بعد العديد من العروض المهرجانية والجوائز، أبرزها البندقية وتورونتو، وصل
الفيلم الكندي "حرائق" (Incendies)
إلى الصالات اللبنانية لملاقاة جمهور يعنيه أكثر من سواه. ولكن المواجهة
المأمولة بين فيلم يستلهم عنف الحرب وحقدها وبين جمهور عاشها بكل العنف
والحقد، لن تكون على القدر المطلوب من الجدية ومن القدرة على فتح النقاش.
ذلك أن الفيلم سحب بعد ايام قليلة على بدء عروضه من الصالات السينمائية
اللبنانية ليستقر في صالة واحدة فقط هي "متروبوليس"، بجوار فيلم آخر أثار
بعض الجدل هو (Des
Hommes et des Dieux) الذي يقتبس هو الآخر فصلاً من حرب دموية أخرى شهدتها الجزائر،
مؤفلماً حادثة اغتيال الرهبان في العام 1996. يقدم كلا الفيلمين نموذجاً
لقراءة "الآخر" مع اختلاف مسافة كل من الفيلمين من موضوعه. فصلة مخرج
الفيلم الأول دوني فيلنوف بالموضوع هو النص المسرحي للكاتب الكندي من اصل
لبناني وجدي معوض. أما صلة كزافييه بوفوا، بموضوع فيلمه فهو الإرث
الكولونيالي الذي يربط فرنسا بالجزائر.
تبدأ أحداث "حرائق" في كندا التي تمثل حقيقة مكانية ثابتة وسط الجغرافيا
المموّهة التي ستتوجه الأحداث إليها لاحقاً. في مكتب المحامي "جان ليبيل"
(ريمي جيرار)، يطّلع التوأمان "جان" (ميليسا ديزورمو-بولان) و"سيمون" (ماكسيم
غوديت) على وصية والدتهما الراحلة "نوال مروان" (لبنى أزابال) التي ستؤكّد
إحساسهما بغرابة تصرفات الأم. يكتشف التوأم من خلال الوصية وجود أب ظناه
مستشهداً وأخ لم يعلما بوجوده من قبل. في الوصية أيضاً، تشترط "نوال" على
ولديها العثور على الأب والأخ وتسليم كل منهما رسالة كشرط لدفنها بالطريقة
التقليدية ووضع شاهد على قبرها. وإذ يرفض "سيمون" ترهات الوصية، تقرّر
"جان" أن تخوض رحلة اكتشاف ماضي والدتها في... الشرق الأوسط. هكذا تخبرنا
الحكاية على نحو مختصر، مطالبة المشاهد القبول بتجريد الحكاية من سياقها
الزمني والمكاني والتركيز على الدراما التي تحياها الشخصيات. والأخيرة قوية
وصادمة من دون شك، إلا أن مبررها مكان وزمان وحرب محددة، لا يطول المقام
بنا قبل أن نفهم أنها الحرب اللبنانية. بين يدي "جان" دليل وحيد على ماضي
والدتها: صورة فوتوغرافية للأخيرة التقطت على خلفية حائط كتبت عليه أحرف
عربية نميز فيها كلمة "ريّات". ولا يلبث أحد العاملين في الجامعة التي درست
فيها "نوال" أن يحل لغز الكلمة بتأكيده لـ"جان" ان الصورة التقطت في سجن
"كفر ريّات". والإسم ليس إلا واحداً من مجموعة أسماء متخيّلة، يطلقها
الفيلم على الأماكن والشخصيات: "داريش" قرية الأم الجنوبية؛ "جريدة شربل"
هي الجريدة المستقلة والمعارضة التي كان يصدرها خال "نوال" وفيها كانت تكتب
مقالاتها السياسية الثورية مستنكرة الحرب الطائفية؛ "وهّاب" حبيب "نوال"
الأوّل الذي ينعته شقيقها في مشهد "فلاش-باك" بـ"ابن المخيمات" فيما الأخ
يتحدث باللهجة الفلسطينية! بمحاذاة رحلة "جان"، يصوع الفيلم خطاً روائياً
موازياً، يستعيد من خلاله ماضي "نوال" في شكل فلاش-باك منذ وقعت في غرام
الفلسطيني، هي المسيحية، وحملت منه قبل أن يقدم اخوها على إردائه. بمساعدة
جدتها، تنهي "نوال" فترة الحمل في قريتها وتضع مولودها الذكرالذي تقوم
الجدة بوشم كعب رجله بثلاث نقاط سوداء (لتتمكن امه من التعرف عليه لاحقاً)
قبل أن ترسله إلى دار الأيتام وترسل "نوال" إلى المدينة حيث خالها "شربل"
لتستكمل تحصيلها العلمي. ومن هناك، تبدأ رحلة النضال السياسي التي ستتكشف
فصولها تباعاً للمشاهد كما للإبنة "جان".
