حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ماريا دو ماديروس: السينما أرضٌ خصبة للحرية

هوفيك حبشيان

في السادسة عشرة، بدأت ماريا دو ماديروس (1965) حياتها المهنية تحت إدارة مواطنها الكبير غاو سيزار مونتيرو، قبل أن تستقر في باريس بعدها بسنتين لتدرس المسرح في صفّ بريجيت جاك. هذه الممثلة ذات الشكل الخارج عن المألوف، المنحدرة من عائلة من الانتليجنسيا البرتغالية (أمها صحافية ووالدها موسيقي)، اضطلعت بعدد كبير من الأدوار في نحو 65 فيلماً، مجسدة اياها بلغات عدة، من الإنكليزية الى الفرنسية مروراً بالإسبانية والإيطالية. أطلّت أمام عدسة كبار المخرجين، من أمثال مانويل دو أوليفيرا وبيغاس لونا وايشفان تسابو وميشال دوفيل، وعلى الرغم من انها حملت على كتفيها النحيلين الكثير من الشخصيات النسائية الجميلة، فما سيبقى ماثلاً في وجدان السينيفيلية العالمية هو مشاركتها في "بالب فيكشن" لكوينتن تارانتينو، الحائز جائزة "السعفة الذهب" في مهرجان كانّ، وهو المهرجان الذي شاركت فيه دو ماديروس عام 2000، يوم أخرجت شريطها الروائي الطويل "قبطان أبريل"، عن ثورة الياسمين في البرتغال عام 1974. في مهرجان أبوظبي الخامس، حيث جاءت لتقدم فيلم "دجاج بالبرقوق" لمارجان ساترابي، كان لنا هذا اللقاء مع ممثلة متعددة الموهبة.

·         هل هذه المرة الأولى لكِ في بلد خليجي؟

ـــ نعم، أعشق وجود البحر في كل مكان. هذا يسعدني كثيراً. ربما لأنني برتغالية. هذا ما يشعرني بأنني في حالة جيدة هنا، في نوع من انسجام وطمأنينة.

·         سأضطلع بدور الذي لا يعرف عنك شيئاً، ما رأيك؟

ـــ حسناً. بدأتُ حين كنتُ في الخامسة عشرة. اليوم، يبدو لي هذا الزمن الذي انطلقت فيه بعيداً. لم أكن أطمح إلى أن أصبح ممثلة، بل كنتُ أستعد للإلتحاق بكلية الفنون الجميلة. وهذا ما قرّبني أخيراً من مارجان ساترابي. تزامناً مع فيلمها "دجاج بالبرقوق"، عملتُ أيضاً تحت إدارة رسام آخر هو باسكال راباتيه، الذي أخرج "لا للبيع ولا للإيجار"، حيث اضطلعتُ بدور في هذا الفيلم الصامت تقريباً. أهل الفنون الغرافيكية والتشكيل يثيرون إعجابي كثيراً. هناك مخرج برتغالي كبير توفي الآن اسمه غاو سيزار مونتيرو هو الذي أدخلني السينما. كان غاو مجنوناً. لكن جنونه منضبط ينطوي على عبقرية. وأقول دائماً إنه يتحمل ذنب دخولي إلى السينما. لو لم يكن هو تحديداً مَن فعل ذلك، لا أعرف إذا كنتُ دخلت السينما. على كل حال لا أعرف اذا كنتُ أصبحت ممثلة أصلاً.

·         هل كان مونتيرو مهماً في تأهيلك؟

ـــ تعلمتُ منه ومن السينما البرتغالية عموماً. لا تنسَ انني مثلتُ لاحقاً بإدارة مانويل دو أوليفيرا. فأدركتُ ان السينما أرض خصبة للحرية، وكل شيء مباح في هذه الأرض. أنا أتكلم طبعاً عن السينما البرتغالية، على الأقل السينما التي كانت تُنجز في مرحلة معينة من تاريخ بلادي. كانت سينمانا قائمة على مخاطبة الفنون الأخرى، وفي تشابك مستمر لاسيما مع الأدب والموسيقى والتشكيل.

