حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

المستقل والمختلف ألكسندر باين يعود بعد غياب

محمّد رُضــا

بفيلم «الأحفاد» يعود المخرج ألكسندر باين إلى قاعات السينما الأميركية والعالمية وتزداد احتمالات أن يفوز جورج كلوني بالأوسكار. الأول أمضى سبع سنوات بعيداً عن العمل السينمائي. الثاني لديه فيلم من المنتظر له أن يرشّحه لأوسكاري أفضل فيلم وأفضل مخرج هو «منتصف أشهر مارس« الذي قام كلوني بإخراجه وتمثيل أحد الأدوار المساندة.

في الواقع، السؤال هو كيف سيتصرّف أعضاء الأكاديمية المانحة للأوسكار حيال «منتصف أشهر مارس« فبطله هو رايان غوزلينغ يستحق الترشيح لأوسكار أفضل ممثل، وهو بالتأكيد سيكون من بينهم، وهناك السيناريو (بو ويليمون) التصوير (فيدون بابامايكل)  والمونتاج (ستيفن ميريوني) وكلّهم يستحقّون الترشيح. أما كلوني ففيلمه من السهولة والعمق في آن بحيث بات متوقّعاً دخوله في المسابقة كأفضل فيلم أيضاً، وإذا ما دخل كأفضل فيلم فإن دخول كلوني كأفضل إخراج يصير عملية تلقائية.

لكن هذا كلّه جانب واحد من المعادلة. «الأحفاد» هو فيلم جديد من بطولة كلوني وحين مشاهدته سيدرك المرء أن من يتفوق على كلوني في دور المرشّح للرئاسة في «منتصف أشهر مارس» هو كلوني في «الأحفاد». كذلك المساحة أكبر. في الفيلم الأول هو دور مساند، وفي الثاني هو دور بطولة.

لكن التحية الكبرى في «الأحفاد» ستكون من نصيب المخرج ألكسندر باين. هذا هو ذات المخرج الذي قدّم بسنتين متقاربتين كل من «عن شميت»، (2004) بطولة جاك نيكولسون و«جانبياً« او Sideways (2006) مع بول جياماتي وتوماس هادن تشيرش. إذاً هي سبع سنوات مرّت على المخرج من دون تحقيق فيلم ولو أن ذلك لا يعني أنه بقي بعيداً عن العمل، فهو انتج وحقق حلقة تلفزيونية وأخرج فيلماً قصيراً... وهو أيضاً اشتغل على «الأحفاد» طوال تلك الفترة مع تردد رأسالمال في هوليوود عن تمويل الفيلم تردده في تعزيز المخرجين المستقلّين والفنانين البادي منذ سنوات.

السمة المهمّة في أفلام باين الثلاثة المتوالية هي الرجل الذي في ورطة عاطفية.

في «عن شميت» عرّفنا، بلقطات مقتصدة في البداية ببطله الذي وصل إلى سن المعاش: رجل يشبه مكتبه الخاوي الذي يجلس فيه بإنتظار نهاية دوام آخر يوم له في المؤسسة التي يعمل فيها. في البيت يعيش مع المرأة التي اقترن بها منذ عقود. يسمع الكلام نفسه. يتأفف من العبارات ذاتها. يعايش الروتين الطاحن ذاته. في يوم، تسقط زوجته ميّتة. أثر ذلك عليه مفجع في البداية، وهذه البداية لا تستمر لأكثر من مشهد او إثنين. بعد ذلك يدرك الحريّة الثمينة التي حصل عليها في ظرف بضعة أيام. لا عمل ولا زوجة. يركب الحافلة الكبيرة التي اشتراها (موبايل هوم) وينطلق بحثاً عن إبنته التي ربما لا تريد لقاءه. ما يحدث بعد ذلك يعمّق أزمته العاطفية. رجل وحيد أمام أفق غير بعيد عنه.