اقتبس فيلنوف لفيلمه الروائي الرابع نصاً مسرحياً لوجدي معوض بالعنوان
نفسه، محققاً نجاحاً لافتاً على صعيد تحرير النص من المونولوغات والحوارات
الكثيرة التي تضمنتها المسرحية وإنما ليس من الإحساس المسرحي العام.
فالأحداث تتوالى في فصول، لكل منها عنوانها الخاص، بما يعزّز الإحساس بأنك
أمام مشهديات مسرحية، لا تبدأ الواحدة إلا بعد إقفال الستار على سابقتها.
أمران آخران لم يفلح دوني في منحهما البعد السينمائي: المتخيّل في الحكاية
والمكان. ولعلّ الأخيرين كانا السبب في إشعال نقاش حاد بين محبي الفيلم
ومنتقديه. فالفيلم يطرح من جهة المكان المتخيّل الذي يجعل من الحكاية
استعارة عميقة للحرب في كل زمان ومكان. ومن جهة ثانية، يتخذ تفاصيل حرب
محدّدة وشديدة الخصوصية، مستلهماً بعض محطاتها لتكثيف دراما الشخصية
الاساسية "نوال". لعلّ الفارق الكبير بين المسرح والسينما يكمن في المكان.
فالخشبة تصلح مكاناً متخيّلاً بامتياز، بتجرّدها وتقشّفها وحضورها الدائم
كمكان يعاد اختراعه. أما السينما، فهي تحديد وتأطير للمكان. فهل يمكن أن
يصور مشهد في الغابة مثلاً فيما المقصود منه أن يكون على شاطئ البحر؟
المكان في المسرح مقترح اما في السينما فإنه واقع، لا يترك للخيال مجالاً
ليتخيل غيره. ولكن ما ينفي، أكثر من غيره، عن المكان صفة المتخيّل هو
استلهام وقائع في شكل رمزي. فيتّخذ مثلاً من حادثة بوسطة عين الرمانة حدثاً
مركزياً في تحول الأحداث، مكتفياً بتصوير المشهد على طريق جبلية لنفي صفة
الواقعية عنه. ويستلهم من حكاية الأسيرة المحررة سهى بشارة جزءاً كبيراً
ليروي محطة من محطات مسيرة "نوال" النضالية والسياسية، فنراها تتسلل إلى
عائلة سياسي (شعار حزبه أو مجموعته "جذورنا هنا"!) بصفة معلمة لابنتها
لتقوم في ما بعد بتوجيه رصاصتين إلى صدره، تُقتاد بعدها إلى الاسر
والتعذيب. صحيح أن حكايتها تكمّل في اتجاه مختلف (وإن ليس مناقضاً لما يمكن
أن نتخيّله عن تجربة بشارة في الأسر)، إلا أن الرمز المثقل بواقعية مازالت
ماثلة في المخيلة يأبى أن يلعب دوراً مجرداً أو أن يكون استعارة في قلب
حكاية كبرى. بل إن الفيلم كلما أمعن في الإبتعاد من الواقع، ازداد غرقاً
فيه، لأن كل تفصيل جديد يعزز المكان والزمان أكثر من سابقه، ويولّد اسئلة
حول دقة تناول الواقع. وذلك بالطبع عائد إلى الطبيعة المعقّدة للتركيبة
اللبنانية وللحرب في آن معاً. فالفرز الطائفي والتقسيم الجغرافي اللذان
كانا السمة الأساسية للحرب، يظهّرهما الفيلم إنما من دون كثير تفكير في
تفاصيلهما. هكذا تضيع الشخصيات في بابل من اللهجات، تغلب عليها اللهجة
الفلسطينية بسبب من تصوير معظم أحداث الفيلم في الأردن، فيما تبقى اللهجة
المغاربية هي الغالبة عند "نوال" والجدة وحارس السجن والممرّضة التي
ولّدتها في المعتقل.
