حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فرقة النخبة 2:

من الهم الاجتماعي الى السياسي

قيس قاسم

لأسباب كثيرة مَثل الفيلم البرازيلي "فرقة النخبة" عند عرضه قبل ثلاثة سنوات تقريبا، حدثا مهما في المشهد السينمائي لهذا البلد، منها: حصوله على جائزة الدب الذهبي لمهرجان برلين السينمائي عام 2008 وشدة إقبال الجمهور عليه، إذ شاهده قرابة  12 مليون متفرج، في البرازيل لوحدها، وبالتوازي مع عروضه المحلية شارك الفيلم في مهرجانات سينمائية عالمية وعرض في أكثر من بلد خارج القارة وبشكل خاص في أوربا، الى جانب الترحيب النقدي الكبير الذي استقبل به، ولهذه الأسباب، وفي مقدمتها التجارية طبعا، توقع المهتمون بالسينما أن يفكر منتجوه بإنتاج جزء ثان منه، وهذا ما حدث فجاءت "فرقة النخبة 2" اليوم والطريق معبدة أمامها. على مستوى آخر، ولأسباب النجاح ذاتها، واجهت خوسيه باديلاس صعوبة إخراج عمل ثان متحرر من هيمنة وموروث الأول، يُشعر مشاهده ويقنعه بأنه يتابع شريطا مستقلا عن سابقه وليس هناك نقصا في حكايته يحتاج الى اكتمال تسده المشاهدة الأولى، لهذا سعى الى إحداث تغيرات في السيناريو مبتدئا بالحدث وزمانه، ومجريا تحولات على شخصياته الرئيسة، فرأيناه يبدأ جزءه الثاني بعد ثلاثة عشر عاما على نهاية مهمة "فرقة النخبة" في حماية البابا الذي جاء لزيارة العاصمة ريو دي جانيرو عام 1997، كما صار الضابط ومؤسس الفرقة الخاصة، ناسمنتو (الممثل فاغر مورا) اليوم جنرالا، وصار عنده صبيا، وانفصل عن زوجته.

المتغيرات الكثيرة في حياة ناسمنتو، رافقتها تغيرات على المستوى الإجتاعي والسياسي في البلاد ولكن مشكلة المخدرات وانتشارها ظلت كما هي بل تفاقمت الى حد شجعت بعض رجال الشرطة للتورط فيها، فازدادت بذلك درجة فساد مؤسسات خطرة مثل الشرطة والجيش وتحولت "فرقة النخبة" نفسها الى جزء من نظام سياسي سيء استغلها كوسيلة لتصفية المعارضين والشرفاء من البرازيليين ومصدرا للثراء غير الشرعي للبعض، لهذا انتقل "فرقة النخبة" من شريط مغامرة مقنع على المستوى الدرامي والتقني الى فيلم سياسي ذَكرنا بأعمال اليوناني كوستا ـ غافراس، وأن ظل طابعه الاجتماعي قريبا من فيلمي: "بلاد الله" و"ترافيك". العبور من بوابة الهم الاجتماعي، المتمثل بالفقر وانتشار المخدرات وسط أحياء حزام ريو دي جانيرو البائسة، الى السياسي، لم يغير كثيرا في لغة الصورة المستخدمة عند خوسيه باديلاس، فالطابع التسجيلي، وسرعة التقطيع وقوة المؤثرات بقيت نفسها، الجديد نجده في مناخ الفيلم الذي توزع بين هاجسي، العام والشخصي، بين المشكلات الفردية، الوجودية المتمثلة في علاقة الرجل بالمرأة وبين الآباء والبنين، وبين العام الذي يبدو لنا المشهد الواحد فيه كما لو أن حربا، أو صراعا عسكريا يجري أمامنا بالكامل، ولهذا كنا نسمع أكثر من مرة عبارات مثل: "حرب العراق" و"عملية العراق" وغيرها. ثمة معارك محسوسة تجري في المناطق الفقيرة وفي المقابل يوجد جيش منظم من رجال شرطة وعسكر يقومون بتصفية وقتل البشر بذات الطريقة التي تجري في الحروب.

