حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

خالد يوسف:

المشاركة في مهرجان الإسكندرية مهمة وطنية

بقلم : أسامة صفار

قبل أن أبدأ حواري معه بمناسبة عرض فيلمه «كف القمر» في افتتاح مهرجان الإسكندرية ومشاركته في المسابقة الرسمية، كان المخرج خالد يوسف ينهي حديثا مع المطرب أحمد سعد شقيق الفنان عمرو سعد الذي قدمه خالد يوسف في فيلمه الأشهر حين ميسرة لكن الحديث طال اذ تذكر أحمد سعد كيف كانا معا في مظاهرات 25 يناير وتحدثا عن شراسة النظام السابق في مواجهة الثوار وتذكر خالد يوسف شابا وصفه بالبطل والعملاق في وقت ذاته وبعين المخرج واهتمامه بالتفاصيل الصغيرة للمشاهد حكي لي خالد كيف أن ذلك الشاب ارتدي قفاز حراس المرمي وظل يلتقط القنابل المسيلة للدموع علي مدي نصف ساعة بكفاءة رهيبة والتقط منها نحو اثنين وعشرين قنبلة أعادها قذفا في اتجاه من أطلقوها وقال خالد إنه يبحث عن ذلك الشاب منذ يوم 28 يناير 2011 بعد أن اختفي فجأة ويتمني أن يجده لكن المطرب أحمد سعد استكمل القصة اذ قال له ببساطة إن ذلك الشاب سقط في دمائه وأنه حمله مع الشباب لكنه استشهد في الميدان بعد أن اخترقت رصاصة مطاطية عينه ونفذت الي رأسه من الداخل .. سكت خالد قليلا ولمعت الدموع في عينيه .. ثم قال كنت أتمني أن يصبح صديقي وقد استعرت منه "فردة قفاز " وحاولت كثيرا أن التقط بها القنابل وبعد عناء التقطت واحدة فقط .. الصعب في الأمر أنني لا أعرف اسمه وقد وفر لي ولغيري حماية رهيبة في الميدان وكان الأصعب بالنسبة لي أن أبدأ الحوار من تلك النقطة فقررنا تغيير المكان إلي مكتبه في المنزل بدلا من العمل حتي يفصل عن مود حزين لم ينجح في إخفائه طوال ساعة .. ثم جاء الحوار حول مشاركته بفيلم كف القمر الذي كتبه السيناريست ناصر عبد الرحمن وبطولة خالد صالح وصبري فواز ووفاء عامر وغادة عبدالرازق وهيثم أحمد زكي وياسر المصري:

·     أنهيت تصوير «كف القمر» قبل الثورة .. ألا تخشي من تغير ذائقة الجمهور بعدها وبالتالي تأثير ذلك التغيير علي تلقي الجمهور له؟

- شاهد عدد من النقاد الفيلم في نسخته الأولي قبل الثورة وبينهم الناقد الكبير سمير فريد الذي قال لي يومها : انه لا يشبه باقي أفلامي فهو متفائل بشدة وفيه إيمان ببعث جديد علي مستوي الأمة العربية وعلي مستوي مصر " ويشهد علي ذلك مجموعة النقاد الذين شاهدوا العمل وكان ردي أنني أؤمن ببعث جديد فعلا وأن التفكير أو الحديث عن مستقبل مصر والأمة العربية يسوق الي الإيمان بهذا البعث وأنه قريب جدا لذلك حين جاء البعث في صورة ربيع الثورات العربية لم تكن تلك هي المفارقة لكن المفارقة التي أدهشتني شخصيا هي أنني حين شرعت في التفكير في بناء الفيلم جعلت الأخ الأصغر هو الذي يقدم علي هذا البعث والبناء من جديد ويقوم بدوره الممثل هيثم أحمد زكي وقد كان حيث جاءت البداية من تونس التي فجرت ثورتها وثورات العرب ومصر وأيضا بدأها لدينا الجيل الأصغر من الشباب ثم انضمت اليها كل طوائف الشعب وشرائحه العمرية ولم يكن هذا الأمر ناتجا عن تحليل عميق للواقع فقط لكنه جاء نتيجة إحساس بأن الأمر متجه في هذا الاتجاه ولكل هذا فأنا لا أخشي عرض الفيلم بعد الثورة لأنه ببساطة يواكب الثورة وينطلق منها واليها

·     الأخ الأكبر يسيطر علي إخوته ولا يرغب في الخروج علي الخط الذي رسمه لكل منهم ويتعامل بسلطة زمنية تتعلق بكونه أقدم أو أكبر سنا .. هذا يمنح الفيلم مستويات متعددة للقراءة بدءا من كونه قصة لخمسة إخوة الي كونه قصة حكم الشيوخ السبعينيين لمصر قبل الثورة وحتي قصة مصر وعلاقتها بالدول العربية؟

- هذه حقيقة الفيلم به مستويات متعددة للقراءة ولا أحب أن أصادر علي الطريقة التي يحب المشاهد أن يقرأ بها العمل أو أفرض رؤيتي عليه وهذا أسلوبي في كل أفلامي حيث لكل مستوي من يقرأه فمن أراد أن يراها كدراما بسيطة ومسلية حول أم وأبنائها الخمسة الذين يتركون الصعيد طلبا للرزق في القاهرة يقرأه لكن علاقات الكبير أو الأقدم بالصغير أو الأحدث وأنماطها في مصر سواء داخل النظام السابق أو الحالي وعلاقات مصر بالدول العربية هي كلها تحتاج لنقاش وهي تناقش في الفيلم بدرجة ما

