حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم "إدجار":

الفرد قبل المؤسسة والأمن فوق القانون!

محمود عبد الشكور

لا أتفق أبداً مع منهج التقليل من شأن الأفلام لأنها تقول أشياء لا نوافق عليها إذ أن الكاتب يصنع فيلمه بالأساس لكى يعبّر عن وجهة نظره هو لا عن وجهة نظرنا نحن، يصنع السينما التى يحبها ليضع من خلالها أفكاره لا أفكارنا نحن.

لذلك كنت وسأظلُ أقيّم الأفلام بحسب مستواها الفنى أولا، ثم أقوم بتفنيد وجهة نظر الفيلم إذا كنت مختلفاً معه، أى أننى أحاول أن أجمع (بقدر الإستطاعة ) بين حق الفن وحق الفكر معاً.

هذا فيلم هام للغاية أعتبره فرصة رائعة لتطبيق هذه القاعدة. إنه الفيلم الأمريكى "ج إدجار" J. Edgar الذى يطرح وجهة نظر مزعجة للغاية ولكن بطريقة ذكية ومؤثرة، ومن خلال بناء متماسك مع بعض الملاحظات.

بدأ مؤخراً عرض هذا الفيلم الذى قام ببطولته ليوناردو دى كابريو وأخرجه كلينت إيستوود فى عدد محدود من الصالات المصرية، وأدهشنى بعد أن شاهدته أنه فى مستوى بعض ما شاهدت من الأفلام التى رشحت للأوسكار إن لم يتفوق عليها.

هل استُبعد الفيلم من الجوائز والمنافسة بسبب فكرته التى أختلف أنا ايضا معها أم بسبب ملاحظات على مستواه الفنى؟ تقديرى أنها الأولى إذ يبدو أن أعضاء الأكاديمية أزعجهم (كما أزعجنى أيضاً) أن يعبّر الفيلم عن وجهة نظر تقترب كثيراً من منطق (أو لامنطق) اليمين الأمريكى المحافظ الذى ورّط أمريكا فى قوانين صارمة بعد هجمات 11 سبتمبر، والذى جعل أمن أمريكا ( والعالم الحر) يبدأ من أفغانستان والعراق.

لايتم استدعاء الشخصيات الهامة التى لعبت دوراً فى التاريخ عبثاً أو من باب التكريم فقط، ولكن الأفلام الناضجة تستدعى شخصية ما من الماضى لكى تقول أشياء محددة عن الحاضر.

استدعاء الشخصية

ما فعله  داستين لانس بلانك مؤلف فيلم "إدجار" هو استدعاء شخصية مؤسس مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكى الأسطورى "إدجار هوفر" لكى ينحاز من خلالها الى رؤية اليمين التى تضع هاجس الأمن فى المقدمة، وتجعله صاحب الفضل الأول فى حماية أمريكا من أعداء لا ينامون.

تذهب هذه الرؤية أيضاً الى اعتبار أن  الأمن ليس مجانياً على الإطلاق، هو سلعة لها ثمنها الباهظ  الذى لا يتمثل فقط فى اختراع القانون المناسب وفقاً للظرف الإستثنائى، وإنما قد يمتد الى خرق القانون نفسه إذا استدعت الضرورة ذلك.

منطق هوفر الذى رأيناه فى الفيلم هو منطق كل رجل أمن فى العالم يرى فى نفسه حاملاً لرسالة سرمدية تحتّم عليه حماية من يريد ممن يعتقد أنهم ضد الوطن، الفكرة هنا ببساطة أن الفرد هو صانع المؤسسة وليس العكس، وهو أيضاً الذى يحدد للمؤسسة طريقها رافعا شعارات مثل الغاية تبرر الوسيلة والضرورات تبيح المحظورات.

إدجار هوفر الذى يلعب دي كابريو دوره ببراعة هو الرجل الذى اعتبر نفسه حامياً لوطنه من الشيوعيين والفوضويين وعصابات الجريمة المنظمة، الفيلم يتجاوز كثيراً سرد محطات هامة من حياته المهنية التى تواصلت تحت حكم ثمانية رؤساء للجمهورية ، ليصل الى هدفه الحقيقى وهو أن يضع متفرجه (الأمريكى أساساً) أمام ثنائيات محددة: الفرد فى مقابل المؤسسة، والأمن فى ظل القانون أم الأمن بعيداً عن القانون، وكلها قضايا مؤرّقة كانت موضوعاً أمريكياً للجدل بعد مأساة مركز التجارة العالمى.

