حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

إلهام شاهين:

أرفض المزايدة علي وطنيتي أو المتاجرة بحبي لمصر

بقلم : أماني عاشور

فنانة صاحبة موهبة حقيقية وحضور متميز وأداء مبهر، قدمت الكثير من الإبداعات وشهدت العديد من النجاحات، احترفت التمثيل وقدمت أدوارها كهاوية عشقها الأول والأخير فنها لذا عشقها الجمهور واحترمها النقاد، امرأة مثيرة للجدل في حديثها وأكثر إثارة في صمتها، (لؤلؤة السينما المصرية) الفنانة إلهام شاهين التي أجرينا معها هذا الحوار لتحدثنا عن آخر أعمالها الدرامية وآرائها في الفن والسياسة ورؤيتها لواقع المجتمع المصري بعد ثورة يناير .

·     مسلسل (معالي الوزيرة) هو العمل الدرامي الذي يشهد عودتك للشاشة الصغيرة بعد غياب الموسم الماضي حدثينا عن دورك والقضية التي يناقشها العمل؟

- المسلسل من تأليف محسن الجلاد واخراج رباب حسين وبمشاركة كوكبة من النجوم مصطفي فهمي ويوسف شعبان وتامر هجرس وفريق عمل متميز فنيا واخراجيا وانتاجيا، واجسد شخصية وزيرة تحارب مظاهر الفساد المختلفة ولا تنتمي لأي تيار سياسي أو حزبي ولكنها شخصية ملتزمة تتمسك بالصواب مما يوقعها في العديد من المشاكل . العمل يناقش الحياة السياسية والاجتماعية والفساد المصاحب لفترة ما قبل الثورة، بعبارة أدق قضية مجتمع اختلطت فيه الأمور بين الصواب والخطأ والصراع بين الواقع القائم بالفعل والضمير والمشاعر الإنسانية .

·     ماذا عن أسباب تأجيل المسلسل وهل التأجيل في إطار فني وإنتاجي أم لأسباب سياسية تتعلق بالفترة الزمنية التي يتعرض لها المسلسل؟

- تأجيل المسلسل كان لأسباب أمنية وليست فنية أو انتاجية فالمسلسل كان مقرراً أن يجري تصويره في وقت سابق لكن أحداث الثورة حالت دون ذلك خاصة أن جزءاً كبيراً من المسلسل تصوير خارجي وفي أماكن مؤثرة كان من المستحيل التصوير بها في ظل حالة الفوضي والانفلات الأمني مثل مجلس الشعب ومجلس الوزراء ووزارة الداخلية وعدد من شوارع القاهرة لذلك توقفنا حرصا علي فريق العمل . بالنسبة للفترة الزمنية التي يتعرض لها المسلسل فستظل جزءا من تاريخنا وواقعا لن نستطيع محوه سواء اتفقنا أو اختلفنا حوله، وربما تعرض المسلسل لفترة ما قبل الثورة يظهر مدي التناقض الذي نعيشه ما بين اليوم والأمس فالعمل يناقش الصراع المجتمعي بين الواقع المفروض علينا بكل مساوئه والواقع الذي نحلم به وهذه قضية جدلية موجودة بكل العصور.

الدراما والمجتمع

·     هل تمت إضافة تعديلات علي سيناريو المسلسل ليواكب ثورة يناير خاصة أن معظم الأعمال الفنية المطروحة حاليا تتعرض لثورة يناير كحدث درامي مؤثر في المجتمع المصري؟

- سيناريو المسلسل لم يشهد أي تعديلات أو اضافات لأن العمل مكتوب منذ ثلاث سنوات ويؤرخ لفترة ما قبل الثورة ويناقش الحياة السياسية ومظاهر الفساد ولذلك لم يكن هناك داع لإضافة مشاهد عن الثورة لأنها ستكون مقحمة في العمل بشكل يخل بالسياق الدرامي.

·     معظم أعمالك الدرامية حملت اسقاطات سياسية فهل دمج الفن بالسياسة يضفي قيمة وإثراء للعمل الفني أم مجرد وسيلة لإثارة الجدل ووضع العمل في بؤرة الضوء ؟

- الواقع السياسي يفرض نفسه علي مجتمعنا والسياسة تنعكس علي كل مجالات الحياة خاصة الفن لأنه مرآة المجتمع ولا يمكن تقديم عمل فني دون التطرق للسياسة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر . وقدمت ذلك في معظم أعمالي الدرامية ليس بهدف إثارة الجدل أو إعطاء قيمة للعمل الفني لأن العمل الجيد يفرض نفسه والدليل علي ذلك مسلسلات: (نصف ربيع الآخر) الذي هاجم فساد رجال الأعمال و( مسألة مبدأ ) الذي ألقي الضوء علي الحياة السياسية وتجارة السلاح و(بنت أفندينا) الذي انتقد فساد بعض رجال الدولة في عصر سابق و(علشان مليش غيرك) الذي دعا للثورة علي الظلم وطالب بالتغيير الذي حدث علي أرض الواقع ولم يكن أحد يتخيل قيام ثورة يناير .

