حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«ذهب أسود» للفرنسي جان ـ جاك آنو

فيلم عادي بدعاية وميزانية ضخمتين

نديم جرجورة

لم يكن «ذهبٌ أسود» للفرنسي جان ـ جاك آنو مُصيباً، سينمائياً، في قراءته الآثار المتنوّعة التي أفرزها اكتشاف النفط في الجزيرة العربية، في ثلاثينيات القرن العشرين. لم يكن سهلاً على مُشاهد الفيلم الأخير لمخرج بعض روائع السينما الفرنسية والدولية، أن يتغاضى عن براعة الإخراج السينمائي في فيلم آخر تناول المسألة نفسها تقريباً، لكن في بقاع جغرافية مختلفة تماماً، أنجزه الأميركي بول توماس أندرسن في العام 2007 بعنوان «ستكون هناك دماء». لم يكن ممكناً لمحبّي السينما التحرّر من الوطأة الجميلة والساحرة لفيلم أندرسن، أثناء مشاهدتهم «ذهبٌ أسود». الأسباب كثيرة. أوّلها منبعثٌ من الفيلم الفرنسي: ضعف الاشتغال الدرامي المتعلّق باكتشاف النفط ومغزاه وآثاره، في بيئة يتنازعها انتماء حادّ لتقاليد حياة وسلوك عيش، ورغبة ملتبسة في الخروج إلى المستقبل. ثانيها خاصّ بالفيلم الأميركي: جمالية الكتابة السينمائية والمعالجة الدرامية لحكاية الاكتشاف والمسار التراجيديّ للشخصية الرئيسة. أي أن السقوط المدوّي لـ«ذهب أسود» دافعٌ إلى استعادة «ستكون هناك دماء»، إن لم تكن استعادة أفلام شبيهة أخرى ماثلة في كلاسيكيات الإبداع السينمائي.

المأزق الأول كامنٌ في أن فيلماً كهذا موقّع من قبل مخرج قدّم روائع عدّة، وإن قليلة، للسينما: «حرب النار» (1981)، «اسم الوردة» (1986)، «الدبّ» (1988)، «العشيق» (1992). هذا قبل أن يبدأ مرحلة اشتغال عاديّ، أطلقه «سبعة أعوام في التيبت» (1997)، علماً أن «عدو على الأبواب» (2001) شكّل ترجمة متماسكة لمفردات أفلام الحروب المشوّقة. المأزق الثاني كامنٌ في أن الترويج الدعائي بدا أكبر من أن يستوعبه فيلمٌ عاديّ. المأزق الثالث كامنٌ في أن المُشاركة الإنتاجية القطرية، الوافدة إلى المشروع بفضل اتصالات المنتج التونسي طارق بن عمّار على ما يبدو، لم تنجح في دفع المخيّلة السينمائية لآنو إلى أبعد مما قدّمه. كأن المخيّلة المذكورة باتت شحيحة. كأن الجشع الماليّ والارتهان إلى سطوة النظرة الغربية المتعالية، التي افترضت أن هناك ولادة لعصر عربيّ إسلاميّ جديد، حالا دون تحقيق فيلم جدّي، يُفترض به (أي الفيلم الجدّي المطلوب) ألاّ ينسحق أمام سذاجة الادّعاء بأن «ذهب أسود» صورة عن إسلام متسامح وعصريّ (بحسب الموضة السياسية والفكرية الآنيّة)، ولا يتخبّط بين نصّ مرتجل (أو هكذا بدا، على الأقلّ)، وإخراج ركيك، وتمثيل مسطّح، وتغاض أحمق عن جمالية العناوين الناشئة من اكتشاف النفط، دينياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً وتربوياً وإنسانياً وجغرافياً، في منطقة مُطالبة، حينها، بولوج عصر جديد، وهي مُكبّلة بتراث ديني حاد، وبسلوك حياتي متزمّت ومرتهن لنزاعات قبائلية عنيفة. المأزق الرابع كامنٌ في أن العناوين هذه كفيلة بإتاحة الفرصة المناسبة لإنجاز فيلم سينمائي بديع، على غرار «ستكون هناك دماء»، المرتكز على بعضها على الأقلّ، في حين أن فريق العمل الخاصّ بمشروع آنو لم يتعمّق في العناوين المذكورة، إما خوفاً من المسّ بالمحرّمات، وإما عجزاً عن فهم طبيعة الأرض والثقافة القبائلية والتراث الديني وطغيان التاريخ وغليان الجغرافيا، في البقعة العربية تلك، وإما هلعاً من مقاربة عميقة لعلاقة الدين الإسلامي بالتطوّرات الممكنة، في لحظة تاريخية لا مثيل لها.

