حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

50 ألف مشاهد لفيلم لبناني رثّ:

التلفزيون في السينما، مَن ينقذنا منه؟

هوفيك حبشيان

في حين يحرص قادة التكنولوجيا على توسيع الشاشات الصغيرة في ديارنا، ترحيباً بالسينما في حياتنا اليومية، يبتهج بعض اللبنانيين بإقحام التلفزيون على الصالات المظلمة.

قبل أكثر من نصف قرن، عندما تحدث فريتس لانغ عن "شرطي المرور" في السينما، مَن كان يقصد تحديداً؟ اذا عاد اليوم، بقدرة ساحر، أسيكون عنده متسعٌ من الوقت لتسمية هؤلاء جميعاً؟ وهل "السينمائي الشرطي" هو فقط الذي يتوجه بالاشارات الى ممثليه، أم أيضاً الذي يفتقر الى كل رؤية للعالم؟ مرّ تفكيري بهذا كله، قبل يومين، لدى "اضطراري" الى مشاهدة "كاش فلو" لسامي كوجان. كلمة اضطرار لا تلمّح هنا الى إلحاح في ابداء الرأي. فالصحافة السينمائية تلفظ أنفاسها الأخيرة في لبنان، فاسحة المجال أمام أقلام متخاذلة تسوّق للقبيح والرثّ، وتتعاطف مع عديم الذوق والموهبة. خصوصاً ان المواكبة النقدية لهذه الأفلام لا تعني شيئاً للجيل الجديد من ممولي الصحف، مثلما لا تصل الى أصحاب الشأن ودور العرض. أما المُشاهد فهمّه الأخير أن يطالع من باب الاستشارة

"أُجبرت" على الذهاب اذاً، ليس كي أملأ زاوية في صحيفة، فهناك مواد لكتابات في السينما، محلياً ودولياً، تعوّّم المدينة برمتها. بل ارضاءً لفضول غريزيّ تولّد من كلمة على لسان احد المقرّبين من الفيلم، بعدما رفعت السماعة للتكلم معه والاستفسار عن السبب وراء زحف عدد كبير من المشاهدين (أكثر من 50 ألف الى اليوم)، كلٌ منهم أنفق ما يعادل ثمانية دولارات، ليكونوا شهود زور على انحطاط الفنّ وانحطاط الحياة. معروفٌ عن المستهلك اللبناني انه لا يشتري "سمك في البحر". أما المُشاهد فيدفع سلفاً من دون ان يعرف ماذا يضعون له أمام عينيه. هذا مبدأ السينما. لكن، هل العين أرخص من الضرس؟ لنعد الى صديقي: هذا الواقف على الطرف الآخر من الخط، لم يخفِ استياءه المقترن بالمفاجأة المرّة: "اذهب لمشاهدة الفيلم، وقلْ كم هبط مستوى المُشاهد في لبنان". حسناً، لنذهب اذاً، وعلى كلفتي الخاصة، مالاً ووقتاً. وأعصاباً.

وصلنا. جميلة صالات "سينماسيتي"، بالرغم من البهتان الهندسي للمجمع الذي يحتضنها. هناك احساسٌ رهيب بالانغلاق في هذا المكان. لا بأس: عادةً، الفيلم نافذتك المطلة على العالم. تنسى الكرسي المتداعي، وتنسى رائحة زيت القلي الرخيص، وتنسى ركلات قدمي الزبون الذي خلفك. لا يُمكن هذا ان يحصل مع فيلم مثل "كاش فلو". فهو يذكّرك بمعاناتك الصغيرة: كيف كان عليك ان تجتاز جسر المشاة (تحفة هندسية أخرى) الذي يوصل الأوتوسترادين امام "جيان"، واحداً بالآخر، لتشاهد عملا "تقريبيّا" من هذا النوع، يُعتبر سبّة الى السينما. في الصالة، الضحكة متواصلة طبعاً: رجال في "سنّ اليأس"، نساء مع أولادهن، بعض العشاق الذين تعبوا تحديق الواحد في وجه الثاني. ليس أفضل من السينما كي تكون برفقة أحدهم، من دون أن تنصت اليه أو تبتسم تهذيباً. أحياناً، ضحكة كانت تتجاوز أخرى، فترنّ في الاذن، محدثة ازعاج طعنة الخنجر في جلد حيّ.