قتل منفلت بحجة محاربة المخدرات وتجارها وفي الحقيقة يراد منه تقوية نفوذ بعض السياسيين الذين وجدوا في الموضوع مدخلا رحبا لوصولهم الى مراكز حساسة في بلاد تأن تحت تمايز اجتماعي وقهر صارخ لم نعثر عليه بهذا الوضوح في الجزء الأول. وعلى المستوى الأفراد ظلت بعض  الشخصيات القديمة تتفاعل مع يحيط بها، وأخرى جديدة ظهرت مثل الناشط في جمعيات الدفاع عن حقوق الانسان، استاذ التاريخ ديغو فراغا (الممثل ايراندير سانتوس) الذي تزوج من طليقة الجنرال ناسمنتو وبسبب سوء علاقة الأخير بإبنه ذهب للعيش مع والدته، وتأثر بأفكار فراغا الماركسية، حاله حال الكثيرين من الشباب وحتى السجناء الخطرين.

في الجزء الثاني ثمة اعلان صريح بتبني الوجهة اليسارية اللاتينية في معالجة المشكلات التي تواجه البرازيل والقارة بأكملها ولهذا نشب صراع مبطن بين الجنرال النزيه وبين الناشط السياسي على خلفيتين: شخصية ومهنية. فالعسكري يريد حسم الأمور على طريقته في حين يرى السياسي اليساري الأمور من منظور مختلف وهنا منبع الخلاف الذي بدأ مع المشهد الأول حين أتصل رئيس مجموعة من مروجي المخدرات في سجن بانغو وطلب توسط فراغا بينه وبين رجال الشرطة الذين أسرهم، وحين وصل كان الضابط اندريه ماتياس (الممثل اندريه راميرو) قد سبقه مع أعضاء من فرقة النخبة، لقد حدث تصادم تمثل في توصل فراغا لحل يُسلم السجين بموجبه نفسه الى القضاء خارج السجن ليحاكم أصوليا، وبين أوامر أعطيت للضابط  راميرو لإطلاق الرصاص عليه، الأمر الذي أعتبره فراغا خرقا لدوره فشبه قتل السجين ب"عملية اعدام متعمد بدم بارد" فقام من أجل هذا بحملة دعائية ضد الشرطة اتهمهم فيها بارتكاب مجزرة، على إثرها جمد الضابط وأحيل الجنرال بوصفه مسؤلا عن الفرقة الى موقع بعيد عنها، فتُركت، بهذا الاجراء، الساحة خالية للفاسدين من رجال الشرطة والسياسيين المنتفعين الذي ركبوا الموجة فظهروا في وسائل الاعلام كمدافعين عن الناس وحماة لهم ضد تجار المخدرات وقسوة الشرطة.

خلال ساعتين، تصاعدت أحداث "فرقة النخبة 2" ديناميكيا  وأنشد المشاهد الى مادة بصرية كتبت بشكل جيد صورت البرازيل اليوم، وكيف تسمح آلية جهاز القضاء فيه لتحقيق بعض العدالة أو حتى فضح ثلة من الفاسدين في نظامه ولكنها في المقابل لن تُغير هيكيلية الدولة حتى في ظل تحالف الضباط الشرفاء والسياسيين اليساريين مثل فراغا وناسمنتو، فالمسألة أبعد من حكاية فرقة شرطة نشأت معافاة وحاربت المخدرات وتجارها، ثم سرعان ما تحولت الى وسيلة لقتل الناس والربح السريع، فالأمر في النهاية كما قال خوسيه باديلاس، سينمائيا وبرؤية واضحة، يتعداها الى نظام سياسي وقضائي لا إمكانية لإصلاحه إلا بتغيره جذريا.

الجزيرة الوثائقية في

08/09/2011

 

جان فيغو : الصورة الوثائقية من صنع الممثل أيضا

فجر يعقوب 

حقق المخرج الفرنسي الشاب جان فيغو “ 1905 – 1934 في حياته القصيرة أربعة أفلام فقط. فيلمان وثائقيان : “ حول نيس  “ 1929 – و” تاريس “ 1931 ، وبالطبع هناك فيلماه الروائيين “ صفر على السلوك “ 1932 – و” أتلانتا “ 1934. أربعة أفلام و" مجد " حياة قصيرة كأنها اقتطعت خلسة من شمس الغيب، ولم تنذر صاحبها بقرب أفولها أو انشطارها بين ماهو جحيم أرضي مفترض، ولعنات لا تفارقه، شأنه شأن مواطنه جان أرثر رامبو، إن أردنا أن نبحث عن سميّه، ونسميه، في قاموس الفن الخالد. أربعة أفلام كانت كافية لتحجز له مكانا رفيعا تحت قبة الفن السابع. مات شابا مبكرا وهو لم ينتظر من حياته الآفلة مبكرا سعادة الاعتراف به. لم يذق هذا الطعم في أيامه الشقية التي عاشها مكربا وتعسا وقلقا بالكاد يجد ساعة هناء واحدة ليغمض فيها له جفن متعب وقلق لا يلبث يحوم في ساعات الليل والنهار من حوله . أفلامه  أصبحت معروفة بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أخذ السينماتيك الفرنسي على عاتقه مهمة البحث والتحقيق في نتاجات سينما ما قبل الحرب. وكانت قد تحملت حكم الزمن دون رحمة، وهي حفظت ذلك الجزء المنير الخفي لجان فيغو، الذي لم تسمح أوضاعه الحياتية من أن تظهره مرة واحدة.

