حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

تيو انغلوبولوس (1935 ــ 2012):

السينما تفقد تحديقتها

هوفيك حبشيان

جسّد تيو أنغلوبولوس (1935 ــ 2012) بمفرده، سينما بلد بأكمله، محتكراً الأدوار، متأبطاً الأفكار الكبيرة والرؤى الطالعة من عمق الوجود، معتنقاً الايديولوجيات الانسانية وكاتباً الحاضر من عمق التاريخ. انه واحد من آخر معلّمي سينما تأملية، اقرب الى انشودة ورسالة عشق لا متناهية للحياة منها الى التأويل. هي، أي سينماه، لا تفعل الا اعادة الاعتبار الى الزمن في قصّ الحكايات، زمن غير موجود الا في سينما هذا الكبير. الجمال عنده، كان دائم الانبعاث من الضوء والتراب واللحظة المتوهجة. منبعه القلب ولسانه النظرة. نظرة رجل لديه ما يكفي من الوقت ليراقب ويفهم. في تحديقته، مئة عام، وربما أكثر، من السينما!

كان السينمائي الكبير، الذي تركنا مساء الثلثاء بعدما صدمته دراجة نارية، معلّماً بكل ما في الكلمة من معانٍ، وحظي بتقدير غير قابل للذوبان في النقد الذي طال شخصه وذاته المتضخمة، القلقة على المصير الآدمي، المحكوم بالنسيان والنكران. لكن، ككل خلاّق لامس العبقرية في أعماله، فكره باقٍ على سطح مادة اسمها سيللولويد، وإن تحول جسده الى تراب. من العبث ربما، أن نرثي هذا الرجل الغاضب بكلمة رحيل، ومخرجنا كان شديد الايمان، بأن الفواصل بين ماض، حاضر ومستقبل، معدومة تماماً؛ ساقطة أمام وحدة الزمن التي مجّدها فيلماً بعد فيلم. ألم يطلق على إحدى روائعه عنوان "الأبدية ويوم"؟
لا يمكن الحديث عن أنغلوبولوس من دون ان تستدرجنا المشاهد التي تفد الى الذاكرة: تلك اللقطات التي تستطرد في الاندفاع الى الأمام، باتت علامة من علاماته. لقطات مشبعة بالحنين والزمن والفنّ، حيث ليس الشعر والشاعرية ما ينبعث من دواخلها فقط، بل هناك روحٌ وصدمة مع المكان، يتجمدان أمامنا كجليد غير قابل للانكسار. من هنا، تبدأ التحديقة، تحديقة قامت عليها، كل لقطة من لقطات انغلوبولوس، وهي بدورها لقطات، تبدلت مع الزمن، لتنتقل من كونها سجناً للشخصيات الى كونها حضناً لمشوراها الأزليّ. المساحات الزمنية "الميتة"، الواقعة بين حدثين والتي تُحذَف عادة على طاولة المونتاج، كانت تتحول عند أنغلوبولوس لحظات وجدانية كبرى. محطات موسيقية تنشد الخلود وتبعث الدفء في الأفئدة.   

شأنه شأن السينمائيين الذين تفتك بهم الهواجس، دارت أفلامه في الفلك عينه دائماً. ككل مخرج عظيم، من كوبريك الى بونويل فويلز وتاركوفسكي، لم يصنع انغلوبولوس الا فيلماً واحداً وحيداً، تنويعات للحنٍ يتيم: فيلم الطرق التي لا نهاية لها، والمقاهي المنكوبة، والساحات الفارغة، والشواطئ الحزينة، والأمطار التي ترمي نقمة السماء على الناس. ودائماً الرمادي، والمزيد من الرمادي، ولا شيء سوى الرمادي. يطلّ بدفئه من خلف البياض. كمن يقول: اذا كانت الجحيم هي الآخر، فماذا عنا؟ كان انغلوبولوس يملك سرّ اعادة خلق الحياة من جديد، لكن بمعانٍ أخرى، وبتحديقة ذات لعنة شيطانية وبركة آلهية، لا يرقى اليها أيّ سينمائي مسك كاميرا يوماً.

