حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نور الشريف: الثورة اتسرقت

حوار   أحمد الجزار

أكد نور الشريف أنه يسعى لاكتشاف ما بداخل النفس البشرية فى مسلسله الجديد «عرفة البحر»، موضحا أن الشخصية التى يقدمها فى العمل مختلفة تماما عن كل الشخصيات التى قدمها من قبل.

وقال نور لـ«المصرى اليوم» إن عرفة يتوهم بأنه نفسه البحر، ويستحيل أن يغدر البحر به، مشيراً أن المسلسل يدين التخلف والجهل وأن هناك أشخاصاً مازالت تحكمهم التقاليد القديمة مثل السحر والخرافات، وقال نور: إنه ليس ضد أى شكل من أشكال الدولة بما فى ذلك الدولة الدينية طالما كان ذلك من اختيار الشعب، مشدداً على أنه يرفض فقط شكل الدولة الموجود فى إيران بينما يرحب بالنموذج التركى.

«المصرى اليوم» تنفرد بالحوار التالى مع نور الشريف وننشر أول صور لشخصية عرفة التى يقدمها فى العمل.

ما الذى جذبك لمسلسل «عرفة البحر»؟

- أسعى دائماً لتقديم أدوار مختلفة، وأشعر بسعادة كبيرة عندما أعثر على دور يمثل تحدياً حقيقياً بالنسبة لى، ومنذ فترة طويلة تشغلنى الأعمال التى تكشف أسرار النفس البشرية مثل «الرحايا» و«السيرة العاشورية» و«حضرة المتهم أبى»، وفى «عرفة البحر» هناك محاولة لاكتشاف النفس البشرية.

ولماذا تسعى لاكتشاف ما بداخل النفس البشرية؟

- لأن الناس أصبحت تتحدث عن «البنى آدمين» باعتبارهم ملائكة رغم أن الله سبحانه وتعالى أرسل الأنبياء لهدايتهم، وهناك آيات كثيرة فى القرآن تؤكد ذلك، وأعتقد أن قصة هابيل وقابيل تعتبر الحرب العالمية الأولى لأن هناك شخصاً قتل سدس العالم فلم يكن هناك على الأرض وقتها سوى ٦ أشخاص، لذلك فالنفس البشرية تحمل الكثير من الألغاز وأنا كممثل أشعر بمتعة فى اكتشافها.

وكيف اكتشفت شخصية عرفة فى مسلسلك الجديد؟

- شخصية عرفة مختلفة عن كل الشخصيات التى قدمتها فى أعمالى السابقة، فهو يتوهم بأنه نفسه البحر، ويستحيل أن يغدر البحر به، وعاش حياته على هذا الأساس، والمؤلف محمد الصفتى يقدم فى هذا المسلسل علاقات إنسانية عديدة لها شبيه فى الأديان والتاريخ، واستهوانى ذلك ورأيت فيه شيئاً جديداً على الدراما، كما أن المسلسل يدين التخلف والجهل، وأعتقد أن هذا مهم لأن هناك أشخاصاً مازالت تحكمهم التقاليد القديمة مثل السحر والخرافات وهذا لم تتعرض له الدراما بشكل مباشر من قبل.

ما الدور الذى يمكن أن يلعبه الفن فى المرحلة الحالية؟

- أعتقد أن المرحلة الحالية تحتاج إلى الفن رغم أنه من الصعب أن تقدم فنا عن الثورة فى الوقت الراهن، لأن العمل الفنى فى هذه الحالة سيكون أشبه بالبرامج من حيث المباشرة والسخافة ولن يؤثر فى الناس، ومساحة الحرية المتاحة حاليا تحتاج إلى مستوى آخر فى الكتابة لكى تعبر عن الأفكار الجريئة بشكل فنى.

وما رأيك فى الحكم الغيابى على عادل إمام بالحبس بتهمة ازدراء الأديان؟

- نحن حالياً نعيش حالة فوران ومن لا يتخذ أى قرار بهدوء من الممكن أن يخطئ، والشخص الذى رفع القضية ضد عادل إمام ليس كل الإخوان أو كل السلفيين، وأناشد كل وسائل الإعلام المقروءة والمرئية «ما توقعوش بين المبدعين والتيار الدينى» وأن ننتظر ما ستفرزه التجربة العملية.

وكيف ترى وصف أحد السلفيين لأعمال نجيب محفوظ بأنها تحض على الدعارة؟

- هذا من حقه، ومن حقى أيضا أن أرد عليه ولكن يجب ألا ندخل اسم الله أو الرسول فى المناقشة، فمن حق أى شخص حالياً أن يقول ما يريد ونحن سنحتاج إلى سنوات حتى ينتصر العقل.

ألم ينتابك الخوف الذى أصاب الكثير من الفنانين بسبب صعود التيار الدينى؟

- إطلاقاً، فعندما كنت طالبا فى إعدادى وقفت كممثل على مسرح الشبان المسلمين الموجود فى شارع رمسيس والذى قتل أمامه حسن البنا، فهم لهم تصور خاص فى الفن و الاقتصاد وغيرهما من نواحى الحياة، ونحن فى النهاية لا نعيش فى قرية منعزلة، وأمامنا نماذج مثل إيران، فالحصار مستمر عليها بدرجات متفاوتة، وفى النهاية إما أن ينقلب الناس على النظام أو يتنازل النظام عن شروطه، لذلك أقول أنه يجب ألا نفجر قضايا قبل أن تبدأ.

