حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«شارع الهرم».. فيلم جمهور عماد الدين!

بقلم : ماجدة خيرالله

صعب أن تثق تماماً في إيرادات الأفلام المصرية، لإنها عادة تقدم بدون أي دليل أو تحليل! فعندما يذكر لك أحد مواقع السينما العالمية أن فيلما ما، قد حقق في أسبوعه الاول كذا مليون، فهو يكمل الخبر عادة بحصر عدد دور السينما التي عرض بها الفيلم! والمناطق الجغرافية التي كان لها تأثير في تلك الإيرادات، مثل أن يقال إن الفيلم الفلاني حقق كذا مليون دولار في قاعات عرض شمال امريكا وعددها كذا، وفي أوروبا كذا، إلخ الفئات العمرية وأحيانا في المجلات المتخصصة، يتم تحديد الفئات العمرية التي اقبلت علي مشاهدة الفيلم أكثرمن غيرها، لكن عندنا"في السينما المصرية" لايخضع اي شيء للدراسة أو التحليل، وكل صاحب فيلم يستطيع أن يدعي أن فيلمه كسر الدنيا، أو وقف في أول طابور الإيرادات، دون أن يسأله أي شخص عن تفاصيل ودقة ما يدعيه. مبدئياً أنا أصدق أن فيلم شارع الهرم حقق في ايام عيد الفطر ايرادات كبيرة، فاجأت الجميع، أو علي الاقل من يعملون في المهنة، لكن كان يجب أن نكون اكثر دقة ونؤكد أن هذه الإيرادات، جاءت من سينما وسط البلد، وشارع عماد الدين بالذات! جمهور موسمي لأن جمهور هذه المنطقة، هو جمهور موسمي! أي لا يذهب للسينما بشكل منتظم لكن في مواسم الأعياد فقط، وهو جمهور له مزاج خاص! وهو يمثل شريحة وطبقة شعبية أو دون ذلك، وهؤلاء لا يجدون وسيلة للمتعة والترويح عن النفس، في ايام العيد إلا في استئجار المراكب النيلية، أوالذهاب الي السينما، والتجمع في المقاهي أو علي النواصي، هذا الجمهور الذي يغلب عليه الفئة العمرية التي تقل عن الثلاثين، ولا يعنيه مايدور في المجتمع من قضايا أو مشاكل أو متغيرات، هو جمهور من المراهقين، الذين يغتنمون فرصة لمتعة لحظية مؤقتة، وتقدر تقول انه جمهور شاري دماغه، ويبحث عن متع وقتية، ويبدوأن وجود دينا مع سعد الصغير، علي افيش أحد أفلام العيد، يستدعي لدي بعض المراهقين ذكريات وتداعيات فيلم "عليا الطرب بالتلاتة "الذي احدث ضجة كبيرة عند عرضه منذ خمس سنوات وانتهي بعملية تحرش جماعي ، وفي نفس موسم عيد الفطر، خاصة ان اعلانات فيلم «شارع الهرم» التي تعرضها القنوات الفضائية، كانت تحمل مجموعة من اللقطات تهيؤ الشباب للفرجة علي كم هائل من اللحم الآدمي، الذي يحترف السبكي تقديمه! توليفة السبكي ولابد وأن نعترف أن الحاج أحمد السبكي، الذي- استهواه مؤخرا الظهور في الأفلام التي ينتجها إسوة بشقيقه محمد- ، شاطر جداً، في عمل توليفة سينمائية، تعتمد علي معادلة لاتخيب إلا نادراً، وتتكون عناصرها، من راقصة لولبية"غالبا دينا" ومطرب بيئة، وكام كومديان "نص كم"، مع شوية افيهات "حراقة"، ولا مانع من قصة مهلهلة، تسمح بتقديم اكبر قدر من الرقصات التي تستعرض فيها دينا، ملابسها الساخنة، والغريب أن هذه النوعية من الافلام تنتمي لما يسمي تيار السينما النظيفة، رغم كل ما تحمله من إيحاءات غير مهذبة، لكن لأن الفيلم ليس به قبلات، يبقي نظيف "شوف إزاي"؟ رقصة الحجالة تبدأ أحداث الفيلم بمسرح تقدم عليه إحدي الفرق الشعبية، رقصات فرقة رضا، ومن بين هذه الرقصات"الحجالة" وهي من اجمل وأروع ما قدمته فرقة رضا في عصرها الذهبي قبل أن تتآكل، تحت إشراف وزراة الثقافة، المهم أن تلك الرقصة الجميلة التي كانت تقدمها فريدة فهمي بطلة فرقة رضا، مع مجموعة من اهم راقصات الفرقة، تحولت الي مسخ، مع مجموعة ثقيلة من الرقصات، تتقدمهن دينا، وهنا يبدو الفرق شاسعا بين راقصة شرقية، تتحرك في نص متر، ويعتمد رقصها علي "الرعش"والانثناء الحركي في نفس المكان، وبين ما يفرضه الرقص الشعبي في التحرك في مساحات بطول المسرح، وعرضه، وللأسف لم تهتم دينا بالتدريب الكافي علي الرقصات الشعبية، فكانت حركتها ثقيلة جدا تعثر الحركة اعتمد المخرج محمد شوري، علي التركيز علي ملامح وجهها ليداري تعثر حركتها، المهم أن أحد الرجال المتنفذين"أحمد سلامة" كان يحضر العرض، مع تابعه الأمين، ويبدو أنه وجد في الراقصة، ما يثير شهيته، فمال علي تابعه، وقاله في لهجة تشبه الامر، انا عايز الفرصة دي!، واجابه التابع "القواد" حاتكون عندك، وفي المشهد التالي نتابع دينا تسير في شارع خال تماما من المارة، تتابعها، سيارة تقف امامها بشكل مفاجيء وينقض عليها، مجموعة من الرجال يختطفونها، ويضعون عصابة سوداء علي عينيها، ثم يلقون بها امام "احمد سلامة"الذي يطلقون عليه، وزير الحنية، رغم انه رجل سادي يعشق اغتصاب النساء عنوة، وتعود دينا الي الحارة وهي ممزقة الملابس وفي حالة بهدلة، تشي بما حدث معها، وتصارح شقيقتيها العانستان، مها احمد، وبدرية طلبة بما حدث معها. فتقول لها كل منهما يابختك ياريتنا كنا معاكي وتم اغتصابنا احنا كمان!أما والد البنات الثلاثة "لطفي لبيب"فيقرر أن يحول ابنته من راقصة في فرقة شعبية إلي راقصة شرقية ويعهد بها إلي سعد الصغير"وهو طبال ومطرب شعبي"، وبعد أن يعلمها الرقص البلدي وفنون هز الوسط ، تنتقل الي احد ملاهي شارع الهرم، التي تقودها امراة متصابية"مادلين طبر" تدير الملهي للدعارة، وترسل الراقصات للزبائن، ديلفري، رقص العذاري - والغريب أن كل الراقصات كن عذراوات!ومنهن آيتن عامر التي تعجب وزير الحنية"احمد سلامة"فيطلب من تابعه أن يرسلها له، فيتكرر معها ما حدث مع دينا، ولكن بدون وضع عصابة العين ، المهم أن احمد سلامة يقرر أن يستولي علي الراقصة الشابة ايتن عامر ويستبقيها في قصره لترقص له بمفرده ، وتقبل الراقصة هذا العرض، ثم يظهر محام فاسد "احمد بدير" ينافس وزير الحنية في عشق النساء، ويحاول النيل من دينا، لكنها ترفض، المهم أن احمد سلامة يرغب مرة اخري في التعامل مع دينا، ويحاول أن يستدرجها لمنزله، ولكنها تقرر هذه المرة أن تنتقم منه علي طريقتها ! ومن اهم سوءات فيلم شارع الهرم اعتماده علي كوميديا العيوب البشرية وسخريته من الاقزام ، وهي عملية غير انسانية تؤدي للتقزز وليس للضحك. اما مها أحمد فهي تعتبر نفسها كوميديانة لمجرد انها ثقيلة الوزن، ويتكرر في معظم افلامها أن تلقي بجسدها الضخم علي جثة من يعترضها معتقدة أن هذا المشهد المتكرر يمكن أن يؤدي للضحك! هذه النوعية من الافلام تلقي رواجا بين جمهور من الشباب المشتعل جنسيا، ولكن الذين راهنوا علي استمرار نجاح الفيلم تجاريا، فاتهم أنه لا يمكن أن ينجح في دور العرض الموجودة في المولات، التي تستقبل نوعية مختلفة من الجمهور، تلك النوعية التي تبحث بداية عن الفيلم الامريكي، ثم عن افلام مصرية أفضل مستوي من شارع الهرم!