هناك حيرة واضحة في فهم أسباب التسطيح الدرامي والسذاجة السينمائية الماثلين في «ذهب أسود»، الفيلم الذي توفّرت له إمكانيات مالية وتقنية ولوجستية أساسية. الفيلم الذي توفّرت له مادة درامية منبثقة من التاريخ والجغرافيا والصدام بين الدين والعلم. لكن الحيرة متوارية عندما يتمّ الانتباه إلى أن الخلل الفعلي حاضرٌ في النصّ السينمائي نفسه. أي أن المشكلة موجودة في النصّ بحدّ ذاته، لعجزه عن معاينة الحقائق والوقائع بمنطق سينمائيّ. لتهرّبه من كسر المحرّمات، أو لعجزه عن كسرها. لفراغه من اللغة السينمائية، كتابة ورسم شخصيات ومعالجة.

المشكلة موجودة أيضاً في الأداء العاديّ جداً للممثلين أنتونيو بانديراس وطارق رحيم الرائع في «نبي» (2009) جاك أوديار، ومارك سترونغ الحرفي في «مجموع الأكاذيب» (2008) لريدلي سكوت مثلاً، بينما حافظت فريدا بينتو، ذات الأداء العادي في «مليونير منازل الصفيح» (2008) لداني بويل و«ميرال» (2010) لجوليان شنايبل و«نهوض كوكب القرود» (2011) لروبرت وايت مثلاً، على النمط الأدائي نفسه في «ذهب أسود»: ارتكاز على نجومية باهتة صنعها لها «مليونير منازل الصفيح» من لا شيء.

الغربيّ الأميركي مكتشف النفط في الصحراء، جعل العلاقات المرتبكة بين العربيين السلطان نسيب (بانديراس) والأمير عمر (سترونغ) تزداد سوءاً. فالأول رجل أعمال لا يتوانى عن استخدام أية وسيلة ممكنة لتحقيق مصالحه. والثاني رجل كلمة وشرف، اعتبر الاكتشاف الجديد خراباً للجميع من دون استثناء. الكذب والخديعة ميزتا الأول، المحنّك سياسياً واللاأخلاقيّ أيضاً. التواضع والجرأة والكرامة سمات الثاني. صدام جعل الثاني يتخلّى عن ولديه «الأسيرين» لدى الأول. منذ ذلك الحين، بدأت التفاصيل: حب وصداقة وأخوّة وعلم ومعرفة وعنف إلخ.، ما أدّى إلى سيطرة الأمير عودة (رحيم) على الأرض والسلطة، بفضل العلم والحنكة المعرفية. مشاهد الحروب مثلاً مشغولة بحرفية عادية. والمرور على علاقة بالدين بالتربية المتزمّتة الآيلة إلى خوف جماعات مسلمة من الاكتشاف، ساذج وسطحي.

باختصار، هذا فيلم سبقته دعاية لا يستحقّها. دعاية جعلته في مصاف الأفلام الملحمية ذات الإنتاج الضخم. هذا صحيح جزئياً: مناخه العام مائل إلى نمط ملحميّ، في حين أن إنتاجه عاديّ قياساً إلى الميزانيات الهوليوودية الضخمة فعلاً. قيل إن «ذهبٌ أسود» ارتكز على ميزانية إنتاجية بلغت ستين مليون دولار أميركي. الصُور المعروضة على الشاشة الكبيرة تدفع إلى القول إن الميزانية تلك مصروفة على مشاهد التشويق والحروب واللقطات الواسعة. أما الخيال، فمنعدم. أما الحبكة المتينة، فغائبة. أما المعالجة الدرامية، فركيكة. أما التمثيل، فكارثة.

يُعرض الفيلم بدءاً من بعد ظهر اليوم في صالات «غراند أ ب ث« (الأشرفية) و«غراند كونكورد» (فردان) و«غراند لاس ساليناس» (أنفة) و«غراند صيدا» و«سينما سيتي» (الدورة) و«إسباس» (جونية) و«غالاكسي» (بولفار كميل شمعون). 

