حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الحقيقة الأفتراضية في الفيلم الوثائقي

طاهر علوان

ربما كانت الحقيقة غير المرئية او الوجه الآخر للحقيقة هو مايمكن اخذه بنظر الأعتبار لدى قراءة اسلوب وتجربة المخرج "ايرول موريس" الذي يعد اليوم وبجدارة واحدا من اهم اعمدة السينما الوثائقية على مستوى العالم .موريس ليس من نوع المخرجين غزيري الأنتاج لكن كل فيلم من افلامه كانت له رحلة نجاح ونال نصيبه من الأهتمام والشهرة .

عناصر تميز افلامه تتنوع بتنوع الموضوعات التي طرحتها واثارتها لتجلب معها الكثير من الآراء وردود الأفعال ولكنه بصفة عامة كان يبحث دائما عن التميز في المعالجة الفيلمية الوثائقية والشكل الفيلمي ، فالرتابة التي تسببها بعض الأفلام الوثائقية من خلال صيغة المياكروفون والمقابلة مع الضيف / الشخصية التي صارت لازمة اساسية وعنصرا لاغني عنه ، يستخدمه مويس دائما بطريقة مختلفة فهو يؤكد انه لايؤمن بفكرة الأسئلة المسبقة ، هو لايعد قائمة اسئلة يستنطق بها الشخصية او الضيف ، وهو يقول في مقابلة معه انه كان دائما مايردد وهو يقابل ضيفا في اي فيلم من افلامه "ياترى من اين سنبدأ" ولهذا فهو يترك للشخصية الحرية في تسليط الضوء على الموضوع الذي ستتحدث فيه من زوايا مختلفة مع تداخلات بسيطة من طرفه كمخرج .

موريس انجز حتى الآن ثلاثة عشر فيلما وثائقيا في كل مسيرته ولكنه حصد عن احد تلك الأفلام جائزة اوسكار احسن فيلم وثائقي عن فيلمه "ضباب الحروب" (2003) وهو الذي كرسه للكشف عن الوجه الآخر للتورط الأمريكي في حرب فيتنام والفضائع التي ارتكبت فيها ، كانت المساحة الأكبر في ذلك الفيلم هي لوزير دفاع الولايات المتحدة في الحقبة الفيتنامية "ماكنامارا" ، هنا ايضا كنا في مواجهة معالجة فيلمية استندت الى عنصرين اساسيين هما الوثيقة الفيلمية والمقابلات مع مكنامارا ، لكن اسلوب موريس ذهب بعيدا في قراءة الوقائع واخرج الفيلم من حيز المعرفة المسبقة بوقائع حرب فيتنام الى فهم منطقي واخلاقي لقصة حرب مشؤومة ذهب ضحيتها مئات الألوف .

صورة العنف والصراع

العنف الذي يلاحق الصورة ويطبعها ويشكل محتواها تجده ظاهرا وخافيا في آن في سينما موريس فهو يتعامل مع العنف والحرب والصراع على انه الحقيقة الوحيدة التي لايمكن الا التسليم بها بشكل ما والا ماكانت لتقع وماكان من سبب لكل تلك الخسارات وهو مايؤكده صراحة في اكثر من مقابلة معه.

الصراع واكب ايضا فكرة ومحتوى آخر افلامه "تابلويد"-2011- الذي ازاح كثيرا من الغموض والتفاصيل عن الحدث المدوي القائم على فكرة الأختطاف والأغتصاب على خلفية دينية ، اختطاف "كرك اندرسون " احد اقطاب مذهب "المورمون " المسيحي وهي الطائفة التي ظهرت مطلع القرن التاسع عشر على يد "جوزيف سميث " (1805-1844) ، المهم ان اندرسون اختطف في العام 1977 على يد امرأة تدعى "جسي مكني" والقي القبض عليها وجرت محاكمتها ولكنها تحولت فعلا الى الموضوع الأبرز في صحافة "التابلويد" خاصة في صراع بين صحف التابلويد البريطانية ، المهم ان الفيلم يتصدى لعنصرين مهمين في القصة وهما خلفيات موضوع الأختطاف والقتل من خلال مقابلات مطولة مع "مكني" والمضي بعيدا في الكشف عن خلفيات عقيدة المرمون حتى تحول الفيلم في نظر بعض النقاد الى "وثيقة" ثقافية وسوسيولوجية لتسليط الضوء على حقائق مجهولة في حياة تلك الجماعة الدينية .