لم يعد سراً على أحد شغف انغلوبولوس بـ"عوليس" لأيليوت الذي كان يرغب في نقلها الى الشاشة. مشروع كان يحمله في أعماقه مثلما حمل كوبريك "نابوليون". معظم الكبار تنتهي حياتهم قبل اقفال فصلها الأكثر شوقاً وطموحاً. في المرحلة الأخيرة من حياته، وبعد فيلمين عن "آمال القرن العشرين وخيباته"، كان باشر العمل على "البحر الآخر" (عن الأزمة الاقتصادية في اليونان) من دون أن يعرف ان موعده مع سائق دراجة نارية في ثلثاء مشؤوم كان سيقرر مصيره. كان الفيلم ليكون امتداداً لعمله الأخير "غبار الزمن" الذي "مرّ" في مهرجان برلين، قبل اربع سنوات، في نوع من لامبالاة. شريطه الجديد كان يريده لسان حال عالمنا اليوم. عالم تنعدم فيه المرجعيات الأخلاقية التي حرّكت جيله. عالم يضيق فيه مجال الحنين الى أزمنة غابرة شكلت الوعي الأول بالنسبة الى سينمائيي جيله.

درس انغلوبولوس المحاماة، لكن لم تكن تلك الا "غرفة انتظار" بالنسبة اليه. كانت السينما هاجسه الأوحد مذ اكتشف فيلم "ملائكة بأوجه قذرة" لمايكل كرتيز، بحيث ان صراخ البطل "لا أريد أن اموت" رافقه طويلاً. فرحل الى باريس في مطلع الستينات ليدرس السينما، بعد فترة انكباب على دراسات فلسفية. التحق هناك بالمعهد الأهم ("ايديك" الذي تحول الى "فيميس")، لكن، سرعان ما وجد نفسه مطروداً منه بعدما شاكس احد الأساتذة حول نظرية متعلقة بالـ"ميز ان سين". بيد انه ما جعله يدرك حقيقة السينما ويلمس جوهرها، هو ارتياده السينماتيك التي أسسها هنري لانغلوا، وكانت المعبد الحقيقي للتعلم والمعاينة واكتشاف كنوز السينما. كان انغلوبولوس يركض من سينما الى أخرى، يشتغل حيناً عامل تنظيفات في مطار أورلي وحيناً بوّاب المكتبة السينمائية. أفلامه الثلاثة الاولى أنجزت في عهد الاستبداد والديكتاتورية، بين 1967 و1974، وحملت البيان التأسيسي لما ستكون عليه سينماه في العقود المقبلة: نقد سياسي لليونان، انطلاقاً من أفلام تحمل أشياء من الميثولوجيا الاغريقية. عندما صوّر "يوم 36" لم يكن ممكناً تناول الديكتاتورية الا مواربة، عبر اللجوء الى المسكوت عنه، والاختزال، وترتيب الخطاب خارج الكادر.

كان انغلوبولوس يتوحد مع ابطاله. سواء أكان هناك وحدة حال معهم أم لم يكن. لذلك، كان يحلو له تكرار عبارة فلوبير: "مدام بوفاري هو أنا!". اعتبر الاخراج ولادة ثانية للنص، هذا الشيء المكتوب الذي كان يلتزمه الى حدود معينة، لكن مع ترك باب المخيلة مشرعاً على كل مستجد ومثير يراكمان الاحتمالات الجديدة. بهذا كله، استطاع أن يصنع سينما تعبر الحدود الجغرافية، فبات معروفاً كسينمائي يوناني في الخارج وكسينمائي من العالم عند مواطنيه اليونانيين.