خريطة الدراما

·         ما رؤيتك لخريطة الدراما المصرية هذا الموسم في ظل المنافسة مع نجوم كبار يدخلون السباق الدرامي لأول مرة منذ سنوات؟

- أشعر بتفاؤل حيال الدراما المصرية هذا الموسم الذي سيكون مختلفا لاننا نعيش حالة حراك علي كل المستويات الحياتية مما يضفي بعدا اعمق ونظرة اشمل لما يحيط بنا من احداث . كما أن هذا الموسم يشهد منافسة من نوع خاص بدخول نجوم كبار مثل عادل امام ومحمود عبد العزيز وأحمد السقا وكريم عبدالعزيز ولاشك أن ذلك يشكل اضافة وإثراء للاعمال الدرامية ويجعل للمنافسة طابع متميز ويؤدي لعودة الدراما المصرية لصدارة المشهد الفني.

·         هل هناك اعمال فنية حازت علي إعجابك علي الصعيد الدرامي أو السينمائي هذا الموسم؟

- هناك اعمال متميزة حازت علي اعجابي مثل مسلسل (خاتم سليمان) لخالد الصاوي ومسلسل (وادي الملوك) وهو عمل رائع . كذلك فيلم ( إكس لارج) لاحمد حلمي وهو فيلم شديد التميز وفيلم ( اسماء ) لهند صبري الذي بدت من خلاله اكثر تالقا .

·         إلهام شاهين فنانة سينمائية بالمقام الاول ماذا عن اعمالك الجديدة للسينما وما سر تأجيل فيلمك (يوم للستات) ؟

- فيلم (يوم للستات) تأجل تصويره بسبب الظروف الامنية التي تمر بها البلد ولان المخرجة كاملة ابو ذكري تصر علي التصوير الخارجي لاحداثه التي تدور في شوارع القاهرة ولم يكن من الحكمة ان يجري التصوير في هذه الظروف حرصا علي فريق العمل. بالنسبة للاعمال الجديدة فهناك عدد من المشاريع المتميزة التي اختار من بينها واجهز لفيلم (وسط هز البلد) من تأليف واخراج محمد ابو سيف ، ولم يتحدد موعد تصويره بعد بسبب حالة الحزن والحداد التي تمر بها البلاد بجانب حالة الكساد التي تسود الوسط الفني بصفة عامة والوسط السينمائي بصفة خاصة لأن الإنتاج في ظل هذه الظروف ينطوي علي مخاطرة كبيرة.

الثورة والفن

·     ظروف العملية الانتاجية اختلفت اليوم عن الأمس مما دفع بالمنتجين لترشيد الإنتاج وتخفيض الأجور بشكل يراه بعض الفنانين مجحفاً لهم فما رأيك خاصة أنك الأعلي أجرا بين النجوم؟

- مما لاشك فيه أن ظروف الإنتاج اختلفت بسبب الثورة والاحداث السياسية المتلاحقة التي تلقي بظلالها علي كل المجالات وتؤثر بشدة علي الفن وتؤدي لعزوف الجمهور عن السينما والتليفزيون وذلك لانشغاله بمتابعة مجريات الامور وقلقه علي مستقبل البلد ولذلك فالمنتج يفكر الف مرة قبل الدخول في تجربة انتاجية جديدة خاصة ان للمنتج حساباته بالنسبة للتسويق الداخلي والخارجي والاعلانات وهو بالنهاية لا ينتج عملا فنيا لكي يخسر. بالنسبة لتخفيض الاجور فالفنان يساهم بما يراه مناسبا لكي لا تتوقف عجلة الانتاج ويأتي التخفيض بشكل يحقق مصلحة العمل الفني ولا يجحف حق الفنان الذي يبذل الكثير من الجهد، وعن أجر إلهام شاهين اتمني ان اكون الاعلي اجرا بين النجوم لان ذلك معناه انني الاكثر تميزا والاكثر جماهيرية ولكن هذا شرف لا أدّعيه.

·         ما وجهة نظرك حيال تقديم عمل فني يؤرخ لثورة يناير في ذكراها الأولي وهل سيلزم الحياد أم ستحكمه الأهواء والمصالح؟

- من وجهة نظري أن تقديم عمل فني عن الثورة سواء كان دراميا أو سينمائيا في هذه المرحلة الحرجة سيكون في اطار انفعالي مؤقت بالحدث ولا يصلح أن يكون تاريخاً لأن ذلك يتطلب مضي وقت علي الحدث ليس اقل من خمس سنوات حتي تظهر نتائجه لأن مناقشة الحدث حاليا قد تؤثر في احكامنا عليه سواء بالسلب أو الايجاب طبقا لاهوائنا الشخصية . فيجب الانتظار حتي نري بشكل اعمق واكثر وضوحا وبعيد عن الانفعال الدرامي بثورة سامية غيرت حياة المصريين ومنحتهم الحرية .