الآن، قد يسأل القارئ: "... ولكن ماذا في الفيلم؟". سادت في مرحلة، كلمة "فارغ" لوصف أعمال رثة. لكن للفراغ روحاً تعصى على شيء كـ"كاش فلو". نحن هنا، أمام تكريس للسهولة. تدبير للاشياء على الطريقة اللبنانية. هذا مثالٌ جميل للسذاجة كيف تتملق التزمت وتسلك دربه. وكيف يشقّ الاثنان دربهما الى عقل قليل الاطلاع والفضول. كأن السينما الحديثة لم تدخل يوماً بيوتنا وبيوت بعض المخرجين. كأنها وقفت عند لوريل وهاردي "وذا ثري ستوجز"، ولم تقع في أحضان فيلليني يوماً، ولم يسجننا برغمان في كفه، ولم يقرص هيتشكوك الناحية الأكثر طراوةً في جسدنا

نحن هنا امام فيلم مسطح كقفا طنجرة سمينة، ويريد لنا ما لا نريد منه: بعض الملل جراء متابعة فصل من حياة شاب (مازن ــ كارلوس عازار) يرغب في معاشرة فتاة، لكن ظروفه المادية لا تسمح له بذلك. رجل ثري يهبه المال بعد أن ينقذه مازن من براثن مؤامرة فظيعة، فيتورط مع الذين نصبوا له الكمين. يا للعظمة! هذه الحبكة يجرجرها الفيلم، حتى دقائقه الثمانين، من دون أن يشعر النصّ بأن محلّ البقالة شيء والسينما شيء آخر. اذا أمررنا مخاخ بعض المخرجين على آلة التصوير الشعاعي، لاكتشفنا في دواخلها دكاناً للسكاكر والمرطبات.

حتى اهل (أسفل) هوليوود، لا يُمكن ان تختلط عليهم الأشياء على هذا النحو، ولا يمكن ان تهاجر عندهم الشاشة الصغيرة، التي تراعي ظروف متلقٍّ يريد أن يمدّ رجليه بعد يوم عمل، الى الشاشة العريضة التي يجتاز المرء من أجلها نصف مدينته. ماذا اذا اضيف الى هذا كله "نجوم" مدار الساعة التلفزيونية؛ وجوه تشجع على الزابينغ، لكن في داخل صالة مظلمة، هذا "الأوبشن" معدوم. مثل انعدام احتمالات الخلاص في لبنان من ظاهرة النكت التي شُبّهت لهم بأنها كوميديا، ولا ضير في الرهان عليها لإتمام فيلم. نعيد تكرار السؤال الذي في العنوان: التلفزيون في السينما، مَن ينقذنا منه؟ 

الصورة الأبشع للديكتاتورية في "مهرجان السينما التركية"

يطرح "الأكثرية"، بعنوانه اللمّاح، واقعاً من وقائع الطبقة الوسطى في تركيا المعاصرة، حيث الخطاب البطريركي يلفلف ببعض الاجتهادات في حبّ الوطن. ما يُعتبر خطوة لافتة، هو أن يُؤتى بمثل هذا الفيلم النقديّ لنظام اجتماعي وسياسي كامل، الى مهرجان السينما التركية (5 ــ 11 الجاري) الذي يُعقد تحت اشراف السفارة التركية

