حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"ج . إدغار" لم يذكر مواجهته للمد الشيوعي

المكارثية لا تغيب عن عقل "هوليوود"

محمد رُضا

على الرغم من أن فيلم “ج . إدغار” الذي أنجزه كلينت ايستوود من بطولة ليوناردو دي كابريو عن حياة رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية لأكثر من أربعين سنة، ج . إدغار هور، لم يتطرّق كثيراً إلى دور الرجل في مجابهة “المد الشيوعي” الذي اعتبره المحافظون خطراً كبيراً على الولايات المتحدة في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، إلا أن الموضوع نفسه يستحوذ على الكثير من الاهتمام إلى اليوم . ومع صدور كتاب جديد عن المخرج إيليا كازان بعنوان “زيارة كازان مرّة أخرى”، وإطلاق مجموعة من أعماله في صندوق “دي في دي” جديد، فإن الموضوع لا يزال، بقصد أو من دون قصد، موضوعاً مُثاراً إلى اليوم، ذلك أن المخرج التركي ذا الأصل التركي (مولود في الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول في مدينة اسطنبول سنة 1909) هو أحد كبار الناجين من مذبحة اليمين بالانضمام إلى ذلك اليمين نفسه . وهذا الموقف جلب له المتاعب التي لم تنته بحيازته “أوسكار” قدّمه له المخرج مارتن سكورسيزي عن مجمل أعماله، بل تجددت .

في العام 1952 قامت “لجنة التحقيقات في النشاطات المعادية لأمريكا” بطلب المخرج كازان للإدلاء بشهادته أمامها . في البداية تمنّع مخرج “على الميناء” و”يا زاباتا” و”شرقي عدن” و”وجه في الزحام” في الخمسينات و”رائع فوق الحشائش” و”أمريكا أمريكا” و”التدبير” في الستينات، لكن المنتج داريل زانوك لم يترك له خياراً حسب ما ورد في كتاب كازان عن نفسه، إذ أخبره أنه إذا لم يفعل فإنه لن يستطيع العمل في “هوليوود” . تبعاً لذلك، قام كازان بالإبلاغ عن ثمانية سينمائيين ومسرحيين على أساس أنهم شيوعيون . لم يكن من بين هؤلاء نجم لكنهم، مثل المسرحي موريس كارنوفسكي والكاتب السينمائي والمسرحي كليفورد أوديت، كانوا من عماد الحركة الثقافية في ذلك الحين . لهذا السبب انفض الليبراليون الأمريكيون من حول كازان على أساس أنه خان الثقة وأودى بمهن البعض إلى الدمار .

ولجانب أن آلافاً كثيرة من المثقّفين والأشخاص العاديين تأثّروا بالحملة التي قامت بها المكارثية، فإن السينما لم تتأخر في تناول تلك الفترة على وجهيها، فهي، لدى اليمين،  فترة ضرورية لدحر خطر الاتحادات العمّالية التي “سيطر عليها الشيوعيون” والسينما التي يوظفها الشيوعيون لتغير القيم الأمريكية، ولدى اليسار وسيلة متعددة الغايات وفي مقدّمتها سيطرة اليمين على السينما والثقافة وتحويلهما إلى أداة تخدم الأيديولوجيا .

كازان بنفسه أخرج “على رصيف الميناء” (1954) ضد فساد الاتحادات العمّالية، و”وجه في الزحام” (1957) ضد السُلطة الواقعة بين يدي إعلام يساري . كلا الفيلمين رائع كصناعة، وكلاهما منحاز كموقف، لكن محاولات مجابهة الوضع الناشئ عن ذلك الخوف سبق “على رصيف الميناء” بعامين حينما قام فرد زنمان بتحقيق فيلم عن سيناريو كارل فورمان الذي كان مغضوباً عليه من قِبل المكارثية . الفيلم هو “منتصف الظهر” أو High Noon الذي يتحدّث عن شريف بلدة لا يجد من يساعده في مواجهة الأشرار . على بساطة ذلك التلخيص، اعتبر ذلك وجهة نظر غير أمريكية حيال حقيقة المواطن الأمريكي .

