حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

يسرا: أفلامي كانت ترى الانفجار الذي حدث في ثورة 25 يناير

أحمد فايق – القاهرة

تستطيع أن تلمس الصدق فيما تقوله، والذكاء الشديد الذي جعل منها واحدة من كبار النجمات في تاريخ السينما العربية، فالتجربة الفنية للممثلة المصرية يسرا تجاوزت الـ90 عملا ما بين أفلام ومسلسلات، تنقلت فيها بين مدارس إخراجية متنوعة، فقد عملت مع يوسف شاهين وخيري بشارة ومحمد عبد العزيز ورأفت الميهي وشريف عرفة وعلى بدرخان ويسري نصرالله وخالد يوسف وغيرهم، إلا أن الأكثر بروزا في تاريخها كانت تجربتها مع المخرج الراحل يوسف شاهين في عدة أفلام منها "المهاجر" و"حدوتة مصرية"، والنقطة الثانية الأكثر بروزا مشاركتها مع الثلاثي شريف عرفة ووحيد حامد وعادل إمام في مجموعة أفلام حققت نجاحا جماهيريا كبيرا، إعتمدت هذه الافلام على تشريح المجتمع المصري والعربي وطرح قضايا كان ممنوع الاقتراب منها في الدين والسياسة والجنس ومن هذه الافلام "الارهاب والكباب" و"المنسي" وبلغت تجربتها التليفزيونية قمة النجاح في مسلسل "رأفت الهجان" مع المخرج يحيي العلمي، ومن بعدها أصبحت تطل على الجمهور كل عام بمسلسل جديد في شهر رمضان، لدرجة انها أصبحت إحدى علامات رمضان المميزة بمجموعة من المسلسلات التي حققت نجاحا كبيرا منها "حياة الجوهري" و"بالشمع الاحمر" وأوان الورد" وغيرها، ولكن في رمضان هذا العام لم نر يسرا كالعادة، وخلت الصحف من أخبار وكواليس مسلسلها الجديد مثلما يحدث كل عام، وهو مايؤكد أن شيئا إستثنائيا يحدث، حيث تشير يسرا الى أن كل الاجواء في الحياة لم تكن جاهزة لتصوير المسلسل الجديد وذلك ما بعد الثورة المصرية.

تعمل يسرا الآن على تصوير فيلم "جيم أوفر"، مؤكدة أن فكرة الفيلم كانت في رأسها منذ عامين، "فاريتي أرابيا" إلتقت مع يسرا وتحدثت معها عن الفيلم الجديد والسينما المصرية ما بعد الثورة ودخولها في عوالم الانتاج والتقديم وعرقتها مع المخرج المصري الكبير يوسف شاهين.

·     فيلمك الجديد "فيلم أوفر" هو من إنتاج السبكي، هل إسم وتاريخ يسرا يسمح بالتعامل مع منتج يفضل الأفلام التجارية الاستهلاكية؟

أحمد السبكي صديق تعرفت عليه من خلال الصديق المشترك المخرج علي بدرخان، وفي هذا الفيلم وجدته يصنع أجواء جيدة، وهو مثل غيره من المنتجين يصنع أفلاما كبيرة وأخرى صغيرة، وأشعر بأنني فوجئت بمستوى السبكي في الانتاج، وأعجبت به وأنا سعيدة بالتعامل معه، وهذا مؤشر بأننا لا يجب علينا أن نطلق أحكاما على أحد دون أن نرى بأعيننا، ونجرب التعامل معهم.

·     تتمتع يسرا بذكاء جعلها تصل إلى ماهي فيه الآن، وبعد الثورة أصيبت السينما بحالة من الشلل المؤقت، فجميع صناع السينما لا يعرفون ماذا يريد الجمهور بالضبط..