·         ماذا تتذكرين من تصويرك مع أوليفيرا، عميد السينمائيين في العالم؟

ــــ مثلتُ في فيلمين لأوليفيرا. في "الكوميديا الإلهية"، لم ألعب دور البطولة، لأن الفيلم قائم على الأدوار المشاركة، أو ما يُسمى بـ"الكورال". لم يكن هناك بطلاً واحداً يهيمن على النص. كنا جميعناً مجانين في مستشفى للأمراض العقلية، وكان يخال لنا أننا شخصيات أدبية. فيلمي الثاني مع أوليفيرا كان وثائقياً: "بورتو طفولتي". مثلنا في الفيلم جنباً الى جنب، هو وأنا. العمل معه أسعدني كثيراً. لي شغف كبير به. اليوم، رغم تجاوزه المئة من العمر بثلاث سنوات، يبقى من أكثر السينمائيين شباباً في العالم.

·         كيف تصفين ظروف انطلاقتك في بلد مثل البرتغال حيث السينما ليست بصناعة...

ــــ كانت المسألة مفاجأة بالنسبة لي. جاءت الأشياء من حيث لم أتوقعها. ثم، ما حصل أنني ذهبتُ إلى باريس عندما كنتُ في الـ18 من العمر، لأدرس الفلسفة وثم المسرح، وهنا ينبغي التذكير بانني بدأت حياتي المهنية من الخشبة. ساعدني كثيراً أن أنتقل إلى فرنسا، لأن الأمور ليست سهلة في البرتغال.

·         مذاك، عملت في الكثير من البلدان المختلفة، وهذا ما أعطى مسارك هوية دولية...

ــــ قبل أن تذهب عائلتي إلى البرتغال، تربيتُ في النمسا وعشت فيها في السنوات الأولى من حياتي، لذلك أستطيع أن أقول إنني أينما حللت كنتُ دائماً أتلقى تأهيلاً مكّنني من أن أنظر إلى العالم بأكبر قدر من الشمولية. ترعرعتُ في جوّ فني، كان والدي يعزف الموسيقى. لم أعش طفولتي في بيئة منغلقة بل قائمة على التبادل الثقافي والإنصهار بين مختلف الأطياف الثقافية. في مدينة فيينا انذاك، كان هناك الكثير من الإيرانيين والأرمن وشعوب أخرى من الشرق الأوسط. كنا نتكلم لغات عدة: في البيت كنا نستخدم البرتغالية، وفي الخارج الألمانية والفرنسية، كوني كنت مسجلة في الليسيه الفرنسي. اذاً، بهذا المعنى، اظنّ أنني تربيت على نحو مهّد دخولي في مهنة تتيح لي احتكاكاً دائماً بثقافات أخرى.

·         حين يكون المرء في هذه الأجواء، يصعب عليه أن يعمل موظفاً في مصرف...

ـــ بالضبط (تضحك). هذا عذاب بالنسبة إلي.

·         ماذا حصل بعد ذهابك الأول الى باريس؟

ـــ انتسبتُ الى الكونسرفاتوار الفرنسي. تابعتُ دروساً شديدة الكلاسيكية في المسرح. انضممت الى جولات مسرحية من تمويل الكوميديا الفرنسية، وهذا ما أتاح لي أن اسافر كثيراً حول العالم.

·         هل تؤمنين بالحظّ؟

ـــ نعم. أؤمن في المقابل أنه يمكن ان نفتعل الكثير من الأشياء في حياتنا، لكن نفتعلها ونحن ندرك ما نفعله، علماً ان أفضل الفرص هي تلك التي تأتينا على غفلة منا.

·         هل أنتِ سعيدة بما أنتِ عليه اليوم، إلى حدّ ما؟ أعرف ان الجواب قد يكون صعباً...

ـــ (تضحك). كل انسان هو خلاصة الأخطاء التي يرتكبها في حياته. لكن تلك الأخطاء هي خير مدرسة بالنسبة لنا.

·         ماذا لو أتيح لك أن تبدأي حياتك من جديد؟

ـــ لو أتيح لي ذلك، سأتجنب حتماً الأخطاء التي ارتكبتها، لكن سأرتكب حتماً أخطاء أخرى (تضحك).

