حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السينمائيون أخذوا الضوء الأخضر من الدولة للدخول في معركة مع القوي الإسلامية

بقلم : محمود قاسم

كما أشرنا، فإنه في البداية نظر السينمائيون بعيون الحذر، والسلبية إلي ما يحدث حولهم ولم يجرؤ أحد أن يدلوا بدلوه، لدرجة أن البعض كان يري أنها مسألة مواجهة سياسية بين الدولة، وتلك الجماعات، وأن دور الدولة بمؤسساتها هو القضاء عليهم، ولم يأخذ السينمائيون الضوء الأخضر إلا بعد أن أعلنت الدولة عن المواجهة الحاسمة، وقد بدأت هذه الظاهرة عقب وقوف الدولة ضد شركات توظيف الأموال التي تعاظم دورها، وبدأت تشكل خطرا علي قو الحكومة نفسها، فرأينا في بعض الأفلام حكايات عن أصحاب هذه الشركات وقد تستروا بالدين، فحققوا مكاسب عالية، مثلما حدث في «كراكون في الشارع»، لأحمد يحيي، «امرأة واحدة لا تكفي» لإيناس الدغيدي، حيث ظهر لأول مرة رجال ملتحون، يأخذون أموال الآخرين بهدف استثمارها لهم بنسب ربحية عالية، وقد تعاملت معهم السينما علي أنهم فاسدون، نصابون، وصار هؤلاء الملتحون بمثابة أشرار الفيلم، في الوقت الذي يتنامي عددهم في صفوف المجتمع بجميع طبقاته، وأشكاله. عاطف الطيب كان عاطف الطيب من أوائل المخرجين الذي انتبه إلي تصاعد السلفية الدينية في أفلامه، قبل اللجوء إلي العنف الديني المسلح في المجتمع والأفلام، وحاول في هذه الأفلام أن يؤكد أنه لم يمكن تجاهل صعود هذا التيار، وإن بدا كأنه يصور التغييرات، دون إدانة، أو تعاطف، وقد شاركه في هذا كتّاب سيناريوهات أفلامه التالية : «أبناء وقتلة»، «ضربة معلم»، «البدرون» ،هي كلها من إنتاج عام 1987، ثم في فيلمه «إنذار بالطاعة» عام 1993، و«كشف المستور» في عام 1994، وأيضا «ليلة ساخنة» عام 1996، ففي الفيلم الأول، الذي انتقل تاريخيا لمدة أربعين عاما، كان لابد أن يصور التغيرات الاجتماعية الحادة، فجعل من الابن الأصغر لتاجر السلاح شيخون. طالبا نابغة، يتحول إلي هيئة التدريس، وهو يطلق لحيته بما يعني «التزامه»، ويمثل التيار المعتدل، ويقع في غرام تلميذته المحجبة، ويسعي إلي خطبتها، والآباء في هذا العصر ملوثون بدماء القتل، أما الأبناء فهم أبرياء، حيث لا يعلم الولدان أن أمهما كانت راقصة . وأن الأب هو الذي قتلها، وأن والد الفتاة المحجبة كان ضابطا سابقا وآنه ساعد في ادخال الأب إلي السجن وإلي أن تطلق منه الأم، ويتزوجها لبعض الوقت، وقد قام الفيلم بقتل الابن الملتزم عن طريق رصاصة خطأ، ليحوله إلي الشهيد البريء، بينما بقي الأخ العربيد علي قيد الحياة، وكان هذا الموت الخطأ برصاصة من مسدس أبيه تاجر السلاح .. أما الفتاة الطالبة في فيلم «ضربة معلم» فهي أيضا معيدة، مخطوبة لضابط شرطة، ويفاجأ الضابط أن فتاته قد ارتدت الحجاب، دون أن ترجع اليه وتخبره عندما يسألها عن السبب أنها رأت زميلاتها في المدينة الجامعية يرتدين الحجاب، ففعلت ذلك دون أي تفكير، وصار الأمر عاديا بعد ذلك .. وفي السنة نفسها، جعل عاطف الطيب، البطل الشاب في فيلم «البدرون» يطلق لحيته، أسوة ببعض الشباب في الحي، هو يصلي، ويهتدي وعلي الجانب الآخر، فإنه يصدم في انحراف أخته، التي تقع بين براثن « الحاج» صاحب العمارة والذي اغتصبها، هذا الابن الملتزم هو الذي يطعن صاحب البيت الذي غرر بأخته، علي سلم المحكمة، بعد تبرئته، أي أنه سعي إلي أن يحقق العدالة بنفسه بعد أن فشلت القاعة في إثباتها .. والملاحظ أن كتاب سيناريو أفلام عاطف الطيب قد تغير من فيلم لآخر وفي فيلم «إنذار بالطاعة» قام إبراهيم بزيارة زملائه الذين تم القبض عليهم في حادث سرقة محطة بنزين، وفي السجن فوجئ أن لصوص الأمس، قد أطلقوا لحاهم . وتحولوا إلي التطرف وأبلغوا زميله الذي جاء ليزورهم أنهم اهتدوا وليسوا في حاجة إلي زيارته مرة أخر .. وفي فيلم «كشف المستور»، هناك إشارة إلي ما