فيلم “وسترن” آخر مهم في هذا الصدد هو “جوني غيتار” لنيكولاس راي حيث مجموعة من الخارجين عن القانون (من دون أن يكونوا أشراراً سيئين) بقيادة جوان كروفورد (يساعدها سترلينغ هايدن الذي كان من بين الذين خشوا السجن فأدلوا بشهادات) واقعين تحت سطوة رجل القانون (وورد بوند) ومجموعة يمينية من أهل البلدة .

قائمة الأفلام تطول، لكن أحد أبرزها في مطلع هذا العقد هو “الفخم” The Majestic الذي قام خلاله الكوميدي جيم كاري بلعب دور كاتب ممنوع من العمل يتحوّل إلى بطل قومي حين يتصدّى لمجموعة مكارثية جديدة . أيضاً في البال فيلم جورج كلوني “تصبحون على خير، وحظ سعيد” الذي صوّر بداية كسر طوق المكارثية من خلال أمريكيين رفضوا تصديق المخاوف التي أطلقتها .

سينما العالم

داميان بشير هل هو ممثل عربي في الأوسكار؟

تعتمد الإجابة عن عدّة معطيات، من بينها إذا ما كان من الصحيح اعتبار ممثل ولد من أب يتكلّم العربية، عربياً، وإذا ما كان هو نفسه يعتبر نفسه عربياً، لكن الحال هو أن أحد الممثلين الخمسة المرشّحين لأوسكار أفضل تمثيل رئيس هو داميان بشير .

هو ابن الممثل اللبناني الأصل إليخاندرو بشير بطرس والممثلة المكسيكية ماريا ناييرا وساعده هذا الجو الفني على شق طريقه ممثلاً فعمد أولاً إلى التمثيل التلفزيوني أولاً، ثم في السينما من العام 1984 وغالباً في أفلام مكسيكية . الفيلم الذي يمنحه فرصة التسابق، بصرف النظر عن احتمالاتها، متمثّلة بفيلم عنوانه “حياة أفضل” حول حدائقي مكسيكي ومعاناة حياته في لوس أنجلوس محاولاً إنقاذ ابنه الشاب من خطر الانضمام إلى عصابة الحي . وحسب صحيفة “لوس أنجلوس تايمز”، فإن بشير يستحوذ على اهتمام أول بين أترابه، وذلك عائد لأن بقية المرشّحين، مثل جورج كلوني وبراد بت، هم معروفون على عكس هذا الممثل المتسلل .

نازيون على سطح القمر

أحد الأفلام التي يعرضها مهرجان “ساوث باي ساوثوست” الذي سينطلق في لوس أنجلوس في التاسع من الشهر المقبل، عنوانه “سماء حديدية” ويدور حول عصبة نازية تستوطن القمر . لجانب أن أحداً يجب ألا ينظر إلى هذا الفيلم كعمل جاد، بل كفيلم كوميدي ساخر بالدرجة الأولى ضمن سينما الخيال العلمي، فإن بطولته تعود لممثل طالما ظهر وبقي اسمه مجهولاً وغير مقرون بملامح الوجه . هذا الممثل هو أدو كير الذي وُلد في ألمانيا قبل 67 سنة وظهر في نحو 130 فيلماً إلى اليوم، أغلبها أوروبي، ولو أن “هوليوود” استعانت به كثيراً من السبعينات من القرن العشرين .

متغيّرات “بورن”

الجزء الرابع من سلسلة “بورن” يختلف عن الأفلام الثلاثة السابقة من حيث إن البطولة انتقلت من مات دايمون إلى جيمس رَنر . كما أن المخرج بول غرينغراس اكتفى من السلسلة فوقف مكانه وراء الكاميرا كاتب الأجزاء جميعها توني غيلمور الذي سبق أن قدّم “مايكل كلايتون” . بالنسبة إلى الممثل رَنر فإنه يكتسب شعبية متواصلة ناتجة عن النجاح الكبير لفيلم “مهمّة: مستحيلة  بروتوكول الشبح” إذ لعب الدور الثاني لجانب توم كروز .

