حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«إكس لارج»..

أصابع ساحرة تعيد الحياة إلي الكوميديا المصرية

بقلم : د. رفيق الصبان

الجرأة والتحدي والطموح الفني .. هي الصفات التي تمسك بها الفنان الشاب أحمد حلمي لتساعده علي الوصول إلي القمة والنضج اللذين يتمتع بهما الآن عن استحقاق. ولكن هذه الصفات رغم أهميتها لم تكن كافية لوحدها لولا الموهبة العارمة التي يتمتع بها هذا الفنان الحقيقي.. وهذه الكيميا والحضور اللذان جعلاه يقفز درجات المجد كلها سابقا كل زملائه الكوميديين الذين بدأوا مثله.. بل إنه تجاوزهم أيضا ليسبق كبار النجوم الضاحكين الذين تربعوا بهدوء علي عروشهم واثقين من وفاء الجمهور لهم ومن عجز أي أحد غيرهم عن الوصول إلي ما وصلوا إليه. نمطية الشخصية من خلال أفلام متتالية حرص فيها أحمد حلمي في كل مرة أن يبتعد عن نمطية الشخصية الواحدة التي أهلكت زملاء له من «المضحكين» كان ينتظرهم مستقبل مشرق.. لولا غرور النجاح الأول الذي أصابهم والذي جعلهم يمتنعون عن تجديد أنفسهم والإمساك بشخصية واحدة وأسلوب واحد يكررونه في كل ما صنعوه من أفلام بعد نجاحهم الأول.. مما أدي إلي تساقطهم واحدا إثر الآخر.. تاركين الساحة الواسعة والمجال الفسيح لهذا الفنان الخارق الذكاء .. الذي عرف كيف يمسك بأدواته وكيف يسخرها لحساب سينما جيدة وفعالة .. تعرف كيف تضرب وتعرف كيف تصيب. في «إكس لارج» يتخلي حلمي عن الخلفية السياسية النقدية التي مسها مساً رقيقا أحيانا وجافا أحيانا أخري في فيلمه «عسل أسود» ليقدم لنا خلفية إنسانية تليق حقا بكوميديان واسع الموهبة مثله .. يعرف كيف ينظر ويعرف إلي أية وجهة يوجه مصيره. إنها مشكلة «الفهم» التي تحيل ضحيتها إلي كائن «منتفخ» بعيد تماما عما كان عليه في شرخ شبابه الأول.. ومن خلال ماكياج شديد التوفيق وشديد التأثير .. انقلب أحمد حلمي الذي نعرفه شابا نحيل الجسد رشيق القوام حاد النظرة وذكي الابتسامة إلي إنسان مترهل لا يكف عن تناول الطعام وعن النوم أثناء العمل وعن التشخير المتواصل .. ورغم نجاحه في مهنته «وهي رسام كاريكاتوري في مجلة واسعة الانتشار» وحب رفاقه له ونصائح المقربين له خصوصا خاله الذي يعاني هو أيضا من مرض الشره .. وحب الطعام والذي ينافسه في البدانة فإنه يتابع حياته مؤمنا أن هذه قدرة وأنه رغم رغبته بالعودة إلي حجم معتدل فإنه عاجز عن تحقيق هذا الهدف الذي سيجبره علي التنازل عن الكثير من رغباته الأساسية. اسكتشات سريعة الفيلم يقدم لنا خلال مقاطعه الأولي .. لمحات سريعة من حياة هذا الشاب البدين ومواقفه في العمل .. وعلاقته الحميمة مع زملائه.. والمودة الخاصة التي تربط بينه وبين خاله. كل ذلك من خلال مشاهد تشبه الاسكتشات السريعة، أو لمسات ريشة بارعة تحاول أن تقدم لنا هذا النموذج الإنساني الذي سترافقه فيما بعد في أزمته التي سيعيش بها خلال أحداث الفيلم.. لأن الفيلم نفسه كبناء درامي مستقل يبدأ بعد ذلك.. حين يعود مجدي «وهو اسم بطلنا» إلي ذاكرته ومن خلال رسالة قديمة تعود إلي ذهنه أيام شبابه الحلوة وحبه لزميلته في الدراسة «وهذه العلاقة يقدمها لنا المخرج من خلال صور متحركة شديدة الإتقان وشديدة الابتكار» فيقرر أن يعاود الاتصال بها عن طريق الإنترنت والفيس بوك والتي أصبحت وسيلة مهمة للترابط بين الأفراد .. فيكتشف أنها كانت قد سافرت خارج مصر وأنها قررت العودة إلي وطنها وأنها مازالت تذكره وتذكر أيام دراستهما معا ومازالت أيضا تحمل في قلبها الشيء الكثير من المودة له وربما أكثر بقليل من المودة.. مما يفتح أبواب الأمل أمام مجدي .. في حياة مختلفة يتمناها ويحلم بها. ولكنه في المطار حين جاء لاستقبالها يشعر بالتغيير الجسدي الذي أصابه خصوصا بعد أن شاهدها وقد نضجت واكتملت أنوثتها واشتد بهاؤها.. فلا يجرؤ علي تقديم نفسه ويدعي أنه قريب لمجدي يدعي عادل وأن مجدي قد اضطرته الظروف للتغيب عن استقبالها. مواقف ساخنة ومنذ هذه اللحظة تبدأ خطوط الكوميديا التي رسمها بدقة «أيمن بهجت قمر» من خلال حوار شديد الذكاء ومن خلال مواقف ساخنة تثير الضحك دون ابتذال مع وجود خلفية اجتماعية وإنسانية شديدة التأثير وراء الإفيهات والمواقف التي نراها ونشعر بها. وهكذا يتأرجح بطلنا بين شخصيتين وينقلب الفيلم ليصبح تأملا عن الحب فيه الكثير من الشجن والحنان، ويذكرنا ببعض كوميديا شكسبير الشهيرة كما في «ضجة بلا طائل» أو «كما تهواه» وفي كل هذه المواقف يتطور أداء البطل بين الكوميديا الساخرة والكوميديا