ومع أن السرد يطرح قصة هوفر من خلال هوفر نفسه الذى يحكى قصته وقصة مكتب التحقيقات الفيدرالية بل ويُمليها على أكثر من عميل شاب ( الجيل الجديد)، ومع أننا نتحرك من الحاضر الى الماضى وبالعكس على مساحة زمنية ضخمة تمتد من عام 1919 الى عام 1975 ، ورغم أننا نسمع ونشاهد رؤساء لأمريكا من الرئيس هوفر الى الرئيس نيكسون مروراً بروزفلت وجون كنيدى، إلا أن خيطاً واحداً، ونغمة محددة لم تتغيّر أبداً يمكن وصفها على النحو التالى :هناك خطر داهم وعابر للأزمان على أمريكا ، وهناك رجل واحد على رأس مؤسسة صنعها على يديه يتحدى الخطر مهما تغيّر شكله أو مصدره.

خطر الشيوعية

فى أول لقطة، نسمع هوفر وهو يصف الشيوعية بالخطر الداهم والمرض الخطير، نحن الآن فى بداية الستينات حيث يقرر مؤسس مكتب التحقيقات أن يُملى قصته وقصة مؤسسته، نعود الى العام 1919 لكى نشاهد النائب العام بالمر وهو ينجو وأسرته من الموت بأعجوبة إثر انفجار دبره الشيوعيون ضمن سلسلة انفجارات استهدفت شخصيات عامة ورجال أعمال.

كان هوفر وقتها شاباً صغيراً يعمل فى مكتب النائب العام، ولم يكن مسموحاً لرجال الضبط بحمل الأسلحة، ولكن هوفر الذى يعتبر بالمر مثله الأعلى يشترك معه فى الحرب على الجماعات الراديكالية بلا هوادة.

يبدأ هوفر من فكرة عمل ملفات بأسماء أعضاء هذه الجماعات، ويتحايل على قانون منع حمل السلاح باستخدام الأسلحة الشخصية، ويساهم فى متابعة الأجانب المقيمين فى أمريكا، ويوصى بطرد بعضهم ومنهم إيما جولدمان المتزوجة من أمريكى.

يؤدى انتهاك القانون الى الإطاحة بالنائب بالمر، ولكن النائب العام التالى له يختار هوفر لكى يكون مديرا لمكتب التحقيقات الفدرالية مع صلاحيات واسعة تجعله يختار أفراد المكتب وفق معاييره الصارمة، وتسمح له فيما بعد بإنشاء أضخم بنك للبصمات كما يؤسس معملاً متكاملاً للبحث عن الأدلة الجنائية، وكلها خطوات لم تكن تعرفها أجهزة الأمن فى تلك السنوات المبكرة.

مع تغيّر الزمن، يتغيّر العميل الذى يُملى عليه هوفر القصة وكأنها يريد أن يوصّل فكرة الفيلم لكل الأجيال: أمريكا فى خطر متصل، ونحن الموكلون بحمايتها، الفرد هو صانع المؤسسة والقوانين، والأمن يسبق كل شئ.

فى مسيرته المهنية هناك محطات يتوقف عندها الفيلم : قضية اختطاف وموت ابن الطيار الشهير لندنبرج التى استغلها هوفر فى تدعيم دور مكتب التحقيقات، وفى إنشاء معمل حديث للأدلة الجنائية، وفى تشريع جديد يتيح للشرطة حمل الرشاشات لمقاومة عصابات الجريمة المنظمة.

استخدم هوفر سلاح الدعاية لنفسه أو من خلال أفلام روائية وحكايات مصوّرة تجعل رجال التحقيقات أبطالاً، ثم انتقل الى استغلال رؤساء أمريكا أو بالأحرى ابتزازهم بملفات وتسجيلات يحتفظ بها المكتب حتى يطلقون يده فى التجسس على من يعتبرهم أعداء الوطن بمن فيهم داعية الحقوق المدنية الأشهر مارتن لوثر كنج.

فى مشهد هام يقوم هوفر  بتهديد روبرت كنيدى (النائب العام فى الستينيثات) بتسجيلات فضائحية لشقيقه الرئيس كنيدى حتى يغض النائب العام الطرف عن تجسسه على شخص يتهمه هوفر بالشيوعية، فى مشهد سابق نراه يلمح بعلاقة شاذة لزوجة الرئيس روزفلت مع إحدى السيدات لكى يحتفظ هوفر بمنصبه، وفى مشهد لاحق نراه يدخل الى نيكسون وينكر وجود الملفات السرية التى طلبها منه الرئيس، وفى كل مرة ينظر هوفر قبل دخوله المكتب البيضاوى الى صورة معلقة لأول رؤساء امريكا جورج واشنطن وكأنه يتعهد له بأن يحافظ على الوطن.