كيف ترى تأسيس جبهة للدفاع عن حرية الإبداع بعد حصول التيار الدينى على أغلبية مقاعد البرلمان؟

- أعتقد أنها خطوة سابقة لأوانها، وبعض الزملاء تحدثوا معى فى ذلك وكان رأيى أن ننتظر حتى نتعرف على التجربة، خاصة أننا كفنانين لسنا قلة، فهناك العديد من المثقفين والمبدعين والفنانين، ولكنى سأتحرك عندما أشعر بظلم أو تقهر حريتى فى التعبير، أما أن يطلب منى البعض التحرك مسبقاً فهذا فى مجال السياسة يعتبر خطأ لأننى بذلك سأكسب عداوة بلا سبب.

وما رأيك فى الدولة الدينية؟

- لست ضد أى شكل من أشكال الدولة طالما الشعب هو الذى اختار ذلك من خلال انتخابه لأعضاء مجلس الشعب، ولكنى ضد شكل النظام الموجود فى إيران، بينما أرحب بالشكل الذى تطبقه تركيا، فمن يتابع المسلسلات التركية سيرى فساتين عارية وعلاقات محرمة رغم أن ذلك فى دولة إسلامية، فالدين موجود ولكن الإبداع أيضا موجود والنظام الاقتصادى قائم، وأذكر أن أحد الأشخاص سألنى ماذا ستفعل إذا أردت تصوير مشهد حب إذا ارتدت كل الفنانات الحجاب، فقلت: سأستعين بممثلة مسيحية.

لكن الفن نفسه قد يتوقف؟

- رغم اعتراضى على النموذج الإيرانى، فإنه عندما جاء على خامنئى توقف الفن عامين، ولكن بعد ذلك اكتشف مدى تأثير الفن فأعاده مرة أخرى، وبعد أن كانت مؤسسة السينما هناك تنتج ٤ أفلام فى السنة أصبحت تنتج ١٤ فيلماً، وعندما شاهدت بعضها فى المهرجانات وجدتها أفلاماً ساحرة، رغم أن الفنانات محجبات، وأعتقد أنه عندما تكون مبدعاً بشكل حقيقى لن يتركك العالم، لكنى أميل للتجربة التركية وأناشد كل التيارات الدينية أن تتأنى فى دراسة هذه التجربة.

كيف ترى البرلمان الحالى؟

- سعيد به للغاية، لأنه جاء بإرادة الشعب، وإذا فعل شىء ضد إرادة هذا الشعب فلن يتم انتخابه فى الدورة المقبلة، ولا أعرف لماذا نتعامل معه على أنه كارثة «إن شاء الله يجى» رئيس جمهورية من الإخوان فليس هناك أى مشكلة، وسنرى ماذا سيفعلون فى الاقتصاد والتعليم والصحة، ولا ننسى أن الثورة نجحت فى كسر حاجز الخوف عند الناس، ولا يوجد أى شخص مهما كان يستطيع أن يفرض شيئاً على هذا الشعب.

ولمن منحت صوتك فى انتخابات مجلس الشعب؟

- لا أريد الكشف عن ذلك، لأن البعض وضعنا فى خانة إذا لم تكن معى فأنت خائن.

ولكن كثيراً من الفنانين أصبحوا جزءاً من لعبة السياسة؟

- بعض التيارات السياسية حاولت ترشيحى لعضوية البرلمان وكان نجاحى مضموناً لأننى إذا دخلت قائمة سأكون على رأسها، ولو ترشحت مستقلاً فى السيدة زينب فى ظل النظام السابق ونزل أمامى حسنى مبارك نفسه لهزمته، لأننى نشأت وتربيت فى هذه المنطقة، ولم أتركها إلا عندما تزوجت، ولكن رأيى أن الفنان يجب ألا يمارس دوراً سياسياً إلا إذا اعتزل.

ما رأيك فيمن يرى أن الثورة تمت سرقتها لصالح بعض التيارات؟

- بالتأكيد تمت سرقتها، وذلك لعدم اتحاد شباب الثورة فى كيان واحد وتناثرهم فى ١٢٨ ائتلافاً تقريباً وهذا خطر كبير، لأن الثورة كان لابد أن يكون لها رأس وليس عدة رؤوس وفقا للمثل الشعبى المعروف «المركب أبو ريسين بيغرق» فما بالك بـ ١٢٨، ومستحيل أن أرضى كل الأذواق، فنحن نمر بمرحلة تصفية، ورغم أن الثورة سرقت إلا أنها لم تمت.

كيف ترى المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية؟

- كنت أتمنى وجود شاب تلتف حوله مؤسسات لديها الخبرة، لأن مصر مليئة بالخبرات المتميزة، ومن الظلم أن نتهم كل من عملوا مع مبارك أو السادات بأنهم خونة، لأن فيهم أساتذة سبق أن قالوا لا فى بعض الأمور مثل منصور حسن الذى قال لا للسادات مرتين وتم عزله، ورغم ذلك منحه السادات بعض اختصاصات نائب رئيس الجمهورية أثناء سفره للخارج، ولكن مبارك قام بسحبها مرة أخرى مما أغضب منصور، وقرر أن يجلس فى منزله ولكن عندما واجه مبارك مشكلة مع الأردن لجأ له فوافق على المهمة واضطر وقتها لمقابلة الملك حسين لحل الأزمة، وهذا ما لم يصرح به منصور حسن فى وسائل الإعلام.

ماذا عن التشكيك فى بعض المرشحين المحتملين مثل عمرو موسى وأحمد شفيق؟

- هذا أكبر خطأ، والغريب أن بعضهم غير قادر على الدفاع عن نفسه لأن هناك أسرار دولة يعرفونها ولكنهم لا يستطيعون أن يبوحوا بها، سأطرح مثلا سؤالاً: أين المرافق الذى كان مع المشير أبو غزالة أثناء زيارته لأمريكا والذى كان معه مياه ثقيلة على ما أذكر؟، على الأقل كنا نستطيع أن نستبدله بالأمريكان المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى، ورغم ذلك نحن لا نستطيع أن نفعل شيئاً لأن اقتصادنا «خربان» وسلاحنا من جهة واحدة، ولو أمريكا منعت مد معظم دول المنطقة بالذخيرة لتحولت جيوشها إلى «خردة» لذلك أحلم بسلاح وطنى وأناشد الجميع بعدم التخوين للخروج من هذه الأزمة.