في بداية ثلاثينات القرن الماضي التي وصفت بالسنوات العجاف في السينما الفرنسية كان يكفي ظهور فيلم ليصبح حديث الأوساط الفنية والثقافية والسينمائية، ويتم الاعتراف به وتتويجه بوصفه حدثا غير مسبوق. نتاجات جان فيغو تحفل بأسلوبية “ المراقبة المستمرة “، وهو صاحب نظرة حادة في التمعن بالفروقات الاجتماعية، حتى أن أحدا من رجالات السلطة أو الأغنياء في ذلك الزمن الصعب لم يسلم من الشرر المتطاير من هذه النظرة، فهو لم يوفر أحدا إطلاقا. ما دفع بهؤلاء إلى محاولات إخماد صوت هذا الفنان في المهد، وربما نجحوا إلى حد ما في تغييب أفلامه فترة من الزمن قبل أن يبدأ الناس تدريجيا بالتعرف إليها في النوادي السينمائية.

ولد جان فيغو عام 1904 في عائلة تعود إلى الفوضوي المتمرد المعروف باسم ألميريدا. وهو قد عارض الحرب ومات ميتة تراجيدية في السجن. وعرف فيغو الابن الشقاء والعوز والحرمان كما لم يعرفهم طفل في مثل سنه. وقد ظهرت ذكرياته الأليمة عن تلك الفترة في أول فيلم له، ما دفع النقاد والمؤرخين إلى الحديث عن تناقضات وشروخ نفسية حادة يعاني منها فيغو جراء الاضطهاد الذي لحق به. في كتابه الأشهر “ تاريخ السينما في العالم “ قال جورج سادول إن فيلم “ حول نيس “ هو قوة تهديمية ضخمة غير مسبوقة، وأول فيلم وثائقي ذي صبغة اجتماعية، ولم يشكل بروتوكولا سينمائيا جديدا وحسب، بل ظهر بوصفه تغطية مثيرة لما يحدث حول فيغو، فهو لم يتورع من تكريس التناقضات في عمله هذا : الزيارات الكرنفالية، والتراسات المشمسة بالمقارنة مع الفقر المرعب في المدينة القديمة. وقد وجد الشاب فيغو في قدرة الكاميرا على التوثيق إمكانية هائلة في كشف هذه التناقضات في الوضع الاجتماعي القائم آنذاك. وقد تمكن بحذق من أن يظهر الحياة دون تنميق أو تزويق وبفنية محلقة صانعا من اللغة السينماتوغرافية الخاصة به “ الأنا العليا التي تتحكم في رمزية هذا الزمن، وقد أخذ على عاتقه أن يرويه لنا في أفلامه، كما لو أنه محض مطابقة له مع تصوراتنا عنه في أسلوبية سينمائية رفعت من سوية المنتج الفني الذي يقدمه  فيغو هنا . ولو أردنا أن نبحث عن دليل يقوي من هذا الكلام، فإنه يتوجب علينا أن نختار مقدمة  فيلم “ صفر على السلوك “. يسافر مواطنان عائدين من قضاء عطلتهما، وما يفعله فيغو معهما هو تحديد الحالة الاجتماعية الخاصة بهما منذ اللقطات الأولى عند أعلى مستوى. وفي هذه الوضعية السينمائية الخاصة يظهر تدريجيا عنصر الغموض والفانتازيا في الحكاية. المسافران لديهما قدر فجائعي يحاكمان الأشياء من خلاله، فيما بقية المسافرين، وهم فتيان يدخنون السجائر ويتحدثون عن ألعابهم. الوضع من حول الجميع يزداد تعقيدا، وتفقد الموضوعات أهميتها الواقعية بالتدريج. أما النظرات الجانبية للأولاد، فإنها تتحول إلى نظرات جوانية. هذا لم يعد العالم الذي يحيط بهم، وانما تصوراتهم عنه. هنا يكمن جوهر أسلوب فيغو في الثقة المحضة بين تأهيل للفانتازيا والواقعية في توحيد بليغ لما يمكن أن يقدم عليه هذا المخرج صاحب الأسلوب الغامض والمدهش.