على الرغم من أن دوني فيلنوف ظلّ متمسكاً بفكرة المكان المتخيّل والإبتعاد
من الواقع والتأريخ، إلا أن بحثه الأولي قاده إلى لبنان أولاً كما صرّح،
واختياره شمال الأردن للتصوير جاء بسبب التشابه بين طبيعته وطبيعة الجنوب
اللبناني، كما قال في إحدى مقابلاته. وعلى الرغم كذلك من أن ذلك المكان
المتخيل يقع في الشرق الأوسط، إلا أن هاجس المخرج كان تقديم صورة حقيقية عن
الثقافة العربية. المشكلة في نهاية المطاف تنتهي إلى صراع بين نص مسرحي
قائم على التجريد، يتعاطى مع واقع عصي على الإختزال، وبين رؤية سينمائية
تريد أن تجمع النقيضين.
يشكّل "حرائق" نموذجاً مثالياً لدراسة العلاقة بين المتلقي ومشروع فني
يعالج موضوعاً صميماً بالنسبة إلى الأول. ولعل المثال الأقرب الحاضر في
الذهن هي تجربة كلينت إيستوود قبل سنوات قليلة في إخراج فيلمين عن الحرب
العالمية الثانية، الأول من وجهة النظر الأميركية ("رايات آبائنا"
Flags of our fathers)
والثاني من وجهة النظر اليابانية ("إيو جيما"
Iwo
Gima). فقد اثبت استطلاع آراء النقاد وقتذاك أن
النقاد اليابانيين فضلوا الأول على الثاني، بينما فضل النقاد الأميركيون
"إيو جيما" على "رايات آبائنا". وذلك إن دلّ على شيء فعلى العلاقة المعقّدة
بين المتلقي وبين تجربة عاشها (لاسيما إذا كانت تراجيدية) مجسّدة في عمل
فني. في سياق مماثل، أدهش "حرائق" مجتمع النقاد حول العالم. قلائل اشاروا
من بعيد إلى افتقاد الفيلم تفاصيل تخص المكان والزمان من دون تحديدها، ولكن
الغالبية قرأت الفيلم بخطوطه العريضة. والأخيرة يمثّلها الخط الدرامي
المتشعّب والصادم والمؤثر من دون شك في قدرته على اجتراح حكاية، تلامس
الخرافة أحياناً بمصادفاتها، وتتوسّل ذروة الدراما لتروي العنف في أقصاه.
النهاية المفاجئة للفيلم تنجح في أن ترسم الوجه الأبشع للحرب من دون أن
تستثير العنف، ذلك أن الشخصيات تكتشف العنف الأفظع مع اكتشافها التسامح
الأكبر.