ذهبت سينماه الى ما لا نهاية، قافزة فوق أسوار الدال والمدلول، عابثة بمفردات المونتاج و"الحقل/ الحقل المقابل". غرقت تحديقته في الحلم البهي الذي رسمه لنفسه، وفي الاحباط البديع الذي اتى به من جده أرسطو ونظرية الأخير القائمة على ان الحزن منبع الخلق. عبر أزمنة ليصالح فيها البشر، بعضهم مع البعض الآخر، وليراكم الخيبات فوق أطنان من السوداوية التي تقمصت أشكالاً كثيرة، أبرزها الترافيلينغ الدائرية والأمامية. لم تكن كل هذه الحركات، كما يُقال، مدعاة نبل وترف سينمائي. تحدى الديكتاتورية في "الممثلون الجوالون" وعالج النفي والاغتراب في "رحلة الى ثيتر" والانقلاع في "عثرات اللقلق"، دائماً مع تلك النظرة الايمانية في الناس، وذلك السعي الى ايجاد ما يجمعهم وليس ما يفرقهم، مصالحاً في حركة ترافيلينغ واحدة الذاكرة والمكان. في "الممثلون الجوالون" (1975)، ملحمة تاريخية مضادة في أربع ساعات، تطرق الى صفحات غير مشرفة من التاريخ اليوناني، متناولاً الحرب الأهلية، فالاحتلال والفاشية. بعدما كان قد سلّم الرقابة سيناريواً زائفاً، تمكن من تصويره في عهد الكولونيلات.

لم يكفّ انغلوبولوس عن التكلم عن بلده اليونان، هذا البلد الذي بقي على هامش أوروبا، مع ذلك كان يدّعي أنه في امكانه أن يعيش ويعمل في أي مكان. من هنا تأتي فكرة الحدود في افلامه. الرحيل يقابله لقاء. السفر، المساحات، النفي، الاغتراب، كلها هواجس لها روابط عميقة بسيرته. "طوال عمري، شعرتُ أنني منفي في بلادي"، يقول في إحدى المقابلات. أما عودة الأب الغائب، فصداها عميق في ذاكرته. فمشهد اللقاء بين والده العائد، بعدما كان يُعتقد أنه مات خلال الحرب الأهلية، ووالدته، افضى الى مشاهد كثيرة من هذا النوع في أفلامه: في وسط الشارع، كاميرا تخطف الأنفاس، موسيقى ايليني كارايندرو تهتف لها القلوب... مَن غيره أنجز سينما كهذه؟

أفلامه مسكونة باليونان. أرضُ التراجيديات والديموقراطية والفلاسفة. لكن ذاكرتها مزدحمة بالاثم والحروب والمجازر. لعل انغلوبولوس كان أكثر السينمائيين الأوروبيين قدرة على مساءلة التاريخ ومحاسبته انطلاقاً من اقتناعاته اليسارية والنقدية، واستناداً الى واقع بلاده والرغبة العنيدة في فهم ما يجري من حولنا. نمطه الفيلمي حصنٌ منيع أمام الانعزالية، اذ دفع بالسينما الأوروبية الى الذروة، فتجلت في حلتها الابهى. واقع ارتباطه باليونان لم يمنعه من الانفتاح على القارة العجوز التي حملته على الراحات، فحاز "السعفة الذهب" في كانّ، عام 1998، بعدما كان يتوقع نيلها عن "تحديقة عوليس"، عام 1995 (اكتفى بجائزة لجنة التحكيم الكبرى). من ايطاليا وألمانيا وفرنسا أخذ النخبة: مارتشيللو ماستروياني، برونو غانز، جان مورو، ميشال بيكولي. أفلامه ملاحم، قصائد ليس من دون ندوب وجروح، تضع الانسان في قلب الأبدية.

أفلام أولريش سيدل قداديس كاثوليكية وهو راهبها المخرّب:

الطريق الى السعادة أجمل من السعادة

هـ. ح.

اذا كان للغرابة اسمٌ في السينما الأوروبية، فهي تدعى اولريش سيدل (1952). تقوم سينماه على تضارب عنيف بين الحقيقة والمتخيل. خياراته في التأطير والصوغ البسيكولوجي للشخصيات والتعامل مع الممثلين تقترح فكرة راقية و"أخرى" عن السينما في القارة التي يتأكلها الزمن. في مهرجان تسالونيك الدولي الأخير، حيث جرى تكريمه، تسنّى لـ"النهار" مجالسة سيدل، هذا الهامشي الذي يعتبر ان "الطريق الى السعادة أجمل من السعادة".

اليونان...