·         من السينمائيين الذين عملتِ معهم، من هم الذين دفعوك الى الأمام في مسارك؟

ـــ ما يهمني في السينما هم المؤلفون، وأتيحت لي فرصة أن اقابل العديد منهم. لقاء مارجان ساترابي كان مهماً في حياتي، وكذا بالنسبة لباسكال راباتيه. شخص مثل غاي مادن [المحرر: مخرج كندي له أفلام تجريبية] لا يمكن ان ننساه. وماذا يمكنني القول عن العمل مع كوينتن تارانتينو وفيليب كوفمان؟ هناك أيضاً مخرجة برتغالية شابة اسمها تيريزا فيافيرديه سمح لي فيلمها "شقيقان، شقيقة" أن أقتنص جائزة "فولبي" للتمثيل في البندقية. طبعاً، هناك آخرون لا أتذكرهم ربما الآن في هذه اللحظة. مساري ينطوي على الكثير من الأفلام، أنا معجبة كثيراً بما أنجزته في إيطاليا: "لا شيء آخر"، من اخراج انطونييتا دو ليلو. مسرورة كثيراً ايضاً بأنه بالقدر الذي تعاملت فيه مع مخرجين، تعاملت مع مخرجات. هذا شيء يسعدني. هناك توازن في هذا الجانب في عملي.

·         أيزعجك بعد كل هذه الافلام ألا يتذكرك الجمهور العريض إلا في "بالب فيكشن" لتارانتينو؟

ـــ لا إطلاقاً، خصوصاً ان "بالب فيكشن" من الأفلام التي أحبها كثيراً، وهو شريط ثوري لمخرج أنجز ما ينبغي ان ننجزه في السينما، بالنسبة إلي. المسألة أنني أرى في هذا ظلماً، ذلك انه عندما يكون الممثل جزءاً من فيلم أميركي يراه الجميع حول العالم، أما إذا لعب في فيلم لمعلم أوروبي كبير مثلاً، مثل أوليفيرا، فلن يحظى بالإنتشار ذاته. لهذا السبب أرى انه يجب ان نجد توازناً بين المنحيين.

·         هل تلتقين تارانتينو من وقت الى آخر؟

ـــ نعم، وهذا يسرني جداً. انه طريف وفذ. كوني لا أعيش في لوس انجليس ولا ازورها كثيراً، لا أرى الكثير من السينمائيين الذين يقيمون هناك. لكن أؤلئك الذين يعيشون في أوروبا ألتقيهم في المناسبات، و تربطني ببعضهم علاقة صداقة.

·         أنجزتِ فيلماً وثائقياً عن النقاد. أليس هذا غريباً لممثلة؟

ـــ جاء هذا الفيلم من تجربتي في كانّ حين شاركتُ في المهرجان بفيلم "قبطان أبريل" عن ثورة الياسمين الذي أخرجته بنفسي. ثم عدتُ الى كانّ مرات عدة بصفتي عضو في لجنة التحكيم؛ مرة في لجنة تحكيم "الكاميرا الذهبية" وثم في اللجنة الرسمية حيث شاهدتُ فيلم "برسيبوليس" لساترابي. خطر على بالي أن أنجز هذا الفيلم عن النقاد بعد تجربتي في لجنة "الكاميرا الذهبية"، واللافت في أن تكون في هذه اللجنة هو أنه يتتح لك أن تشاهد الأفلام مع النقاد، وفي النهاية وجدت نفسي في الموقع نفسه الذي كان فيه النقاد، أي اننا كنا نشاهد خمسة أفلام في يوم واحد، وكان علينا استيعابها تماماً، على نحو جيد، واطلاق الاحكام فيها. هذه حالة من الإنسجام مع الفيلم تختلف عن الحالة التي يكون فيها المشاهد الـ"عادي". وكانت لي الفرصة أن أشارك في نقاشات حامية بين النقاد، ولفتني في كل مرة كيف ان كثراً منهم يتذكرون تفاصيل صغيرة في أفلام شاهدوها قبل سنوات طويلة. أضف الى ذلك ان هؤلاء كانوا يناقشون بشغف كبير، رغم عمرهم. فيلمي عن النقاد يتضمن النكات والحكايات الطريفة حول العلاقة الصعبة بين النقاد والفنانين. اروي كيف تعرض بعضهم للضرب من مخرجين، وكيف ينام بعضهم الآخر خلال العروض. لكن التيمة الاساسية للفيلم تبقى الكيفية التي نتلقى بها العمل الفني، بما هي مسألة غير محسومة، حيث لا أحد يستطيع أن يعطي جواباً واضحاً في هذا الصدد.

