|
علي مدي شهرين وأنا لا أتابع أي شيء بعيدا عن الثورة ولا أكتب
في شيء بعيدا عن الثورة.. تخلصت من حالة الإدمان التي لم أستطع العلاج منها
علي مدي تجاوز ٠٤عاما وهي الذهاب ثلاث مرات
أسبوعيا إلي دور العرض السينمائية.
قبل أسبوع واحد فقط عدت مرة أخري لتعاطي الأفلام في دور العرض بجرعات أقل
من المعتاد إلا أنني لم أكتب شيئا عنها دائما لدي شيء يلح علي في الكتابة
له علاقة مباشرة بثورة ٥٢ يناير!!
في مساء ذلك اليوم أقصد ٥٢ يناير كنت عائدا ليلا من ميدان التحرير مع أول
صرخة »لا« ضد فساد عهد »مبارك« ذهبت من حي المنيل حيث أقطن إلي ميدان
التحرير سيراعلي الاقدام وكذلك كانت عودتي وأنا في طريقي
للمنزل ألقيت نظرة علي استعلامات
»روزاليوسف« صحيح أنا في إجازة بدون مرتب من المجلة طوال السنوات الخمس
الاخيرة ولكن دائما مايرسل لي بعض الاصدقاء الدعوات والكتب علي »روزاليوسف«،
كل من يريد أن يترك لي شيئا يذهب إلي محل إقامتي الوظيفي القديم، ووجدت
ظرفا به كتاب من الصحفي الزميل »فيليب فكري«
الكتاب عنوانه »يوميات قبطي ساخر«
وتتصدره هذه العبارة أنا لم ارتح إلي العنوان هل هناك مسلم ساخر وقبطي
ساخر ودرزي ساخر أم أن السخرية لا دين لها؟ وجدت في اختيار العنوان قدرا
لاينكر من الطائفية. نشبت حالة عداء بيني وبين العنوان ورغم ذلك فأن السبب
الحقيقي لا متناعي عن القراءة هوأنني لا أميل إلي التعامل مع أي حدث بعيدا
عن الثورة التي يوم أن شاهدت بواكير ساعاتها الأولي أيقنت أننا بصدد ثورة
حقيقية لم أوقن من نجاحها ولكني تأكدت من صدقها.. نحيت الكتاب جانبا مع عدد
آخر من الكتب التي أرسلها لي بعض الاصدقاء.. قبل أيام قليلة عاودني شعور
جارف بضرورة القراءة وجدت كتاب »أنا من البلاااادي«
لايزال يتحداني بتلك النظرة التي لها مذاق طائفي أرفضه لأن
الإحساس بالوطن ينبغي أن يسبق الإحساس بالدين.
الوطنية لا تعني أن تنحي جانبا مشاعرك الدينية ولا أن تصبح بديلا عنها
ولكن يظل الوطن هوالانتماء الذي يحتوينا جميعا وبعد ذلك تصلي يوم الاحد في
الكنيسة أوالجمعة في الجامع هذه هي قناعتك وإرادتك الشخصية!!
أخذت الكتاب بقدر لاينكر من عدم الاكتراث ثم قلت
لقد أكدت
ثورة
٥٢
يناير أن المسلم والمسيحي اكتشفا أن الدولة
هي التي رسخت بذور الطائفية وأحالت المواطن المصري إلي مسلم أولا أو مسيحي
أولا وليس »فيليب«
هوالمسئول عن تلك المشاعر..
بدأت في القراءة التي تسمح لي بحكم الخبرة أن أحكم علي الكاتب من المقدمة.
قراءة بها قدر لاينكر من الريبة والتشكك ولكني وجدت أن البداية ينطبق عليها
هذا التعبير اللغوي »براعة الاستهلال«
حيث كتب »مقدمة الطبعة رقم
٨١«
والكتاب لم يوزع نسخة واحدة..
