حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

آنغلوبولوس:

الأبدية تقتحم نظرة أوليس المدهشة

كتب ابراهيم العريس

النهايات في أفلام ثيو آنغلوبوليس (مات أول من أمس عن 76 عاما) كانت دائماً مفتوحة، كما كانت نهايات مصيرية في الوقت نفسه. وكان هو واحداً من الذين عرفوا في السينما كيف يربطون المصير المغلق بالنهاية المفتوحة على الأبدية. من هنا لم يكن غريباً أن يحمل واحد من أجمل أفلامه عنوان «نظرة أوليس» ويحمل آخر عنوان «الأبدية ويوم واحد». ولكن، لماذا نستخدم في الحديث عن مؤسس السينما اليونانية الجديدة وأحد كبار الكبار بين فناني أوروبا صيغة «كان»؟

ببساطة لأن سائق دراجة نارية أرعن لا يملك لا نظرة أوليس ولا حس الأبدية المدهش، وضع حداً لحياة كانت الأغنى طوال العقود الأخيرة... لحياة شبه صامتة في تفرسها في الزمان والمكان، لكنها غزيرة الكلام في «حكيها» البصري عنهما. فطوال ثلث قرن تقريباً كانت سينما آنغلوبولس تكاد وحدها أن تكون تاريخ اليونان وتشعّب تضاريسه... نشيده ومأساته... انكساره والمقاومة... الحقيقية أعني. أي تلك التي تقولها لغة السينما وتتلقفها لغة الحياة.

أول من أمس، إذاً، انتهت حياة هذا الفنان الكبير الذي لم يمنعه شكله «الصيدلانيّ» من أن يكون في جوهره سينمائياً من النوع النادر... والمقلّ كذلك. ولئن كانت سينما آنغلوبولوس تشكّل الشاهد الأكبر على تاريخ اليونان الحديث، من زمن الحرب إلى زمن المقاومة والدكتاتورية العسكرية والديموقراطية المزيفة (وأفكر هنا بأفلام مثل «اسكندر الكبير» و «رحلة الممثلين» و «أيام 36»، وصولاً إلى «مربي النحل» و «خطوة البجعة المعلقة»، مروراً بثلاثية تاريخ اليونان «اليني» وقبل أن نشاهد أخيره «البحر الآخر»)، فإن البعد الأعمق في شخصيته كما في سينماه كان في تلك النظرة التي حمّلها لشخصياته الأساسية. ولعلّ رمزها الأعمق تمثل في عنوان فيلمه الأشهر «نظرة أوليس»... ينظرها ممثله الرئيسي هارفي كايتل وهو واقف فوق سطح المركب العائد به من رحلة البحث عن أول الأفلام اليونانية... الفيلم الذي كان تحول أسطورة، وعبره كانت مساهمة آنغلوبولوس في مئوية تاريخ السينما، كما عبر عنها مارتشيلو ماستروياني في «القفزة» الأخيرة في «خطوة البجعة المعلقة».

ولكن، لأن هذا المخرج الكبير الراحل وهو بعد في عزّ عطائه وعمره، كان الامتزاج لديه كلياً بين حياته وسينماه وتاريخ السينما وتاريخ بلاده، يكاد يكفينا أن نتذكر اليوم منه شخصياً نظرته أثناء تسلّمه «السعفة الذهبية» في مهرجان كان عن رائعته «الأبدية ويوم واحد». يومها حين اعتلى الخشبة ليتلقى الجائزة حدث أن قفز إلى الخشبة نفسها زميله الإيطالي روبرتو بينينيي ليتلقى هو الآخر جائزة النقاد. ولكن، إذ وقف اليوناني جامداً يعبر بنظرته المكان كله والحاضرين جميعاً وتاريخ بلاده بأسره، راح الإيطالي يقفز كالقرد ضاحكاً صاخباً في مشهد استثنائي.

