حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

هند صبري:

بكيت عند عرض «أسماء» في مهرجان أبو ظبي السينمائي

بقلم : رضوي عبد الكريم

فنانة تونسية المولد ولكنها أصبحت مصرية الحضور بأعمالها الكثيرة التي دخلت الي قلوب المصريين. أحبتهم وأحبوها وعاشت في قلوبهم لأنها عرفت كيف تدخل اليها بموهبتها المتألقة التي فرضتها علي الجميع. تتقمص الشخصية بكل ما فيها. فنانة شابة في العمر ولكنها كبيرة جدا بل هرمة في الموهبة. هي الفنانة هند صبري بطلة الفيلم الأكثر من رائع "أسماء" الذي عاشته بكل تفاصيله الحزينة، بل استطاعت بموهبتها الأصيلة ان تجعل الجمهور ايضا يعيش هذه التفاصيل وينتظر اللقطة تلو اللقطة في الفيلم بفضول غير مفهوم، فضول يجعل المشاهد ينتظر النهاية ليعرف ماذا حدث وماذا سيحدث. كل هذا لا يفعله فنان عادي بل يفعله فنان حقيقي يعرف كيف يأخذ الجمهور معه الي عالمه وهذا ما فعلته الفنانة المتألقة هند صبري في تجربتها الأخيرة الرائعة "أسماء". ونحن في هذا الحوار نحدثها عن تجربتها في الفيلم والتي تصفها بأنها من أصعب ما واجهت طول حياتها الفنية، وعن غضبها بسبب عدم حصولها علي جائزة من مهرجان أبو ظبي السينمائي. وكذلك نحدثها عن رأيها في صعود التيارات الدينية وفوزها بالأغلبية في تونس.

قصة حقيقية

·         < حدثينا عن تجربتك في فيلم "أسماء" وكذلك عن قصة الفيلم الذي نال إعجاب الجمهور ؟

- في البداية أحب أن أقول إن تجربتي في فيلم "أسماء" كانت مختلفة تماما عن كل تجاربي السينمائية السابقة بلا اي استثناء، فشخصيتي في الفيلم كانت مختلفة بكل المقاييس عن كل ما قدمت سابقا. اما فيما يخص قصة فيلم "أسماء" فهي قصة مستوحاة من قصة حقيقية لامرأة فلاحة تبلغ من العمر 45 عاما تعمل كبائعة للسجاد اليدوي الذي تصنعه بيدها وتتزوج من أحد شباب قريتها، وبعد الزواج تستمر ايضا في عملها كبائعة للسجاد وفي احد الأيام تتشاجر مع أحد التجار الكبار في السوق فيعتدي عليها بالضرب، ويقرر زوجها الذي يجسد شخصيته الفنان هاني عادل الانتقام منه وأخذ حقها فيقتله أمام الجميع ويدخل هو السجن ويصاب بالإيدز هناك، وعند خروجه يقرر الانفصال عنها حتي لا تصاب بالإيدز عن طريق العدوي ولكنها تصر علي البقاء معه وتوهمه أنها ايضا مصابة بنفس المرض حتي تحقق له حلمه الوحيد بالإنجاب منها ولكن الزوج يموت قبل ان تضع هي مولودتها حبيبة، فتضطر اسماء لمغادرة قريتها حسب رغبة شقيق زوجها وتكبر أسماء وتكبر ابنتها حبيبة، وتخفي عنها سرها الكبير الذي لا يعرفه سوي والدها الي أن تقتنع بالظهور في التليفزيون لتحكي عن مأساتها وأزمتها بطردها من المستشفي عندما علم الأطباء بإصابتها بالإيدز أثناء اجراء عملية الزائدة الدودية لها ،وتفاجأ أسماء اثناء ظهورها بمكالمة من ابنتها فتقرر أن تكشف الحقيقة وتعلن للجميع أنها إذا ماتت فموتها لم يكن بسبب مرضها اللعين الأيدز ولكن بسبب نظرة المجتمع لها