وفي واقع الأمر ان "العنف والصراع" يتحرك في فضاء الفيلم ويلاحق التفاصيل التي رسمت العلاقة بين الأضداد في الفيلم كرفض عقيدة المورمون او في استجلاء دوافع الجريمة التي اودت بحياة ذلك المبشر الشاب مع خلفية معلومة هي ماتعرض له اتباع طائفة المورمون انفسهم في الولايات المتحدة من ملاحقة وتشريد وقتل الى حد قتل زعيم الطائفة جوزيف سميث هو وشقيقه واحراق مصالح وممتلكات اتباعه على اعتبارهم زنادقة ومارقين في نظر خصومهم لأنهم اباحوا كثيرا من المحظورات الدينية وجاؤوا بمفاهيم دينية شكلت صدمة للكنيسة ومنها مثلا اباحة تعدد الزوجات .

مابين آخر افلام موريس واول افلامه ثمة رحلة في رسم مساره الأبداعي فقد عد اول افلامه "ابواب الجنة "(1978) واحدا من اهم الأفلام الوثائقية في وقته ومازال يعد واحدا من الأفلام الكلاسيكية المهمة التي اطلقت اسم وتجربة موريس وعرفت به على نطاق واسع .

الحقيقة الأخرى في الفيلم الوثائقي

لاشك ان اسلوب موريس يحيلنا الى التساؤل عن فلسفة الفيلم الوثائقي ، عن صيغته واسلوبه ، عن ذلك الكم الكبير من النصائح عن كيفية صناعة الفيلم الوثائقي كشكل وموضوع ومعالجة ، كيف ومن اين تبدأ وماذا تقدم ؟ ولو اسقطنا هذه الأسئلة مجتمعة على اسلوب موريس لوجدنا انه هو الآخر معني بها لاسيما عندما يتعلق الأمر بمايشاع مجازا في الفيلم الوثائقي ب" المصداقية" ثم المرادف الأهم لها وهو "الحقيقة" ، تلك الحقيقة التي يحملها الفيلم الوثائقي سواء اكانت هي التي يبتغي المخرج قولها وتجسيدها على الشاشات او انها مايعرف بالحقيقة الأفتراضية فالقصة تتحمل جدلا تسنده اللقاءات المتعددة لاسيما عندما يكون الفيلم الوثائقي متصديا ليس لمساحة بانورامية من الحياة بل الى بؤرة ومركز ونقطة وقضية محددة كالوقائع التاريخية او الأحداث السياسية او الفضائح الأجتماعية والسياسية والجرائم  وغيرها .

وعندما يسأل موريس في احدى المقابلات الصحفية عن تلك الحقيقة "المراوغة" وعن "فورمولا" وشكل واسلوب الفيلم الوثائقي فأنه يجيب اجابة مركزة وواضحة بمايلي :

"في البداية لابد من ان اقول اني ارى ان لاقاعدة معينة يمكن الأستناد اليها لصناعة الفيلم الوثائقي . ربما كانت القاعدة الوحيدة هي ان تسعى "للوصول الى الحقيقة". والمسألة الأخرى ان تسعى لتقديم صورة العالم المعاش كماهي .

لكن السؤال الذي سيبرز هنا هو :كيف ستقوم بذلك ؟ فمثلا بعد انجاز  فيلمي "الخط النحيف الأزرق " ووجهت بكم من الأنتقادات التي كانت تتلخض في اني لجأت في ذلك الفيلم الى اسلوب اعادة تمثيل الأحداث  وكأنني قد تنكرت للحقيقة عندما اعدت تقديم تلك الأحداث لكن الأمر يتعدى ذلك الى اننا اذا مضينا في هذا السجال فسنكون امام نوع من السفسطة في المضي الى مالا نهاية في المزيد من البحث والتحري وفي مزيد من المقابلات الشخصية بينما بموازاة ذلك كان اللجوء الى اعادة تمثيل الأحداث هدفه ليس طمس الحقيقة او التغطية عليها على الأطلاق بل اعادة ابرازها والكشف عنها بطريقة مختلفة بالأضافة الى ان هذه الطريقة تهدف الى جعل المشاهد اقرب الى ملامسة الحقيقة وادراكها .