فيلم بوفوا
يشكل فيلم المخرج الفرنسي كزافييه بوفوا تحولاً جديداً بموضوعه الديني
الروحاني الذي يتناقض تماماً مع الإنشغالات "الأرضية" لبوفوا في أفلامه
السابقة. فيلمه الاخير "الملازم الصغير" (Le Petit Lieutenant،
2005) كان دراما بوليسية، فيما سابقه، (Selon
Mathieu،
2000) تناول حكاية رجل يقوم بإغراء زوجة مديره بهدف الإنتقام. اللافت في
تجربته الأخيرة تلك الرؤية الصافية والأسلوب الكلاسيكي المتقشف. على الرغم
من المساحة الكبرى التي يتيحها موضوع الفيلم للخطاب السياسي والأخلاقي، لا
ينزلق بوفوا إلى أي منهما، مركّزاً على معنى التفاني في شخصيات الرهبان
السبعة التي يتناولها الفيلم وفكرة الإنتماء إلى مجموعة. مرة أخرى نحن هنا
أمام مثال قريب من "حرائق" لجهة استلهامه واقعة حقيقية هي جزء من تاريخ
قريب لحرب عنيفة عاشتها الجزائر. في نهاية الفيلم فقط، تقول جملة على
الشاشة أن الفيلم مقتبس عن حادثة اغتيال سبعة رهبان فرنسيين في قرية "تيبيرين"
الجزائرية في العام 1996. ولكن بدلاً من الإنطلاق في رحلة تحقيقية تشويقية،
تستمد مشروعيتها من الحكاية نفسها ومن واقعها، اختار بوفوا الإنغلاق داخل
عالم الرهبان، مصوراً يومياتهم وطقوسهم وصراعاتهم الداخلية خلال الايام
الاخيرة التي سبقت الإغتيال. مشاهد قليلة في بداية الفيلم تصور الرهبان
خارج الدير، ملبين دعوة إحدى العائلات للمشاركة في حفلة ختان أحد أولادها.
مشاهد أولى لا تخلو من حسية، تبيّن حالة الوئام بين الرهبان وأهل القرية
والإحترام المتبادل الذي يصل حد مشاركة الرهبان في تلاوة الفاتحة خلال طقوس
الختان. وفي مشهد آخر عام، نشاهد "لوك" (مايكل لونسدال) يتحدث مع صبية
تستشيره في شؤون الحب والزواج، قائلاً انه اختبر الحب قبل عثوره على الدور
المنذور له (الرهبنة). "لوك" هو ايضاً طبيب، يعالج أهل القرية ويوفر الدواء
لهم. مع بدء انتشار أخبار القتل والعنف التي تقوم بها جماعات إسلامية
متطرّفة، ينسحب الرهبان أكثر فأكثر إلى قلب الدير، وتتناقض رغبات المحيطين
بهم حول بقائهم أو عدمه. فبينما تطالبهم السطات الفرنسية بضرورة المغادرة،
يتوسلهم الأهالي البقاء كضمانة لاستقرار القرية. أما السطات الجزائرية،
فيتدرج موقفها من فرض حمايتها عليهم وصولاً إلى مطالبتهم بالرحيل. ينعكس
هذا الصراع على الرهبان أنفسهم. فبينما تشدد تعاليمهم على الوحدة والتضامن،
تتباين آراؤهم بين مستعد للرحيل ومصر على البقاء. ولا تلبث تلك الأسئلة ان
تطاول جوهر إيمانهم، لاسيما الشجاعة والمقاومة والتزام المبادئ. بين هؤلاء،
يتجسد الشقاء في "كريستوف" (اوليفييه رابوردان)، الذي يقضي لياليه في
الصلاة والنداءات اليائسة "ساعدني، ساعدني"، فيما يستمع إخوته إليه بصمت،
تأكيداً ان الأخوة بين الرهبان لا تشمل مساعدة واحدهم للآخر على العثور على
الخلاص الروحي. في مشهد لاحق، يصل صراع "كريستوف" الذروة والحل في آن معاً
عندما يقول له "كريستيان" إنه باعتناقه الرهبنة إنما "سلمت حياتك مسبقاً".
تجد تلك الجملة صداها في عنوان فيلم سابق لبوفوا "لا تنسَ أنك ستموت"، كما
في عقيدة الساموراي التي اشار إليها كاتب السيناريو إيتيين كومار على أنها
ألهمته لاسيما من خلال فيلم أكيرا كوروساوا "الساموراي السابع". ذلك أن
إيمان الساموراي يقوم على التصرف على اساس أنه ميت اصلاً.