منذ لقطة الافتتاحية، يضعنا المخرج سيرين يوجيه أمام جسدين سيرافقاننا طوال الفيلم. جسد الأب وجسد الابن. نراهما يمارسان رياضة الركض في الغابة، قبل أن نتقرب من الشاب اليافع، خطوة خطوة، لنراه شبيهاً بملايين أمثاله في المجتمعات الشرقية المحافظة الذين لا فكاك لهم من سلطة الأب البطريرك. بطلنا المضاد، مرتكان، يتسكع مع أصحاب لا نعرف عنهم سوى ما يتيحه الفيلم، أي لا شي. لا معنى لمعرفة المزيد، ما دام سرّ الوجود يكمن في الانحناء للمستقبل المرسوم سلفاً. في حال ابن رجل الطبقة الميسورة: تسلم الشركة

لا يرى الوالدان في مرتكان أكثر من صبي في حاجة الى معونة. هذا كله لا يولّد عند الشاب العشريني سوى المزيد من الفشل العاطفي والنفسي والاخلاقي. هو الأخرق وغير المتعلم، اعتاد هذا النمط، ولا تمرد في داخله يحضّه على الانقلاب. لا يتوانى والده عن صفعه أو شتمه، ولا يحرك هذا عنده الا فورة موقتة، لتعود الأمور بعدها الى نصابها. أما الأمّ فهي مكسر عصا. طباخة المنزل ومدبرته، عليها أن تتعايش، ولا خيار لها سوى أن تراعي أحاسيس "رجل بلا احاسيس" (الوصف لها)، وحشٌ يفسد ابنه معتقداً انه يبني له مستقبلاً

ما إن يطلّ برأسه الخجول حتى يقمع "احتمال الصراع" عند مرتكان نفسه بنفسه. اللحظة المفصلية التي يصوّرها المخرج هي لحظة انتقال الشاب من الضحية الى الجلاّد، هي اللحظة التي كان يمكن فيها بطلنا المضاد أن يفلت من سلطة العائلة والوطن (يهدده والده بإرساله الى الجيش ويريد اقناعه مستخدماً شعارات الوطنية)، لكن تربيته وتكوينه لا يؤهلانه لذلك. فهو يختار راحة الالتصاق بالعشّ العائلي على أن يحقق ذاته.

لجان رونوار، هذه العبارة الجميلة: "أسوأ ما في الأمر أن الكل محقّ!". هذه العبارة تنسحب على كل من الأمّ والأبّ والإبن. تتعقد الأمور عندما يقع مرتكان في غرام غول، فتاة بسيطة تعمل في مطعم. شاب ذكوري لم يعرف احساسَ أن يكون برفقة انثى، نراه يشعر بالسعادة وهو يمضي لحظات حميمية معها. بالنسبة إليه، كانت الانثى الى الآن مصنفة: هي الأمّ، هي الخادمة، هي الساقطة. مع فتاة، لا تحمل أياً من هذه الوصمات، سيكون صعباً على مرتكان ان يسلّم نفسه لأحاسيس "مشبوهة". لكن، الفتاة تحمل خطيئة أخرى: فهي كردية، علماً ان الفيلم يعرّفها كـ"غجرية"، نظراً الى حساسية تناول شخصية كردية في افلام تركية

الأب هنا رجل ظالم لا يُهزَم، على خلاف الابن. لكن، نفهم بسرعة أن هذا الابن سيكون أيضاً أباً في يوم مقبل. انها الدائرة الكاملة المتكاملة التي لا تخطئ في الحساب. سيرين يوجيه يقدّم هنا الصورة الأبشع للديكتاتورية، لأنه يقول كيف تنبت في المنزل قبل أن تنتقل الى الشارع، فالمنصات. شخصية الأب لا تصير في اي لحظة من اللحظات كاريكاتوراً للأب الظالم والمستبدّ، لأن يوجيه يعرف كيف يلعب مع توازناته. كلّ تركيا في هذا العمل الذي ينتهج اسلوب المعالجة الهادئة ويحمل قدراً معيناً من الجرأة لا سيما في مشهد المضاجعة الذي لا يمكن ايجاد مثله في أفلام تركية كثيرة

في النهاية، يعود الشاب الى المنزل، بعد أن يسلّمه والده احدى الورش في منطقة نائية، اي بعد أن يكون قد انقذ نفسه من أي احتمال للتغيير.