لا أعرف على وجه التحديد ماذا سيحدث في مصر غدا وبالتالي لا أعرف ماذا سيحدث في السينما، ما أعتقده أن الناس تريد الأفلام الكوميدية، وتريد أن تضحك فقط، لا نستطيع عمل أفلام عن الثورة لأنها ما زالت مستمرة، وحينما شاركت في فيلم "العاصفة" كان بعد إحتلال الكويت بعشر سنوات، وقتها إنتظرنا حتى يصبح لدينا رؤية لما حدث وقد كان، وتجربة فيلم " 18 يوم" لم تكن تعبر سوى عن مواقف أو لحظات رصدها عشرة مخرجين وحدثت خلال ال18 يوما وبدون أحكام، وكنا نفكر في عرض الفيلم على "اليوتيوب" ، وعندما قرر مهرجان "كان" تكريم الثورة المصرية طلبوا منا عرض الفيلم في إطار التكريم كضيوف شرف للمهرجان، لكنني ضد عمل أفلام عن الثورة الآن فلننتظر حتى تصبح لدينا رؤية واضحة. لا يستطيع أحد أن يرصد ماذا يحدث بشكل فني، فالأحداث تتغير كل دقيقة، ولا أحد يستطيع أن يدعي أنه يتوقع أي شيء.

أفلامي كانت ترى الانفجار الذي حدث في ثورة 25 يناير، ومنها "مرسيدس" مع المخرج يسري نصرالله و"المنسي" و"الارهاب والكباب" وغيرها. حينما عرض فيلم "إبراهيم الأبيض" هاجمه كثيرون مؤكدين أنه لا يوجد في مصر بلطجية بهذه البشاعة، والآن نحن نرى هذه البلطجة، في تاريخي الفني شاركت في حوالي 90 عملا ، إذا كان منهم 30% تنبأت بما يحدث، فهذا جيد ولو شاهدت فيلم "البداية" ستجد أن ماحدث كان موجودا بالفيلم، ولا يصح أن يضربوا بتاريخك الفني عرض الحائط ويضعوك في تصنيفات غير مفهومة.

·     ماذا عن الانتاج، خضت قبل تجربة الإنتاج في فيلم "ضحك ولعب وجد وحب"، ومن بعدها إلهام شاهين في فيلم "خلطة فوزية"، ما الذي تغير؟

أنا غير ناجحة في الانتاج، فهو يحتاج إلى تفكير آخر، وتجربتي في ضحك ولعب وجد وحب، أجبرتني فيما بعد على صرف النظر عن هذه الفكرة، لأنها تحتاج قدرات وإمكانيات خاصة غير متوافرة لدي.

بعد الثورة كشفت ملفات جهاز أمن الدولة المنحل أنه كان يتم إستخدام الفنانين في قضايا ملفقة لشغل الرأي العام، كنت من بينهم حيث أثير حولك قضية شهيرة مع ضابط شرطة، وثبت أن هناك إفتراء عليها، وأن القضية ملفقة لشغل الرأي العام عن قضاياه الرئيسية.

حتى ولو كان هذا حدث ماذا تعتقد أنه بيدينا أن نفعله الان؟ إذا قلت هذا الكلام سأصبح متملقة، وأنا لست كذلك ولست منافقة، أترك مثل هذه الأمور الى الله وهو يعرف من الظالم ومن المظلوم، أعتقد أن هناك مواجهة وربما حربا شرسة بين الفنانين وبين التيارات المحافظة التي تحرم وتكفر الفن، وستشتد خلال الفترة القادمة، لقد شهدت الثورة لحظات ذات وجه جميل في بدايتها، وتحمل وجوها أخرى غير الوجه الجميل في البداية، وأنا سأقف أمام كل من يحرم علينا حياتنا ويكفرها بإسم الدين. نحن لدينا علماء ومثقفين في كل المجالات، ونتمتع بجغرافيا وتاريخ كبيرين، يستغلهم الغرب، وأصبح العرب يساعدون الغرب بشكل فردي من خلال علماء كبار في كل المجالات بداية من الفضاء ووصولا إلى الطاقة النووية، ولا نتكامل مع بعضنا البعض، وسبب تخلف المجتمعات العربية هو التعليم والفقر وغياب العدالة الاجتماعية.