كان من الواضح أن المهرج الإيطالي سرق المشهد كله من المبدع اليوناني... غير أن هذا الأخير لم يبالِ بل راح ينظر إلى زميله مبتسماً مثل طفل يدهشه ما يدور حوله، لكنه يكتفي بالتحديق من دون حراك، كأنه أوليس يحدق ويحدق مكثفاً ما يجري، مفكراً كيف يمكنه توظيف ذلك في فيلم مقبل.

الحياة اللندية في

26/01/2012

 

«لاتالانت» لجان فيغو:

بعيداً من المدينة وقسوتها...

إبراهيم العريس 

يُعتبر جان فيغو الفرنسي حالاً خاصة في تاريخ السينما في بلاده، وربما في تاريخ السينما العالمية ايضاً، فهو صاحب فيلمين على الأقل يعتبران علامات في مسار الفن السابع خلال النصف الأول من ثلاثينات القرن الفائت. هذان الفيلمان كان من شأنهما أن جعلا صاحبهما واحداً من كبار معلمي هذا الفن... لكن ما حدث هو ان جان فيغو مات وهو بعدُ في التاسعة والعشرين من عمره، ما قطع رحلته في الحياة وفي السينما قبل ان يكتمل وصوله الى ما يشبه الأسطورة، جاعلاً من أفلامه القليلة جزءاً أساسياً من البناء التأسيسي للسينما الوثائقية من ناحية، وللسينما الروائية من ناحية ثانية. وفي مجال هذا النوع الأخير، يقف فيلمه الوحيد «لاتالانت» دليلاً على أن ذلك السينمائي الشاب والموهوب كان يمكنه ان يكمل الطريق ليكون بالنسبة الى السينما الفرنسية ما كانه -مثلاً- إريك فون شتروهايم بالنسبة الى السينما العالمية: مخرج القلق والقسوة والعواطف الملتهبة، حتى وإن كان فيغو قد عرف شخصياً بالطيبة والابتعاد عن الأحقاد وشتى ضروب الكراهية.

> ومهما كان من أمر، فإن تاريخ السينما تعامل مع حياة جان فيغو على قصرها، كما تعامل مع سينماه، بصفتهما شيئاً يخرج عن العادية، فجان فيغو هو اصلاً ابن صحافي اشتراكي يدعى آلميدا، تورط خلال عبور ابنه سن المراهقة في الكثير من القضايا، ما انتهى به إلى أنه سجن في نهاية الأمر ثم مات في السجن... ومن البديهي أن نذكر ها هنا أن الابن تأثّر تأثراً كبيراً بما حدث لأبيه... بل تأثّر الى درجة ان المرض الذي أصابه وهو في السادسة والعشرين وسيقضي عليه بعد ذلك بثلاث سنوات، اعتبر نتيجة لمأساة الأب.

> لكن الغريب في الأمر، أن المرء لا يمكنه ان يعثر، في أفلام جان فيغو، سواء أكانت قصيرة او طويلة، على آثار واضحة لتأثره بمأساة أبيه، حتى وإن كان في إمكان هذا المرء ان يعثر في الأفلام هذه على آثار تلك المرحلة الانتقالية الصاخبة والعنيفة التي كانتها في فرنسا وفي أوروبا عموماً، تلك الحقبة من الزمن.

> وإذا كان «صفر في السلوك» (1992) و «بصدد نيس» قبل ذلك يعتبران عادة الفيلمين اللذين صنعا مكانة جان فيغو وشهرته، فإن فيلمه الروائي «لاتالانت»، والذي اكتشف ورمّم في وقت متأخر، يعتبر ملحمته السينمائية الحقيقية. ويقيناً ان هذا الفيلم كان هو ما فكّر فيه فرانسوا تروفو، أحد كبار مخرجي الموجة الفرنسية، حين قال عن جان فيغو ذات يوم: «إذا ما انكببنا على تحليل السينما الفرنسية كما بدت عند بداية السينما الناطقة، سنجد ان جان فيغو كان بين العام 1930 والعام 1940، الوحيد الى جانب الإنساني جان رينوار، والرؤيوي آبيل غانس، الذي يمكن اعتباره سينمائياً كبيراً». إذ حتى ولو كان «بصدد نيس» الذي يلقي نظرة قاسية ومن دون تنازلات على مدينة الأثرياء الفرنسيين، فيلماً كبيراً، وحتى ولو كان «صفر في السلوك» متميزاً بسخريته الحادة، فإن «لاتالانت» ذا الموضوع الأبسط والأسلس، يظل العمل الذي يمكن النظر الى موهبة جان فيغو الحقيقية من خلاله.