·         إنها المرة التي تشارك في مهرجان الإسكندرية بأحد أفلامك .. لماذا؟

- شاركت في مهرجان الإسكندرية السينمائي هذا العام لأن المهرجان السينمائي الوحيد الذي أقيم في مصر منذ قيام الثورة، المهم أنني حين وجدت أن مجموعة القائمين علي مهرجان الإسكندرية مصممون علي إقامته ويبذلون جهدا فدائيا من أجل ذلك ولم أجد فيلما مصريا يشارك فيه لأن فيلمي هو الوحيد الجاهز تقريبا قررت المشاركة فلم يكن من اللائق أو الطبيعي ألا أشارك ولا أريد أن أدعي بطولة وطنية لكني رأيتها مهمة وطنية أن أدعم هذا المهرجان باعتباره المهرجان المصري الوحيد بعد الثورة وأنا دائما أري أن المشاركة في مهرجان مصري تسعدني أكثر من المشاركة في مهرجان أجنبي حتي لو كان أكبر مهرجان في العالم لذلك تجدني شاركت من قبل في مهرجان القاهرة السينمائي والمهرجان القومي للسينما لكني بطبيعتي لا أرسل أفلامي للمهرجانات الدولية حتي ولو كانت جاهزة للعرض فلست من هؤلاء الذين احترفوا مثل هذه الأمور واخشي من تكريس فكرة أفلام المهرجانات علي الصناعة لكني أري أن الثورة قامت ونحن كنا ندعي أن النظام الساقط يكره السينما ويقف ضدها ويعوق تقدمها ومن المفترض أن الحكومات القادمة ثورية وبالتالي فان لدي الصناعة فرصة في الازدهار في إطار فكر جديد لنطور أدواتنا وينبغي أن تتضافر جهودنا من الآن لاقامة مهرجانات جديدة في شرم الشيخ وغيرها. أما الاعتبار الثاني للمشاركة في مهرجان الاسكندرية فهو أن الناقد نادر عدلي حين حدثني بشأن المشاركة بفيلمي قال إن المهرجان يكرم ضمن فعالياته مهندس الديكور الراحل حامد حمدان وهذا الفيلم سوف يجد المشاهد علي تتراته اهدائه الي حامد حمدان وقد وجدت أن أبسط لفتة وفاء لمهندس ديكور مثل حامد حمدان هو أن أشارك في هذا الحدث تكريما ووفاء له

·         هذا ما يعنيه كمهندس ديكور في السينما لكن ما الذي يعنيه بالنسبة لك شخصيا؟

- حامد في الحقيقة هو رفيق مشوار حقيقي سواء علي المستوي المهني أو الانساني فقد بدأنا معا العمل في السينما مع الأستاذ يوسف شاهين منذ فيلم المهاجروعملنا معا لعشرين عاما انجزنا مع شاهين خلالها أحد عشر فيلما وحتي فيلمي "كف القمر " الذي مات أثناء تنفيذه ورغم رحيله وهو في أوائل الأربعينات الا أنه علامة حقيقية في تاريخ السينما ولا أريد أن أتحدث هنا عن أفلامي لكن هو قدم المصير والمهاجر وقدم فيلم "الأبواب المغلقة " مع عاطف حتاتة ويكفي أنه قدم الفيلم الفرعوني الوحيد في تاريخ السينما المصرية وبالمناسبة كان الأستاذ يطلق عليه العبقري وكان يناديه بهذا اللقب و"حامد كان حساسا جدا " ويغضب لأقل سبب وكان الوحيد الذي يتعامل معه الأستاذ بطريقة خاصة جدا فيصالحه ويتصل به حين يغضب ليعود للعمل .. كانت له خصوصية شديدة عند يوسف شاهين وكان مؤمنا به تماما.

·         تاريخ ميلاد يوسف شاهين هو 25 يناير .. هل لديك تعليق؟

- أري أن الأمر تكريم رباني ولو كان بيننا لتقافز فرحا كالأطفال ولأخذ خيمته ونصبها في ميدان التحرير منذ اللحظة الأولي للثورة وأنا أتخيله الآن لو كان معنا في الميدان لكان أكثرنا شبابا وبالتأكيد كان "حيشتم أي شخص يقبل فكرة التفاوض حول أهداف الثورة أو التأجيل ".

·     هناك بعض الأفلام عرضت بعد الثورة سبب بعضها التباسا في تقدير تأثير الثورة علي الذوق السينمائي .. كيف تري المشهد السينمائي بعد الثورة؟

- لم يتشكل بعد هذا المشهد وسوف يحتاج لوقت حتي تظهر ملامحه وسوف يحدث هذا ببطء لأن السينما بطبيعتها تتأمل أولا ثم تتفاعل مع الحدث ومع الظرف المجتمعي وسوف يختلف المتلقي في الحقيقة لكن علي الأقل سوف تتحدد الملامح بعد صناعة الأفلام التي تظهر هذه الملامح .. لكن دعني أقول لك مثلا إن صورة البطل حدثت فيها ثورة منذ عشرين عاما من خلال أحمد زكي ولكن خريطة النجومية سوف تتغير بالتأكيد ولنتذكر معا كيف أن ثورة يوليو أفرزت مبدعين جدد بينهم عبد الحليم وكمال الطويل ونجاة وسعاد حسني ولم يستمر لما بعد يوليو سوي أم كلثوم وعبد الوهاب ولا شك أن بعض النجوم سوف يختفون بينما من المؤكد أن بعض المبدعين سيولد من جديد. كما أن كوميديا " الفارس "سوف تستمر وبجوارها كل الأنواع الأخري من السينما .