سباق مع القوانين

صحيح أن الفيلم يقدم هذه الأمور باعتبارها تجاوزات قانونية، ولكن ما يبقى فى ذاكرتك أن هذا الرجل أنقذ أمريكا عشرات المرات، لقد بدا أحياناً أن الرجل يسبق القوانين، ويشم الخطر على مسافة بعيدة مثل زرقاء اليمامة، وإذا كان هوفر يعتبر بالمر بطلاً، فإن الفيلم يطلب من كل أمريكى بخبث أن يعتبر هوفر بطل الأبطال.

حتى جوانب الضعف الإنسانية الشخصية عند هوفر تقدّم بصورة لا تجعله مقاتلاً ضد الشيوعية والجريمة المنظمة  فحسب ولكنه مقاتل ضد نفسه ورغباتها، هناك دوماً علاقة لا تنتهى بأمه ذات الشخصية القوية التى لعبت دورها ببراعة جودى دنش، وهناك أيضا مقاومة متصلة منه لشذوذه الجنسى حيث ينحاز الفيلم لفكرة لم تتأكد أبداً هى أن هوفر كان شاذاً جنسياً، وأن عشيقه هو مساعده الأول فى مكتب التحقيقات وصديق عمره كلايد تولسون ( أداء متميّز من آرمى هامر).

بورتريه السيد هوفر كما قدمه الفيلم واضح المعالم تماماً : رجل يحترف الأمن، ويقدّس الصداقة (تولسون والسكرتيرة الدائمة هيلين جاندى)، يؤمن بنفسه وبالمؤسسة التى أنشأها وبرجاله، قد يميل الى الإستعراض وادعاء البطولات الوهمية كما يواجهه تولسون بذلك فى مشهد أخير،ولكن هوفر لايموت إلا بعد أن نسمع على شريط الصوت كلماته عن أمريكا التى تؤمن بالفرد والجديرة بالحماية فى كل الأوقات.

ورغم أن هوفر امتلك ملفات استخدمها فى الإستمرار فى عمله وتوسيع سلطاته إلا أن ذلك كان من أجل "أمن الوطن"، كما أن السكرتيرة الوفية هيلين تقوم بإحراق تلك الملفات  فى نهاية الفيلم ، وهكذا يتماسك البناء وتُستخدم كل العناصر فى سبيل هدف مزدوج : رجل من الماضى حقق لأمريكا الحماية والأمن، ومنطق مستمر لكى يستفيد الحاضر من الماضى.

ربما يؤخذ على السيناريو عدم التوقف عند دور مكتب التحقيقات فى عملية اغتيال جون كنيدى، ولكن العمل وعناصره على مستوى رفيع ولا يمكن قراءته وتحديد خطورته إلا على ضوء أمريكا الحاضر وليس أمريكا الماضى فقط.

دافع فيلم هوفر بخبث فنى مشروع عن قضيته، ولكن ذلك لا يمنع أن نقوم بتفنيدها بسهولة، فالحقيقة أن الذى أنقذ أمريكا من الشيوعية والفوضوية والأزمة الإقتصادية والجريمة المنظمة فى الثلاثينيات ليس هو الأمن كما يقول الفيلم، ولكنها قدرة النظام الديمقراطى على تعديل المسار تصحيح الأخطاء، وعصب هذه القدرة هو الحفاظ على الحقوق المدنية الفردية واحترام القانون رغم كل العثرات والكوارث.

اشكالية الأمن والدولة

ليس صحيحا أن الأمن ( أىّ أمْن) هو الذى ينقذ الدولة من الإنهيار ولكنه النظام المؤسسى الذى تتوازن فيه الحقوق والوجبات، الإتحاد السوفيتى كان يمتلك أجهزة أمنية أقوى بكثير من مكتب هوفر ومع ذلك انهارت الإمبراطورية السوفيتية بين عشيّة وضحاها.

رؤية هوفر واليمين الأمريكى فاسدة لأنها تحصر المشكلة فى أعراضها وليس فى جذورها، ولأنها تبسّط القضية فى شكل معادلات بينما هى أكثر تعقيداً وتركيباً، فلا المكارثية ولا الهوفرية هى التى أنقذت أمريكا من الشيوعية، ولكن النظام هو الذى نجح فى تطوّير آلياته فى الصمود وامتصاص التحديات.