«جانبياً« هو عن كاتب أصغر سنّاً (جياماتي) يراسل إمرأة ويشعر حيال كلماتها له وكلماته لها بالحنو والعاطفة. لكن لقائه بها، وبسبب صحبته لصديق له آثر خيانة خطيبته قبل يوم من عقد القران بها تضعه هو (وصديقه إلى حد) أمام فوهة الخيارات المتشابكة. في النهاية يدرك أن الخطوة هي خطوته وأن عليه أن يصر عليها. يركب سيّارته وينطلق صوب المرأة التي أحبّها بداية من كلماتها وتشجيعها له.

في «الأحفاد» المسألة مختلفة. ولنلاحظ هنا: مختلفة لكن ليست بعيدة عن التطرّق إلى أزمة الفرد. جورج كلوني محام ميسور الحال ليس لنجاحه فقط، بل لأنه ورث الثروة التي له. لكن علاقته بعائلته ليست على ما يرام، حتى من قبل أن تقع المأساة حين أدّى حادث في مركب بحري إلى إصابة زوجته إصابات مبرحة جعلتها طريحة الفراش دائماً وغير قادرة على ممارسة أي نشاط. إنه في ذلك الحين يعلم أنها لم تكن مخلصة له، وأنها كانت علي علاقة مع رجل آخر. هذا الرجل لا يدري ماذا يفعل؟ لقد جُرح ويود أن يقول لها أنه مجروح، لكن كيف له ذلك وأمامه حالة تتطلّب صمته؟.

كل ما في أفلام باين (وأنا أتردد في استخدام كلمة "سينماه" بسبب حداثته النسبية) يشي بأنه يرغب في إنجاز أعمال عن شخصيات مختلفة عن تلك التي تفضّلها هوليوود. ففي الوقت الذي كان فيه جاك نيكولسون لا يزال يجد في السيناريوهات المقدّمة إليه في السنوات الأولى من العقد الماضي مثل:

Something's Gotta Give, The Departed  وAnger Management

الكثير من الشخصيات المتلألئة حسب الوصفة الهوليوودية. لكن حين تقدّم منه باين بمشروعه «عن شميت» سارع نيكولسون للقبول مع إدراكه بأن المخرج لا يريده ان يكرار صورته المتألّقة.

بول جياماتي هو في الأصل ممثل أفلام مستقلّة لكن حين وضعه باين في بطولة «جانبياً» لم يكن بعد استلم بطولة فيلم فعلي.

هنا يطلب من بطله كلوني النزول بضع درجات عن نجوميّته وقبول شخصية رجل أقل من عادي في شؤون كثيرة. وإذا ما نظرنا إليه شخص قد يستحق التفهّم لكنه يستحق أيضاً اللوم كونه أحد الأسباب التي أدّت إلى ضياع أواصر الحب في بيته.

بين فيلمي «منتصف أشهر مارس« و»الأحفاد» ليست هناك مقارنات في الموضوع. الأول تشويق سياسي علي طريقة السبعينات، الثاني دراما إنسانية على طريقة.... على طريقة .... ألكسندر باين. فنيّاً، خبرة كلوني في تحقيق الأفلام لا تشمل بعد كيفية التعامل مع الشخصية على نحو عميق كما الحال عند باين. »الأحفاد» عميق بإنسانيّته وقدرته على ملاحظة الأشياء بعين مدهشة وغير مصطنعة... عين طبيعية باتت غير مألوفة في معظم ما نراه من أفلام حديثة0

الجزيرة الوثائقية في

17/11/2011

 

 

سعيد ولد خليفة يستحضر شهيد المقصلة الكولونيالية

عندما تُسقى أرض الوطن بدماء الشباب

الجزائر: الضاوية خليفة 

بعد فيلم "بن بولعيد أسد الجزائر" لمخرجه أحمد راشدي عادت وانفتحت شهية المخرجين الجزائريين للاستثمار في الثورة التحريرية واستظهار بطولات صناع أمجادها الذين رخصت أرواحهم لأجل استقلال واستقرار البلاد و تحرير عبادها، وازداد ذلك الاستثمار السينمائي في المواضيع التاريخية بفضل الدعم المقدم خاصة من قبل وزارتي الثقافة والمجاهدين، إرادة ترجمتها التظاهرات الثقافية الكبرى التي دأبت الجزائر على تنظيمها واحتضانها كعاصمتي الثقافة العربية والإسلامية، المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني، سنة الجزائر بفرنسا وفعاليات أخرى لا تقل أهمية عن المذكورة دفعت بالإنتاج والنشاط السينمائي قدما .