هنا لابد ان اضيف مسألة اخرى هي السؤال عن التصوير في مكان حقيقي واستخدام ضوء حقيقي مما يجري الحديث عنه احيانا وانا اقول ان هذا الأمر ليس له ارتباط بالحقيقة التي اسعى للوصول اليها في اي فيلم من افلامي فالوصول الى الحقيقة وتقديمها يعد عملا مضنيا في هذا الجانب سواء بالتحري او المقابلات او غيرها من المصادر التي تحتاج الى جهود كبيرة لغرض التوصل اليها.

وظيفة التحري

كأن موريس يلعب دور التحري وهو ينغمس طيلة ثلاث سنوات في البحث والأستقصاء في خلفيات واصداء احدى الجرائم التي خلفت اصداءا واسعة وهي اغتيال رجل شرطة ، كان ذلك في العام 1976 عندما وقعت الجريمة في احدى الولايات الأمريكية وقيدت ضد مجهول حتى القي القبض على القاتل المفترض الذي سيطلق سراحه بعد ذلك بسنوات بعد ان استجدت متغيرات في الواقعة .

فيلم "الخيط الرفيع الأزرق" -1988- يعده موريس اهم افلامه لأنه استمتع بالعمل في استجلاب الحقائق الى الشاشة في قضية شغلت الرأي العام لكن المسألة تتعدى ذلك فموريس وقد بدأ اسلوبه بالرسوخ بدأ يميل اكثر نحو زج جوانب من الغموض على الحقائق حتى كشفها من زوايا متعددة وهو الأسلوب نفسه الذي سيتبعه في فيلمه المهم عن احداث سجن ابو غريب والذي حمل عنوان "Standard Operating procedure" ...

ربما كانت نقطة اللقاء بين الفيلمين هي "التحري عن تلك الحقيقة" التي كانت قبل صنع الفيلم افتراضية تتوزع على السنة المتحدثين ووسائل الأعلام وجرى تداولها  من خلال الأشاعات حتى يبدأ هو بالأنتقال الى دور الباحث والتحري الذي سيدفعه المضي في استجلاء الحقيقة الى اعادة انتاجها بصريا على شتى المستويات ومن ذلك تلك السلسة من الآراء التى تكمل بعضها في تحريه عن تلك الجريمة الغامضة في قتل الشرطي .

المخرج والفيلم الوثائقي وقد تحولا الى شاهد ، كل ذلك سيحيلنا الى اعادة قراءة الفيلم الوثائقي لجهة الحفاظ على المصداقية وفيما اذا كانت اعادة تمثيل الأحداث تعد خرقا لقانون" الفيلم الوثائقي وطبيعته ام ان المخرج من حقه ان يلجأ الى جميع الوسائل التي تعينه للوصول الى الحقيقة عندها سيكون السؤال عن "الحقيقة" لاعن الفيلم الوثائقي كقوانين فيلمية واخراجية متواترة ومتراكمة في مسار السينما الوثائقية وكأنها اعراف راسخة وان خرقها يعد مساسا بروح وشكل وتصميم واسلوب الفيلم الوثائقي .

لعل هذا النقاش ضروري ومفيد من خلال عينة وتجارب محددة من خلال اسلوب موريس المتفرد والمميز وهو مايستحق ان نمضي معه قدما في استجلاء الصورة الخاضعة للجدل والنقاش .

ومرة اخرى يؤكد موريس في احدى مقابلاته ان المشكل في الولوج الى الحقيقة في الفيلم الوثائقي هي في السؤال اين انت واين تمضي واين ستتوقف بمعنى ان الفكرة اذا كانت حاضرة في اثناء اجراء المقابلة مثلا فأن هنالك نقطة بداية ووسط وانتهاء فكيف اذا كان هذا التدرج غائبا بشكل ما بينما تحضر القيمة التي ستسهم بها تلك المقابلة في استجلاء جوانب اخرى من الحقيقة الغائبة .