لذلك أقول إن فيلم هوفر ليس فقط فيلماً جيداً جداً على المستوى الفنى ولكنه أيضا جدير بالمناقشة والجدل حتى لو اختلفت معه، كانت مشكلة هوفر التى لم يستطع أبداً حلّها هى أن الأمن ليس هدية ملموسة يمكن الحصول عليها بعد اكتشاف كل إرهابى أو مجرم ولكنه الحصاد النهائى لخلل اجتماعى أو سياسى لا يمكن تجاهله، ولعلها أيضا مشكلة أمريكا حتى اليوم.

يظل فى ذاكرتك من الفيلم الكثير من المشاهد المميزة خاصة بين هوفر وأمه، وبين هوفر وصديقه وعشيقه كلايد، فريق رائع من الممثلين : ديكابريو الذى أدهشنى وأقنعنى سواء فى مرحلة شباب هوفر أو كهولته وشيخوخته بمساعدة الإضاءة التى غيّرت ملامح الممثل البريئة الى ملامح حادة وقاسية، كانت جودى دنش أيضا فى الدور المناسب كأم تجمع بين الحزم والشفقة، وأجادت ناعومى واطس فى دور السكرتيرة الوفية بمراحلها السنيّة المتعددة ، وقدم آرمى هامر أداءً واثقاً ومؤثراً للغاية خاصة فى المراحل الأخيرة من شخصية تولسون.

أكد الفيلم من جديد أن كلينت إيستوود مخرج كبير حقاً، هو ربما أكثر أهمية كمخرج منه كممثل، لابد أيضاً من ملاحظة أن سلاح إيستوود المحورى هو إدارته البارعة لمثليه الذين يقدمون معه أفضل أدوارهم، ولابد من ملاحظة أخرى هامة هى أن شخصية هوفر التى تحمّس لها إيستوود لا تختلف كثيراً فى جوهرها عن شخصية الشريف فى أفلام رعاة البقر التى صنعت شهرة إيستوود.

هوفر هو الشريف العصرى الذى يعتبر نفسه مسؤولاً عن الأمن، والذى يبدو كما لو كان مؤسسة فى رجل واحد، والذى ينفذ القانون ولكنه لا يتردد فى خرق القانون من أجل مطاردة الأشرار.

ولعل هذه الزاوية هى التى تدفعنا الى القول أن فيلم "ادجار" يحتمل تفسيرات كثيرة، وانه فيلم يتجاوز تشريح رجل الى تشريح فكرة بل وتشريح الأفكار التى صنعت امبراطورية اسمها أمريكا .

عين على السينما في

11/03/2012

 

تاريخ الشارع المصرى كما ترويه نيفين شلبى

يسرا علي 

قدمت المخرجة الشابة نيفين شلبي العديد من الأفلام الوثائقية حاولت من خلالها عرض بعض النماذج الإنسانية بالمجتمع المصري في صورة تجسد بها معاناة الإنسان البسيط وإن شئت قل الفقير، منها فيلم "عيلة الزبالين" الذي يصور حياة عيلة في وسط القمامة وكيفية تأقلمهم وتقبلهم لهذه المعيشة كذلك فيلم "فتاه 30" الذى يناقش قضية فتاه يفوتها قطار الزواج ماذا تفعل في حياتها وبماذا تشعر وكيف تعيش وسط مجتمع لديه ثقافة لفظ عانس.. وغيرذلك من الأفلام مثل "أم وليد سواقة التاكسي" و"سمك صغير".

ان اهتمام مخرجة شابة في بداية مشوارها بتقديم مثل هذه الأفلام  يجعلني أصفها بأنها تحمل مزيجا من الإنسانية والثورية.

لذلك آثرت تحليل واحد من أفلامها وهو "الشارع لنا" الذي يجسد الشارع المصري قبل ثورة 25 يناير مروراً بها حتي اسقاط الرئيس السابق.

اختياري لهذا الفيلم جاء من منطلق أنه يؤكد أن الثورة لم تقم في يوم وليلة ولا من مجرد دعوة علي الفيس بوك، ولكن عندما تتواجد ثلاث آلاف وقفة احتجاجية وأكثرمن اثنين مليون مصري يكسرون حاجز الخوف، فهذا دليل على أن قيام الثورة كان نتيجة حتمية.