·         ¶ آخر فيلم لك، "استيراد/ تصدير"، يعود الى عام 2007، أين أنت منذ ذلك الحين؟

- كنتُ أعمل منذ فترة طويلة على مشروع سينمائي اسمه "جنّة. كان لي ثلاث حكايات أريد اقتباسها في فيلم واحد، ثم وجدتُ ان من الأفضل أن ارويها في ثلاثة أفلام منفصلة. لن أقول لك شيئاً عن التفاصيل، لكن آمل أن تصدر هذه الأفلام في السنة المقبلة [المحرر: 2011].

·         ¶ في كل حال، أفلامك لا تُروى بل تُشاهَد...

- إن كنت تؤمن بذلك، فعليك الانتظار. في المحترف أمس، عرضتُ بعض المشاهد من الأفلام، كان عليك المجيء...

·         ¶ في مرحلة ما، كنتَ تريد انجاز فيلم عن العلاقة الاستثنائية التي تربط النمسويين بكهوفهم...

- ستفاجأ ربما اذا قلتُ لك ان أشياء مهمة كثيرة في بلادنا تحصل في الكهوف. انها الأماكن المفضلة للناس، فهم يفعلون فيها ما يحلو لهم، علماً ان سواد هذه الأمكنة مقلق وما تخفيه لا حدود له. يمكنك قول الكثير عن مجتمعنا وعالمنا وأنت جالس في كهف...

·         ¶ أفلامك غريبة ومجنونة، لكنك تبدو عاقلاً. لست مثل أكي كوريسماكي، بحيث لا فرق بينه وبين اعماله...

- لا أعرف ماذا أقول. ربما (ابتسامة).

·         ¶ كيف تعثر على شخصيات أفلامك الفريدة؟ أهي تقصٍّ سوسيولوجي مثلاً؟

- أولاً، بالنسبة الى ملاحظتك السابقة، لستُ مهتماً البتة بالتكلم عن نفسي. انبذ الاستعرائية التي كثرت في زمن هيمنة التلفزيون. أعتبر نفسي رجل سينما. يعنيني الآخرون وامضي معظم وقتي وأنا اعاين سلوكهم وتصرفاتهم. يهمني تناول طبقات اجتماعية عدة في افلامي. هذا ما اريد أن أُريه في افلامي ولا شيء آخر، حتى تاريخ هذه اللحظة.

·         ¶ غالباً ما تستعين بأداء ناس تجدهم هنا وهناك. هل يخدمونك أكثر مما يخدمك المحترفون؟

- ليس دائماً أستعين بالهواة، بل أحياناً بالمحترفين. ما اسعى اليه هو توليد الشرارة الحاصلة من الاحتكاك بين المحترفين والهواة. انتظر مفاجأة من لقاء الاثنين. يستحيل حصول هذا مع الوجوه التي نعرفها ونراها تنتقل من دور الى آخر. عادة، تقمص الدور عندي يتطلب من الممثل وقتاً طويلاً، ريثما يدرك ما انتظر منه، فتتعمق بيننا روابط الثقة المتبادلة، وهذه تحتاج الى صبر كبير. من دون هذه الثقة، أؤمن ان لا صدقية على الشاشة.

·         ¶ كيف تختارهم، هل تجري عملية كاستينغ؟

- نعم، وهي عملية طويلة ومضنية. في "استيراد/ تصدير"، عانيت كثيراً لأجد الشخصيتين اللتين تجسدان بولي وأولغا. ما أريده عند الممثل هو الشيء الذي أبحث عنه عند كل انسان آخر: جوانب آدمية. عليهم ان يتمتعوا بقدر معيّن من التجربة الانسانية يمكّنهم ترجمة بعض الأحاسيس ونقلها الى الشاشة. أطلب اليهم اغناء الشخصية والاضافة عليها، والارتجال وثم الارتجال، وابتكار ما لم يكن متوقعاً، حتى عندما يكون كل شيء مكتوباً على الورق، سلفاً. الامتحانات المتتالية التي يخضع لها الممثل قبل الوقوف أمام كاميراتي، جعلتني لا أخطئ في حساب أيّ منهم الى الآن. حتى عندما يحصل خطب ما خلال التصوير، وأجد مثلاً ان الممثل لا يذهب بالشخصية الى العمق المطلوب، أو لا يأخذني في الاتجاه الذي اريد أن آخذه اليه، أعيد صوغ الشخصية وفق الأداء الذي يقدمّه لي. عملاً بهذا المبدأ، عدلت على سبيل المثال، الشخصية التي اضطلعت بدورها ايكاتيرينا راك في "استيراد/ تصدير"، بعدما وجدتُ انها لم تتمكن من تجسيد ما كنت كتبته لها.