كلاكيت

الجزائريون ينبشون تاريخهم

نديم جرجوره

منذ ولادتها، لم تبتعد السينما عن التاريخ. إنه أحد أبرز مصادرها. إنها احدى أدوات تعبيره. بينهما علاقة وطيدة، أثمرت أفلاماً كثيرة، تفاوتت أهميتها بين المبدع والجميل، والعاديّ أو السيئ. للتزوير مكانه أيضاً. البراعة كامنة في كيفية تطويع التاريخ داخل السينما. في جعل السينما استيعاباً للتاريخ، أو لفصول منه. لكن السينما ليست درساً في التاريخ. ليست تاريخاً، بالمعنى العلميّ. اختيارها فصلاً أو فصولاً عدّة منه عائدٌ إلى رغبة ثقافية وفكرية وجمالية في التعبير عن موقف. في أرشفة لحظة. في قول مغاير للسائد. في «تلطيف» حالة. في كشف مخفيّ ما.

النتائج المنبثقة من العلاقة الوطيدة هذه بين التاريخ والسينما كثيرة ومتنوّعة، لا يُمكن حصرها. لكن السينما عاجزة عن قول الحقائق كلّها. الأفلام «التاريخية» لا تدّعي إحاطة بالجوانب كلّها للحدث المختار. مكتفية هي بسرد مقتطفات منه، تتلاءم والهواجس الثقافية والفكرية والإنسانية الخاصّة بالمخرج. أو بمن يقف وراءه أحياناً. في المقابل، هناك أفلامٌ تاريخية عدّة حرّضت معنيين كثيرين بالهمّ العام على إعادة النظر في وقائع وأحداث. مثلٌ أول: «بلديون» (2006) للفرنسي الجزائري الأصل رشيد بوشارب. استعاد الفيلم علاقة جزائريين بفرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية والاحتلال النازيّ لها. حارب هؤلاء الجزائريون المحتلّ النازي. أي أنهم وقفوا إلى جانب... محتلّي بلدهم. دفع الفيلم مسؤولين رسميين فرنسيين كبار إلى إعادة النظر في الحقوق المهدورة لهؤلاء الجزائريين، الذين استعادوا شيئاً منها بفضل الفيلم. مثلٌ ثان: «رجال أحرار» (2011) للفرنسي المغربي الأصل إسماعيل فرّوخي. حفر في أعماق مجتمع ومناخ سياسي (1941). قدّم شهادة عن تسامح وانفتاح إسلاميّين، من خلال شخصية إمام جامع باريسيّ، فتح أبواب جامعه أمام يهود ومقاومين لحمايتهم من بطش المحتلّ النازيّ. مثلٌ ثالث: «الخارجون على القانون» (2010) لبوشارب أيضاً. جزائريون عديدون وجدوا أنفسهم في فرنسا بسبب اضطهادها لهم في بلدهم الأم، قبل أن ينخرطوا في المجتمع الفرنسي وفي لعبة الصراع الدائر حينها بين مطالبين بحرية الجزائر واستقلالها، والمحتلّ الفرنسي.

هناك الآن نمطٌ آخر من الاحتفال السينمائي، الجزائري تحديداً، بحادثة تاريخية أراد فرنسيون كثيرون طمسها: في السابع عشر من تشرين الأول 1961، ارتكب رجال شرطة فرنسيون في باريس «مجزرة» بحقّ جزائريين تظاهروا في العاصمة الفرنسية رفضاً لقرار منع التجوّل الذي طالهم، خوفاً من الإدارة الفرنسية إزاء ما يُمكن أن يفعلوه ليلاً، في ظلّ مفاوضات جارية حول «تحرير الجزائر» من الاحتلال الفرنسي. أفلام عدّة وثّقت الحادثة، أوّلها «أكتوبر في باريس» لجاك بانيجل، وآخرها «هنا نُغْرِق الجزائريين» للفرنسية ذات الأصل الجزائري ياسمينة عدي.