جريدة القاهرة في

04/10/2011

 

«المسافر».. تذكرة بورسعيد لا تصلح للسفر إلي الكون

بقلم : 

سافر فيلم "المسافر" كثيرا قبل أن يعود إلي أرض الوطن ليشاهده أخيرا الجمهور المصري تجاريا، بعد عامين كاملين من إنتاجه ظل خلالهما يجوب المهرجانات الدولية، ليكون المصريون آخر من شاهدوه في العالم رغم أنه أنتج بأموال الضرائب التي يدفعونها، فهو أول إنتاج للدولة - ممثلة في وزارة الثقافة - منذ عام 1971، تاريخ تصفية المؤسسة المصرية العامة للسينما.. وبذلك يصبح أول فيلم في تاريخ السينما العالمية يكون منتجه آخر - وليس أول - من يشاهده.. كما أنه أول فيلم في تاريخ السينما المصرية يعرض في مصر بعد عامين من إنتاجه، حيث أنتج عام 2009 ولم يبدأ عرضه إلا الشهر الماضي. طالت غربة "المسافر"، وكانت النتيجة أنه بدا قديما حين بدأ عرضه في وطنه.. وعلي سبيل المثال، يقدم التتر سيرين عبد النور علي أنها تظهر في السينما لأول مرة، في حين أنها قدمت العديد من الأعمال أثناء غيابه الطويل، وهو ما أثار تساؤلات عدد ممن شاهدوا الفيلم معي في القاعة، وكانوا في حدود العشرين.. كما عاد الفيلم إلي مصر منهكا، فاقدا 20 دقيقة من مدة عرضه حذفها مخرجه أحمد ماهر، بعد الانتقادات الحادة التي وجهت إليه من النقاد والجماهير - وبطله عمر الشريف نفسه - فور عرضه في مسابقة فينيسيا 2009، واتهامه بأنه ممل، ويصيب المشاهد بالضجر. طردت كل هذه المعلومات والأفكار المسبقة من رأسي، وجلست إلي مقعدي في الصالة وأنا عاقد العزم علي التعامل بأمانة مع الشريط السينمائي المعروض أمامي، بغض النظر عما أحاط به من جدل.. كما حرصت علي مراعاة نصيحة ناقد سينمائي كبير طالب الجميع - نقادا وجماهير - باعتبار الفيلم "غير واقعي"، ودعا إلي عدم تطبيق قواعد التلقي التقليدية عليه.. وتجاهلت، بل تناسيت تماما، حقيقة أن هذا الناقد كان أحد أعضاء اللجنة التي شكلها وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني - وكافأها بسخاء - لتقييم السيناريو، واعتمد علي تقريرها في اتخاذ قرار إنتاج الفيلم. تمجيد وتهليل وكان التقرير ينص - بالحرف الواحد - علي أن "السيناريو ساحر، ومن أفضل ما كتب في تاريخ السينما المصرية، وسيعيد هذه السينما إلي أمجادها في المحافل الدولية".. وإذا أضفت إلي ذلك أن ميزانية الفيلم كانت محددة بتسعة ملايين جنيه فقط، ووصلت إلي نحو 22 مليونا بفضل - أو بسبب - هذا التقرير وغيره من مظاهر التمجيد والتهليل غير المبررة للسيناريو، لعرفت لماذا يوجه المخرج الشكر إلي هذا الناقد في نهاية الفيلم! الشعور الذي يسيطر عليك وأنت تشاهد "المسافر"، ويستمر معك بعد إتمام المشاهدة، أن كل ما يتعلق به - بدءا بأحلام وتخيلات المخرج / المؤلف، وانتهاء بالتنفيذ بهذه الميزانية الضخمة - أكبر وأهم مما شاهدناه بالفعل علي الشاشة.. فالإنتاج فقير رغم هذه الميزانية، ومؤلف الفيلم ومخرجه يبدو كأنه اشتري تذكرة إلي بورسعيد، المحطة الأولي في رحلته مع بطله، وأراد السفر بها إلي الكون كله، حيث الأسئلة الكوزموبوليتانية الفلسفية عن الموت والحياة والميلاد والعلاقات الإنسانية المتشابكة، وكانت النتيجة الطبيعية أن المخرج تاه وتاه معه المشاهد! أراد المخرج، في أحلامه وتخيلاته، أن يطرح هذه القضايا الفلسفية في إطار فانتازي لا يتقيد بالواقع، وانتهي به الأمر إلي الانخراط في بحث قضية سطحية قديمة هي اختلاط الأنساب، في إطار شديد السذاجة والتفاهة هو تطور شكل "الأنف" عبر الأجيال.. أراد عمل فيلم ذهني ينتمي لسينما المؤلف عبر سيناريو أدبي شاعري، فإذا بالسيناريو يخرج شديد الضعف