حملات توعية

·         < ألم تشعري ببعض الخوف أو القلق من المغامرة بتقديم فيلم عن مرض الإيدز؟

-علي الاطلاق أنا لم اشعر بالخوف او القلق لأنني أعرف ابعاد المرض وقرأت عنه كثيرا جدا وكذلك شاركت كثيرا في حملات التوعية التي نظمتها الأمم المتحدة وأعرف جيدا كيف ساهم الاعلام وجهلنا ايضا في جعل هذا المرض وصمة عار، فأنا لم ينتبني الخوف او القلق الذي يصيب الكثير من الناس لأنني اعرف تفاصيل نقل هذا المرض والمعاناة التي يعيشها المصابون به.

·         < ما أصعب مراحل التحضير الشخصية في الفيلم؟

-أصعب المراحل في الفيلم كانت قبل البدء في تصوير الفيلم بشكل فعلي لأنني دخلت في جلسات حوار مكثفة مع المخرج عمرو سلامة حول سيناريو الفيلم والحوار فيه والشكل الدرامي، اما مرحلة التصوير فكانت أسهل بكثير من كل ذلك.

أنف صناعية

·         < كيف وصلت فعليا لشكل أسماء الحقيقية؟

-الفضل يرجع في هذا الي الماكيرة البريطانية الشهيرة "جوالن" فكل يوم كنت أخوض معها تجربة تحول كاملة تستمر لأكثر من اربع ساعات فأنا كنت اضع انفا صناعية أكبر من انفي حتي أقترب من الشخصية الحقيقية بقدر الإمكان واعتقد ان كل ذلك قد ساهم في تقمصي للشخصية

·         < إلي أي مدي يمثل الفيلم قصة أسماء الحقيقية؟

-ما يمكنني أن اقوله أن قصة اسماء في الفيلم مزيج من عدة قصص استمعنا لها ولكن كان أبرزها واشدها قصة أسماء التي لم نقابلها ولو لمرة واحدة ولكن حكي لنا الكثير عنها وعن قصتها وقصة حبها لزوجها وكنت اتمني ان اشاهد صاحبة هذه القصة العظيمة .

·         < لماذا تم الاعلان عن سبب المرض في الفيلم بالرغم من أن هذا يتعارض مع العمل كرسالة؟

-هذا صحيح ونحن لن ننكره ولكن هذا كان من اقتراح واختيار عمرو سلامة مخرج الفيلم ونحن وافقنا عليه لأن وجهة نظره من ذلك كانت في أن الفيلم سيوجه لجمهور عريض جدا فأراد ان يمشي مع الموضوع خطوة خطوة لأن قصة الفيلم حقيقية، فأراد المخرج ان يقدم ملخصا للقصة لأنه كان سيكون هناك بالطبع تساؤل من الجمهور حول سبب إصابة هذه السيدة بمثل هذا المرض إذا لم يظهره المخرج في الفيلم

توصيل الرسالة

·         < كيف استقبلت ردود الفعل عن الفيلم ؟

-كنت سعيدة جدا بل كنت في قمة سعادتي لدرجة انني بكيت عندما تم عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان ابو ظبي السينمائي، فرد الفعل من الجمهور كان تتويجا لجهود من ساهموا في العمل جميعا فانا كنت طوال وقت العرض أراقب وجوه المشاهدين واراقب مدي تأثرهم بالفيلم، ولكنني سعدت لأننا نجحنا في توصيل الرسالة فالعمل كان صعبا جدا في موضوعه وكذلك تنفيذه، لدرجة أنني شعرت ان هذا الدور من أصعب ما واجهت في حياتي .