كيف تطالب بعدم التخوين فى الوقت الذى تهبط فيه طائرة وتحمل متهمين أجانب دون أن نعرف من المسؤول عن ذلك؟

- كل هذا مقبول لأنه الممكن، يعنى تقدر «تضرب رأسك فى الحيط» أو تنتحر، ولكن كان هناك خطأ فى السلوك منذ البداية وهو أنك «طبلت» زيادة عندما بدأت القضية، لأنه فى السياسة من الممكن أن ألقى القبض على جواسيس من أمريكا ولكن لا أعلن عن ذلك إلا فى الوقت المناسب.

سبق أن قدمت مسلسلاً إذاعياً قدمت فيه شخصية مبارك، فهل أصبحت نادما على هذا العمل؟

- إطلاقا، لأننى قدمته بالمعلومات المتاحة لى وقتها، كما أنه لم يتم «لى» ذراعى على ذلك، فضلاً عن أنه كان من الغباء أن يرفض ممثل تقديم شخصية الرئيس وهو موجود فى السلطة لأنه بذلك يكون «بيضرب دماغه فى الحيط».

ماذا تقصد بضرب «دماغه فى الحيط»؟

- أقصد أنه عندما يطلب الرئيس منه أن يقدم دوره ثم يرفض.

وهل الرئيس نفسه عرض عليك تقديم شخصيته فى المسلسل؟

- لا، ولكنهم عرضوا على تقديم مسلسل تليفزيونى، وقررنا أن نبدأ أولاً بعمل إذاعى ليكون مسودة للعمل التليفزيونى، والحقيقة أن مبارك نفسه هو الذى رفض تقديم مسلسل تليفزيونى عن حياته.

هل كان لديك استعداد لتقديم دوره على الشاشة الصغيرة؟

- «ليه لا»، فالممثل لابد أن يكون فى مشواره أعمال تمثل لحظات اختبار قاسية بعيداً عن انتمائه السياسى مثلما فعل أحمد زكى، حيث قدم فيلمين عن السادات وعبدالناصر، فهل هذا له علاقة بانتمائه السياسى؟ وأنا سبق أن قدمت من إنتاجى فيلم «زمن حاتم زهران» وجسدت شخصية لا تتسق مع مبادئى ولكنها فى النهاية جزء من عمل يتفق بالكامل مع مبادئى.

لو تكرر العرض لتقديم نفس العمل ماذا سيكون موقفك؟

- سأنتظر ظهور الحقيقة، رغم أن الحقيقة فى بعض الأوقات لا تكون كاملة، فأنا مثلا كنت آخر شخص تحدث مع الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات وقت الحصار وهناك معلومات قالها لى بحكم صداقتى به، ولا أستطيع أن أصرح بها الآن، ولكن إذا كنت سأقدم عملا بعد ١٠ سنوات وإذا ظهرت معظم الحقائق سأقول ما أعرفه.

هل كان حسنى مبارك ظالما أم مظلوما؟

- لا أريد دخول مولد الهجوم على مبارك، ويجب أن ننتظر حكم المحكمة ثم نتحدث بعده، لأنه ليس من العدل أن نتحدث عن شائعات، لأننا أكثر شعب يضخم الشائعات، وأعتقد أنه لا تزال هناك وثائق عديدة لم تظهر حتى الآن، ولابد أن تهدأ أعصابنا فبعد عامين أو ثلاثة سنجد أن العديد من الأسماء التى كانت ملء السمع والبصر قد توارت، فيجب أن نفكر فى المصلحة العامة والأحلام الكبيرة سنحققها بعد ٤ سنوات هى مدة الفترة الرئاسية الأولى، حيث أعتقد أن رئيس الفترة الأولى لن ينتخبه الشعب فى فترة رئاسية جديدة لأن الناس تتوقع أن الرئيس القادم سيحول مصر إلى جنة فور انتخابه، وهذا لن يحدث رغم يقينى بأن الإخوان المسلمين سيساعدوا فى نهضة الاقتصاد المصرى بشكل كبير لأنهم «شطار» فى إدارة المشروعات التجارية، وأنا لا أنافقهم لأنى لا أخشاهم.

المصري اليوم في

28/03/2012

 

 