يتوصل الرهبان إلى تلك القناعة أو ما يشبهها لاحقاً. فهم يجتمعون يومياً
لمناقشة التطورات، لاسيما بعد أن تقوم جماعة متطرفة باقتحام الدير طلباً
للدواء. تحصل عندها المواجهة بين "كريستيان" (لامبرت ويلسن) وقائد الجماعة،
يقوم خلالها الأول باقتباس آية قرآنية للتأكيد على الإحترام الذي فرضه
الإسلام تجاه الكهنة والرهبان. عندها يغادر المسلّحون إنما يبقى شبحهم
مسيطراً على المكان. مع اشتداد العنف في الخارج (نسمع عنه ونراه من خلال
شاشة التلفزيون بشكل اساسي مع بعض المشاهد الحية للمجازر والقتل)، تزداد
لحمة الرهبان داخل الدير، فيقرر الجميع البقاء.
ثمة موتيف اساسي في شكل الفيلم واسلوبه ونبرته، يتجسد في مشاهد فاصلة، يعود
الفيلم غليها بين حين وآخر. إنه مشهد الرهبان ينشدون بصوت واحد ممجدين
الخالق. مشاهد شديدة الجمال والتأثير، تنقل من خلال اللقطات الواسعة
الإحساس بكلية الرهبان، كأنهم صوت واحد لروح جماعية. تتيح هذه المشاهد،
للرهبان كما للمشاهد، التأمل في الأحداث بصفاء ذهني وانعتاق كلي. وفي ما
يشبه التنبؤ باقتراب النهاية، يجتمع الرهبان حول العشاء الأخير، بينما يقوم
"لوك" بتشغيل مقطوعة "بحيرة البجع"، في مشهد آسر، يعبّر عن تقدير الرهبان
لتلك الهبة الدنيوية المتمثلة بالموسيقى. يظهر في هذا المشهد الأداء العالي
للممثلين، الذين، بقسماتهم العاكسة لما يعتمل في دواخلهم، منحوا الفيلم
جزءاً كبيراً من قدرته على سبر العوالم الداخلية للشخصيات.
ولكن الإنجاز الابرز لبوفوا هي النهاية المكثّفة والمختزلة والبعيدة من اية
حسية. من دون الخوض في توجيه اصابع الإتهام او تأكيده (الجماعات المتطرفة
أم الجيش أم كلاهما)، يكتفي الفيلم بتصوير رحلتهم على درب مثلجة إلى
مصائرهم. لا نرى الجثث التي قطعت رؤوسها في الواقع، بل نستمع إلى رسالة
"كريستيان" التي خلّفها وراءه: "...هذه البلاد والإسلام هما بالنسبة إلي
جسد وروح.. بمشيئة الله، سأمزج نظرتي في نظرة الأب واتأمل معه في أولاده
المسلمين، كما يراهم."
لقد استطاع بوفوا في تجربة نادرة أن يستل الروحاني من الدنيوي والدنيوي من
الروحاني، بحيث لا يقتصر تصويره للرهبان على النواحي الدينية، بل يشرّعه
على التجربة الإنسانية، متخذاً من المكان السكينة التي يحتاجها المشاهد
للتأمل في أحوال العالم اليوم.
أين اختفت الناقدات؟
الحديث على شح الاسماء النسائية في مجال الصناعة السينمائية لم يعد جديداً.
فالمخرجات في هوليوود، كما في السينمات الأخرى، لا يقارن عددهن بعدد
المخرجين. صحيح أن هناك في العالم اليوم مخرجات لامعات، معظمهن خارج
الصناعة السينمائية السائدة. من سالي بوتر الى جاين كامبيون ومن كاترين
بريا الى أندريا أرنولد ومن كلير دوني الى آنييس فاردا، فضلاً عن اسماء
بارزة في السينمات العربية والإيرانية، لا خوف من انقراض السينمائيات.
والأمر نفسه قد ينطبق على الناقدات السينمائيات، مع اختلاف جذري هو أن
الشروط المهنية للكتابة السينمائية، تختلف عن تلك الخاصة بدخول معترك
الصناعة السينمائية. فلماذا إذاً لا توجد ناقدات كثيرات اليوم في العالم؟
ولماذا لا نقع على أكثر من اسمين أو ثلاثة في الاستفتاءات التي تقيمها
المجلات السينمائية المتخصصة؟
مجلة "سايت أند ساوند" السينمائية قررت أن تسهم في هذا النقاش بشكل عملي.