·     ¶ هناك دائماً هذا التعايش الفريد في أفلامك بين الوثائقي والخيالي، حدّ أن المُشاهد باتت تستهويه عملية البحث عما هو حقيقي وما هو مفتعل...

- هذا هو الجوهر الذي يقوم عليه شغلي. انجز الأفلام الوثائقية والأفلام الروائية، وأنجز ايضاً افلاماً روائية فيها نمط وثائقي، وما تقوله عن أن المُشاهد لا يكون متأكداً هل ما يراه حقيقة أم خيال، هو ما اسعى اليه عادة. أحب خربطة الأشياء عليه. اسعى الى أن يقف الناس أمام مآسيهم وأحوالهم. في النهاية، ما يهمّ هو معرفة ما اذا كان ما اريه مقنعاً على الصعيد الدرامي والاخراجي ام لا.  

·         ¶ أحياناً، يخال لنا ان المساحة التي أمامنا عبارة عن خشبة مسرح. هل لديك ميول مسرحية؟

- لم أتأثر بالمسرح بقدر ما تأثرت بالكنيسة. أعني بالكنيسة المكان. المذبح خلال القداس الكاثوليكي يتحوّل نوعاً من خشبة، في نظري. ثمة ناقد قال هذا عني في بداياتي وكان صائباً.

·         ¶ اذا كانت افلامك قداديس، فهذا يعني انك الراهب، راهب السينما، راهبٌ مخرّب...

- (ضحك) بالأحرى الحبر الأعظم.

·         ¶ ماذا عن تلقّي الناس لأفلامك في النمسا؟

- في مرحلة ما، بات صعباً أن أعمل في النمسا، ولم أكن متأكداً اذا كنتُ قادراً على انجاز فيملي المقبل. التهمة الجاهزة التي كانت تلصق بي هي انني محقِّر. لكن، مع الوقت، راحت طبيعة استقبال أفلامي من الجمهور تتغير، حتى ان البعض منها نال شعبية معينة. فيلمي "أيام الكلب" انضم الى واحد من أكثر الأفلام استقطاباً للايرادات في النمسا، ومذذاك بات هناك مَن يعتبرني مخرجاً ذا نفس انساني. بين مَن لا يحبّ أفلامي، هناك مَن قد يستفيد، اذ قرر يوماً مشاهدتها. احياناً، من المفيد ارغام شخص على مشاهدة ما لا يريده. هذا نوع من غنى ايضاً. عانيتُ طويلاً من الآراء السلبية في حقي. عندي أعداء، هذا أكيد.

·         ¶ انت دائم الحرص على إخفاء مراجعك السينيفيلية. متى تكشفها؟

- هذا جيد. اعتبر كلامك اطراء في حقي، لأنني لا أحبّ أن تحال أفلامي على مرجعيات سينمائية. في صغري، جاء مَن صفعني سينمائياً. ومن ثم مَن حضن عاطفتي وعقلي. هؤلاء دائمو الوجود في وجداني، واعتقد انهم المنبع لكل ما صنعته الى اليوم. في بالي اثنان الآن: بيار باولو بازوليني واريك فون ستروهيم.  سينما كلٍّ منا نتيجة ما شاهدناه وتعلمناه. ما أُريه في أفلامي هو المأزق الوجودي العميق، من خلال شخصيات تبحث عن شيء ما، غالباً ما يتجسد في الهرب. اذ انها تحاول أن تتخطى الحدود المرسومة أمامها. في أفلامي، اتصدى الى فكرة ان كللاًّ منا يستطيع ان يتحكم بمصيره. هذه فكرة خاطئة: هناك حتمية. يمكن السيطرة على القدر الى حدّ ما، لكنه هو الذي يغلبنا في خاتمة المطاف. والحبّ أكبر مثال على أننا عاجزون عن امتلاك أدوات التحكم بمصيرنا الفرديّ.