·     إلهام شاهين معروفة بانحيازها لقضايا المراة فكيف ترين دور المرأة في هذه المرحلة الحرجة من عمر الوطن في ظل الدعاوي التي تطالب بتقييد حرية المراة وسلب حقوقها؟

- لا يوجد انفصال بين قضايا المرأة والرجل لأن المرأة نصف المجتمع كما أنها تؤثر بشكل كبير في النصف الآخر إذن القضية قضية مجتمع بأكمله وهموم المرأة تنعكس علي المجتمع ككل . المرأة لها دور كبير في هذه المرحلة الحرجة كما كان دورها مهم في كل المراحل التاريخية للوطن بداية من ثورة 19 والحركات الاستعمارية وحتي ثورة يوليو والحروب التي خاضها هذا الشعب وتحملت المرأة جزءاً كبيراً من ضريبتها، و أخيرا ثورة يناير ولا أبالغ إذا قلت إن المرأة المصرية هي البطل الحقيقي لثورة يناير فهي الأم التي أنجبت وربت أبطال الثورة وهي المرأة التي وقفت بجانب الرجل مطالبة بالحرية ولذلك لا يستطيع أحد أن يقيد حريتها ويسلبها حقوقها .

الفن والسياسة

·     هل علي الفنان أن يشارك في الحياة السياسية بصفته مواطنا يملك حقوقا سياسية أم يفصل بين عمله كفنان وحقه كمواطن وهل هذه المشاركة في صالح الفنان أم ضده؟

- الفنان أولا وأخيرا مواطن يملك حقوقا سياسية ورأيا يجب أن يعبر عنه بالشكل الذي يراه متفقا مع أفكاره ومبادئه، و لا يوجد تعارض بين عمل الفنان وحقه كمواطن بل علي العكس فكل منهما يكمل الآخر فالفنان إذا لم يكن له وجهة نظر ورؤية للأحداث من حوله فلن يستطيع التواصل مع جمهوره أو يطرح القضايا التي تهمه وتؤثر علي حياته . وبالنسبة لمشاركة الفنان في الحياة السياسية فهي بالتأكيد في صالحه لأنها تمد جسور التواصل بينه وبين المجتمع كما أن هذه المشاركة تقع في اطار الحرية الشخصية للفنان وأنا مع المشاركة كفكر ورأي بعكس المشاركة الفعلية في موقع الحدث.

·     صمتك حيال الأحداث السياسية وموقفك غير المعلن من الثورة دفع البعض للمزايدة علي وطنيتك ووضعك في القوائم السوداء وحسابك علي النظام السابق فما تعليقك ؟

-لا أحد يستطيع المزايدة علي وطنيتي وأنا لم ألتزم الصمت وعبرت عن رأيي حيال الأحداث والتطورات السياسية ولكني أرفض الرد علي من يحاولون النيل من تاريخي وكل فنان حر في التعبير عن رأيه واذا لم أعبر عن رأيي بصراحة فأنا لم أكذب أو أنافق ويكفيني فخرا أنني لم أتاجر بحبي لمصر كما فعل بعض المنافقين . وللعلم أنا لا أعترف بالقوائم السوداء ولا أعرف علي أي أساس وضعت هذه القوائم ومن المسئول عنها ولا يعنيني ذلك فهناك من سقطوا من حساباتي وكشفتهم الثورة علي حقيقتهم . كما أنني لم أستفد من النظام السابق بشكل مادي أو معنوي حتي أحسب عليه فاسمي وتاريخي يشهدان علي ذلك . وثورة يناير عمل عظيم وإنجاز رائع يحسب للشعب المصري فهي ثورة ضد الظلم والفساد ومبادئها وأهدافها سامية ولكن للأسف الثورة لم تكتمل وتحولت لشعارات ومستقبل البلد أصبح مجهول وهناك حالة من الارتباك والتخبط تسود المجتمع ككل .

·     التطورات السياسية علي الساحة المصرية أدت لظهور تيارات دينية متشددة فهل ستنجح في الحجر علي حرية الإبداع وتقييده بدعاوي التحريم والتكفير؟

- لا يوجد فن بدون حرية إبداع ولا أعتقد أن الفنان سيقبل الوصاية عليه لأنه بالمقام الأول رقيب علي نفسه ويريد صالح المجتمع، كما أن الثورة قامت لتحرر المجتمع من القمع وتقييد الحريات وبالتالي فالثورة تكفل حرية الإبداع وسنقدم ما نريده وليس ما تريده أي تيارات دينية أو سياسية لأن الفن هو مرآة المجتمع ومقياس تحضره كما أن الفنان هو ضمير المجتمع .