تابعت كل فصول الكتاب علي مدي ثلاث ساعات وأنا في حالة من النشوة والسعادة
بمولد كاتب ساخر يمزج عالمه كما وصفه بالمختلف بأحداث بها لاشك قدرا من
الخيال فهويعتبر كونه قبطيا فإنه من وجهة نظر البعض مختلفا وفي نظر البعض
الآخر يستحق الرثاء ليتغلب علي تلك المعاناة التي وضعتها الاقدار رغما عنه
في طريقه هومضطهد من أغلبية مسلمة مع الاخذ في الاعتبار أن قلة من
المسلمين تعامله باعتباره مصريا أولا!!
لم ينس أبدا حصة الدين التي أجبروه خلالها علي أن
يحفظ آيات قرآنية.
لم ينس أيضا تعنت أستاذة اللغة العربية الصارمة
ولا أستاذة الدين بينما الاستاذ »حسين«
مدرس الرسم والذي يبدو من اسمه أنه مسلم كان يمنحه الدرجات النهائية وشجعه
علي أن يتقدم لمسابقة الرسم علي مستوي مصر وكيف أنه انتظر الجائزة الأولي
ومنحوه الثانية لأنه قبطي وتساءلوا كيف يحصل علي جائزة عن القدس طالب مسيحي
رغم أن القدس للأديان الثلاثة فهي المدينة التي وصفها المخرج الامريكي »ريدللي
سكوت« في فيلمه الشهير بأنها »مملكة الجنة«
التي يتوجه كل عباد الله إليها في العالم
ورغم ذلك صارت هي عنوان
الحروب والصراعات.. ودفع »فيليب« هو الحقيقة وربما كانت هذه هي ما اعتقد
أنه الحقيقة..
أحيانا الإحساس بالاضطهاد الديني يجعلنا نفسر كل شيء سلبي يلم بنا بإحساس
طائفي. أتذكر أن المذيع الشهير»أسامة منير«
حكي أنه قبل نحو
٠٢ عاما تقدم إلي لجنة الاستماع في الاذاعة لاعتماده كمطرب ورفضته اللجنة.
اعتقد للوهلة الاولي أن الملحن الراحل »عبدالعظيم محمد«
والذي كان يلحن العديد من الاغنيات الدينية هو الذي ساهم في رسوبه لأسباب
متعلقة بكونه قبطيا وكتب
»أسامة« زجلا يسخر فيه من رسوبه بسبب ديانته قائلاً »إذا كنت موريس أو جريس من حقي أركب
الأتوبيس«
نجح هذا المذيع النجم وصار أشهر إعلامي في كل الإذاعات المصرية
خاصة وعامة وأعاد مفهوم المذيع النجم الذي اندثر..
فهل كان
»عبدالعظيم«
طائفيا عندما رفض صوته كمطرب أم أنه بالفعل لايصلح والدليل أنه بعد أن بات
مذيعا ذائع الصيت لم يفكر في أن ينتج شريطا غنائيا يؤكد من خلاله أحقيته بأن يعتلي أيضا
عرش الغناء.. أحيانا يصبح التفسير الطائفي هوالمسيطر علينا مسلمين كنا أو
أقباطا وهوليس بالضرورة التفسير الصائب دائما!!
»فيليب«
اكتشفت من خلال الكتاب أنه عاشق متيم بالسينما ولكنه عاتب علي فيلم »بحب
السيما« الذي قدم لأول مرة شخصيات قبطية في أدوار البطولة..
لديه إحساس أن الفيلم جرح طائفته الأرثوذكسية ربما لحساب الطائفة
الانجيلية التي ينتمي إليها كاتب الفيلم »هاني فوزي« رأيي أن »بحب السيما«
للمخرج »أسامة فوزي« هو أول فيلم مصري نري فيه عائلات قبطية من دم ولحم
ولايقدم القبطي باعتباره مصريا مختلفا كما تعودت الدراما التي تتناول عادة
الاقباط حيث تشعر بقدر من الحساسية يغلف الدراما ورغم ذلك فإن من حق
الاقباط أن يشعروا بقدر من الحساسية الزائدة.. أتفهم كل ذلك وإن كنت أري أن
المثقف الساخر كان من الممكن أن يتجاوز تلك الاحاسيس التي تبدو وكأنها تضع
أوراقا من السوليفان علي الاقباط!!