أوراق ومَشاهد

العودة إلى "سايكو"

في حديث سابق قمنا بمراجعة بعض أهم المشاهد التي برزت في فيلم ألفرد هيتشكوك “سايكو” الذي حققه سنة ،1960 كعدد آخر من أفلام المخرج انقسم النقاد حول هذا العمل لحين قبل أن يلحقوه، بعدما نال موافقة النقد الفرنسي، في عداد أفضل أفلام العالم .

ما لم نتوقّف عنده حينها هو أن العمل مأخوذ عن أحداث حقيقية وقعت في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، ووضع المؤلّف روبرت بلوك (الذي أنجز عدداً كبيراً من الروايات البوليسية) كتاباً عنها التقطه كاتب السيناريو جوزف ستيفانو ليحيك منه العمل . لكن هيتشكوك لم يكن يريد نقلاً مباشراً للكتاب .

الأحداث الحقيقية وقعت في بلدة اسمها بلينفيلد في ولاية وسكونسين وبطلها اسمه إد غاين قتل سيّدتين ومثّل بجثّتيهما، كما نبش قبوراً واستخرج عظاماً . المحكمة وجدته مجنوناً نفسياً وحكمت عليه مرّتين (الثانية سنة 1968) بالسجن المؤبد في مستشفى حيث بقي إلى مماته سنة 1984 .

روبرت بلوك كتب أكثر من عشرين رواية طويلة وحسب مصادر مئات القصص البوليسية القصيرة . “سايكو” كانت روايته الأولى التي تحوّلت إلى فيلم وبعدها شهد تحويل ستّة عشر من أعماله إلى الشاشة الكبيرة من بينها “سائر الليل” الذي أخرجه روبرت كاسل مع روبرت تايلور وباربرا ستانويك في البطولة . السينما البريطانية اقتبست له “الجمجمة” الذي أخرجه فريدي فرنسيس من بطولة لبيتر كوشينغ (1965)، ثم عادت إليه في اقتباسات أخرى من بينها “رحلة إلى منتصف الليل” لروي وورد بايكر مع جوان كروفورد وسيباستيان كابوت (1968) .

كثيرون حاولوا إرجاع ألمعية فيلم هيتشكوك لروبرت بلوك، لكن الحقيقة أن المخرج غيّر في الأصل كثيراً ما يجعل تأثير الكاتب في الفيلم شبه معدوم . كذلك حاول البعض إرجاع النجاح لمونتير جورج توماسيني وللموسيقار برنارد هرمان، لكن هذين الجهدين كانا عاملين لإبداع المخرج هيتشكوك .

م .ر

merci4404@earthlink.net

الخليج الإماراتية في

12/02/2012

 

مقاربة الشخصيّ وتبدّلات بلد ومجتمع

"أبي ما زال شيوعياً..." لأحمد غصين

نديم جرجوره 

لم يكن "أبي ما زال شيوعياً، أسرار حميمة للجميع" (يُشارك في برنامج "فوروم إكسباندت" في الدورة الـ62 لـ"مهرجان برلين السينمائي" في شباط/ فبراير 2012)، الفيلم الأول للّبناني أحمد غصين الذي عكس حرفية اشتغال جمالي واضح المعالم، في المقاربة الشخصية أحوال بلد وأفراد. لم يكن البداية الإبداعية المحترفة، لأن أفلاماً عدّة سابقة كشفت مزيجاً حقيقياً بين حساسية المواضيع المختارة وبراعة الإخراج في نقل المضامين إلى صُوَر سينمائية صادمة: من "عملية رقم..." (2003) إلى "عربي قادم إلى المدينة" (2008) وما بينهما من عناوين متفرّقة، قدّم غصين (31 عاماً) اختبارات بصرية متفرّقة، بدت محاولة حثيثة لتفعيل العلاقة البديعة بين الصورة والواقع. صحيحٌ أن المعادلة القائمة بين الشكل والمضمون لم تستوف شرطها الإبداعي دائماً، لكن بعض الأفلام شكّلت محطّات متواضعة في مسار تصاعديّ، بلغ مرتبة شفّافة من المقاربة الحادّة ذاكرة فردية مفتوحة على فعل جماعي، في فيلمه الأخير هذا. فبعد "عملية رقم..." (جائزة أفضل مخرج في فئة الأفلام الروائية القصيرة في دورة العام 2003 لـ"مهرجان بيروت السينمائي")، الذي تناول فيه يوميات مقاومين لبنانيين ضد الاحتلال الإسرائيلي، انتقل إلى تفاصيل الداخل اللبناني في "210 م." (المسافة الفاصلة بين منطقتين متقاتلتين أثناء الحرب الأهلية)، إلى أحوال الهجرة العربية إلى الغرب بعد جريمة الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2011، في "عربي قادم إلى المدينة" (2008)، ثم إلى البنية الإبداعية للصورة البصرية من خلال المخرجين اللبنانيين محمد سويد وغسان سلهب، في "الذي يُشبهني يكون مثلي" (2010)،. فيلمه الأخير أحد أكثر أفلامه "حميمية" وقسوة ذاتية وسجالاً عنيفاً على المستويين الخاصّ (علاقة المخرج بذاته وبوالديه وبالبيئة العامّة التي أحاطت به طفلاً صغيراً)، والعام (سؤال العلاقة هذه، بالإضافة إلى أسئلة الحرب والذاكرة والتحوّلات المختلفة التي أصابت العائلة وأفرادها أولاً، والبلد والناس وأحوالهما ثانياً).