السوداء» كما في مشهد لقاء مجدي مع زميل الطفولة الآخر» الذي حقق نجاحا مدهشا في ميدان مختلف ونتابع بكثير من الحنان والتعاطف نحو مشكلة مجدي بين حبه للطعام وشرهه الذي لا يعرف كيف يلجمه.. ومن حبه المتعاظم لرفيقة شبابه «وتلعب دنيا سمير غانم دورها. بمهارة وشفافية ورقة تحسد عليها وتؤكد مكانتها التي تزداد قوة في قلوب معجبيها بين فيلم وآخر وتضع نفسها عن استحقاق علي رأس قائمة نجماتنا الموهوبات اللاتي يملكن هذا السحر الخاص الذي يؤهلهن لأن يلعبن أي دور كان بنجاح وإقناع كاملين». ويزداد الموقف تعقيدا دون أن يبدو في الأفق أية بادرة حل ورغم نصائح زميلات مجدي له وتلقينه مبادئ الحب الأول وأسرار قلب المرأة فإن مجدي يظل عاجزا عن الوصول إلي حل قاطع ينهي فيه أزمته ويزيل فيه أثار هذه الكذبة البيضاء التي أصبحت الآن سورا منيعا يمنعه من الوصول إلي حبيبة قلبه عوضا عن أن يكون جسرا متينا يقوده إلي قلبها. وعندما يقرر أخيرا أن يصارحها وأن يكشف لها سره وحبه تصده بلطف ومودة ما يؤدي به إلي نوع من الهذيان الجميل المتمثل في مشهد ساحر يدور في حديقة عامة ويري نفسه فيه متعادلا مع شحاذ بدين يظهر له في كل مقدمة طريق. نهاية مأسوية وتتعقد الأمور بعد ذلك عندما تأتي نهاية مأساوية يفقد فيها بطلنا صديقه الوحيد وأمين أسراره كلها أي خاله الحبيب فيقرر أخيرا أن يواجه نفسه وأن يتغلب علي ضعفه ويخضع لعلاج كثيف ومثمر كان يرفضه دوما لإعادته إلي حجم طبيعي يستطيع بعده أن يكسب قلب حبيبته التي لم تكف لحظة عن حبه بدينا كان أم رشيقا. رغم النهاية التوفيقية التي بدت لنا غير منسجمة مع وقائع الفيلم التي كانت تسير بإيقاع مدهش ومن خلال مواقف شديدة الذكاء وحوار حي نابض ومليء بالرموز والإشارات وملاحظات تدل علي وجود عين سينمائية واعية تعرف إلي أين توجه بصرها.. وفي الوقت الملائم أيضا. النهاية حققت كما يخيل لي «تنازلات» إجبارية من قبل صانعي الفيلم .. ممثلا كان أم مخرجا أم كاتبا وشأن الساحر الذي يبهرنا بمهارته وقدرته علي قلب السينما بحيله الماهرة ومهارته الخارقة ثم يكشف لنا آخر الأمر من سحره والحيل التي لجأ إليها لخداعنا. وقف السحرة الثلاثة أمامنا كاشفين سر لعبتهم فرحين بما قدموا وما وصلوا إليه . تطويل بسيط في بداية الأحداث كمقدمة لا أراها ضرورية جدا قبل مجيء البطلة وقبل أن تبدأ أحداث الفيلم الحقيقية ونهاية مصطنعة ترضي جميع الأطراف هي العيبان اللذان سيطرا علي هذا الفيلم البديع المتكامل في كل جوانبه والذي يقدم لنا «سينما محترمة» وكوميديا حقيقية طال غيابها عنا وطال انتظارنا لها. لياقة إخراجية شريف عرفة يبدو في كامل لياقته الإخراجية وعينه البارعة الباهرة وقدرته علي رسم أجواء ومواقف شديدة الصعوبة بعفوية وثقة وتأثير وابتعاده عن الابتذال اللفظ والحركي الذي سمم سينمانا الضاحكة.. مواسم طويلة ماضية. أيمن بهجت قمر يثبت تمكنه من رسم المواقف وإجادته للحوار اللاذع الذكي المؤثر ويؤكد في هذا الفيلم نضجه السينمائي الذي يجعلنا نأمل كثيرا في مشاريعه القادمة. أما أحمد حلمي فهو روح الفيلم وهو رحيقه المسكر.. إنه يتلألأ في كل مشاهده كالجوهرة .. وينتقل بنا من عاطفة إلي أخري بنفس المهارة والقوة والتأثير فهو أحيانا يعكس شجن شخصيته وأحياناً أخري يعكس ترددها وحيرتها ومرات يشعرنا بيأسها وإحباطها ومرات يشعرنا بإنسانيتها المجروحة. إنه ومن خلال ماكياج أعتقد أني لم أر له مثيلا في الأفلام المصرية قبل ذلك يحقق لنفسه مستوي رفيعا في الأداء لا يعتمد علي المبالغة أو التنكر قدر ما يعتمد علي الإحساس الداخلي المتدفق، لقد استطاع حلمي ببساطة أن يدخل إلي أعماق شخصية رجل بدين يملك حساسية خاصة في مجتمع يحكم بقوة علي المظاهر، أقنعنا ببدانة حقيقية لا تعود إلي قدرة الماكياج قدر ما تعود إلي قدرة الممثل. عرف كيف يمسك بالإحساس الداخلي للشخصية التي يلعبها وكيف يطورها ويصعدها ويجبرنا علي التعاطف معا في كل مراحلها حتي في لحظات ضعفها وترددها أو لحظات قوتها وكبريائها. لقد خاض أحمد حلمي في «إكس لارچ» تحديا جبارا وقدم نفسه وكأنه ممثل آخر لا نعرفه. ونجح في أن يقنعنا أن الممثل الحقيقي ليس مظهرا جسديا خارجيا وانما هو في الأصل انفعال داخلي صادق وقوة جبارة كامنة تنتظر الأصابع الماهرة التي تخرجها من قمقمها لتنطلق هادرة شامخة فوق كل تنافس أو مقارنة. (إكس لارچ» هو عودة الحياة إلي الكوميديا المصرية ومن خلال أصابع ساحرة عرفت كيف تبعثها بعد أن ظننا أنها قد دفنت إلي الأبد.