·         اختيار هيثم أحمد زكي لماذا؟

-هيثم صديقي من زمن طويل وأنا مؤمن به من البداية وان كان لم يوفق في تجربتين سينمائيتين إلا أني كنت مؤمنا أنه لو أتيحت له الفرصة سيقدم أفضل ما لديه وهو ما حدث بالفعل وقدمت أيضا نجوما جددا ووجوها لأول مرة مثل ياسر المصري ولديه كاريزما تقترب من كاريزما الزعماء وأيضا حورية فرغلي للمرة الثانية وصبري فواز معي للمرة الثانية وطبعا النجم خالد صالح معي للمرة الرابعة .. يعني كلهم رفاق الطريق

·         ما مشروعك الجديد بعد «كف القمر»؟

- لدي مشروع لقصة يوسف إدريس "سره الباتع " وسوف تقدم كمسلسل وفيلم في الوقت ذاته وأكتب أنا وناصر عبد الرحمن الفيلم بينما يكتب السيناريست والكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن سيناريو المسلسل وسوف ننتهي من الفيلم خلال شهرين علي الأكثر لكن لا توجد ترشيحات لأبطال حتي الآن.

·         ماذا يعني غياب "عمرو سعد" عن فيلمك "كف القمر"؟

- لا يعني سوي أنه لم يكن هناك دور يناسبه وقد يكون معي في الفيلم القادم.

جريدة القاهرة في

18/10/2011

 