وأري أيضا أن مثل هذه الأفلام التي تؤرخ لما حدث علي أرض مصر قبل الثورة أهم وأعمق من تجسيد أحداث ميدان التحرير فقط، حيث أن النظرة للخلف تساعد علي فهم وتخطي الحاضر والتنبأ والتخطيط السليم للمستقبل.

الشارع لنا

نبدأ من خلال ثلاث جمل وردت علي لسان بعض ضيوف الفيلم:

" احنا شعب مقهور ملوش حقوق"

" احنا شعب زي كل الشعوب لما يقدر يعمل ثورة هيعمل"

"الإضرابات مبتجبش نتيجة"

تعتبر هذه الجمل الثلاثة تعبيرا صادقاً ووافياً عن حال الشارع المصري قبل قيام الثورة، وهذه الجمل بالتحديد تجسد الهدف التي أرادت المخرجة أن تبنيه في الفيلم، وظهر ذلك من خلال الإضرابات والإحتجاجات التي تعرض لها الشارع المصري قبل الثورة ، وأسباب هذه الإحتجاجات من ظلم وقهر تعرض له أصحابها من أبناء هذا الشعب.

فالفيلم يؤرخللإضرابات والإحتجاجات التي حدثت في مصر منذ عام 2006  وحتى عام 2011  من اضرابات عمال المحلة وأحداث انتفاضة القضاة، مرورا بجميع الوقفات الإحتجاجية التي أثارت المجتمع أنذاك مثل اعتصام عمال بتروتريد وعمال شركة أونسيتو للغزل والنسيج وكذلك احتجاجات الشعب علي مافيا الأراضي وأيضا أحداث خالد سعيد، أي أن الفيلم يعتبر وثيقة تاريخية لأشد الإحتجاجات  التي حدثت أثناء هذه الفتره، لكن المقال لايتسع لذكر جميع ما ورد في الفيلم.

جميع مشاهد الفيلم جاءت من خلال ذاكرة حية لهذه الأحداث، فالتصوير من قلب الحدث وإفراد مساحة كبيرة لحديث أصحاب الإضرابات عن مأساتهم وماتعرضوا له، في محاولة لإعطاء صورة مفسرة لما يحدث، مثل حديث الناشط السياسي كريم كوفو وهو أحد موظفي بتروتريد ماحدث في هذه القضية، وهكذا مع بقية الأحداث في الفيلم.

سمة الموضوعية والشمول في الفيلم تحققت من خلال وقوف الفيلم علي جميع فئات المجمتع وعرض آرائهم ووجهات نظرهم فنجد محللين سياسيين ناقشوا ما  حدث بكل موضوعية مثل (كمال خليل): وهو أخذنا من بداية الفيلم حتي النهاية محاولا الإجابة علي السؤال متي تحدث ثورة في مصر؟

أعضاء من الحزب الوطني ومجلس الشوري أي الفئة التابعة للنظام السياسي القائم مثل د. جهاد عودة كانت آراؤه تدور حول أن المطالبات الإجتماعية الفئوية نتيجة للديمقراطية التي يحاول تحقيقها النظام. الفيلم وضع أراءه في موازنة لما يحدث في المجمتع محاولا الكشف والسخرية من هذه الآراء ومن أصحابها بالطبع.

وأراء مواطنين بسطاء  منقسمين إلي مشاركين وغير مشاركين في هذه الإنتفاضات، المشارك كان يحمل تأييدا ودموعا وغضبا مثل أم تحمل طفها وتقول ( أنا مليش في السياسة بس شفت التزوير بعيني)، والغير مشارك كان يري أن الإضرابات لا تأتي بنتيجة وكلمة مؤثرة من رجل يجلس علي القهوة يقول "احنا شعب جاهل ،لأنه متعلمش إزاي يجيب حقوقه).

كذلك  يحمل الفيلم روحا انسانية و ثورية عالية جداً لم تتجسد فقط في مشاهد الإحتجاجات الحية بل من خلال المشاهد التي حاولت إلقاء نظرة تأملية يتخللها موسيقي معبرة علي الفقراء في الشوارع، وعلي حال الشارع المصري علي وجه العموم.

الصورة الفنية للمشاهد لم تكن بجوده عالية، فليست هناك تقنية جماليات الصورة، وهذا  أمر طبيعي في مثل هذه الأفلام التسجيلية التي تصور مايحدث في الواقع بصورة حية وصعوبة تحكم المصور في تثبيت الكاميرا والتصوير بشكل طبيعي  في وسط هذه المظاهرات.