جريدة القاهرة في

15/11/2011

 

18يــــــوم.. عزلــــــة وشــــــــتائم وتشــــــهير

بقلم : رامي عبد الرازق 

في عرضه العربي الأول بعد عدة مهرجانات دولية عرض ضمن فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان أبوظبي فيلم"18 يوم"الذي اصبح إحدي الظواهر السينمائية التي افرزتها ثورة 25 يناير سواء اتفقنا مع مستوي افلامه أو اختلفنا. التجربة بلاشك تحوي الكثير من النوايا الحسنة فيما يخص توثيق الحدث والتعبير عنه بصريا او الاحتفاظ بالمواد الأرشيفية عن الوقائع والشخصيات والمشاعر داخل اطار روائي، لم يفلح في كثير من الأحيان في تجاوز قوة الواقع ذاته او تقديم قراءة ناضجة عنه، ربما بسبب ان اغلب التجارب جاءت من واقع انفعالية اللحظة وليس استيعابها. الإيجابي في مشاهدة هذه"الوثيقة"-علي حد تسمية يسري نصر الله الأب الروحي للمشروع-أنها أنجزت خلال الفترة الأولي من الفوران قبل أن تتضح الصورة اكثر كما هو حادث الآن، خصوصا فيما يتعلق بعنصرين أساسيين هما الجيش والتيارات الإسلامية علي مختلف اتجاهاتها فرؤية الدبابات والمدرعات علي سبيل المثال في الفيلم لم تعد تثير نفس الإحساس الذي كانت تثيره وقت العروض الاولي، انظروا كيف كان الامر في البداية وإلي ما وصل الأن!! من الصعب الحديث عن الأفلام العشرة منفردة ولكن الملاحظة الأساسية هو وجود عناصر مشتركة تكاد تكون اساسية في اغلب الافلام سواء ذات المستوي المتوسط او المتواضع أو المشوش رغم أن صناع الأفلام اعلنوا أن كلا منهم كان يعمل بشكل منفرد ودون تأثر أو استشارة للآخرين. المكان الواحد العنصر الاول هو اللجوء لفكرة الموقع الواحد one locition فأغلب الافلام مصورة داخل مكان واحد وغالبا مغلق والخروج بالكاميرا إلي الشارع قليل جدا بعضه استخدم للقطات ارشيفية والآخر علي استحياء مثل افلام «احتباس» الذي يدور في مستشفي مجانين «تخيلي» و«كحك الثورة» في محل ترزي «وإن جالك الطوفان» في قهوة بلدي و«الشباك» في غرفة شاب منعزل و«داخلي خارجي» في شقة زوجين منقسمين بين تأييد الثورة وإنكارها و«19-19» داخل أحد مقار امن الدولة. ربما كانت هناك أسباب إنتاجية وراء المسألة ولكن الارجح هو وجود رغبة مشتركة في التعبير عن حالة العزلة والفردية والحيرة والتخبط التي كانت تساور الجميع في هذه اللحظات وحيث تبدو الثورة خلفية والحدث الرئيسي هو انفعال الشخصيات سواء بالتعليق أو المراقبة أو المشاهدة وأخيرا المشاركة. لكن بعض الأفلام التي قررت أن تحطم جدارن هذه العزلة وتخرج إلي الشارع بشكل كامل مثل فيلم «حظر تجول» حول جد يفشل في الوصول إلي بيته مع حفيده بسبب حظر التجول خلال ايام الثورة. العنصر الثاني هو جرأة اللغة وفجاجاتها وهي محاولة لاتخاذ المنهج الواقعي في الوصول بالمادة الفيلمية إلي اقصي درجات الواقع سواء في خشونة صورته أو فجاجة لغته، خاصة في افلام «19-19» حيث تتكرر شتائم بذيئة جدًا علي لسان ضابط امن الدولة و«شاويش التعذيب» للمعتقل عمرو واكد اثناء فترة الثورة، كذلك في «تحرير2-2» علي لسان البلطجي المأجور. وهي كلمات صادمة تعبر في عمقها عن الشعور بالتحرر من اي سلطة رقابية أو سياسية وهو الشعور الذي كان جزءا من احساس الجميع وقت الثورة، فسب رموز النظام يوميا في التحرير انعكس من خلال استخدام الشتائم البذيئة في الأفلام واتصور أن صناع الأفلام الآن لو أعادوا رؤيتها لاختلف احساسهم بكم الشتائم وفجاجاتها وتوظيفها الدرامي. العنصر الثالث هو التركيز علي احداث معينة كأنها هي