فبعد أن تسببت العشرية السوداء بشكل أو بآخر في ظهور نوع من القطيعة الثقافية نتج عنها بعد ذلك توجه العديد من السينمائيين للتأريخ لتفاصيل العشرية، عادت الأفلام التاريخية والثورية للواجهة مستلهمة إبداع الكثير من كتاب السيناريو والمخرجين فبعد "بن بولعيد" و"الخارجون عن القانون" وقبل ذلك "أبواب الصمت"،" دورية نحو الشرق"، "العفيون والعصا"، و"وقائع سنين الجمر".. والقائمة طويلة، يترقب الجمهور الجزائري وعشاق الفن السابع ولادة سينمائية جديدة ستقدم بطريقة فنية حياة  وكفاح أول شهيد جزائري نفذ في حقه المستعمر الفرنسي حكم الإعدام بالمقصلة ويتعلق الأمر بالشهيد البطل المدعى "أحمد زبانة" أو "أحمد زهانة" وهو اسمه الحقيقي، فالعمل الذي ظل حبيس الأدراج لسنوات يرتقب أن يرى النور سنة 2012 تزامنا والذكرى الخمسين لعيدي الاستقلال والشباب حيث أكد مخرج الفيلم سعيد ولد خليفة التزامه بتسليم النسخة الأولى جاهزة للجزائر العام المقبل ليتولى بعدها المسؤولون مهام برمجة عرضه وتوزيعه.

تجسيد المشروع الذي جمع الأديب عزالدين ميهوبي كسيناريست وسعيد ولد خليفة مخرجا أريد من وراءه استظهار بطولات الجيل الذي حقق المعجزات بأبسط الإمكانات في وقت لم يعلو فيه سوى صوت الضمير والوطنية فالهدف كان إبراز تلك البطولات بلغة سينمائية وإعطاء صورة عن جيل الخمسينيات المتلاحم والمتشبع بالروح الوطنية بعيدا عن الخطاب البطولي حيث سيطغى على الفيلم الجانب الإنساني لشخصية زبانة.

وقد أنهى فريق العمل منذ أسابيع مرحلة تركيب الصوت والمكساج، بعد أن استغرقت مرحلة تركيب الصورة ثمانية أسابيع ونفس المدة بالنسبة للتصوير الذي انطلق شهر مايو المنصرم   وشمل عددا من الولايات والمناطق التي سجلت في وقت سابق مرورا بطوليا وتاريخيا لشهيد المقصلة كـ: وهران، معسكر، عين تيموشنت والعاصمة الجزائر، واستكمالا لكل مراحل التصوير تم بناء أستوديو بالعاصمة مجهز بديكور على شكل سجن  '' سركاجي '' – والذي يعود لحقبة الإستعمار الفرنسي - يضم الساحة التي أعدم فيها البطل الشهيد.

بما أن أي عمل تاريخي يتطلب العودة للأرشيف للتأكد من المعلومات المتداولة والواردة، والخطأ هنا يكون ممنوع، قام ميهوبي وولد خليفة ببحث مطول اعتمدا فيه بالدرجة الأولى على الأرشيف الخاص بالثورة التحريرية ومعاينة العديد من الأماكن    والمواقع التاريخية التي لا تزال شاهدة على نضال ''سي حميدة'' و هو اسم الشهيد زبانة الثوري ''كغار بوجليدة'' الذي شهد أكبر المعارك التي شنها ورفقائه ضد المستعمر الفرنسي وفي سياق متصل أكد ولد خليفة قائلا '' هناك الكثير من الوثائق والحقائق ستكشف لأول مرة فقد اتجهنا لمسقط رأس الشهيد وتحصلنا على شهادات حية من شقيقه عبد القادر زبانة وبعض من رفقاء الكفاح المسلح كالسيد علي زعموم الذي كان معه في سجن ''برباروس'' وكذا صديقه سعيد سطمبولي الذي زودنا بمعلومات غاية في الأهمية وحقائق قيمة خدمت كثيرا العمل ''.