والتهافت والتفكك، وإذا به يفشل حتي في التعبير عن الفكرة المباشرة التي يقوم عليها الفيلم، والتي تتلخص في القيام برحلة عبر الزمن من خلال التوقف عند ثلاثة أيام في حياة موظف التلغراف "حسن" (عمر الشريف في مرحلة الشيخوخة وخالد النبوي في مرحلتي الشباب والكهولة)، تقع في خريف سنوات 1948 و1973 و2001، حيث يحول البناء الدرامي المختل هذه التواريخ المهمة التي ترمز لأحداث محلية ودولية كبري لا تخفي علي أحد، إلي أرقام جوفاء علي الشاشة فارغة من أي معني أو مضمون. قانون الفانتازيا ولا أقصد أن يسرد الفيلم وقائع هذه الأحداث ويتحول إلي فيلم تاريخي، بل أن يكون هناك أي مبرر أو سبب لوضع هذه التواريخ بالتحديد علي أجزاء الفيلم الثلاثة، لكن ذلك لم يحدث، لا هو ولا غيره، بل أغرقنا الفيلم في تفريعات ليس لها علاقة بموضوعه المزعوم، انشغل خلالها أحمد ماهر بالشكل علي حساب المضمون، وعلي حساب أي منطق، حتي منطق الفانتازيا.. وهنا يجب التوقف قليلا لوضع النقاط فوق الحروف، فاستخدام أسلوب الفانتازيا لا يعني أن يفعل المخرج ما يعن له وما يخطر علي باله من دون أي منطق أو قانون أو قاعدة، بل أن يضع هدفا لفانتازيا فيلمه، ومنطقا يتسق ويتفق مع دراما العمل.. لكن ما دامت هذه الدراما مختلة، فمن الطبيعي أن تخرج الفانتازيا سقيمة، مثل طائر يريد عبور البحر بأجنحة مكسورة. ليس من المعقول مثلا أن تكون هناك مقابر علي البحر مباشرة، علي بعد خطوات قليلة من الأمواج، فالأطفال يعرفون أن الحفر في مثل هذا المكان معناه الوصول إلي الماء بعد ضربتي معول، ودفن الجثث عائمة.. وإذا قال لي أحد إن هذه هي الفانتازيا، سأرد بأنها تعارضت للأسف مع دراما المشهد نفسه، الذي يشمل بالفعل حفر أحد القبور من دون أن يظهر ماء البحر، وهذا هو بالضبط ما قصدته بأن تكون الفانتازيا في خدمة الدراما.. لكن المشكلة أن المخرج لا يريد أن يخدم الدراما، بل أن يحقق تخيلاته وأحلامه الشكلية، مثل الحمام الأبيض الذي أطلقه في شقة البطل بالتصوير البطيء وكأننا إزاء فيديو كليب لإليسا، ومثل إخراج حفيد البطل المزعوم (شريف رمزي) من المستشفي بسرير غرفة العمليات.. ومن الممكن أن يكون إصرار الجد علي إخراجه وهو تحت تأثير البنج، ورفضه أن يجري عملية تجميل الأنف، فكرة درامية جيدة.. أما خروجه بسرير المستشفي، والسماح له بذلك، فقمة عبودية الشكل علي حساب الموضوع. أما أخطر عيوب السيناريو، وبالتالي الفيلم، فهو التعامل بخفة وسطحية مع الشخصية الرئيسية التي ينتهي الفيلم من دون أن نتعاطف معها، ومن دون أن نعرف عنها شيئا، رغم وجودها الدائم علي الشاشة من أول إلي آخر مشهد.. فلم تكن هناك أي محاولة للتعمق في الشخصية وإبراز خلفياتها وأبعادها المختلفة بما يسمح بتبرير تصرفاتها.. وللأسف انتقلت هذه الخفة بالعدوي - وربما بالتوجيهات - إلي عمر الشريف في أدائه الشخصية، فجاء مثيرا للشفقة والضحك، حيث أدي العديد من المشاهد بطريقة إسماعيل ياسين في أفلامه الهزلية.. وللأسف أيضا، انتقلت الخفة - بالتقليد هذه المرة - إلي خالد النبوي الذي أصر علي تقليد مشية وطريقة كلام عمر الشريف رغم اختلاف عمريهما، مما دعا الأخير إلي وصفه بأنه "أسوأ ممثل في العالم"! لم يبرز من الفيلم سوي الفريق التقني، في التصوير والمونتاج والموسيقي والميكساج، وإن كنت قد انزعجت من لجوء المونتير تامر عزت - ربما بتوجيهات المخرج - إلي القطع بتسويد الشاشة في عدة مشاهد رغم عدم تغيير المكان أو الزمان.. كما كان مشهد سقوط البطل من كوبري إمبابة إلي النيل - في النهاية - ضعيفا تقنيا، وتم تنفيذه بطريقة شديدة السوء والركاكة.

