حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«أيام السينما المغربية»: المسكوت عنه، ولكن...

تجارب شابة على المحكّ في المهرجان البرليني

ابتسام عازم

تسعة أفلام شاركت في تظاهرة احتفائية بالسينما المغربية، اختُتمت أمس في برلين. فرصة ثمينة لاكتشاف تجارب شابة لا تخلو من راديكاليّة، في طرحها لقضايا شائكة مثل حقوق المرأة والقمع السياسي والمجتمع البطريركي... رغم افتقارها أحياناً إلى العمق الفكري والنضج الفنّي

برلين | تحت شعار «التحول والتنوع»، اختتمت أمس «أيام السينما المغربية في برلين» التي أقيمت بين أوّل أيلول (سبتمبر) والرابع منه، في سينما «أرسنال»، بالتعاون مع «مركز الشرق المعاصر». في معرض تقديمهم للتظاهرة التي أُعدّ لها قبل اندلاع الربيع العربي، وصف المنظمون الأفلام التسعة التي اختيرت للمشاركة بأنّها أعمال مخرجين ومخرجات مغاربة أُنجزت بين عامي 2001 و2010 تخترق التابُوات الاجتماعية، وتتناول مواضيع تعكس التحولات الاجتماعيّة والسياسيّة التي شهدها المغرب في السنوات العشرين الأخيرة. ولفت المنظمون إلى أن تلك الأفلام تغوص في قضايا حقوق المرأة والإنسان والمعتقلين السياسيين، وتفكّك البنية البطريركية، من دون أن تغفل تناول مسألة الثقافة الأمازيغية.

تخللت العروض نقاشات، بحضور ثلاثة من المخرجين الذين عرضت أفلامهم: ياسمين قصاري (الراقد ـــ 2004)، وسهيل نوري («أبواب الجنة» لسهيل وعماد نوري ـــ 2006)، وطلال السلهامي (أيام الوهم ـــ 2010). كذلك، حضرت نفيسة السباعي منتجة «العيون الجافة» (2003) لنرجس النجار (راجع المقال أدناه)، وقد وقع عليه الخيار ليكون الفيلم الذي يفتتح «أيام السينما المغربية» في برلين.

تدور معظم أحداث هذا الشريط الروائي في إحدى القرى النائية في منطقة الأطلس، حيث كل نسائها يمارسن الدعارة، ولا يدخل الرجال هذه القرية إلا لهذا الغرض. يبدأ الفيلم بالإفراج عن السجينة مينا التي غابت عن القرية ثلاثين عاماً ثم عادت إليها في محاولة لتعليم بنات القرية مهنة غزل السجاد، للتخلص من الدعارة. لكن ابنة مينا ستقف بالمرصاد لوالدتها، هي الابنة الناقمة على وضعها من دون أن ترى أي معنى لتغيير واقعها وهجر مهنة الدعارة.

أكثر الممثلين في فيلم نرجس النجار هم من النساء الكومبارس اللواتي يسكنّ المنطقة التي صوّر فيها العمل، باستثناء الشخصيات الرئيسية الثلاث: مينا والابنة والسائق المرافق للأم الذي يدخل القرية معها بحجة أنه ابنها. هذا الفيلم الذي عرض في «مهرجان كان السينمائي الدولي 2003»، أثار الكثير من السجال في المغرب، بسبب نظرته الراديكاليّة والصداميّة إلى المجتمع الذكوري. وبعيداً عن رد الفعل المحافظ على العمل، رأى بعض المنتقدين من موقع آخر، أن المخرجة استغلّت القرويات، وغرّرت بهن، من دون أن يعرفن أنهن يمثلن أنفسهن... بل إنّ الفيلم سبّب الكثير من المشاكل العائلية لبعضهن. أما ليلى كيلاني، فتتعامل مع السينما التسجيليّة كوسيلة لطرح قضية أخرى شائكة في المغرب، لا تقلّ إثارة للجدل عن سابقتها. في «أماكننا الممنوعة» (2008)، ترافق المخرجة أربع عائلات مغربية في رحلة بحثها عن حقائق تتعلّق بأبنائها الذين اختفوا خلال «سنوات الرصاص» في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته وثمانينياته. خلال تلك المرحلة القاتمة والمديدة، غُيِّب عشرات الآلاف من المعارضين لنظام الملك الحسن الثاني. وترصد الكيلاني تحرّكات العائلات الأربع بعد تأسيس «هيئة الإنصاف والمصالحة» عام 2004، تحت حكم محمد السادس.