جوائز مهرجان الإسكندرية ذهبت لأفلام الحب والحرب والهجرة غير الشرعية

بقلم : ماجدة خير الله 

مساء الأحد الماضي تم الإعلان عن جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي حيث فاز بجائزة أفضل فيلم "سيرك كولومبيا"، بينما فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة الفيلم الايطالي" حياتنا، "وذهبت جائزة أفضل ممثلة لجيلينا استوبيلجان وهي بطلة سيرك كولومبيا..فاز التركي سليم ديبرون بجائزة افضل مخرج عن فيلم "بأسنا الكبير"، وحصل الفيلم المصري «كف القمر» علي جائزة وزارة الإعلام وقدرها مائة ألف جنيه، وحصل فيلم «حاوي» للمخرج إبراهيم بطوط علي جائزة مالية قدرها خمسين الف جنيه، وهي جوائز منطقية لدرجة كبيرة، ويعتبر فيلم «سيرك كولومبيا» أو «سوناتا الصامتة» من التحف الفنية النادرة التي يجود بها الزمان بين الحين والآخر وقد قرر المخرج جانيز بيرجز أن يقدم فيلمه دون استخدام الصوت، أو بمعني أكثر دقة بدون حوار! مع الاهتمام الشديد بعنصر الموسيقي التصويرية، والمؤثرات السمعية، وقبلهما التعامل مع الصورة وكأنها مجموعة من قطع الشعر المرئية أو اللوحات التشكيلية التي تغني تماما عن الحوار، الفيلم إنتاج سلوفاني- فنلندي- إيرلندي-سويدي وتم تصويره في منطقة نائية بايرلندا. منطقة حرب مسرح الأحداث منطقة نائية تقع في منطقة حرب، حيث تعيش أسرة صغيرة مكونة من الزوج ويلعب دوره الممثل"ليون لوسي" وزوجته وطفليه اللذين يقتربان من سن المراهقة، في الصباح سيطرت علي سمائه لوناً رمادياً قاتماً، يكتشف الزوج جثة زوجته ملقاة علي بعد عدة أمتار من المنزل، وقد أصابتها عدة طلقات نارية مجهولة المصدر! يكاد الرعب يفتك بعقل الرجل، ويشعر انه وأبناؤه معرضون للخطر، وعندما يهبط الليل، تتقدم حافلة ضخمة من المنزل، وبسرعة شديدة وخوف من المجهول يبحث الزوج عن بندقيته ويحشوها بالرصاص، بعد أن يضع ابنيه في مكان آمن ويأمرهما بعدم مغادرته، ويتابع حركة الحافلة الضخمة وكأنها وحش جهنمي يقترب من منزله مهدداً حياته وحياة أبنائه بالخطر، وفي الوقت الذي يستعد فيه لإطلاق الرصاص علي أول شخص ينزل من الحافلة العملاقة، يكتشف وجود عشرات غيره يظهرون تباعاً، ويدرك انه هالك لامحالة ومع ذلك، يقرر المضي في المقاومة والدفاع عن منزله، ويطلق رصاصة تجاه أول شبح آدمي يتحرك في الظلام! ولكنه ولشدة دهشته يكتشف أن هذا الشبح مجرد إنسان خائف مثله، وعندما يضيء مصابيح المكان، ويتخلي مؤقتا عن حالة الرعب التي سيطرت عليه، يكتشف أن هذه الحافلة العملاقة هي سيرك متنقل، يحمل مجموعة من الغجر أعضاء سيرك يدعي "سيرك كولومبيا"، يملأ أعضاء السيرك حياة الرجل وأبنائه حالة من البهجة، رغم حزنه الشديد علي زوجته التي فقدها في ظروف غامضة، وفشله في معرفة من اطلق عليها النيران فأرداها قتيله! أما أعضاء السيرك فهم ينتصرون علي حزنهم الشديد لمرض كبيرهم ومدربهم العجوز، الذي ينتظر الموت بين لحظة وأخري، ولكن عشق الحياة يهزم الخوف من الموت! في حضن الطبيعة يقوم أعضاء السيرك بأداء تدريباتهم الشاقة، التي يستعرضون من خلالها مهاراتهم الحركية المدهشة، وتنشأ بين افراد الأسرة الصغيرة وأعضاء السيرك علاقة ود وصداقة، ويقبل الزوج الارمل من فتاة السيرك الجميلة، بعض الطعام الذي تطهوة بطريقة خاصة، ومميزة، وفي صباح أحد الأيام يكتشف الجميع تقدم دبابة حربية من المنزل شاهرة دانتها في وجوههم، ولكن شباب السيرك يستقبلون هذا التحدي بالاستهانة والسخرية، ويتقافزون هنا وهناك في رشاقة وحركات أكروباتية، مما يجعل الدبابة تتقهقر وتمضي إلي سبيلها. ويبدو أن الموت لا يداهم إلا من يخشاه، وعندما تسوء حال مدير السيرك ومدرب أعضائه، يقررون أن يقيموا عرضاً فنياً كاملا، بعد أن يرتدي كل منهم ملابس السيرك ويضعون الماكياج اللازم ويرتدي المهرجون الباروكات ويضعون الانوف الضخمة، وكأنهم امام حشد من الجماهير، ويجلس افراد الأسرة الأب وطفليه يتابعون في حالة من الانبهار الشديد، الفقرات الفنية التي تسحر الألباب، وتدب الحياة في جسد مدير السيرك المتهالك وكأن ما يراه من فنون قد منحه ترياق الحياة، وتعيده إلي سنوات الشباب والحيوية، رغم أن روحه كانت تفارقه في هذه اللحظات! الانتصار للحياة فيلم «سوناتا صامتة» أو"سيرك كولومبيا "من الأعمال السينمائية بالغة الروعة، التي تنتصر للحياة