بعض مؤرخي السينما يعتقدون أن فيلم “ سلوك على الصفر “ يعكس طفولة جان فيغو المعذبة. وهو يغص بذكريات حيّة عن الإجحاف والاضطهاد الذي لقيه في المدرسة من المدرسين والخوف الدائم من العقوبة وقلة الطعام يغذيها نزوع طفولي نحو تمرد فوضوي. هنا فيغو كان يتحرك على حد السكين، ويتأرجح بين التوثيق الواقعي الحي والسوريالية المحضة، ولم يكن يشعر بالامتلاء من كلتا الحالتين، فدائما كان يغير من وجهة نظر الكاميرا حتى في عز انشداه إلى أسلوبية تقع بينهما. هذه هي حياة جان فيغو يعكسها من خلال وجهات نظر الأطفال الذين يظهرون في ملامح فانتازية محكمة. كل ما سيحدث في الصور التالية سيضيف أفعالا غرائبية على مجرى الأحداث: قمصان بيض للطلاب، وقطن أبيض يتطاير من المخدات مثل الثلج الأبيض." صفر على السلوك " يقف ضد النظام التعليمي الفاسد وسلطة الدولة، وهو فيلم بمحتوى جديد يظل جديدا طالما أنه يصبح مجهولا بين الفينة والأخرى، وهذه لا تصح إلا في حالة فيغو نفسه.

بالطبع أعيد اكتشاف الفيلم الروائي الآخر “ أتلانتا “ بعد الشقاء الذي حلّ بـ “ صفر على السلوك“، فقد وافق فيغو على تحقيق سيناريو مستلهم من أدب الرصيف. جولييتا زوجة  شابة لقبطان ترافقه على متن مركبه، وهو يريد أن يأسرها في عالمه البحري، وبالرغم من أن مظهره ليس جميلا، وهو فظ وخشن وأحيانا يجن من تصرفاتها، ولكنه صاحب قلب طيب لا يريد منها سوى الانتصار لعالمه، ولكنها لا تحتمل، فعند أول فرصة سانحة تغادر البحر إلى أضواء باريس وتغرق فيها مع أول شاب تصادفه بعيدا عن عوالم  جول. السيناريو سمح لفيغو بالبحث في جوهر سينما "الأفانغارد"، وبالرغم من  رغبة السيناريست في أن يعكس الفيلم المحتوى الاجتماعي للحكاية، حوّله المخرج إلى وثيقة حقيقية عن المجتمع والزمن، وظهرت الملامح الخاصة بأبطاله ممتلئة ودقيقة، وظهرت وجوهم قوية بما يكفي للقول إن علاقة فيغو بممثليه كانت تعكس أسلوبية جديدة في كيفية التعامل مع الممثلين من خلال تعاطيهم مع رموز واقعية محضة، وبرؤيا أقل ما يقال فيها إنها رمزية بحتة.

يمكن القول إن فيغو آمن بالمشاعر الطيبة للناس العاديين، وفي عزلتهم من الحياة نفسها، واستطاع أن يكتشف واعيا "شعرنة" الحياة اليومية من خلال مراكمة القسوة في التفاصيل، وتمكن من رسم صور قاتمة  للعاطلين عن العمل الذي كان يصورهم أحيانا بكاميرا خفية. لقد تمكن فيغو من تصوير عالم الرغبات بين حدي الواقع والخيال، وخلط كل ذلك في وحدة شاعرية وجمال روحي يخفي وراءه وجوه البسطاء والناس العاديين فقط. ولا يمكن القول إن أفلامه قطعت خيوطها مع التوجهات الجمالية للأفانغارد في عشرينيات القرن الماضي. بل وجاء المحتوى الاجتماعي لأفلامه غارقا في بحر من التناقضات الحادة، وهذا دفعه أكثر للغرق في الهام شاعري ونظرة غنائية حارقة، لايبزها سوى تعقيدات التوثيق الفانتازي والتفضيلات السوريالية التي كانت تعكس إشارات مقلقة وتمرد فوضوي وشعور عارم بعدم الرضا.