ممثلة كبيرة في فيلم "صغير"

اليوم الخميس، تستقبل الصالات المحلية، الفيلم البريطاني "السيدة الحديد" لفيليدا لويد، الذي نالت عنه ميريل ستريب أوسكارها الثالثة، مضطلعة بدور مارغريت تاتشر بواقعية يكاد يختلط معها وجه الممثلة الناعمة بسيدة حكمت بريطانيا العظمى لاحدى عشرة سنة، متبوئة فيها منصب رئيسة الوزراء. انه بورتريه لقائدة تملك السلطة ولا تملك رضا الشعب والتاريخ على أفعالها وتقنياتها التي لم تنل الاجماع يوماً. نظرة لويد تجاهها رحومة، انسانية، شخصية، وربما ايضاً نسائية، وهذا ما أقلق الصحافة البريطانية وأثار حفيظتها. بدلاً من خيار الهجاء، لجأت لويد الى الدخول في جلد تاتشر، في محاولة لإيجاد تبريرات، وتجزيء من سياق حوادث أشعلت بريطانيا في عهدها، لتتطابق مع قياس ساعة وأربعين دقيقة، لا نخفي انها متعة خالصة.

 معضلة الفيلم يمكن اعتبارها ايضاً تحدّيه: قصّ تجربة تاتشر الاستثنائية انطلاقاً من سنواتها الأخيرة، وتبني وجهة نظر السيدة التي بدأت تنسى وتعتقد أنها لا تزال تدير شؤون البلاد. هذا يفتح أبواباً سينمائية كثيرة، ولكن ايضاً يوصد أبواباً أخرى. الأهم انه يتيح للمخرجة أن تخمد لهيب أسئلة كثيرة، في مقدمها قضايا الخصخصة والاقتصاد، التي تبين انها لمصلحة الاثرياء. ليست مشكلة الفيلم في ان زوج تشاتر الراحل يحوم حولها كملاك حارس، مضفياً رومنطيقية يُقال ان السيدة الحديد لا تستحقها. بل انها كامنة في عمق شخصية لا تزال، بعد سنوات على اعتزالها السياسة، تشعل الجدل من حولها بين مَن يؤيد سياستها ومن يراها شيطانة جاءت بالمزيد من الهوة بين الطبقات. كما في معظم الأحوال، هذه شخصية كبيرة في فيلم "صغير". 

تاكسي الأروقة القميئة

هـ. ح.

هذا هو الفيلم الروائي الطويل الأول لدانيال جوزف، العائد من أميركا. هناك شيء يحدّ من التعامل مع "تاكسي البلد" بخفة، مع انه يصعب الدفاع عنه. هذه سينما وليدة تطور تقنيات الصورة العالية الجودة (التقاط مَشاهد: شارل دو روزا)، لم تكن ممكنة قبل عشر سنين او أقل. هناك تأطير لافت من هنا، لعبة اسلوبية من هناك. المشروع يحمل سحر المغامرات المحكومة بالعبث. ولكن، ايضاً: تراكمات نوعية لا تتأخر في أن تتجزأ مع أول مصيبة فنية تقع على الفيلم. وككل رصاصة تطلقها في الهواء، لا بدّ ان تعود لتسقط أرضاً. فما كان وحدة، يتحول عناصر متناثرة: هنا الممثلون، هنا السيناريو، هنا لحمة مونتاجية، هنا انقطاع في النبرة... وهنا الكاميرا تتحرك. احترسوا. لا بدّ أن تعني حركتها شيئاً ما. لكن، سيطول الانتظار، من دون أن يتواطأ الدال مع المدلول. سيبقى الممثل مجرد معزوفة في يد موسيقي مرتبك وستظل الكاميرا آلة لا تصنع المعجزات.  