·     ما رأيك في المؤتمر الذي أقيم بنقابة الصحفيين من قبل لجنة الدفاع عن حرية الإبداع وبمشاركة العديد من الفنانين الرافضين لتكبيل حرية الفن والأدب؟

- مطالبة الفنانين والمثقفين وغيرهم من المبدعين بحرية الإبداع حق أصيل لا ينكره أحد عليهم فليس من الممكن أن يعملوا في ظل حالة الخوف من المجهول وفي ظل التهديد بتكبيل حريتهم ولكن لماذا التسرع في إصدار الأحكام؟ وبعبارة أخري لماذا نسبق الأحداث طالما لم يحدث ما يدعونا للخوف بهذا الشكل فلندع الأمور تسير بشكل طبيعي ثم نحكم ولا داعي للتسرع خاصة أن البلد تمر بمرحلة حرجة وتحتاج لتكاتف كل أبنائها حتي تنهض من جديد .

·         بماذا تحلم إلهام شاهين لمصر في حاضرها ومستقبلها ؟

-أحلم لمصر أن تسير علي طريق الحرية بخطي ثابتة وتنعم بالاستقرار والأمان في حاضرها ومستقبلها وأن تصبح وطنا لكل أبنائها علي اختلاف انتماءاتهم السياسية والدينية .

جريدة القاهرة في

06/03/2012

 