·         أومبرتو ايكو كان يعتقد ان نوعية التلقي للعمل الفني قد تتوقف على ما تناوله المرء من طعام قبل أن يدخل الصالة.

ــــ (تضحك). طبعاً، ممكن أن يتعلق الأمر بهذا الشيء. بالنسبة إلي، هذه المسألة تبقى غامضة. الفيلم يتوجه الى وعيك لكن، أيضاً وخاصة، يخاطب إلى لاوعيك. صديقان يتشاركان الكثير من الأشياء في الحياة ويشبه الواحد الآخر الى درجة بعيدة، يتلقيان النتاج الفني بطرق مختلفة.

·         ما الجانب الذي يثير فضولك خلال التصوير؟

ـــ انه التصوير في ذاته. كل ما يتعلق بحرفية السينما يثير شغفي. سواء أتعلق الأمر بفيلم له موازنة صغيرة أو العكس، فعمل الفريق هذا الذي يجري خلال التقاط المشاهد يولّد فيّ طاقة ايجابية غريبة.

·         عند التصوير، ما اللغة التي تفضلينها؟

ــــ أحبّ كل اللغات، لكن أميل الى القول ان الممثل يرتاح في اللغات التي لا يتقنها جيداً. أصعب لغة عندي هي البرتغالية لأنها لغتي الأمّ. فالكلمات في البرتغالية محملة بالتاريخ والمشاعر، لذا يصعب عليّ أن أؤدي بها. أحبّ أن أمثل بالإيطالية، وهي ايضاً لغة تبدو لمن يستمع إليها كأغنية أو موسيقى. في "لا للبيع ولا للإيجار" اضطلعت بدور صامت. في البداية، اعتقدتُ أن الأداء سيكون أسهل لأنه لن يكون عليّ حفظ النصّ، لكن كنتُ متوهمة، اذ ان الدور الصامت يتطلب قدراً أكبر من التركيز.

·         أتدونين مذكراتك؟

ـــ لا (تضحك).

·         ماذا عن السفر في حياتك؟

ــــ في السفر أحب لقاء الناس.

مهرجان أبوظبي السينمائي في

16/01/2012

 

دكتاتور شيوعي وسائق سيارات في أفلام سير ذاتية

محمد موسى  

هناك الكثير ما يجمع بين الفيلمين التسجيلين: " السيرة الذاتية لنيكولاي تشاوشيسكو " و" سينا"، واللذان عرضا في الصالات السينمائية الأوربية العام الماضي، وحظيا وقتها بثناء نقدي كبير، ونجاح لافت بشباك التذاكر، مهد لطلاقهما السريع على اسطوانات "دي في دي"، والذي بدأ قبل أسابيع قليلة. فالفيلمان ينتميان لأفلام السيرة الذاتية التي تتناول شخصيات من التاريخ القريب، مستعينة بالأرشيف الصوري المحفوظ لتلك الشخصيات،والذي سجلته كاميرات برامج تلفزيونية، وافلام صورها هواة، وأفلام اخرى، من التي تصنف تحت مفهوم الأرشفة الرسمية للأحداث، والذي تولته أحيانا أجهزة إعلام حكومية. لكن التقارب الأكثر تميزا بين الفيلمين، هو في تعاطي مخرجيهما مع المادة الأرشيفية. إذ اختارا أن ينسجا فيلميهما بالكامل من تلك المادة، حيث لا يتضمن الفيلمان أي مشاهد تم تصويرها بعد نهاية الفترة الزمنية التي اهتما بها من حياة شخصياتهما، والتي تشترك هي الأخرى، بالخاتمة الدموية الشهيرة.