فقط التي تلخص الثمانية عشر يوما اولها موقعة الجمل وثانيها مسألة العناصر المأجورة واليورو والكنتاكي ثم الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان وخطابات 1 فبراير و10واخيرا "التخلي"، بعض الأفلام بحكم افكارها تجاوزت ذلك مثل حظر تجول وخلقة ربنا، ولكن بدا تكرار تلك العناصر واقحامها في كثير من الأحيان علي حبكة الأفلام اشبه بوضع عنصر نمطي مكرر يفقد بريقه كلما لمسته يد جديدة في نفس الموضع ومن نفس الزاوية، وهي مشكلة العمل من خلال انفعالية اللحظة، حيث تبقي امور واحدة مكررة تلح علي الذهن وتتواري مشاهد او لقطات أخري من داخل الحدث ربما لم يلتفت إليها أحد من قبل حتي صناع الأفلام. هجوم مكشوف العنصر الرابع هو الهجوم المكشوف علي مبارك ورموز نظامه بالاسم والصفة والنعت وهو أيضا جزء من حالة الفوران التحريرية التي انعكست في الأفلام، وبدت اقرب للتشفي منها للتحليل، فمتي كان يسمح بسب رئيس الجمهورية سرا أو علنا! وهو ما عبر عنه أحمد حلمي في فيلم «كحك الثورة» عندما تراجع عن التسجيل علي أحد خطب مبارك بينما قام بالتسجيل علي القرآن علي اعتبار أن ربنا يمكن أن يسامح ولكن مبارك لا. ويتداخل هذا العنصر مع عنصر اللغة الفجة المكشوفة والتي أشك أن كليهما يمكن أن يظهر في الأفلام القادمة لاي من صناع افلام 18 يوم خاصة فيما يتعلق برئيس النظام القادم علي سبيل المثال، وهذا العنصر أحد العناصر السيكولوجية المهمة التي يجب دراستها في الفيلم، فهل تحررنا بما فيه الكفاية شعبا ونظاما للدرجة التي يمكن أن ننتقد فيها رءوس النظام وهم في المناصب وليسوا خارجها؟ العنصر الخامس هو الأسلوب البصري في تناول افكار الافلام العشرة حيث اعتمد اغلب المخرجين علي حركة كاميرا تسجيلية لا تهتم بالتكوين ولا حجم الكادر ولا زاويته بقدر ما تهتم بالرصد او بالتلصص علي انفعالات شخصياتها او محاولة محاكاة عدم الاستقرار والحركة البصرية العنيفة لكليبات ومقاطع المحمول والكاميرات الشخصية التي ارشفت الكثير من الأحداث، ونلاحظ هذا في فيلم «خلقة ربنا» في مشاهد دخول بائعة الشاي في خضم المظاهرات وراء الشاب الثوري الهتيف، وفي أفلام «داخلي خارجي» و«شباك» اللذين اعتمدا علي رؤية وإيقاع يحاكي التوثيقي ببطئه وتأمليته خصوصا في فيلم «شباك» الذي يتحدث حول شاب لا منتمي يراقب الثورة عبر نافذة غرفته بعد إن انقطعت عنه نوافذ الانترنت والمحمول اللذان يمثلان علاقته بالعالم ، وان كان اضعف ما في هذا الفيلم هو نهايته أما الدبابة. ومسألة الدبابة تتكرر كثيرا في نهايات الأفلام خصوصا في «شباك» و«حظر تجول» حيث ينتهي «شباك» بالتعارف أمام الدبابة ما بين الشاب المنعزل والفتاة الثورية جارته التي يراقبها، وينتهي «حظر تجول» بصورة الطفل الصغير علي الدبابة بعد ان امضي الليلة مع جده في الشارع امامها. ملحوظة شكلية هناك ملحوظة شكلية هي تكرار بعض الوجوه في ادوار مختلفة خاصة آسر ياسين الذي يظهر في بطولة فيلمين هما «تحرير2-2» في دور بلطجي و«داخلي خارجي» في دور الزوج اللامنتمي كذلك الممثل الشاب محمد فراج في دور صديق الشهيد في فيلم"تحرير2-2" والحلاق في "حلاق الثورة"وهو ما يخلق بعض التشوش خصوصا مع الحس التسجيلي الذي يحاول ان يكسب الشخصيات حقيقية، وعادة في مثل هذه الأفلام مثل «باريس احبك» و«11 سبتمبر» لا نجد تكرار لعنصر مهم كالممثلين في فيلمين متتالين لمنع الخلط والبقاء علي فردية كل تجربة وخصوصية شخوصها وانفعالاتهم.

جريدة القاهرة في

15/11/2011

 