حدث في المجتمع من تصاعد ديني، تناولناه في مكان آخر من هذه الدراسة .. حجاب الفنانات أثناء ذلك بدأت ظاهرة إقناع الكثير من أهل الفن، خاصة الممثلات ونجوم السينما بأن أموال الفن حرام، وأن الفن كله حرام، وبدأت هذه الظاهرة باعتزال راقصة ظهرت في بعض الأفلام وهي هالة الصافي، ثم الممثلة شمس البارودي، وبلغت هذه الظاهرة ذروتها حين اعتزلت شادية وارتدت الحجاب، وقيل إن أحد الدعاة الكبار وكان وراء هذه الظاهرة وهو الذي تولي إحدي الوزارات، ركان حضوره في الإعلام الحكومي واضحا، مما يعكس أن الدولة نفسها راضية عما يحدث، أو ساكتة عنه وانتشرت الظاهرة بانضمام سهير رمزي، فريدة سيف النصر، هناء ثروت، مديحة كامل، سهير البابلي وهالة فؤاد التي أصابها مرض مميت في أوخر حياتها، وقيل أن أغلب هؤلاء كن قد وصلن الي سن الاعتزال، ولم يكن الحجاب سوي سبب أخير للاعتزال، وقد ارتدت بعض هؤلاء الحجاب، ثم ابتعدن عن الفن ، ما لبثن أن عدن ثانية باعتبار أن الفن نوع من المهن، ،أغلب هؤلاء اللاتي عدن لم يعرف عنهن الابتذال ومنهن مثلا سوسن بدر كما أن بعضهن عمل، فيما بعد في التمثيل بالحجاب مثل حنان ترك، سهير البابلي، سهير رمزي، وأخيرا بدأت ظاهرة الاعتزال نسائية في المقام الأول . أما الرجال فقد انحصرت في ممثلين أكثر منهم نجوم مثل محسن محيي الدين، ومحمد العربي الذي لم يترك وراءه تراثا يذكر . وعندما أشيع في الجرائد علي لسان بعض الدعاة أن الفن حرام، عقد الفنانون ندوات في أماكن عديدة للدفاع عن سلوكهم، وتمسك الكثيرون من الفنانين الموهوبين بمواقفه ولم توقف مسيرة العطاء، لكن بين حين آخر راحت الأخبار تعلن أن فنانة قد دخلت زمرة المحجبات، بل إن بعضهن قد ارتدين النقاب . وأمام كل هذا وقفت السينما، في موضوعاتها سلبية تماما، كما أشرنا وعندما واجهت الدولة شركات توظيف الأموال، ظهرت الأفلام التي تتصدي فقط لهذه النقطة من المواجهة . أي أن السينما في البداية، لم تقف ضد التطرف ككل، بل حدث هذا بشكل تدريجي، بطيء للغاية، وبدا أن هناك سطوة اجتماعية جديدة أقوي من سطوة الدولة في التعامل مع الفن، وقد تمثل ذلك في أن الرقابة صرحت بعرض فيلم «الملائكة لا تسكن الأرض » لسعد عرفة عام 1988 والذي يكشف فيه بعض المتسترين بالدين، لكن منتج الفيلم لم يتمكن من عرضه في أي دار سينما لسنوات طويلة، حتي تم العرض علي استحياء في دار سينما ليدو أواخر عام 1995 وذلك عقب قيام الدولة بحماية العروض العامة لفيلم «الإرهابي» . كما كان الفيلم يعرض بشكل خفي في نوادي الفيديو، بدا هنا أن الفنان الذي يتعرض لمثل هذه الأمور الحساسة يمكنه أن يوجه بالكثير من العنف وأن يخسر أمواله، وأن يتعرض للتصفية، والإرهاب، لذا لدي الفنانين خوف خاص بعد الانفجارات التي حدثت لنوادي الفيديو في أماكن عديدة و بدأت الحراسات تفرض نفسها علي قطاعات من الشارع لم تكن موجودة من قبل وتوجه عادل إمام إلي إحدي قري الصعيد التي عرفت إرهابا مسلحا ضد فرقة فنية، ليعرض مسرحيته «الواد سيد الشغال»، وليضع نفسه بعد ذلك تحت حراسة مشددة، ثم كان ذلك مدعاة لأن يغير من نوعية الأفلام التي يقدمها باعتبارها هدفا للمسلحين. اغتيالات والعائلة عندما زادت العمليات المسلحة «الإرهابية» في مصر، وتم قتل مفكرين يختلف معهم أعضاء تلك الجماعات، بدا كأن هناك ضوءًا أحمر زائدا وجديدا لأن يدلو الفن بدلوه، وأن يسمح لمسلسل تليفزيوني من نوع «العائلة» الذي كتبه وحيد حامد لعرضه طوال أمسيات رمضان عام 1414هـ، حول نشأة التيارات السلفية في مصر وسلوكها الخاص والعام، وحمل الفنانون مصائرهم علي أيديهم، وقبلوا أن تكون لهم حراسات خاصة. وفي نفس الفترة كان المتسترون بالدين يزيدون من حملاتهم ورأي الفنانون أن ما يحدث سببا لتعطيل مصالح الناس. وفي البداية، وعلي سبيل الاختيار، جاء فيلم «الإرهاب والكباب» لشريف عرفة