حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

من الفقر المدقع إلى إحدى الممثلات الأكثر دخلاً في هوليوود

نعومي واتس: لست من المحظوظات

إعداد: محمد هاني عطوي

هذه الشقراء الجذابة ستجسد قريباً دور شقراء أخرى لا تقل جاذبية وسحراً عنها، وهي التي أُعتبرت الأكثر إثارة بل والأكثر أسطورية في عالم الفن وربما السياسة، “مارلين مونرو” . وإذا كانت نعومي واتس ترتعش قليلاً لمثل هذا الدور، فهذا الأمر ليس جديداً عليها، وهي المعروفة بأنها لا ولم تثق بنفسها وبقدراتها على الإطلاق، ولذا فإن أحداً في هوليوود لا يشك أبداً في أن ما ستقوم به واتس سيكون شيئاً عظيماً بالفعل .

في مكان آخر أيضاً، تحاول نعومي واتس من خلال دورها المقبل في المشروع الذي يعده الممثل والمخرج المشهور كلينت استوود عن مدير “إن بي آيه”  جي إدجارهوفر، أن تبدد كل المخاوف والشكوك التي عرفت عنها، فهي تعترف أن ثمة تصدعات في شخصيتها ونفسيتها وجوانب غامضة، أصبح من الضروري تجاوزها وعدم الخوف من التصريح بها، خاصة أنها بقيت كممثلة أسترالية - بريطانية متوارية في ظل صديقتها الممثلة المشهورة نيكول كيدمان .

يذكر أنه قبل عشر سنوات عرفت نعومي واتس بأدوارها المهمة في أفلام “مولهولاند درايف” و”الحلقة” و”كينغ كونغ”، و”اللعبة العادلة” ورشحت في عام 2004 لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة رئيسية عن فيلم “21 غرامس” (21 Grams)، ولذا ليس بعيداً عن واتس أن تصبح نجمة ساطعة لتغزو عالم هوليوود، فضلاً عن أنه علينا ألا ننسى أن تلك التصدعات في شخصية واتس هي التي منحتها ذاك القبول أو تلك الميزة في بلوغ مصاف النجوم الكبار في هوليوود .

هذا ما ترويه واتس في المقابلة التي أجرتها معها مجلة “إيل” الفرنسية في عددها الأخير وتصدرت غلاف المجلة باعتبارها امرأة أربعينية تشع نضارة وشباباً .

·         من يجلس إليك لا يظن على الاطلاق أنك تجاوزت الأربعين وأنك أم لطفلين، فهل أنت محظوظة حقاً؟

- ربما أكون كذلك على الصعيد الخارجي أي المظهر الخارجي، لكنني عانيت الأمرّين حتى وصلت إلى ما أنا عليه اليوم، ولذا أعتقد أنني لست من المحظوظات على وجه الإطلاق .

·         يقال إن لصديقتك  الممثلة نيكول كيدمان الأثر الكبير في تحفيزك على المقاومة في الفن حتى اللحظة الأخيرة، هل هذا صحيح؟

- بالفعل فقبل أكثر من عشر سنوات كنت أنوي ترك لوس أنجلوس لعدم حصولي على دور مهم، كما أنني كنت بحاجة ماسة إلى المال من أجل أن أدفع أجرة منزلي، إضافة إلى كل ذلك، كان الأمل قد أصبح بالنسبة لي بعيد المنال، وهنا تدخلت صديقتي نيكول كيدمان وأصرت على تشجيعي وكانت تردد على مسمعي ليل نهار “لا تستلمي أبداً ويكفي أن تحصلي على دور واحد مهم وسترين الفرق” .