> و«لاتالانت» في الفيلم هو اسم مركب نهري، يمخر به عروسان -تزوجا حديثاً في قرية فرنسية صغيرة-، عباب الماء في شهر عسلهما. وهذان العروسان هما جولييت ابنة المزارعين وجان البحار. وهذان العروسان يصعدان الى المركب فور انتهاء حفلة الزفاف ليتجولا به، تبعاً لقواعد وضعتها شركة الملاحة التي تملكه مسبقاً. أما طاقم المركب، فإنه يتألف من مساعد بحار، ومن بحار عجوز قاس، هو الأب جول الذي يعيش معظم وقته في قمرته وسط قططه والموسيقى التي لا يتوقف عن سماعها في ظل فوضى شديدة تطبع حياته وشخصيته وقمرته أيضاً. أما جولييت، فإنها كما تقدّم لنا منذ البداية فتاة رومانطيقية لا تحلم الا بالعيش في باريس ويكاد لا يهمها شيء في الوجود، باستثناء زينتها الخاصة. ومن هنا، لم يكن غريباً عليها ان تبهر بشخصية الأب جول وطريقته في العيش. والحال ان الرحلة تمضي بهؤلاء جميعاً طوال ايام، حتى يصل المركب بهم الى مشارف باريس... وتبدو هنا جولييت كالمسحورة تماماً. ولاحقاً حين يصطحبها زوجها الى ملهى للترفيه عنها، تستسلم على الفور لنظرات شخص تجد فيها تجسيداً لحلمها الرومانطيقي. وحين يحاول زوجها، اذ يلاحظ ما يحدث ويغتاظ من جرأته، ان يختصر المشوار ويعود بعروسه الى المركب، ترفض العروس العودة كليا... قائلة إنها إذ وصلت الى العاصمة، باتت تفضل ان تعيش حياتها كما يحلو لها. ويسقط في يد جان حين تهرب زوجته ويشتم الساعة التي زار فيها المدينة.

> وتمضي الأيام، وإذا بفصل الشتاء يزداد قسوة، وخصوصاً على جولييت التي ما ان تفيق من حلمها المتعلق بالعيش في المدينة متخلية عن كل شيء في سبيل ذلك العيش، حتى تجد نفسها خاوية الوفاض، من دون عمل ومن دون حماية، ضائعة بين امثالها من الخائبين العاطلين عن العمل، بل إن الامور تزداد سوءاً حين يحاول لص أن يسرق لها محفظتها التي تحمل فيها كل ما تبقى لها.

> في تلك الأثناء، يعود بنا الفيلم الى سطح المركب حيث ثمة قلق وحزن حلاّ محل شهر العسل... وها هو العريس المتعثّر الحظ جان قلق عاجز عن النوم في الوقت الذي تهدده فيه شركة الملاحة بسحب المركب منه... وأمام هذه الأوضاع البائسة، يقرر الأب جول أن يذهب بنفسه الى حيث يمكنه العثور على جولييت واستعادتها. وهناك في مخزن لبيع الأسطوانات ينتهي به الأمر الى العثور عليها، وهي غارقة في الاستماع إلى أغاني البحارة. وعلى رغم تمنّع الفتاة المبدئي، يحملها الاب جول فوق كتفيه عنوة تقريباً، عائداً بها الى جان الذي كان لا يزال ينتظرها بحب وشوق. وهكذا إذ يجتمع العروسان بعد ذلك الفراق الذي تسسببت فيه رعونة الفتاة ويتصافيان ويتصالحان، ينطلق المركب من جديد باحثاً عن آفاق اخرى... بعيداً من قسوة المدينة.