·         < هل غضبت لعدم حصولك علي جائزة من مهرجان أبو ظبي السينمائي؟

-لا أنكر انني غضبت بعض الشيء لأنني تعبت جدا في تجسيد هذا الدور وهذه الشخصية في الفيلم فالجائزة بمثابة مكافأة وشكرا، ولكن الأمر في النهاية أرزاق، ومهرجان ابو ظبي مهرجان ليس كل المهرجانات، وحصول كل من المخرج عمرو سلامة والفنان ماجد الكدواني علي جائزة جعلني اشعر بأنني أنا التي حصلت عليها

·         < بعيدا عن الفن نتطرق بعض الشيء الي السياسة فما رأيك بفوز حزب النهضة الاسلامي في بلدك تونس؟

-بصرف النظر عن أي شيء أنا سعيدة جدا بالانتخابات وبالمسار الديمقراطي الذي سلكته، حيث كان هناك رقابة دولية علي الانتخابات وجميع التونسيين اشادوا بها وبصرف النظر عمن حصل علي الأغلبية الأهم ان كل شيء سيكون مرتبطا بالديمقراطية، واعتقد أن هذا مسار تونس لأن بها حزبا اسلاميا "مودرن" فهو يعلن مرارا أنه لن يحكم البلاد وحده كما أنه حزب غير متطرف.

الإسلام السياسي

·         < من وجهة نظرك لماذا يخيف الحكم الاسلامي الشعوب العربية؟

-التيار الاسلامي موجود وبكثرة ونحن لا ننكر وجوده مطلقا، كما أنه احيانا كثيرة يستخدم الدين لتوجيه رسائله السياسية رغم انني لا اؤيد ذلك لأن رسائل الدين اسمي من ذلك بكثير، وهذه العلاقة هي بين العبد وربه وشديدة الخصوصية كما ان نتائج الاسلام السياسي ليست هي الأفضل دائما .

·         < نفهم من كلامك أنك مع فكرة فصل الدين عن الدولة بالمعني البسيط للعلمانية؟

-نعم أنا مع فكرة ضرورة فصل الدين عن السياسة وعدم الخلط بينهما فأنا مع الدولة المدنية التي تكفل لمواطنيها حرية الرأي والمعتقدات والملبس وكذلك حق المساواة مهما كان اختلافهم

·         < هند صبري مع أو ضد فكرة الأحزاب الدينية ؟

- لست ضد فكرة الأحزاب الدينية علي الاطلاق لأن هناك احزابا دينية لا تستند في برامجها الي المرجعية الدينية وهذا ما اعلنه حزب النهضة الاسلامي التونسي حيث اكد ان برنامجه سياسي وليس دينيا كما انه أعلن انه سيسير علي النهج التركي واعتقد انه قرار جيد وصائب وتركيا خير مثال علي ذلك.

·         < نعود للفن مرة اخري، هل ستعودين للتجربة الدرامية هذا العام؟

-نعم لقد وقعت عقدا منذ وقت قريب جدا مع المنتج طارق الجنايني الذي سبق وتعاملت معه في مسلسل "عايزة اتجوز"، حتي الآن لم نستقر علي السيناريو ولكن الشيء المؤكد أنه لن يكون مسلسلا كوميديا .

·         < هل ستتركين ابنتك علياء اثناء ذلك الوقت؟

-حتي الآن لا أعرف ماذا سأفعل بالضبط ولكن إن تعارض عملي مع تربيتي لعلياء سأتركه "بس يارب هذا الشيء ما يحصلش" وأنجح في أن انظم وقتي بينها وبين عملي.

جريدة القاهرة في

17/01/2012

 