و بعدما حصل فيلم "بن بولعيد" على ميزانية يقال أنها ضخمة وفي السياق ذاته أيّ الميزانيّة طرحت "الجزيرة الوثائقيّة" إنشغالها  لـ/ ولد خليفة فصرّح قائلا '' ما أستطيع أن أؤكده هو أن ميزانيتنا أقل من ميزانية فيلم بن بولعيد، رغم كل شيء لا نمتلك أي عذر بل قمنا بتصوير كل المشاهد المكتوبة في النص   وفي الأماكن التي أردناها، في الحقيقة أي عمل سينمائي يتطلب ميزانية خاصة العمل الثوري فإنه يتطلب ميزانية أكبر، فلما نتحدث عن هذا النوع من الأفلام ندرك جيدا أن للعمل قيود وضوابط لا يجب للمخرج ولا لأي كان أن يخرج و يحيد عنها ولا عن المرحلة التاريخية التي يتناولها في عمله '' ، و تجدر الإشارة إلى أن سعيد ولد خليفة يشرف لأول مرة على  إخراج فيلم تاريخي من هذا النوع، كما يعد من أبرز المخرجين الجزائريين الذين لديهم رصيدا سينمائيا مشرفا و حافلا بالانتاجات والتتويجات سواء بفيلم "عائشات"، "شاي آنيا".. وغيرها من الأفلام.

مشروع يتجسد و حلم يتحقق

ميزة العمل تكمن في اعتماد مخرجه بشكل كبير على الوجوه الشابة التي كانت رهانه، لأن الشباب هو من جلب الاستقلال وفجر الثورة، و زبانة مثلا كان آن ذاك في عقده الثالث فكان ضروريا التعامل مع هذه الفئة، ومن الأسماء التي تشارك لأول مرة في عمل سينمائي كهذا الممثل الشاب عماد بن شني الذي أسند إليه دور البطولة الرئيسية، و هذا كان من التحديات الكبرى التي رفعها المخرج، في هذا الصدد قال ولد خليفة في حديثه لـ "الجزيرة الوثائقيّة" أن:''عملية الكاستينغ لم تكن سهلة فالمسؤولية هنا كانت أكبر وكان علينا التحلي بالدقة والموضوعية في اختيار شخصية لديها ملامح تتلاءم وتتوافق إلى حد كبير وشخصية البطل الشهيد أحمد زبانة وبعد أن تقدم إلينا أزيد من 400 شاب وقع الاختيار على الممثل المسرحي الشاب عماد بن شني."

عماد بن شني أكد في تصريح خصّ به " الجزيرة الوثائقية" أن تأثره كجزائري أولا وأخيرا بشخصية وشجاعة أحمد زبانة كان سبب إصراره وتعلقه بالدور، حيث سرد لنا حكايته مع العمل '' لم أكن أتوقع يوما أني سأحقق حلمي ولم أكن أتصور أن الاختيار سيقع علي، لأن المخرج عندما أتى إلى مسرح مستغانم - الذي أنتمي إليه وأعمل به منذ سنوات كممثل - لم أكن حينها متواجد هناك، فلما عدت قال لي بعض الأصدقاء أن مخرج فيلم زبانة قام بكاستينغ بحثا عن الشخصية التي ستؤدي الدور الرئيسي عندها تأسفت وتغاضيت عن الموضوع إلى حين أرسلت إحدى الصديقات بعض من صوري لمساعدة المخرج، و حينما رآها استدعاني لأنه وجد شبه كبير ببني وبين الشهيد زبانة حسب ما جاء على لسان ولد خليفة، فقال هذا الذي أبحث عنه و في أول لقاء جمعني به سألني عن الدور الذي أريده، قلت له بصريح العبارة لا أريد أي دور سوى دور الشهيد البطل أحمد زبانة، لا لشيء إلا لتأثري الكبير بهذه الشخصية التاريخية وتحمسي للعمل مع مخرج مخضرم كسعيد ولد خليفة ، و سعدت كثيرا حينها أن أول إطلالة على الجمهور ستكون بدور متميز كهذا، بغض النظر عن المسؤولية الكبيرة التي أتحملها عن هذا الدور، بعدها وضعني المخرج في صورة العمل وعندما منحني النص قال لي أن الدور ليس بالسهل أو الهين بل يتطلب الكثير من الجهد والتضحية، فطلب مني إنقاص وزني، عندها اتبعت حمية إلى أن وصلت للحجم والوزن الذي تتطلبه الشخصية، كما دخلت في تربص مغلق بالأمن الوطني ومن بين التحديات والأشياء التي قبلت بها أيضا أن توضع لي عين زجاجية صحية تم جلبها خصيصا من هوليود، كل هذا لاقتناعي بالعمل و إيماني بالدور و تمسكي بالشخصية''.