«أندريه مالرو» مصر

بقلم : رفيق الصبان 

كنت أعرفه قبل أن أراه أعرفه من خلال ما كان يقوم به كوزير للثقافة وما يقدمه لنا كباحث وعالم ومؤرخ وفنان .. وأخيرا تسللت من بين سطور مذكراته لأستشف من خلالها الإنسان الكبير والروح الهفهافة الباحثة عن الجمال والهارموني في كل ما تراه وتلمسه وتبحث عنه. كنت أتابع بذهول ما فعله لمصر وللثقافة العربية وكيف بني جسورا من ذهب وياقوت تربط بين حضارة عربية إسلامية عريقة وبين معالم حضارة أوروبية مازالت مشاعلها تضيء ارجاء الدنيا .. إنه واحد من هؤلاء الفرسان الكبار الذين بدءا من رفاعة الطهطاوي ووصولا إلي طه حسين وتوفيق الحكيم عرف كيف يمسك بالخيوط السحرية التي تجمع بين دفقات عمر الخيام الفارسية وبين أصداء «ليليات» شوبان المليئة بالشجن .. وبين الرسومات الإسلامية المغرقة في تجريبيتها المبكرة وبين أعمال شاجال ودوفي المنمنمة والعابقة بالسحر الاسطوري. تاريخ الفن كتبه الفريدة من نوعها عن الفن التشكيلي في أرجاء العالم الأربعة انطلاقا من الفنون اليابانية والصينية القديمة والمتصلة بتراث اسيوي روحي قديم مازالت حبات اللؤلؤ المنثورة تناثر بين خيوطه الفضية المبهرة. كل كتاب من هذه السلسلة الفريدة في نوعها وفي قيمتها وفي مكانتها من تاريخ الفن التي كانت تحمل اسم «العين تري والأذن تسمع» تحفة فنية في شكلها وتكوينها ومضمونها وإبداعها. ولم يكتف «عكاشة» بهذا العمل الخارق الذي يضعه لوحده في مصاف كبار الباحثين والعلماء والفنانين في عصره .. قيمة ومضمونا وأسلوبا وطريقة بل تابع جهده الثقافي بترجمة رائعة لأدب جبران وخصوصا كتابه الأثير «النبي» كما اتبعه بدراسات متعمقة لبعض الموسيقيين الذين أحبهم حتي الثمالة كفاجنر الذي ربما كان ثروت عكاشة من قلائل المثقفين العرب الذين تغلغلوا إلي أعماق عالمه وعرف كيف يعبر عن همومه وارهاصاته ورؤاه المستقبلية في الموسيقي والتاريخ. كتب متناثرة كزهور عباد الشمس في أرض قاحلة.. تري فيها منبعا للجمال الدائم والوحي الذي لا ينقطع. ولم يكتف «ثروت عكاشة» بكل هذا الذي فعله في دنيا الأدب والكتب والتراث بل راح يسجل خواطر في كتاب للمذكرات ضخم ومثير.. حافل بكل ما مر علي مصر في تاريخها الحديث من خلال رجل خاض غمار ثورة غيرت مصير بلده ثورة سياسية كان له باع كبير بها وثورة ثقافية كان يترأس حركتها ويقود زمامها. منذ أن وضعت الثورة أحمالها أدار ثروت عكاشة ظهره للسياسة ليتصرف كليا للأدب والثقافة سفيرا لبلده في بلدان كفرنسا وإيطاليا عرف كيف يغرف من كنوزها ويشرب من «خمرها» الثقافية حتي الثمالة واستطاع أن يكون خلال رحلته الدبلوماسية هذه صداقات نادرة مع رجال نادرين عرف كيف يتحدث عنهم في يومياته بأسلوبه الحاذق وبنظرته العميقة النفاذة. ومن خلال هذه اليوميات النادرة في أدبنا العربي الذاتي ملأ «ثروت عكاشة» صفحاته باستشهادات من كتّاب ترجم لهم وأتاح لقراء العربية لأول مرة قراءة مقاطع كبيرة من أعمال لهم سحرته هو شخصيا وأراد لها بحق أن تسحر قرّاءه كأنطوان دي سانت أكسبري وسواه. وعندما حطت به الرحال أخيرا ليكون وزيرا للثقافة يملك الصلاحيات كلها حقق لنفسه لمصره التي أحبها حتي النخاع .. مالم يحققه رجل من قبله الذي سيشكل بعد ذلك مثالا من الصعب الوصول إليه أو تقليده مهما كانت مواهب هذا الرجل الذي سيحتل الكرسي الذي احتله. آنشأ أكاديمية الفنون بكل فروعها أرسل طلابا موهوبين للتخصص في مجالات فنية لم تكن لتعرفها مصر مثله .. كالباليه وقيادة الأوركسترا السيمفوني والعرائس .. فتح الأبواب وأتاح الفرص أمام التجريب المسرحي وتقديم النصوص العالمية تعاقد مع كبار المخرجين الأوروبين من روس وفرنسيين ويونانيين وإيطاليين للمجيء إلي مصر وإخراج مسرحيات عالمية لها اشعاع ثقافي لا يغيب. عالمية مشتهاة وأعطي الفرص لفنانينا بالتألق والوصول إلي عالمية مشتهاة من خلال أعمال لا نصدق حين نذكر اسماءها الآن أنها كانت محلقة في زمن ما علي خشبات مسارحنا المصرية. اشتري الأورج الذهبي الكبير .. الوحيد من نسختين فقط متواجدين في العالم كله جعل إحداهما ملكا للموسيقي