مرة أخرى يتعلق الأمر بشاب (طلال الجردي) لا يلقى مكانه بين أقرانه. قرويٌ، وفخور بذلك. لا يضيّع الفيلم أي مناسبة لتذكيره بأنه ليس من هنا، بأنه دخيلٌ، بأن الآخرين لا يشبهونه. هنا الرهان: إحداث تصادم، وهو شيء لن يحصل كثيراً. ثم اقحامه في همّ ليس همّه. ينزح يوسف الى بيروت، كمَن يأتي الى أرض الميعاد. يبحث في شوارعها عن رزق. يرتمي في أحضانها، لكن عينه على الينبوع البعيد، هناك في التلال العالية. انه مثل ألوف الشباب الباحثين عن معنى للوجود. ظريف وثرثار وعلى نسبة عالية من الشطارة. دانيال جوزف يلبننه قدر المستطاع. يرسمه بخطوط غليظة من دون تحويله كاريكاتوراً للبناني المتوسط. يفعل بالشخصية هذه كل ما يصعّب التماهي معها. ولا تسعفه لا ابتسامته العريضة ولا بحثه النضالي عن فتاة تمنحه الاستقرار المعنوي

للمناسبة، هذا فيلم لا يستقر. انه تجوال متواصل داخل أروقة مدينة قميئة. مدينة تبحث عبثاً عن دور أمام الكاميرا. في جزئه الليلي يبلغ الفيلم الحدّ الذي رسمه لنفسه. والسيارة التي تفيد يوسف ليعمل سائق أجرة، لا تفيده ليذهب خلف خطوط التماس السيناريستية. خصوصاً ان قلب المخرج يترجّح، فينتهي أمره على قارعة الطريق...

يوسفنا الظريف يبتسم للكاميرا، لكن يسود شعورٌ أن الكاميرا لا ترتاح في التقاط شهادته أو شكواه. هو يصرّ على "النقّ" بصوت غير عدل، لكن السينما ليست أفضل مكان لذلك. الطريق التي يسلكها ذهاباً واياباً بسيارته الأنيقة، هي طريق سنلتقي عليها نماذج من المجتمع اللبناني، وطبعاً ليست كلها غير مفتعلة. لكن لا بأس. فالطريق لا تنتهي، وربما في أحد مفترقاتها هتاف القلب (الفتاة الأميركية) الذي لم يحدث في صحبة فتاة "من البلد"، كونها لم تصمد أمام امتحان المال واغراء الرحيل. يوسف يرى الكلّ ولا احد يراه جيداً، وهذا مجسد، بشكل أو بآخر، في المشهد حيث تصعد معه في السيارة عازفة موسيقى، تتعامل معه كأنه سائق شبح، في الليل البيروتي الذي تلقي عليه الاشباح ظلالها المخيفة.  

هناك حنين طبعاً. لكن جوزف لا يعرف كيف يجسده. يريد لفيلمه هوية لكنه يغرق في الغمزات غير المجدية: سينما ايطالية على مصرية. العودات المستعادة اللانهائية الى قرية لبنانية في السبعينات (مسقط يوسف) والى ماضي بطلنا الضحوك،  لا تفعل سوى الاسراع في دقّ المسامير في النعش: كنا نتوقع للفيلم ان يموت بسكتة قلبية، وها انه يفاجئنا بموت بطيء.  