وفي حديثنا عن أدق التفاصيل وعن مراحل التصوير نلتمس الكثير في هذا العمل منها اللحظات المؤثرة والتي يعرفها العام    والخاص و كل من يحتفظ بمعلومات بسيطة عن شهيد المقصلة، وهنا يستحضر عماد بن شني مشهدين أثرا فيه الأول علاقة زبانة بوالدته التي لم تكن على علم أن ابنها التحق بصفوف الثورة في هذا الصدد قال بن شني '' تلك المشاهد جعلتني أقرب لمأساة الأبطال و ذويهم وهنا أخص بالذكر والدة الشهيد زبانة، وثاني مشهد ذاك الذي يروي لحظة توجه زبانة إلى المقصلة لتنفيذ الحكم الذي قابلة بشجاعة وابتسامة، حينها استحضرت في مخيلتي صورة الرجل العظيم الذي فدى الوطن بروحه من على مقصلة فرنسا الاستعمارية، ولم أكن الوحيد الذي تأثر بهذه اللقطة بل تقريبا كل الطاقم الذي رافقنا والكثير منهم بكى حينها، ولا أخفي عليكم تخوفي في تلك اللحظة من وقوع أي حادث لأن المقصلة كانت حقيقية.

لا تبكوني بل افتخروا بي

لا يستقيم الحديث لا عن شهيد المقصلة ولا عن المشروع السينمائي الذي سيشكل سيرته الذاتية ومسيرته النضالية دون التذكير بمواقف الرجل الوطنية وتضحياته البطولية ولا حتى ذكر الحادثة التي لا تزال تقشعر لها الأبدان.

ولد شهيد المقصلة الكولونيالية، ابن مدينة وهران سنة 1926 وتلقن المبادئ الوطنية بانضمامه للكشافة الإسلامية الجزائرية، وبعدها صفوف الحركة الوطنية عام 1941 حيث تعمد فضح جرائم المستعمر الفرنسي في الأوساط الشبابية، و هو ما دفع الجناح العسكري للمنظمة السرية اختياره أحد أعضائها الذين أثبتوا فعاليتهم في العمل الثوري وهذا ما تجلى في عملية البريد بوهران التي كان أحد المشاركين فيها و ذلك سنة 1950 ، و بتصاعد وتيرة نشاطه السياسي ازداد انتباه السلطات الفرنسية للعمليات التي كان يقوم بها و يقودها لينتهي الأمر به في قبضة الفرنسيين في آخر معركة خاضها '' معركة غار بوجليدة '' في 8 نوفمبر1954، أصيب على إثرها برصاصتين وأسر من طرف القوات الفرنسية، حيث قدم للمحاكمة في 21 أفريل 1955 بالمحكمة العسكرية بوهران، التي أصدرت في حقه الحكم بالإعدام ليدخل حينها التاريخ و يكون أول شهيد بالمقصلة، و بعد تثبيت الحكم في 3 ماي 1955 نقل إلى سجن برباروس بالجزائر، ومن ثم إلى سجن سركاجي، ليكون يوم 19 جوان 1956 وفي حدود الرابعة صباحا الموعد الذي استوقف فيه التاريخ دقات ونبضات قلب أحد بواسل الجزائر الشهيد، الرمز و البطل أحمد زبانة الذي راح يقول بصوت عال وهو في طريقه للمقصلة أنه مسرور كونه أول جزائري يصعد المقصلة وردد قائلا : ''بوجودنا أو بغيرنا تعيش الجزائر حرة مستقلة " ، تاركا وراءه الجزائر أمانة للأجيال ورسالة لمن حملته في بطنها تسعة أشهر، رسالة مفعمة بروح وطنية ورغبة جامحة في فداء الوطن، جاء فيها :