ظل جان فيغو منغلقا على ذاته أكثر من أي مخرج فرنسي آخر. لم يكن في وضعية مفرحة ليبتسم ويراوغ مشاهديه. ربما لم يهتم بكل تلك الوضعيات التي ينشدها المخرجون الآخرون من تملق هؤلاء المشاهدين، كتلك التي بحث عنها مثلا رينيه كلير في كوميدياته، فيما ظل هو يغرق في "سلام" رعب داخلي، والشيء الوحيد الذي يجب أن يقوم به مشاهد أفلام هذا الشاب التعس هو تملك إحساسه العظيم بالسينما، فهو لم يوفر طريقة  للغرق في واقع مرتبك وقاس وعنيف ومتوحش عن طريق الإحساس الشاعري الملهم بقوة الصورة الوثائقية حتى حين تكون من صنع ممثلين وممثلات.

الجزيرة الوثائقية في

08/09/2011

 

"المؤامرة" تهيمن على وثائقيات الحادي عشر من سبتمبر

محمد موسى 

تستعد عدة قنوات تلفزيونية أوربية لعرض الفيلم التسجيلي الأمريكي ( المولود مجددا) يوم الأحد القادم. أي في الذكرى العاشرة لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر التي ضربت مدينة نيويورك الأمريكية. ويتبع الفيلم، الذي أخرجه الأمريكي جيمس وايتتيكير، وخلال العشر سنوات الفائتة، قصص خمس من أبناء المدينة، من الذين قضت تلك الاعتداءات على مقربين لهم، ليسجل الفيلم الطريق الذي سلكه كل منهم للتعاطي مع فقده الشخصي المأساوي، من دون إغفال الاقتراب من الجرح الغائر الآخر، الذي تركه الاعتداء على قلب مدينة نيويورك بروح سكانها.

ورغم القائمة الطويلة للأفلام التسجيلية التي تعرضت لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن فيلم (المولود مجددا) ينضم إلى قائمة محدودة من الأفلام التسجيلية التي قاربت حياة أبناء مدينة نيويورك، بعد يوم الحادي عشر من سبتمبر، واهتمت بتسجيل حياتهم، حزنهم، تصدع مفاهيم الأمان بينهم، علاقتهم الجديدة مع المدينة، التي كانت تعتبر واحدة من  أكثر مدن العالم أثنية وانفتاحا. فابرز مخرجي السينما التسجيلية الأمريكية، مايكل مور، وجد في الأحداث، مناسبة لتوجيه هجائه السينمائي الأكبر حتى ذلك التاريخ، لشيطانه الشخصي (جورج بوش)، وليتجه فيلمه ( فهرنهايت 11 من عام 2004 ) ليكون شريط اتهامي للحكومة الأمريكية الجمهورية. ليس بقدر الأفلام التسجيلية التي ستشيع بشكل كبير بعده، وتتهم أجهزة مخابراتية أمريكية بالوقوف وراء (الحادي عشر من سبتمبر)، لكن اتهام "مور" لا يقل خطورة، فهو يوجه الانتباه لعلاقات عائلة بوش السياسية مع عائلة أسامة بن لادن نفسه والعائلة المالكة السعودية، بأنها وراء التراخي الأمني، الذي انتهى باختطاف الطائرات، وتوجهها إلى أهدافها في صباح الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

وإذا كان الكثيرون قد شاهدوا وسمعوا بفيلم مايكل مور (فهرنهايت 11)، والذي حصد جائزة أفضل فيلم في مهرجان كان السينمائي لعام 2004، فإن قليلا فقط من الاهتمام الإعلامي اتجه إلى واحد من أكثر أفلام الحادي عشر من سبتمبر تأثيرا، ففيلم ( الرجل الهابط) للمخرج هنري سيجنر والذي عرض عام 2006، الذي ينطلق من البحث عن هوية صاحب الصورة الشهيرة التي التقطها مصور فوتوغرافي من وكالة (أسوشيتد برس) الإعلامية، لرجل قذف بنفسه من أعلى أحد برجي التجارة العالمي، هربا من النيران التي اشتعلت فيه، بعد اصطدام الطائرة، وقبل انهياره. يمر بحساسية مدهشة على أحزان عوائل بعض الذين قتلوا في البرجين، والذين لم يجدوا أي آثار لأقاربهم. لا يملك الفيلم، غير الصورة الشهيرة التي لا تظهر وجه الرجل ، لكن بدراسة الثياب التي كان يرتديها، ينجح بالاقتراب من تحديد شخصية الرجل المحتملة، لكن من دون تأكيدات جازمة. لتبقى الصورة، التي منعت  معظم التلفزيونيات الغربية عرضها لقسوتها، واحدة من رموز  يوم الحادي عشر من سبتمبر، والرجل الذي ربما كان أحد العاملين في مطعم على سقف احد البرجين ، الضحية المجهول لذلك اليوم.