وعلى هذا فالموضوع سيتسع ليشمل "اسلوبا " و " طريقة" في المضي في سرد القصة والوصول الى الوقائع المتتابعة التي توصل الى الحقيقة التي تتعدى كونها افتراضية الى كونها خلاصة يقدمها الفيلم مع ان السؤال سيكون ايضا مثيرا فيما ذا كانت تلك هي الحقيقة النهائية ام انها تفتح ابوابا للجدل والنقاش وهو ماستتسع له مساحة الفيلم الوثائقي .

يستحق فيلم موريس عن وقائع سجن ابو غريب والحقيقة الغائبة ، يستحق مني وقفة اخرى امضي فيها مع اسلوب موريس وتجربته المهمة التي يمكن الأستفادة منها وان تثري بعض التجارب الوثائقية العربية باتجاه النظرة العمودية للظواهر بعدما ادركنا طويلا ان الفيلم الوثائقي العربي يستغرق احيانا في البانوراما والعرض الأفقي اكثر من الغوص عميقا فيما وراء الحقيقة الأفتراضية الى الحقيقة التي يجب الوصول اليها من خلال ما يمكن ان اسميه مجازا ب"المخرج – التحري" الذي يجد متعته في تسليط الضوء على الحقيقة من زواياها المتعددة ويدفع باتجاه قراءتها قراءات متعددة وهو الأمر الذي يحيلنا بكل تأكيد الى وظيفة الفيلم الوثائقي ودوره والأساليب المتجددة في صناعته وهو مايستحق تسليط الضوء عليه .

الجزيرة الوثائقية في

16/02/2012

 

أسبوع سينمائي عن فلسطين في مخيم البداوي

نقولا طعمة - بيروت  

قدمت جمعية الشبكة الدولية من أجل فلسطين بالتعاون مع مركز الشبيبة الفلسطينية أسبوع السينما الفلسطينية في نادي القدس الفلسطيني في مخيم البداوي بحضور  بعض المؤسسات والفعاليات الأهلية والتعليمية.

تضمن الأسبوع خمسة أفلام، منها الوثائقي، ومنها الروائي، تحدثت جلها عن قqايا الفلسطينيين وعلاقتهم بالمحتل، ومن الأفلام ما يعود للستينات، ومنها ما نال جوائز في مهرجانات عالمية شهيرة كمهرجان “كان” ومهرجانقرطاج”.

الأفلام التي تضمنها الأسبوع

"جنين، جنين" هو فيلم وثائقي قام بإخراجه محمد بكري عام 2002 من أجل تصوير الحقيقة حول ما حدث في معركة جنين التي وقعت بين الجيش الاسرائيلي والمقاتلين الفلسطينيين خلال عملية الدرع الواقي عام 2002، وطرح مسألة حدوث مجزرة في مخيم جنين.

تم عرض الفيلم في عروض محدودة في اسرائيل ثم تم تقديمه إلى لجنة مراقبة الأفلام الإسرائيلية من أجل الحصول على ترخيص للعرض التجاري، لكن اللجنة رفضت الطلب لأن الفيلم -بنظرها- “يطرح وجهة النظر الفلسطينية فقط مما يشوه الحقيقة وبأن الفيلم يكاد يكون تحريضا ضد حق اسرائيل في الوجود". لكن محكمة العدل العليا ألغت قرار اللجنة وسمحت بعرض الفيلم.

"خيمة أم كامل" وثائقي، عن "أم كامل الكرد" سفيرة الصمود، التي يزورها القناصل والمسؤولون والإعلاميون من كل حدب وصوب، وتأتيها الوفود من مشارق الأرض ومغاربها لتتعلم، وتراقب، وتدعم. هي سفيرة الصمود والتحدي، وحارسة عروبة القدس، والشاهد على اعتداءات العدو الصهيوني وجرائمه العنصرية. هُجرت المرة الأولى من منزلها بيافا، وفي المرة الثانية طردت من منزلها في القدس، وهُدمت خيمتها سبع مراتٍ لتعيد بناءها من جديد، لأجل هذا اختارتها الهيئة الإعلامية العالميّة من أجل الدفاع عن القدس شخصية العام 2008 ضمن احتفاليّات القدس عاصمة الثقافة العربية، كما منحتها وسام الشجاعة من أجل الدفاع عن القدس.