وإذا كان مخرج فيلم " السيرة الذاتية لنيكولاي تشاوشيسكو " الروماني أندريه اوجيكا، اختار أن يقدم فيلمه بدون أي شروحات على الشاشة، أو تعليقات صوتية. استعان المخرج البريطاني آصف كاباديا ببعض اللقاءات، التي قدمت كخلفية صوتية ضمن أحداث فيلمه " سينا "، دون أن تشي تلك اللقاءات بزمن إجرائها، أو إذا كانت، وكحال المادة الصورية في الفيلم، تنتمي للسنوات القليلة، التي سطع فيها نجم سائق سيارات السباق البرازيلي آيرتون سينا قبل أن يقتل بالحادث المعروف في عام 1994. والذي تم هو الآخر أمام عدسات الكاميرات، تماما ككل محطات رحلة المتسابق البرازيلي الوسيم مع المجد.

لا يكتفي فيلم " سينا " بتلك المشاهد التي عرضتها محطات تلفزيونية وقتها في تغطياتها لعقد من السنوات من حياة آيرتون سينا. هو في الواقع يبحث عن المشاهد "الأخرى" التي صورتها تلك القنوات ولم تصل إلى العرض التلفزيوني، لأنها لم تملك وقتها الإثارة والآنية الكافية. تلك "الزوائد" أو "فضلات" المونتاج التلفزيوني، أي عندما كان المصورون يتركون كاميراتهم تتابع آيرتون سينا في دخوله البعد البؤري للعدسة أو خروجه منها، أو تلك التي تسجل أحيانا مشاهد طويلة مقربة لوجهه، هي التي ستشكل الصورة الموازية للصورة "الشائعة" الأخرى لحياة المتسابق البرازيلي، والتي ستكون عماد فيلم " سينا"، والتي ستسلط بعض الضوء على خلفيات الظروف التي أحاطت بحياة آيرتون سينا، إصراره على الفوز، تنافسه الشرس مع زملائه المتسابقين وعلاقته بالرياضة الخطرة.

يولي الفيلم اهتماما كبيرا بعلاقة آيرتون سينا ببلده البرازيل. وتأثيرات تلك العلاقة في دفع المتسابق للاستمرار في الرياضة التي ستصل به إلى حتفه. لم يكن "سينا"، واحدا من أبناء أحياء الفقر في البرازيل، والذي خالف السائد، ليتحول إلى أيقونة وطنية، فهو ينتمي إلى أسرة غنية، أرسلته في عمر مبكر إلى أوربا، ليبدأ طريقه في سباقات السيارات، الرياضة التي يعشق. لكن نجاحه السريع في تلك الرياضة، وتمسكه بالهوية البرازيلية، جعله يتسلق قلوب البرازيليين، ليتحول إلى إحدى "المتع" القليلة لأبناء البلد المهمومين بالمشاكل المستعصية على الحل، وكما وصفت سيدة، كانت تنتظر آيرتون سينا في طريق عودته إلى بيته، من إحدى المسابقات الدولية التي فاز بها.

تدين آيرتون سينا، والذي كان يؤكد عليه الشاب بكل مناسبة ممكنه، رفعه أيضا إلى مرتبة تقترب من القداسية، عند أبناء بلده الفقراء، وخاصة في سنوات منتصف الثمانيات من القرن الماضي، عندما كانت البرازيل تواجه صعوبات شديدة الجدية في التعامل مع مشاكل الفقر والعنف. سينا انتبه إلى الدور الذي يمكن أن يقوم به، وبدأ نشاطات خيرية في بلده، مازال بعضها مستمرا حتى هذا اليوم. كل ذلك جعل رحيله صدمة قاسية لأبناء بلده. والذين سينتظر كثير منهم، الجنازة القادمة من ايطاليا، وسيبكون خارج الكنيسة، التي أقامت القداس المهيب للشاب الراحل، والذي سجلته الكاميرات التلفزيونية وقتها، ونقل جزء منه فيلم "سينا".