عام 1992 ليطرح الموضوع بشكل عام دون أن يقترب من المتشددين بشكل مباشر، مثلما سيحدث في فيلم «الإرهابي» صحيح أن هناك رجلا متدينا يصلي كثيرا في مكتبه، لكن هذا الرجل لن يلبث أن ينضم إلي الموظف الذي جاء لنقل ابنته إلي مدرسة أخري، فوجد نفسه رغما عن أنفه، يحمل سلاحا، ويتم تصوره علي أنه إرهابي، ثم جاء فيلم «الإرهابي» لنادر جلال عام 1994 ليس فقط ليقف ضد الذين يستخدمون السلاح لقتل السائحين، والكتَّاب، ورجال الشرطة، بل ليكشف أفكارهم أمام الناس حتي ولو من وجهة نظر الحكومة، ولكن أيضا ليحدث تكاتفا بين الفن والأمن العام، فأمام دور العرض العديدة، كان لابد لعدد كبير من رجال الشرطة أن يقوموا لساعات طويلة بحراسة دور العرض التي تعرض الفيلم الذي استمر عرضه عدة أشهر عام 1994، مما يعني توفر الأمن طوال هذه المدة لحماية الفيلم ومشاهديه، وقد أتاح هذا أن يعرض فيلم «الملائكة لا تسكن الأرض»، ثم فيلم «الخطر». وما لبث أن تفتحت الآفاق لمناقشة أفكار هذه الجماعات من وجهة نظر الفنانين، وجاء بعد ذلك فيلم «طيور الظلام» لشريف عرفة ثم «الناجون من النار» لعلي عبدالخالق الذي تم إنتاجه في أواخر عام 1994، وتعثر عرضه حتي الآن إلا أنه وجد طريقا للعرض في محطة روتانا أفلام. إذن فنحن أمام مجموعة من الأفلام تتباين في هوية الشخصيات الذين نتعامل معهم، وكما سبقت الإشارة، فهناك خطوط فاصلة بين المتدين والمتطرف، والمتشدد، والسلفي، ثم الإرهابي ولكنك قد تجد كل هذه الصفات في شخص واحد، وهو بدوره مؤمن بما يفعله، بدليل أنه قد يدفع حياته ثمنا لأفكاره وقناعته. ولذا لن نناقش في هذه الدراسة صورة المؤمن المتدين ولا المتطرف، أو حتي بعض المتسترين بالدين، بل سنتناول كيف صورت السينما هؤلاء الذين اصطلح علي تسميتهم بالإرهابيين.. وهم الجناح المسلح من تلك الجماعات، وقد رأيناهم في عدة أفلام منها: «الإرهابي» لنادر جلال عام 1994، و«طيور الظلام» لشريف عرفة عام 1995، وأيضا في «عمارة يعقوبيان» لمروان حامد، و«دم الغزال» لمحمد ياسين عام 2006، وأغلبها كما نري من تأليف وحيد حامد، ثم «الناجون من النار» لعلي عبدالخالق، فهذه الأفلام، خاصة الأولي منها، قد دخلت في الموضوع مباشرة، دون خوف أن تذبذب، ومن الواضح أنه لم يظهر حتي الآن فيلم اكتسب نفس الشعبية، ورأته الجماهير بنفس هذا الاتساع في عروض عامة، بل إنه عرض في التليفزيون بعد عام واحد من عرضه التجاري، وذلك ضمن سهرات عيد الفطر، مما يعني أكبر مساحة من المشاهدين مثلما حدث لفيلم «الإرهابي» ثم تكرر الأمر نفسه في «عمارة يعقوبيان» الذي سرعان ما تحول إلي مسلسل تليفزيوني وأيضا في «دم الغزال» وهي أعمال يشاهدها الناس في المحطات الفضائية بشكل يكاد يكون أقرب إلي اليومي. ملاحظات وبالنظر إلي مجموعة هذه الأفلام نلاحظ أن: 1 ـ يمكن اعتبار أن هذه أفلام مجابهة في المقام الأول، ظهرت في وقت معين اشتدت فيه العمليات المسلحة ضد الأقباط، ورجال الشرطة ورجال السياسة وأيضا المواطنين العاديين الذين دفعوا حياتهم حين جلسوا في أحد المقاهي أو ركبوا قطارا أو حتي تواجدوا إلي جوار المتحف المصري بميدان التحرير حين كانت هناك محطة أتوبيسات مكتظة بالناس، وقد تصور البعض أن هذا يمس الدين، وكثرت الأقاويل حول هوية هذه الجماعات فأثيرت من حولهم الأقاويل أنهم ليسوا من المصريين، وأن تمويلهم من خارج مصر، وذلك لدرء الشبهة عن أن من يقوم بهذه العمليات مسلمون منا. وقد بدت هذه المجابهة من خلال منطق الكلمة في مواجهة الرصاصة، والحوار في مواجهة فرض الفكر الآخر، وفي فيلم «الإرهابي» رأينا كيف يعاني علي عبدالظاهر من حرمان عاطفي، ينعكس في سلوكه، وذلك في رغبته بالزواج من أي فتاة يختارها له أمير الجماعة، ثم في مواقفه إزاء الطالبة الجامعية داخل البيت التي استضافته لعدة أيام. وفي الفيلم هناك مجابهة غير منظورة