توفيق صالح: لولا أنني أحب السينما لهجرتها

بقلم : فريال كامل 

استهل توفيق صالح حديثه عن السيدة الفاضلة التي قاسمته معاناته وكفاحه، ردا علي سؤال من الناقدة فريدة مرعي فقال: التقيت الآنسة «روضة» وعرفت أنها قريبتي من ناحية أمي واستغربت أن بين أفراد عائلتي شابة بمثل هذا الجمال وباختصار تشجعت وتقدمت لخطبتها كنت عائدا لتوي من فرنسا بدون عمل بدون دخل، ولكن قلبي عامر بالأمل ومن الغريب أنها وافقت. وبعد الخطبة اختليت بنفسي أتأمل حالي كان فيلمي الأول «درب المهابيل» عن قصة لنجيب محفوظ قد تم عرضه ولم ينجح تجاريا وإن قدره النقاد بعد ذلك بخمسة عقود تقريبا واحدا من أهم مائة فيلم في السينما المصرية، قد لا يتسع خيالكم لتصور حالي، كان السينمائيون إن قابلوني لا يردون سلامي «يضحك في أسي» وأهنت كما لم أهن في حياتي حينما نشر مخرج كبير أن «درب المهابيل» و«السوق السوداء» لكامل التلمساني هما أفشل فيلمين في تاريخ السينما المصرية كل ذلك كان يحز في نفسي، وإن لم أفقد قط احترامي لذاتي وحقيقة الأمر لو كنت عاقلا. الحبيبة تنتظر ولو كنت لا أحب السينما لهجرتها إلي أي حرفة أخري، ولكن من أين يأتي العقل كل هذا وكان علي أن أتمم زواجي فالحبيبة تنتظر. والحال لا يخلو من الكوميديا فقد كان البنك الذي يمولني عند الحاجة هو بواب العمارة التي أقيم فيها وكنت أسارع إلي تسديد ديوني بمجرد أن تصلني أي سيولة وهكذا دارت العجلة أستدين ثم أسدد، أسدد وبعدها أستدين. تأملت أحوالي وتساءلت كيف بالله عليكم أن أتزوج وأغطي متطلبات الزواج وتوابعه وبالمناسبة كانت العروس لا تجيد الطهي وكم ابتلعت نتائج تجاربها، ولكن بعدها منحتها شهادة الجدارة في فن الطهي والتدبير بما فيه إدارة حياتي فوهبتها لها، فلاش باك إلي نقطة البداية، اتخذت قراري بالانسحاب وعدم إتمام الزواج كل ذلك غريب ولكن الأغرب أن العروس رفضت موقفي وأعلنت تمسكها بي وكانت حمامة السلام بيننا هو صديقي صلاح جاهين ـ رحمه الله ـ باختصار تزوجنا وكنا نعيش علي الفيض الكريم. مرة تصيب ومرة تخيب التفت توفيق صالح إلي الزميلة فريدة مرعي موجها حديثه لها، كل ما قلته وما سأقوله في إطار الإجابة عن دور السيدة حرمنا المصون في حياتي فأنا لم أخرج عن الموضوع كتبت قصة فيلم «إحنا التلامذة» بمشاركة كامل يوسف وقد نجح الفيلم نجاحا ملحوظا وحصلنا علي 150 جنيها تقاسمناها بالعدل. كنت أتردد علي المنتج جبرييل تلحمي في شركته وكان يقابلني بكل ود وفي تلك الأيام كان نجيب محفوظ ينشر في جريدة الأهرام رواية «أولاد حارتنا» علي حلقات وكان المنتج الكبير يقرأها بانتظام وفي إحدي زياراتي كلفني بإعداد تلك الرواية للسينما، وقال لي بالحرف الواحد «اعمل أكشن» أما عن صاحبك نجيب محفوظ ـ وكان يعرف مدي صداقتي له ـ فسوف أعطيه ما يطلبه. أقبلت علي العمل بحماس، بينما يتابع الأهرام نشر الحلقات حتي وصل السرد إلي زمن السيدة العذراء والسيد المسيح. قرأ تلحمي الحلقة وأعاد قراءتها وما إن مررت مصادفة بمكتبه حتي صرخ في واتهمني وصاحبي بالكفر وما زاد علي ذلك أن طالبني برد مبلغ 15 جنيها كنت قد استعرتها منه وهكذا ضاعت فرص عمل كبيرة ودخل كبير. أما عن المبلغ المذكور فقد دفعته قيمة الاشتراك في مسابقة وزارة الثقافة التي كانت تقيمها سنويا لاختيار أفضل فيلم وأفضل سينمائي في تخصصه، وقد اشتركت بفيلمي «درب المهابيل» في مسابقة الإخراج، وبعد شهر من الترقب والانتظار جاءت المفاجأة السارة وفاز فيلمي بالجائزة الثانية مناصفة مع «رد قلبي» لعزالدين ذوالغفار بينما فاز «شباب امرأة» لصلاح أبوسيف بالجائزة الأولي وفي ذات المسابقة فاز «باب الحديد» ليوسف شاهين بالجائزة الثالثة قبضت علي الـ 1000 جنيه وطرت إلي مكتب تلحمي لأسدد ديني ولكنه رفض استقبالي فتركت له المبلغ مع أحد الموظفين ووعيت أن الفرحة لا تكتمل ولكن القافلة تسير. حساب المستشفي في ذات اليوم مررت علي ستديو نحاس ربما لأتلقي تهاني زملائي فصادفت عزالدين ذوالفقار شريكي في الجائزة، فحييته بمودة ولكنه لم يرد السلام، ومن غرائب الوسط السينمائي أنه بعد أيام جاءني صوته ـ أي عزالدين ـ عبر التليفون وسألني بأدب أن أمر عليه في اليوم التالي، كان المسكين مريضا، راقدا في فراشه وأخبرني أنه شاهد فيلمي «درب المهابيل» مرتين علي ماكينة عرض 16 مللي وقدم لي سيناريو «صراع الأبطال» وعلي الفور اتفقنا ووقعت العقد، لا أطيل عليكم أنهيت الفيلم ولاقي تقديرا لدرجة أن فاز بالجائزة الأولي في فرعي الإخراج والسيناريو إضافة لجائزة أفضل فيلم. للأسف تدهورت حالة عزالدين ودخل العناية المركزة، استلمت قيمة جائزته كمنتج للفيلم وطرت بها إليه فابتسم لي ودعا والدته وقدمني لها وسددنا حساب المستشفي بقيمة جائزته. وفي إطار الإجابة عن ذات السؤال وبعد زيجة استمرت أكثر من أربعين عاما أقول لقد قاسمتني روضة مشقة الكفاح ووهبتني الراحة ومنحتني نعمة الأسرة. ودارت العجلة كنت أعمل سينما وعيني علي الجمهور المتلقي، وكنت مهموما بعمل سينما من نوعية خاصة، سينما تتضمن فكرة تحرك عقله وليس أحاسيسه وكنت معني إن شاهد فيلمي اثنين من الجمهور أن تكون المناقشة ثالثهما بعد العرض، وهنا اعترض الحكي أحد الحضور بسؤال إن كان المخرج الكبير غير معني بالعواطف؟ فأجاب بحسم إن جاءت في وقتها ومحلها واستطرد إلي أن ذلك هو دور المخرج السينمائي خاصة في البلاد المتخلفة كما بلادنا. بالطبع لم يعجب المنتجون بهذا الكلام فدأبوا علي السخرية مني واستأنفوا حملة ضدي شخصيا وضد أفلامي ولكنها للحق كانت أخف من الحملة التي واجهتني بعد عرض «درب المهابيل». الأولة تونس كان المتعارف عليه قياس نجاح الفيلم بمدي إقبال الجمهور علي مشاهدته وبناء عليه كان نجاح أفلامي بدرجة متوسطة في مصر وعلي العكس لاقت أفلامي إقبالا ملحوظا حين عرضها في البلاد العربية خاصة في تونس، لقد أضحيت نجما دون أن أدري فحينما سافرت إلي تونس للمشاركة في مهرجان قرطاج كان الناس العاديون يتركون مقاعدهم علي المقاهي ليرحبون بي وهنا أضاف الناقد هاشم النحاس حقا إن النقاد في تونس هم أول من لفتوا أنظارنا إلي قيم وقدر سينما توفيق صالح. سعد توفيق صالح بتدفق ذكرياته عن تونس وتعارفه علي النقاد والجمهور التونسي فواصل حديثه، كان طاهر الشريعة ـ رحمه الله ـ رائدا لحركة نوادي السينما في تونس وأيضا الوطن العربي وقد حضر إلي القاهرة بصفته رئيسا لمهرجان «قرطاج» وطلب عرض فيلمي «المتمردون» في المهرجان والغريب أن الأديب عبدالحميد جودة السحار وكان رئيسا لمؤسسة السينما قد رفض الطلب بحجة أن الفيلم يسيء إلي سمعة مصر، ولكنه عاد ووافق علي سفر الفيلم ـ بعد إلحاح من الشريعة ـ ولكن علي أن يعرض باسم المخرج وليس اسم مصر ليلتها زارني «الشريعة» في الاستوديو بصحبة مجموعة من النقاد وكنت أصور فيلمي «يوميات نائب في الأرياف» فدعوتهم لبيتي بعد انتهاء جدول العمل وانصرف الجميع بعد العشاء وبقي الشريعة وحده ليصل النقاش بيننا إلي الرابعة صباحا حدثني ليلتها عن حركة نوادي السينما التي أسسها في المدارس والمعاهد بجميع أقاليم تونس. وأضاف الشريعة أن كل الشباب هناك قد شاهدوا فيلمك «درب المهابيل» أكثر من مرة دعاني الشريعة لحضور المهرجان فقبلت الدعوة. واقع الأمر أنني كمخرج لي ملاحظاتي علي فيلمي «درب المهابيل» ولكن ما شاهدته من استجابة الجمهور في تونس كان أمرا مختلفا خاصة أن عام 1968 كان عام مظاهرات الطلبة في باريس مما كان له مردود علي استجابة الجمهور للفيلم، امتدت إقامتي في تونس بعد المهرجان لمدة شهر كامل وفي كل صباح كان يصحبني موظف من وزارة الثقافة في السيارة إلي بلد مختلف، جُلت 30 ناديا للسينما والتقيت جمهوره وبعدها جُلت شمال أفريقيا كله فكانوا يستقبلونني بكل احترام لبيت دعوات شخصية من تونس والجزائر والمغرب، حيث منحوني الجوائز والتكريمات وغمروني بالهدايا واعترض أحد الحضور علي إغفال توفيق صالح لتقدير النقاد في مصر له وذكره بدعوتهم له في ندوة الفيلم المختار التي كان يشرف عليها الأديب يحيي حقي مدير مصلحة الفنون في ذاك الوقت، ذلك حيث تم عرض فيلم «درب المهابيل» وعقبه مناقشة حول الفيلم فرد توفيق صالح أن يحيي حقي ذاته كان معجبا بالفيلم، وكذلك زوجته الفرنسية، والمفارقة أنه كموظف رسمي منع الفيلم من العرض في الخارج علي اعتبار أنه يعطي صورة سيئة عن مصر، حقيقة الأمر كانت هناك فجوة بين موقف كل من المنتجين، وأيضا الموظفين الرسميين من ناحية وبين المثقفين من ناحية أخري وفي تقديري أن الغلطة الأساسية في «درب المهابيل» كانت في عرضه أيام العيد، لأنه لا يحمل خواص أفلام العيد المعروفة. وبعد يا سادة مكثت خمس سنوات بعد فيلم «درب المهابيل» بدون عمل بحجة أن أفلامي ذهنية تحرك العقل وتطرق «الحديث إلي المخدوعون» فقال إنه سادس أفلامي، وبعد عرضه شعرت بالثقة بالنفس وأنني بدأت أفهم سينما وأتمكن من الحرفة وأنه لو واتتني الفرصة للعمل سوف أصنع فيلما أفضل من أفلام أمريكا ولكن الفرصة لم تواتين. شمعة جديدة خرجت إلي بغداد من أجل عمل أفلام من إنتاج مؤسسة السينما هناك وحتي لا أطيل عليكم عدت وكانت عودتي من عشرين عاما، سعيت للعمل والتقيت منتجين كثر وقد فاجأني أحدهم بسؤال إن كنت أستطيع أن أعمل فيلما علي وجه السرعة فعاهدت نفسي ألا أدخل مرة أخري مكتبا لأحد المنتجين. وهنا تدخلت الناقدة صفاء الليثي بقولها يا أستاذ توفيق لقد قمت بدور مهم في تاريخ السينما المصرية، ولك أفلام عظيمة علي قائمة أهم مائة فيلم في السينما المصرية فلا يجب أن تشعر بالمرارة. وهنا دعت صاحبة البيت الأستاذ توفيق لإطفاء شمعة علي مدار عمره المديد متعه الله بالصحة.