أما «الرعب»، فكان محور «أيام الوهم» لطلال السلهامي. اختار المخرج الشاب معالجة موضوع بطالة الشباب بطريقة سينمائية روائية، يغلب عليها طابع الخيال وما يعرف بـ«سينما النوع». وتدور أحداث الشريط حول أربعة شباب وشابة، من مجالات تخصّص مختلفة، يتنافسون في ما بينهم للحصول على وظيفة في شركة عالمية افتتحت فرعاً لها في المغرب. وبعد مقابلة مع أحد المسؤولين في الشركة، يجد المرشحون الخمسة أنفسهم وسط الصحراء لتبدأ رحلة فظيعة، تدفع كلاً منهم إلى القضاء على الآخر. لا تخلو رحلة التيه في الصحراء من سفك دماء، على يد شخصيات غريبة، أشبه بـ«الزومبي» الآتين من عالم آخر.

سونيا حجازي من «مركز الشرق المعاصر» المشارك في تنظيم المهرجان، قالت إنّ «اختيار الأفلام جاء لكونها تتناول موضوعات تثير الجدل في المجتمع المغربي وتخرق الصمت، ولكونها أفلاماً ذات قيمة فنية عالية من نظرنا. كذلك، الكثير منها حصل على جوائز أوروبية معروفة». أما المنتجة الألمانية إيريت نايدهارت («ميك للتوزيع») التي تابعت العروض والنقاشات التي تناولتها طوال المهرجان، فترى أنّ هناك إشكالية كبيرة في اختيار قسم من الأفلام المعروضة. فتلك الأفلام «تفتح نافذة على مواضيع شائكة، لكن من دون أن تعالجها بعمق». وتضيف إيريت التي تعرف السينما العربيّة عن كثب (منتجة «سمعان بالضيعة» لسيمون الهبر)، أنّ الحوارات والحبكة الدرامية ضعيفة في الكثير من هذه الأفلام. كذلك فإن الفوز بالجوائر الأوروبية أو غيرها، لا يعكس بالضرورة جودة الأفلام على حد تعبيرها.

وترى نايدهارت أنّ «اختيار أغلب الأفلام يعكس طريقة صنعها، أي أنّ الأعمال تخاطب في نحو رئيسي جمهوراً أجنبياً. ورغم أنها مصنوعة من مخرجين مغاربة، إلا أنني لم أشعر، في قسم كبير منها، بتمكن هؤلاء السينمائيين من الاقتراب من شخصيات أفلامهم، فضلاً عن أن نتاجهم لا يدخل في عوالم هذه الشخصيات، ولا يغور في أعماقها».

في كل الأحوال، يمكننا القول إن «أيام السينما المغربية»، ربحت أحد رهاناتها؛ إذ استدرجتنا إلى نقاش بشأن فخاخ عرض المواضيع الجريئة من دون الغوص فيها بعمق وشجاعة حقيقيتين. وسلّط المهرجان البرليني الضوء على معضلة مهمّة تثقل كاهل السينما العربيّة الشابة عموماً، ألا وهي اللغة السينمائية الناضجة التي لمسناها في قسم كبير من الأفلام المشاركة!

الأخبار اللبنانية في

05/09/2011

 

«عاشقة الريف»:

نرجس النجار تواصل مواجهة المحظور

عماد استيتو 

الرباط | يلقّبونها في المغرب بالمخرجة المتمرّدة، بسبب ملامستها المناطق المحرّمة والتابوهات في أفلامها، لكنّ بعضهم يشبّهها بنظيرتها المصرية إيناس الدغيدي للإشارة إلى افتقار أفلامها إلى العمق لمصلحة الجانب الفضائحي. أما هي، نرجس النجار، فترفض لعبة المقارنات، وتكتفي بالقول إنّها مخرجة ترفض كل أنواع القيود التي تحدّ من الحرية. ما يأخذها حكماً إلى النبش في المحظورات التي تحيط بقضايا المرأة المغربيّة.