بين علي عبدالظاهر «عادل إمام» وبين الأسرة التي عاش بينها، فقد اكتشف أن الدين سلوك، وأن الأسرة التي تعامل معها باعتبارها نموذجا للمجتمع الكافر، في منظوره ليس فيها من هو خارج عن الناموس حتي فريدة الفتاة الجامعية التي ترتدي ملابس عصرية ترفضه بشدة، وتقف ضده وهي فتاة تتسم بالجدية والالتزام. تبرز المجابهة هنا في أن هذا الشخص المبرمج لاستخدام السلاح ضد من يتصورهم كفرة، وهو الذي شارك في قتل مفكر مصري يتردد علي الأسرة، استوحاه المؤلف مما حدث للكاتب فرج فودة، هذا الشاب الإرهابي، الذي انضم لجماعة تحلل لنفسها نساء الآخرين، وأموالهم باعتبارهم من الكافرين، يبدأ في الاقتناع من خلال سلوك الآخرين الذين لا يجيدون تخويف الناس بالدين، ولا يعرفون هويته، في أن هناك فكرا بديلا وعوالم فسيحة تختلف عن تلك الغرفة الضيقة في مسكن عشوائي بلا أثاث، لا يطل منها علي أي عالم آخر. وفي الفيلم مجابهة مع أطراف عديدة ويصبح حليف اليوم، خصم الغد، بعد أن اقتنع «علي» بوجهات نظر مغايرة، جاءت عن طريق سلوك الآخرين، ومن الذين جابههم علي في البداية السائحين، ورجال الشرطة الذين قتل واحدا منهم ثم من تصورهم كفرة، والجار المسيحي، وجميع أفراد الأسرة، مثل الابنة الكبري سوزان، وعائلها الدكتور عبدالمنعم والأم والكاتب فؤاد صديق الأسرة الذي تهدف الجماعة إلي اغتياله لأنه يعارضها في مقالاته ومحاضراته. لا شك أن نجاح هذا الفيلم خلق ظاهرة مختلفة في مجابهة الفن للتطرف من ناحية والإرهاب المسلح من ناحية أخري، فالفيلم نجح علي المستوي الفني والتجاري، ولاشك أن قيام عادل إمام ببطولته، قد أكسب المجابهة قوة، وقد شجع ذلك السينمائيين الآخرين علي الدخول في المجابهة. بدت هذه المجابهة في فيلم «طيور الظلام» لشريف عرفة، من تأليف وحيد حامد من خلال المحامي الشاب الذي يقوم بتمويل الجماعات المسلحة، وإيوائهم في بيته، وتنظيم عمليات اغتيال لرجال الشرطة. والمجابهة هنا مع كل الأطراف، فالفيلم يري أن جميع الطوائف بها فئات فاسدة، مثل الوزير المتسلق، والجهاز الإداري في الوزارة وأيضا في تكوين الجماعات التي تتستر بالدين من أجل الاستيلاء علي السلطة، وقد استوحي السيناريو من شخصيات حقيقية، موجودة في المجتمع، خاصة محام، عرف بأنه يدافع عن هذه القضايا، أي أن الأفلام كانت تأتي من الواقع بقصصها، وتقدمها للناس ومن حسن الحظ أن الذي تصدي لهذه الظاهرة كانوا من الفنانين الذين لهم موقف سياسي واجتماعي، وأيضا هم يتمتعون برؤي فنية جيدة، استطاعوا أن يصنعوا العمل الذي يشاهده الناس علي مستوي شعبي. وفي فيلم «الناجون من النار» اختار المخرج علي عبدالخالق اسم جماعة دينية تحمل نفس الاسم تمارس الإرهاب بالسلاح، فهنا نري عبدالسلام الطبيب الذي تعرف من خلال امرأة علي جماعة من الناس سعوا للاستفادة من شخصيته القيادية وثقافته الواسعة من أجل التأثير والسيطرة علي آخرين. كما جندوه فيما يتعلق بوضع خطط العمليات الكبري، وقد كشف الفيلم عن كيفية تكوين تلك الخلايا، وكيف أن هذه الجماعة يمكنها أن تجعل عبدالسلام يدبر خطة لاختطاف شقيقة ضابط الشرطة عبدالله، واستخدامها كرهينة لإجبار السلطات علي مبادلتها بعدد من رموز الجماعة الذين تم القبض عليهم. 2 ـ تجيء أهمية هذه الأفلام أنها تنقل المشاهدين إلي قلب هذه التيارات وأبنائها، خاصة الذين يرون الناس العاديين من حولهم، فلا يفرقون بين من هو الإرهابي، وغير الإرهابي، فليس في ملامح الناس ما يدل علي أنهم من الإرهابيين وليس الملتحون في الشوارع إرهابيين، وليس المتدينون أيضا إرهابيين، وهذه الجماعات ذوات نواميس سرية من الصعب الولوج إليها، أو معرفة كيف يتصرف أفرادها، وأغلبها شبكات عنقودية لا يكاد بعضهم يعرف البعض الآخر، وقد أتاحت هذه الأفلام للناس أن يشاهدوا أيضا أعضاء هذه الجماعات عن قرب، والكثير من الناس