جريدة القاهرة في

15/11/2011

 

مصير محمد سعد ينتظر أحمد مكي.. في "سيما علي بابا"

بقلم : أسامة عبدالفتاح 

منذ ثلاث سنوات، نشرت مقالا أشدت فيه بالفنان أحمد مكي عندما قرر التوقف عن تجسيد شخصية "هيثم دبور"، وعدم المشاركة في جزء جديد من المسلسل الكوميدي "تامر وشوقية" الذي كان يقدمها من خلاله.. وقتها خلع مكي "باروكة دبور"، وقال إنه لن يعود لارتدائها أبدا حتي لا يصيب الجمهور بالملل، وإنه يكفيه تجسيد الشخصية في أكثر من جزء من المسلسل وفي فيلمين، أحدهما يحمل اسمها، وأضاف بالحرف الواحد: "مش عشان السبوبة نتساخف علي الناس"، أي لا يجب أن نكون مصدر مضايقة للمشاهدين لمجرد أن نجمع المال.. وقارنت في المقال بين هذا الموقف الذكي وبين إصرار الفنان محمد سعد علي مواصلة تقديم شخصية "اللمبي" حتي أصيب جمهوره بالضجر، مما أثر علي إيرادات أفلامه وأسقطه في النهاية من عرش النجومية والجماهيرية إلي هاوية لم يعرف - حتي الآن - كيف يخرج منها. ودارت الأيام لتشهد ارتكاب مكي نفس الخطأ، ووقوعه في نفس الفخ، من دون أن يتعظ برأس سعد الطائر.. وبدأ الأمر بإعادة استخدام إحدي شخصيات فيلم "طير انت" في مسلسل من جزءين بعنوان "الكبير قوي"، وإن كان مكي قد رفض عمل جزء ثالث رغم نجاح المسلسل.. كما تم عرض صور شخصيات "طير انت" في فيلمه الثاني كبطل مطلق، "لا تراجع ولا استسلام"، ليختار منها جراح تجميل الشبيه الذي يصلح بديلا لمجرم خطير مقتول.. ووقع الخطأ الأكبر عندما تم استدعاء "حزلقوم"، بطل "لا تراجع ولا استسلام"، للقيام بدور البطولة أيضا في "العرض الأول" من اثنين يتكون منهما فيلم مكي الأخير "سيما علي بابا"، المعروض حاليا في دور السينما. مبررات واهية ولا تكمن المشكلة الحقيقية في تكرار شخصية "حزلقوم" بقدر ما تكمن في تكرار الدور الذي يلعبه، وهو الشبيه، حيث يحل في الفيلم الأول بديلا للمجرم الخطير، وفي الثاني بديلا لرئيس أحد الكواكب الخيالية، في إطار خطة تآمر نمطية للغاية يضعها "كبير الوزراء" (الممثل الواعد هشام إسماعيل) للاستيلاء علي الحكم.. ألا يذكرك ذلك بشيء؟ نعم، "سلامة في خير"، و"صاحب الجلالة"، و"المليونير"، وعشرات الأفلام المصرية والأجنبية التي قامت علي هذه الفكرة المستهلكة، بما فيها "لا تراجع ولا استسلام" نفسه.. وشخصيا لم أقتنع بالمبرر "الأمني" الذي ساقه هذا الفيلم الأخير لإعادة تقديمها، وهو أن أحدا لن يتصور اللجوء إليها مجددا لفرط ما استهلكت من قبل.. كما لم "أبلع" مبرر "سيما علي بابا" لفرضها علي المشاهد مرة أخري وأرجو أن تكون أخيرة، وهو أنها لم تنفذ من قبل في كوكب "ريفو" الخيالي، فقد سئمت - وكثيرون غيري - هذه الفكرة المقيتة وأرجو أن تختفي من السينما المصرية والعالمية إلي الأبد. يتكون "سيما علي بابا" من كليب عن طقوس دخول دار السينما وفيلمين: "حزلقوم في الفضاء"، الذي يتتبع مغامرات الشبيه في الكوكب الخيالي، و"الديك في العشة"، عن انتصار مجموعة من الحيوانات الطيبة علي ضباع شريرة غازية بمساعدة ديك غريب نصاب يتحول في النهاية إلي بطل.. ولذلك تصور الكثيرون أن الفيلم قائم علي فكرة "البارودي"، أو المحاكاة الساخرة، سواء محاكاة دار سينما "علي بابا" نفسها، وفكرة "الفيلمين في بروجرام واحد"، أو محاكاة أفلام حرب الكواكب الأمريكية في الجزء الأول، أو محاكاة أفلام والت ديزني وقصص الأطفال في الجزء الثاني. القالب والخليط ورأيي أن ذلك غير صحيح علي الإطلاق، فالحق أن صناع الفيلم لم يقدموا أي "بارودي" من أي نوع، ولم تكن هناك محاكاة ساخرة لأي عمل شهير أو كلاسيكي، وكل ما حدث أنهم استخدموا قالبي أفلام حرب الكواكب وقصص والت ديزني لصب خليط غير موفق للأسف من القصص القديمة، والإسقاطات