فبدلاً من أن تقوم باستفتاء للإجابة عن سؤال "اين اختفت الناقدات؟"، يكون
معظم المشاركين فيه من الرجال، أعلنت عن مسابقة بهدف اكتشاف أقلام نسائية
جديدة في حقل النقد السينمائي. تحت عنوان "النساء عن الأفلام"، متبوعاً
بعنوان فرعي، "مطلوب رؤى جديدة"، أطلق موقع المجلة على الإنترنت قبل أيام
المسابقة، داعياً النساء غير المحترفات في مجال الكتابة، المشاركة من خلال
قطعة وصفية لا تتجاوز الثلاثمئة كلمة، عن أي موضوع أو شخصية سينمائية ملهمة
بالنسبة إليهم. بعد إقفال باب المشاركات في الثالث من أيار/مايو الجاري،
ستقوم لجنة تحكيم بقراءة النصوص واختيار الفائز. تفوز صاحبة النص الأفضل
بالمشاركة في برنامج تدريبي لمدة عام كامل على يد إحدى ناقدات المجلة،
فضلاً عن تكليفها بمواضيع للموقع الإلكتروني.
في دراسة أجرتها مارثا لاوزن في العام 2007 حول التمثيل النسائي في حقل
الكتابة السينمائية في أميركا، خلصت إلى التالي: "باختصار، يسيطر الرجال
على عملية مراجعة الأفلام التي يصنعها بشكل أساسي الرجال وتقدم في الأدوار
الرئيسية رجالاً وتتوجه غالباً إلى جمهور الرجال. إن الشح في توظيف النساء
في الكتابة السينمائية والتمثيل والإخراج يغذي الحوار المتقطع بين الرجال
في السينما الأميركية."
في الدراسة نفسها، اكتشفت لاوزن ان سبعين في المئة من مجموع الكتابات
السينمائية المنشورة في أفضل 100 مطبوعة في أميركا يكتبها رجال، وأن 47 في
المئة من تلك المطبوعات لا تنشر اية مقالات موقعة بأسماء نساء. ولعل ما
يثير الاستغراب في هذا الشأن هو أن نسبة المشاهدة بين الرجال والنساء لا
تقوم على فوارق تذكر. كما أن عدد الطالبات اللواتي يدرسن السينما والإخراج
لا يدلّل على مشكلة أو نقص. فأين تكمن المشكلة إذاً؟
سواء كان الملام الرجال أم النساء أم الطبيعة، لا يغير من واقع الأشياء.
على أن الحال لم تكن دائماً كذلك. لا تخلو لائحة بأفضل النقاد في تاريخ
السينما من ثلاثة اسماء نسائية على الاقل: آيريس باري، ديليس بويل وبولين
كايل. وثمة الكثير غيرهن من الأقل شهرة، ذلك ان النقد السينمائي، مثل كتابة
السيناريو، كانت تستقبل عدداً كبيراً من النساء عندما كانت تعتبر مهنة
عادية. كاي بورن التي عملت محررة فنية في "با ستايت بانر" لأربعين سنة،
اشارت إلى أن النقد السينمائي في بوسطن كان يقتصر على النساء "إلى حين تفجر
السينما كفن مهم في الستينات. عندها دخل الرجال مطالبين بالمهنة." الأمر
نفسه ينطبق على المخرجات. ففي نظرة سريعة على تاريخ السينما، نكتشف ضلوع
النساء بالسينما منذ أبصر الفن السابع النور (أليس غي-بلاشيه أنجزت اول
فيلم روائي
La Fee aux Choux عام 1896) ودوروثي آرزنر، رائدة ومكتشفة لنجمات عصرها وملهمة لجيل من
السينمائيات برز خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
كاتبة أخرى، أليزا سالاريو، تقدم وجهة نظر مختلفة في هذا الشأن، معتبرة أن
غياب النساء عن مضمار النقد السينمائي هو جزء من مقاومة عامة لصورة المرأة
صاحبة الرأي. وتكمل بالقول: "لا يستطيع الناقد أن يخاف من جرح شعور أحدهم..