إثر عثوره على أرشيف عائلي حميم للغاية، متمثّل بأشرطة كاسيت سُجِّلت عليها حوارات من طرف واحد هو الأم، على مدى أعوام طويلة أمضاها الأب الشيوعي اليساري عاملاً في المملكة العربية السعودية، قرّر أحمد غصين مواجهة الماضي عبر الـ"مونولوغ" الطويل والقديم للأم، بحثاً في الذاكرة عن تمزّقاتها، وبحثاً عن الأب في الذاكرة هذه أيضاً. غير أن الانخراط المطلق في عمق الصدام الخفيّ بين المخرج نفسه وذاته أولاً، وبينه وبين الأم والأب (معاً، أو كل واحد على حدة) ثانياً، وبينه وبين العلاقة بين والديه ثالثاً، جعل "أبي ما زال شيوعياً..." أحد أجمل الأفلام الذاتية، الذاهبة بحبكتها إلى التخوم القصوى لأسئلة معلّقة، متعلّقة بالمخزون الإنساني الغنيّ بالتباسات وغموض وشعور بالوحدة بسبب غياب الأب. الانخراط هذا بدا شهادة ذاتية حادّة، جعلها غصين مدخلاً إلى التطهّر الذاتيّ من قسوة الماضي، كما إلى المصالحة مع الذات إزاء الماضي وأسئلته المعلّقة.

"المصالحة مع الذات. تصفية الحسابات. البحث عن معنى غياب الأب. هذا كلّه يُمكن أن يصحّ كأسباب دافعة إلى إنجاز الفيلم"، كما قال أحمد غصين: "أُضيف إليها ما يُشبه الرغبة في حلّ معضلة خاصّة بالذاكرة. بالنسبة إليّ، لم يكن أبي موجوداً دائماً. غير أن فكرة إنجاز الفيلم نشأت عند عثوري على الأرشيف المتمثّل بأشرطة الكاسيت، المتبادلة بين والديّ أثناء غربة أبي في السعودية. لا أعتقد أني كنتُ سأنفّذ مشروعاً كهذا لو لم أحصل على الأرشيف. ليس سهلاً تحقيق فيلم عن الأب أو عن الأم. المادة الموجودة حرّضتني على هذا. أردت مقاربة موضوع شخصي كهذا بالتعاطي معه على أنه موضوع غير شخصي أيضاً. لهذا، تناولت العلاقة بين الوالدين وتغييراتها، بالتوازي مع العلاقات السياسية والاجتماعية والحياتية الحاصلة في فترة الثمانينيات (زمن تبادل الأشرطة) تحديداً، وتبدّلاتها أيضاً"، أي خلال الفترة الممتدة بين عشرة أعوام وخمسة عشر عاماً: "هذه فترة كافية لحدوث تبدّلات على المستويات كافة. هذا أعانني على موازنة الذاتيّ بالعام. كانت هناك حرب واجتياح وأحوال اقتصادية وحياتية تبدّلت هي أيضاً في الفترة هذه".