الجزائريون ينبشون تاريخهم، مستعينين بالسينما لكشفه أولاً، ولحمايته من الاندثار والنسيان ثانياً. يُدركون أن السينما أفعل تأثيراً في النفس والوعي. أقدر على سرد حكايات أصلية. إنهم، بهذا، محقّون. أليس كذلك؟

السفير اللبنانية في

01/12/2011

 

«الفنان» للفرنسي ميشال هازانافيسيوس

جـمـالـيـات الـصـمـت

نديم جرجورة 

هذا أحد الأفلام الجميلة، المختارة في الدورة الثامنة عشرة لـ«مهرجان السينما الأوروبية»، المُقامة حالياً في صالة سينما «متروبوليس» في «أمبير صوفيل» (الأشرفية). أكاد أقول إنه أحد الدروس السينمائية في صناعة فيلم. لا أبالغ. لكنّ المُشاهدة كفيلة بتأكيد قول مفاده أن العمل الأخير للمخرج الفرنسي ميشال هازانافيسيوس (مواليد باريس، 29 آذار 1967)، المعنون بـ«الفنان»، مثير لدهشة العين والقلب والانفعال والروح معاً. لعلّ هذا كلّه موجود بدرجة أقلّ مما توحي به الكتابة هنا. لكنه موجود في الأحوال كلّها. الدهشة أمام إمكانية الأسود والأبيض في إثارة الدهشة. الدهشة أمام براعة الكتابة وسلاسة الإخراج وجمالية التمثيل في إثارة الدهشة.

ليس تلاعباً بالمفردات. الفيلم الجديد هذا لوحة إنسانية استعادت زمناً مضى من خلال السينما نفسها. استعادت تاريخاً عابقاً بأجمل اللحظات الفنية، وبأحلى المتع البصرية. استعادت أسلوباً في الاقتراب من أحوال الدنيا، ومن الاشتغال السينمائي. الأسود والأبيض سمة. الصمت سمة ثانية. لكن المواضيع المطروحة، وأساليب الإخراج والتصوير والأداء وغيرها من التقنيات، جعلت الأفلام تلك متناغمة وأحوال الراهن وأفكاره وتبدّلاته. الفيلم الجديد هذا، «الفنان»، صورة جميلة عن زمن جميل: ممثل يُدعى جورج فالنتان (جان دوجاردان)، ذو شعبية كبيرة اكتسبها بفضل عمله في السينما الصامتة. لكنه عاجزٌ عن اللحاق بالتطوّر المتمثّل بولادة السينما الناطقة. هذا اختصار للحبكة. هذا مدخلٌ إلى عالم متكامل من البساطة في السرد الحكائي، والجماليات المرتكزة على الاحترام الكامل لتقنية الفيلم الصامت المشغول بالأسود والأبيض. فالفيلم مفتوح على أسئلة المهنة والإبداع وآليات العمل الإنتاجي والتمثيل والحبّ والإحباط والصدام مع الذات والآخرين. الفيلم مفتوح أيضاً على معان متنوّعة للسينما، وعلى المسار التاريخي لها، وعلى متعة المُشاهدة.

قبل عشرات الأعوام، خطرت في بال المخرج ميشال هازانافيسيوس فكرة تحقيق فيلم صامت بالأسود والأبيض، للمرّة الأولى: «أثناء اشتغالي في المجال الإعلاني». رأى أنها فكرة مقبلة من سينيفيليّ متمرّس: «المخرجون جميعهم الذين أحبهم جاءوا من هنا: هيتشكوك، فيدور، لانغ... الأهمّ في المهنة هذه، معرفة أي مشروع ستتكفّل إنجازه. أمضيتُ وقتاً طويلاً قبل اختياري المشروع هذا، لأني كلّما تحدّثت عنه أثرت ضحك الجميع عليّ»، كما قال المخرج في حوار منشور في المجلة الفرنسية الأسبوعية «إكسبرس» (13 تشرين الأول 2011): «عليّ الاعتراف بأني لم أكن ذو مصداقية كبيرة حينها، بعد فشل فيلمي الأول «أصدقائي» (1999). بعد فيلمي الثاني «أو أس أس 117» (2006)، بدوت رائعاً جداً أمام الجميع. فكّرت حينها أن وقت الفيلم هذا قد حان. التقيتُ منتجين. بعضهم نصحني بالتعاون مع نجمة أميركية. وجدت نفسي في الحالة العبثية هذه، المتمثّلة بكوني المخرج الوحيد المُطالَب بخوض معركة لفرض جان دوجاردان في فيلم. احتجتُ إلى منتج مجنون، عثرت عليه في شخص توماس لانغمان، الراغب في العمل معي منذ وقت طويل. يمتلك الجنون والحماسة الضروريين للعمل في مشروع فريد من نوعه إلى حدّ كبير كهذا».