لم تجابه مثل هؤلاء، ولم تشاهد العمليات الإرهابية أو تدبيرها إلا علي الشاشة، وعلي سبيل المثال فإن الناس الذين يقرأون عن العمليات العسكرية الإرهابية التي يقتل فيها الأبرياء لا يرون مثل تلك الأحداث الدامية بالتفصيل، وهي غالبا ما يتم اكتشافها بعد حدوثها، فعلي شاشة فيلم «الإرهابي» رأينا كيف يرتسم الذعر علي وجوه الضحايا، وكيف تتناثر الدماء، وتتساقط الأجسام، وكيف يبدو المسلح ثابتا، واثقا مما يفعله حتي تنتهي عمليته، حتي ولو كانت العملية في ميدان مزدحم، مثل حادث الأتوبيس السياحي الذي اشترك فيه «علي» في تفجيره، ثم كيف قتل «علي» ضابطا، وهرب تحت سمع وبصر الشرطة، وكيف ضلل مطارديه، فقص لحيته الكثة، التي يتصور البعض أنها رمز للإرهاب وحده. قد رأينا في مشاهد سريعة من الفيلم كل تفاصيل عملية الهجوم علي أتوبيس سياحي، وفي نهاية أحداث الفيلم رأينا بالتفصيل كيف تم اغتيال الكاتب فؤاد بينما لم ير أحد منا كيف تم اغتيال فرج فودة. 3- هذه الأفلام أتاحت فرصة التعرف علي بعض الشعائر الداخلية لهذه الجماعات، مثل الزواج والطلاق وكيف ينظر هؤلاء إلي المجتمع باعتباره كافرا، مهما كان سلوكه، بل وكيف أعطوا لأنفسهم حق استحلال أموال الآخرين، وكيف يمكن لعلي ان يشعر بالارتياح لأي شخص آخر، يتكلم عن الإيمان، ويصوم ويصلي دون أن ينتبه في البداية إلي اختلاف عقيدتهما، ولعله يدرك فيما بعد أن كل الأديان لها مفرداتها المتشابهة والمتقاربة، وان اختلفت شعائرها كالصوم والصلاة والحج. في فيلم «طيور الظلام» صور لنا شريف عرفة مع الكاتب وحيد حامد كيفية صعود واحد من أتباع هذه التيارات الذين بلغوا مكانة عالية في مجلس إدارة نقابة المحامين، وكما صور الفيلم، فإن «علي الزناتي» بدأ محاميا ماهرا في اختيار الحجج القوية التي تؤهل له الحصول علي براءة موكلته العاهرة أمام قاض متشدد، وفي بداية الفيلم يوافق أن يدافع عن العاهرة، مستعينا بالآيات القرآنية في دفاعه عمن يراها في أعماقه امرأة فاسقة، وهذا المحامي لا يلبث أن تعلو مكانته بعد أن تمنحه الجماعات، التي ينتمي إليها، المحامي فخما في وسط مدينة القاهرة، وهو يستقبل المتشددين في مكتبه، ويخطط للعمليات القادمة، وهو يفتح مكتبه من أجل إقامة قضايا الحسبة ضد الصحفيين بهدف إثارة القلق في قلوبهم، والتفريق بين كاتب وزوجته، وفي مشهد من الفيلم يزور أحد الإرهابيين المقبوض عليهم، ويتلقي منه التعليمات لعمليات إرهابية جديدة. في هذا الفيلم قدم شريف عرفة صورة لأحد أبناء هذه التيارات مخالفة لما رأينا عليه «علي» في فيلم «الإرهابي» ففي هذا الفيلم ارتدي هذا الأخير الملابس المألوفة في البداية وأطلق لحيته حتي إذا أحس بالخطر من حوله، ووكل إليه أن يقوم بعملية إرهابية، استدعي أن يقص لحيته، أما «علي» في «طيور الظلام» فهو نمط آخر، باعتباره شخصية عصرية، يشذب ذقنه، ويطلق شاربه علي غير منطوق الحديث الشريف «أطلقوا اللحية وحفوا الشارب»، وهو أنيق، جذاب، يمكن أن يجذب أي شخص لحديثه ولباقته، كما أنه لا يتردد في أن يغني إحدي أغنيات الفلولكلور «يا واش يا واش» باعتباره أنه يجيد العزف علي العود، وهو يتناول طعامه في أفخم المحلات، لكنه عندما يخلو إلي زملائه يتصرف مثلهم، وقد اتضح ذلك في توزيع أطباق الأرز باللبن، ويكشف وجها آخر مليئا بالتعصب. لسنا هنا أمام فيلم عن إرهابي، بل عن فساد الحكومة ومعارضيها معاً، كما نري كيف يتم تمويل الإرهاب، وأن الكثير من العمليات المسلحة التي يكون الصعيد مسرحا لدمائها يتم تخطيطها في القاهرة، ويصور الفيلم أن هناك تعاونا وثيقا بين الإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية وتنظيمات الجهاد، وما إلي ذلك من الذين يعلنون مسئولياتهم عن القيام بمثل هذه العمليات. في هذين الفيلمين لم نر الجانب الآخر، وهو النساء ودور أي منهن في الأنشطة المتشددة، مثلما حدث في مسلسل «العائلة» وكيف يمكن لفتاة عادية أن تدخل في زمرتهن، لكن في فيلم علي عبدالخالق رأينا زينب زوجة الطبيب المتطرف عبدالسلام، وهي امرأة لا تقل تطرفا عن زوجها؟ خاصة بعد أن مات طفلها الوحيد في كمين أعدته الشرطة بقيادة «عبدالله» شقيق زوجها، وهو الضابط الذي تسعي الجماعة للإيقاع به والانتقام منه، وهي تقف بالمرصاد ضد زوجها من أجل ألا ينفذ العملية ضد أخيه، فعندما تحس أن هناك بوادر اتفاق بين الشقيقين علي تبادل الحوار من أجل حقن الدماء فإنها تعلن عصيانها، وتحاول جاهدة تعطيل الحوار، وتسعي لطلب الطلاق ثمنا لحدوث هذا الحوار، حيث ينكشف دور المرأة في تنسيق العمليات الإرهابية. هي تبدو أكثر تشددا من بعض الرجال، باعتبارها أيضا أم تود الانتقام لوليدها الميت. قد كشف وحيد حامد دور المرأة في فيلم «كشف المستور» إخراج عاطف الطيب عام 1994، حيث ذهبت سلوي إلي زميلتها القديمة في مؤسسة أمنية، بحثا عن رئيسهما السابق، فوجدتها قد صارت تتزعم مجموعة من النساء، يترددن علي مسكنها، بهدف تلقي الدروس الدينية، لكن هذه المرأة تتلقي المكالمات الهاتفية من الخارج بما يفيد تلقي أموال لمساندة المتشددين في الداخل، في أنشطتهم المختلفة. كشف فيلم «الإرهابي» أن التطرف موجود لدي بعض طائفتي الشعب من المسلمين والمسيحيين، فهناك أسرة مسيحية يبدو فيها الزوج متدينا معتدلا، أما الزوجة فهي متشددة وتستنطق ألفاظا يرددها المتطرفون المسلحون كل بالنسبة لدينه. 4- في السينما، بدت المواجهة كأنها تتعلق بالسينمائيين المسلمين، وقد آثر المسيحيون ألا يدخلوا في المجابهة حتي لا يتم التصور أن الفنان المسيحي يرد علي الإرهاب بفيلم بالغ الجرأة، وقد كان من المفروض أن يقوم مخرج قبطي اعتاد العمل كثيرا مع عادل إمام بإخراج فيلم «الإرهابي» لكنه رأي أنه من الأنسب أن يقوم نادر جلال بالإخراج وكتب السيناريو لينين الرملي. أما «طيور الظلام» و«الإرهاب والكباب» وهو موضوع لا يناقش مسألة الإرهاب الديني المسلح بالمرة فهما من تأليف وحيد حامد وإخراج شريف عرفة، وتمثيل عادل إمام، هذا الثالوث الذي حمل علي عاتقه تقديم أفلام بالغة الجرأة فيما يتعلق بمثل هذه الموضوعات وغيرها، وقد مر مؤلف الفيلم ومنتجه وحيد حامد بالعديد من المتاعب التي تحدث عنها ضمن أحداث فيلمه «طيور الظلام» فمثلما رأينا «علي» يطلب من العديد من المحامين الشباب رفع قضايا ضد الفنانين، أو أصحاب الأقلام في أحداث الفيلم، فإن وحيد حامد قد تفرغ بعد عرضه فيلمه «النوم في العسل» لحضور جلسات القضايا التي أقيمت ضده في أكثر من محكمة، والتي شغلته تماما عن قضيته الأساسية وهي الإبداع وتقديم الجديد. أما فيلم «الناجون من النار» فهو تأليف محمد شرشر، وإخراج علي عبدالخاق، ولم يعتمد علي نجوم كبار مثل الأفلام سالفة الذكر، بل أسندت البطولة إلي شباب منهم عبير صبري، وعمرو عبدالجليل، وطارق لطفي، وروجينا، وغيرهم. 5- من الواضح أن السينما المصرية كانت أكثر جرأة من الأدب، ومن الصحافة أيضا، فسرعان ما تمت صناعة الأفلام وخاضت هذه الأفلام مناطق الألغام، واكتسبت شعبية هائلة، وفي الصحافة تبارت الأقلام في الوقوف ضد هذه التيارات، أو مناصرتها بشكل غير مباشر، وباعتبار أن السينما حرام وفن فاسد في مفهوم البعض، فإنه إذا كانت هناك أفلام دافعت عن التيارات الدينية السلفية في مواجهة الحكومة، فإن السينمائيين المناهضين لهذه التيارات هم وحدهم الذين دخلوا الساحة باعتبار أنه لم يقم سينمائي واحد بالدفاع عن هذه الاتجاهات، وان كانت هناك أفلام عديدة أظهرت هذه التيارات باعتبارها حقيقة واقعة في المجتمع، مثل بعض أفلام عاطف الطيب التي صورت الكثير من المنتقبات في قاعات المحاكم، وفي الشوارع، وأيضا في فيلم «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» لسعيد مرزوق عام 1987، لكن