هكذا تواصل المخرجة المغربية نرجس النجار (1971) إثارة الجدل، ومراكمة النجاحات. بعد «انهض يا مغرب»، و«العيون الجافة» (راجع المقالة أعلاه)، تعود في الفيلم الجديد إلى تيمتها الأثيرة، أي واقع المرأة المغربية. شريطها «عاشقة الريف» مقتبس عن رواية والدتها الكاتبة المغربية الفرنكوفونية نفيسة السباعي «نساء في صمت»، ما يجعله عملاً عائلياً بامتياز.

الفيلم الذي يُتوقّع أن يثير جدلاً واسعاً لدى عرضه قريباً في الصالات المغربية، صُوِّر بين مدينتي الدار البيضاء وشفشاون. ويدور حول شخصيّة آية، الفتاة العشرينية التي تنحدر من مدينة شفشاون في منطقة الريف. يغوص العمل في معاناتها اليومية لتحصيل المال، في منطقة جبلية معروفة بزراعة شتى صنوف المخدرات. سيدفعها شقيقها إلى عالم المخدرات، وتقدم على جريمة قتل تحت تأثير الضغوط والظروف النفسية الصعبة التي تعيشها، فيُحكم عليها بالسجن عشرة أعوام.

هنا، تكشف نرجس النجار العالم الخفي لسجن النساء ومعاناتهن وحياتهن ضمن قالب درامي. تؤدي دور آية الممثلة المغربية الواعدة نادية كوندا، فيما يتقمّص مراد الزكندي دور تاجر المخدرات. وتلعب وداد الما دور راضية صديقة آية، إلى جانب كل من عمر لطفي ونادية نيازي.

وإذا عدنا إلى رواية الأم، فإن نفيسة السباعي تطرقت إلى زمن ما بعد استقلال المغرب والقيود الصارمة التي كانت تكبل حرية النساء، وخصوصاً في منطقة الريف. الرواية التي صدرت عام 2004 وعرّبتها الزهرة رميج، تؤرخ لزمن الظهور الأول لحركات التحرر النسائية في المغرب، وبداية مطالبة النساء بحقوقهن في مجتمع منغلق بعد الاستقلال. إنّها رواية ثائرة بامتياز، ألهمت ابنتها بعد سنوات لتقتبس عنها عملها الجديد، الذي شارك فيه فريق تقني وفنّي من بلجيكا، وكلّف إنتاجه مليوناً ونصف مليون يورو.

تأمل النجّار من خلال تجربتها الجديدة، مواصلة تيمتها الأثيرة المتمحورة حول معاناة المرأة وصراعاتها، في مجتمع ذكوري. وقد رأينا ذلك في شريطها السابق «العيون الجافة»، الذي عرّج على الدعارة في المغرب، ونظرة المجتمع التي لا ترحم. فهل يحقّق «عاشقة الريف» هذا النجاح ؟ الإجابة بعد انطلاق الفيلم في الصالات المغربيّة.

الأخبار اللبنانية في

05/09/2011

 

حوّاء الجديدة حسب بيدرو ألمودوفار

سمير يوسف  

في فيلمه «الجلد الذي أسكن»، يستعيد المعلّم الإسباني تيماته الأثيرة عن القلق والوحدة والهوية والجنسية، مستأنفاً التعاون مع بطله أنطونيو بانديراس

بروكسيل | في فيلمه الجديد «الجلد الذي أسكن» الذي طرح أخيراً في الصالات الإسبانية والأوروبيّة، وسيوزّع الشهر المقبل في الولايات المتحدة الأميركية، ينهمك بيدرو ألمودوفار في إعادة إنتاج حوّاء الجديدة. يستعيد قضايا عوّدنا إياها المعلّم الإسباني في أعماله السابقة بدءاً من القلق، والوحدة، والهوية الجنسية، والخيانة، والموت، وفساد الإنسان السلطوي، والانتقام، وصولاً إلى الانغلاق حدّ الهوس. علماً بأنّ الشريط يستند إلى رواية «ميغال» للفرنسي تييري جونكيه (2003) التي صارت «تارنتولا» في الترجمة الإنكليزية.