يُعرض «الفنان» الثامنة مساء اليوم الخميس في الصالة الأولى في «متروبوليس» في «أمبير صوفيل» (الأشرفية)، بحضور المؤلّف الموسيقيّ للفيلم لودفيك بورس

السفير اللبنانية في

01/12/2011

 

خذلان النساء في فيلمي «بيروت بالليل» لعربيد و«أسماء» لسلامة

خميرة لم ينضجها إخراج تقليدي

زياد الخزاعي  (لندن) 

تُجمَع بطلتا فيلمي اللبنانية دانيال عربيد والمصري عمرو سلامة على دونيّة أخلاقية. إنهما عدوّتان مضمرتان للعرف الشخصي قبل الخارجي الاجتماعي. للعائلة، هما نموذجان مستحقران، وخاضعان للزلل والاضطهاد. للعام، هما ناقصتان، لا تجلبان سوى المذلّة. لكن، ماذا لو تدخّلت السياسة؟ هنا، تتحوّلان إلى وسيط خطر يحتمل الصورة المنمّطة للكائن العربي، الذي عليه أن يُخرَّس ويُقصّى ويختفي. في «بيروت بالليل» لعربيد (عُرض في «السوق الدولية» في «مهرجان تسالونيكي الإغريقية»، وفي «مهرجان دبي السينمائي» الأسبوع المقبل)، تتورّط الحسناء زها في علاقة انتقاصية مع وافد فرنسي. كلاهما مرتَحَل: هي من زيجة عنيفة تسعى لانعتاق ذاتيّ منها، يفترض (الانعتاق) أن الحبّ مع أي يكن، عدا لبنانيته، هو تحرّر مضمون من واجب الاذلال. بيمنا تقع دائرة الرجل الأوروبي وسط لبنانيين هم خليط من قوّادين ولصوص أحزاب ومتآمرين وزناة ووشاة. مهمة زها الغناء في المقاصف الليلية، أي أنها الوجه السياحي لعمّورة شرق أوسطية، تختفي تحت جناح الظلمة والأسرار والمؤامرات. أما هو، فمرتهن لمهمة غامضة مغلّفة بالتجسس والتآمر الدولي، عينه على الشام، بينما نطفته لا تجد سوى شابّة تقول له بثقة مبالغ فيها: «أنا لبنانية. إذا كذبت، أقتلك».

ضحية

زها ضحية مزدوجة الوجه. أولاً، لفراش ماثيو (أداء خائب للفرنسي القدير شارل برلينغ)، الذي خطفته قوّتها قبل طلّتها البهيّة، لنتابع مواقعات كان يُفترض بها أن تكون إيروتيكية، إلاّ أنها انتهت كهواء حارّ وفاسد لغرفة موصدة. ذلك أن وقوع الشابّة اللبنانية في الحضن الفرنسي تحقّق أسرع بكثير من كشفها حقيقة عمله أو هدف تواجده. زها (دارين حمزة) امرأة مخذولة من الجميع. مشكلتها الأولى أن زوجها المنفصلة عنه لا يريد تركها، إن لم يكن يريد ابتزازها. عندما واجهها بعلاقتها «الآثمة» (وصف لا يقاربه الفيلم) قائلا بلؤم: «شو زَبَلك. بس نام معك فَلّ»، صرخت في وجهه: «اتركني يا كلب». في المقابل، استعملت لغة مختلفة تماماً مع ماثيو، الذي أخبرها بنَفَس متقطّع: «لا أستطيع العيش من دونك. يُمكنني أن أرحل غداً»، فأجابته بصراحة مضحكة: «سأكون مشكلة لك». هذا الاختلاف غير المبرَّر ضَمَن لمخرجة «معارك حب» (2004) و«رجل ضائع» (2007) قدرةً على التماهي مع نعرة متفرنسة عنيدة، وإصرار فاقع على إذلال لبنانية شخوصها. فهؤلاء جميعهم من دون استثناء أرذال. ثانياً، تحوّلت زها إلى وجه بيروتي صارخ في طَلَقه وعناده. هي تُدخّن وسط شارع الحمرا، ولا تتوانى عن احتضان ماثيو قرب أحد مقاهي الشارع العريق. وهذا الأخير غير معنيّ، بحسب عربيد، بأفعال شخصية يُفترض بها أن تكون خاضعة لمحاسبة العرف العام.