متاهة الديكتاتور

تبدو الدقائق الأولى من فيلم السيرة الذاتية لنيكولاي تشاوشيسكو كمتاهة من الصور المتتابعة، قبل أن تكشف بعد ذلك عن سياق زمني يربطها، هي تبدأ، كفيلم "سينا"، من الماضي وتتقدم بعدها إلى الماضي الأقل قدما، لتنتهي مع نهاية حياة الشخصية التي تهتم بها. يبدأ الفيلم من جنازة زعيم رومانيا السابق. أفلام بالأسود والأبيض للجنازة، والتي يظهر بعضها شاوشيسكو كأحد قيادات ذلك الزمن. قبل أن يتحول الزمن نفسه إلى ظل لحركاته. لثلاث ساعات طويلة يقدم الفيلم عشرات الأفلام القديمة لتشاوشيسكو وعصره. والذي ينتهي بالمحاكمة الشهيرة في عام 1989. والتي لم تظهر كثيرا في الفيلم، الذي بدأ غير معني كثيرا بها أو بمشهد الإعدام الذي هز العالم وقتها، بقدر اهتمامه بالطريق الذي سلكه الرئيس الشيوعي للوصول إلى السلطة، ثم التشبث بها لأكثر من عشرين عاما. كل هذا يتم بواسطة المشاهد الأرشيفية فقط، حتى الموسيقى التصورية التي منحت بعض مشاهد فيلم "سينا" تأثيرا نفسيا مضاعفا، غابت تماما عن فيلم " السيرة الذاتية لنيكولاي تشاوشيسكو ". وتم استخدام الموسيقى الأصلية للمشاهد الأرشيفية المستخدمة، وغلب السكون أحيانا، لان المشاهد التي كانت تعرض وقتها، صورت بدون صوت. كالعديد من المشاهد المنزلية الخاصة لتشاوشيسكو، وزوجته، والتي نراها هي الأخرى، تتبدل، من الزوجة الحسناء الخجولة التي كانت ترافق عضو الحزب الشيوعي الشاب، إلى سيدة في منتصف العمر، تتصرف كملكة، تكتفي بمد يديها ليقبلها المهنئون من رجالات الحزب بعيد ميلادها.

ورغم غياب أي معلومات عن المشاهد الأرشيفية التي يتم عرضها في الفيلم التسجيلي، إلا أن من الممكن تتبع بعض ملامح سياسية نيكولاي تشاوشيسكو، وحتى لغير المتخصصين بالتاريخ، أو المطلعين على تاريخ رومانيا. فكثير من المشاهد الأرشيفية التي عرضها الفيلم، يتعلق بزيارات لتشاوشيسكو إلى دول أوربا الغربية، أو استقباله لرؤساء دول غربية. والتي اندرجت ضمن سياسيته للتقرب من الغرب، في مقابل خلافاته مع الاتحاد السوفيتي وقتها. هذا التوجه لم ينج رومانيا من الغرق في الفقر والفساد الاقتصادي. والحلول التي فكرت بها الدولة الشيوعية، لمشاكل الإسكان، والفقر، ستتحول إلى إحدى أوجه شقاء الحياة هناك. فالبنايات السكنية العالية، التي كان يزورها تشاوشيسكو أثناء تشيديها، ستتحول هي ذاتها وبعد سنين قليلة، إلى رمز لفشل الحلول الفوقية، إذ سيضربها الإهمال، لتزيد من تشوه المدينة وتعبر بشدة عن اختناق سكانها.