وبعد انقطاع طويل، يعود أنطونيو بانديراس للوقوف أمام كاميرا ألمودوفار، مجسداً دور روبرت ليدغارد المتخصّص في جراحة الجلد. في «الجلد الذي أسكن» الذي عرض في «كان» الأخير ولم يحصد أيّة جائزة، نرى فيرا (إيلينا آنايا) العارية تنام على سريرها، بينما يجلس الدكتور في الغرفة المجاورة ويشاهدها على الشاشة. هذه المرأة التي تعيش دوماً داخل مختبر الدكتور الخاص، ليست سوى نسخة طبق الأصل عن امرأته التي توفيت منذ 12 عاماً. تمكّن الدكتور ليدغارد من تحويل فيرا من مشروع إلى «أيقونة» متكاملة الجمال تمثّل إنجازاً طبّياً باهراً، لا يمكن أن يباع في السوق لأسباب قانونية وأخلاقية.

ألمودوفار واحد من هؤلاء الذين يتقنون فنّ السرد. سيناريو الشريط تقليدي وسهل، يتوزّع على زمنين: الماضي والحاضر، وكلّ منهما يسرد قصّته على حدة. لكن بعيداً عن القراءة الروتينية لنصّ الإسباني التي غالباً ما تكون ظرفية ومقرونة بكلّ صور العنف والدم، يمكننا القول إن طريقة السرد البسيطة لم تمنع الكاتب من إرسال إشارات مختلفة، جاء بعضها ضعيفاً للأسف: من هي المرأة الجديدة؟ ما هي هويّتها؟ ماذا تساوي سلطتها أمام سلطة الرجل في العالم الحديث، وخصوصاً الأوروبي؟ وماذا إن كانت هذه المرأة الجميلة بالأساس رجلاً قد تحوّل جنسيّاً أو العكس؟ في السيناريو أيضاً، مساحة محدودة للتهكّم حيث نرى المذيعة على التلفزيون تشرح فنّ «اليوغا» وأهميّته العالية للتحرّر، فيما فيرا مسجونة داخل جناحها المراقب. وفي هذا إحالة على الموجة التجارية التي تجتاح أوروبا منذ سنوات.

في أوروبا، يؤخذ على السينمائي الإسباني تكراره الدائم لهذه الفكرة عبر مقاربات مختلفة لا تخلو من فجاجة. ورأى بعضهم أن «الجلد الذي أسكن» ليس سوى نسخة لفيلمه السابق «العناق الكسير». لكن من وجهة نظر غير أوروبية، يمكننا أن نذكر شيئاً جديداً: كلّنا نعرف أن ألمودوفار بدأ تجربته السينمائية بعد حقبة فرانكو الكاثوليكية، وهذا «الانعتاق الغريب الذي يبصم أعماله» على حدّ تعبير إحدى الصحف الفرنسية، ليس سوى ندبة خلّفتها رجعية الديكتاتور، وما زالت حتى اليوم تؤرق صاحب «قانون الرغبة».

الأخبار اللبنانية في

05/09/2011

 

هنا هوليوود.. انتقام القردة

محمد الخضيري 

كيف انتفضت القردة على البشر وسيطرت على العالم؟ سؤال يجيب عنه فيلم Rise of the Planet of the Apes الذي حقق إيرادات عالمية ضخمة، ويُعرض حالياً على الشاشات العربيّة.

يذكر عشاق السينما الفيلم الشهير «كوكب القردة» الذي يعدّ من كلاسيكيات الفنّ السابع. في نهاية العمل الذي أنتج عام 1968، يكتشف رائد الفضاء شارلتون هستون سنة 3978 أن المغامرات الغريبة التي عاشها في عالم يحكمه القردة، حدثت على الأرض حين وجد تمثال الحرية غارقاً في الرمال. بعد أربعة عقود، يحاول «نهوض كوكب القرود» للبريطاني روبرت وات كشف الطريقة التي سيطرت بها القردة على الكرة الأرضية، واستعبدت البشر.

في مختبر خاص في سان فرانسيسكو، يعمل الباحث الشاب ويل رودمان (يؤدي دوره جيمس فرانكو) على اكتشاف علاج لمرض الألزهايمر. يطور الباحث تقنية جديدة لمواجهة هذا الداء. ثم يجري تجاربه على القردة، ويحقنها بالعلاج المفترض. إلا أنّ حادثاً سيدفع إلى إلغاء الأبحاث، وإعدام جميع القردة التي استُعملت في الاختبارات، لكن كما في القصص الدينية، هناك دوماً «الطفل الناجي» من الإعدام. إنه سيزار، القرد الصغير الذي ينقذه رودمان ويربيه في بيته.