شَعَر مُشاهد «بيروت بالليل» أن المدينة، التي نراها على الرغم من أنف الشريط نهاراً، هي جحيم يتلظّى بناره أناس اختارتهم المخرجة الموهوبة قسراً. فماثيو متورّط بالتخابر ضد «حزب الله» تحت غطاء خبرته بشبكة الاتصالات الفرنسية (فرانس تيليكوم)، ويداه ملوّثتان بعلاقة مخابراتية سابقة لا تزال تطارده مع خائن للحزب يدعى حسين (فادي أبي سمرا)، سعى بدأب نادر لبيع حكاية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، التي ادّعى أنه يملك وثائق تُدين دمشق ونظام الأسد. عندما واجه الوافد الفرنسي مسؤولاً في المكتب الثاني، إثر مطاردة مفتعلة، أفحمه هذا بقول تحوّل إلى ما يُشبه القرين الفاسد للعنة اللبناني: «إذا ظننت أنك تعرف لبنان، فأنت مُضلّل». ليل بيروت بحسب عربيد لا يحمل سوى بغاءات متنوّعة. هي تورية عن خصم سياسي فاسق، لا يُراعي إدارة البلاد والعِباد. عليه، نفهم لماذا تُصرّ عربيد على اختزال الدولة بالمخابرات. فحياة الليل لا يُمكن، في الفهم الساذج، إلاّ أن تكون صنو التجسس والتآمر والسقط الأخلاقي.

في «رجل ضائع»، أرغمت عربيد بطلها الفرنسي توماس كور على اختراق فحولة العربي التائه فؤاد صالح، معوِّضاً انكسارها بمضاجعات ماراثونية. في «بيروت بالليل» («فندق بيروت» بالإنكليزية) تكفّل ماثيو بفضح عالم زها، التي هدّدته باللغة الفرنسية في بداية الفيلم: «هل تظنّ أني عاهرة. أنت كذّاب. أنت جاسوس»، قبل إصرارها على إثارة غيرة المُشاهد، عبر لقطات مملّة عبث فيها بثدييها خلال لعبة الفراش في الفندق البيروتي، ذلك المكان الذي تحوّل عمّاله إلى وسطاء «دعارة متحضّرة». ومع اقتراب رحيله المفتعل، وصل المُشاهد إلى حقيقة نظافة يده ومهمّته، إذ تمّت تصفية حسين كما يجب من قِبَل «أشرار» «حزب الله»، بينما تفلّت من العشيقة المحكومة بقدرها اللبناني، الذي لن يفكّها من أسره، لتصبح معه امرأة حرّة في فرنساه. نسمعها تُغنّي في نهاية الدقائق التسعة والتسعين: «أحبّ كلّ الناس، وأمتلئ بالإحساس»، على الرغم من أنها لا تحقّق نصراً يجعلها متفائلة إلى هذا القدر الفارغ.

جهالة

كما بطلة عربيد، تُجبر البطلة المصرية «أسماء» (التونسية هند صبري) على الارتهان للخطيئة الاجتماعية. فالأمّ التي ترمّلت بعد مشادّة تافهة، تُفَرد عن الكلّ الصحيح كي لا تلوّثه بفيروس «إيدز» الذي تحمله في دمها. «أسماء» (عُرض في برنامج «آفاق جديدة» في الدورة الأخيرة لـ«مهرجان أبوظبي السينمائي» في تشرين الأول الفائت)، التي لا يحميها الحجاب الذي على رأسها من الذلّ، ليست عورة صحية وحسب، بل كائناً ناقص الذمّة، كونها تحمل الإثبات السرّي على جريمة لم ترتكبها، وكذبة لم ترد أن تحمل ديدنها لولا مخافة الفضيحة، لتُجبر على الخَرَس.

تقف بطلة المخرج الشاب عمرو سلامة كيقين ثابت على الجَهَالة التي تُحيط بها من كل منفذ، سواء من الجيران أم من مصالح الدولة أم رجل الدين. وكي يوسّع صاحب «زي النهاردة» (2008) من بطولية امرأة مستوحدة، تُجاهد في عمل مذلّ كعاملة تنظيفات في مطار القاهرة، وفي رعاية ابنة مراهقة وأب عليل (ثيمات مصرية تقليدية)، صاغ بطولة مقابلة لإعلاميّ متأفّف يُدعى محسن (ماجد الكدواني)، يكفي اسمه لقيادة هذه السيّدة المقموعة إلى نصر غير متوقّع ضد المؤسّسة الرسمية، التي تخجل من إعلان «إيدز» المرأة في مصر، بمساندة «رجل ملمات» لا يتوانى عن مساعدتها، قبل ترشيح نفسه للزواج منها، هي المحاصرة بـ«عارها» ومخاوفها على شرف صغيرتها، التي تغفل أنها تواعد عشيقاً عند جسور القاهرة.