بكل ألقها وتتحدي الخوف والموت، وبعد أن تدرك أن الفيلم قد وصل إلي نهايته سوف تصيبك الدهشة وتتساءل هل نقصت متعتك، بدون حوار، وهل كنت تحتاج إلي الحوار لتستوعب رسالة الفيلم وتصل إلي مواطن الجمال فيه، أن السوناتا هي معزفة من الموسيقي الصافية، التي تتسلل إلي الروح فتشفيها من آلامها وآثامها، وقد حول المخرج فن الفرجة مستخدما التصوير والإضاءة واللون إلي معزوفة بصرية إن صح التعبير! أنه أحد الأفلام التي يمكن أن تستقر في ذاكرة المشاهد ولا تغادرها أبدأً. عائلة كلوديو أما الفيلم الايطالي "حياتنا" فقد اخرجه وكتب له السيناريو الايطالي "دانييل لو شيتي"وقصة الفيلم تدور حول " كلوديو"وهو شاب يعمل في مجال الانشاء والمقاولات، متزوج وله طفلان وزوجته تحمل طفلهما الثالث، تبدو حياة "كلوديو" هانئة ومستقرة، فهو يحب عائلته الصغيرة، ويوليها كل حب وعناية، وتبدأ أول أزمة في حياة "كلوديو"، عندما يكتشف مقتل أحد العمال، بعد سقوطه اثناء العمل من ارتفاع شاهق، وينصحه المقاول الذي يعمل لحسابه، بإخفاء الأمر حتي لايتعرض للمساءلة القانونية، حيث إن الرجل الذي لقي حتفه، كان ضمن العمالة غير الشرعية، التي يستعين بها المقاول، نظرا لضعف أجر هؤلاء وقبولهم بالحد الأدني من الحقوق!يؤرق هذا الحادث ضمير كلوديو ولكنه حرصا علي مكانته لدي المقاول يقرر إخفاء الأمر، وتأتيه ضربة القدر الثانية، عندما تتوفي زوجته اثناء ولادتها، ويجد نفسه رغم احزانه، مضطراً لرعاية الوليد، وطفيله الآخرين، ويعجز الأب الشاب علي توفير الرعاية لأبنائه، ويضطر للاستعانة بفتاة سنغالية، كانت تعمل في الدعارة. ودخلت البلاد بطرق غير شرعية، ومع ذلك فقد وجد فيها الحنان الذي يحتاجه الاطفال، فتركهم اثناء ساعات العمل في رعايتها.ومن اجل حماية وجودها في البلاد، اضطر كلوديو إلي مصادقة كل من يحيط بالفتاة السنغالية، خاصة صديقها، المعوق الذي يلازم مقعده المتحرك، ومع ذلك يتكسب رزقه بالمتاجرة في المخدرات، بعد أن اغلقت في وجهه أبواب الرزق الحلال، ولايحاول الفيلم إدانة أحد، أو إصدار أحكاما اخلاقية علي شخوصه، انه يقدم صورة من الواقع، كما يقدم الجانب الإنساني لهؤلاء الذين اضطروا لترك بلادهم بحثاً عن الرزق في بلدان أخري، ويتعرف "كلوديو" علي فتاة رومانية، تحاول التقرب منه، ولكنه يفشل في إقامة علاقة عاطفية معها، فقد كان لايزال شغوفاً بزوجته الراحلة، وعندما تقبض الشرطة علي الفتاة السنغالية التي كانت ترعي أبنائه، ترتبك حياته وتنقلب رأساً علي عقب، ويعجز عن التوفيق بين عمله ورعاية أطفاله! واقعية جديدة الواقعية في السينما الإيطالية اتخذت أكثر من منحي في السنوات الاخيرة، فما يقدمه المخرج دانييل روشيتي في فيلمه" حياتنا"هو صورة عصرية لأفلام دي سيكا وفيسكونتي، تناسب الالفية الثالثة، فإذا كان سارق الدراجة الذي قدمه دي سيكا في الأربعينات من القرن العشرين، هو رحلة داخل مدينة روما، بكل ماكانت تحمله من قسوة وغلظة وشخصيات محبطة أرهقتها ما خلفته الحرب العالمية الثانية من آلام ودمار، فإن فيلم "حياتنا" هو رحلة لشكل الحياة في روما الحديثة، التي تمتص دماء العمال المهاجرين، ولا تمنحهم الحق في الدخول للبلاد بطرق شرعية تسمح لهم الحصول علي حقوقهم، المادية والإنسانية، يقدم الفيلم بانوراما إنسانية لعلاقات بين اهل البلد، والغرباء ولايخلو الأمر من التأكيد علي مشاكل العنصرية والتحيز ضد إنسان ما يختلف في اللون أو الدين، أو الثقافة، ولكن كلوديو بطل الحكاية يحمل داخل نفسه حالة هائلة من الصفاء، تجعله يميل لهؤلاء الغرباء ويحتويهم ويكن لهم الحب والتقدير، رغم اعتراضه علي مسلك البعض منهم، فيلم «حياتنا» يخلو من اللمحات الإبداعية في الصورة، ولا يحمل تكوينات تشكيلية مميزة كتلك التي كنا نجدها من رواد تيار الواقعية، ولكن أسلوب أداء الممثل إيليو جيرمانو يحمل كثيرا من الدفء، وأجمل المشاهد تلك التي تجمعه بأطفاله الثلاث، تلك التي كان يلعب فيها دور الأب والأم والصديق، انه أحد الأفلام البسيطة التي تتفاعل معها، وانت تشاهدها ولكنك لا تستبقي من مشاهدها إلا القدر القليل، في "حياتنا" نحن أمام فيلم يحمله ممثل واحد، ارتفع بقيمته من فرط صدق الأداء وتوحده مع أزمة الشخصية، ولولاه ما إستحق الفيلم أن ينافس مجموعة من اهم أفلام دوره عام 2010 من مهرجان «كان» السينمائي الدولي!