بعد ثماني سنوات، يعيش سيزار حياة عادية في بيت العالم، ويكشف عن قدرات ذهنية وذكاء فريدين. يرتدي ملابس الإنسان، وله عيون خضراء ورثها جينياً عن والدته، ويطور قدرة على استعمال لغة الإشارات يتواصل بها مع سيده، لكن السعادة لا تدوم. يعود برنامج الأبحاث لعلاج مرض الألزهايمر إلى العمل. وبعد صراع بين سيزار والجيران، يرغم العالم على إرجاع قرده الأليف إلى المختبر لتجرى عليه الأبحاث، ويوضع في قفص كما باقي القردة. حينها يحس سيزار ذو العيون الخضراء أنه وقع ضحية خيانة، فيقود ثورة القردة على البشرية.

حقق الفيلم انطلاقة نارية في معظم صالات العالم، مع إيرادات تعدت مئة مليون دولار في الأسبوعين الأولين من عرضه، لكن ما هي الرسائل التي يريد العمل إيصالها؟ الإنسان عدو نفسه والمسؤول الأول عن خراب العالم؟ السلوك العدواني للطبيعة وكائناتها ليس إلا نتيجة سلوك إنساني متهوّر؟ ولعلّ الفيلم يحاكم أيضاً المختبرات العلمية التي لم تعد تخضع لأيّة روادع أخلاقية وإنسانية.

الأخبار اللبنانية في

05/09/2011

 

كيف تغرس «ديزني» الجشع والاستهلاك في الأطفال بدءاً من ثلاثة أشهر؟

حسن زراقط 

في الثقافة الأميركية، أصبحت ديزني مرادفاً للطفولة. نشأ الأجداد المعاصرون وهم يشاهدون أفلام الرسوم المتحركة، يلبسون بيجامات «ميكي ماوس» ويتوسلون للذهاب إلى «ديزني لاند». لكن في حين يبدو كل ذلك بريئاً، فإن قليلاً من الناس رأوا التأثير الذي تتركه ديزني ليس فقط على حياتهم الخاصة، بل على العالم بأسره.

يكتشف المؤلفان الأميركيان هنري غيرو وغرايس بوبوك العلاقة بين المستهلك والصناعة في كتابهم «الفأرة التي زأرت: ديزني ونهاية البراءة». حيوانات الكرتون المحبوبة والقصص الخرافية الغريبة الأطوار هي بكل بساطة الوجه العام لديزني. ولا يقتصر التكتل المتوسِّع على أفلام ديزني ومدن الملاهي، فهو يمتلك أيضاً ستة استوديوهات للصور المتحركة، شبكة «أيه بي سي» التلفزيونية و226 محطة تابعة لها، شبكات كايبل تلفزيونية متعددة، 227 محطة إذاعية، أربع شركات للموسيقى، ثلاثة خطوط للرحلات البحرية، شركات إنتاج مسرحي، دور نشر، 15 مجلة وخمسة استديوهات لتطوير ألعاب الفيديو. يمر احتكار الإعلام والثقافة هذا من دون أن يُلاحظ من قبل معظم الأميركيين، الذين يريدون فقط مداعبة تخيلات طفولتهم حيث توفرها ديزني ببراعة مع أفلامها، ومدن الملاهي لديها وبضائعها.

تفضح معرفة غيرو وبولوك ديزني من خلال معلومات أساسية وجريئة تحتاج أميركا الى أن تواجهها. وباعتباره حالة دراسية لنية الشركة وأخلاقيتها، يحلل «الفأرة التي زأرت» انطلاقا من روح العصر والثقافة اللذين يتشكلان من ديزني التي، كما يبيّن المؤلفان، تنجح في جمع المال عبر دغدغة خيال الكبار والطفولة وتشكيل عقول شبابنا.

يقتبس المؤلفان من والت ديزني قوله: «أفكر في عقل الطفل ككتاب فارغ. خلال السنوات الأولى من حياته، سيكتب الكثير على الصفحات. نوعية تلك الكتابات ستؤثر على حياته بشكل عميق». ويشرحان كيف أن أفلام ديزني وبرامجها التلفزيونية وألعابها تقوم بغالبية هذه الكتابة في نفوس أطفال الجيل.