جريدة القاهرة في

04/10/2011

 

 

محمد سعد ومعزوفته الناقصة

بقلم : د.وليد سيف 

لم أصب بدهشة أو استياء حين علمت أن محمد سعد هو كاتب سيناريو فيلمه الأخير «تك تك بوم». فالحقيقة أن محمد سعد وغيره من النجوم يلعبون دورا كبيرا في تأليف أفلامهم، إن لم يكونوا هم بالفعل المؤلفون الحقيقيون لها، بينما يحمل العمل اسم المؤلف، الذي في الغالب لم يتجاوز دوره سوي تدوين وترتيب مؤلفات السيد النجم، فتتوالي في سلسلة من الأحداث منطقية كانت أو غير، المهم أن تحظي بإعجاب سيادته وإلا استبدلها بمؤلفات أخري. بل إنه وبالنسبة لمحمد سعد تحديدا فربما يبدو اكتفاءه بكتابة اسمه علي السيناريو نوعا من التواضع الجم من جانب فنان يمتلك الرؤية الكاملة في مختلف عناصر الفيلم السمعية والبصرية والفنية والتقنية . إذا كنت لا تصدقني فعليك أن تراجع كل أفلام محمد سعد السابقة لتكتشف أنه صاحب خلطة وبصمة يفرضها علي كل أعماله ويستخدم فيها مختلف عناصر الفيلم في حدود فهمه وثقافته. تتشكل المشاهد من لقطات مرسومة تعتمد علي التمثيل من الوضع راقدا أو مقلوبا ومن أغنيات تتكرر في ذات نفس المكان، إما حارة مسفلته بالطوب أو فرح شعبي مليء بصور الابتذال والمجون مع مشاهد وعظية متناثرة وكادرات مزدحمة بتفاصيل الشعبيات والعشوائيات .. الملامح الدرامية الأساسية والإخراج الفني وعناصر اللغة السينمائية إذا جاز التعبير علي مثل هذه الأفلام تكاد تكون متطابقة. بين «اللمبي وتك بوم» لكن بالتأكيد هناك ما يميز هذا العمل عن ذاك في بناء متماسك نوعا ما هنا ومتصدع تماما هناك.. وفي تتابع لا يخلوا من تواصل أو تشويق في فيلم، تقابله حالة من التشتت وعشوائية الانتقالات في آخر.. وقبل كل هذا في رؤية قد تتميز بقدر من الوجاهة والمنطقية في مقابل ارتباك فني ولعثمة خطابية وسذاجة مفرطة في غيره . هذه هي المسافة التي تفصل بين أفضل أفلام سعد في رأيي «اللي بالي بالك» و«اللمبي» وبين كوارثه التي وصلت إلي أدني مستوياتها في «كركر» أو «بوشكاش» وهاهي تواصل انحدارها في فاجعة « تك تك بوم». ولكني أعترف لكم ولمحمد سعد شخصيا أنني مازلت أمتلك بعض درجات الحماس لمشاهدة أفلامه بحثا عن نمره المضحكة مضحيا بآخر عشرين جنيه في جيبي حتي نهاية الشهر، علي أمل لحظات قليلة من الضحك الصافي والإبداع المتألق لموهبة قررت أن تظهر قليلا وأن تخبوا غالبا. كل هذا وأنا أعلم شبه متيقنا أنني سوف أخرج غاضبا وساخطا علي محمد سعد وحزينا علي جنيهاتي الأخيرة التي ضحيت بها. المدخل العبقري الذي ينفذ منه محمد سعد إلي أحداث ثورة 25 يناير يأتي من خلال فكرة براقة فعلا، والله دون سخرية أو استهزاء. وهي فكرة كفيلة بدفع الدراما والإلهام بأفكار في منتهي الأهمية والسخونة رغم هزليتها . فأحداث الانفلات الأمني التي وقعت يوم 18 يناير تحدث في نفس ليلة زفاف تك تك بائع البومب علي حبيبته الجميلة درة بعد سنوات من الشوق والغرام. وتتوالي المعوقات التي تمنع الزفاف السعيد