السينما.. أدب وروح إبراهيم أصلان

بقلم : د.وليد سيف

قد يبدو العنوان للبعض مثيرا للانتقاد. فهل يكفي فيلمان أعدا عن رواية لأديب ليصنعا حالة جديرة بالدراسة تحت هذا العنوان؟..و مع تقديري لأهمية الكم إلا أني اري أن هناك جوانب شديدة الخصوصية تتعلق بفيلمي الكيت كات وعصافير النيل . وهي جوانب ينبغي رصدها وتحليلها، خاصة في ظل ندرة تعامل السينما مع أدب جيل إبراهيم أصلان بأكمله بل والأجيال التي تلته. والعملان يفرضان التساءل عما إذا كانت هناك شروط محددة وملزمة علي المبدع السينمائي تجبره علي الالتزام بالنص الأدبي أو الخروج عنه. في اعتقادي ان أدب أصلان ذاته يثير هذه الإشكالية بما يمثله من اتجاه وما يميزه من خصائص تفرض علي المبدع ضرورة الإلمام بعالمه بأكمله قبل الإقدام علي التصدي لعمل من أعماله. إن نصوص اصلان في حالة حوار وتواصل مع بعضها.. فالشخصيات هنا تلقي بأصدائها هناك. والفكرة التي تبدو غامضة في عمل ما قد تبدو أكثر وضوحا في عمل آخر. بل إن الشخصية ذاتها باسمها وصفاتها قد تتكرر في أعمال مختلفة. ولكننا نراها في كل عمل من زاوية جديدة وفي مواقف مختلفة تكشف عن عمقها ومعدنها وتركيبها المعقد رغم تواضعها وبساطتها الظاهرة. البصر والبصيرة في قصة الي جوار رجل ضرير من مجموعة بحيرة المساء يري الناقد الأدبي محمود عبدالوهاب أن الراوي الصامت ابدا الزاهد في إلقاء الأسئلة وانتظار الإجابات الواقف دائما في الهامش الفاصل بين الفعل واللافعل، وبين السكوت والكلام يشارك لأول مرة في نقاش حقيقي حول الاحتلال.. كان الأعمي يتحسس جسد امرأته، ويتعرف علي تكوينه العام، وتفاصيله بدربة ودودة مذهلة. كان يمكنه الرؤية بيديه فإلي متي يظل الراوي في ظلمات ذاته بينما قوات العدو تقتحم الحدود وتحتل الأرض. لقد آن الأوان لكسر القوقعة والخروج إلي دنيا الناس. آن أوان الانتقال من قراءة الباطن الملبد بالصمت والأسئلة المعذبة إلي قراءة تفاصيل الواقع الاجتماعي والسياسي..آن أوان العبور من أحزان الذات إلي أحزان الوطن أو من العالم الفني لمجموعة بحيرة المساء إلي العالم الفني لرواية مالك الحزين التي تدور أحداثها في حي إمبابة. إن أهالي الحي العريق بطابعه المميز يعيشون زمانهم الخاص. زمان تجلس فيه النداهة في مياه النيل بعد الغروب، وتأخذ كل يوم واحدا أو اثنين من أبنائهم ويعشش فيه شيوخ إمبابة ذوي اللحي الطويلة بين أغصان الكافور العالية يصدرون الجلبة الخفية ويزقزقون مثل العصافير الهرمة ويتهامسون ويضحكون. زمان يلهث فيه الفقراء خلف سراب الثورات المطوية ويبيعون فيه بناتهم للوافدين من بلاد النفط ويتحايلون فيه للحصول علي الفتات بشتي صور التلاعب. زمان يتدلي فيه الحس الديني إلي الحضيض ولا تبقي منه سوي مظاهر خارجية لا تنعكس علي الإطلاق في سلوك قويم أو معاملات طيبة أو أخلاقيات رفيعة.. ومن ذلك الحس الديني الضحل المدعي قد يبلغون هاوية يفقدون فيها علاقاتهم بكل العالم ويتحولون إلي دراويش. تزدحم الرواية بالعديد من الأشخاص والمشاهد والحوارات التي نسمع فيها أفكارهم وهواجسهم ونجواهم. ونطل منها علي ذكريات ماضيهم لكن المعمار الفني للرواية لا تجسده شخصيات رئيسية أو أحداث أساسية تصنع بتقابلها وتصادمها الدراما الروائية. إن الدراما في مالك الحزين تنبع من التقابل بين خطوط تصنعها شخصيات تتفاعل مع واقع لصيق بوجودها الفردي وخطوط تأتي من عالم بعيد تتظاهر فيه الجموع وتهتف بمطالبها وشعاراتها السياسية. حسني ويوسف من دراما خريطة الشخصيات الواسعة يستخلص داود شخصية الشيخ حسني الضرير المتشبع بروح الحياة والمغامرة والأكثر إيحاء ودلالة لروح وعالم أصلان. وهو يأتي كمقابل رائع لشخصية يوسف ابنه المثقف المنعزل الغارق في ذاته والفاقد لأدني درجات الإحساس بمن حوله. يشيد داود السيناريو بالبحث عن المعادل الموضوعي السينمائي في ظل صياغة ورؤية سينمائية خالصة او متخلصة من أسلوبية الوسيط التعبيري الآخر وباحثة عن أسلوبيتها الخاصة وبنائها المستقل. تحتوي الرواية علي أكثر من أربعين شخصية، ومجمل أحداثها تدور في أقل من أربع وعشرين ساعة . وليس من السهل ـ طبعاً ـ نقل كل هذا في فيلم واحد . لذلك انتقي عبد السيد بعضاً من الشخصيات وقدم من خلالها موضوعاً مختلفاً عن موضوع الرواية الرئيسي . ولكن الرسم الأدبي البديع للشخصيات موح وملهم لداود عبد السيد في صياغة بنائه السينمائي وتشكيله البصري والإيقاعي للصورة.. تتابع الأحداث الشيخ حسني في بناء أشبه بالاسكتشات المنفصلة ولكنها متصلة بروحه الجميلة وبعالمه الخاص الحر الذي يتجاوز به كل ما يحيطه من عوالم ضيقه وخانقه. تلتقطه الكاميرا من زوايا مائلة من أسفل لتوحي بعظمة شخصه وروحه رغم مظهره المتواضع. ولتتضاءل الشخصيات والأبنية ومختلف الأشياء والكائنات خلف