·         هل أِثر ذلك في عملك في الاستوديو؟

- لقد شجعني كثيراً كلام كيدمان ومنحني الأمل من جديد خاصة أنني كنت أشعر “بالقرف” والاشمئزاز عند كل عمل لا يروق لي، فعلى سبيل المثال قبلت أدواراً في أفلام من الدرجة الثالثة يمكنني أن أسميها بالأدوار الغبية وكنت أمثل فيها لأنني فقط، كنت بحاجة للمال، فقد طردت من شقتي لأن الأجرة تراكمت عليَّ لأكثر من 3 أشهر، كما وصلت إلى مرحلة يرثى لها عندما طردت من الاستوديو لأن ملامح الكآبة والاشمئزاز كانت لا تفارق وجهي إلى درجة أنه في إحدى المرات قالت لي مديرة استوديو التصوير “هلا نظرت يوماً إلى المرآة؟ ألا تشعرين أنك تخيفين الآخرين بوجهك الشاحب هذا”؟

·         كيف خرجت من هذا المأزق وكان للمخرج ديفيد لينش أثر في إحداث التغيير في حياتك المهيبة؟

- الواقع أنني كنت أحاول التغيير من شكلي كي أبدو على غير ما أنا عليه، وكنت أتوسل الأستديوهات كي يمنحوني سيناريو فيلم ما، دون أن أكترث بأهميته لأن الحاجة إلى المال كادت تقتلني، وأخيراً في عام 2001 حدثت المعجزة، فقد طلب المخرج ديفيد لينش رؤيتي ودعاني إلى منزله وطرح عليَّ عدداً من الأسئلة حول طفولتي ووالدي الذي كان يعمل مديراً لشركة (بينك فلويد) والذي توفي جراء تناوله جرعة زائدة من المخدرات، وكان عمري في تلك اللحظة لا يتجاوز السابعة، كما توفي صديقي هيث ليدغر فيما بعد للسبب نفسه، وهذا ما أثر في نفسيتي إلى حد بعيد خاصة أن والدتي كان عليها أن تترك عملها كممثلة لتتفرغ لتربية أولادها .

·         كيف نشأت عندك الرغبة في التمثيل؟

- كنت صغيرة وعمري لا يتجاوز الرابعة عشرة شاهدت مسلسل (Fame) التلفزيوني وأغرمت به وقلت في نفسي يبدو أن هذه المهنة جميلة، وعندما اضطرت والدتي لترك بريطانيا إلى أستراليا، وعدتني بأنه عندما نصل إلى هناك ستدخلني مدرسة لتعلم المسرح .

·         لنعد إلى ديفيد لينش، كيف أقنعك بقبول الدور المهم في فيلم “طريق مولهولاند”؟

- استطاع لينش أن يتجاوز العقد النفسية المتراكمة ورأى بداخلي حسبما قال قوة قادرة على صنع المستحيل إن أردت، وأجبرني على التخلص من الغطاء المعتم الذي يلفني من رأسي وحتى أخمص قدمي والمشحون بالألم، من أجل أن ألعب الدور الثنائي في فيلمه “طريق مولهولاند” وهو شخصية (بيتي) والشخصية الأخرى المضادة والكئيبة (ديان) .

في تلك الآونة كان عمري 33 سنة، وأعتقد أنه منذ ذلك الحين لم يكف هاتفي عن الرنين ولا شك أن الفضل يعود لديفيد لينش .

·         يبدو أن صديقتك نيكول كيدمان كانت على حق؟

- بالطبع، إذ كان يكفي أن أحصل على دور واحد مهم، وهذا ما حدث بالفعل، فهذا الدور الثنائي في فيلم “طريق مولهولاند” قلب حياتي رأساً على عقب، ولا شك في أنني كنت ناضجة بما يكفي كي أعلم أنه لا بد لي أن أنتبه إلى ما وصلت إليه وأنه يمكن أن أختفي عن الساحة برمشة عين .

