كاتب درامي وباحث أكاديمي وناقد سينمائي، بالإضافة الى مهام عدة يمارسها
بدأب
ونجاح والأهم بصدق، إنه د. وليد سيف.
عن رؤيته للواقع السينمائي المصري اليوم وما يواجهه من تحديات، وما أثاره
من
انتقادات مسّت جمعية كتاب ونقاد السينما المنظِّمة لمهرجان
الإسكندرية السينمائي
الدولي، وقضايا أخرى كثيرة، كان اللقاء التالي مع د. سيف.
·
اعتبرك البعض مفجِّر ثورة الغضب
في جمعية كتاب ونقاد السينما لما سجّلته من
انتقادات تخصّ اختيار الناقد نادر عدلي رئيساً للمهرجان.
هذا الكلام ليس منطقياً لأسباب عدة، أهمّها أنني قررت عدم ترشيح نفسي لهذه
الدورة. ما دفعني الى الكتابة عن هذا الأمر هو حرصي على مصلحة
الجمعية والمهرجان،
خصوصاً أن نادر لم يحصل على الغالبية المطلقة التي تنصّ عليها لائحة
الجمعية وكان
لا بد من إعادة الانتخابات بينه وبين مجدي الطيب الذي حصل على ثلاثة أصوات
طبقاً
للائحة، ولو لم يكن كلامي محقاً لما قرّر المجلس إعادة انتخاب رئيس
للمهرجان.
·
لماذا لم تفكّر في ترشيح نفسك
لرئاسة المهرجان، لا سيما أن الجميع شهد لك
بالنجاح في إدارة الدورة الأخيرة؟
لأنني مرتبط بإعطاء دروس في روسيا من شهر مايو (أيار) إلى شهر أغسطس (آب)،
وهي
الفترة الحرجة في التحضير للمهرجان، إضافة إلى أن إدارة
المهرجان العام الماضي كانت
مجهدة جداً وتسبّبت في مشاكل بيني وبين بعض الزملاء، وهذا ما أردت عدم
تكراره، كذلك
أردت أن أتيح الفرصة لغيري.
أرى أنه من الضروري اختيار رئيس للمهرجان يتوافق عليه الجميع، حتى لو كان
من
خارج الجمعية وأحبّذ أن يكون من الشباب.
·
لماذا لم تفكّر في الاستقالة من
مجلس الإدارة، اعتراضاً على ما يحدث؟
فكّرت في ذلك، لكنني رأيته غير مجدٍ. كذلك، أحترم رغبة من انتخبوني بغالبية
كبيرة وينصحونني بالبقاء احتراماً لأصواتهم، لكن على أية حال
هي خطوة قد أتّخذها في
أي لحظة.
·
هل ترى قرار إلغاء دورة مهرجان
القاهرة لهذا العام، صائباً؟
نعم، فمصر ما زالت تعيش حالة من عدم الاستقرار خصوصاً من الناحية الأمنية،
إذ
نعيش انفلاتاً أمنياً شديداً، بالإضافة الى أن فترة مهرجان
القاهرة ستواكب
الانتخابات التشريعية والرئاسية.
·
ماذا عن مهرجان الإسكندرية، ألا
يجب تأجيله أيضاً للأسباب نفسها؟
بالتأكيد، لا سيما أنه يسبق مهرجان القاهرة بشهرين، إضافة إلى صعوبة الحصول
على
دعم مادي له في ظل الظروف الراهنة.
·
ثمة مشكلات كبرى كانت تواجه
السينما في السنوات الأخيرة، مثل قلة الإنتاج
والقرصنة ومشاكل التوزيع، فهل يمكن أن تتخلّص منها في مرحلة ما
بعد الثورة؟
أعتقد أن ذلك ممكن جداً من خلال خطوات عدة، في مقدّمها: عودة الدولة الى
الإنتاج
المباشر، التعامل مع السينما كثقافة وليس كمنتج ترفيهي فحسب،
تقديم دعم كاف للأفلام
الجيّدة عبر لجنة نزيهة ولديها خبرة كافية. كذلك، على الدولة أن تتعامل مع
السينما
كأنها جزءٌ منها وليس ككيان معادٍ، من خلال تخفيف القيود على الاستيراد
وصياغة
قوانين صارمة ضد القرصنة، واستغلال مكاتبنا الثقافية في الخارج
بشكل جيّد لنشر
السينما المصرية وفتح أسواق لها من خلال تعيين ملحق ثقافي خاص بالسينما.