ولكن ما آخذه علي الفيلم افتقاره لتسلسل الأحداث، فلم يكن هناك داع لتكسير الزمن وانحراف تسلسله حيث الدخول في أحداث عام 2006 علي سبيل المثال ثم تركها لأحداث 2010 ثم الرجوع إليها أولأحداث 2009، التسلسل هنا في رأيي كان حتمي لتسهيل  المتابعة علي المتلقي، وللتهدئة  من الروح الثورية العالية التي طغت علي الفيلم، ولجعل المشاهد ينظر للأمور بنظرة تحليلية أكثر منها ثورية. وأيضا التسلسل في المدن فبدلا من الإنتقال من القاهرة إلي الأسكندرية ثم الرجوع مرة ثانية إلي القاهرة ثم الأسكندرية، وكان من الأفضل إستخدام fade to black في الإنتقالات من مدينة إلي أخري.

احتواء الفيلم علي بعض المشاهد التى لا داعي لها في سياق الأحداث مثل المشاهد التي جاءت في جزء مافيا الأراضي وقتلهم لأحد الفلاحين لا داعي لمشاهد (ولولة) النساء وصلاة الجنازة وخصوصا أنها مشاهد لم تحمل أي جودة فنية  علي الإطلاق كان يكفي عرض لحديث أهل الميت فقط و صور الجرائد الأرشيفية التي تؤكد الحدث.

لم يقدم الفيلم تمهيدا لثورة 25 يناير ولم يفصل بينها وبين بقية الأحداث، فالثورة هنا كان لابد أن تقدم علي أنها الحلم الذي تحقق أو أنها نقطة مضيئة بعد ما مر من أحداث سابقة لها، وأيضا الفيلم  احتوي علي مشهد لسيدة عجوز  تصرخ  ضد الفساد تكرر هذا المشهد أكثر من مرة مع أحداث الفيلم ، ولا أعرف بالتحديد ماهية تكرار هذا المشهد وزمنه _ وإن كنت لاحظت في بعض لقطاته رمز لحركة كفاية هذا المشهد تم مزجه  مع أحداث 25 يناير حيث صريخ هذه السيدة  إلي أن سقطت علي الأرض ولم تقم إلا عند أخر مشهد وهو (يافطة) رحيل النظام وسط الميدان، شعرت من هذا بنوع من الرمزية  أرادتها المخرجة حيث أن الدولة تسقط ولا يعينها علي القيام مرة أخري غير رحيل هذا النظام، لكن إن كان هذا قصد الفيلم من مزج مشاهد السيدة العجوز أثناء أحداث الثورة، فكان لابد من توضيحها بصورة فنية وإخراجية  تصل للمتلقي وحتي لا تكون مجرد مشاهد لإثارة  مشاعر المتلقي وذلك لأننا  نعرض حقائق كافية أن تتحدث إنسانياً وتاريخياً وسياسياً عن نفسها.

عين على السينما في

11/03/2012

 

الدورة 14 لمهرجان تسالونيكي للأفلام الوثائقية

تكريس للخصوصية والعربية حاضرة في أكثر من برنامج

تسالونيكي (اليونان) ـ قيس قاسم 

بوستر الدورة الرابعة عشر لمهرجان تسالونيكي للأفلام الوثائقية يُذكر أن أسلاكاً شائكة مازالت تفصل حدود عالمنا وتُحد من حرية البشر وأفكارهم، ويوحي لناظره أن السينما، وبعمق رؤية صناعها، تمنعها من حَجب زرقة السماء الفسيحة لدرجة تبدو معها الأسلاك وكأنها خيوط غيوم شفافة إخترقها الضوء. قضايا عالمنا المعاصر وأزماته بخاصة واليونان تعاني اليوم واحدة من أشد معضلاتها الإقتصادية تجد إنعكاساتها الجلية في السينما الوثائقية فهي معنية بها وقريبة جداً من تفاصيلها وبرنامج الدورة الأكبر "قصص لتحكى"  يشير بسهولة الى درجة إلتصاق الوثائقي بالإنسان وهمومه في كل مكان وفيلمّي "في أحضان أمي" للأخوين محمد وعطية الدراجي و"½ ثورة" للدنماركي  المصري الأصل عمر شرقاوي يسهمان في عرض جزء من مشاكل منطقتنا العربية وتطور الأحداث فيها، فالعراقيان أرادا تسليط الضوء على واقع الطفولة في بلادهم والمصري يسجل يومياته أثناء تواجده في القاهرة مع إندلاع الثورة. لا يدّعي شرقاوي استشرافاً ولا تخميناً نظرياً لمآل الثورة المصرية بقدر ما يسجل يوميات شخصية شارك في تدوينها مع عرب وأجانب جمعتهم صداقات وقرابة، وحب القاهرة الذي أتى بهم للإقامة فيها. بمحض الصدفة، تزامن توقيت تواجدهم في القاهرة مع اندلاع ثورة يناير، فما كان منهم إلا التعاطف بل المشاركة فيها وإن عن بعد، فيما استغل شرقاوي وصديقه كريم الحكيم الكاميرا التي بحوزتهم وموقع شقتهم القريب من الساحة لتصوير أدق تفاصيلها، وتفاصيل حياتهم فيها. الى جانبهما ضم البرنامج 40 فيلماً من أصقاع العالم كله بينها؛ الأنكليزي "الكومبيوتر العالمي الأول" لمايك بيكهام وفيلم الأمريكي ستيف ليكتيغ "كشف السري" ووثائقي المخرجة التشيلية ماريا باز كونزاليس "بِنتٌ" و"المحقق البنغالي" لفيليب كوكس، فيما يحاول اليونانيان نيكوس كاسونيس ونينا باشاليدوي عرض مشكلة بلادهم الراهنة في فيلم عنوانه يفضحها: "أزمات".