يجب أن يكون طليقاً وحاداً وأكيداً... وهذه صفات لا يحبّذها الرجال مجتمعة
في المرأة." تستند سالاريو في رأيها إلى فكرة القوالب الجاهزة التي تضع
الفتيات أنفسهن فيها من أجل أن تعجب الرجل: "الطموح، الذكاء والجرأة لا تصب
دائماً في مصلحة المرأة."
سنة ستانلي كيوبريك
ستكون سنة 2011 سنة ستانلي كيوبريك بامتياز حيث سيتم عرض سبعة من أفلامه
المرممة خلال الدورة المقبلة من مهرجان كان السينمائي في أيار/مايو 2011.
وسيحضر العروض الممثل مالكوم ماكدويل الذي لعب دور البطولة في الفيلم
الشهير في فيلم "البرتقالة الآلية" (Clockwork
Orange) كما سيقدّم أيضاً درساً في التمثيل. أما
السينيماتيك الفرنسية في باريس فقد خصصت معرضا فنيا للمخرج بين 23
آذار/مارس و31 تموز/يوليو 2011.
يعتبر معرض ستانلي كيوبريك أهم معرض تم تخصيصه للمخرج، إذ يحتوي على آلاف
المحفوظات المعروضة في طابقين ضمن مساحة إجمالية تقدر بألف متر مربع، تقتفي
المشوار الفني لهذا السينمائي. وقد تم ترتيبها ترتيباً زمنياً يمكن الزوار
من متابعة مختلف أفلامه وتطور مسيرته الفنية بدءا بأفلامه القصيرة الأولى
وانتهاء بآخر أفلامه "عيون مغلقة على اتساعها" (Eyes
Wide Shut)، فضلاً عن أفلام الرعب، ومروراً بالصور التي التقطها عندما كان لا
يزال يعمل مصوراً صحفياً. ويمكن هواة سينما كيوبريك أن يجدوا أزياء
واكسسوارات من أفلام: "2001: أوديسا الفضاء" (2001:
A Space Odyssey)، الفأس الأسطورية لجاك نيكلسن في فيلم "براق" (The Shining)،
السيناريوهات، الديكورات، صور التصوير بالإضافة إلى رسائل بعض المعجبين،
على إيقاع أهم المقتطفات الموسيقية من أفلامه. وبالتوازي مع ذلك، سيتم
تنظيم معرض استعادي شامل بالإضافة إلى مؤتمرات وطاولات مستديرة حول أعمال
ستانلي كيوبريك.
بن أفليك "يؤفلم" عملية "إبسكام"
على الرغم من إجماع النقاد والصحافيين على استحقاقه لترشيح أوسكار، وقبله
الكرة الذهب، في فئة الإخراج، تجاوز الممثل والمخرج الأميركي بن أفليك
سريعاً أمجاد فيلمه الأخير "البلدة"
The Town
الذي أخرجه إلى جانب مشاركته فيه كتابياً وتمثيلاً إلى مشروع سينمائي جديد.
والأخير من نوع الجريمة وعنوانه المبدئي
American Bulls**t.
كتب السيناريو اريك وارنر سنغر مقتبساً التفاصيل الواقعية لعملية "ابسكام"
السرية التي نفذها مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 1980 للقضاء على قضايا
فساد، تورط فيها عضو في مجلس الشيوخ وخمسة أعضاء من مجلس النواب وعضو من
مجلس ولاية نيوجيرسي وأعضاء مجلس مدينة فيلادلفيا ومفتش في مصلحة الهجرة.
المشروع هو الثالث لأفليك إخراجياً بعد
The Town
الذي تناول مثلث علاقات عالي التوتر بين مديرة مصرف ولص قديم سرق أكثر من
قلبها وعميل الشرطة الفيدرالية الذي يحاول الامساك به قبل القيام بعملية
سرقة جديدة. اقتبس السيناريو عن رواية تشاك هوغن "أمير اللصوص"
Prince of Thieves. أما فيلمه الأول فكان
Gone Baby Gone الذي دار في أجواء مماثلة.