·
برأيك، لماذا وصلت حال النقد
والنقاد في مصر إلى هذا المستوى الهزيل؟
لأن الدولة أهملت المطبوعات الفنية والثقافية المتخصّصة، وأصبحت تتعامل مع
الثقافة كسلعة تجارية، بل إن الوزارة أنشأت قطاعاً اسمه «قطاع
المنتج الثقافي» مع
أن الثقافة ليس لها منتج بالمعنى السلعي الشائع بل هو عائد بعيد المدى
ويؤثر في
العقول والتوجّه الإنساني لا أشرطة تباع أو شباك تذاكر. في ظل هذه
السياسات، اختفت
المطبوعات الجادة المتخصّصة التي تبرز الناقد الجيد، وأصبحت المطبوعات كافة
تبحث
فحسب عن سبل زيادة الإعلانات ورفع التوزيع بعيداً عن الثقافة الحقيقية.
·
ما هي آخر أعمالك ككاتب سيناريو؟
مسلسل بعنوان «المغادرون»، يتناول الهجرة غير الشرعية وقد كتبته منذ عامين
لكني
اكتشفت أن المنتج آنذاك كان يريد أن يحوّله الى مذكرة إدانة لشبابنا
الحالمين
بالسفر مع أن هدفي من العمل كان عكس ذلك تماماً، إذ أردت أن
أعبّر عن قوة الطرد
الرهيبة في الوطن التي تدفع الشباب الى السفر، لكن أخيراً ظهر منتج متحمّس
للمشروع.
كذلك، فيلم «عائلة مشفرة» الذي كان متعثراً
أيضاً منذ فترة، لكنه دخل اليوم مرحلة
التنفيذ.
·
حدّثنا عن هذا الفيلم.
يدور حول شاب قرّر بيع حق بثّ حياة أسرته الشخصية حصرياً لإحدى القنوات من
دون
علم هذه الأسرة، ويرصد مشكلات اجتماعية ونفسية عدة تراكمت
وتحوّلت إلى سلوك لدى
المواطن. نسعى من خلال «عائلة مشفرة» إلى الكشف عن كل ما هو مسكوت عنه وما
نخفيه في
سلوكياتنا، عن الفصام بين ما يقوله المواطن وما يفعله عندما يختلي بنفسه أو
يعتقد
بألا أحد يراقبه. الفيلم مرشّح لإخراجه أكرم فريد ومرشّحة
لبطولته مجموعة من الوجوه
الجديدة.
·
توقّفت عن كتابة السيناريوهات
منذ سنوات عدة بسبب ظروف الإنتاج، فهل يمكن أن
تعود الى الكتابة اليوم؟
أرى أن الوضع بعد الثورة يتطلّب إعادة النظر في كثير مما كنا نكتبه، فمعظم
ما
كنا نحلم به تجاوزه الواقع، وإن كان هذا الواقع يفرض مشكلات
جديدة وقضايا جديرة
بالتناول تتطلّب مساحة من الزمن للفهم والبحث عن طرق أخرى للتعبير.
أرى أن على الجيل الجديد أن يقدّم أفكاره للسينما، وهذا ليس حكراً على
أجيال
معيّنة ولكنها دعوة لإتاحة مساحة لشباب لم تستهلكهم رحلة عمر
طويلة من أجل مكاسب
مشروعة وحقوق أساسية يُفترض أنها بسيطة.
الجريدة الكويتية في
15/04/2011
أفلام مصر بعد الثورة...
حذف مشاهد وتأجيل إلى أجل غير
مسمّى
رولا عسران
نشب خلاف بين المنتج محمد السبكي والفنان طلعت زكريا بسبب إصرار الأول على
حذف مشهد من فيلم «الفيل في المنديل»، يتحدّث فيه زكريا مع
صورة الرئيس السابق محمد
حسني مبارك وتمسُّك الثاني به، وقد حرّك هذا الخلاف قضية حساسة للغاية
تتعلّق بمصير
الأفلام التي بدأ تصويرها قبل ثورة 25 يناير مباشرة، وتعالج أموراً تتعلّق
برموز
النظام السابق.
ينفي السبكي وجود خلاف بينه وبين زكريا على المشهد، باعتبار ألا وجود له في
الفيلم من الأساس فيما يؤكد زكريا أن المشهد حُذف مراعاة لشعور
الشعب الذي أسقط
الرئيس ونظامه.