·         هل هناك إمكانية لمشاهدتك في عمل سينمائي عربي مشترك

إن إمكانية مشاركتي في عمل سينمائي عربي مشترك الآن صعبة جدا، لأنه عادة يحدث بعد الثورات إنحدار إقتصادي متوقع، والسينما المصرية حتى الآن لم تحقق سوى 17% مما تحققه كل عام، فإيرادات السوق الداخلي تتجاوز سنويا 100 مليون جنيه، وحتى الآن لم نحقق نسبة ولو معقولة من هذا الرقم. السينما جزء من الصورة العامة ولا تستطيع أن تفصلها عن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فدور العرض لم يكن فيها أفلام، وحينما عرضت الافلام لم تحقق إيرادات، ولا أحد يعلم إلى أين نتجه، جزء من شعوري بالسعادة بالعمل مع السبكي أنه يحب السينما، فهو ينتج الفيلم ولا يعرف متى سيعرضه، وهل سينجح أم لا، لكنه قال لي أنه لا يستطيع أن يتوقف مثل غيره.

·         هل تفتقدين المخرج الراحل يوسف شاهين

أتمنى أن أجلس مع شاهين وأحتسي فنجان قهوة معه كي وأشكو له مثلما كنت أفعل، أفتقد أيضا نجيب محفوظ وصلاح جاهين ويوسف ادريس وشادي عبد السلام والعقاد وطه حسين وغيرهم، إن مصر تحتاج هؤلاء وتفتقدهم، والثورة تحتاج لأغاني صلاح جاهين وصوت عبد الحليم حافظ، والوضع السياسي يحتاج كل هؤلاء المثقفين كي يضعوا لنا طريقا نسير فيه، فهي ترى أن هؤلاء سخروا أنفسهم لخدمة مصر، ولم يضعوا مصر في خدمة أسمائهم، لم يبحثوا عن شهرة أو نجومية على حساب الوطن، وهم من زرعوا بداخلنا الوطنية وحب مصر، بكتاباتهم وأغانيهم وأفلامهم ورواياتهم. أريد أن أراهم جميعا الآن ليقولوا لنا ماذا نفعل من أجل هذا الوطن.

فارييتي العربية في

24/12/2011

 

صلاح السعدنى:

الديمقراطية ثمنها غالٍ.. وما دفعناه «قليل جداً»

كتب   محمد طه 

يبدأ صلاح السعدنى منتصف يناير المقبل تصوير مسلسل «الإخوة الأعداء»، المأخوذ عن رواية الكاتب الروسى دستوفيسكى «الإخوة كارامازوف»، المسلسل من إنتاج قناة (بانوراما دراما)، ويعقد السعدنى جلسات مكثفة مع المؤلف شريف حلمى والمخرج محمد النقلى للانتهاء من الشكل النهائى للعمل.

قال صلاح السعدنى لـ«المصرى اليوم»: تم الاستقرار على ٩٠% من أسرة العمل، وجار ترشيح باقى الممثلين المشاركين، حيث تم اختيار عفاف شعيب وفتحى عبدالوهاب وياسر جلال وحجاج عبدالعظيم ورانيا فريد شوقى وميمى جمال وعلا غانم.

وأشار إلى أنه سبق أن قدم رواية «الإخوة الأعداء» على خشبة مسرح الجامعة، أثناء دراسته بكلية الزراعة، وأخرجها هشام أبوالنصر، وعرضها العام الماضى على المنتج محمد السبكى لتقديمها سينمائياً، ويكتب لها السيناريو والحوار أحمد عبدالله، وبعد قيام الثورة توقف المشروع حتى فوجئ بشريف حلمى يعرض عليه تقديمها فى مسلسل يرصد ٣٥ سنة فساداً من خلال رجل أعمال صاحب نفوذ يستولى على العديد من المشاريع والأراضى بتسهيلات من الحكومة.

وأكد «السعدنى» أن المسلسل لا يتناول الثورة من قريب أو بعيد، وأنه لا توجد لديه مشكلة فى تقديم مسلسل سبق تقديمه فى فيلم، خاصة أنه سبق أن قدم مسلسل الباطنية، المأخوذ أيضا عن فيلم سينمائى، وقال: السيناريو الذى يقدمه شريف حلمى يختلف تماماً عن الفيلم الذى أخرجه حسام الدين مصطفى، ولعب بطولته يحيى شاهين ونور الشريف وحسين فهمى وميرفت أمين ومحيى إسماعيل.