'' أقاربي الأعزاء، أمي العزيزة : أكتب إليكم ولست أدري أتكون هذه الرسالة هي الأخيرة، والله وحده أعلم ، فإن أصابتني مصيبة كيفما كانت، فلا تيئسوا من رحمة الله ، إنما الموت في سبيل الله حياة لا نهاية لها، وما الموت في سبيل الوطن إلا واجب، وقد أديتم واجبكم ، حيث ضحيتم بأعز مخلوق لكم، فلا تبكوني بل افتخروا بي وفي الختام، تقبلوا تحية ابن وأخ كان دائما يحبكم وكنتم دائما تحبونه، ولعلها آخر تحية مني إليكم، وإني أقدمها إليك يا أمي وإليك يا أبي وإلى نورة والهواري وحليمة والحبيب وفاطمة وخيرة وصالح ودينية، وإليك يا أخي العزيز عبد القادر، وإلى جميع من يشارككم في أحزانكم الله أكبر، وهو القائم بالقسط وحده ، ابنكم وأخوكم الذي يعانقكم بكل فؤاده ''.

هي رسالة توحي بعظمة التضحية وبقدسية الشهادة  وبعطر السيرة الذاتية لرجل اسمه أحمد زبانة، السيرة التي يرتقب ويترقب الكثير ميلادها بصيغة سينمائية لعلها تصنع في ذهن الأجيال صورة من صور التلاحم لنساء الجزائر الأحرار ورجال اختاروا الشهادة وصدقوا ما عاهدوا الله عليه.

الجزيرة الوثائقية في

17/11/2011

 

جوائز الدورة ال52 لمهرجان تسالونيكي...

الشباب والسينما المستقلة أكثرُ فائِّزيها

تسالونيكي ـ قيس قاسم 

إجتمعت الأفلام الفائزة، بأهم جوائز الدورة ال52 لمهرجان تسالونيكي، على أن أصحابها هم من الشباب وإنها تنتمي في أغلبيتها الى السينما المستقلة، وبهما تَكرَس مسعى طالما حرص المهرجان على تحقيقه ووَضَعه كعلامة لتفرده عن البقية، في آن. وإذا كانت البرمجة قد لعبت دورا في هذا، عندما وضعت أكثر أفلام الشباب والمستقلة ضمن المسابقات الرئيسية، وخاصة الدولية منها، فأن منظموه لم يَخفوا تعمدهم هذا، بل أعلنوه في  أكثر من مناسبة كتوجه عام لمهرجانهم، ولهذا كان منطقيا أن تأخذ الأفلام بمواصفاتها المختارة تلك فرصتها للخروج بأكبر فوز؛ فجائزة الكسندر الذهبية لأفضل فيلم ذهبت الى”Twilight portrait” للشابة الروسية أنجيلينا نيكونوفا (قيمتها 20 الف يورو) والفضية كانت من نصيب الفيلم التشيكي المستقل "ثمانون مكتوبا" لفاسلاف كادرنكا ومن نفس المدرسة أُختير الأمريكي مارك جونسون كأفضل مخرج عن فيلمه "من دون"، فيما أخذ  ”Behold The Lamb” للأنكليزي جون مكيلدوف جائزة أفضل سيناريو.