يتردّد أن المشهد أضيف بعد الانتهاء من تصوير الفيلم، بناءً على رغبة
زكريا،
لردّ الجميل إلى الرئيس مبارك، بعد زيارته له التي استمرت ست
ساعات، عبر تكريمه في
الفيلم الذي يُفترض أن يعود به زكريا إلى السينما بعد غياب منذ آخر أفلامه
«طباخ
الريس».
تنطبق مسألة حذف المشاهد على الأفلام التي يتم التجهيز لها راهناً، ذلك
خشية
الصناع من وضعها في القوائم السوداء وعدم إقبال الجمهور عليها،
ما يؤثر سلباً على
الإيرادات.
المؤكد أن للمشاهد المحذوفة من الأفلام والسيناريوهات، علاقة بتفاصيل
وأحداث لم
تعد لها شعبية بعد الثورة، منها مثلاً مشاهد تمجيد ضباط
الشرطة، أو أخرى لها علاقة
بالرئيس السابق أو أحد رموز نظامه الذي تهاوى مع ثورة 25 يناير.
«إنسف
تخلص»
حذف المخرج وائل إحسان مشهداً حوارياً لاثنين من ضباط الشرطة من فيلمه
«بالألم»،
بطولة أحمد عز ويشاركه في البطولة كلّ من محمود عبد العزيز
وخالد النبوي، لأنه
يعبّر عن قوة رجال الشرطة وسيطرتهم على الشارع، وهذا أمر لم يعد له معنى
بعد ثورة 25
يناير.
يشير إحسان إلى أنه أجرى تعديلات على السيناريو، بهدف ربط أحداث الفيلم
بأحداث
ثورة يناير، وحذف المشاهد التي لم تعد تصلح للعرض بعد الثورة.
كذلك، خضع فيلم «المصلحة» لتعديلات على السيناريو كي يصبح صالحاً للعرض بعد
الثورة، فحذف صناعه مشاهد تمجّد ضباط الشرطة، وأخرى يهين فيها
الضباط الشعب... وبما
أن التعديلات قد تطاول الفيلم بأكمله ارتأى صناعه ضرورة تغيير السيناريو
فأُجِّل
إلى أجل غير مسمى.
الأمر نفسه ينطبق على مشهد النهاية في فيلم «ساعة ونصف» لأنه يصوّر انحراف
قطار
عن مساره وانقلاب الركاب، ذلك في إشارة إلى فقدان الأمل في
إصلاح حال البلد. وبما
أن الواقع تبدّل بعد الثورة وقع خلاف بين السيناريست أحمد عبد الله والمنتج
أحمد
السبكي، ففيما رأى الأول ضرورة استبدال النهاية بأخرى تعبّر عن المناخ
الجديد في
البلد، رفض الثاني ذلك معتبراً أنها مثالية وفي صلب الموضوع،
ما تسبّب في تعطيل
التصوير.
تتمحور الأحداث حول رحلة قطار من منطقة إلى أخرى تستغرق ساعة ونصف الساعة،
وتفاصيل رحلة كل راكب فيه. يشارك في البطولة النجوم الذين
شاركوا في بطولة فيلمي
«الفرح»
و{كباريه».
حذف ضروري
يرى المخرج أحمد البدري أن حذف المشاهد التي لم تعد تناسب البلد بعد الثورة
أمر
ضروري، وهو سلوك محترم وليس سيئاً كما يتصوّر البعض. ويضيف أن
الأمر لا علاقة له
بخوف المخرج من غضب الجمهور، إنما بعدم رغبته في إثارة مشاعر الشعب الذي
قام
بالثورة لتطهير البلد.
بدوره، يجري الفنان أحمد عيد تعديلات على سيناريو فيلمه الجديد «لف وارجع
تاني»،
وقد يطلب من السيناريست حذف مشاهد إذا لزم الأمر لأن ما كان
يصلح للعرض قبل الثورة
قد لا يناسب ثقافة الشعب بعد الثورة.
الجريدة الكويتية في
15/04/2011
حيرة صنّاع السينما...
مع جمهورها!