وفى سياق متصل وصف «السعدنى» ما تمر به مصر من أحداث بأنه شىء عادى، لأن المصريين يشاركون لأول مرة منذ عصر «مينا» موحد القطرين فى بناء الديمقراطية وقال: لا يمكن أن نتحول إلى بلد ديمقراطى بين عشية وضحاها، فقد دفعت روسيا عشرات القتلى والشهداء بعد ثورتها العظيمة من أجل تحقيق الديمقراطية.

وأشار إلى أن هناك حالة من الاستعجال لتحقيق أهداف الثورة قبل الاحتفال بعيدها الأول.

وأكد «السعدنى» أن ما يحدث من قتل للمتظاهرين ثمن قليل لتحقيق الديمقراطية وبناء تاريخ أمة، وعبر عن سعادته بتحول مصر إلى بلد ديمقراطى، بالرغم من حزنه الشديد على كل نقطة دم تراق من أجل تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية.

وتوقع أن مصر سوف تتغير إلى الأفضل خلال ٤ شهور وستكون من أعظم الأمم فى العالم.

وعن صعود التيارات الدينية فى الانتخابات أشار «السعدنى» الى أن صعود الإسلاميين أمر لا يجب الخوف منه أو التعليق عليه، لأنها إرادة شعب ويجب أن نحترم ما جاءت به رغبه الشعب

وقال: أعتقد أن الإخوان يبحثون عن تحقيق العدل الاجتماعى منذ عام ١٩٢٨، والآن يتصدرون المشهد الانتخابى لرغبة الشعب فى هذا، وأعتقد أن لديهم حلولاً وقواعد لتطبيق الديمقراطية، وإذا فشلوا فهناك انتخابات أخرى بعد ٥ سنوات ستكون فرصهم فيها قليلة، مضيفاً: إن السلفيين يحتاجون إلى بطاقات تعارف للناس حتى يطمئن الجميع لوجودهم وقال: أعتقد أن لديهم يداً فيما حدث فى كنيسة أطفيح، وما حدث فى الكاتدرائية بالعباسية، وكنيسة إمبابة، والناس لديهم تخوف من وجودهم، وفى ظنى أن وجودهم فى الحكم سوف يجبرهم على تغيير لغتهم مع الناس، ويجب أن يكون هناك اختلاف فى الآراء والفكر، لأن هذا الاختلاف هو الذى يصنع تاريخ الأمم والشعوب.

المصري اليوم في

25/12/2011

 

"وهلّأ لوين"..

عن الأفكار الذهبية والسيناريوهات المتواضعة

محمود عبد الشكور 

أكرّر دائماً أن الأفلام ليست بأفكارها فقط ، ولكنها أولاً بالطريقة التى تُعرض بها هذه الأفكار، أى بالمعالجات والسيناريوهات الجيدة، ولو كانت الأفلام بأفكارها النبيلة لاعتبرنا أىّ عمل دينى فيلماً عظيماً، فى حين نعرف جميعاً أن الكثير منه تلك النوعية هزيل للغاية ويترك تأثيراً كوميدياً لتواضع مستواه الفنى.

تبدو هذه المقدمة ضرورية قبل تناول الفيلم الفرنسى اللبنانى المشترك "وهلّأ لوين" الذى أخرجته المخرجة اللبنانية نادين لبكى فى تجربتها الروائية الطويلة الثانية بعد فيلم "سكر بنات"، ذلك أننا أمام فيلم يتمتع بفكرة نبيلة وعظيمة هى نبذ الحرب، والدعوة الى السلام، بل إن لدينا خيوطاً ذهبية كافية لعمل فيلم ينضم الى كلاسيكيات كبرى تعتمد البساطة والعمق معاً.