السياسية الخائبة المباشرة، والإفيهات واللازمات المكررة، مثل اللازمة التي يؤديها مسئولو الكوكب كلما ذكر اسم "الأرشيدوق" المقدس في الجزء الأول، والتي تحيلك علي الفور إلي لازمة فؤاد المهندس "طويل العمر يطول عمره" كلما ذكر اسم السلطان "مارينجوس الأول" في فيلم "صاحب الجلالة". ويقوم "العرضان" اللذان يتكون منهما الفيلم علي مجموعة من القصص النمطية القديمة التي سئمها الجمهور، مثل قصة الشبيه واستخدامه سياسيا في الجزء الأول، وقصة المجرمين التائبين الذين يخلّصون قرية مسالمة من الأشرار الذين يستولون علي خيراتها في الجزء الثاني، والتي تعيد إلي الأذهان الفيلم الكلاسيكي الشهير "العظماء السبعة"، وكل ما خرج من عباءته من أفلام، ومنها الفيلم المصري "شمس الزناتي".. وأؤكد مجددا أنني لست مقتنعا بكل الحجج والمبررات والطرق التي اتبعها صناع الفيلم لتمرير إعادة طرح هذه القصص والأفكار النمطية، ومنها الراوي الذي يظل يقول لنا إننا إزاء قصة تقليدية معروفة تنتهي مثل مثيلاتها بالنهاية السعيدة، فنحن نريد قصصا جديدة تختلف عما ألفناه وتربينا عليه من أساطير وحواديت مهما كانت بداياتها ونهاياتها.. فمتي يقدم مكي قصة جديدة؟ القديم والجديد أقول ذلك وأنا أعرف تماما أن الفن - في أحد تعريفاته - صب لنبيذ قديم في كئوس جديدة، أي أن أفكار الدراما محدودة ويكون رهان صناعها دائما علي معالجاتهم الخاصة والمختلفة لها.. لكن المشكلة أن صناع "سيما علي بابا" يكتفون من الجديد بالقشور والشكل فقط، ففي الوقت الذي يوحي فيه تقسيم الفيلم إلي قصتين، وارتداء الممثلين - لأول مرة في تاريخ السينما المصرية - أقنعة حروب الكواكب والحيوانات، بكل ما هو جديد ومبتكر، يكتشف من يشاهد الفيلم أنه وقع في فخ القديم المستهلك، وأن صناع العمل لم يبذلوا أي مجهود في تقديم معالجات ورؤي جديدة ومختلفة للأفكار النمطية التي يطرحونها. والشيء الوحيد الذي بذل صناع العمل مجهودا فيه، هو الإسقاطات السياسية الخائبة المباشرة التي تحفل بهما القصتان المقدمتان.. ففي جزء "حزلقوم في الفضاء"، هناك إسقاطات علي رموز النظام السابق من خلال شخصيتي الشقيقين الضالعين في التجارة الدولية للسلاح، وفي المؤامرة المحاكة للاستيلاء علي الحكم، في إشارة واضحة لتجاوزات أبناء المسئولين السابقين.. وهناك كبير الوزراء الفاسد، والشبيه البوهيمي الذي يعلن عبر التليفزيون "تسليم السلطة للشعب"، هكذا بكل بساطة! تصحيح مسار وفي جزء "الديك في العشة"، هناك إسقاط علي الوضع العربي الراهن من خلال رمز الحيوانات الأليفة المستسلمة للضباع الشريرة التي تنهب ثرواتها - في إشارة للغرب الإمبريالي بالطبع، والتي لا تتمكن من التغلب علي الضباع إلا بعد أن تتوحد وتدرك حجم القوة الكامنة داخلها.. والمشكلة أن هذه الإسقاطات جري تقديمها بكل السطحية، من دون أي محاولة للتعمق أو التبرير الدرامي، حتي بدت في النهاية مثل الدروس التعليمية المباشرة.. والمعروف أن المباشرة لا تكفي لصناعة سينما جيدة، وأن مصيرها النسيان، خاصة مع جمهور واع مثل الجمهور المصري. لقد وصل أحمد مكي إلي مفترق طرق، وبدأ للأسف يسلك الطريق الخاطئة، وعاقبه جمهوره علي ذلك فورا بحرمانه من الإيرادات الضخمة التي اعتاد عليها، والإقبال الكبير علي فيلم منافسه أحمد حلمي، وهو ما لمسته بنفسي حين ذهبت لمشاهدة "سيما علي بابا" في مجمع يعرض الفيلمين.. إلا أن الفرصة ما زالت سانحة أمام مكي لتصحيح المسار، ويتطلب ذلك في رأيي توقفه فورا عن تقديم أي شخصية سبق له تجسيدها، وتعاونه مع مؤلفين ومخرجين جدد يمدونه بما يحتاج إليه من دماء وأفكار جديدة.

جريدة القاهرة في

15/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)