مع تصاعد أحداث الثورة. «تك تك» هو نموذج أيضا للمواطن معدوم الوعي فاقد الإدراك لأي شيء وهو يمثل ملايين المواطنين الذين يربيهم النظام لحمايته وتأمينه والإنصات لرسائله المسمومة بمنتهي السعادة والرضا والإيمان بخطابه المتخلف. وليقفوا في وجه أعدائه وليؤكدوا نظريته ومبرراته القمعية التي يسوقها للعالم بأنه يحكم شعبا من الحمقي والغوغائيين، لا تجوز معاملتهم إلا بالبطش والإرهاب. في ظل هذه الرحلة الشاقة مع أيام الثورة التي لا نري منها سوي ملامح ضبابية، وعبر اختلاط تك تك بالشخصيات وعبر تفاعله مع الأحداث كان لابد أن تهون أزمته الصغيرة في تحقيق ليلة دخلته في مقابل إدراكه لأزمة وطن كبير مشكلاته بلا حدود وزفافه علي الحرية يبدو بعيدا. هذه هي الخطوط الطبيعية التي كان يجب أن تمتد لتصل بالعمل إلي بر الأمان. جمل غير مفيدة لكن سعد نفسه لا يجد الشجاعة لقول كلمة حق. فهو يقدم فيلمه وهو يدرك جيدا أن المعركة مع الفلول لم تحسم بعد. وحساباته كنجم تجعله يلعب علي الحبال. وعلاوة علي هذا فإن وعيه الثقافي والسياسي ربما لا يختلف كثيرا عن وعي شخصية تك تك التي يؤديها . فتتضح الفجاجة الفاضحة في محاولاته التستر علي منافقة كل الأطراف. تتوقف الأحداث مع فواصل من الحكم الوعظية التي يمكن أن تقال في أي موقف أو مناسبة لتهدئة النفوس بين فريقين من البلطجية وليس بين ثورة لها مطالب ونظام ظالم وفاسد. وتتعثر محاولات سعد في أن يلفظ بجملة مفيدة واحدة مع خوفه من أن يثير غضب فئة ما أو تيار ما. فحتي مشاهد التعذيب في السجن تفتقد معناها ومدلولها . فتك تك بوم يدخل السجن ويعاني من بطش المأمور المنفلوطي الذي يتورط في مشهد عشوائي في قتل اتنين من مساعديه. ويسعي لتلفيق التهمة لتك تك. ولكن ما علاقة كل هذا بالثورة وبحكاية تك تك . وما علاقة كل هذا بمشهد مفتعل لتوصيل جاره المسيحي للمستشفي بعد إصابته علي أيدي البلطجية . لا تريح نفسك بأن تتساءل ما علاقة أي شيء بأي شيء في فيلم رديء . فالخطير في الأمر أن النجم يخرج من مرحلة الفيلم الرديء إلي مرحلة الفيلم الهادف عامدا بإفساد وعي الناس وخلط مفاهيمهم حول الثورة .. والرغبة في الخلط بين الثورجي والبلطجي ..و الدعوة للهدوء وضبط النفس حتي لا يندس بين الثوار أعداء الثورة . وهو حق يراد به باطل . علينا أن نكون أكثر صراحة وبعيدا عن القوائم البيضاء والسوداء التي تستفز البعض، فهناك مجموعة من النجوم محدودي الوعي والذين تغيب عنهم بالتأكيد فكرة أن الفن ثورة يرون أن حدود واجبهم تتوقف عند انتقاد النظام ولكن الثورة عليه هي رجس من عمل الشيطان. بل إنها تبجح وتطاول علي نظام استطاعوا أن يتنجموا في كنفه . وتمكنوا من أن يحققوا نجوميتهم وشهرتهم في ظله . وتعلموا كيف يتعاملون مع الجماهير في حدود الوعي والحريات التي أتاحها لهم هذا النظام . إنهم في حالة ارتباك لا يدركون كيف يمكن أن يتعاملوا مع سقف الحريات عندما يرتفع ولا كيف يتعاملون مع هذا الشعب إذا امتلك الوعي الحقيقي وأدرك أن ما يقدمونه له لا علاقة له بالفن ولا بـأي شيء وإنما مجرد خلطة مسمومة تتناسب مع المنظومة الفنية والإعلامية الرسمية وشبه الرسمية الفاسدة التي جعلت معدته تهضم الزلط ولا تمكنه من أن يدرك الفن الحقيقي. إن العلاقة بين صناع الفن الرديء والفلول هي علاقة لا تنفصل. وسوف نظل نكرر كلمة الفلول التي تستفزهم. الفلول ..