ولكن النقد يهتم بسؤالين لا سؤال واحد هما :ماذا تقول ؟وكيف تقول؟، فإذا أجبنا عن السؤال الأول سنقول إن نادين لبكى الموهوبة لديها ما تقول، لديها أفكارٌ سامية وعظيمة بل ودالة على انشغالها بالتعبير عن بنات جنسها، والتعبير عن هموم وطنها، والإنفتاح على نظرة إنسانية شاملة وواسعة.

أمّا إذا أجبنا عن السؤال الثانى فسنقول أننا أمام مشكلة واضحة فى السيناريو المتواضع الذى يفتقد التماسك والتوازن، والذى لا يعمّق شخصياته، والذى يتأرجح بين الكوميديا الخفيفة والميلودراما، والذى يقفز أحياناً الى نتائج بدون مقدمات، والذى يعلو ويهبط، يوحى حيناً ويصرُخ أحياناً، يضع عيناً على الفانتازيا وعيوناً على الواقع اللبنانى ونظرة سريعة على الكوميديا الموسيقية ولكنه ينتهى بنا الى خليط غير متجانس ومبعثر، فلا أنت أمام فانتازيا أو واقعية أو كوميديا موسيقية.

مزج الأنواع

إذا كان الهدف هو المزج بين الأنواع باحتراف ووعى فهذا دليل نضج، أما الذى شاهدناه فهو دليل افتقاد الصنعة والحرفة، وآية ذلك أن فيلمنا يتضمن مشاهد عذبة رائقة ذكية تجعلك تهتف "ياللروعة"، وقبل أن تتم كلمتك يدهمك مشهد آخر يجعلك تصرخ "ياللسذاجة".

خلاصة القول إنك أمام أحد تلك الأفلام التى تمتلك فكرة ذهبية تبحث عن سيناريو فى مستواها دون جدوى، تلك الأفلام التى تنجح فى الإجابة عن سؤال النقد الأول فقط، وتتلعثم فى الإجابة عن السؤال الثانى فتحصل بالكاد على درجة مقبول.

هذا هو الإطار العام لمشكلة "وهلّأ لوين" الذى عرض فى قسم نظرة ما بمهرجان كان الأخير، والذى حصل على جوائز الجمهور فى عدة مهرجانات مثل مهرجان تورنتو، أما حيثيات حكمنا السابق عليه فيمكن تفصيلها على النحو التالى.

من حيث الفكرة والمعالجة المبدئية نحن أمام تنويعة لبنانية على نغمة وفكرة الكاتب المسرحى الإغريقى "أريستوفان" وتحديداً فى عمله الشهير"ليزيستراتا".

فى هذه المسرحية تقوم امرأة تدعى "ليزيستراتا" بتشكيل تحالف نسائى لإنهاء الحروب الطاحنة بين المدن اليونانية التى يُشعلها الرجال استجابة لغرائزهم العدوانية واستجابة لرغبات الإمتلاك والسيطرة.

وسيلة المرأة اليونانية طريفة حقاً وهى أن تتوحّد النساء على هدف رفض مضاجعة الرجال لهن إلا إذا وافقوا على توقيع معاهدة للسلام تنهى ما عرف بالحروب البيلوبونيزية.

الحرب والسلام

المعنى العميق فى فكرة أريستوفان أن الحرب رجل بينما السلام امرأة، المرأة تصنع الحياة بإنجاب الأطفال، والرجل يقتلهم بشن الحروب تحت لافتات المجد والنصر، المرأة أذكى والرجل أشرس، الحرب بين المدن توازيها حرب دهاء بين الرجل والمرأة، ثم إن غريزة العدوان التى تعبّر عن نفسها بالحرب لن يهزمها سوى غريزة الحب التى تعبّر عن نفسها بالجنس، ولا يفلّ الغريزة إلا الغريزة.

هذا هو الأصل العظيم لفكرة فيلمنا، ولكن التنويعة اللبنانية ذكية أيضاً: بدلا من ليزيستراتا لدينا آمال (نادين لبكى)، وهى امرأة لبنانية فى منتصف العمر تمتلك مقهى فى قرية معزولة على الجبل، وبدلا من سيدات المدن اليونانية لدينا سيدات القرية ثم تنضم إليهن بنات فرقة راقصة أوكرانية، وبدلاً من حرب قائمة بالفعل لدينا محاولات لمنع حرب جديدة، وبوادر فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين فى لبنان استنساخا لحرب طائفية شهيرة حصدت الأخضر واليابس طوال 15 عاماً.