صورته الكبيرة في مقدمة الصورة وكمحور للعدسة والرؤية. في اللقطات الخارجية يتكشف لنا من خلاله فقط العالم الواسع الفسيح ونتوقف معه كثيرا لتأمله. هو لا يراه بعينيه ولكنه يتحسسه بكل حواسه التي تخصص لها الكاميرا لقطات مخصوصة تحيله إلي كائن يبدو وكأنه يمتلك قرون استشعار. في مشاهده المنطلقة الخارجة عن سياق الحياة التقليدية الخانقة المألوفة تدخل الموسيقي بإيحاءات مختلفة وكأنها تسعي لتثبيت اللحظة والخروج بها عن التناول الطبيعي التقليدي كلحظة احتفالية خاصة بالكون والحياة. المنسيون إن شخصيات فيلم (الكيت كات) إجمالاً من المنسيين، يعيشون علي هامش المجتمع، وبالرغم من البعد اللاأخلاقي في سلوك البعض، ينظر عبد السيد إليهم برحمة وحنو وتفهم لحاجات النفس والجسد. وهي رؤية تقترب بإخلاص من روح نص وفكر الكاتب إبراهيم أصلان حتي وإن تلمست طرقا مختلفة وإعتمدت علي تفاصيل ومواقف من وحي السيناريو ليس لها وجود في النص الأدبي. وعلي النقيض من تجربة داود عبدالسيد تأتي أسلوبية مختلفة تماما من مجدي أحمد علي في فيلم عصافير النيل عن رواية أصلان بذات الاسم. فمجدي يسعي لتوظيف مختلف عناصر وأحداث ومواقف الرواية وتفاصيل عالم أصلان قدر الإمكان. بل إنه يعتمد أيضا كثيرا علي نص حوار الرواية إلي الحد الذي يجعله ينسب وبأمانة نص الحوار إلي كاتب الرواية. وهو ما يجعل أصلان شريكا أساسيا في النص السينمائي. في موقف أقرب لأجواء الواقعية السحرية يخرج عبد الرحيم في أول يوم وصوله ليصيد علي شاطيء النيل ولكنه بدلا من أن يصيد سمكة يتعلق عصفور بسنارته. يحاول العصفور أن يتخلص من السنارة فيجذبها لأعلي مندفعا، بينما يتشبث عبد الرحيم بسنارته الطائرة وهو يجري ممسكا بها بكل قوته ودهشته. وسرعان ما تتحول حالة المرح الساخر التي تصيبه ومن حوله إلي واقع مأساوي عبثي وكئيب حين يتسبب هذا الحادث في إلقاء القبض عليه وما يناله من تعذيب. ولكن هذا الموقف أيضا هو الذي سوف يلفت نظر الجارة بسيمة إليه لتتولد شرارة الحب سريعا بينهما والتي ستخبو سريعا أيضا. حكايات عبد الرحيم ولكن الفيلم لن يكتفي بحكايات عبدالرحيم فهو سيهمله كثيرا ليستطرد في سرد الكثير عن شخصيات من حوله وخاصة حكاية شقيقته نرجس التي تعيش في قلق دائم من ظلمة القبر وزوجها البهي أفندي الذي أنهت الحكومة طموحاته البسيطة بإحالته للمعاش المبكر، وتفشل شكاواه اللانهائية في إعادته للعمل. كما نتعرف متأخرا علي أم عبد الرحيم أيضا التي تلحق بابنها في القاهرة للعلاج فتبدو كنبات انتزع من جذوره ويهفوا بشدة للعودة إلي أرضه. ويتمادي السيناريو مع هذه الحكايات لينتقل لجيل أبناء البهي في عجالات تخلوا من التعمق وتخرج عن الأسلوب البنائي للمواقف الدرامية القوية ذات الدلالات التعبيرية الموحية. وتتحول بعض المشاهد إلي صيغ خبرية لنعلم أن أحد الابناء ينتمي لليسار والآخر للتيار اليميني المتطرف، مع بعض مشاهد تعكس سيطرة الرجعيين والمتشددين علي الأهالي في إمبابة وتدخلهم في حياتهم الشخصية بشكل سافر وعنيف. وتتوالي الأزمنة بشكل حاد وتجريدي وفي إشارات مقتضبة للخلفية السياسية والاجتماعية ولكنها تبدو في حاجة إلي مذكرة تفسيرية لإيضاحها. كما أنها تخرج عن أسلوبية العمل التأملية، بقدرته علي التعبير عما هو عام بالإخلاص لكل ما هو خاص. آفاق أرحب ولكن علي مستوي اللغة السينمائية تتحقق للفيلم رؤية بصرية موحدة وذات أسلوبية خاصة يحققها مجدي أحمد علي في أرقي أفلامه فنيا وأكثرها جرأة علي مستوي السرد وخيال الصورة دون أن تفقد العمل وحدته. فالفيلم بوجه عام لا يخرج عن نطاق شريحة اجتماعية ذات انتماءات واحدة وهو ما ينعكس علي الشكل العام للملابس والديكورات والإكسسوارات والأبنية وحتي أسلوب الماكياج. وتكشف الخطة الضوئية واللونية للفيلم بوجه عام عن سيطرة رمسيس مرزوق علي الأزرق والاسود عن هؤلاء البشر الذين يعيشون في أجواء شبه مظلمة علي المستوي النفسي والواقعي أيضا مع انقطاع الكهرباء باستمرار، وكأن المدينة لم تنقلهم حتي ولو إلي واقع مضيء ولو علي مستوي الشكل وإنما ألقت بهم إلي مزيد من الظلمة. وعلي أي حال ورغما عن اختلاف الأساليب والنتائج فإن أدب أصلان رغم محدودية ظهوره في السينما، إلا أنه ظهر من خلال أعمال متميزة ومشروعات طموحة للخروج من الفيلم المصري من أسر قيوده المغرقة في التقليدية وأكليشيهاته السائدة وحدوده الضيقة التي لا تخرج عن إطار التسلية البسيطة أو حتي الإعمال الذهني بمعناه البسيط أو المتقدم. ولكنه عبر روايتي مالك الحزين وعصافير النيل أمكنه أن يحلق في آفاق أرحب نحو مخاطبة القلب والروح وتلمس الكثير مما هو جميل وحقيقي وجدير بالرصد في المجتمع وفي شخصياته البسيطة المقهورة تماما أو التي مازالت تملك قدرا من الحماس للحياة والفعل والمغامرة.