في الإطار نفسه، أوضح غصين أنه أراد، منذ البداية، إنجاز فيلم عن العلاقة (والتغييرات التي طالتها) بين الأب المهاجر من أجل العمل، والأم الوحيدة مع أولادها الثلاثة من خلال التسجيلات الصوتية. لكن "أبي ما زال شيوعياً..." لم يقف عند حدود الذات وحدها، وإن امتدّ إلى العام: "هناك ذاكرة خاصّة بشباب ينتمون إلى جيل عاش ونما من دون أب. عاش ونما في كنف الأم فقط، في ظلّ غياب الأب. مع هذا، الأب موجود في جزء كبير من الفيلم. الأم موجودة طبعاً. لكن غياب الأب عنصر كبير وأساسي في الفيلم. "غياب الأب" بكل ما تعنيه الكلمة من معان أو رموز. لهذا، اخترتُ أن يظهر في الصُوَر الفوتوغرافية بالطريقة التي ظهر فيها داخل الفيلم. أي أني "تلاعبت" بالصُوَر الفوتوغرافية بإدخالي صورة الأب عليها، في الأمكنة التي يُفترض به أن يكون فيها، لكنه لم يكن فيها. أي أني أدخلته في الصُوَر الفوتوغرافية ليملأ الفراغات التي خلّفتها هجرته إلى السعودية".

إذا شكّلت التسجيلات الصوتية نواة جوهرية لـ"أبي ما زال شيوعياً..."، بهدف استعادة الماضي للتطهّر الذاتي من أسئلته المعلّقة حول الأب وغيابه، والأم وحضورها، والبلد وحروبه وتبدّلاته، فإن الصُوَر الفوتوغرافية أكملت النواة، أو بدت امتداداً طبيعياً لها: التسجيلات الصوتية أداة حوار بين أم حاضرة وأب غائب، والصُوَر الفوتوغرافية أداة استعادة لأب حاضر فيها بعد تأخّر طويل: "هذا نقاش طويل: إعادة تشكيل الذاكرة، أو إعادة ترميمها. هناك مسألة أخرى أيضاً: أعتبر أني قادرٌ على أن ألعب بالذاكرة. لديّ، كأفراد جيلي، قدرة أكبر من الجيل السابق لنا، على اللعب، أو على مقاربة الذاكرة والأشياء والتفاصيل من زوايا عدّة، على خلاف الجيل السابق لنا. أتخيّل الأمر على النحو التالي: نحن عشنا الحرب. هذا صحيح. لكن وطأتها علينا مختلفة تماماً عن وطأتها على الجيل السابق لنا. هذا ما سمح لي باللعب". أما بالنسبة إلى عنوان الفيلم، فهو جزء من حكاية اشتغاله: "الأمر واضح: "أبي ما زال شيوعياً" جزءٌ متعلّق بأبي. "أسرار حميمة" جزءٌ مرتبطٌ جداً بأمي. التسجيلات الصوتية خاصّة بها. بدأ الفيلم بما أراه في أبي: البطل. المناضل. المهاجر. هذا الجانب انتهى بغياب الأب. تسليط الضوء على جيل عاش أبناؤه في كنف الأم لوحدها. الكاسيتات مُرسلة إليه، وفيها أشياء حميمة جداً. أعود إلى الأب: إنه ما يزال شيوعياً. اليساري المنتمي إلى الحزب الشيوعي ترك لامرأته الحرية الكاملة بالنسبة إلى العلاقة بالأولاد. أسرارها مُرسلة إليه من قِبلها بشكل حميم. جئتُ أنا لأضعها أمام الجميع. هذا أثار نقاشاً طويلاً حول كيفية تناولي الأسرار تلك. حول المسافة التي أخلقها بيني كمخرج وبين المادة وناسها. أنا كمخرج لديّ هاجس إنجاز فيلم مرتكز على الأسرار الحميمة تلك.  لديّ هاجس إنجاز فيلم يتناول تاريخاً شخصياً أيضاً. حاولت، للأسباب هذه، ألاّ أتورّط كثيراً. في الوقت نفسه، هناك حساسية فائقة أمام أرشيف بات بين يديّ، كشف لي غياب الأب أكثر فأكثر. أقول غياب الأب، ولا أقصد غياب وجه شرير، بل غياباًَ مرتبطاً بهجرة الأب للعمل. كيف أتعاطى مع الأب؟ لعلّي ظلمته في الفيلم. لكنّي لم أظلمه. الصورة أنصفته".