ما يلفت الانتباه في معظم الأفلام التسجيلية التي تناولت حادثة الحادي عشر من سبتمبر، هو محدودية المشاهد الأرشيفية التي صورت الحرائق في برجي التجارة أو سقوطهما وردود أفعال الناس المتجمعين في محيط البنايات، والتي تم توظيفها في سياق تلك الأفلام، هذا باستثناء الأفلام التي اعتمدت بالكامل على أفلام صورها هواة للأحداث وقتها، كفيلم (102 دقيقة غيرت أمريكيا) والذي أنتجته قناة (History) التلفزيونية. وكأن قوة تلك المشاهد العديدة، والذهول الذي أصاب العالم أثناء المشاهدة الحية لتلك الصور القاسية، جعل استعادتها دون ضرورات بنائية، خطوة غير مرغوبة، بل وتبعث على الكثير من عدم الارتياح ، للأهمية المتصاعدة لما عنته تلك الساعات من الزمن، للعالم  الذي تسمر أمام شاشات التلفزيون. وحساسية التعامل اللامبالي معه.

المؤامرة....

يفوق عدد أفلام نظرية "المؤامرة "، والتي تلقي باتهاماتها على أجهزة مخابراتية أمريكية وحتى إسرائيلية بتدبير ما حدث في يوم الحادي عشر من سبتمبر، مجموعة الأفلام التسجيلية التي تهتم بالجوانب الإنسانية من الأحداث. هي أيضا ظهرت سريعا وبعد عام فقط من الاعتداءات، أحيانا بجهود شخصية، بسبب رفض المناخ العام بالمساعدة على إنتاجها وعرضها، لما تتضمنه من نتائج، تخلل الشعور الجمعي الغاضب، على تنظيم القاعدة، والذي أعلن عن مسؤوليته عن الأحداث، وبعد ساعات فقط من انهيار مبني التجارة العالمي.

وإذا كان الإعلام التقليدي امتنع  عن عرض هذه الأفلام، أطلت هي بدورها  من الإعلام البديل، حيث وجدت جمهورها المثالي في شبكة الانترنيت. وحققت من هناك أرقام مشاهدة عالية جدا، أقلقت أحيانا محطات تلفزيونية جادة ضخمة، خاصة أن الأفلام تلك وجهت اتهامات إلى قنوات مثل (بي بي سي) وغيرها بالتواطؤ مع الرواية الأمريكية الرسمية، الأمر الذي دفع محطة تلفزيونية مثل قناة (بي بي سي) الثانية، لتخصيص فريق كامل لإنتاج فيلم تسجيلي عن النظرية، حمل عنوان  (ملف المؤامرة) عرض بعد ثلاث سنوات من الحادي عشر من سبتمبر. ومؤخرا عادت القناة نفسها إلى "تقييم" حلقتها السابقة، بحلقة جديدة عرضت قبل أيام قليلة فقط على شاشة القناة، وكجزء من موسم كامل من البرامج التي أعدت بمناسبة عشر سنوات على الأحداث.

تفشل معظم أفلام "المؤامرة" هذه، من التحليق أعلى من مستوى الجدل الدائر منذ سنوات على شبكة الانترنيت بين أنصار النظرية، وتمسكهم بأدلة، تم تحديها بكتب وتحقيقات صحفية جادة عديدة. كذلك لا تخطو كثير من هذه الأفلام، وبسبب ضعف إمكانياتها، وأحيانا تشنج صانعيها، خطوة تقترب من الجمهور الواسع، تفسر بجدية الدافع الشديد الإلحاح الذي ربما دفع مخابرات دولة عظمى لقتل أكثر من ثلاث آلاف شخص في نيويورك.