محمد بدر الدين
يخشى المنتجون والسينمائيون المجازفة في تقديم الأفلام ويحاولون تلمّس
الطريق
إلى الجمهور، بصعوبة وحذر، فهم لا يعرفون ذوقه بعد الثورة والمواضيع التي
يفضّلها
والمعالجات التي تثير استياءه فيدير لها ظهره، الجمهور غامض
دائماً، وفي الأوقات
الاستثنائية يزداد الأمر تعقيداً.
قال هيتشكوك: الجمهور كائن خرافي غامض، متعدد الأذرع والرؤوس ولا نستطيع
التوقع
بشأنه!
غموض موقف الجمهور، لا يحيّر اليوم أهل السينما ومنتجي أفلامها وموزّعيها
من حيث
المواضيع فحسب، إنما أيضاً من ناحية مدى تقبّله لنجوم كانوا
ملء السمع والبصر وفي
مقدمة المشهد والصور، وفجأة تراجعت مكانة كثيرين منهم لدى هذا الجمهور،
سواء
لاتخاذهم موقفاً معادياً للثورة بوضوح منذ اندلاعها في 25 يناير، أو لأنهم
حاولوا
أن «يمسكوا العصا من النصف»، أو حتى لصمتهم، وبعضهم يلوذ
بالصمت الرهيب لغاية
اليوم.
بدأ الجمهور يرى «نجومية» جميلة مضافة، أو من نوع جديد، لدى الفنانين الذين
شاركوا في ثورة الشعب، فهل يكون لهؤلاء ثقل وجاذبية في الأفلام
على حساب النجوم
القدامى الذين فقدوا بريقاً، أم يشغلون مكانة إلى جوارهم؟
الملاحظ اليوم في مصر ازدياد اهتمام الشعب بفئاته كافة بالشأن السياسي، ولم
يعد
الجمهور منشغلاً بالمسلسلات أو برامج الترفيه أو حتى بمباريات
كرة القدم كالمعتاد،
إنما يبحث عن البرامج السياسية التي تساعده على تحديد موقف وفهم أعمق
لقضايا
مصيرية، مثل الدستور الجديد وما الصورة التي سيكون عليها البرلمان الجديد،
ومن
سيكون الرئيس المقبل من بين المرشّحين الذين يستمع إليهم
ويتابع المناظرات بينهم
باهتمام وإنصات...
مثل هذا الجمهور، من الصعوبة التعامل معه راهناً وتوقّع ما يعجبه على صعيد
الأفلام والفنون عموماً.
إنه جمهور أكثر جدّية، أكثر ثقة بالنفس، أكثر أملاً بالمستقبل، نعم سيظل
يبحث عن
لحظات مرح وبهجة وترفيه، لكن سؤال صناع السينما يظل أيضاً: أي
نوع من سينما الترفيه
قد يقبل به؟
ليست هذه العلاقة بين الجمهور والسياسة والفنون بجديدة، على أي حال، فقد
حدث هذا
النوع من التأثر والجدل المتبادل بعد ثورة 1919 وثورة 1952،
وغيرهما من أحداث
تاريخية فارقة.
ومع مرحلة ثورة 1919 ظهرت فنون جديدة سواء في الأغنية والموسيقى لسيد
درويش، أو
تشكيل ونحت لمحمود مختار، كذلك ظهرت في السينما تجربة استوديو
مصر على يد طلعت
حرب...
ومع مرحلة ثورة 1952، ظهرت أجيال جديدة قدّمت مدارس حديثة في الأدب والمسرح
والأغنية والتشكيل والسينما، ورأينا أكاديمية الفنون ومن ضمنها
معهد السينما وتجربة
القطاع العام السينمائي...
لذلك، نحسب أن تطورات هائلة ستتحقق مع ثورة 2011، في المجالات الفنية كافة،
فضلاً عن السياسية والعلمية وغيرها. ومن هنا نفهم حيرة صناع
السينما مع جمهور
السينما ونتوقع أن تستمرّ هذه الحال فترة.
وإذا كان الصناع والمنتجون، سيواجهون خسارة وسيضيع منهم موسمهم الصيفي
المقبل،
لأسباب أخرى غير الثورة، مثل اقتراب شهر رمضان، إلا أن أهل السينما
القادرين على
التجديد لا بد من أن تلقى أعمالهم إقبالاً واحتفاء، بعد مرور
مرحلة موقتة مربكة،
لأن المتوقع، في ما نحسب، نهضة حقيقية تشمل المجالات المختلفة من بينها
الإبداعات
الفنية وفن السينما الجميل.
الجريدة الكويتية في
15/04/2011 |