·     الملاحظ أنك لم تختفي عن الساحة الفنية بل ازداد الإقبال على العمل معك إلى درجة أن مجلة “نوربس” تعتبرك واحدة من الممثلات الأكثر دخلاً في هوليوود؟

- أعتقد أن ذلك يعود لأدواري الجادة التي قدمتها للسينما، ففي أغلبية الأفلام كنت ألعب دور الأم التي تعاني من هذا الأمر أو ذاك، وأظن أن هذه الأدوار أكثر أهمية من تلك العادية التي ربما لا تقدم ولا تؤخر كثيراً بالنسبة لي وللمشاهد أيضاً، بل أرى أن هذه الأدوار التي أفضل أن أسميها بالسوداء أو المظلمة تعكس أكثر من أي أدوار أخرى شخصيتي ونفسيتي الهشة، وكذلك طواعيتي على التأقلم مع الأحداث والأحوال المختلفة .

·     هل لهذا السبب طرح عليك تجسيد شخصية مارلين مونرو المقتبسة عن رواية جويس كارول أواتس (الشقراء)، وكذلك شخصية هيلين مساعد “جي إدجر هوفر” مدير أذ “إف .بي .آي” في عام 1924 .

- كي أرد على هذا السؤال يكفي أن أردد عليك ما قاله عني كلينت استوود: “نعومي واتس امرأة بكل معنى الكلمة فهي نزيهة ومستقيمة في عملها ولها حضور رائع، وهذا يشاهد بوضوح على الشاشة، وإذا كان  دور هيلين في فيلمي الجديد “جي إدجار هوفر” ليس دوراً أساسياً بالنسبة لها ولا هو بالدور الذي يمكنها أن تحلم به، إلا أنها أعطته حقه أثناء العمل معها وقدمت كل ما لديها وهذا ما جعله دوراً مهماً، ربما يفوق الشخصية الرئيسة لمن سيشاهده على الشاشة عند خروجه في 11 يناير/كانون الثاني 2012” .

·     بعد أن تجاوزت الأربعين وإلى جانبك طفلان الكسندر (4 سنوات) وصموئيل (سنتين ونصف السنة)، هل ما زلت تبحثين عن التحديات؟

- بكل تأكيد، فأنا أعمل أقل من قبل من أجل البقاء لوقت أطول مع أسرتي وولديَّ وزوجي الممثل ليف شرايبير، حيث نقيم الآن في نيويورك، هذه المدينة الصاخبة التي أحب أن أعيش فيها كي أشاهد أو أراقب الناس عن كثب، من أجل اكتساب أفكار جديدة تفيدني في أعمالي المقبلة .

·     هل كانت السنوات العشر العجاف الحافز القوي لك كي تجعلك مهتمة بهذا الشكل لأداء أدوار صعبة، كما حدث في فيلم “أم وطفل” للمخرج رودريجو غارسيا 2010؟

- هذا مما لا شك فيه، فربما امتحنني القدر كي يخبئ لي هذه الأدوار المهمة والصعبة كما تقول، لأنني عانيت وصبرت، وهذه هي النتيجة، ففيلم “أم وطفل” جسدت فيه شخصية أم تنتظر طفلاً لا ترغب فيه، ولكن ببرودة تامة واضطراب غريب، ولقد نلت عن الفيلم جائزة مهرجان دوفيل في فرنسا السنة الماضية، واليوم أجد أن كل ذلك يحفزني كثيراً لأجسد شخصية مارلين مونرو وهو ما أعتبره تحدياً كبيراً بالنسبة لي، علماً بأن قصة الفيلم لا تتناول حياتها بشكل كلي، وهذا ما سيمنحني فرصة لالتقاط أنفاسي بعض الشيء، وربما المراوغة في تجسيد الدور .

·         هل يعي تجسيدك أسطورة فنية، أنك قد بلغت القمة في مسيرتك الفنية؟

- الحكم على بلوغي القمة ليس لي، بل للمخرجين والنقاد والمشاهدين، ولكن بقي لدي حلم وهو أنني أريد أن أقوم بدور فكاهي لإضحاك الناس، فأنا معروفة بأنني لست شخصية مرحة ولكن كل شيء ممكن وكما قال كلينت استوود عني يوماً “هذه الفتاة رائعة في كل ما تعمل”.