منطق ليزيستراتا وأمال واحد وهو أن الحرب يشعلها الرجال وتدفع ثمنها  النساء، الرجل يموت أو ينتصر، أما المرأة فتفقد ابنها أو زوجها أو أسرتها، تعيش طول عمرها معذّبة بالأحزان، ويضاف فى التنويعة اللبنانية عنصر الدين، وكأن الرجل لم يكتف بوضع لافتات مزيّفة للمجد، ولكنه قرر أن يستخدم الدين لتبرير الحروب وكوارثها.

من أجل ذلك أقول أن نقطة انطلاق فيلمنا وثراء فكرته كانا يمكن أن تصنعا عملاً كلاسيكياً كبيراً يتميز بالعمق والبساطة والذكاء معاً، ولكن انظر معى كيف سارت الأحداث.

يبدأ الفيلم بافتتاحية غنائية جيدة تتحرك فيها آمال وسيدات الضيعة بخطوات إيقاعية معبرة متشحات بالسواد تصاحبها قطعات ذكية الى صور الشهداء، نتفاءل كثيراً لأن كتّاب السيناريو نادين لبكى ورودنى الحداد وجواد حجيلى افتتحوا فيلمهم بما يشبه افتتاحية الكورس فى المسرحيات الإغريقية، والتى تسرد وتلخّص وتعلّق وتفسّر.

الحكاية كما تقول الأغنية الجميلة عن قرية تريد أن تنتزع السلام وسط أجواء الحرب، ولكننا لن نعود مرة أخرى الى هذا الإستخدام الذكى لما يعادل الكورس الإغريقى.

ينطلق الفيلم بعد ذلك الى تقديم بانوراما عامة لقرية تجمع بين المسلم والمسيحى، والمسجد والكنيسة، سنعرف فيما بعد أن عدد موتى القرية فى الحرب أكثر من الأحياء، وسيلتها فى التواصل مع العالم حمار يقوده شابان يهبطان الى المدينة ويعودان الى سكانها بالإحتياجات المطلوبة، وعندما ينجحان فى الحصول على طبق استقبال، تجتمع القرية أمام تليفزيون واحد للمشاهدة تحت رعاية مختار/عمدة القرية.

يتم تقديم النساء بصورة عابرة، حتى آمال لا نعرف عنها الكثير، فقط سنشاهد صورة لرجل عليها شارة الحداد يُرجّح أنه زوجها، ونشاهد أيضاً ابنا صغيراً لها نستبعد أن تكون أنجبته فى سنوات الحرب اللبنانية لأنه أصغر سناً من ذلك، حتى نظرات الحب بينها وبين عامل مسلم اسمه ربيع يقوم بدهان المقهى تبدو مبتورة، هل هى جادة فعلا فى هذه العلاقة أم أنها تحاول استكشافها أم أنها تعانى من الوحدة؟ الله أعلم.

فجأة تندلع اشتباكات طائفية بين المسلمين والمسيحيين خارج القرية ينقلها الى التليفزيون طبق الإرسال، ومنذ تلك اللحظة تصارع النساء من أجل إبعاد رجال القرية عن فكرة التفاعل مع هذه الكارثة الجديدة خاصة أن السلاح موجود ولم يتم التنازل عنه.

لكن ضبط الصراع لم يكن جيداً على الإطلاق، وبدلاً من أن تسير الأحداث فى خط متصاعد تأتلف فيه الخيوط، بدا لفترة ليست بالقليلة أننا أمام اسكتشات منفصلة: تظهر مذيعة تتحدث فى التليفزيون عن الصدامات الطائفية فتتفق النساء دون أى تمهيد على الثرثرة والشجار بصوت عال حتى لايسمع الرجال.