السينما المصرية تواجه شبح التوقف

بقلم : نسرين السعداوي 

عملية الإنتاج السينمائي هي العمود الفقري للسينما وأساس صناعة الهيكلة السينمائية التي تعتبر من أهم مصادر الدخل القومي المصري بعد القطن مباشرة بالإضافة إلي أن السينما هي مقياس حضارة أي دولة والمرآة الشفافة التي تعكس ثقافة الشعوب بمختلف مستوياتها وجنسياتها وتؤرخ الظروف والأحداث السياسية والاجتماعية. كان الإنتاج السينمائي يتراوح ما بين 40 إلي60 فيلماً سنوياً ما بين الأفلام الكوميدية والغنائية والأكشن والاستعراضية والاجتماعية من خلال جهات إنتاجية متعددة كالقطاع العام، وجهاز السينما والعديد من شركات ومؤسسات الإنتاج ولكن في الآونة الأخيرة تقلص الإنتاج وكنا نأمل في إنتاج سينما غزيرة بعد الثورة ولكن ازداد الأمر سوءاً وحدث العكس حتي أصبحت شركات الإنتاج لا تتعدي أصابع اليد الواحدة. إلي متي سيظل الإنتاج السينمائي في اضمحلال هكذا؟ وكيف يستعيد عافيته؟ هروب جماعي في البداية تحدثنا المنتجة والفنانة إسعاد يونس:انكمشت حركة التوزيع الداخلي والخارجي حتي وصلت للاندثار وكانت شركات الإنتاج تعتمد علي تسويق المنتج الداخل والخارج وبسبب التقنيات والتكنولوجيا الحديثة التي تعمل علي توصيل كل الجديد إلي الجماهير بمنازلهم من خلال مواقع عديدة مقابل اشتراك زهيد يدر بالملايين علي أصحاب المواقع ويكبد خسائر فادحة للمنتجين نتج عن ذلك هروب شركات الإنتاج من هذه العملية الخاسرة وارتفعت نسبة البطالة بانقراض العمالة الفنية المتخصصة وبالتالي تقلص الإنتاج وهذه المشكلة مازالت سائدة. علاقات غير صحية يشير يوسف شريف رزق الله رئيس جهاز السينما إلي طبيعة النظام السابق وعلاقته غير الصحية التي تفرضه علي العمل مما أزاح المسئولية من قيادته السينمائية وكان علي أثر ذلك عدم وجود حافز أو تشجيع علي الإجادة والابتكار وفقد المبدع السينمائي استقلاليته وبالتالي فقد المنافسة التي كانت بين المؤسسات وشركات الإنتاج المختلفة وحل محلها الترهل في عملية الإنتاج. أضرار فادحة يستطرد الحديث المخرج علي عبدالخالق بقوله: وكانت تتدخل الدولة أحياناً لوقف إنتاج فيلم ما لأسباب سياسية أو اجتماعية وقد حدث مثلاً ببعض الأفلام التي كانت تحدد أسباب هزيمة سنة 1967 وهذا بسبب خسائر لدي شركات الإنتاج التي بدأت في تنفيذ الأعمال ودفعت عرابين للفنانين وأصحاب أماكن التصوير وتأجير كاميرات وهكذا مصاريف أخري وكم تضرر أصحاب شركات إنتاج من هذه السيطرة والهيمنة التي لم تكن من صنع شخص وإنما كانت عصابة النظام السابق المنتشرة في كل مكان ابتداء من جهاز الرقابة مرورا بجهاز أمن الدولة ووزارة الداخلية والخارجية وانتهاء بالمصنفات الفنية وهذه الآليات التي فرضت علي صناعة السينما علي مدي سنين وسنين وصلت إلي ما نحن فيه الآن ولكن الأمل مازال موجوداً في الفترة القادمة. غوغائية الثورة يري المخرج هاشم النحاس: الثورة قامت من أجل هدم القديم وبناء الجديد وعادة عقب كل ثورة تحدث غوغائية لا ينبغي أن نحكم عليها الآن فمثلاً بعد ثوة 