الخليج الإماراتية في

23/11/2011

 

"مسار السينما التونسية"

أحمد بوغابة 

يمكننا الاطلاع على جزء كبير من تاريخ السينما التونسية بفضل كتاب باللغة الفرنسية صدر عن دار النشر "سيريس" بتونس يحمل عنوان "مسار السينما: تونس - باتيس - بروكسيل" والذي يقع في 101 صفحة. وما يميز الكتاب كونه من إنجاز الكاتب والدبلوماسي البلجيكي "دانييل سويل"، وهو مندوب "والوني بروكسيل" (Wallonie-Bruxelles) في تونس (بمثابة سفير). فقد اختار صاحبه زاوية محددة لتناول الموضوع وإنجاز كتابه المذكور، وذلك من خلال اعتماده على التجربة السينمائية المشتركة بين تونس وبلجيكا، باحثا عن جذورها وتاريخ إنشائها واللقاء مع كل سينمائي تونسي له علاقة ببلجيكا في مختلف مكوناتها السينمائية، وكذا أسماء سينمائية من بلجيكا تُبادِل تونس نفس العلاقة الفنية.

وهذا ما جعل الكتاب يتجاوز النمطية في الكتابة التاريخية وبالأخص في السينما. وفي ذات الوقت غناه بالمعلومات الدقيقة التي أبرزت مسار مشترك على الشاشة والواقع.

يتكون الكتاب من مقدمة للكاتب نفسه، دانييل سويل، الذي يشرح لنا فيها دوافع اشتغاله على هذا الموضوع، واختياره له، ورغبته في إبراز العلاقة الاستثنائية التي جمعت البلدين في مجال السينما، خاصة حين اكتشف وجود مكانة خاصة لمدينة بلجيكية صغيرة في هذه الخريطة الفنية بين تونس وبلده، وهو ما استغرب له في البداية قبل اكتشاف أنها هي حجر الأساس ومُنْطَلق لتاريخ امتد لأكثر من 4 عقود.

وبعد المقدمة، نقرأ نصا "بانوراميا" بمثابة لمحة تاريخية عامة ومقتضبة لكنها وافية حول تاريخ السينما التونسية في علاقتها بموضوع الكتاب، وهو بقلم الباحث والناقد السينمائي التونسي عبد الكريم قابوس. ثم يعرض علينا الكتاب، بعد ذلك، شهادات لـ 18 سينمائيا من تونس وبلجيكا. وأما الفصل الأخير فيركز فيه على جانب التكوين وتعدد المدارس والمعاهد السينمائية في تونس خلال العقد الأخير في علاقتها بالمؤسسات الأكاديمية البلجيكية.

وبالنسبة للتونسيين الذين سبق لهم أن درسوا بالمعاهد السينمائية  البلجيكية، فمنهم من عاد إلى تونس للعمل بها وإنجاز أفلام كمخرجين أو تقنيين، ومنهم من استقر ببلجيكا فانخرط في فضائها السينمائي بل منهم من أصبح أستاذا بنفس المعاهد التي تخرجوا منها، ومنهم من فضل أن يبقى مرتبطا بالبلدين معا وخلق جسور العمل المشترك خدمة للطرفين خاصة وأن ظروف الإنتاج غير متكافئة.

أما بالنسبة للسينمائيين البلجيكيين فإنهم تحدثوا عن علاقتهم السينمائية بتونس من خلال المخرجين والتقنيين التونسيين الذين تعرفوا عليهم ببلجيكا كطلبة أو في تونس نفسها من خلال أعمال مشتركة وتعاون استمر لعقود في بعض الحالات ومازالت قائمة إلى الآن بنسبة كبيرة منهم.

النقد والنقد الذاتي...