جريدة القاهرة في

18/10/2011

 

(سيرك كولومبيا)..تحفة مهرجان الإسكندرية

بقلم : د.وليد سيف 

أسعدني الحظ بمشاهدة الفيلم البوسني الرائع سيرك كولومبيا ولكني لم أشاهد أفلاما كثيرة في المسابقة الدولية لمهرجان الإسكندرية لهذا العام. وعلي الرغم من ذلك توقعت لهذا الفيلم أن يحصد أهم الجوائز وهو ما صرحت به في حوار صحفي لجريدة الجمهورية قبل أن يعرض أقل من نصف أفلام المسابقة. والمسألة ليس لها علاقة بالفراسة أو التخمين أو المراهنة ولكنها ترجع باختصار إلي أن إبداع التحف هو أمر نادر في أي مجال، ولأنه يصعب أن تنتج السينما أفلاما كثيرة بهذا المستوي من الروعة والتألق علي مدار عام واحد أو حتي عدة أعوام . فالروائع الفنية مثل التحف النادرة يصعب أن تتكاثر. ليس من عادتي أن أحكي تفاصيل قصص الأفلام. ولكني لا أستطيع مقاومة الرغبة في أن أشرككم معي في الاستمتاع بهذه الحكاية الجميلة. تبدأ الأحداث مع عودة الغائب ديفكو من المانيا إلي وطنه في البوسنة مع تراجع الشيوعيين عن السلطة عام 1991 وسط أجواء ملبدة بالفتن وتنذر بتفكك البلاد . لم تكن عودته من أجل لم شمل أسرته الصغيرة التي تركها من عشرين سنة،لوسيا الزوجة المخلصة الكادحة ومارتن الابن الشاب الوسيم الذكي الطموح. بل جاء الأب مصطحبا صديقته الشابة أزرة زوجة المستقبل وقطه النادر الجميل، محصنا بكومة من الماركات الألمانية ومستقلا سيارته المرسيدس الحمراء اللامعة وساعيا لاسترداد كل ممتلكاته ومنها سيرك كولومبيا وعلي رأسها بيت عائلته الذي تقطنه أسرته الصغيرة المكافحة. قوة البدايات وسرعان ما يتمكن المخرج من أن يضعك في قلب الأحداث ومن أن يؤسس ويرسم بصريا لك جغرافية المكان فتشعر بأنك تعيش داخل البلدة. كما تتمكن من التعرف علي خريطة العلاقات بوضوح ورشاقة. بل وتتمكن من خلال تفاصيل بصرية وحركية بسيطة من أن تتعرف علي توجهات الشخصيات وتطلعاتها. وحيث تبدو كل جملة ولقطة في موضعها بتركيب هادئ ومكثف وبإيقاع تصنع سخونته الدراما المتأججة بالصراع الظاهر والباطن. وحيث تتوالي جمل الحوار كطلقات سريعة ومؤثرة وتنطق العيون بما هو أبلغ من الكلمات. لن تشعر للحظة أن اللقاء الأول تشوبه أي ملامح ميلودرامية حين يقوم الابن عامل البنزينة بتعبئة عربة الأب المتغطرس دون أن يعرف كل منهما الآخر. ودون أن ينسي المخرج أن يؤسس للعلاقة بين الابن والعشيقة ببعض التفاصيل الحركية المعبرة. وسرعان ما يحقق ديفكو هدفه الأول بمساعدة ابن عمه إيفاند عمدة البلدة الجديد بكل ما يمثله من طموح طبقات مستغلة وطفيلية وطامعة نحو السلطة. عبر هذا التحالف يستولي ديفكو علي البيت ويقيم فيه مع امرأته الشابة أزرة، ليجد الابن والأم نفسيهما بلا مأوي حتي تتعطف عليهما الحكومة بسكن مهين. ولكن الأب لا يستطيع أن يقاوم هذا الخيط الذي يربطه بابنه فيدعوه للسكني معه. ويتعلق الشاب إثر تردده المتكرر علي البيت بصديقة الأب أزرة حتي يقع في غرامها. ووسط هذه الأجواء الملبدة بالصراع والخيانة يتوه قط الأب النادر فيستشيط غضبا ويدعو الابن والصديقة للبحث عنه في كل مكان. عبر رحلة البحث تتوطد العلاقة أكثر حتي يتبادلان الحب. وتتألق الصورة في إبراز المشاعر التي تنمو بين الشابين وتتحرر الصورة من حدود الأماكن المغلقة لتنطلق إلي آفاق رحبة في شوارع البلدة وشاطئها. ساعة الحسم وعلي الرغم من التهاب الأجواء وتأجج الصراع يتصاعد الحس الكوميدي الساخر في الفيلم دون أن يفقد جديته وطابعه النقدي حين يدفع ديفكو كل أهالي البلدة للمشاركة في البحث عن القط بعد أن يعلن عن مكافأة ضخمة. في وسط هذه الأجواء الساخرة تتعالي نذر الحرب ويتعرض الابن لتهمة التجسس ويتمكن الأب من إنقاذه بحيلة ماكرة وتقرر الأم تهريب الابن والهجرة معه قبل أن يقع هجوم الصرب المتوقع علي البلدة. ويصمم الشاب علي اصطحاب حبيبته التي كانت صديقة الأب. يبارك الأب سفرهما في لحظة تسامح وتصالح واختيار حاسم يكشف فيه عن المعدن الأصيل للشخصية والمطموس تحت سطح كاذب من المادية صنعته سنوات من الظلم والمعاناة والهجرة. يعود ديفكو أدراجه متوجها نحو حلمه الباقي أو موقع السيرك الذي يأمل في استرداده. ولكن المهاجرين في طريقهم للهرب يعثرون علي القط مصادفة. تعود الزوجة للأب حاملة القط فيضعها علي إحدي عربات مراجيح السيرك ويركب عربة أخري وينطلق إلي جوارها بعد أن يدير مفتاح المرجيحة.. تتراجع الكاميرا لأعلي وهي تكشف عن حركة دوران المرجيحة ولكن الكادر يتسع أكثر وأكثر حين تصعد الكاميرا لعنان السماء لنري القنابل وهي تسقط عن بعد. هذا اللقاء الحميم وسط الخطر المحدق يكشف عن الجانب الأجمل في قصة الفيلم التي ينكشف لنا جوهرها كحكاية حب كامن تحت الجلد .