد حركات السود وذلك بالأعلان عن ماكان يعرف بدولة افريقيا الجديدة  التي اعلنت في العام 1971 في ولاية المسيسيبي ولتتحول الى تحد جديد آخر للسلطات لكنه ينتهي بحملات ملاحقة شرسة  واشتباكات عنيفة رافقها سقوط قتلى وجرحى  واما القيادات فقد حكم على سبعة منهم احكاما قاسية.

واتسعت القصة الى تظاهرات يرصدها الفيلم في كم كبير من الوثائق التي عكست تفجر تلك الحقبة وماشهدته من تحولات ثم لتبدأ حملات التصفية لقادة تلك الحركات سواء بالأعتقال او بالوفاة تحت ظروف غامضة وكان مجرد عدم الأجابة على اسئلة المحققين كافية لأدانة اي شخص يلقى القبض عليه واتهامه بعدم التعاون وانه يتستر على حركات تخريبية خطيرة.

وهو ماكانت سيلفيا ترويه بشكل متسلسل وكيف جرت الوقائع ليسطع نجم ناشطين لاحقتهم السلطات  لنصل الى نقطة مفصلية في ذلك الكفاح الطويل وهو القاء القبض على الناشطة "اسيتا شاكور" التي ستتحول الى رمز للمرأة السوداء المناضلة وليحتشد عدد من الثورار ويتمكنوا من تهريبها من السجن وليكون هذا الحادث سببا في ادانة سيلفيا بالسجن للمساهمة في تهريب مجرمة خطيرة في عرف السلطات وليس ناشطة حقوق مدنية  الا ان صدمة الولايات المتحدة الكبرى هي ان تصل اسيتا الى كوبا وتطلب اللجوء السياسي و تصبح استاذة جامعية في  هافانا هو مااطار صواب السلطات الأمريكية فحكموا على سيلفيا مع آخرين احكاما قاسية بالسجن

ينتقل بنا الفيلم الى انخراط سيلفيا في مرحلة اخرى من مراحل نضالها الى حركة البورتوريكيين المطالبين هم ايضا بالحريات والحقوق المدنية الأساسية ليتنهي بهم المطاف الى سجن 8 ناشطين وان ينالوا احكاما مختلفة بالسجن واما سلفيا فهي تنال احكاما اضافية تجعل منها عنصرا خطرا يقوض السلم الأهلي كما اعلنت حيثيات الحكم ولهذا فقد خضعت الى ظروف تحقيق واعتقال مشددة واجراءت احترازية غير مسبوق انتهت بالحكم عليها بالسجن المشدد لأربعين عاما عن العديد من التهم ومنها مقاومة السلطات والتعاون مع عناصر الجريمة المنظمة والمساعدة في تهريب سجينة والسطو المسلح لغرض السرقة .

بعد هذه الحملات الشرسة وخفوت نجم اليسار ومناضليه الذين كانت نهاياتهم السجون بدأت السلطات تجري تحرياتها لتتأكد ان القسم الأكبر من عمليات الملاحقة والأعتقال كانت تتم من دون اذن قضائي وكانت تنفذ مباشرة بأومر من ادارات "اف بي آي" وفي سبتمبر ايلول 1982تكون نهاية سلفيا بارالديني السجن ولتبدأ رحلتها مع العديد من المعتقلات اذ اريد تحطيمها نفسيا ولذلك ظلت السلطات تتنقل بها من سجن الى آخر :من سجن نيويورك الى سجن ماريانا  الى سجن الأصلاح التابع للسلطات الفدرالية لينتهي بها المطاف في سجن  ليكسنتون الرهيب الذي سيظهر فيما بعد انه كان مخصصا لسجناء الرأي والسجناء السياسيين وهو السجن الوحيد في الولايات المتحدة المختص بهذا النوع من السجناء والذي سيغلق فيما بعد في العام 1988 تحت وطأة مطالبة المنظمات الحقوقية

وتروي سيلفيا ظروف اعتقالها وهي تتنقل مابين العديد من السجون ان تلك السجون كانت تضمن العزل الكامل للسجين عما حوله وممارسة عمليات التعذيب النفسي ومقاومة العقيدة التي يحملها والمراقبة طيلة 24 ساعة بالكاميرات فضلا عن التعرية الكاملة من الملابس بحجة  الفحص الروتيني والغرض هو مزيد من الأنكسار والتعذيب النفسي .