> لقد صور جان فيغو فيلمه هذا وسط فصل الخريف، من أجل الحصول على التأثيرات الدرامية التي كان أصلاً يسعى الى الحصول عليها. وهو -أي فيغو- كان المرض في ذلك الحين قد اشتد عليه (ونعرف أنه مات بداء السل ما أن انتهى من تصوير المشاهد الأخيرة للفيلم). وعن هذا الفيلم يقول الناقد الفرنسي كلود بيلي: «ان «لاتالانت» يبدأ على شكل مهزلة ريفية مضحكة، لكنه ينتهي على شكل قصيدة حب استثنائية، بعد جولة على بعض اجمل الاغاني الشعبية في الحقبة التي يصورها...»، اما من ناحية الاسلوب، فإن الفيلم يتأرجح، ولا سيما خلال النصف الثاني منه، بين أجواء الخيال السوريالي، وعوالم التوثيق الاجتماعي (مثلاً، كما يقول بيلي، من خلال مشهد العاطلين عن العمل امام مصنع مقفل).

> جان فيغو (1905-1934) لم يعش على اي حال حتى يشهد الاستقبال الجيد الذي خص به كبار النقاد هذا الفيلم. وحسنا فعل (!)، لأنه لو عاش لكان من شأنه ايضاً ان يرى كيف ان الفيلم حقق في عروضه الأولى إخفاقاً كبيراً في أوساط الجمهور... ما أدى الى غيابه عن الشاشات طوال سنوات عدة، عاد بعدها ليعرض باسمه الجديد والنهائي «لاتالانت» بعد ان كان اسمه أول الامر «المركب العابر». أما اليوم، فإن «لاتالانت» يُعتبر من كلاسيكيات السينما الفرنسية، والدور الذي لعبه ميشال سيمون فيه (دور الاب جول)، يعتبر واحداً من أروع أدواره على الإطلاق.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندية في

26/01/2012

 

فيلم « تينكر تايلر سولدجير سباي » لتوماس ألفردسون المأخوذ عن رواية لوكاريه

لا جاسوسية تعلو على جاسوسية الحرب الباردة

زياد عبدالله - دبي 

عند مشاهدة فيلم Tinker Tailor Soldier Spy «تينكر تايلر سولدجير سباي»، المعروض حالياً في دور العرض المحلية، هناك ما يدفع أولاً للاعتراف بأن مرحلة الحرب الباردة هي المرحلة الذهبية للجاسوسية، ومهما حاولت السينما الأميركية والإنجليزية الانتقال إلى مراحل أخرى، فإن تلك المرحلة تبقى الأصل، ولا نعرف إن كان ذلك على اتصال بالحنين، أم أن المرحلة التي تلت الحرب العالمية وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفييتي هي التي وُجد فيها مصطلح «الجاسوسية» في أعتى تجلياته، وكانت الحرب الباردة باردة لأنها استخباراتية أولاً على اتصال بسباق تسلح، ومناطق ساخنة تختبر فيها برودة تلك الحرب.

لا حاجة لمن يعرف أدب جون لوكاريه الجاسوسي لكثير تدقيق لأن يكتشف، ومن المشهد الأول، أن الفيلم مأخوذ من إحدى رواياته، كما أن الأجواء التي يمضي خلفها الفيلم غير معنية بأية مطاردات وتبادل إطلاق نار، وما إلى هنالك مما اعتادت عليه الأفلام أن تتحلى به في أيامنا هذه، ولعل استخدام توصيف «أيامنا هذه» يشير ربما إلى أن «تينكر تايلر سولدجير سباي» لا ينتمي لهذه الأيام، وهذا صحيح فنياً وليس لأن أحداثه تدور في سبعينات القرن الماضي، لا بل إن الإضاءة الخفيفة في الفيلم، والأجواء المصاغة بما يناهض العالم الرقمي الذي نحن فيه، ومعها عناصر كثيرة أخرى ستمنحنا شعوراً بأننا حيال فيلم مصاغ ايضاً كما لو أنه من انتاج السبعينات، وصولاً إلى أنني أتوقع بأن المشاهدين لن يتفاعلوا كثيراً مع هكذا فيلم، خصوصاً أنه يراهن على انعطافات درامية غير حادة، وإيقاع بطيء يراهن على الشخصيات وخصوصية كل واحدة منها، بالتناغم مع نقل الجاسوسية إلى مستويات تطال الإنساني، وتعرية مفاهيم يأتي على رأسها مفهوم الخيانة.