يسقط صليب الكنيسة بطريقة بريئة وتدخل الماعز مسجد القرية فتقرر النساء التخلص من الطبق دون أن يحاول أحد إعادته، يعود الشابان بجريدة تحمل إنباء المعارك فتحرقها آمال ورفيقاتها. تتأزم الأمور رغم دعوات قس الكنيسة وإمام المسجد على طريقة أفلام الوحدة الوطنية المصرية، فتلجأ النساء الى جمع المال لاستضافة بنات فرقة استعراضية أوكرانية لمدة أسبوع، تقمن خلاله بشغل الرجال عن المشاحنات.

هنا نتقاطع من جديد مع فكرة أريستوفان بتنويعة جديدة:غريزة الحرب تواجه غزيزة الحب، رغم ذلك تبدو فكرة أريستوفان فى رفض النساء ممارسة الحب مع رجالهن أقرب بكثير الى نفسية المرأة من فكرة استدعائهن لنساء أخريات تشغلن الأزواج والعشاق.

ضعف السيناريو

من ناحية أخرى، تبدو ركاكة هذا الجزء فى أن السيناريو لا يصبر على زرع المعلومات لكى يقوم بحصدها فيما بعد، لا يصنع مقدمات قوية ولكنه يقفز الى النتائج، فإذا أضفت الى ذلك أنك لا تعرف الكثير سواء عن علاقة هؤلاء النساء، فأنت فى الواقع تنتهى الى ما يشبه ألعاب القط والفأر فى فيلم كوميدى خفيف عن علاقة الرجال بالنساء لا عن علاقة الناس بالحرب.

يتدعم ذلك بوصول الأوكرانيات من خلال حيلة تعطّّل الأوتوبيس الخاص بهم أمام الضيعة. هنا إشارة ذكية لأن الحرب الأهلية اللبنانية بدأت بالهجوم على بوسطة/ حافلة عين الرمانة، لدينا الآن بوسطة أخرى تحمل رسولات الحب والسلام.

لن تعرف على وجه التحديد ما ستفعله جميلات أوكرانيا، ستتكرّر أمامك مشاهد تذكرك بعشرات الأفلام التى يتهافت فيها رجال على نسوة جميلات، سيبدو بوضوح أن الفكرة لا تتطور وإنما تدور حول نفسها، لا جديد فى اللعبة: رجال مسلمون ومسيحيون يتشاحنون على أتفه الأسباب دون سبب مقنع لذلك ( لاحظ أنهم لم يبذلوا أدنى محاولة لمعرفة ما يحدث خارج الضيعة )، ونسوة تتأمرن لشغل أنظارهن عن فكرة الحرب.

على طريقة الميلودراما العتيقة يعود الشاب نسيم المسيحى مقتولاً برصاصة طائشة، وهو أحد الشابين اللذين ينزلان المدينة يومياً لجلب احتياجات القرية بالموتوسيكل، لقد أصابته رصاصة طائشة من صراع اسلامى مسيحى فى الخارج.

نتجوّل فجأة من كوميديا لطيفة الى ميلودراما مزعجة: صرخات ونواح الأم، مونولوج طويل لها أمام صورة العذراء، قيام الأم بتغسيل جثة ابنها ، محاولتها إخفاء الخبر عن الجميع بمن فيهن صديقاتها وابنها الوحيد المتهور عصام، وضعها الجثة فى بئر،اكتشاف عصام القصة ورغبته فى الإنتقام من المسلمين فى القرية، الأم تضرب ابنها بالرصاص لمنعه من الإنتقام حتى لا يشعل الحرب!

حفنة معتبرة من الكوارث التى تنقلك فجأة من مسرحية ليزستراتا الى مسرحية النائحات، فاصل سوداوى وسط فيلم كوميدى الطابع، تصرفات غريبة تتصادم مع الطبيعة البشرية، نعود بعد الفاصل فجأة الى اهتداء النسوة الى عمل مخبوزات ممتزجة بالحشيش لكى ينسطل الرجال وسط رقص الأوكرانيات الشرقى، ثم تقوم النسوة بالوصول الى مخزن الأسلحة المدفونة فى الأرض للتخلص منها.