تتنقل سلفيا عبر مقابلات معها تفيض بالحيوية والثبات على ماتؤمن به وحيث لم تفارق البسمة وجهها طيلة الفيلم ، تتنقل عبر محطات حياتها التي ان هي الا صراع سياسي طويل وكفاح متواصل في سبيل المبادئ التي آمنت ها حتى تحولت الى رمز نضالي في ايطاليا ذاتها ،بلدها الأصلي فيتبنى قضيتها اليسار الأيطالي هذه المرة مما اوجد ضغطا هائلا على الحكومة الأيطالية لينتهي الأمر بموافقة السلطات الأمريكية على ترحيل سيلفيا لتمضي ماتبقى من محكوميتها في ايطاليا ابتداءا من العام 1999 وحيث تستقبل في روما استقبالا حافلا حيث تمتلئ الشوارع بالمحتفين بعودتها .

تمضي سلفيا مدة من الزمن في سجنها الأيطالي ثم تصاب بسرطان الثدي مما يدفع السلطات الى اخراجها من السجن بعد الجراحة التي اجريت لها ولتكون اسيرة البقاء المنزلي او الأقامة الجبرية ثم ليغلق آخر فصل من فصول اعتقالها وعذاباتها الطويلة في العام 2001  عندما يتم اطلاق سراحها نهائيا وهو الحدث الأهم في حياتها الذي اعاد لها حريتها بعد قرابة من ربع قرن من التنقل مابين السجون .

رحلة سيلفيا بارالديني اكثر انسانية مما يمكن للمرء ان يتصوره فهي حيثما وجد صوت يرتفع للمناداة بالحقوق المدنية كانت هي في الواجهة وحيثما كان هنالك كفاح شرس من اجل الشرائح المعرضة للظلم كانت سيلفيا حاضرة بقوة وتشهد عليها بواكير سنواتها الأولى في الجامعة عندما انخرطت مع الناشطين الثوريين اليساريين المنادين بالحريات المدنية .انها امرأة من زمن الكفاح النبيل ، الثوار والمدافعين الحقيقين عن قيم العدالة والحرية .

عالج الفيلم مساحة زمنية عريضة من الحياة السياسية في الولايات المتحدة ، حقب سياسية وتحولات اجتماعية لكنها جميعا كشفت عن حقائق اصبحت اليوم في حكم الماضي الا انه اعطت صورة بانورامية عن اولئك المدافعين الأشداء عن الحريات المدنية .

نجح الفيلم بشكل ملفت للنظر في الجمع بين خصائص الفيلم الوثائقي السياسي وبين البيوغرافيا الشاملة للشخصية وبين الريبورتاج المتكامل وقدم حصيلة وفيرة من المعلومات والمسح التفصيلي وعرف بشخصيات ثائرة ربما غابت اسماؤها في زمننا الحاضر .

صورة الوثيقة بالأبيض والأسود بدت نابضة بالحياة وجعلت مشاهدي الفيلم اكثر تفاعلا مع تلك الشخصيات واغلبها من الشباب الثوار اليافعين الذين اعطوا قيمة للمباديء التي آمنوا بها وهو ماسلطت المخرجة الضوء عليه بتمكن ومهارة.

___________

الفيلم الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة :مسابقة افلام حقوق الأنسان – مهرجان بغداد السينمائي الدولي الثالث 2011

الجزيرة الوثائقية في

28/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)