بالعودة إلى أدب لوكاريه فإن الإضاءة عليه ستكون بمثابة إضاءة على ما حمله الفيلم الوفي تماماً للعالم الروائي الخاص الذي خرج به ذلك الكاتب الانجليزي من عمله، هو نفسه جاسوس في جهاز المخابرات البريطانية «إم آي 16» وتعرضه لخديعة من قبل عميل مزدوج كان مزروعاً في ذلك الجهاز الاستخباراتي، ولتكون رواياته على الدوام على اتصال بالخيانة والحب والعواطف الإنسانية التي تعتري الجواسيس والعملاء المزدوجين، على شيء من المآسي التي تمضي جنباً إلى جنب مع عوالم غامضة لا يمكن لأحد أن يصورها كما فعل لوكاريه. لكن في رواياته الأخيرة فإنه انتقل وتكيف مع المتغيرات، فلم تعد الحرب الباردة واردة، والحديث الآن عن «الحرب على الإرهاب»، أو المضي خلف الكوارث التي تسببها شركات الأدوية في افريقيا، كما في روايته «البستاني المخلص»، التي قدمها رالف فينس في فيلم رائع من بطولة رالف فينس وراشيل وايز.

يبدأ فيلم «تينكر تايلر سولدجير سباي» الذي أخرجه توماس ألفردسون مع عملية تجري في بودابست، يقوم بها جيم (مارك سترونغ) بعد ان يخبره كونترول (جون هارت) بأن عليه اكتشاف عميل مزدوج مزروع في جهاز الاستخبارات البريطانية، وعليه مقابلة جنرال هناك، وهذا ما يحصل، لكن سرعان ما تفشل المهمة ويبدو الأمر مكيدة، إذ يقتل جيم.

مع هذا الحدث سيتضح تماماً الفيلم من جهة الأسلوب الذي يسعى إلى تقديمه، إنه معني بتقديم مشاهد ولقطات تتخذ من الحالات الإنسانية معبراً لخصوصيتها بمعنى أن جلوس جيم أمام الجنرال الهنغاري، والطريقة التي يتبادلان بها الحديث، وموسيقى الجاز التي تأتي إليهما من حانة قريبة، وبكاء طفل في أحضان أم تجلس إلى طاولة قريبة، مروراً بالنادل المتعرق الذي تسقط من جبهته قطرة عرق على الطاولة وهو يقدم لجيم والجنرال القهوة، ومن ثم إقدام النادل نفسه على إطلاق النار على جيم وهو يغادر، وذلك بطلقتين، الأولى لا تصيبه بل تصيب الأم، بينما تستقر الثانية في ظهره.

هذا الأسلوب ما سيأسرني في هذا الفيلم، وأعتقد أن المشاهد سيجد صعوبة في تجميع الخيوط الكثيرة التي يرويها الفيلم، وقد عانيت منها كونها ستكون متشعبة ومتداخلة تسعى أن تكون وفية لرواية لوكاريه ولعبه بالزمن بتقديمه وتأخيره والتنقل من دون مقدمات بين الماضي والحاضر والمستقبل، لكنها لن تمنع من تتبع غاري أولدمان (من المرشجين لأوسكار 2012 عن دوره هذا) وهو يجسد شخصية سمايلي، والكيفية التي سيترافق فيها مسعاه لأن يكتشف العملاء المزدوجين بينما يستعيد خيانة زوجته، كما سنراه حين يتم من باب التندر ترديد النشيد الأممي في حفلة لأفراد الـ«إم آي 16» بينما ينظر من النافذة ليرى زوجته في أحضان زميل له هو سولدجر (كولين فيرث).