لا تحاول أن تسأل نفسك: ولماذا لم تلجأ النسوة الى هذا الحل البسيط والإحترازى منذ بداية الفيلم ؟ ورغم كل ذلك لن تتوقف مشاحنات الرجال، بل وتتصادم آمال (لاحظ دلالة الاسم) مع حبيبها الإفتراضى ربيع الذى انحاز الى التعصب مع الآخرين فردت عليهم آمال بخطبة عصماء.

لا تجد النسوة سوى الحل الأكثر جموحاً وهو أن تتحول المرأة المسيحية الى مسلمة أمام زوجها، وتتحول المرأة المسلمة الى مسيحية بنفس الطريقة، ولك أن تتخيل أن هذه الحيلة أو الموقف الإحتجاجى الرمزى هو الذى سيجعل الرجال أخيراً يتركون المشاحنات ؟!

يتجمع أفراد القرية لدفن الشاب المسيحى المقتول، ومعنى ذلك أنهم استقبلوا خبر مقتله فى الصراع الإسلامى المسيحى بطريقة عادية لم تكن تستلزم من أمه إخفاء الخبر،  هناك كذلك مفاجأة أخيرة بانتظارنا هى أن النساء قمن بخلط مقابر المسلمين بالمسيحيين فيستاءل الرجال:" وهلّأ لوين"، أى الى أى طريق نذهب إذا كانت المقابر قد اختلطت!

اختلاط الخيوط

الحقيقة أن الخيوط  وليس المقابر هى التى اختلطت معاً، بدا لى أن صنّاع الفيلم يعتقدون أن الفانتازيا تعنى اللامنطق وليس البحث عن منطق مواز، وبدا لى أن الفيلم كلما حاول التحليق الى الخيال أنزله الواقع اللبنانى المعقد الى الأرض، وبدا لى أن هناك اهتماماً مسبقاً بتقديم مشاهد منفصلة جيدة فى حد ذاتها دون أى اهتمام بأن تكون تلك المشاهد جزءاً من بناء متماسك.

تُهنا فى صراعات متصادمة فأصبحنا أمام فيلم لا تعرف بالضبط هى قضيته الصراع بين الرجل والمرأة أم الصراع بين الحرب والحب أم الصراع بين العقل واستغلال العواطف الدينية، أصبح لدينا فى النهاية تحالفاً عجيباً وغير متجانس بين نساء القرية وفتيات أوكرانيا المأجورات وقس الكنيسة وإمام المسجد.

الأعجب أننا سنرى رجلى الدين فى النهاية وقد جلسا فى المقعد الخلفى العائد بالإوكرانيات الى المدينة، ترى لماذا تركوا القرية الى صراعات الخارج الطائفية؟ لماذا لم يشاركوا فى جنازة نسيم بعد أن تجاوب الرجال مع جهود التهدئة؟ الله أعلم.

يكون الفيلم عظيما إذا كان لديه ما يقوله، وإذا عرف كيف يقول، ومشكلة نادين لبكى فى فيلميها الطويلين سكر بنات وهلّأ لوين فى السيناريو وليس فى أى شئ آخر، لديها أفكار جيدة، ولديها قدرة على إدارة ممثليها الهواة ، كما أنها أيضاً ممثلة جيدة ولها وجه معبّر.

لدى نادين القدرة على تقديم صورة مختلفة اكتسبتها من تجربتها الطويلة فى عالم الفيديو كليب، ولديها إحساس واضح بالكوميديا وبالغناء وبالحركة الراقصة، ولكن كل ذلك تتواضع نتيجته بسبب مشكلات السيناريو الواضحة.

يدهشنى فعلاً أن أريستوفان صنع دراما متماسكة وخالدة ونحن لم نزل فى فجر الدراما بينما لم ينجح صنّاع هلّأ لوين فى ذلك ونحن فى الألفية الثالثة، ويدهشنى أكثر أن تفشل فى أغلب الأحيان فرصة تحويل الأفكار الذهبية الى أفلام ذهبية.

عين على السينما في

24/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)