هناك مثلث علاقات غرامي يصعد الي السطح مع الأحداث . قد تنخدع وتعتقد أن هذا المثلث بين الأب والابن والعشيقة أزرة . ولكن الحقيقة ان المثلث بين الزوج والزوجة والعشيقة . هذه هي الخدعة الماكرة التي يخفيها السيناريو بين طياته والتي تتكشف لك في آخر لحظاته. فهناك كومة من المشكلات والعقد تتصاعد وتتكثف بين ديفكو والامراتين وهي التي تقود الفيلم الي أجمل أحداثه ومشاهده والتي تضع لنا هذه النهاية العبقرية. إبداع رباعي هكذا تنتهي أحداث هذا الفيلم الرائع الذي أعتقد أن هذا السرد الموجز لأحداثه قد يوحي لك بالكثير مما يحمله من أبعاد ورموز وأفكار وتأملات في منتهي العمق. لا تتوقف حدود تأملها عند الواقع السياسي والاجتماعي والتاريخي لتلك البلاد ولكنه يتغلغل أيضا بنفس الدقة والمهارة إلي الحياة الإنسانية والنفس البشرية بكل تناقضاتها وبكل جوانبها المضيئة والمظلمة. فالسيناريو مكتوب بقدر غير عادي من الذكاء والمراوغة توازيها مقدرة فنية عالية علي توظيف لغة سينمائية تنتهج أسلوبا تعبيريا بسيطا اعتمادا علي حركة انسيابية للممثل وأدائه التعبيري وبتوظيف معبر لكل محتويات الصورة وإيقاع سلس وهادئ تتضافر فيه حركة الكاميرا مع طبيعة التكوين مع الانتقالات التدريجية الطبيعية. ولا يمكن أن ينتهي الحديث عن هذا الفيلم دون الإشادة برباعي أبطاله ميكي مانوجيلوفيتش وميرا فوريان وبوريس لير . وحيث كانت المشاهد التي تجمعهم ثنائيا أو ثلاثيا أو رباعيا أقرب للمعزوفات الموسيقية في تحاور الآلات لتحقيق هذا النسيج الفني الرائع في الأداء التمثيلي. ميكي مانوجوفيتش في دور الأب ممثل علي درجة عالية من الخبرة والنضج والحساسية . فهو فنان من طراز فريد منح شخصيته بعدها الإنساني وحقق لها جميع جوانبها. واستطاع أن يحافظ علي الشعرة الفاصلة بين ألا تتعاطف مع الشخصية ولكن دون أن تكرهها. ولا أعتقد أن الأمر سوف يكون ميسورا لممثل آخر. فالشخصية تعبر عن حالة دائمة من الانفعال والتناقض دون أن تفقد سلوكياتها ودوافعها مبرراتها . وعلي الرغم من كل ما يمارسه ديفيكو من أفعال مستفزة الا أنك لا تملك إلا أن تحبه. وهكذا لا تكون المفاجأة التي يدخرها لك الفيلم في نهايته مفاجئة حين تكتشف الجوانب الإيجابية في شخصيته فتتقبلها بمنتهي التعاطف والتصديق . ويشارك السيناريو الممثل أيضا في براعة رسم الشخصية التي تستطيع ان تتفهم دوافعها بصرف النظر عن غرابتها وشذوذها. اما الزوجة فعلي الرغم من شعورها بالإهانة والظلم الا انها تستطيع دائما ان تحافظ علي كبريائها. فهي امرأة تمكنت من أن تصمد وتواصل حياتها دون أن تتنازل أو تضعف في ظل أصعب الظروف. وها هي بدلا من أن تكافأ علي هذه السنوات من الصبر والمعاناة تجد نفسها في مواجهة مع صراع أكثر صعوبة وشراسة. خبرات مخرج مثل كل الأفلام الكبري والروائع الفنية يصعب الفصل في هذا الفيلم بين العناصر أو تحديد مواطن جمال بعينها ولكنه جمال تصنعه هذه الحالة من التواصل والترابط والتراكم بين عناصر الفيلم ومواقفه وأحداثه وأداء ممثليه . وهو فيلم ينتسب بحق إلي أحد مبدعي السينما الشباب الكبار. فإبداع دانيس تانوفيتش مخرج الفيلم والمشارك في تأليفه مع إيفيكا ديجيكيتش يعبر عن خبراته الحياتية القوية وثقافته الفنية المتنوعة . فهو دارس للهندسة المدنية وعمل لمدة عامين كمراسل حربي وهاجر من البوسنة إلي بلجيكا. وعلي الجانب الفني درس عوق البيانو بأكاديمية الفنون والسينما في أكاديمية سراييفو وواصل دراساته السينمائية في بلجيكا. وعلي الرغم من أنه في بداية الأربعينات من العمر إلا أنه صاحب تاريخ حافل في السينما التسجيلية والروائية ومسيرة رائعة مع الجوائز. ومنها الأوسكار والكرة الذهبية لأحسن فيلم أجنبي عن فيلمه الأول الأرض المحرمة إلي جانب 40 جائزة دولية عن مختلف أعماله. لولا مهرجان الإسكندرية لما أمكن لحفنة من النقاد والهواة والمثقفين أن يشاهدوا هذا الفيلم الرائع وأن يصروا علي أن يعاد عرضه ثلاث مرات في قاعة سينما جرين بلازا علي الشاشة الوحيدة التي قدمت أفلاما سينمائية وليس دي في دي. يعتقد البعض أن هناك أمورا كثيرة أهم بكثير من السينما والمهرجانات وهم لا يدركون أن غياب هذا النوع من الأفلام المتقدمة عن الساحة يعني غياب جيل كامل عن حركة السينما وعن الإحساس بنبضها المتلاحق وتجاربها الجديدة والجريئة . لا يدرك هؤلاء أنهم يمارسون نفس ما يفعله الظلاميون من دعوة للتخلف والهمجية. وهم يقيسون نجاح المناسبات بكم الحضور ولا يدركون أن صفوة المثقفين لهم حقوق وبدونهم تغيب الطليعة عن التواجد ويتخلف الركب وتضعف حاسة التذوق ويندثر الفن والإبداع والجمال ولا يبقي سوي القبح والتخلف والجهل الذي يصنعونه هم بأيديهم.