لغة الصورة

رافقت الكاميرات نيكولاي تشاوشيسكو و آيرتون سينا لسنوات طويلة من حياتهم، بقيت معهم حتى دقائقهم الأخيرة وصورت موتهم. قام الفيلمان التسجيليان بنقل عديد من تلك اللحظات الشهيرة، لكن جهد المخرجان أندريه اوجيكا و آصف كاباديا اتجه بالخصوص للبحث عن صور أخرى مجهولة، وأيضا إلى ترتيب تلك اللحظات العامة من حياة الرجلين، لتكشف الكثير عن ذواتهم. نجاح الفيلمين المبهر لا يتعلق فقط بتوليف ذكي، قادر على منح الإثارة لمشاهد متفرقة مأخوذة من حيوات شخصيات عامة، هناك الكثير من الجهد ذهب للبحث في تلك الشخصيات، دوافعها وتركيباتها النفسية، والبحث بعدها في الصور عن إشارات تدعم خلاصات تلك البحوث. فالمشاهدة المطولة للفيلمين تدفع تلقائيا إلى التمعن أكثر بحركة الجسد للشخصيتين، تبدلها على مر الأعوام. تعابير الوجه أيضا تفصح عن الكثير. يمكن الانتباه مثلا إلى حركة جسد " تشاوشيسكو "، المتعثرة التي تنقصها الثقة، كأنه يخشى أن يأتي شخص فجأة ويكشف للجميع بأنه لا يصلح لإدارة البلاد. في حين لم تغب النظرة البعيدة الغامضة عن وجه " سينا "، الذي يشبه راهب شاب من القرن السادس عشر.

الجزيرة الوثائقية في

16/01/2012

 

هادي ماهود ينتهي من تصوير (العربانة)

عبد الجبار العتابي من بغداد:   

إنتهى المخرج السينمائي العراقي هادي ماهود من تصوير فيلمه الروائي القصير (العربانة) الذي جسد ادواره عدد من الممثلين العراقيين، مؤكدا على حماسه بالقول : علينا أن نعمل بلا هوادة كي نعوض ما لحق سينمانا العراقية من خسارات فادحة.

وقال ماهود: انتهيت في مدينة السماوة من تصوير فيلمي الجديد الذي يحمل عنوان (العربانة) بمشاركة كادر من الفنانين والفنيين حيث قام ببطولة الفيلم جمال أمين المقيم في لندن وطه المشهداني والشاعر نجم عذوف القادم من النرويج، وقد أدار التصوير عمار جمال بينما كانت الإدارة الفنية من نصيب رائد الصراف وأدار الإنتاج فاضل ماهود وقد كلف المونتير عاصم عبد الستار المقيم في المانيا بمونتاج الفيلم.

واضاف ماهود: حظي الفيلم برعاية من مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية، وهذا ما جعل العمل في حالة تفاعل، وهو الذي كان قد عانى من مشكلة التمويل، وحدث أن صوت مجلس محافظة المثنى على دعم المشروع لكنه تراجع عن قراره من دون ذكر الأسباب،

وتابع: الفيلم يتعرض لما يعصف بالوطن من تهشيم بفعل صراعات الكبار بدوافع حزبية وقومية وطائفية لكنه يشير الى الطفولة التي ستصحح ما إقترفه الآباء لتسعى لصناعة عراق بألوان البالونات التي يحملونها.

وقد شكر ماهود محافظ المثنى ابراهيم الميالي ومدير عام شرطتها اللواء كاظم أبو الهيل وكل الدوائر الخدمية والعسكرية في السماوة التي قدمت تسهيلات لكادر العمل وأشار الى أن ذلك يشعرنا أن الإنتاج الثقافي لم يعد مسؤولية تقتصر على منتجها فقط.

واشار ماهود الى ان جميع العاملين في الفيلم عراقيون، وهم : جمال أمين جاء من لندن ونجم عذوف من أوسلو والمونتير عاصم عبدالستار من المانيا وطه المشهداني من بغداد وكذلك مدير التصوير عمار جمال ومساعد المخرج ملاك عبد علي والماكير المبدع بشار فليح أما مدير الإنتاج فاضل ماهود فهو من السماوة وكذلك مساعد المخرج الثاني فارس إبراهيم وساعدنا أخوتي عبدالحسين وعادل وآخرون.

يذكر أن فيلم (في أقاصي الجنوب) للمخرج هادي ماهود قد أقر من قبل وزارة الثقافة لإنتاجه ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية ومن المؤمل الشروع بتصويره في النصف الأول من هذا العام.

إيلاف في

17/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)