جريدة القاهرة في

27/03/2012

 

"المرأة الحديدية "..

الصعود إلي القمة والهبوط إلي قاع الذاكرة

بقلم : شاهيناز المهدي 

لم تكن تحلم يوما ما - هي ابنة بائع الخضار- أن تعتلي القمة، وأن تصبح أول سيدة في بريطانيا العظمي تخوض غمار السياسة، وتصبح أول عضو نسائي في البرلمان البريطاني. لم يقف طموحها عند ذلك؛ بل قادها لتصبح أول رئيس للوزراء. بقبضة حديدية لا تعرف التهاون استطاعت أن تقود حزبها من نصر إلي نصرلمدة عشر سنوات ونصف. كانت رحلة الصعود ممتعة وكانت رحلة الهبوط درامية ومؤلمة.. إنها مارجريت ثاتشر، الملقبة بالمرأة الحديدية. المرأة المجهولة يبدأ الفيلم من حيث النهاية. امرأة عجوز لاتثير الانتباه تشتري زجاجة حليب. تتعجب من غلاء الأسعار كأنها ليست أحد أسباب هذا الغلاء! تعود إلي منزلها حيث تقبع الذكريات والوحدة وأوهام خيالها. تتحدث الي زوج نعلم من حديث مدبرة منزلها إنه رحل منذ تسع سنوات، لكنها ترفض الاعتراف بالواقع والتخلي عن ممتلكاته. إنها تعيش بها ولها. أزمنة متقاطعة نري الفيلم من خلال أزمنة ثلاثة يتنقل بينها المخرج بسلاسة وبراعة، تجعل المشاهد يتابع بلا تشوش أو عدم وضوح. نري ماجي الصغيرة، وانبهارها بالخطب السياسية، واختلافها عن أقرانها، وجديتها في التعامل مع كل مايحيط بها. فهي تساعد والدها في محل لبيع الخضروات؛ مما يساعدها في تكوين أفكارها اقتصاديا، ونجاحها الباهر؛ مما يتيح لها الدراسة في جامعة اوكسفورد العريقة، التي كانت تضم ابناء الطبقة الأرستقراطية. ونري كيف استطاعت هي الانثي شق طريقها بينهم، وفرض آرائها، بل ووقوع أحد أبناء هذة الطبقة في حبها وزواجه منها إيمانا بأفكارها. وتتزوج ماجي، وتنجب طفلين، لكن حلمها يظل معها لاتتخلي عنه. وتخوض ماجي الانتخابات، و تكون أول سيدة تنجح في البرلمان عن حزب المحافظين. وفي لقطة شديدة البراعة، يتابع المخرج اليوم الاول لذهاب ماجي الي البرلمان. يعرض الفيلم خروج ماجي من منزلها، وقيادتها لسيارتها وطفلاها يتعلقان بحواف السيارة في محاولة منهما للذهاب معها. لكنها تنطلق بالسيارة غير عابئة ببكائهما. وتركز الكاميرا علي لعب أطفالها داخل تابلوه سيارتها، وكأنها تدفن أمومتها في سبيل طموحها الشخصي . صندوق الذكريات عودة الي ماجي العجوز تتأمل صورها المنتشرة في أنحاء منزلها. تعود بالذاكرة إلي النقاط الفاصلة في حياتها وقراراتها المصيرية التي اتخذتها، من خلال لقطات أرشيفية، يستخدمها المخرج ليمزج ما بين التسجيلي والروائي. يقطع مونتاجا ذكيا علي ماجي في البرلمان تتخذ قرار السوق الحرة. وينتعش الاقتصاد البريطاني لقرارها الذي اتخذته رغما عن الجميع: حرب الفوكلاند. ويعرض الفيلم استهزاء ماجي بآراء زملاء حزبها، وصعود نجمها، وبداية إصابتها بالغرور القاتل، واتخاذها لقرار منفرد بفرض ضريبة دخل موحدة علي الجميع؛ مما أضر بأصحاب الدخول الصغيرة . تشتعل المظاهرات في أنحاء بريطانيا منددة بسيدة بريطانيا "ماجي" ومطالبة بسقوطها، وهي التي طالما أحبها البريطانيون وهتفوا باسمها. ويتخلي عنها حزبها بعد إحساسه بأنها أصبحت عبئا عليه. يتضامن الجميع لعزلها؛ مما يشعرها بخيانة الاصدقاء لها؛ فتقرر الانسحاب من الحياة السياسية ولملمة جراحها. سيدة واحدة وعوالم مختلفة نحن هنا أمام سيدة في عوالم ثلاثة مختلفة تتقاطع في ثلاثة محاور عمرية: الشابة الصغيرة واهتمامها السياسي؛ والفتاة الناضجة وطموحها؛ وأحلام تتحقق وأخري تأخذها الي الهاوية. أما علي مستوي الزمن الواقعي فقد اقتصر الفيلم علي تكثيف حالة الانعزال والبحث في صندوق الذكريات، وشبح الزوج الذ ي يطارد ماجي ولاتستطيع الفكاك منه الا في نهاية الرحلة الزمنية للفيلم، حيث تتخلص من ملابسه ومن صندوق الذكريات. السيناريو هنا يقوم علي محاولة فهم طبيعة النفس البشرية: طموحها، ونجاحاتها، وأفكارها؛ وإن كان السيناريو قد انحاز الي الجانب الانساني العاطفي علي حساب السياسي، علي الرغم من أن الفيلم يندرج تحت ما يطلق عليه اسم أفلام السيرة الذاتية. لعب المكياح دورا حيويا في اكتمال جوانب الشخصية التي تؤديها العظيمة "ميرل ستريب"، التي حصلت علي جائزة (جولدن جلوب، وترشح الان لجائزة الاوسكار عن أدائها لدور مارجريت ثاتشر). الإضاءة تتسم بالإبهار في لحظات الانتصار، ثم تعود إلي التعتيم بالعودة إلي الزمن الحاضر للفيلم لتؤكد انعزالية الشخصية ووحدتها. استخدم المخرج اللقطات التسجيلية ومزجها بالروائي، ونجح في توظيف المونتاج وتطويعه للانتقال ببراعة بين مراحل الشخصية الثلاث. أما نجاح المخرج الأكبر فكان في اختياره للرائعة "ميرل ستريب"، التي قدمت أداء أكثر من رائع، وطوعت لهجتها الأمريكية إلي اللهجة الإنجيلزية المشهورة لماجي، مما أخرس الكثير من النقاد الإنجليز الذين انتقدوا اختيار ممثلة أمريكية لدور ثاتشر. لكنها الكفاءة يا صناع الأفلام.