إلى ذلك، أكّد أحمد غصين أنه لم يكترث بما آلت إليه أحوال والديه. أو بما صارا عليه الآن: "لم أكن مهتمّاً بهذا، بل بالأرشيف والذاكرة فقط. أنا تحكّمت بالأرشيف، ولم أدعه يأخذني إلى أمكنة لا أريدها. لهذا، اخترتُ تصوير المشاهد في منزل الباطون فيه واضح المعالم، كأنه يُبنى الآن. دائماً هناك باطون. مع هذا، أعترف لك أني كنتُ خائفاً إزاء هامش اللعب، على الرغم من أن هامش اللعب بذاكرة كهذه كبير. هذا ما حاول الفيلم أن يقوله. ولهذا، تلاعبت بالصُورة الفوتوغرافية. البعض اعتبر الأمر تسلية. هناك من رآه مؤذ. غير أن هذا ما أردته منذ البداية".

السفير اللبنانية في

12/02/2012

 

"الصرخة" فيلم روائي قصير تجربة فنية لافتة ومخرج يستحق الاهتمام

تقدمها: خيرية البشلاوى 

أحمد حسونة مخرج أفلام روائية قصيرة وتسجيلية وقد رأيت مؤخراً فيلمه "الصرخة" الذي عرضه مركز الإبداع في الأوبرا ضمن برنامج جمعية نقاد السينما المصريين. وأدار الندوة بعد انتهاء العرض في حضور المخرج. الناقد محسن ويفي.

وقد لاحظت من خلال تعليقات الجمهور اختلاف مفاتيح الدخول إلي العالم الغامض والغريب الذي نجح المخرج في جذبنا إليه.

وعلي أي حال يتميز الفيلم بأجوائه ولغته السينمائية وتشكيلاته التي تنطوي علي مضامين تعكس معاني تبدو غامضة وحالات شعورية ونفسية مركبة.

بردية فرعونية

يضعنا الفيلم أمام تفسير أو محاولة ذاتية للكشف عن أسرار بردية فرعونية يحتفظ بها عالم آثار داخل منزله الريفي المعزول حيث يقيم مع زوجته -حسناء- وهي نفسها ابنة عالم آثار رحل منذ سنوات.
وتتضمن البردية معلومات عن طقوس سرية لو تمت ممارستها يمكن أن يصير الإنسان سيد أقداره ويتحرر من قيوده ويمتلك مصيره ويصبح هو نفسه الوجود كله "!!"

وهذا ما سوف يحاول تجريبه عالم الآثار "قدري" علي الشاب الغريب الذي يتم اصطياده واستضافته ثم تنويمه وإخضاعه لشعائر وطقوس تسلبه إرادته.. ويبدو أن هناك صفقة بين الزوج وبين الزوجة لو نجحت التجربة. ففي هذا الحالة يوقع لها علي عقد بيع المنزل الذي كان قد استولي عليه.

الغموض السلبي

الموضوع الذي انجذب إليه المخرج يتسم بالغموض فعلاً. والتساؤلات حوله قد لا تجد إجابة والتفسير الذي اجتهدت شخصياً في تقديمه هنا قد يبدو للبعض غير مقبول. ولكن الفيلم يفتح الباب لتأويلات كثيرة وفي النهاية أجده تجربة لافتة وإن كانت أقل جاذبية بالنسبة للمتفرج عن فيلمه "مربع داير" وهو أيضاً روائي قصير. وقد أتناوله في مناسبة أخري.