وهذه الشهادات التي تشكلت في نصوص مسترسلة أو بحوارات أو أيضا بلقاءات بين أسماء عدة أعدها صاحب الكتاب بعناية أدبية فائقة. كما دفع بالجميع إلى الصراحة المفرطة - أحيانا - حول واقع السينما في تونس منذ استقلال البلاد وما عرفته من مشاكل، ليس مع السلطة البائدة فقط بل أيضا داخل المجتمع السينمائي نفسه. وبذلك نسافر في عمق التاريخ السينمائي التونسي بموازاة مع الخط الذي يربط بروكسيل بتونس مرورا بمدينة باتيس.

كثير من المعطيات والمعلومات وفرها لنا الكتاب بشكل مباشر من أَلْسُنِ أصحابها وعن بعضهم أيضا وهو ما أغنى الكتاب ليحوله من كتاب ذاتي (البحث عن تأثير السينما البلجيكية ومدارسها على تونس) إلى كتاب علمي في الحقل التاريخي، وإضافة نوعية في المضمون. وهذا ليس من باب المجاملة وإنما من منطلق حيثيات الكتاب نفسه، ويمكن لقارئه أن يتأكد من غناه.

فهذه اللائحة من الأسماء، التي أعطاها دانييل سول الكلمة، تبرهن عن ما يطلق عليه في تونس ب"المدرسة البلجيكية" والتي يقودها المخرج نوري بوزيد حسب ما جاء في النص التقديمي للباحث والناقد عبد الكريم قابوس. فضلا عن مخرجين وتقنيين آخرين الذين أسسوا وواكبوا هذه المدرسة "البلجيكية" كمحمود بن محمود ونجية بن مبروك وعائلة ثابت (لطفي فوزي – سلمى – رضا - يمينة) في ذات الآن أسماء من البلجيكيين الذين صوروا في تونس واشتغلوا مع السينمائيين والتقنيين التونسيين المذكورين أو درَّسُوهُم بالمعاهد البلجيكية (ريمون رافار – جان جاك أدريان – أندري سونتيك – ميشيل بودو – تييري أبيل كارول غودفروا – آن كلوسيط وآخرين غيرهم...)

ولكن "خط المسار" بين العاصمتين (تونس وبروكسيل) نجد به أيضا محطة مهمة وهي مدينة "باتيس" حيث اعتبرها صاحب الكتاب في مقدمته أنها استثنائية بحكم أن العلاقة بين العاصمتين أمر عادي لكن يتساءل عن سر وجود هذه المدينة الصغيرة التي توجد بالمنطقة الفرنسية لبلجيكا التي تسمى "والوني" في "الخط" الرابط بين البلدين ليجيب بأن جوهر التبادل السينمائي بين البلدين قد انطلق بالضبط منها حيث يعيش فيها السينمائي جان جاك أدريان الذي صور أول فيلم له في جنوب تونس في مطلع السبعينات من القرن الماضي بعنوان "مات ولد عمر". ويضيف بأن نفس المخرج هو "مهندس" اتفاق التعاون السينمائي بين البلدين سنة 1975 وهو أيضا منتج سينمائي له شركة في نفس المدينة (باتيس) التي فضل ا لاستقرار بها ووسع خريطته نحو أقطار مغاربية أخرى كالمغرب حيث أنتج فيلم "الراقد" لياسمين قصاري، المخرجة المغربية المقيمة ببلجيكا وخريجة معهد "إنساس" هي بدورها.

ويبدو أن الشهادات والتصريحات وحتى الاستجوابات التي صاغها دانييل سويل للكتاب كانت تتم في جو حميمي إذ تحس كقارئ أنها "اعترافات عن طيب خاطر" أو "سير ذاتية مختصرة" لعشق السينما والتبادل المعرفي الإيجابي دون عُقَدٍ حضارية أو جغرافية (الشمال/الجنوب) لكون "خط" السينما يسير في الاتجاهين. فربما يرجع السبب – حسب ما جاء في الكتاب على لسان أحد السينمائيين - لكون بلجيكا بلد صغير لذا يبحث عن آفاق أرحب من خارج أرضه وهو يتعامل مع غير البلجيكيين بسهولة وبكثرة مقارنة مع فرنسا مثلا

يتحدث ريمون رافار في شهادته عن تأسيس معهد "إنساس" (INSAS) سنة 1961 وفتح أبوابها رسميا في أكتوبر 1962 كنتيجة منطقية للقائه بعبقريَيْن في الفكر الجمالي والسينما المناضلة وهما إدغار موران وجان روش.