يعرض الفيلم الانتهاكات  وعمليّات التهجير، ويلاحظ من خلال هذا الفيلم، أن الانتهاكات لم تقتصر على بيت "أم كامل الكرد" وحدها، فهناك عائلاتٍ أخر، مثل عائلتي حانون وغاوي، اللتين تهجّرتا ورمي الأهل من بيوتهم وبطريقة وحشية إلى الشوارع، بالإضافة إلى دعاوى الزور الّتي أقيمت ضدهم لدفع غرامات، وتسليمهم إخطاراتٍ من قبل سلطات الاحتلال بمطالبات مالية بدل رسوم العمال الّتي استعانت بهم لإخلاء وطرد العائلات من منازلهم.

" الزمن الباقي" للمخرج النصراوي الكبير "إيليا سليمان"، هذا الفيلم حائز على جائزة اللؤلؤة السوداء لأفضل فيلم روائي  من الشرق الأوسط في مهرجان "كان" 62 في فرنسا.

يعرض الفيلم نبذةٌ عن حياة والديّ المخرج، منذ بداية الاحتلال لمدينة الناصرة في تموز عام 1948، وكيف سقطت بيد العدو، ويكشف عن كيفية اعتقال الوالد وتعذيبه.

ثم ينتقل في ما بعد إلى صورة المدينة في ظل الاحتلال، من خلال فصل مدرسي يغني فيه الأطفال أغنية بالعبرية عن حلم "إسرائيل" الذي سوف يصبح (حقيقة ) مثل الشمس في وضح النهار، ثم ينشدون بالعربية أغنية لفلسطين الوطن الغالي، الذي لن ينسي أبداً.

هذا الفيلم يجمع ما بين التاريخ والسياسة والفلسفة وأيضاً السيرة الذاتيّة، وفيه أغان عريقة لفيروز وليلى مراد ونجاة الصغيرة وأيضاً محمد عبد الوهاب.

"من يوم ما رحت" للممثل والمخرج الفلسطيني "محمّد بكري"، حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل في قرطاج، والترجمة باللغة الإنكليزية، هو أشبه ما يكون إلى السيرة الذاتية،  حيث قام محمد بكري برواية ما حدث معه، لمعلمه وصديقه الراحل الكاتب إميل حبيبي أو أبو سلامة كما يناجيه المخرج محاولاً من خلال استعمال الأفلام الوثائقية والشخصيّة وأيضاً الصور الأرشيفيّة، أن يفسّر الأحداث الّتي حصلت معه في غياب صديقه الغالي ومعلّمه، وأيضاً كيف أنها أثرت في نهاية الفيلم على طريقة تفكيره وبالأخص من ناحية موضوع الديمقراطية المزيفة عند الصهاينة والتي كان يظنها حقيقية وموجودة، والذي جعله يكتشف هذه الحقيقة، الدعوى القضائية ضده بعد إنجازه فيلم "جنين جنين".

ويعتبر الفيلم "من يوم ما رحت" تراجيديا الفنان محمد بكري، وأيضاً هو رد على السلطة الصهيونية، بقمعها وظلمها لكل الفلسطينيين، وإن كانوا ممن أُجبِروا على حمل الجنسية "الإسرائيلية"، ومن هذا الفيلم نلاحظ عدم تفريق الصهاينة ما بين من هم بعلاقة جيدة مع اليهود، ويبحثون عن السلام معهم ومن هم ضد السلام معهم، أي ديمقراطيتهم المزيفة.

"سياسة بريئة جدا" لميسون مصطفى: كان الفيلم من ضمن برنامج الأسبوع، لكنه لم يعرض لأسباب تقنية، وهو يعرض واقع الأطفال الفلسطينيين في مختلف المخيمات.

الجزيرة الوثائقية في

16/02/2012

 

«الجمعة الأخيرة».. بداية متألقة

بشار إبراهيم 

إحدى أجمل المفاجآت التي قدّمها مهرجان دبي السينمائي الدولي، في دورته الأخيرة، وفيها مفاجآت كثيرة حقاً، كان العرض الأول لفيلم «الجمعة الأخيرة» للمخرج يحيى العبدالله.

لأسبابي الشخصية، قبل المهنية وبعدها، كنتُ على حرصٍ شديد لترقّب هذا الفيلم، ومشاهدته، أكثر مرة. أعترفُ. بل أزيد في الاعتراف، أنني كنتُ على تخوّف شديد، إذ غالباً ما تُفضي الانتظارات إلى خيبات، وما تنتهي التوقعات إلى الأسى. ولكن يحيى العبدالله، المخرج الواعد منذ سنوات بقدومه السينمائي، لم يخيّب ظناً، وارتقى فوق توقعاتنا، وقال قولته على أجمل ما يكون.