المصرية وبني له مسرحا خاصا اطلق عليه اسم «سيد درويش». نجح في استقدام كبار الفرق المسرحية والأوبرالية الغربية لتقديم عروضها علي خشبة المسرح المصري ولتكوين جيل جديد من الفنانين يعتمد علي الرؤية والتأثر وليس علي السماع أو قراءة الأبحاث. غزل الخيوط السحرية التي تجمع بين حضارة الشرق العريقة وحضارة الغرب المتوثبة وجلس ينظر حصد ثمارها. وتشكلت فرقة الباليه المصرية وفرقة الأوبرا المصرية وفرقة السيمفوني المصرية وفرق الرقص الشعبي وفرق الكورال وفرق تنمية المواهب وفرق العرائس. ومد يده للأقاليم .. وافتتح قصور الثقافة في كل بقعة من بقاع المحروسة لكي ينعم أفراد الشعب كله بثقافة هم بحاجة إليها وبنور حقيقي ينقذهم من الظلام الذين يعيشون فيه. وتوج جهوده في وزارة الثقافة بعمل تاريخي ربما كان من أهم الأحداث الثقافية التي مرت علي مصر في القرن العشرين.. استطاع أن يحصل علي تمويل عالمي لإنقاذ معبد أبو سمبل من الغرق.. بعد بناء السد العالي وانقاذ آثار النوبة التي تغير من معالم التاريخ الفني لمصر . جهد كان يستحق عليه دون شك جائزة نوبل التي خسرت كثيرا لعدم اهدائنا إليه فما من رجل غيره كان يستحقها علي مدار السنوات الخمسين الأخيرة للقرن العشرين. كل هذا عرفته عن الرجل .. قبل أن أراه وكل هذا جعلني أحرص علي أن ألقاه وأتهيب من هذا اللقاء في الوقت نفسه. ما الذي يمكنني أن أقول لهذا الرجل الذي حمل علي كتفيه عبء ثقافة بلد حضاري كبير كمصر.. رجل صنع لوحده ما عجز عشرات الرجال عن صنعه. أندريه مالرو مصر لقد وصفه بعض محبيه ومتابعي نشاطه بأن «اندريه مالرو» مصر تيمنا بوزير الثقافة الفرنسي والأديب الكبير الذي منحه ديجول نفس الصلاحيات التي منحها عبدالناصر لـ«ثروت عكاشة».. وهذا شرف كبير لعكاشة ولمارلو معا ولكني أري دون تعصب أن مالرو قد يتفوق علي عكاشة كمؤلف حقيقي فقط ولكنه لا يفوقه كباحث حضاري وكمؤرخ للفن في كل عصوره وكرجل أعطي بلده من عصارة روحه وفكره.. وثقافته وإيمانه ما يعجز رجال مثله عن اعطائها إياه. كيف لي أن اواجه هذا الرجل .. وكيف لي أن القاه.. وهل يمكن لأي منا أن يقف أمام جبل شاهق ويحدثه أو يسمع اليه. ولكن المعجزة حدثت.. وقبل الرجل أن يلقاني في فيلته الصغيرة في المعادي في موعد حدده لي .. ولم أصدق نفسي أنني قد حصلت عليه. وفي الموعد المحدد.. وصلت إلي فيلته البيضاء الشامخة وحديقتها المزينة بالتماثيل التي جاءت من اركان الدنيا الأربعة من آسيا البعيدة إلي وادي النيل الفرعوني .. إلي الأمجاد اليونانية .. وفي بيت زينت كل زواياه باللوحات النادرة والتماثيل العاجية .. والاكسسوارات الثمينة القادمة من أحشاء التاريخ، كان يجلس وراء مكتبه المليء بمئات الكتب المكدسة في كل أركان الجدران وعلي صفوف المكتبة الخشبية ذات الألواح الزجاجية الرقيقة.. وخلف المكتب تصطف أربعون لوحة صغيرة للشهنامة الفارسية وأمامه علي مكتبه الأنيق تمثال أثري قديم أهداه له «مالرو» يضعه أمامه كأيقونة. كان يبتسم واقفا جليلا تفوح المحبة من عينيه ويبدو صوته الأمر الآسر والصادر من أعماق القلب وكأنه غناء ديني حافل بكل المعاني والقيم. كان بسيطا شديد البسالة في حديثه ذكيا شديد الذكاء في اسئلته واعيا شديد الوعي في كل كلمة يقولها أو يسمعها أو يعلق عليها. تحدثنا عن جبران وكتاب «النبي» الذي ترجمه بروعة مدهشة وعن يومياته وعن «سان اكسبري »وعن «مالرو».. وعن مسرح النو الذي رأيناه معا دون أن ندري في أحد احتفالات البندقية في الخمسينات وعن الحضارة السنسكريتية وعن فرق الفنون التي انشأها. تحدثنا عن «فاجنر» وعن «بوريس جودونوف» لمدسورسكي التي يحبها وعن السينما التي يحرص علي رؤية أعمالها الكبري حدثني عن اعجابه بالنقل السينمائي الذي قام به زيفاريللي لأوبرا لاترافياتا وحدثني عن ماريا كالاس التي عرفها. وابتدأ سيل من الأحاديث ابتدأ ذات مساء صيفي في ليل المعادي .. وامتد بنا بعد ذلك شهورا طويلة بل وسنوات عدة خيل لي فيها أني وأنا الظمآن أشرب من نبع من ينابيع الجنة لا ينتهي تدفقه.. لكن لكل هذا حكاية أخري ربما يأتي وقت آخر لروايتها.