وذكر بأن أول المسجلين في المعهد من التونسيين هو منصف الكيلاني (وأيضا المخرج ومدير التصوير المغربي أحمد المعنوني وانضم بعد ذلك إلى اللائحة برهان علوية اللبناني وميشيل خليفي الفلسطيني). وقد فضل منصف الكيلاني الاستمرار في المعهد كأستاذ للمونطاج عوض العودة إلى بلده.

وعليه، فعدد لا بأس من السينمائيين التونسيين، مخرجين وتقنيين، تلقوا تعليمهم ب "إنساس" ليتساءل عبد الكريم قابوس عن "وجود سينما بلجيكية في تونس" بقدر ما تساءل عن "شرعية وجود السينما التونسية نفسها" حيث أشاد بالمدرسة البلجيكية التي يعتبرها "الأهم في أوروبا" وأن "الأفلام الثمانية التونسية المُنجزة لخريجي بلجيكا تُعتبر مرحلة استثنائية وغنية سواء على المستوى الفني أو استقبالها الجماهيري والنقدي الإيجابي وحتى في المهرجانات الدولية" ليخلص بأن فيلم "عبور" لمحمود بن محمود يشكل مرحلة فاصلة في تاريخ السينما التونسية لمرحلتين مختلفتين متجاوزة البحث عن الذات إلى سينما ناضجة فنيا.

فأول إمرأة عربية تطأ قدميها "إنساس" لدراسة "الإخراج" هي التونسية نجية بن مبروك إذ لم تكن المرأة العربية قد ولجت هذا العالم – الإخراج -  الذي كان حكرا على الرجل فقط. وستكون هي - أيضا - أول إمرأة عربية وأول طالبة بالمعهد يكون فيلم تَخَرُّجِها وثائقيا إذ عادة يلتجئ الطلبة للأفلام الروائية إلا أن نجية بن مبروك أصرت على الإدارة وأقنعتها بفكرتها الوثائقية.

علاقة نوري بوزيد ب"إنساس" جد خاصة، فهو ذهب لدراسة السينما ب "إيديك" (IDHEC) بباريس (المعهد العالي للدراسات السينمائية)، الذي كان يتمتع بشهرة كبيرة في الأقطار المغاربية، لكنه لم يتمكن من التسجيل بها نظرا للإضرابات التي شملت فرنسا حينها إبان حركة الشباب الشهيرة في ماي 68 حيث أغلق المعهد أبوابه (مدة 3 سنوات) فانعرج نوري نحو بلجيكا متوجها بالضبط إلى "إنساس" بوصية من أحد أصدقائه. لكن بعد تسجيله وعودته إلى بلده سيتعرض للاعتقال بسبب نشاطه السياسي اليساري. وتضامنا معه، تم الاحتفاظ باسمه حسب ما جاء في شهادة ريمون رافار فضلا عن إرسال له الكتب ودروس السينما إلى السجن.

ليس كل الخريجين من "إنساس" حالفهم الحظ بل منهم مَنْ لم يجد العمل ولم يُرحب بهم فتركوا السينما بصفة نهائية إذ أشار الكِتاب إلى ثلاثة من الخريجين يعملون منذ مدة طويلة في المطاعم. كما أن منير باعزيز – أحد خريجي المعهد – لم ينجز شيئا كثيرا بسبب نشاطه النقابي الذي أخذ وقته كله يقول عنه فوزي ثابت. وقد انتقد منير باعزيز السينما التونسية في شهادته لكن ذلك قبل سقوط نظام بن علي حيث أشار منير إلى الزبونية التي سادت في الوسط السينمائي التونسي.