النهار اللبنانية في

08/03/2012

 

مقعد بين الشاشتين 

مولود في 25 يناير

بقلم : ماجدة موريس 

كان الفيلم قد فاتني في عرضه الأول وجاءت فرصة عرضه ثانية من خلال مهرجان جمعية الفيلم السنوي الذي بدأ مساء السبت الماضي بقاعة مركز الابداع بالأوبرا.. الفيلم هو "مولود في 25 يناير" والمخرج هو أحمد رشوان الذي رأينا له عددا من الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة أهم ما يميزها هو انطلاقها من فكرة مختلفة او مدخل مختلف عن الافلام التي تتناول نفس الموضوع. حتي فيلمه الروائي الطويل الأول "بصرة" والذي عرض ضمن افلام 2010 جاء مختلفا في تناوله لأزمة الشباب في مجتمعنا سواء أزمته مع الآخرين أو مع نفسه. في "مولود في 25 يناير" يصبح أحمد رشوان جزءاً من الفيلم في طرحه لقصة الثورة عبر ذاته كإنسان ومواطن مصري عاش أحداثاً عديدة تفاعل معها وصنعت بداخله أسئلة بلا أجابات وغضب بلا حدود كان يلوذ خلاله بالحديث إلي النفس والآخرين سواء الأصدقاء أو العائلة التي يبدأ الفيلم بالحديث عنها وتقديم صور الآباء والاجداد والامهات في لحظات حميمة تثير لدي كل منا مشاعر متقاربة للبطل المخرج الذي يتلقي خبر نزول الشباب إلي ميدان التحرير بقلق وربما خوف من رد فعل النظام وأجهزته. وينزل متأخرا ليلحق بالاعتصام في المساء قبل أن يحاول الأمن فضه بالقوة ويدرك وهو عائد لبيته أن الامر لم ينته وهو ما يعرفه عبر كل وسائل الاتصال فيظل صامتا ليومين قبل أن ينزل من جديد يوم 28 يناير وحاملا الكاميرا وواعدا طفليه كريم وفارس بالنزول فيما بعد وفي الميدان تنتزعه شجاعة الالاف من المواطنين والمواطنات إلي البقاء طويلا وخوض مخاطر تصوير المواجهات الدامية مع الشرطة في الميدان وعبر كوبري قصر النيل. وبعدها استمر رشوان يذهب إلي الميدان بدلا من التواصل مع اصدقائه عبر النت وتواصلت حكاياته لطفليه عما يحدث قبل أن يأخذهما للميدان في تجديد لمولدهما وسط عهد جديد. خاصة بعد سقوط النظام ورأسه. لكن الفيلم لا ينتهي بنهاية عهد مبارك وتنحيه ولكنه يتابع معنا من خلال رؤية رشوان ما حدث بعد الفرحة الكبري بالتنحي حيث بدأت تعلو نغمات البعض محاولة نسبة الثورة إليهم دون الآخرين مع ذيوع للانفلات الأمني وبدايات فتن هنا وهناك وإدخال الناس في حالة انتظار لتنفيذ أهداف الثورة وهو ما يدفعهم للبحث من جديد عن مصادر للمعلومات سواء الصحافة أو النت حاول المخرج تقديم "الحالة المصرية" منذ بداية الثورة وحتي مظاهرة مايو المليونية ضد العسكر والتي خلت من الاخوان والسلفيين. مائة يوم تقريبا من عمر رشوان وطفليه في زمن استثنائي استطاعت اعادتنا إلي أيام العزة التي لن تضيع. خاصة حين وضع المخرج في نهاية فيلمه صور مواليد الثورة. أولاد وبنات ولدوا حقيقة بداية من 28 يناير 2011 تاركا لنا التعليق الملائم والحلم الخاص لكل منا لهم. وعلي قدر ما رأيت من افلام حول الثورة. يأتي فيلم رشوان مميزا في جمعه بين الذاتي والعام في اسلوب يقترب كثيرا من المشاهد بلا فلسفة خصوصا حين يطرح قضيته باعتبارها شأناً عائلياً ويضع طفليه في الصورة وعلي المحك مؤكدا علي أهمية الرؤية المستنيرة للعمل الفني. خاصة مع تحيز العناصر الفنية للفيلم سواء التصوير أو المونتاج "نادية حسن" وموسيقي ابراهيم شامل. 