النهار اللبنانية في

26/01/2012

 

الخطوة المعلّقة لـ... ثيو أنجيلوبولوس

يزن الأشقر  

سقط المعلّم اليوناني في موقع تصوير فيلمه الذي يدور حول الأزمة الاقتصادية المستشرية في بلده وأوروبا. إنّه من دون شكّ أحد عباقرة السينما العالميّة، أعماله تعكس هواجس العصر، وتطرح إشكاليات الحدود والقدر الإنساني وعزلة الأزمنة الحديثة

لم يمهل القدر ثيو أنجيلوبولوس (1935 ـــــ 2012) ليكمل فيلمه «البحر الآخر». رحل المعلم اليوناني الكبير أول من أمس في مستشفى قرب ميناء بيريوس (غرب أثينا) بعدما صدمته دراجة نارية بالقرب من موقع تصوير «البحر الآخر» الذي يدور حول الأزمة الاقتصادية في اليونان وأوروبا. نهاية تراجيدية لأحد أبرز رموز «السينما اليونانية الجديدة»، وأهم حكواتيي الفن السابع. أمس، وصف جاك ماندلباوم في «لوموند» صاحب «الإسكندر العظيم» بـ«الابن البار لبلد شكّل مهد التراجيديا الإغريقية، قبل أن ينوء تحت ثقل الحرب الأهلية وحكم الجنرالات، وأزمات القرن الحادي والعشرين. هذا السينمائي المخضرم كتب ملحمته الخاصة حيث الشعرية والجمال مخضّبان بالدم وانحدار التاريخ المعاصر».

أعمال أنجيلوبولوس مطبوعة بطفولته، وما عاشه من اضطرابات سياسية في موطنه. سينماه مرآة لأسئلة كثيرة في التاريخ اليوناني المعاصر. وسط عائلة من الطبقة الوسطى، ولد صاحب «نظرة عوليس» تحت حكم ميتاكساس الفاشي. والده اعتُقل عام 1944 لعدم دعمه الحزب الشيوعي. درس لفترة في معهد الـ IDHEC السينمائي في فرنسا قبل أن يطرد منه. بعدها، عاد إلى أثينا ناقداً سينمائياً في جريدة يسارية. في 1970، أنجز باكورته الطويلة «إعادة إعمار» عن مقتل رجل على يد زوجته وعشيقها بعد عودته من ألمانيا حيث كان يعمل. في هذا الشريط الذي استوحاه من عودة والده من الاعتقال، نشاهد ثيمات ثيو الأثيرة: تاريخ بلده، وذاكرته الحبلى بالأحداث المأساوية، والحياة الريفية في بلده.