المشاهدة الأولى، المليئة بالتحفّز، وقلق الدخول في عالم سينمائيّ جديد، انتهت إلى تنهيدة طويلة، مع المشهد الأخير، لفيلم أقلّ ما يمكن وصفه بأنه فيلم رائق، مشغول بعناية، فيه حرفة المخرج، الذي لم ينكر يوماً تأثره بمدارس سينمائية متعددة، ومتابعته الذكية لأعلام سينمائية بارعة، من مشرق الأرض ومغربها. كما فيه من مهارة بناء السيناريو، وإدارة الممثل، والاشتغال على أدقّ التفاصيل، بذكاء لاذع، لتجد نفسك في النهاية أمام فيلم يعلن بصراحة مولد مخرج سينمائي كبير.

لم يكن مفاجئاً أن يحصد فيلم «الجمعة الأخيرة» غلّة وفيرة من جوائز مسابقة «المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة»، بدءاً من جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وصولاً إلى جائزة أفضل ممثل رجال (للفنان علي سليمان)، وأفضل موسيقى (للأخوة جبران).. بل كانت المفاجأة أن جائزة المهر لأفضل فيلم روائي عربي طويل، ذاتها، هربت منه، لتستقر في يد المخرجة سوزان يوسف، عن فيلمها «حبيبي راسك خربان».

لن نعترض على قرار لجنة التحكيم (برئاسة المخرج بيتر واير)، ولن نعلّق عليه.. جلّ ما سنقول إن فيلم «الجمعة الأخيرة»، هو الأجمل، والأفضل، والأكثر جدارة بالفوز، بين ما تسابق من أفلام لنيل جائزة المهر العربي، في هذه الفئة، هذه الدورة.

فيلم «الجمعة الأخيرة»، نصّ سينمائي مُبشّر. يكشف عن مخرجه في إطلالته السينمائية الأولى على صعيد الفيلم الروائي الطويل، ويعيد اكتشاف الفنان علي سليمان بصورة سوف تضيف إلى سجله الإبداعي واحداً من أفضل أدواره التمثيلية، منذ عرفناه. كما يعيد تقديم الفنانة ياسمين المصري، في دور متألق، على الرغم من محدودية هذا الدور، وقصره.

لمحات ذكية يقدّمها الفيلم. مشاهد تقوم على فعل الاختزال، تجعلك تدرك ما لا تراه على الشاشة. فعل الحذف هنا قائم على التواطؤ. لا حاجة للثرثرة، وليس ثمة من داعٍ للاستطراد. الاعتماد على ذكاء المُشاهد مبرَّر، والاتكاء على قدرته في ترميم ما يبدو من فجوات، ينطوي على تفاعل إبداعي معه. سينتقل به من خانة المتلقي الكسول، إلى مساحة التفاعل، والانتباه، والاستدراك، والمشاركة، وإعادة إنتاج النص من خلال تلقّيه. وهذا أرقى ما يمكن لفيلم سينمائي أن يحاوله.

طريقة البناء التي اعتمدها المخرج يحيى العبدالله في صياغة فيلمه، تجعل من المُجحف تماماً محاولة سرد قصة الفيلم؛ اختصارها، أو اختزالها، أو عرض نبذة عنها!.. ليس فيلم «الجمعة الأخيرة» حكايته، بل طريقة سرد هذه الحكاية. طريقة بنائها، وتقديمها. التميّز المدهش في التمثيل (مع التحفّظ على طريقة أداء أحدهم)، والبراعة في المونتاج، وتوظيف المؤثرات الصوتية والموسيقى.. البداية النهاية، حينما تلتبسان.

تداخل وتشابك العناصر الفيلمية، والإحالات الدلالية، التي تقوم على الكوميديا السوداء، أو السخرية اللاذعة، الفاضحة لطبيعة الكائن البشري، أحياناً، خاصة في لحظات انحطاطه، ولؤمه، وممارسته الخسّة، تجاه آخرين، لا ذنب لهم، ولا حول. كلها تجعل من الفيلم مرثية لبطله الأول، تماماً في الوقت ذاته التي تكون هجاء نقدياً لحياة من الخيبات؛ خيباته خيباتنا!..