فيلم الروسية أنجيلينا نيكونوفا  “Twilight Portrait” مستفز وعصي على القبول بعض الشيء. فقصة الشابة التي اغتصبها ثلاثة من رجال الشرطة الروس لم تأخذ بعدا تقليديا ينتهي بإنتقام الضحية من مغتصبيها كما هو سائد في أفلام مشابهة كثيرة، بل راحت تنسج علاقة عاطفية وجنسية مع أحدهم، وتركته في النهاية يقع في حبها، وهو ما يمثل "إغواءا" أنثويا فيه أكثر من بعد، وهو قطعا غير السائد في الوعي الجمعي العام. لقد أرادت الشابة  مارينا المغتصبة أن توسع دائرة إنتقامها من الشخص الى المجتمع، الذي يسمح بل يغطي فعل الإغتصاب ضد المرأة، ومنطقية تكوينه المفسد تؤدي بالضرورة الى هذا الفعل وأكثر، وبالتالي فالإنتقام الفردي لن يحل المشكلة قدر البحث عن علاج جذري لها يغير نظرة المجتمع الى بنات جنسها والى كل ما يحيط به من حيوات، تبدو جلها ممزقة ومقهورة، حتى المُغتَصب وحين إقتربت منه مارينا وجدته محبطا ومتأثرا بفراغ عاطفي، إشتغلت عليه ليتبعها في النهاية، وأن على حساب لحظات كانت علاقتها فيه تثير في الجمهور حنقا عليها، لعدم توافق مسار الحكاية مع ما هو متفق عليه إجتماعيا وأخلاقيا، ومع هذا أصرت نيكونوفا الذهاب اليه، ربما، لأنها وجدت فيه نفعا حين أرادت كسينمائية بحث الإشكال الدائم والمُحيّر بين الرجل المُهيمن والمرأة بوصفها كائنا مُستَضعفا، في إطاره العام، والذي تحولت مارينا داخله الى رمز لمنتقم، لا من رجل واحد، بل من المجتمع الروسي بأسره. فيلم الأنكليزي  جون مكيلدوف ”Behold The Lamb” بدايته فيها نفس قتامة الروسي غير أنها، ومع الوقت، خفت قليلا وأعطت بارقة أمل لمحبطيه للتصالح مع عالمهم الشديد القسوة، أبطاله رأيناهم في إنحدار نحو قاع مظلم. إسلوبه كفيلم طريق أعطاه مساحة جيدة ليطور صاحبه ومن خلالها شخوصه وحكايته التي ظلت محدودة رغم ذلك بشخصين: رجل وأمراة، كل واحد منهما كان يبحث عن وَلَّده الذي ضاع منه ولأسباب متقاربة، تعود الى إتخاذهما إسلوبا في العيش يعتمد على الهروب الى الوراء في محاولة منهما لتناسي الواقع بمؤثرات دفعتهم الى إرتكاب أفعال خطرة وأوصلتهم الى مناطق أكتشفوا أنفسهم وبعد عناء أنهم بعيدون عنها بل وهي بعيدة كل البعد عن دواخلهم الباحثة عن إستقرار. الفيلم مكثف وأحداثه تجري بإيقاع بطيء تتشكل عبرها صورة المجتمع الأنكليزي وطبقاته الفقيرة، وكيف يضغط العوز الإقتصادي على كثيرين من المنتمين اليها ليجدوا أنفسهم عنوة خارج إطاره، من دون رغبة منهم. السيناريو الذي فاز بالجائزة كتب بعناية وركز على جوانيات أبطاله ضمن مناخ أنكليزي قاتم. ومن دون رغبتها، هي أيضا، وجدت الشابة جوسلين (الممثلة جوسلين جينسين) نفسها في عزلة مطبقة وسط غابة دفعتها للهروب الى داخلها المضطرب في محاولة لتناسي ماضي مؤلم. جهد مارك جاكسون في "من دون" إستحق عليه جائزة أفضل مخرج والذي ينتمي الى المدرسة الأميركية المستقلة، وفيه دخل الى جوانيات الإنسان المعزول وكلي الإنقطاع عن العالم عبر شخصيتين مركزيتين: الأولى شابة جاءت للعناية برجل عجوز مصاب بمرض الزهايمر الحاد.