بدا جلياً أن بناء الفيلم لم يخرج عن إطار تقليدي وتجاري معهود في السينما المصرية. من الغباء تحويل هذا العمل، الذي استفاد من أسانيد مالية دولية بسبب موضوعه، إلى نصّ نضالي، كما حاول البعض تجييره. فهو لسان بالٍ حول قضية معاصرة، جيّره سلامة إلى لافتات كلامية كثيرة، قبل أن يُشحن بطلته الفلاّحة بلسان بليغ فجّر محاسن التشبيه والتعاطف والنصرة مع قضيتها، ومثلها عشرات آلاف المُصابات في العالم العربي. كما بان شغف سلامة بالتورية الإعلامية أيضاً. فالتلفزيون وحوارياته التي خصّص بها القسم الغالب من فيلمه، قيمة سياسية مضمرة للسلطة المغيّبة. وما عدا مشهد السجن حيث التقت أسماء زوجها، حيث اكتشفت إدمانه المخدّرات، لا عناء للبحث عن مؤشّرات فاعلة لاستحكام الإرادة الحاكمة. فقد حيّد خطأ الدولة بصرخة البطلة التي تجلّت تلفزيونياً كـ«جان دارك» مصرية، بعد أن أفلحت منتجة البرنامج في إغرائها بعرض محنتها. رفضت أسماء إخفاء سُحنَتها. ولعجب مُشاهدها، قلبت الفلاّحة الأمّية المجنّ الأخلاقي والسياسي، مثيرة غباراً كثيراً على شاشات البيوت القاهرية، قبل أن تخفت أضواء الاستديو، وتنتهي معها ظلامتها الاجتماعية، كإشارة على ضعف صمودها أمام دهاء السلطة الأوتوقراطية وحيلها.

ماتت ذكرى «أسماء» وصُوَرها دقائق بعد انتهاء الفيلم، لأن خميرة قصّتها لم يُنضجها نصّ مخرج شاب، أصرّ على الالتحاف بأسمال عباءة أكثر أجداده السينمائيين عتقاً.

السفير اللبنانية في

01/12/2011

 

تشارك فيه فلسطين وإسرائيل ولبنان وسوريا وإيران والعراق ومصر وليبيا

مهرجان "الشرق الأوسط.. ما الذي تستطيعه السينما" نقاشات لأفلام "السلام"

دبي - العربية.نت  

تضم الدورة الخامسة من مهرجان "الشرق الأوسط ما الذي تستطيعه السينما" حوالي 60 فيلماً تمثل عدداً من الأعمال الملتزمة بالسلام من بلدان المنطقة ومنها فلسطين وإسرائيل ولبنان وسوريا وإيران والعراق.

وتماشياً مع مجريات الربيع العربي، فقد أضيفت أعمال من مصر وليبيا هذا العام الى التظاهرة التي تديرها جانين ايفرار صاحبة كتاب صدر قبل سنوات ويحمل عنوان المهرجان نفسه.

وقالت ايفرار لوكالة "فرانس برس" بمناسبة افتتاح هذه الدورة من المهرجان "لقد أضفنا في هذه الدورة أعمالا من مصر وليبيا كوني أعتبر أن الربيع العربي لم يكن هدية فقط للعالم العربي وإنما أيضا لمهرجاننا".

وحول طبيعة البرنامج أوضحت جانين ايفرار "نحن نقدم السينمائيين الملتزمين بالسلام، وبالطبع كان من الصعب العثور على أفلام من داخل سوريا لذلك فنحن نقدم فيلمين سوريين لمخرجين في المهجر".

واعتبرت المفوضة العامة للمهرجان أن "ثمة أملا بالنسبة للمنطقة ويتجسد هذا الأمل بالنسبة للفلسطينيين باعتراف منظمة اليونسكو بفلسطين (..) الأشياء تتحرك لكن ببطء... والفلسطينيون يتمتعون بصبر كبير لا مثيل له".

وافتتح المهرجان الذي يستمر لغاية 15 كانون الأول/ديسمبر مساء الأربعاء في سينما "3 لوكسمبورغ" في الحي اللاتيني في باريس بحضور جمهور كبير وبجلسة نقاشية شاركت فيها ليلى شهيد ممثلة فلسطين لدى الاتحاد الأوروبي ويائيل بن ييفيت عضو المجلس البلدي في تل أبيب عن لائحة المعارضة اليسارية "المدينة للجميع".