يحمل الفيلم الكثير من القصص، التي ستنتهي باكتشاف المتعاميلن مع الـ«كي جي بي»، وتحديداً كارلا الشخصية الغامضة التي لا نراها في الفيلم، كما أن ما حدث لجيم سيضعنا أمام قصة أخرى ونحن نتابع جيم وهو يدرّس تلامذة صغاراً ويعيش في «كارفان»، ونحن نظن أن ذلك فعل استعادي «فلاش باك»، وإلى جانب هذا سنتعرف إلى قصة ريكي (توم هاردي) في اسطنبول ووقوعها في غرام زوجة بوريس في اسطنبول، وحصوله على معلومات منها بخصوص العملاء المزدوجين وإخفاء كل مراسلاته لدى إرسالها إلى لندن.

الفيلم متشعب وهناك ما يمكن أن يضيع أثناء تتبع أحداثه، لكنه فيلم جميل، مصنوع بحرفية عالية، إنه مليء بالرجال الغامضين الصامتين، الذين يعملون بهدوء، ينامون ساعات قليلة إن ناموا، ويدخنون كثيراً، وحيواتهم متشابكة بالجاسوسية وعرضة لكل ما يعصف بالانسان العادي من ضعف وخوف وحب وكره، ولعل الفيلم يعيد للأفلام الجاسوسية بريقها المتواري تحت طبقات سميكة من «الأكشن» المجاني والمطاردات، وما إلى هنالك من وصفات جاهزة.

لم أقم بترجمة عنوان الفيلم، كون كل صفة هي اسم حركي لعميل من العملاء الذين يضع سمايلي (اسم حركي ايضاً على عكس ما هي عليه الشخصية) أسماءهم على قطع الشطرنج، تينكر هو بيرسي (توبي جونس) وتايلر الخياط هو بيل (كولين فيرث) وسولدجر هو روي (كيران هيندز) إلى أن يكتشف سمايلي حقيقة كل واحد منهم.

الإمارات اليوم في

26/01/2012

 

ثورة 25 ينـــاير.. الاحتفاء بالصورة والخوف عليها

زياد عبدالله 

ذكرى مرور سنة على ثورة 25 يناير، أمس، مدعاة للاحتفاء بالصورة، والخوف عليها في الوقت نفسه، كونها، أي الصورة، حملت ما حملت من بلاغات هذا الحراك الشعبي، التي لها أن تكون الحامل للفعل التحريضي والتوثيقي، بالاتكاء على قنوات التواصل الاجتماعي، ولعل شباب مصر الذين خرجوا إلى شوارع القاهرة في ذلك اليوم كانوا متسلحين بالكاميرا من دون أي شيء آخر، ولتكون الكاميرا أقوى وأشد حضوراً وأثراً من الرصاص المطاطي والحي، ولها أن تكون الأداة الأمثل والأجدى للنضال السلمي الذي تحلى به شباب التحرير.

في المقابل، وفي تتبع لما سبق أن ذكرته مراراً بأن الفيلم صار منشوراً سياسياً، كون ذلك كان حلم غودار في ستينات القرن الماضي، فإن هذه الصورة أوصلت إلى البرلمان المصري من يخاف الصورة ويحرمها، وعلى شيء من المفارقة التاريخية التي تستدعي التوقف مطولاً عندها، ونحن نقرأ هنا وهناك بيانات الفنانيين المصريين، وخوفهم الذي يتصاعد كلما مضت القوى الإسلامية في تطمينهم، كون تلك التطمينات تحمل بين الأسطر ضوابط وعبارات مطاطة لها أن يندرج في ظلها ما هب ودب، كأن يقول الناطق باسم «حزب النور» ان حزبه لا يعارض «الفن الذي يخاطب العقل» لكنه يناهض «الفن الهابط الذي يخاطب الغرائز». بينما يحذر مسؤول ملف الفن في «حزب العدالة والتنمية»، محسن راضي، من المساس بـ«الثوابت».