أقرب هو الى الموتى، إلا من نشاط بيولوجي بسيط يضعه قسراً في خانة الأحياء، وسَيُكون، بحالته هذه، الطرف الثاني في معادلة العزلة أو عالم الكائنات الطافية في حقل الإنتماء الى ال"بدون"، الى عدمية وجودية محيرة، دفعت جوسلين للهروب الى خيال هلوسي، مَرَضي، وّحدها مع الكائن المُحتَضر الذي جاءت للعناية به في بيت معزول وسط غابة. يذهب جاكسون في فيلمه للبحث في حالات "التفرد" القهري الذي يجد ربما الكائن البشري نفسه يوماً مجبراً على العيش فيها، كالمريض العجوز الذي صار على ما هو عليه نتيجة عجز جسماني لا دور له فيه. أما هي، الشابة القلقة، فاختارت عبور البحر لتصل الى طرف الغابة في محاولة لنسيان ماضيها القريب وإطفاء جمر حزنها المتوقد على صديقة أحبتها وبعد موتها لم تجد أحدا ترتكن إليه سوى ذاتها ووحدتها ورجل عجوز تقاسمه وجودها الجسماني مقابل وجود شبه معدوم. احتفط جاكسون بمناخ فيلمه الى النهاية تاركا لنا عوالم محسوسة الأذى ظلت معنا حتى بعد تركنا قاعة العرض. من ذات المدرسة تخرج التشيكي فاسلاف كادرنكا، وبفيلمه "ثمانون مكتوبا" أتحفنا. إشتغل على أسلوب غاية في الصعوبة قِوامه التعمد في إيقاف الزمن وحركته للحظات ومن ثم العودة ثانية اليه، لمراقبة ما يحدثه الصمت من تأثيرات في ذهن أبطاله حين ما يريدون تأمل مشهد أو الإصغاء الى ذاتهم المنشغلة بأسئلة مُحَيرّة، مِثل التي كانت تواجه الصبي المراهق وهو يرافق والدته في مراجعاتها الروتينية لمؤسسات الدولة التشيكية إستعدادا للسفر والإلتحاق بزوجها الذي غادر البلاد مهاجرا الى بريطانيا. اللحظة التي إختارها، كادرنكا لوجود بطليه الزمني

كانت في العام 1989، أي في السنة التي سبقت قليلا التغير الكبير في المجتمع التشيكي، وإنتقاله من الشيوعية الى الرأسمالية. مراجعاتها الكثيرة للحصول على جواز السفر كانت تجري وفق إيقاع رتيب يعكس بيروقراطية وصرامة إدارية تعيق السفر او إنتقال البشر من البلاد واليها، وعن صعوباتها كانت الزوجة تكتب رسائل الى زوجها تخبره بخطواتها والى أين وصلت مراجعاتها وأيضا تصف خلالها مشاعرها، في حين كانت الكاميرا تسجل دواخل الصبي وهو يودع عالمه بشيء من الصمت والحزن. التصادم بين الرغبة في البقاء والحنين الى أبٍ أضطر للسفر كانت تجد إنعكاستها في المشاهد الطويلة الصامتة المعبرة بقوة عن حالة الصبي النفسية ، فيما كانت والدته تُسَطر كلماتها على الورق حتى وصل عدد ما كتبته من مكاتيب الى 44 مكتوبا، وعنوان الفيلم يوضح لنا إنها ستواصل كتابة غيرها حتى تصل ربما الى ثمانين مكتوبا، لتغادر بعدها البلاد أو أن البلاد كلها ستتغير لتَبقى فيها مع وَلَدها. في نهاية مفتوحة كهذة يمنحنا كادرنكا فرصة تأمل بلاد عاشت يوما تحت حكم شمولي وتخلصت منه الآن، لكن ومن المؤكد أن كثيرا من البشر قد تألموا فيها، واليوم تصلنا بعض آلامِهم عبر عمل سينمائي ممتع وشديد الخصوصية.

الجزيرة الوثائقية في

16/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)