كأمثلة على هذه الأفلام : فيلم (11-9 شهود عيان ، من عام 2007) للمخرج ريغ سيجال وفيه يتم ربط شهادات ناس كانوا قريبين من الأمكنة التي شهدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مع نظرية "المؤامرة". فيلم (11-9 أعلام مزيفة ) للمخرج فيل مارشال والذي ينطلق من حرب العراق، لدراسة سجل حكومات غربية في افتعال حروب، باختلاق قصص واستخدام الأعلام أحيانا لتجييش الرأي العام. فيلم (11-9 ألغاز) ، والذي يركز على دحض روايات الإعلام الرسمي الأمريكي التي تخص الاعتداءات. فيلم (الرابط المفقود) بنسخه المختلفة. وهو أكثر أفلام نظرية "المؤامرة" شهرة، بسبب طول الفيلم، والأدلة التي يقدمها، ومنها ما يعود إلى بدايات عقد الستينات من القرن الماضي، إذ يكشف وثيقة أرسلتها وكالة الاستخبارات الأمريكية، ورفضتها حكومة الرئيس الراحل جي اف كينيدي، تقترح فيها بضرب مباني حكومية، وإلقاء اللوم على متعاونين مع الحكومة الكوبية الوليدة وقتها، كمقدمة لحرب على نظام الجزيرة الشيوعي.

ودفع حماس وإخلاص مريدي نظرية المؤامرة حول العالم، مخرجين تسجيلين، لانجاز أفلام تتعرض لهذه الظاهرة، وعن الذين يقفون وراء الترويج والدفاع عنها في السنوات التسع الأخيرة. من ابرز تلك الأعمال: الفيلم التسجيلي البريطاني (الفيل في الغرفة) للمخرج ديين بوكيت والذي عرض في عام 2008 .يبدأ الفيلم رحلته من بريطانيا، حيث يلتقي بريطانين أطلقوا من قراهم ومدنهم الصغيرة، حملة على شبكة الانترنيت، تطلب من الحكومة البريطانية الضغط على حليفتها الأمريكية لإجراء تحقيق مستقل. وهو المطلب الذي يشغل أنصار "المؤامرة" في الولايات المتحدة الأمريكية، والذين رفضوا بشدة نتائج التحقيقات الحكومية التي تمت في ظروف تحيطها الريبة، كما يرى من قابلهم الفيلم، الذي انتقل في نصفه الثاني إلى مدينة نيويورك، وقابل، بعض شهود الأحداث، والذين تحولوا في السنوات الأخيرة، إلى "مراجع" للمدافعين عن نظرية المؤامرة. كالحارس الذي كان يعمل في إحدى البرجين، والذي يؤكد أن التيار الكهربائي قطع عن بنايات مركز التجارة العالمي لليتين متتاليتين قبل الحادي عشر من سبتمبر، وان مجموعة غريبة كانت تدخل المباني لساعات في الليل. وهو الأمر الذي يؤكد ما تزعمه نظرية المؤامرة، بان انهيار المباني يوم الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن بسبب الحريق، الذي سببه تصادم الطائرات، وإنما بفعل قنابل خاصة تم وضعها في المبنى قبل أيام من يوم الاعتداءات.

ورغم أن أفلام "المؤامرة" التسجيلية تنطلق من روايات ونظريات، بعضها يهيج أسئلة جدية، إلا أنها، وخاصة الجيدة منها، تنتهي بكشف بعضا من السخط العميق الذي يحمله أمريكيين لحكومتهم، لحروبها الشرق أوسطية، وعلاقتها الجدلية مع إسرائيل. في حين تؤكد أفلام مثل (الفيل في الغرفة) على "وطنية" كثير من أنصار "المؤامرة"، وليس كما يصفهم الإعلام الأمريكي الشعبي، بأنهم "ليبراليون فاسدون". فالفيلم الأخير ينقل تجمعا لمجموعة من أنصار نظرية المؤامرة في احد شوارع مدينة نيويورك، و نقاش لأحد أنصار "المؤامرة" وسيدة "ساخطة" على التجمع، كانت تصف الموجدين فيه بخيانة ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، ليبرز لها شاب صور قريب له قتل في ذلك اليوم، وبأنه مثلها تماما يريد معاقبة الجاني، لكنه على النقيض منها، يرى أن الجريمة لم تحك خيوطها في أفغانستان، بل  في مباني حكومية أمريكية سرية!

الجزيرة الوثائقية في

08/09/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)