المستقبل اللبنانية في
08/04/2011
أعشقها
إبراهيم توتونجي
لأنها وقفت على الحدود الليبية التونسية مع غابو من بنغلاديش وأحمد من مصر
وأفيف من ساحل العاج وتيري من أوغندا، وسلطت مزيداً من الضوء على معاناة
مئات ألوف النازحين هرباً من جحيم القذافي وتباطؤ «الناتو» الملغز في حسم
المعركة.
ولأنها وقفت على أرض مخيمات «الشوشة» لتقوم بواجبها الانساني كسفيرة نوايا
حسنة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، في الوقت الذي ينام فيه نجوم ونجمات
العالم العربي، من حاملي هذا اللقب، قريري العيون في بيوتهم المكيفة. فلا
العروبة ولا الدين ولا الانسانية ولا حتى اللقب دفع أياً منهم، لا لزيارة
مخيم لاجئين، فحسب، بل للإدلاء بتصريح واحد عن معاناتهم.
ولأنها ذهبت إلى بغداد لكي تحرج رئيس الوزراء العراقي وتسأله عن الجهود
التي تبذلها حكومته من أجل استعادة العراقيين الهاربين الى أصقاع الدنيا من
يوميات العراق الدامية. ولأن وجودها في مكتبه يسلط الضوء من قبل الاعلام
العالمي على وجود أزمة لاجئين سببها في الأساس الحرب على العراق، التي تسعى
الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى دفن تاريخها وزجها في دوائر النسيان
وفقدان الذاكرة. لأنها تنعش الذاكرة والقلب معاً بنشاطاتها.
ولأنها قالت إنها لا تجد الكلمات لكي تصف بها صدمتها من تطرف القس الأميركي
تيري جونز، الذي تصيبه بين الحين والآخر نوبات صرع تحدو به للإعلان عن
رغبته بحرق القرآن، وسألت: «كيف يمكن لأحد أن يفكر بحرق كتاب مقدس لدى شعوب
أخرى؟»، في وقت كان فيه العشرات يموتون في أفغانستان في تظاهرات مستنكرة
لفعلة هذا القس.
ولأنها تضع على رف مكتبة منزلها ثلاث نسخ من الكتب السماوية: القرآن
والإنجيل والتوراة، وتقول إنها، وزوجها براد بيت، يعلمون أبناءهم على
قراءتها منذ الصغر، ويتركون لهم المجال في اعتناق ما يرتاحون اليه من
أفكار. ولأنها تجرؤ على انتقاد الثقافة الغربية.
وهي تنتمي اليها، ولا تخجل من المجادلة في نبل ونزاهة عادات تستند الى
أفكار عنصرية في الأساس، فهي عبرت أنها لا تحتفل بعيد الشكر الذي هو، في
الأصل، شكراً للإله على وقوفه إلى جانب «المهاجرين الأوروبيين في حربهم على
السكان الأصليين لأميركا وقيامهم بعمليات إبادة للهنود الحمر في زمن اكتشاف
القارة».
ولأنها انتقدت إسرائيل أثناء حربها الأخيرة على غزة، التي يحاول غولدستون
اليوم تزوير حيثياتها، وصرحت آنذاك بأنه على «العالم أن يتحد ضد اسرائيل»،
رغم أن هكذا تصريح من شأنه أن يعيد أي نجم هوليودي الى مراتب الكومبارس
المتأخرة بين ليلة وضحاها، في واحدة من أكثر الصناعات في العالم تعرضاً
لسيطرة اللوبي الصهيوني.
ولأنها جميلة، ولأنني أحب الجمال، ولأنها شجاعة، ولأنني أحترم الشجعان،
ولأنها ذكية ولأنني «أضعف» أمام الأذكياء..
لذلك كله أعشق انجلينا جولي!
ibrahimt@albayan.ae
البيان الإماراتية في
08/04/2011 |