بطل الفيلم مؤلف روائي -وحيد مراد- انفصل عن زوجته وقرر أن يترك منزل الزوجية ويخرج في رحلة إلي المجهول.. وهو بصدد تأليف رواية عن "شاب كان يشعر بذنب كبير إزاء والده الذي استولي علي أمواله وتركه علي حافة الإفلاس. وكان يحاول أن يجد تبريرا لما فعله حتي يخرج من الكوابيس التي تحيل ليله إلي جحيم" والمؤلف لم يكمل الرواية علي ما يبدو فهو إذن شاب مأزوم. ويعيش هو نفسه جحيمه الخاص. وهو أيضاً شخصية ليست عادية قذفت بها المقادير إلي بيت عالم الآثار الذي يعاني بدوره من سجنه الخاص وكذلك الزوجة حسناء التي تستقبل الشاب وكأنها تتوقع قدومه. فكما نفهم من السياق السردي أنها اعتادت استقبال عابري الطريق بعد أن تتعطل بهم السيارة. وهي تعرف امكانية إصلاحها وكأن الأمر مدبر. وفيما يبدو أن التجربة التي خضع لها -وحيد- في هذا البيت تعرض لها غيره ولم تنجح. ففهم ذلك من حوار "حسناء" مع زوجها.

الشخصيات الثلاث الرئيسية في الفيلم شخصيات تبحث عن خلاص. وكلها شخصيات "مُبدعة" بشكل أو آخر. وأحدهما عالم الآثار محبوس في مقعده بعد إصابته في رحلة البحث عن "كتاب النجوم" الفرعوني وزوجته التي تزوجته قسرا. وحيدة ومحبوسة بدورها ومسلوبة الإرادة في علاقة مشوهة مع زوج تكرهه. يمتهن إنسانيته!

هؤلاء الثلاثة داخل هذا المنزل المعزول ينسجون عالما غريبا من الأوهام والغموض والشعائر والسلوك الملغز. فضلاً عن مظاهر تنبيء بأشياء غامضة.. وحقيقة الأمر أن الفيلم ينتهي دون أن يتمكن المتلقي من الإمساك بتفسير محدد أو فهم يبدد الغموض. فالفيلم يستعير خيوطا من نوعية فيلم الرعب. ومن أفلام الجريمة. ومن الخيال العلمي الغارق في الشطط. ومن الفلسفة المادية عن قدرة الإنسان علي التخلص من الآلهة والإمساك بمصيره وأشياء أخري.

وعلي الرغم من هذا الغموض المربك الذي يضع عراقيل أمام عملية التلقي إلا أن التجربة شيقة وتستحق الالتفات. وبالذات إلي اللغة السينمائية التي عالج بها المخرج حبكة الفيلم.

كذلك يلفت النظر أداء الممثلة هبة عبدالغني التي تبدو موهوبة وقادرة علي توظيف لغة الجسد وملامح الوجه وحركة الأصابع أثناء التدخين وطريقة صعودها السلالم وهو أداء يؤكد أن وراء هذه الممثلة المبتدئة مخرج صاحب خيال وقدرة علي استخدام أدواته.. كذلك أداء الممثل بطرس غالي المقنع.. خلق المخرج مساحات درامية مشوقة وقام بتوظيف جيد ل"السخرية الدرامية".

عند التمهيد إلي ما سوف ينتظر هذا الغريب وهو يتغزل في المشهد الطبيعي الذي تطل عليه الحجرة التي سيقيم فيها. وفي البردية المعلقة علي أحد جدرانها وكلها مؤشرات لمصير سييء لا يتوقعه.

فالمخرج يتميز بقدرة علي خلق عالم خاص واستخدام مبدع لعنصر الإضاءة وهو في ذلك يستعيد تكنيك الفيلم الأسود "Film noir" وهو نوعية من الأفلام شاعت في الأربعينيات والخمسينيات وتعتمد علي لغة الإضاءة والاستخدام الموظف دراميا لمناطق الضوء والعتمة ثم التنويعات المرتبطة بذلك بما يتسق مع موضوع الفيلم ومع التأثير المطلوب منه.

واللافت أن للمخرج غراماً بهذه النوعية من الموضوعات "السوداء" تجدها في فيلم "مربع داير" وهو من أفلام الجريمة. ويتسم بالتشويق وبالإثارة واكتشاف مناطق سيكولوجية غير مألوفة.

المساء المصرية في

12/02/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)