جريدة القاهرة في

27/03/2012

 

المركز القومي للسينما.. خطوات علي الطريق الصحيح

بقلم : أسامة عبدالفتاح 

ثلاثة شهور فقط قضاها المخرج مجدي أحمد علي رئيسا للمركز القومي للسينما، منذ تعيينه أواخر ديسمبر الماضي، كانت كفيلة بأن يشعر أي مراقب منصف أن المركز بدأ يخطو علي الطريق الصحيح نحو أداء دوره المنشود في دعم صناعة السينما المصرية، ومساعدة مبدعيها، وحفظ تراثها، رغم ما يواجهه من مشكلات وصعوبات لا يمكن أن يتصورها أحد إلا بعد أن يقضي معه - كما فعلت - عدة ساعات في مكتبه، ويستمع إليه، ويشهد علي الطبيعة ما يمكن أن تفعله البيروقراطية بأحلام المبدعين الرومانسيين. قال مثلا إن هناك مشكلات بالجملة في ستوديو الأهرام، وإن ستوديو نحاس به شروخ ورشح مياه ومهدد بالانهيار، مما دفع موظفي المركز إلي مغادرته.. وأوضح أنه يحاول - بالتنسيق مع الدكتور خالد عبد الجليل، رئيس قطاع الإنتاج الثقافي - استرداد بعض المواقع لترميمها والعمل علي تطويرها، في ظل صراع مرير عليها مع شركة مصر للصوت والضوء والسينما شمل حتي بعض الغرف التي يحتاجها لكي تعمل فيها إدارة الإنتاج السينمائي ووحدة أفلام التحريك، وأيضا لتسكين العمالة الزائدة التي يعاني منها، حيث أرسل له الجهاز الإداري مئات الموظفين وهو المثقل بالعمالة التي لا يجد لها عملا ولا حتي مكانا تجلس فيه. وأضاف أنه استحدث وحدة جديدة للأفلام النيجاتيف غير المستخدمة من قبل المخرجين طوال تاريخ السينما المصرية، يجري العاملون فيها جهودا كبيرة لحصر هذه الأفلام، خاصة أن ما لم يستخدم منها أكثر مما استخدم بالفعل، ومنها كنوز تاريخية حقيقية تتعلق بحضارتنا وتاريخنا مثل معبد أبي سمبل وغيره.. وسيجري عمل تصنيف وترميم لهذه النيجاتيفات لتصبح جاهزة لتسويقها وبيعها لمن يريد من المهتمين. دخل مادي وأشار إلي مشروع آخر لتطوير ما يسمي بقاعة الوزير، التي كان وزير الثقافة يشاهد فيها العروض الخاصة للأفلام، علما بأن مشروعا سابقا لتطويرها فشل تماما لتتحول للأسف إلي مخزن للمهملات.. وقال إنه جري تنظيفها تمهيدا لتنفيذ مشروع التطوير الجديد الذي يشارك فيه مهندس الديكور فوزي العوامري، الموظف بالمركز، والذي يستهدف تحويل القاعة إلي مركز عالمي للمهرجانات يضم قاعات عرض للسينما والفيديو وصالة عرض مفتوحة ومركزا صحفيا حديثا وكافيتيريا وكل ما يلزم المهرجانات الدولية.. وأوضح أن استخدام المركز المقرر إنشاؤه لن يكون قاصرا علي أنشطة "القومي للسينما"، وسيكون متاحا لمن يريد استئجاره لإقامة مختلف المهرجانات وبالتالي تحقيق دخل مادي للمركز. وردا علي سؤال حول حلم كل سينمائي بوجود "سينماتيك" مصري - علي غرار السينماتيك الفرنسي الشهير - يحفظ تاريخ السينما المصرية ويكون مرجعا للباحثين والمهتمين، قال مجدي أحمد علي إن المشروع قائم، وإن الدكتور خالد عبد الجليل، الرئيس السابق للمركز، سار فيه خطوات تم خلالها الاتفاق مع الجانب الفرنسي علي بروتوكول التنفيذ، وتم اختيار قصر الأمير طوسون لإقامة السينماتيك، وزاره الجانبان بالفعل لتفقده ورفع مقاساته.. وأوضح أن عبد الجليل سيتولي استكمال المشروع، وسيشارك فيه من المركز خبراء ترميم الوثائق والأفلام. وأشار إلي أن هناك أيضا رغبة في عمل متحف للسينما المصرية، موضحا أن هناك فرقا بين المتحف والسينماتيك، وأن هناك حاجة لهما معا، سواء في موقع واحد أو في موقعين منفصلين، بشرط الالتزام بالقواعد العلمية المعروفة لحفظ الأفلام، مثل الابتعاد عن الرطوبة وتوفير درجة حرارة معينة... إلخ. وقال إنه يمكن عمل أكثر من سينماتيك في أكثر من مكان، وإنه يمكن التنسيق مع هيئة الآثار لاختيار مواقع أثرية لإقامة مثل هذه المشروعات. فوضي عارمة وعما إذا كانت الأفلام نفسها موجودة وفي حالة جيدة لحفظها في السينماتيك في حالة إقامته، قال رئيس المركز القومي للسينما إن الأفلام بالطبع في حالة سيئة للغاية، وهناك أفلام مفقودة بالكامل وأجزاء تائهة من أفلام أخري، وهناك بشكل عام فوضي عارمة فيما يخص حفظ وأرشفة الأفلام لأنه لا يوجد حاليا "أب" للسينما.. لكن عندما يوجد مشروع خاص بتوثيق السينما المصرية