القضاء والسينما في جمعية الفيلم 

في إحدي المفاجآت السارة جاء حضور القاضي الجليل المستشار زكريا عبدالعزيز لافتتاح المهرجان الثامن والثلاثين لجمعية الفيلم مساء السبت الماضي وحيث قدمه الفنان محمود عبدالسميع مدير التصوير السينمائي ورئيس الجمعية إلي الحضور باعتباره أحد الاعضاء القدامي لجمعية الفيلم. ويعترف المستشار زكريا بهذا الحب القديم لفن السينما ومواظبته علي ندوات جمعية الفيلم حتي ما قبل عقدين من الزمان حين أخذته مشاغل القضاء. والحقيقة أن هذا الحضور والمفاجأت اعادت إلي الاذهان سنوات الازدهار للثقافة السينمائية في مصر التي شغل كل من "نادي السينما" و"جمعية الفيلم" و"مركز الصور المرئية" مساحات مهمة فيها بفعل نشاط مستمر لتقديم أهم وأفضل الانتاج السينمائي العالمي إلي الجمهور المصري المهتم برؤية الافلام غير التجارية ومناقشتها في ندوة تعقب العرض. اغلق نادي السينما. وتوقفت اغلب ندوات جمعية الفيلم ولم يعد باقيا إلا مهرجانه السنوي لاختيار أفضل افلام السينما المصرية عن عام وكذلك المهرجان السنوي للسينما المصرية الذي يقيمه المركز الكاثوليكي لوسائل التعبير الاجتماعي والذي يعتبر أقدم مهرجان محلي للسينما المصرية. ومن المؤكد أن دور السينما منتشرة ولكنها فقدت الكثير الذي مازالت تقدمه هذه الجمعيات الثقافية واوله الافلام رفيعة المستوي التي لا تحظي غالبا بإقبال اصحاب دور العرض السينمائي او موزعي الافلام. وكذلك اغلب الانتاج العالمي من غير الانتاج الامريكي وبالطبع هناك افلام مصرية أيضا وتقبل عليها دور العرض السينمائي في مصر. اضافة إلي كل الانتاج التسجيلي والوثائقي وهو ما يدعونا إلي التفكير في رفع الحصار عن "نادي السينما" الذي اغلق وأظنها مهمة وزارة الثقافة المصرية الآن. ثم اعادة الحياة إلي "نوادي السينما" بالثقافة الجماهيرية والتي كانت ذات يوم أحد أهم مصادر الثقافة للمواطنين في اقاليم مصر بعيدا عن العاصمة. واذا كانت أحد أهم تجليات ثورة 25 يناير هي شكوي المواطنين في الصعيد والدلتا وحتي اقصي المدن المصرية من الإهمال الطويل لها في كل الخدمات فإن الاهمال الثقافي علي رأس هذا. وإهمال قصور الثقافة وبيوتها تحديدا كان ضمن أسوأ سيئات العهد السابق حيث استولت المحليات علي هذه الاماكن المخصصة للتنوير وحولتها إلي خرابات أو قاعات أفراح وأسيء استخدامها. والامل الآن معلق بتغيير حقيقي يطول هذه الاماكن ضمن كل خطط التنمية وميزانياتها ونضال حقيقي يقوده وزير الثقافة د. شاكر عبدالحميد ورئيس الثقافة الجماهيرية سعد عبدالرحمن حتي تستعيد الثقافة قوتها وتأثيرها بعد أن مضي زمن اغلاق وتكميم الافواه. وحتي يتحقق توازن ديمقراطي مطلوب بشدة بين العاصمة والمحافظات.. وحتي يصبح لكل محافظة مهرجانات ثقافية تنافس مهرجانات القاهرة وتتخطاها بانتاج اكثر تفوقاً.. هل هذا حلم أم فكر قابل للتنفيذ يشعر به المرء حين يزور دولاً مساحتها تقل عن مساحة اي محافظة مصرية.. ولكن الفارق شاسع. 