وأدار الجلسة الصحافي والكاتب دومينيك فيدال الخبير بشؤون الشرق الأوسط والذي نظم كل جلسات النقاش والطاولات المستديرة في المهرجان لتضم أسماء هامة تجمع سياسيين إلى باحثين ودبلوماسيين مختصين وأصحاب تجارب في الشرق الأوسط.

وتضم التظاهرة عددا من الندوات إحداها بعنوان "الربيع العربي" بينما يخصص يوم الجمعة في الثاني من كانون الاول/ديسمبر للحديث عن سوريا ولبنان في جلسة مع فاروق مردم بك مدير دار نشر "آكت سود" ومدير حلقة الاقتصاديين العرب.

وعن العراق وكردستان يتحدث حميد بوزرسلان مدير الدراسات في مدرسة الدراسات العليا والعلوم الاجتماعية في فرنسا وبمشاركة كريس كوتشيرا المصور والصحافي الذي عمل في كردستان.

أما الجلسة المخصصة لإيران فيتحدث فيها برنار هوركاد مدير أبحاث في المركز الوطني للأبحاث في فرنسا الى جانب الخبيرة شيرفين أحمدي.

وتحمل جلسة الاثنين المقبل عنوان "غرباء في وطنهم" وتضم الصحافي أكرم بالقايد المتخصص بالشرق الأوسط والخليج والسياسي اتيان بوسوا.

وتجمع جلسات نقاش أخرى حول فلسطين وإسرائيل وغزة والقدس أسماء مرموقة مثل المؤرخ إلياس صنبر والدبلوماسي الفرنسي ايف اوبان دي لاميسينيير ووزير الخارجية الفرنسي السابق ايرفيه دي شاريت.

وتضم إحدى الجلسات لقاء مع الكاتب ذي الشهرة العالمية والشاعر والدبلوماسي والمقاوم سيتفان هيسيل بعنوان "اغضبوا والتزموا" وحول شخصية هذا الرجل يقدم شريط وثائقي عن ستيفان ايسيل بعنوان "قصة التزام" لكريستين سيغيزي.

وتتجاوب الأفلام المعروضة خلال التظاهرة مع موضوعات جلسات النقاش إذ إن معظم الأعمال المعروضة وثائقي يعكس وقائع هذه البلدان ولا تضم التظاهرة إلا ثلاثة أفلام روائية هي: "ضربة البداية" للعراقي الكردي شوكت اسماعيل كوركي، و"رجل بدون موبايل" للفلسطيني سامح زعبي و"تناثر" للفلسطيني 1948 توفيق ابو وائل.

وتم الافتتاح الأربعاء وعرض شريط المغربي نبيل عيوش "ارضي" فيما يعرض الخميس فيلم "ظلال" للمخرجين، المصرية ماريان خوري والمغربي الراحل مصطفى حسناوي.

كذلك تعرض مقاطع من فيلم سمير عبدالله التي صورها في القاهرة أثناء الثورة وجزء من شريط المخرج الليبي صلاح قويدر "تقاسم".

ومن لبنان يعرض فيلم "صيدا" لميكائيل أبي خليل، وبورتريهات قصيرة أنجزها لوران بيللار للمخرجين خليل جريج وجوانا حجي توما من لبنان وللمخرج محمد ملص من سوريا.

وتضم التظاهرة مجموعة أفلام عن القدس وجنين إضافة الى فيلم "أنا وأبي" لجوليانو مير خميس الذي قتل على أيدي متطرفين في جنين.

ومن ضمن الأعمال الوثائقية الهامة يعرض شريط فيبيك لوكبيرغ حول غزة كما يعرض فيلم كارول منصور الذي أنجزته في أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان.

كذلك يقدم فيلم لفلسطينيتين ساهرة درباس "138 باوند في محفظة نقودي" و"نساء حماس" لسهى عراف.

ومن الأعمال الإيرانية أو التي أنجزت حول إيران يقدم شريط "يوميات إيران الممنوعة" لمانون لوازو وشريط "حول إيران" لأميليو كاساليني و"نثائر ثورة" لآنا نيما و"ربيع طهران" لعلي صمدي اهادي.

العربية نت في

01/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)