بعد هذا، عبرت أعمال أنجيلوبولوس مراحل عدة كما وصفها مرة. المرحلة الأولى اتسمت بأفلام إيديولوجية وسياسية. في «أيام سنة 36» (1972)، تدور الأحداث قبل وقت قصير من بداية حكم ميتاكساس الفاشي. وفي «الممثلون الجوالون» (1975) يجوب مؤدون مدن اليونان في محاولة لتأدية مسرحية إيروتيكية، مارين عبر مراحل فاصلة في تاريخ البلد بين 1939 و1952 من حكم ميتاكساس والحرب مع إيطاليا والاحتلال النازي إلى التحرير والحرب الأهلية. بعد ذلك، أنجز «الصيادون» (1977) عن صيادين يكتشفون بقايا محارب يشبه صورة يسوع، ليقضوا ليلتهم مسترجعين ماضيهم وماضي اليونان الأليم. بعد هذه الثلاثية، دخل ثيو مرحلة جديدة مقرّباً عدسته من الحالة الإنسانية مع إبقاء التاريخ والتحولات السياسية في الخلفية. هكذا، أنجز أفلاماً تعنى بدراسة مقرّبة لسيكولوجية الإنسان اليوناني في ظل الواقع المحلي السياسي: «رحلة إلى كيثيرا» (1984) عن شيوعي يعود إلى اليونان بعد عقود في المنفى، و«مربّي النحل» (1986ـــ بطولة مارشيلو ماستروياني) عن مدرّس يترك كل شيء ويعمل مربياً للنحل، محاولاً إيجاد نفسه بين ماضيه وتاريخ اليونان الحديث. وفي «منظر في الضباب» (1988)، يحاول ألكسندر وأخته العثور على والدهما الذي قيل إنّه يعيش في ألمانيا، فتأتي رحلتهما السحرية مرآة لمجتمع مليء بالإحباط والفشل. عام 1991، شُغل أنجيلوبولوس بفكرة الحدود. في «الخطوة المعلقة لطائر اللقلق»، نشاهد المراسل أليكساندر الذي يعمل في بلدة على الحدود اليونانية التركية، حيث سكانها من المهاجرين. يعلّق ثيو هنا على وهمية الحدود المختلقة. في «نظرة عوليس» (1995)، يؤدي هارفي كايتل دور «ألف» المخرج الأميركي اليوناني الذي يعود إلى اليونان باحثاً عن بكرات سينمائية مفترضة للأخوين ماناكيس اللذين صوّرا فيلماً عن تاريخ منطقة البلقان غير عابئين بالحدود التي قسّمتها السياسة. ثم أتبعه بـ«الأبدية ويوم واحد» (1998ــــ السعفة الذهبية في «مهرجان كان») عن الكاتب ألكسندر المعتلّ الذي يمضي آخر أيامه في مستشفى، ثم يلتقي بطفل ألباني يرافقه حتى الحدود في رحلة تعكس الماضي والحاضر.

في المرحلة الأخيرة التي لم يكملها، بحث أنجيلوبولوس في قدر الإنسان: «المرج الباكي» (2004) عن قرية قرب ثيسالونيكي (ثاني أكبر مدينة في اليونان) وتأثّر علاقات سكّانها بحلول الحرب. وفي «غبار الزمن» (2009)، أدى ويليام دافو دور مخرج أميركي يوناني يصنع فيلماً عن تاريخ عائلته المتشعب.

النظرة إلى مسيرة أنجيلوبولوس تظهر التشابه في الثيمات. علاماته السينمائية مميزة، لقطات طويلة تأملية وصبورة للشخصيات والمناظر الطبيعية في ظروف مناخية قاتمة ومضطربة تعكس الحالة الإنسانية التي شكلتها ظروف الزمن الذي ينقلنا عبره، مع موسيقى بارعة اختارها مع رفيقته الدائمة إيليني كاريندرو. في اهتمامه بتاريخ الإنسان، وروايته لتاريخ اليونان المضطرب، رواية لتاريخ الإنسانية كلّها. بعد «غبار الزمن»، قال للصحافة إنّ أفلامه فصول من فيلم واحد، من كتاب واحد يروي قدر الإنسان. قدر ثيو أن لا يكمل فيلمه كأنّنا به أوديسة لا تنتهي في تاريخ الفن السابع.

إعادة اختراع العالم

هاجس سياسي طبع أفلام ثيو أنجيلوبولوس الأولى قبل أن تأخذ أعماله اللاحقة طابعاً وجودياً. في السبعينيات، شُغل السينمائي اليوناني برغبة جامحة في تحطيم النظام السياسي القائم في بلاده. استعار لذلك الكثير من لغة الملاحم الإغريقية القديمة، فاستعان بشيء من الغنائية لمعالجة قضايا التاريخ المعاصر، وذاكرة بلاده الجريحة. في الثمانينيات، راح يبحث في غياهب التاريخ الفردي. أمعن صاحب «الأبدية ويوم واحد» الحفر في استعاراته الصوريّة الكبيرة، وأبرزها فكرة الترحال. في أعماله الأخيرة، طغت نبرة تأمليّة، متطلّبة جداً تجاه السينما والسياسة والفنّ. بناه السرديّة معقدّة تميل إلى إعادة اختراع العالم، بوصفه مادةً للفكر، والخيال، ومسرحاً يتعايش فيه الواقع والخيال، والحقيقة والأسطورة...

الأخبار اللبنانية في

26/01/2012

 

يلقى رواجاً بين أوساط شرطة نيويورك

فيلم «الجهاد الثالث»: «المسلمون يدمرون الغرب»!