وفي خانة "تسجيل "الذاكرة" التي سعى من ورائها المهرجان الى جمع أفلام موضوعاتها ذات علاقة بدور الفرد والشعوب في الأحداث التاريخية أو المنعطفات الكبيرة والتي تشكل بمجموعها جزءا حيويا من تاريخنا البشري، وغالباً ما تمتاز الأفلام المتناولة لها بالجرأة، وتتطلب شجاعة ووعي من مسجلي وقائعها كونها وبعد إكمالها تسهم، الى حد ما، في توسيع الذاكرة الشخصية والجمعية واللتين عبرهما يمكن فهم ماضينا وحاضرنا، وفيلم المخرجين الفلسطيني عماد برناط والإسرائيلي غوي دافيدي، المعارض لسياسات دولته العنصرية ضد الفلسطينيين "خمس كاميرات محطمة" يتوافق مع توجه البرنامج، كتوافق الفيلم  الفرنسي الإنتاج "رسائل من إيران" لمانون لويزو. وفي خانة "حقوق الإنسان" سيشاهد جمهور مدينة تسالونيكي الساحلية فيلم جعفر بناهي "هذا ليس فيلماً" الذي سرب سراً الى مهرجان كان في دورته قبل الأخيرة، والسويدي "هروب في الليل" للمخرج ميشيل فينزر وموضوعه يمس عالم السجون المظلمة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية

تكريس بلقاني

تُكرس الدورة الحالية توجه المهرجان الى السينما البلقانية وتعطي مساحة واسعة للمحلية مع إبقاء العالمي حاضراً فيها على الدوام. ف"النظرة المقربة" خُصصت لدول البلقان ولصناع سينمتها وفيها ستُقدم العديد من الوثائقيات الجديدة. ونوَّه المهرجان الى النجاحات الكبيرة التي حققها الفيلم البلقاني الروائي في السنوات الأخيرة وبشكل لافت ما وصلت اليه السينما الرومانية، والدورة ال14 تريد إظهار التطور المرافق الحاصل في وثائقيها أيضاً خلال أيام إنعقادها. وعلى مستوى التوجه المحلي، أخذت السينما اليونانية الحصة الأكبر بين العروض والندوات الجانبية. أما ضيفة الدورة فستكون الدنمارك، التي ستُميزها بعرضها لأفلام وثائقية من إبداع الصغار وقسم أخر موجه للأطفال فحسب. من بين أفلامها المنتظر إقبالا جماهيرياً عليه "السفير" لتجربة مخرجه النادرة، في إنتحاله شخصية سفير غربي في جمهورية أفريقيا الوسطى، وعبرها يكشف الفساد المُستَشري في إدارة الدولة، الى جانب تسجيله المخاطر الشخصية التي تعرض لها وكادت واحدة منها أن تؤدي بحياته حين حاول التعامل مع تجار الماس غير الشرعيين

يحتفي المهرجان بالمخرجين اليوناني التركي الأصل إنجيلو أبازوغلو الذي سيقدم له الكثير من إنتاجه مثل؛ "أحلام مصطفى الحلوة"، "مقتل أغورا" و"غداً الأشياء ستكون أحسن". والثاني الاسرائيلي المعارض إيال سيفان الذي إشترك مع المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي في إنجاز فيلم الرحلة الطويلة "الطريق 181".