جريدة القاهرة في

18/10/2011

 

المهرجون.. والحيوانات المفترسة

بقلم : مني الغازي 

الحياة ما بين انهيار الشيوعية وقيام الحرب في«البوسنة والهرسك» و تحول الكتلة الشيوعية إلي منطقه الرأسمالية وسيطرة رأس المال علي تصرفات الأشخاص كبوادر لقيام الحرب الأهلية في منطقه البلقان بين الجوعي والرأسماليين من هنا كان فيلم «السيرك الكولومبي» حيث نلتقي بـ«ديفكو بونتيك» العائد إلي بلدته الصغيرة في شرق البوسنة بعد غياب دام عشرين عاما عن يوغسلافيا قضاها في ألمانيا ثم يعود في سيارته المرسيدس الحمراء ومحملا بالنقود أملا في استعادة منزل أسرته . انه الآن قد تخطي منتصف العمر ويبدو انه ناجح في عمله يؤمن بقوة المال وقدرته علي السيطرة تصحبه الشابة الجميلة «ازرا» التي ينوي الزواج بها وقطها الأسود بوني وسرعان ما نكتشف أن «ديفكو» قد ترك خلفه زوجته «لوسيا» وابنه «مارتن» وها هو قد عاد وقد قرر ان يطردهما من المنزل ليعيش فيه هو وصديقته يساعده في ذلك ابن عمه «ايفاندا» صاحب السلطة في القرية وتقاوم «لوسيا» لكنها تنهار وتسقط ويقبض عليها ومن السجن إلي منزل متهالك لا يعادل غرفة من منزلها السابق ويسخط «مارتن» علي الأب الذي لا يأبه لذلك لأنه عائد يحلم ببداية جديدة لحياة أفضل لكن تتعقد الأحوال مع سيطرة شبح الحرب علي القرية وسيطرة شبح الحب علي العلاقة بين «مارتن» و«ازرا» وحين تبدأ الحرب يفر الحب. الفيلم مأخوذ عن نص أدبي للأديبة اليوغسلافية «افيكا دجيك» التي شاركت في كتابة الفيلم بالتعاون مع مخرج الفيلم في أول مشاركاتها لكتابة السيناريو. المخرج اليوغسلافي الأصل «البوسنة والهرسك حاليا» « دنيس تانوفيتش» في رابع أفلامه يحلم باستعادة أمجاد فيلمه الأول «الأرض الحرام» الذي نال حوالي 80 جائزة بين عامي 2001 و و 2002 بينها جائزة الجولدن جلوب واوسكار أحسن فيلم أجنبي ويعد من أهم الأفلام التي تناولت الحرب البوسنية وقد سبق لـ«دنيس» المشاركة في كتابة السيناريوهات التليفزيونية قبل عمله بالإخراج كما شارك في سيناريوهات أعماله السابقة. سيناريو كلاسيكي وقد نتج عن تعاون الروائية والمخرج حصولنا علي سيناريو كلاسيكي من الطراز الأول يعتمد في بنائه علي التسلسل المنطقي والتتابع المترابط بمنطق حسابي من منظور ان المقدمات المنطقية تؤدي إلي نتائج منطقية والسيناريو يتتالي بعملية حسابية بحتة فنجد ان تقديم «مارتن» وعلاقته بالراديو وبحثه عن التقاط موجة أمريكية تؤدي لتطور ذلك لاستخدامات تخابرية ثم استكماله بالهرب أملا في الوصول إلي أمريكا حلم الهاربين من أنحاء أوروبا كما تأتي رؤية «مارتن» لـ«ازرا» لأول مره توحي بشكل تلقائي إلي نشأة العلاقة بينهما... وهكذا تتوالي الأمور بدءا من علاقات الأفراد انتهاء بالأحوال السياسية. حساسية مخرج يأتي «دنيس» كمخرج أكثر حساسية منه كسيناريست فحركة الكاميرا عند «دنيس» تعمل بالشعور والإحساس وليس بالقواعد والحسابات فهي لا تنقل الأحداث بقدر ما تدفعك إلي اقتحام الشخصيات والتأمل في نفسياتها انك تفاجأ بعد انتهاء العمل بأنك قد توغلت في أعماق الشخصيات واقتربت منها كثيرا ان دنيس لم يكتف بنقل الحدث أو تأمله لقد كان أكثر من ذلك و برهن بقوة علي انه مخرج متميز يتضح ذلك بقوة من التناغم الرائع بين حركة الكاميرا و التكوين البصري فقد جاء اختيار المخرج لاماكن التصوير متميزا للغاية واستكمل ذلك بهارموني رائع بين شريطي الصوت والصورة مما يجعلك في حاجة إلي إعادة المشاهدة اكثر من مرة لمتابعة التفاصيل الصوتية والبصرية. النجم اليوغسلافي الكبير «ميكي مانولوفيتش» في دور «ديفكو بونتيك» الحائز عام 2004 علي جائزة خاصة لإسهاماته في السينما اليوغسلافية تكريما لمشواره الطويل الذي بدأ عام 1970 حين بدأ مشواره الفني كممثل تليفزيوني وهو هنا يقدم دوراً ينقسم إلي نصفين تم وصلهما فهو ذلك القروي الحالم الذي حقق أحلامه وعاد لبلدته ليؤكد لنفسه وللجميع انه نجح و هو نفسه ذلك الرأسمالي الذي يعتقد ان كل شيء يمكن ان يشتري بالمال بدءا من الخدمات التي تتمثل في تنظيف السيارة انتهاء بالنفوس ورشوة السلطات ... وقد استخدم «ميكي» خبراته في الأداء لمزج الحالتين في مزيج قوي حتي أصبحا جسداً واحداً يحمل الشخصيتان يتمثل ذلك واضحا في مشاهد العامل الذي يبحث لـ«ديفكو» عن القط وأسلوب تعامل ديفكو معه و يتجلي في النهاية في موقفه من ابنه «مارتن» . «ماريا فورلان» في دور «لوسيا» وهي ممثلة مسرح معروفة بدأت عملها في أوائل السبعينات وانتقلت من المسرح إلي السينما والتليفزيون هاجرت إلي أمريكا مع زوجها عام 91 وعملت في بعض الأعمال التليفزيونية من إنتاج «وارنر برازر » وحصلت علي جائزة أحسن ممثله تليفزيونية عام 96 و97 كما قدمت البوما غنائيا حوي مجموعة أغاني من أفلامها ونجح بشكل واضح وهي هنا تقدم دوراً بسيطاً وفي بساطته الشديدة تكمن صعوبته ولكن «ماريا» تخطت الصعوبة بالأداء المسرحي الرصين الذي أكدت به ملامح الفلاحة البسيطة رغم وجود بعض الهفوات في المشاهد التي تجمعها بابنها مارتن والتي تحتاج إلي تعبيرات وجه دون حوار وهنا سقط الأداء المسرحي وأصبح عبئ علي المخرج. مشوار قصير «بوريس لارا» صاحب المشوار القصير في دور «مارتن» في سادس أعماله الفنية وأول أفلامه الروائية الطويلة و يبدو ان بوريس الذي لم يسبق وان شاهدته علي الإطلاق يملك احد وجهين إما انه طاقة خاصة في التمثيل اكتشفها وفجرها المخرج وإما انه ملتزم للغاية والتزم بتعليمات مخرجه الذي أجاد توجيهه المهم ان النتاج النهائي هو أداء فوق الممتاز لشخصية «مارتن» . «جيلينا ستوبليجانين» في دور «ازرا » صاحبة الدراسة الأكاديمية وخريجة المعهد الوطني للدراما عام 2000 التي بدأت العمل الفني منذ 98 في ادوار صغيرة بأعمال تليفزيونية محلية وظلت في انتظار فرصة حقيقية حتي جاءتها الفرصة في فيلم «السيرك الكولومبي» الذي ساعدها علي إظهار امكانات تمثيلية رائعة ودفينة بين طيات ادوار صغيره علي شاشات التليفزيون. عمل متكامل في النهاية نحن أمام عمل فني متكامل يتحدث عن السيرك البشري وصراعاته الإنسانية والسياسية والتي يتحول فيها الرأسمالية والشيوعية إلي صراع بين الكادحين والماليين ويتحول البشر في السيرك إلي حيوانات مفترسة وأخري أليفة بعضهم يقوم بالتدريب وآخرون يقومون بادوار المهرجين.

جريدة القاهرة في

18/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)