جريدة القاهرة في

06/03/2012

 

( الأحفاد) .. مستقبل الأسرة والسينما

بقلم : د. وليد سيف 

عن رواية للمؤلفة كاوي هارت هيمنجز شارك الكسندر باين في كتابة سيناريو فيلم الأحفاد وأخرجه. وتأتي عودة الكسندر باين بقوة بعد غياب كعادته، كفنان مقل ومجود في أعماله. تأخذك المشاهد الأولي سريعا إلي عالم أسرة تبدو حميمة ومستقرة وسعيدة لا ينقصها سوي غياب الأب وانشغاله بعمله كمحام كبير لا يتوقف طموحه المهني عند حد، ولكنه يعود مجبرا وتحت ضغط الواجب والظروف بعد سقوط الزوجة مصابة بعنف إثر حادث. وكأنها وقفة لالتقاط الأنفاس والنظر إلي الحياة والأسرة بهدوء. ولكن هذا التوقف الإجباري والنظر من الوضع واقفا يكشف كل ما كان خافيا من زاوية عين الطائر أو من خلال حافلة أو طائرة تنهب الطريق والحياة سريعا، دون أن تتيح أي مساحات للتأمل أو حتي التعرف علي حقيقة الأشياء. باين صاحب أوسكار أحسن سيناريو من قبل عن فيلم طرق جانبية، يشيد بناء في غاية الدقة والإحكام. ويقبض علي موضوعه بقوة فلا تفلت منه لحظة ولاجملة خارج السياق. لقد أدرك أنه من خلال هذه الرواية الكنز، ومن خلال حكاية هذه الأسرة شديدة الخصوصية يمكنه أن يطرح رسالة في غاية الأهمية وبصوت في غاية الهدوء ليخاطب بها المجتمع الأمريكي بأسرة. بل يخاطب الإنسانية عموما للنظر للحياة من جديد..وللاهتمام بحق الاسرة وبهؤلاء الأحفاد الذين نزعم أننا نحبهم ونغدق عليهم العطاء ونبذل الوقت والجهد والمال من أجل إسعادهم. ولكننا في الحقيقة لا نقوم بواجبنا الأهم نحوهم وهو أن نتفهمهم ونقترب منهم ونتعامل مع واقعهم الجديد بفهم ووعي حتي يصبح بإمكاننا أن نعاونهم. جنة هاواي مسرح الأحداث المختار هو جزيرة هاواي كنموذج لجنة الله في الارض بكل ما تعكسه من صورة للحياة المخملية المثالية. ويضفي الالتزام بوحدة هذا المكان بالتحديد علي الفيلم بداية واقعا مكتملا ذا خصوصية، وذا جماليات وطبيعة ساحرة. أما التناول فهو استثنائي ومختلف. فكاميرة السينما لم اتنتقل إلي هناك لتعرض واقعا سياحيا أو أجواء شبابية مرحة منطلقة بين الشاطيء والبحر كما اعتادت السينما أن تقدمها، وإنما للتناول من منظور درامي يعتمد علي المفارقة بين هذه السمعة والواجهة البراقة للجزيرة وبين الواقع الأليم الذي سنعايشه مع هذه الأسرة. وهذا الإدراك الشديد لحالة الفيلم الدرامية المبنية علي التناقض هي محور البناء البصري وأساس تشكيل الإضاءة وتنويع المناظر بين خارجي وداخلي، بمقادير محسوبة بدقة لتحقيق التأثير المطلوب ووضع الخطوط أو الظلال تحت الجمل أو الصور الأهم في فصل واضح بين ما هو خبري وما هو درامي.. بين ما هو خارجي وسطحي.. وما هو داخلي وعميق ويتوغل من الجلد إلي عمق أعماق القلب والروح. الهروب عدوا في تلك اللحظات الفاصلة والفارقة في حياة الإنسان يتوقف نبض العالم وتضيق الحياة بالإنسان الفرد في مواجهة مصائبه. وفي أحد أروع مشاهد السينما يندفع البطل عدوا وقد تلقي صدمة عنيفة كفيلة بأن تسقط أي رجل ..إنها المقاومة والتشبث بالحياة والرغبة في مواجهة الموت والسكون بالجري والاندفاع..إنه بالتأكيد يعادل الهروب من الموت، فما قيمة الحياة حين تكتشف ان شريكتك فيها كانت تخونك. في اي شيء في هذا الوجود يمكن أن تثق وفي أي مستقبل سوف تفكر بعد ان عشت حياتك ترسم مستقبلا مشتركا مع هذه المرأة، دونا عن سائر نساء العالم.. إنها حالة من الذعر والخوف من شيء مجهول ..إنها حالة من الهروب من الذات والجلد والعالم والوعي ومن كل شيء ..فلتعدُ باقصي سرعتك وتطلق ساقيك للريح دون هدف أو هدي او امل في أي شيء.. مشهد من السينما الخالصة، يتضافر فيه الإخراج بزواياه ولقطاته مع أداء الممثل المعبر جورج كلوني ليذكرك بأروع روائع الفن الجميل وليعيد إليك الإيمان بقدرة السينما علي الابتكار والتعبير بوسائل لا يملكها أي فن آخر. لن تتوقف الآلام التي يعانيها بطلنا حين يستقر علي أرض الأجداد في الجزيرة. ولكنه سيكتشف أيضا حالة الانفصال والبعد بينه وبين ابنتيه..الصبية ذات العشر سنوات والشابة الجميلة التي ترتبط بعلاقة حب وتوشك أن تسفر عن ارتباط. وتتضاعف هموم البطل ومسئولياته باعتباره مفوضا من أسرته الكبيرة في مسألة بيع ميراث العائلة الذي يتلهف الجميع عليه لينالوا حصتهم منه. وبين محاولات التواصل مع فتياته ورحلة البحث عن عشيق زوجته وبين مفاوضات بيع الممتلكات تسير خيوط السيناريو ولكنها لا تنفصل بقدر ما تتشابك وتتلاقي وتتوحد. فالتوصل إلي سر العشيق يتم عبر الاقتراب من الفتيات.. وصفقة بيع الممتلكات تصطدم مع هذه الشخصية المقحمة علي الأسرة والمهددة لأمنها وسلامتها وتماسكها. ضعف وكبرياء وبقدر ما يبدو الإيقاع متمهلا، بقدر ما يتمكن الدرامي البارع من غرس بذوره وتنمية خيوطه وتوليف أفكاره دون أن