الفلول الأكثر استفزازا في هذا الفيلم أن سعد يعتذر من خلاله عن أجمل أفلامه اللي بالي بالك. وعن شخصية مأمور السجن رياض المنفلوطي التي كانت أقوي كشف سينمائي عن موهبته كممثل والتي عبر من خلالها بقوة عن قدراته كممثل قادر علي معايشة شخصية بنبضها وصوتها وروحها ولزماتها وأن ينحتها ليس بمنطق النحت السينمائي ولكن بمعني النحت التشكيلي . في «تك تك بوم» يظهر المنفلوطي في صورة مشوهة ورديئة وبالغة السوقية وبأداء متخلف وبذيء وغير مثير لا للتصديق ولا للضحك . وقد لا نلقي اللوم كثيرا علي المخرج أشرف فايق مادمنا نعلم أنه يعمل في أسوأ الظروف مع محمد سعد وهو ينفرد ويجهر بالكتابة لنفسه. ولكن كان علي أشرف علي الأقل أن يصارح سعد بمساحات التطويل الرديئة وتكرار العبارات والحركات ولحظات الاندماج التي يسعد بها سعد وحده وربما لا تثير سوي ضحك منافقيه. لم يتمكن المونتاج حتي من تنبيه النجم إلي أنه يحرق نفسه ويكرر حركاته. في اللي بالي بالك كانت أفكار سعد وأحلامه وإفيهاته تجد اثنين من الكتاب الموهوبين المجتهدين سامح سر الختم ونادر صلاح الدين يضعانها في الشكل الصحيح وفي إطار منظومة درامية . وكانت الكوميديا داخل المشهد تتطور بالحيل الدرامية السليمة وبردود الفعل . وكان الحوار يعتمد علي أساليب التسليم والتسلم . وكانت المواقف الدرامية لا تخلوا من عناية ومن مواجهات قوية بين اللمبي وصول السجن حسن حسني . لكن في «تك تك بوم» لا شيء يتطور ولا موقف مرسوم ولا يجد الممثل عازفا آخر يشاركه لأن الارتجال يغلب علي كل شيء . وعندما استعان سعد بمحمد لطفي وترك له المساحة وامتدّ الزمن والمساحة بالمشاهد لم يجد لطفي ما يفعله سوي الضحك من حركات سعد. كان سعد في اللي بالي بالك يتحرك بقدر من الحرية والانطلاق في إطار بناء بصري وحركي يرسمه بدقة مخرج موهوب وطموح بمستوي وائل الإحسان . ولكن سعد قرر أن يتخلي عن أصحاب المواهب أو أن يفرض علي من يمتلكها أن يتخلي عنها لحسابه. في التراث السينمائي المصري العالمي هناك العديد من عباقرة الفن الذين جمعوا بين التمثيل والتأليف والإخراج أيضا ومنهم شارلي شابلن وبينيني واستوود وفي مصر الريحاني ومحمد صبحي . ولكن كان هؤلاء جميعا يمتلكون بدرجة أو بأخري القدرة علي الإصغاء للآخرين وترك مساحات لإبداع الآخرين واختيار مستشارين من غير منافقيهم.. وعلاوة علي هذا كانوا جميعا يعملون في ظروف إبداعية أفضل وكانوا يحسمون اختيارهم غالبا قبل الوقوف أمام الكاميرا: هل هم مع الفن والحرية والثورة أم مع الابتذال والقهر والفلول؟