هؤلاء السينمائيين يحسبون مع التيار المستنير في المقام الأول، ولم يقتربوا قط من مسألة مواجهة الإرهاب المسلح. من جانب آخر فانه لا يزال هناك الكثير من السينمائيين الذين يتعاملون مع ما يحدث من حولهم بحذر شديد، ولا يودون الدخول إلي دائرة مجابهة الخطر، فكما هو معروف فإن عادل إمام قد أصبح محاطا بحراسة خاصة مسلحة، سواء علي نفقته أو لحساب الجهات الأمنية، وكان وحيد حامد ككاتب من أكثر أقرانه جرأة خاصة فيما كتبه في مسلسل «العائلة» والأفلام العديدة التي كتبها في الفترة التي يمثلها هذا البحث، وأيضا في الفترة التالية، يليه لينين الرملي ومحمد شرشر، وقد ناقشت مسلسلات تليفزيونية عدة من هذه الموضوعات في السنوات الأخرية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتفاوتت أهمية وجود هذه النصوص حسب موهبة كل كاتب، لدرجة أنه بدا للحظة أنها موجة يمكن للكثيرين السير فيها، لكن ما لبثت السينما أن مرت بأزمتها الاقتصادية التي جعلت المنتجين يحجمون عن عمل أفلام جديدة، لكن وسط هذه الأزمة، فإن نجما واحدا له شعبيته قد تصدي وحده لبطولة هذه الأفلام، ولم يفقد جماهيريته بل حققت أفلامه الأخيرة نجاحا جماهيريا كبيرا في مصر، رغم أن بعض الدول العربية قد منعت عرض هذه الأفلام، وقد أثبتت هذه الأفلام أن السوق الداخلية في مصر يمكن أن تحقق أرباحا طائلة للمنتج. بالنظر إلي الفترة اللاحقة، أو العقد الأول من القرن العشرين، فإن هذه الأفلام زحفت للعرض التليفزيوني من خلال الفضائيات بشكل مكثف، مما جدد الموضوع دوما في أطروحته، وقد عاد وحيد حامد لمناقشة ظاهرة صعود التطرف في أفلام كثيرة في العقد الأول المنصرم، وخاصة كما أشرنا، في «عمارة يعقوبيان» و«دم الغزال» باعتبار أن أحداث هذين الفيلمين تدور في السبعينات، وقد شهد هذا العقد هدوءاً مليئاً بالحذر، لكن هذه الأفلام عرضت مجددا علي شاشات القنوات المحلية، عقب انفجارات الإسكندرية في أولي لحظات العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وكأنما الظاهرة سوف تجدد نفسها، اجتماعيا وسينمائياً.

جريدة القاهرة في

04/10/2011

 

 

«المترو بولتيان» الأمريكية علي الهواء مباشرة في أوبرا القاهرة

بقلم : د. رفيق الصبان 

بالقمر الصناعي ولكن.. هاهي زرقة السماء تطل مرة أخري وهاهو القمر ينشر ضياءه ونوره علي أبراج القاهرة ومبانيها وهاهو النيل يتابع جريانه المتكبر نحو بحر عميق ينتظره وهاهي أوبرانا فخرنا القومي تطل من جديد علينا لتثبت لنا أن الفن الحقيقي لا يموت بل يبعث في كل مرة من رقاده أشد قوة وأكثر تمكنا وأعمق هدفا. عادت الأوركسترا القومية التي انتهي عقد قائدها الإيطالي وكان عليها أن تجد قائدا أخر يحل محله ويقود هذه العناصر المتمكنة التي تقدم لنا موسيقاها الرفيعة علي أيدي مجموعة فذة من الفنانين المصريين والعالميين دار الأوبرا، احتارت فيمن هو الأجدر والأكثر صلاحية وكان أمامها اختيارات ثلاثة من قائد ياباني وآخر مجري وثالث مصري تقدمهم لنا تباعا تاركة جمهورها الوفي والعالم برقائق الموسيقي يختار القائد الجديد. اختار القائد الياباني الذي افتتح هذا السباق تشايكوفسكي ليقدم من خلاله خبرته الطويلة واحساسه الموسيقي العارم .. فأمتعنا بتقديم الثروة الإيطالية ثم السيمفونية الخامسة «الحزينة» والحق يقال إنه قد أبدع في تقديم الحركة الأولي والثانية من هذه السيمفونية التي تمتاز ببطء تراجيدي حزين وشفافية روحية لا يقدر علي التعبير عنها إلا رجل ملهم لتشايكوفسكي ولكن خانه التوفيق في الحركة الثالثة والرابعة التي ملأها بزخم وحركة زائدة لم تكن لتحتاج إليها. أما طريقة قيادته فقد كان يغلب عليها الانفعال الزائد والحركة الراقصة التي لا تنقطع مما قد يسبب أحيانا ربكة لدي المتلقي تمنعه من تذوق «سريان الدم» الموسيقي في القطعة التي يقدمها. أما