ويعين مدير متفرغ له، سيتولي عمليات البحث والترميم وغيرها لأنه سيكون شغله الشاغل، أما الآن فليس هناك من يمكن سؤاله ومحاسبته عن ذلك.. وأضاف أن هذا المدير يجب أن يكون خبيرا كبيرا متخصصا، علي أن يتقاضي راتبا عاليا مقابل تفرغه. وأوضح أن المركز يحتفظ بأشرطة النيجاتيف الخاصة بالأفلام التي أنتجها، وأن نيجاتيف الأفلام الأخري موجود في ثلاجات شركة السينما.. سألته إن كان القانون يلزم المنتجين بتسليم نسخة من أفلامهم للدولة، فقال إنه لا يلزمهم سوي بتسليم نسخة بوزيتيف، وهي قصيرة العمر جدا بالمقارنة مع النيجاتيف، علما بأن المنتجين عادة ما يختارون أسوأ النسخ لتسليمها.. ودعا مجلس الشعب إلي إصدار قانون يلزم المنتجين بتسليم ما يسمي بنسخة "ديوب نيجاتيف"، مشيرا إلي أن العقود التي سيبرمها المركز مع صناع الأفلام الفائزة أخيرا بدعم الدولة المادي ستلزمهم بتسليم هذه النسخة. نحن إذن لا نضمن - حتي في حالة إنشاء السينماتيك - أن تتوفر النسخ الأصلية لجميع الأفلام المصرية، فضلا عن أن المشروع، كما قال مجدي أحمد علي، سيستغرق وقتا طويلا جدا لإيجاد وترميم وحفظ النسخ، وسيكون مكلفا للغاية، فنسخة "الديوب نيجاتيف" تتكلف 70 ألف جنيه في المتوسط، وهناك حوالي 4 آلاف فيلم مصري، لذلك يقترح تنفيذ المشروع علي مراحل قد تستغرق سنوات طويلة. ميزانية محدودة وفيما يتعلق بالإنتاج، أكد مجدي أحمد علي أنه ما زال قاصرا في المركز علي الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة وأفلام التحريك، ولم يصل بعد إلي الأفلام الروائية الطويلة نظرا للميزانية المحدودة، وإن لم يستبعد حدوث ذلك في المستقبل، قائلا إنه لو استمر في رئاسة المركز بعد الموعد المقرر لإحالته إلي المعاش خلال شهور قليلة، فسيكون من بين طموحاته إنتاج الأفلام الروائية الطويلة. ومن بين الخطوات الطموحة علي الطريق الصحيح، التفكير في قناة فضائية تابعة لوزارة الثقافة، وللمركز القومي للسينما تحديدا، لعرض إنتاجه وإبراز أنشطته وجهود مبدعيه.. وكذلك العمل علي تسويق أفلام المركز، التي قدمها عبر تاريخه كبار مخرجي السينما المصرية، في محطات التليفزيون العالمية، مع ما يتطلبه ذلك من ترميمها وترجمتها. وردا علي سؤال حول فرص استمرار مشروع دعم الأفلام، الذي أعلن أخيرا عن أسماء الفائزين به، والذي تبلغ ميزانيته 20 مليون جنيه، قال إن كل الأمور في الدولة الآن علي كف عفريت، وإن أحدا لا يضمن استمرار نفس السياسة، وإن كان سيسعي للحفاظ علي حقوق السينمائيين المكتسبة، وسيعمل ليس فقط علي استمرار المشروع، ولكن أيضا علي زيادة ميزانيته.. وأضاف أنه لأول مرة يتم دعم 12 فيلما روائيا طويلا، و15 روائيا قصيرا، وستة أفلام تسجيلية، وثلاثة أفلام تحريك، معربا عن أمله في أن تلتحم الدورة المقبلة من مشروع الدعم بالدورة الحالية لتشكلا معا موجة جديدة من الأفلام المصرية الجادة والمتميزة التي من شأنها إحداث التوازن في السوق السينمائية مع الأفلام السائدة. عشرة أضعاف وأكد أن من حق أي سينمائي التقدم إلي المركز لإنتاج فيلمه التسجيلي أو القصير، طالما كان مشروعه جيدا وجادا، وإن كانت الأولوية بالطبع لأبناء المركز من المبدعين في حالة التساوي في معايير الجودة، التي تأتي في المقام الأول بطبيعة الحال، لأن الميزانية لا تكفي لإنتاج كل الأفلام المتقدمة.. وكان من الطبيعي هنا أن أسأل عن هذه الميزانية، فقال مجدي: "لا أريد أن أصدمك، لكن ميزانية المركز كله 12,5 مليون جنيه، منها نصف مليون فقط للإنتاج، لأن لدينا كما ضخما من الموظفين والكوادر كما أوضحت من قبل.. المركز فيه 500 موظف، ورأيي الشخصي أنه يمكن أن يعمل بكفاءة بخمسين موظفا فقط، أي أن لدي عشرة أضعاف العمالة التي أحتاجها فعلا". لا تعليق، فكلام الرجل يعبر بوضوح عن نموذج لمبدع مصري يحاول بإخلاص خدمة سينما بلاده، وبلاده بشكل عام، لكن يواجه تلالا من الصعوبات والمشكلات والمعوقات البيروقراطية.. فهل يجد لدي من في أيديهم مقاليد الأمور من يعينه علي أداء مهمته وتحقيق طموحاته؟

جريدة القاهرة في

27/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)