23 حدثت انتفاضة فنية كان علي أثرها أفلام بها إرشاد وتوجيه جاد وكم كان الدعم والرعاية القومية لكبار ومثقفي مصر بذاك الوقت ولذا اتسمت هذه الفترة بثراء الإنتاج السينمائي المتميز المتنوع وفتحت السينما آفاقاً جديدة للسينمائيين المصريين واحتضنت مواهب جديدة من خريجي المعهد العالي للسينما ومن خارجه وتوفير فرص عمل لعشرات المخرجين الجادين والآلاف من العاملين بصناعة السينما واستقطاب كل ذي خبرة سينمائية وكانت سينما بها مضمون وهدف وفاعلية في نشر الوعي الوطني والقومي والاجتماعي وهكذا ستعود السينما في المرحلة المقبلة والحكم الآن علي الإنتاج السينمائي يعتبر ظلما للسينما لأننا مازلنا نعيش أحداث الثورة. مناخ الحرية يندهش الفنان عزت العلايلي من ندرة الإنتاج السينمائي بمصر التي لها الريادة والتاريخ السينمائي الذي له السبق بين أشقائها العرب ويقول هذه كارثة بكل المقاييس كم تحدثت عنها من قبل في جميع وسائل الإعلام المختلفة وأعتقد أن المناخ مهيأ الآن بما فيه من حرية بجميع مستوياتها ويشجع مبدعي ومحبي مصر علي الإنتاج والإبداع وكل فنان مصري لديه استعداد أن يشارك لتستعيد السينما المصرية مكانتها وريادتها المتعارف عليها. إعادة بناء تقول النجمة والمنتجة إلهام شاهين: لابد من تحقيق العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية السليمة داخل المجتمع أولاً وتطعيم الأعمال الأدبية بالواقع من خلال سينما لها قيمة وفكر يعيد بناء هيكلة الشخصية المصرية كما حدث من قبل في أفلام مثل: «الأيدي الناعمة، طريد الفردوس، ليلة الزفاف، الخروج من الجنة، بين القصرين، القاهرة الجديدة، القاهرة 30، الطريق» وأفلام لا تعد ولا تحصي وهكذا. ندرة الإنتاج تعلل الإعلامية هالة سرحان بقولها: اضطراب أحوال السينما في تلك الفترة نتيجة لعدم وضوح الرؤية وموقف الدولة من المؤسسات السينمائية فلابد من ترتيب البيت السينمائي أولاً من الداخل وتنقيته من شوائب الاحتكار بكل مكان واستعادة السوق التقليدية للفيلم المصري التي انكمشت نتيجة عوامل سياسية وضغوط إنتاج عربية من الدول الشقيقة ضد الإنتاج المصري كل هذه الأمور لابد من إعادة النظر فيها. تغيرات سياسية يختتم نقيب السينمائيين مسعد فودة بقوله: التغيرات السياسية والاجتماعية التي تعيشها مصر الآن تفرض أفلاماً محدودة ذات نوعية خاصة تناسب المتغيرات المتلاحقة ومعظم شركات الإنتاج تخشي علي مصالحها والجميع ينتظر انتهاء الانتخابات واستقرار الأمور والنظم الجديدة التي بمقتضاها وضع النقط علي الحروف. الخلاصة - ترتيب البيت السينمائي من الداخل وتنقيته من شوائب الاحتكار. - وضع آلية لصناع السينما علي ضوء الوقائع الاستراتيجية فور ظورها. - غلق المواقع التي تعرض الأعمال الجديدة بقانون رادع. - عودة المسئولية والاستقلالية للمتخصصين السينمائيين دون تدخل أي جهة أخري.- استقطاب كل موهبة سينمائية ذات هدف وفاعلية. - ضرورة تخطيط سينمائي مسقل بذاته بعيداً عن بيروقراطية وسياسة لجان وزارة الثقافة لعدم ضياع المسئولية.