الموسيقار المجري فقد اختار بذكاء شديد قطعة الفها موسيقون من بلاده فأبدع وأجاد خصوصا في سيمفونية دفورجاك الثامنة التي كانت مفاجأة حقيقية للكثيرين وجعلنا نعيد اكتشافها مبهورين بعد أن ألقت السيمفونية التاسعة «العالم الجديد» للمؤلف نفسه الكثير من الظلال والتي حجبتها مؤقتا عن الجماهير المدهشة. أما قائدنا المصري «أحمد الصعيدي» فإنه خاض كعادته عالم بيتهوفن الذي يحبه فأغرقنا فيه علي طريقته التي قد يختلف حولها البعض ولكن لا يمكن نكران سيطرة الصعيدي وتحكمه في أدواته بشكل ملفت للنظر. أما حفلات «الجالا» التي تتضمن الأوبرا في تقديمها من خلال مجموعة من مغنيها الكبار الذين يقدمون وقوفا مع الأوركسترا مقاطع شهيرة من أوبرات معروفة فقد تحولت هذه المرة إلي عرض مسرحي حقيقي إذ عادت الأوركسترا إلي «حضرتها» وامتلأ المسرح بالديكورات التي تلائم عرضا لكل مقطع من هذه الأوبرات وقد امتعنا الديكور الشديد الصفاء لأوبرا موزارت «الناي السحري» كما أدهشنا ديكور زواج الحلاق بالهيئة وضخامته إلي جانب القدرة الصوتية القاهرة التي عبر عنها مغنونا المصريون خصوصا رضا الوكيل الذي يزداد نضجاً وتمكنا موسما بعد آخر ويؤكد أن لدينا حقا مغني أوبرا علي مستوي عالمي رفيع. تجديد رائع في الرؤية ومتعة لا حد لها من خلال هذا «الكوكتيل» الغنائي الموفق الذي أسعد الكثيرين. عمر خيرت عاد إلي جمهوره الذي ينتظره بشغف كما عاد صلاح غباشي بخبرته إلي موسيقاه العربية إلي جانب سليم سحاب يتنافسان في تقديم الأصوات الجديدة الشابة المشرقة. أما فرقة الباليه.. فقد عادت لتقديم رائعة موريس بيجار «الأهرامات والثورة» وجعلتنا نعيش تاريخ مصر منذ عهد الفراعنة وحتي أمجاد أم كلثوم مرورا بهذا المقطع المدهش الذي وصل فيه إبداع «بيجار» إلي القمة والذي أطلق عليه اسم التوبة، حيث يرقص راقصةعلي أنغام أغنية أم كلثوم «تائب تجري دموعي ندما» من خلال إيقاع صوفي وهو روحي لا يمكن لأحد أن يبدعه سوي هذا الفنان العبقري الذي فهم حضارتنا وشربها حتي الثمالة. فرقة الأوبرا تستعيد أنفاسها لتقدم لنا موسمها الجديد وفي انتظار ذلك تعيد تقديم رائعة «فردي» الحفل التنكري بكل زخمها وميلودراميتها المحببة وموسيقاها الرائعة. وهكذا عادت فرقة الأوبرا جميعا لتشعل النور في سماء القاهرة لتعيد للفن الحقيقي مهابته ومجده وكبريائه. وعلي الصعيد المقابل ومن خلال عروض المسرح المكشوف يستمر نادي السينما بتقديم خدماته الثقافية بتقديم روائع الفن السينمائي القادمة من انحاء العالم مضيفا إليها هذه المرة أفلاما قصيرة مصرية من إخراج شباب السينما في مصر الذين يقدمون رؤية جديدة وحسا جديدا ونظرة خاصة للسينما تدفعنا إلي الكثير من الأمل في مستقبل سينمانا الذين اسقطها مخرجوها الحاليون في هوة عميقة نرجو لها الخروج منها. وتتابع فرقة الرقص الحديث تقديم أخر أعمال «وليد عوني» «بوابة الصحراء» التي حققت نجاحا مدويا في آخر رحلاتها إلي الخارج. هذا العمل الذي سيكون مسك الختام لنشاط عوني في الأوبرا بعد أن قدم الراقص الكبير استقالته بعد كفاح طويل استمر أربعة عشر عاما، خلفه من خلاله مدرسة وراقصين واتجاه وأسلوب لم تعرفه الباليه المصرية من قبله. إنها الغصة الوحيدة في هذا العشاء الشهي الذي تقدمه لنا أوبرانا القومية التي نرجو أن يتم وأد الخلاف بينها وبين المصمم الكبير كي تعود الأدوات الموسيقية كلها إلي عزف هذه السيمفونية الفنية الرائعة التي تقدمها لنا الأوبرا في كل عام. كما أتمني من كل قلبي أن تنجح المفاوضات الجارية الآن مع أوبرا المتروبوليتان الأمريكية لعرض أعمالها عن طريق القمر الصناعي في القاهرة وأن نعود للاستمتاع بهذا الفن الراقي الذي سيربطنا مع كل التيارات الفنية التي تدور في العالم الآن.

جريدة القاهرة في

04/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)