لكل حزب ما له أن يقوله في هذا الخصوص، لكن للتوضيح فإن تلك التصريحات وإن بدت متسقة مع التطلعات التي تتخذ من الفضيلة معبرا لها، فإن من الحري القول إن الفن كان ومازال الحلقة الأضغف في هذا العالم العربي، ولم يكن يوماً من تحريم أو منع إلا كانت دوافعه سياسية أولاً وأخيراً، وهذا صالح لكل الأحزاب السياسية التي حكمت وتحكم، كون إشغال الرأي العام بموضوع فيلم أو كتاب أو رواية كان ومازال الأداة المثلى لشغله، وإبعاده عما هو أهم ويلامس حياته ومعاشه، وهذه الآلية ناجحة على الدوام في شغل الرأي العام، طالما أن الفن أصلاً لا يحظى بمكانة تليق به في عالمنا العربي.

إن تعريف «الفن الهابط الذي يخاطب الغرائز» خاضع لما تقدم وللمتطلبات السياسية، وهو مجال خصب للمزاودة بالفضيلة بدل حل مشكلات الفقر أو البطالة، أو تجديد الادعاءات الطهرانية حين تتهم جهة ما بأنها تخلت عن مبادئها، وهذا يمتد ليطال «الثوابت» التي لا مجال لتعريفها، ويمكن أن يندرج تحتها كل شيء.

الثورات حول العالم أفرزت على الدوام فناً ثورياً، ليس بالمعنى التبشيري أو الهرطوقي، بل على صعيد الأساليب والمقترحات الجمالية، فلا يمكن الحديث عن «الثورة الروسية» من دون استدعاء ايزنشتين وبودفكين وآخرين، ولا يمكن اكتشاف عمق الأفكار التي حملتها الثورة الطلابية الفرنسية في ستينات القرن الماضي من دون التعرف إلى مقترحات سينما «الموجة الجديدة».

مع الثورة المصرية من الشرعي التطلع إلى فن ثوري والانحياز للتمرد الفني والطروحات والأساليب والأفكار التي تعكس العالم المتغير الذي نعيشه، ولا نعرف إن كان هذا تطلعاً يمت للواقع بصلة طالما أن هناك من يحرم الصورة وقد حللها كما حلل أشياء أخرى من باب «البراغماتية» كما كان يحرم الديمقراطية فإذا بها توصله البرلمان.

بعد الثورة المصرية ظهرت علينا أفلام كثيرة، وربما لا مجال لحصرها، ولا مجال لتوقع ما ينتظرنا في المستقبل، ولعل أبرز تلك الأفلام هو فيلم «18 يوم» الفيلم الروائي الوحيد الذي يتناول ثورة يناير عبر 10 أفلام قصيرة أخرجها 10 مخرجين، وهم شريف عرفة وكاملة أبوذكري ومروان حامد ومحمد علي وشريف البنداري وخالد مرعي وأحمد عبدالله ويسري نصرالله ومريم أبوعوف وأحمد علاء، وإلى جانب هذا الفيلم حضر أول وثاثقي للثورة «تحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي» وقد سبق وقدمنا لكلا الفيلمين، وقد كان لهما الأسبقية فلقيا كل الحفاوة من مهرجانات السينما حول العالم، وصولاً إلى الحديث عن فيلم قادم لإبراهيم البطوط بعنوان «مثل الثورة» من بطولة وإنتاج عمرو واكد، فيما انتهى يسري نصرالله من فيلمه «ريم وفاطمة ومحمود» الذي يضيء على «موقعة الجمل» الشهيرة.

الإمارات اليوم في

26/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)