جريدة القاهرة في

17/01/2012

 

حرام الفن .. وحلال الدين

بقلم : سمير الجمل 

بالفعل هذه هي قضية الساعة، وعلينا أن نفض الاشتباك بين فئة من أهل الفن تري الدين تشددا وعودة إلي زمن الخيمة والبعير وبين قطاع من رجال الدين ينظر إلي الفن بعين الشك والريبة ويخلط بين تصرف لفنانة وبين قيمة الفن نفسه؟ والبداية بسؤال بسيط إلي حد السذاجة؟ هل كل من يعملون في مجال الفن كفرة وألابسة؟ وهل كل من اطلق اللحية - يحمل بطاقة العضوية في نادي أولياء الله الصالحين؟ والله سبحانه وتعالي لا ينظر إلي ظاهر الناس وأشكالهم ويأمرنا بذلك لأنه وحده أعلم بالنوايا وما تخفي الصدور. وبداية أري أن تلك الحرب المشتعلة لا أساس لها واقع أو سند أو دليل مقنع من جانب الطرفين، وهو ما يعني قصر النظر وبناء الرأي علي موروث شفوي يتم تناقله بين الناس والدليل علي ذلك أن من اظهروا تخوفهم المبالغ فيه لدرجة ترك البلاد كلها، أغلبهم فنانات انحصرت أدوارهن في الإثارة فقط، بينما الأخريات الطبيعيات تناولن الأمر بعقلانية وثقة كاملة إن اعتدال الشعب المصري عبر التاريخ هو الضمان الأكبر للحد من التشدد والمغالاة في وطن يتسم أهله في معظم بالتدين سواء من المسلمين أو الأقباط. فئة قليلة وعلي الجانب الآخر، نجد أن فئة قليلة من أهل ما يسمي بالتيار الديني، فاتهم أن الكون ما هو إلا لوحة فنية ابدعها الخالق الأعظم لعباده علي اختلاف أشكالهم وألوانهم وعقائدهم، وتنوعهم في ذاته يعطي للبشرية باقة من الألوان، فوقهم سماء زرقاء وصحراء صفراء وأرض فيها الأخضر والأسود والأحمر. وكثيرا ما اتناول في محاضرات السيناريو التي أقدمها للدارسين سورة «يوسف» نمموذجا بديعا للبلاغة الفنية والأدبية، ورغم وجود سورة بعنوان «القصص» لكننا نجد المولي سبحانه يصف سورة «يوسف» بأنها أحسن القصص، وانظر إلي براعة الاستهلاك عندما قال يوسف لأبيه «إني رأيت أحد عشر كوكب والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين» ويرد الأب علي الفور ناصحا: «يا بني لا تقصص رؤياك علي اخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين» حتي يتأكد الأب النبي يعقوب أن ولده الصغير هذا سيكون له شأنه، ولأنه يتيم الأم ولأنه صاحب الرؤية يعطف عليه قلب الأب أكثر من غيره وبالتالي يزداد حقد وغيرة باقي أخوته الكبار، ومن اللحظات الأولي ندخل في صلب الموضوع دون أن نكشف الأوراق وها هم الأخوة الأعداء يجتمعون في مجلس حرب: «إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلي ابينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين، اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين»، أي أنهم وضعوا الخطة، ثم استخدموا المكياج عندما وضعوا دم الذبيحة علي قميص يوسف، لاقناع الأب أن الذئب قد أكله وهو يحرس متاعهم، وما فعلوه هو سيناريو تم الاتفاق عليه شفويا بعد أن رسموه في خيالهم، وتمضي السورة بعد ذلك لتروي لنا في أسلوب درامي مشوق وايقاع سريع بين مشاهد مطاردات، ثم أخري اجتماعية بعد وصول يوسف إلي مصر ونستوفي جوانب الحياة فيها، ثم نري مشهدا عاطفيا صريحا بين يوسف وامرأة العزيز لكن كيف قدمه القرآن الكريم تلك هي المسألة، وهنا نتعلم أن كل شيء قابل للنقاش والجدال وحرية التعبير مكفولة إلي أقصي درجة بشرط الالتزام فما الذي يزعج الفنان المحترم في ذلك. تشدد ديني ثم أمامنا تجربة نقدمها بلا حساسية في بلد فيه بين التشدد الديني اضعاف ما عندنا ومع ذلك تقدم «إيران» سنويا أكثر من مائة فيلم بعضها وصل إلي جوائز كبري في المهرجانات العالمية بدون مايوه أو قبلات أو شواذ واحترمتهم أوروبا وأمريكا ومنحتهم ارفع ما لديها من جوائز، وهو ما يؤكد أن الربط بين حرية الإبداع، والتحرر غير دقيق ولكنه يتم لأسباب تجارية بحتة، بل ولأسباب هدفها افساح المجال لشبح العولمة لكي يزيح من طريقه القيم والتقاليد والأعراف المحلية، في ظل ما يعرف بالاقتصاد الحر وآليات السوق. وها هو الكاتب والمفكر «سيدوسوت» يقول في تقرير مهم إن أسوأ جرائم الاستعمار كانت هي أضعاف مشاعر الثقة بالنفس لدي الشعوب وجعلهم يعتقدون أن الثقافة الغربية والدين الغربي والقيم الغربية والنماذج الفكرية الغربية والتكنولوجيا الغربية كلها أرقي مما لديهم»، لذلك احتفت المؤسسات والمهرجانات والدوائر الغربية بنوعية معينة من السينما العربية، دون غيرها وبصرف النظر عن المستوي الفني، فالمهم رفع شأن الحرية الفردية إلي حد الانفلات وهو أمرليس ببعيد عن وثيقة الأمم المتحدة التي صدرت في مؤتمر السكان منذ سنوات ونادت بالجنس الآمن وحرية الفتاة في الاجهاض وحماية حقوق الشواذ، وللأسف أغلب الأفلام التي تم تمويلها من الخارج ستجد فيها هذه المواصفات ولها ناسها لذلك سنجد فنانا من نوعية أحمد حلمي يقدم سينما تقول الكثير ولكنها تحترم مجتمعها، لهذا يحصد الإيرادات واحترام النقاد، ولكنه لا يتجاوز حدود الدائرة العربية لأن أفلامه تخلو من الأمور إياها وهناك كلمات بليغة جدا لشاعر هولندي يقول فيها: «كل الأشياء القيمة، لا نجد من يحميها» ويعترف «جووست سمايرز» في كتابه القيم «الفنون والآداب تحت ضغط العولمة» الذي ترجمه الكاتب الكبير طلعت الشايب، أن تيار الليبرالية الجديدة يدوس علي الكثير من الثقافات والقيم المحلية باسم العولمة، ومن هنا ارتفعت درجة الاشتعال الوهمي بين أهل الفن، ورجال الدين لا الفئة الأولي مارقة وكافرة ولا الثانية ملائكة، ولا يجوز شرعا، اتهام أحد بالكفر، لكنتقديم السلوك واجب وحتي في الدول التي تقدس حرية الفرد، يتم تجريم كل فعل فاضح يخدش حياء الآخرين، وعندنا قصة المرأة التي جاءت تعترف للنبي محمد - صلي الله عليه وسلم - بأنها زانية، فطلب منها أن تذهب لتضع حملها ثم جاءت فطلب منها أن تذهب لكي ترضع طفلها لمدة عامين، ثم عادت مرة ثالثة ولما طبق عليها الحد وماتت قام فصلي عليها، ولما عاتبه بعض الصحابة لأنها زانية باعترافها قال لهم: لقد تابت توبة عظيمة قبلها الغفور الرحيم بعباده. والقصة التي جاءت في حديث شريف صحيح تكشف أقصي درجات الرحمة والتسامح من نبي الإسلام - صلي الله عليه وسلم - لذلك يغفر الله للمذنب إذا فعل فعلته وندم عليها، لكنه يعاقبه أشد العقاب إذا تباهي واشاع الفاحشة والقرآن الكريم يقول في هذا الأمر «ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما». إثارة الشهوات فهل الفنون مجرد وسيلة لاثارة الشهوات؟ أم أنها نعمة يستثمرها بعض الموهوبين ومن فازوا بها، يصورون لنا القبح لنعشق الجمال، والظلم لكي نحب الرحمة، والبغضاء لكي نتمسك بالحب فهل يجوز لبعض أهل الفن بعد ذلك أن يحاربوا القبح بما هو اقبح؟ وهل يحق لمسلم مهما كانت مكانته إلا أن ينصح ويدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، وقانون الله الأعظم يقول «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». (وللحديث بقية)

جريدة القاهرة في

17/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)