تدري. ولتتصاعد الأحداث ويصل الصراع إلي مرحلة الغليان التي تسبق اتخاذ القرار. وعلي الرغم من جدية الموضوع ومأساويته إلا أنه لا جنوح للميلودراما. بل إن كلا من السيناريو والمونتاج وبناء المشهد السينمائي يتجنب كل اللحظات التي من شأنها إدخال المشاهد في مناطق موغلة في الألم. ولكن التأثير والتعاطف يكون أقوي لأنه يمنحك الفرصة لإكمال خيوط المواقف المؤلمة ومعايشة الشخصيات وهي تتجنب لحظات الضعف في كبرياء إنسانية شديدة الرقي. يلتزم المخرج بحركة كاميرا هادئة وانتقالات مقتصدة ولكنه يستطيع بصريا من خلال الربط والمونتاج ان يجعلك تعيش في هذه الدوائر التي يمر بها البطل والانتقال بين صفحات الفيلم الذي يلتزم ببناء ارسطي ليس علي مستوي وحدة المكان فقط لكن ربما في الزمان أيضا. فاحداث الفيلم التي تبدا بالسقوط أثناء رحلة بحرية صيفية منعزلة للأم تنتهي بمشهد دافئ وحميم للأسرة أمام التليفزيون. وبين البداية والنهاية نكون قد عشنا حياة كاملة بكل مراحلها وأجوائها. وكما تتبدل فصول السنة تتبدل احوال بطلنا. جاء ليرعي أسرته وزوجته المريضة ليكتشف أنها خائنة وليتنقل في رحلة كاملة بين جنون الفضول للبحث عن الحقيقة إلي اليقين بالخيانة إلي السعي للانتقام إلي الوصول لاكتشاف الحقيقة.. حقيقة الجريمة التي يرتكبها المرء حين ينشغل بصنع الثروة ويهمل أقرب الناس اليه ويحرمهم من حبه وحنانه واهتمامه. حضور مؤثر كعمل درامي كلاسيكي من الطراز الرفيع ستتعدد امامك المشاهد القوية المؤثرة التي يصعب أن تسقط من ذاكرتك ويستحيل الا تتوقف أمامها متأملا هذه القوة في البناء والتدفق في المشاعر والتوظيف البليغ للبناء الحركي وعناصر الديكور والإضاءة. وعلاوة علي هذا فانت بالطبع أمام مباراة في التمثيل المنضبط بقيادة مخرج متمكن. فإذا كان كلوني يصول ويجول وينتقل بين حالات ومواقف وأحداث فإن باتريشيا هستي في دور الزوجة المريضة والواقعة تحت إثر الغيبوبة في غرفة العناية المركزة تستطيع أن تفرض وجودها وتأثيرها ولو بلفتة او نظرة عين. أما شايلين وودلي الابنة الشابة فقد استطاعت أن تعبر عن التمرد والتمزق وعن المشاعر الباردة تجاه الأب التي تنمو في خط بياني طبقا لخطة أدائية مرسومة بعناية وبمنتهي الدقة. وهي بالتأكيد مشروع لنجمة مستقبل قادرة علي القيام بأدوار صعبة. والحقيقة أن براعة أداء الممثلين عموما بما فيهم من أدوا الأدوار القصيرة، تنبع أساسا من طرافتها وابتكاريتها وتكاملها في ذهن المؤلف ومنها شخصيات أولاد العم وأطرفهم بودجز بولعه بالحياة وعشقه للخمر. وكذلك الحما العصبي بصورة مفرطة مما أصابه من فقد ابنته. بل وحتي الصبية الجريئة المندفعة الفضولية. كما يتمكن السيناريو والضبط الحركي والإيقاعي للمشهد من الانتقال بمهارة من المأساة إلي الكوميديا. وتعد شخصية صديق الابنة الكبري هي الأكثر قدرة علي تخفيف حدة التوتر وصنع حالة من البهجة بفضل رسم الشخصية كنموذج لجيل خشن الطباع والأحاسيس. وهو في مواجهاته مع الأب وفي تصرفاته الفجة يثير الضحك بشدة. لكن حتي هذه الشخصية التي تبدو عنصر تخفيف كوميدي ينجح السيناريو في الاقتراب منها وكشف جوانبها الخفية. وكأن الكاتب بمهارته لا تستعصي عليه شخصية في كشف جوانبها الإنسانية وعناصر جمالها الكامنة. رحلة الألم يتميز الفيلم أيضا بحوار رشيق وخلفية موسيقية ممتعة تبرز المعني الدرامي بالتناقض معه وتتسق مع الصورة الجميلة للطبيعة الرائعة للجزيرة بشواطئها وبحرها وجذورها. وشريط الصوت عموما يتميز بمزيج مدهش للأصوات حيث تتضافر المؤثرات الصوتية مع الموسيقي التصويرية والحوار لتنسيق الأفكار ومنح المشاهد مزيدا من القدرة علي التعبير والتأثير. عبر هذه الرحلة الطويلة مع الألم والمعاناة يكتشف البطل جوانب جديدة من حقيقة الذات والآخرين. وهو من خلال هذه الخبرة الحياتية والطريقة الجديدة في التعامل مع الحياة بإيقاع يناسبها والسعي بجدية نحو فهم الأهل وتفهم افكارهم ودوافعهم..عبر كل هذا يمكنه ان يصل إلي اقصر درجات التسامح وأن يدرك أن عليه أن يبذل جهدا حقيقيا لتعويض تقصيره وغيابه عن الأهل الذين هم أغلي بكثير من الثروة التي يسعي الجميع إليها. إن الأحفاد هو أحد الأفلام التي تكشف عن خواءالحلم الأمريكي وما أصاب به العالم من طمع ومن جنون في التعامل مع الحياة والإنسان. فهل مازال بعض من الوقت يمكنه تعويض ما فات لرجل في منتصف العمر..بل ولأجيال من الأحفاد تعيش حياتها بحثا عن المتعة وهي قريبة جدا جدا قد نراها نحن في وجه فتاة جميلة رقيقة يافعة أو صبي تمتلئ عيناه بالحماسة والإقبال علي الحياة قتلهم رصاص الطغاة واختفوا في صفحات الزبالة ولم يبق من ذكراهم سوي صورة جميلة معبرة متشحة بالسواد.

جريدة القاهرة في

06/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)