إعداد جنان جمعاوي 

«الجهاد الثالث» هو عنوان فيلم يبدو أنه يلقى رواجاً «مقيتاً»، في أوساط شرطة نيويورك، وإلا ما الذي يحدو قيادة هذا المركز إلى عرض هذا الفيلم «المناهض للمسلمين»، ضمن برنامج تدريبي لا مرات متفرقة، وإنما 1500 مرة!!

ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، عرضت شرطة نيويورك هذا الفيلم على ضباطها وعناصرها، من مختلف المستويات والرتب، «عرضا متواصلا»، في مدة تتراوح ما بين ثلاثة أشهر وعام واحد.

رسالة الفيلم هي إيهام الرأي العام بأن «غالبية المسلمين في الولايات المتحدة والغرب عموماً، يسعون إلى تدمير المجتمع الغربي»، عبر ما أسماه الفيلم «الجهاد الثالث»، باعتبار أن الجهاد الأول كان في أيام النبي محمد والجهاد الثاني وقع في العصور الوسطى.

وأوضحت مجلة «ذا اتلانتيك» أن الفيلم، المموّل من مؤسسة «غير ربحية» تدعى «كلاريون فاند»، يبدأ بموسيقى «مخيفة»، ثم يظهر على الشاشة «إرهابيون» «مسلمون» يطلقون النار على مسيحيين، ثم نرى سيارات مفخخة تنفجر، وصور أطفال قتلى. ثمة صور لمتظاهرين يحرقون الأعلام الأميركية، بعدها يقوم «واعظ بلكنة أميركية» بـ«تمجيد المفجرين الانتحاريين»، واصفاً إياهم بـ«الأبطال».

ثم تُعرض صور فوتوغرافية «مفبركة بطريقة تكتيكية تهدف إلى بث الرعب»، كمثل تصوير رايات إسلامية سوداء ترفرف فوق البيت الأبيض. والأنكى هو أن الفيلم يتضمن مقابلة مع مفوض الشرطة راي كيلي.

في البدء أنكر كيلي تورّطه في الفيلم. وقال نائبه بول براون إن المخرج «زج» في فيلمه مقتطفات من مقابلات قديمة لكيلي، من دون مراجعته، ما استدعى رداً من المخرج رافائيل شور، وهو عضو في منظمة «نار التوراة»، التي تعارض «أي تنازل عن أراضي الضفة الغربية».

وأرسل شور إلى الصحيفة تفاصيل عن المقابلة التي أجراها مع كيلي، في 19 آذار 2007، والتي استغرقت 90 دقيقة.

عندها اضطر كيلي، للمرة الأولى، إلى الإقرار بأنه «أخطأ» عندما «تعاون شخصياً» مع منتجي الفيلم، فيما وصف عمدة نيويورك مايكل بلومبرغ «أياً كان من عرض هذا الفيلم» بأنه «قام بعمل فظيع»، متوعداً بـ«أننا سنعرف مَن».

لا لبس في رسالة «الجهاد الثالث»، حيث يقول المعلّق، وهو وهو طبيب مسلم وضابط سابق في الجيش الأميركي يدعى زهدي جاسر «هذه هي الأجندة الحقيقية لجزء كبير من الإسلام في أميركا»، هذه «استراتيجية للتسلل والهيمنة على أميركا... هذه هي الحرب التي لا نعرفها».

ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها شرطة نيويورك للانتقاد، ففي العام 2006، أعدّت وكالة «اسوشييتد برس» تحقيقاً كبيراً عن قيام شرطة المدينة بالتنصّت على مسلمي المدينة، ما دفع قادة هؤلاء إلى «مقاطعة» الفطور الذي دعا إليه بلومبرغ «للترويج لحوار الأديان». وحتى اليوم لم تعتذر الشرطة على انتهاكها حقوق مواطنيها... الأقل حظوة، فقط لأنهم مسلمون!

وختمت «ذا اتلانتيك» تقريرها بالقول إن «خبر عرض فيلم الجهاد الثالث قد يمنح منتقدي شرطة نيويورك حجة إضافية بأنها فعلاً معادية للمسلمين».

السفير اللبنانية في

26/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)