magdamaurice1@yahoo.com

الجمهورية المصرية في

08/03/2012

 

هند صبري ضيفة شرف مهرجان سوسة لسينما الطفولة والشباب

كتب-اشرف نهاد  

اختارت ادارة مهرجان سوسة لسينما الطفولة والشباب التاسع والذي سيقام بتونس في الفترة من 25 مارس  الجاري الي الاول من ابريل  القادم الفنانة هند صبري لتكون ضيف شرف هذة الدورة وسيعرض في هذا الاطار فيلم اسماء في الافتتاح سيناريو وإخراج عمرو سلامة ويشارك في بطولته إلى جانب هند صبري كل من ماجد كدواني وهاني عادل وأحمد كمال وسامية أسعد وعلي خميس وسيد رجب وتنطلق أحداثه من وقائع حقيقية عاشتها سيدة مصرية مصابة بمرض فقدان المناعة الايدز  و تم اختيار لعضوية لجنة التحكيم كل من المصري توفيق صالح والجزائري ابراهيم تازاكي ومصطفى الحسن من النيجر ولم يكشف بعد عن الإسم الرابع. ويتوج المهرجان المشاركين في المسابقات بجوائز من بينها جائزتي أفضل شريط طويل وقصير للشباب وأفضل فيلمين طويل وقصير لفئة الأطفال أمّا لجنة المسابقة الوطنية للأفلام القصيرة التونسية فتتشكل من السينمائيين الجيلاني السعدي وخالد البرصاوي والإعلامية والناشطة الثقافية نورة البرصالي والممثلة والإعلامية سعاد بن سليمان من جهة أخرى يحتفي مهرجان سوسة الدولي لفيلم الطفولة والشباب بميلاده العشرين من خلال مجموعة من الأنشطة الموجهة للأطفال والشباب على غرار ملتقى التربية بالصورة ومنبر حول الأشكال الجديدة لتوزيع الشريط التونسي إلى جانب الملتقى الدولي للشباب الذي برمج عددا من الورشات الخاصة بمهن السينما (الصّورة الشمسية، السّيناريو، التركيب، الصّور المتحرّكة،...) كما يعد القائمين على التظاهرة منتدى حواري بين الشباب والمحترفين في عالم السينما حيث يستقبل الفيفاج قرابة 300 ضيف من تونس وخارجها.

 على صعيد آخر تعرض الدورة  خارج إطار المسابقة بانوراما أنفاس جديدة وهي مجموعة من الأفلام القصيرة لسينمائيّين شبّان من بلدان مختلفة أمّا في قسم أفلام من العالم فبرمجت أشرطة طويلة وقصيرة منوعة على مستوى التوجه السينمائي والمضمون الفكري فيما يحتضن قسم كاميرا وثورات الأعمال السينمائية العاكسة للأحداث الاستثنائية التي عاشتها عدد من الدول العربية في السنة الماضية ويشارك في هذا الجانب مخرجون من تونس ومصر وايطاليا.في إطار تطوير المهرجان  الذي سعقد هذا العام  بإدارة  "حسن عليلش"  اقامة أقسام جديدة في المهرجان تعنى بأفلام العالم وأفلام من التراث العالمي وأفلام مستقلة.

كما ستشهد الدورة الجديدة للمهرجان  مسابقة وطنية للمواهب الشابة في المجال السينمائي إلى جانب  ورش  تكوينية في مهن السينما: التمثيل، كتابة السيناريو، المونتاج، الصورة السينمائية إلى جانب ركن يهتم بالأفلام التي تتوفر على ميزانيات صغيرة

الجورنال المصرية في

08/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)