جريدة القاهرة في

04/10/2011

 

اللمبي وسينما ما بعد 25 يناير

بقلم : ألاء لاشين 

السؤال الذي ظل يراودني عند مشاهدتي لإعلان فيلم «تك تك بوم» - الذي يظهر الفيلم بأنه يحمل الكثير من السخرية والإسفاف لثورة 25 يناير علي عكس ما هوعليه - هل ينجح محمد سعد في استعادة نجوميته وشباكه الذي اهتز خلال الأعوام الماضية بعد ان ظل خمسة أعوام كاملة صاحب الإيرادات الأعلي في شباك التذاكر؟ ثم ما هو مفهوم سينما ما بعد الثورة في فكر صناع السينما؟ تدور الأحداث حول «تيكا» محمد سعد الذي يقطن في منطقة شعبية ويعمل في تصنيع «بومب الأطفال» ولكنه ليس صانعا ماهرا ومن المصادفات غير السارة أن يوم زفافه يحمل مفاجأة قيام ثورة 25 يناير، حيث يقوم هو وشباب المنطقة بتكوين لجان شعبية في محاولة منهم للتصدي للبلطجية . سجن اللمبي تمنيت أن يخرج محمد سعد من القالب الذي اعتاد أن يضع نفسه فيه وهوشخصية اللمبي وعلي الرغم من انه لا يختلف أحد علي موهبته الفطرية وقدرته علي التحكم في عضلات وجهه وجسمه الذي لو أجاد توظيفها لتربع علي عرش النجومية لامتلاكه مقومات النجاح ، الا انه يفتقر التجديد ويفتقد لفريق عمل ناجح في الكتابة والإخراج . فهوبتكرار هذه الشخصية قد وضع نفسه في مأزق محرج بالنسبة لنجوميته، فأما ان يستعيد بريقه وأما أن يذهب بعيدا عن السينما . الفيلم مغامرة كبيرة من «شركة الانتاج» ومن سعد نفسه في ظل هذه الظروف الراهنة فهولم يخش من عرض بعض أحداث الثورة في إطار كوميدي و لم يتطرق الفيلم إلي أعماق ميدان التحرير مما يجعل الكثيرين غير متقبلين للفكرة بالاضافة إلي اتجاه الفيلم للحيادية الشديدة في موقفه تجاه الثورة بهدف كسب كل الأنظمة فهو لم يحدد موقفه بوضوح هل هو مع أو ضد الثورة؟ ولكن الواضح أنه كان ضد كل السلبيات. زعزعة الثورة الفيلم لم يتطرق الا لحدثين من أحداث الثورة وهما تكوين اللجان الشعبية وهروب المساجين من السجون في إطار كوميدي بسيط وأيضا تطرق لفكرة الوحدة الوطنية التي حاول البعض زعزعتها أثناء أحداث الثورة وهذا من خلال قيامه بأنقاذ جورج الجواهرجي «لطفي لبيب» من قبضة البلطجية عند اقتحامهم لمنزله وهو ذكاء يحسب لصاحبة الفكرة «اسعاد يونس» لأنها في الوقت الراهن لا تستطيع تقديم أحداث الثورة وهي لم تنته بعد لانه لا يمكن تقديم مشاهد أكثر مما يقدم في الواقع علي شاشات الفضائيات خاصة وان الوقت ما زال مبكرا لتوثيق أحداث الثورة في فيلم سينمائي، حيث لم يسدل الستار حتي الآن علي احداث الثورة . ورغم ان البطل توافرت له عناصر النجاح في شخصية جديدة الا انه ظل متمسكا بتميمة حظه اللمبي بالإضافة إلي انه أعاد من جديد تقديم شخصية رياض المنفلوطي بعد ان كبر في السن وهذا قد جعل البعض يعتقد أنه ليس لديه الجديد ليقدمه وكان من الأفضل أن يقوم بالدور اي شخص آخر ولكنه كان يريد استثمار نجاح هذه الشخصية في فيلم «اللي بالي بالك» من زاوية أخري تغير أداء محمد سعد في الفيلم فقد كان في الجزء الأول وهو ما قبل احداث الثورة يحاول انتزاع الضحكات من الجمهور بدون موضوع ثم تحول اداؤه في الجزء الثاني بعد الثورة إلي اداء جدي من خلال قيامه باعمال ايجابية لخدمة اهل الحي ولم يصر علي الاستمرار علي المنوال السابق . لا شيء للنساء وعلي الرغم من ان ظهور «درة» في الفيلم كان لكسر الملل باضافة عنصر نسائي الا انها لم تستطع اظهار قدرتها الفنية برغم انها ممثلة متمكنة ولكن الدور لم يضف لها جديد الا انه يحسب لها قدرتها علي تقديم ادوارا كوميدية في محاولة منها للخروج من الأدوار الجادة بوجه عام فان تهميش دور البطولة النسائية في الافلام في الآونة الاخيرة وتسليط الضوء علي البطل قد اصبح موجة سائدة . أما «محمد لطفي» فلم يقدم اي جديد مطلقا فقد سبق ان قدم في فيلم «كباريه» شخصية فرعون وفي فيلم «بدل فاقد» شخصية خداش أفضل من هذا، وكان من المفترض أن يقوم المؤلف باستغلال وجودهما في فيلم واحد ويصنع لهم «افيهات» تعلق في اذهان الجمهور ولكن هذا لم يحدث مما جعله يمر في احداث الفيلم دون ان يترك بصمة قوية كما كان من قبل . مع كل ذلك فإن الفيلم يعد خطوة جريئة من صناع العمل وخاصة جهة الانتاج فهي مغامره لانتاج فيلم في ظل الظروف الراهنه لان شركات الانتاج تتأثر سلبيا بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تطرأ علي المجتمع وخاصة بعد الثورات وان الجمهور بوجه عام سوف يغير فكرة واتجاهه بعد الثورة ولابد في الفتره القادمة ان يقوم صناع السينما برصد اتجاهات المجتمع والبحث عن افكار وحلول غير تقليدية لحل مشاكل المجتمع في مرحلة ما بعد الثورة . صراع الايرادات وهي أيضا محاولة من محمد سعد لأخذ خطوة للأمام بعد تراجعه من فيلم «كركر» الي «اللمبي 8 جيجا» ولم تنجح هذه المحاولة في ان يتصدر المركز الاول في شباك التذاكر كما كان من قبل وان كان قد حصل علي المركز الثاني في الايرادات. الفيلم قدم بعض النماذج السيئة من ضباط الشرطة الا انه تعرض ايضا للنماذج الايجابية والدور الوطني لجهاز الشرطة في حماية الوطن ويختتم بتوجيه دعوة لتكاتف الشعب مع الشرطة ضد البلطجية لحماية المجتمع .ويبقي محمد سعد محلك سر.

جريدة القاهرة في

04/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)