يعدّ الرجل أيامه الأخيرة، قبيل الدخول في عملية جراحية. لايدري، ولا نحن معه، إن كان سينجو. كلّ ما سنراه هو إعادة اكتشافه لمجريات حياته، على النحو الذي قاد إلى هذه النهايات المؤسية، أقلّها أنها جعلته سائقاً على سيارة «تكسي»، تعاني خرابات مثل جسده المُنهك. وأمرّها أنه بات رهين صاحب السيارة، الذي لن يكفّ عن التلويح بالفواتير، التي سوف تقضي على تعويض نهاية الخدمة، سواء احتاجه للعلاج، أو لشراء كلب!..

الرجل الذي يبدو وحيداً، منقطعاً عن أسلافه، سوف يبدو كمن لا سلالة له، وهو يكتشف ولده، الذي على رغم من أنه يساكنه، ويبدو بين يديه، أنه لا يعرفه. كلُّ ما في الرجل يبدو أنه ذاهب إلى الخواء. لا الولد يعرف القراءة، ولا يلامس روحه، ولا الزوجة التي كانت له، وقد باتت في حضن زوج آخر. وهو كأنما ذاهب إلى حتفه وحيداً، منخوراً، دونما انتظار مواسين، أو معزّين.

الميل إلى الهدوء العامر بالصمت، ضروري، ولازم. ليس ترفاً، ولا بذخاً. والأداء الأنيق لعلي سليمان نابع من روح الحالة، هذه، التي تتلبّس الرجل. رجل النهايات التي تقود إلى البدايات. بدايات اكتشافه ذاته، واكتشافه ولده، واكتشافه آخر صلة مع طليقته، ومع ربّ عمله، ومع جيرانه، ومع بقايا أصدقائه، واكتشافه معنى الحياة والموت، وهو الذي عاش بصفة مقامر محترف، لا يني يتأبّط «طاولة النرد»، كما دفتر أيامه الموشك على تقليب الصفحات الأخيرة منه.

لا أظنّ أن ثمة أيّ ضير في القول إن فيلم «الجمعة الأخيرة» يتّسم بمرجعيات سينمائية، يمكن للعارف بالسينما الاستدلال عليها. البراعة في الفيلم، على ما أظن، كامنة في مقدار تمتّعه بالأصالة الحقيقية، النابعة من قلب الفيلم، لا من استعاراته غير الخافية. فيلم «الجمعة الأخيرة»، لا يخفي الظلال السينمائية التي تفيأ بها، ولا يشعر بالعار منها. إنه يعيد إنضاجها بطريقته الخاصة، في مختبر يحيى العبدالله، العارف ما الذي يريده، وأيّ فيلم سينمائي شاء أن يحمل توقيعه أوّل مرة، فيلماً روائياً طويلاً، بعد جولات له في الفيلم الروائي القصير.

ما كان لفيلم من طراز «الجمعة الأخيرة»، أن يمرّ عابراً في فضاء مهرجان دبي السينمائي الدولي. نال حصته من الجوائز، بعد أن كان قد نال دعماً من صندوق «إنجاز»، ومضى إلى المشاركة في مهرجان برلين السينمائي، ضمن تظاهرة «ملتقى» ضمن فعاليات المهرجان الألماني، ليكون على موعد آخر، مع جمهور مختلف، وليكون أمام امتحان آخر، نؤمن أنه سيخرج مظفّراً بتقدير الجمهور، وعناية النقاد.

المخرج يحيى العبدالله؛ الأردني من أصل فلسطيني، ابن طولكرم، المولود في ليبيا عام 1978، والذي درس السينما في باريس، ومع فيلمه الروائي الطويل الأول؛ «الجمعة الأخيرة»، بإنتاجه، ومشاركة إنتاجية من رولا ناصر، ومجد حجاوي، والهيئة الملكية الأردنية للأفلام، يمنحنا الفرصة كاملة للقول إنه إضافة متميزة للسينما العربية.. انتظرناه منذ سنوات، ولم يخيّب لنا أملاً.

الجزيرة الوثائقية في

16/02/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)