الآفاق...

في الفصل الأخير من الكتاب الذي يحمل عنوان "لمحة عامة والآفاق" فقد أعطى الكاتب دانييل سويل الكلمة لأربعة أسماء لها علاقة بالموضوع تناولته من زاوية مغايرة بهدف إغنائه حيث بدأ بالناقد الطاهر الشيخاوي الذي أصبح أحد أهم مؤطري ورشة السيناريو المُنظمة سنويا من لدن المهرجان الدولي للفيلم الفرنكوفوني بمدينة "نامور" بالمنطقة الفرنسية "والوني" ببلجيكا. ويذكر هذا الناقد في شهادته بأن أهم الأفلام التونسية في تاريخ هذا البلد ظهرت في سنوات الثمانينات من القرن الماضي أخرجها خريجو معهد "إنساس" وبذلك يلتقي مع عبد الكريم قابوس في كنه البحث.

أما "تيري دو سميدت" فقد تحدث عن التعاون في مجال التكوين السينمائي (الصورة – المونطاج – الوسائط المتعددة) الذي تم توقيعه والعمل به ابتداء من سنة 2005 بين معهد فنون العرض بمدينة لوفان لانوف (بلجيكا) ومعهد السمعي البصري والسينما بقمرت (تونس) حيث مجموعة من الطلبة التونسيين بهذه المدرسة تلقوا تداريب مكثفة ببلجيكا في المعهد المذكور.

وتحدثت أيضا في هذا الجزء – شيراز لعتيري مديرة ISAMM عن تعاون معهدها مع بلجيكا وكذا مع عدد من المدارس والمعاهد السينمائية بجنوب المتوسط منها معهد ESAV بمراكش (المغرب) في إطار التعاون أورومتوسطي ضمن مشروع Tempus. وتحدث في الختام مدير "إنساس" الحالي لوران غروس عن التعاون بين المدارس الثلاث وبرنامجه المستقبلي لتعميق هذا التعاون في مختلف الاتجاهات.

أغلب السينمائيين من المخرجين والتقنيين في هذا الكتاب تحدثوا عن علاقتهم بالسينما في بدايتهم الأولى من خلال حديثهم عن الأفلام أو الأشخاص الذين ساعدوهم على عشق السينما للذهاب نحو التكوين الأكاديمي. ومنهم من إنطلق أيضا من الأندية السينمائية التونسية ليطوروا الموهبة إلى شأن احترافي بالدراسة. ولا ينبغي أن ننسى بأن جلهم استشهدوا بالرائد الراحل الطاهر شريعة الأب الروحي والفعلي للسينما في تونس باعتباره مؤسسها وباعث ثقافتها وأنه كان وراء العديد من السماء التي طلبت العلم في الخارج بالتشجيع والمنح. ومنهم من أشار أيضا إلى المنتج الراحل أحمد عطية كواحد من أهم المنتجين التونسيين الذي قدم الكثير لها ولهم في بداية مشوارهم.

وما ذكرته في هذه الورقة هو مجرد إرهاصات مختصرة جدا من الكتاب الذي يستحق القراءة والعناية من لدن كل متتبع للسينما التونسية والمغاربية .

نبذة عن الكاتب الدبلوماسي

لقد تبنى الكاتب دانييل سويل القضايا العربية حين كان طالبا ثم أستاذا حيث ناضل من أجلها قبل أن يتحمل مسؤوليات رسمية منها المندوب ل"والوني بروكسيل" (المنطقة الناطقة بالفرنسية في بلجيكا). وقبل أن ينتقل إلى تونس كان قد تحمل هذه المسؤولية في المغرب وعُرف بنشاطه الثقافي وهو الذي نجح في أن يربط جسور التواصل مع المغاربة والانفتاح عليهم. وقد صدر له سنة 2006 كتاب Sans doute الذي تُرجم إلى العربية في المغرب تحت عنوان "بلا ريب" سنة 2009

الجزيرة الوثائقية في

23/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)