يوفر علم التربية الثقافية العدسة التي يقوِّم غيرو وبولوك من خلالها ليس فقط احتكار وسائل الإعلام الذي بناه تكتل ديزني، لكن أيضاً تأثير وسائل الإعلام تلك على تطور المواقف الثقافية والسلوك، من خلال استهداف الشباب، بدءاً من برامج الفيديو من ديزني التي تستهدف الرضّع.

صممت منتجات شركة «بيبي أينشتاين» لتسلية وتثقيف الأطفال ممن لا تزيد أعمارهم عن ثلاثة أشهر. غير أنه، بحسب مجلة «جورنال أوف بدياتركس» أو «مجلة طب الأطفال» الأميركية، فإن الرضّع الذين شاهدوا ساعة تلفزيون أو أكثر خلال اليوم أظهروا نمواً لغوياً بطيئاً. وفي حين أن «بيبي أنشتاين» قامت في نهاية المطاف بإزالة المقطع من موقعها على الإنترنت الذي يدعي أن لأشرطة الفيديو الخاصة بها قيما تربوية للأطفال، لا تزال تُظهِر دراسة أجريت العام 2007 أن 48 في المئة من الأهل يعتبرون أن لهذه الشرائط أثرا إيجابيا على الأطفال الصغار.

ويلفت الكتاب الانتباه إلى الصور النمطية بين الجنسين في أفلام أميرة ديزني، من الرسوم المتحركة القديمة مثل «حورية البحر الصغيرة» إلى الأحدث «المسحور». ويحذر الكتاب من أن «ديزني أصبحت لاعباً أساسيا في الثقافة العالمية، وأولى ضحايا هيمنتها في الثقافة الشعبية هي، بالطبع، أولئك الأكثر عرضة: الأطفال».

لكن ديزني أخذت حتى الجمهور الأبوي إلى احتكارها الثقافي، ما يجعل من الصعب على الأهل أن يروا بدقة ماذا يفعل التكتل لأطفالهم. وفي العام 2007 أطلقت موقعها الإلكتروني disneyfamily.com الذي يستهدف 32 مليون أمٍّ في أميركا، ويتضمن نصائح الأبوة والأمومة التي، بحسب المؤلفين، أمضت وقتا وطاقة كبيرتين في محاولة لدحض استنتاج الخبراء في الحقل الصحي للأطفال.

ولا يخجل «الفأرة التي زأرت» من الحكم. ففي ختام الكتاب، يلخص المؤلفان تقويمهما لتأثير ديزني. لا يهم إذا كانت الأفلام لطيفة، أو مدن الملاهي ممتعة، هناك شيء أكبر يقبع تحت هذا المظهر العائلي ـ الصديق. ديزني هي، بعد كل شيء، عمل تجاري. يريدون كسب المال. وهم يحققون هذا الهدف عبر تسويق المنتجات لأطفالنا، للرضّع حتى. ولو وضع أحدهم جانباً تقارير الإصابات غير الموثقة في مدن الملاهي، أو القوالب النمطية بين الجنسين الفاضحة، في نهاية المطاف، تخلق ديزني جيشاً من المستهلكين من الأطفال، وهو فكرة مخيفة. يقترح غيرو أن ديزني تقول إن «مسؤولياتنا المدنية مقتصرة على فعل الإستهلاك».

يسعى الكتاب إلى إجراء تقويم نقدي لمقصد وسائل الإعلام ورسالتها، عبر طرح الأسئلة التالية: «مصالح من تمثلها إحتكارات وسائل الإعلام؟» «كيف تنتج وتربح احتكارات وسائل الإعلام من الرسائل الخاصة التي تعممها؟ «وماذا يعني جعل الثقافة العامة أكثر أهمية من الترفيه، العرض، الإستهلاك والسياحة؟»

يفنّد كتاب غيرو وبولوك هذه الأسئلة وأكثر في هذا التنقيب عن تكتل ديزني ونواياه. ولا يمكن للقارىء إلا أن يخرج بفهم نقدي معمق لواقع احتكارات وسائل الإعلام في عالم يتجه نحو الاستهلاك الطائش.

عن «تروث آوت»

السفير اللبنانية في

05/09/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)