سوق المهرجان الوثائقي

سوق تسالونيكي من بين الأسواق السينمائية المهمة حيث تعرض فيها أغلبية الأفلام المرشحة للحصول على مساعداتها، وتوفر، أيضاً، فرص تسويق عالمي للفيلم الوثائقي، قد لا تتوفر بنفس الدرجة في مهرجانات غير مختصة. التواجد العربي ملفت فيه والأفلام ذات الصلة بمنطقتنا وربيعها كذلك، ف"تحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي" قد يجد له فرصة مناسبة ومثله الفيلم الفرنسي الإيطالي المشترك "تحرير" لمخرجه ستيفان سافونا". كما سيشترك فيها فيلم سيد جاديري "مقهى ريش" و"سينما جنين" وفيه يعرض ماركوز فيتر واقع صالات السينما في مدينة جنين المنكوبة بالإحتلال الإسرائيلي ومحاولته الدائمة لخنقها على كافة المستويات. على مستوى المراجعة الذاتية النقدية تذهب الفلسطينية عبير حداد لعرض ظاهرة التحرش الجنسي بالنساء والأطفال في المناطق العربية عبر فيلم "دمى" ومن العروض اللصيقة بأحداث العراق "الاتجار بالفن: غنائم الحرب على الإرهاب" لروماين بولزينغر، ويعالج فيه قضية تهريب الآثار التاريخية من العراق

من يوم إفتتاح الدورة، في التاسع من هذا الشهر، بالفيلم الفرنسي "أنديغنادوس"، وحتى إنتهائها في الثامن عشر منه، يبقى الكثير والكثير ما يستحق التغطية.

الجزيرة الوثائقية في

11/03/2012

 

الناقد مصطفى درويش يعود لندوته الشهرية 

بعد وعكة صحية جعلته يلازم المستشفى للعلاج يعود الناقد الكبير مصطفى درويش إلى تقديم ندوته الشهرية  فى جمعية نقاد السينما المصريين بقلب القاهرة. اختار فيلم " المرج الباكى" للمخرج اليونانى الكبير ثيو أنجلولوبولس الذى فقد حياته فى حادث مرورى فى يناير من هذا العام. وهى يحظى بتقدير النقاد العرب لخصوصية أسلوبه وأفكاره الفريدة

بدأ  مصطفى درويش مشواره الجاد والحقيقى مع السينما عندما عين كمير للرقابة عام 1962فى وزارة ثروت عكاشة ثم مرة أخرى عام 1964فى وزارة عبد القادر حاتم، يقول عن نفسه : " لا يوجد فرد عاش فى القرن العشرين ليس له مشوار مع السينما سواء عن طريق المشاهدة أو الاشترك فى صنعها أو نقدها، نحن نعيش عصر الصورة ونتكلم لغة السينما وهى عودة إلى الهيروغليفية التى تكتب بالصور. ولدت فى أول مارس 1928بينما ظهرت السينما فى مصر عام 1927 ولدت معها ومع الإذاعة المصرية ، مع الصوت والصورة ومع الإرهاصات الأولى لثورة الاتصالات. كنت أحكم على الأشياء بالصورة، وكنت فى الثامنة من عمرى وشاهدت صورة لهتلر وموسولينى ، كنت أرى هتلر مخبولا فى صورته الشهيرة مادا يده بالتحية المعروفة. تأثرى بالصورة وحكمى من خلالها جعلنى أرغب فى أن تمتلك الصورة حرية التعبير التى يمتلكها شاعر ما يكتب بحرية دون أن يمنعه أحد. يضحك ويواصل : " يمكن منعها بعد ذلك ولكنهم لا يقدرون على منعها أثناء الكتابة، لحسن الحظ نجحت ثورة الاتصالات والانترنت أن تقضى على الرقابة تماما أو على الأقل نجحت فى مواجهتها. أنا الرفيب الوحيد فى العالم الذى عين مرتين ورفد مرتين . عندما أستعيد التجربة أتذكر أننى لا أمتلك عقلية الموظف الذى يقول فقط نعم وأفندم. أصحاب المراكز العليا والسطة عموما تعشق هؤلاء. ولم أكن يوما واحدا منهم

لا يوجد فرد عاش فى القرن العشرين ليس له مشوار مع السينما سواء عن طريق المشاهدة أو الاشترك فى صنعها أو نقدها، نحن نعيش عصر الصورة ونتكلم لغة السينما وهى عودة إلى الهيروغليفية التى تكتب بالصور

الجزيرة الوثائقية في

11/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)