يبقي أجمل فصول الكتاب وهويتناول علاقته بالمرأة سواء كانت مسلمة أومسيحية
ويبدو فيها تأثره بفيلم »حسن ومرقص« وتلك المفارقات التي رأيناها عند إعلان
الابناء ديانة كل منهما ويبقي الفصل الاخير الذي لم يكتب وهوعلاقة »فيليب فكري«
بثورة ٥٢ يناير وهذا المشهد الذي رأينا فيه الاقباط يتحوطون حول المسلمين
لحمايتهم أثناء صلاة الجمعة في ميدان التحرير ورأينا المسلمين يتحولون الي
دروع بشرية لحماية الكنائس بعد حالة الانفلات الأمني..
إنه فصل أتطلع بشغف أن أقرأه في طبعة
الكتاب رقم
٩١
علي اعتبار أن الطبعة الأولي كانت تحمل رقم
٨١!!
أخبار النجوم المصرية في
31/03/2011
رؤية خاصة
توابع الثورة
بقلم: رفيق الصبان
لم تكن الثورات في أحداثها الكبيرة وتعرجاتها ونتائجها..
موضوعاً أثيراً للسينما فحسب.. بل إن السينما تعدت ذلك لتقدم أفلاماً أخري عن توابع الثورات وآثارها النفسية
والاجتماعية..
علي أصحابها.. أو علي هؤلاء الذين صعدوا علي أكتافها.
والأفلام من هذا النوع كثيرة..
سواء مثلت ثورات فردية..
أو ثورات جماعية انطلقت شرارتها من شرارة الثورة الكوني وتأثيرها.
ولعل أكبر مثال علي ذلك عدد كبير من الأفلام التي ظهرت تباعاً
في الجمهوريات الاشتراكية التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي.. فهذه
الجمهوريات وعلي الأخص (بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر)
لم تساهم في الثورة البلشفية الكاسحة التي غيرت من أركان النظام العنصري في روسيا..
وحوّلت هذه البلاد في اسمها الأصلي روسيا..
إلي اسم
(الاتحاد السوفيتي)
ولكنها تحملت نتائجها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية..
ونتيجة (التقاسم الودي)
الذي تم بين الحلفاء وكان من نتيجته وضع بلاد أوروبا الشرقية
كلها تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي الذي طبق عليها نظاماً
بوليسياً قاسياً.. يتعارض تماماً مع النظم الديمقراطية والحريات التي كانت
سائدة فيها.. لذلك ما أن سقط هذا الاتحاد وسقط من بعده جدار برلين المشئوم
حتي هبت هذه البلاد التي كانت واقعة تحت الاحتلال الروسي لتعبر عن نفسها
وعن ثوراتها (الصغيرة) التي تجلت في أفلام رائعة..
وثقها مخرجون عباقرة لعل أشهرهم في هذا المجال كان اندريه
واجدا البولندي الذي قدم في رائعته (ماس ورماد)
صورة لثوري محبط يجد في الإرهاب أحياناً تعبيراً
عن ثورته وإحباطاته، وتبعه مخرجون أفذاذ في تشيكوسلوفاكيا التي عاشت ثورتها السلمية من
خلال الفن، ومن خلال ما أبدعه مخرجوها ليعبروا بطريقتهم الخاصة عن كيفية
العبورمن وطأة الاستبداد إلي سماء الحرية،
وهكذا رأينا أفلاماً لفيرا شيتلونا، وميلوش فورمان ورفاقهما الذين كانوا الطيور
الحلوة التي ستبشر فيما بعد بربيع لوانج الذي انطلقت فيه الحناجر مدوية
صارخة ضد الظلم والاستبداد مطالبة بالحرية والعدل.
أما في المجر فقد كان هناك المخرج الكبير (ياتشكو)
الذي لجأ إلي التاريخ المجري ليروي من خلال أفلام عديدة توالت وراء بعضها
كصف من اللؤلؤ النادر تاريخ الثورات والثوريين في بلاده من خلال أسلوب يجمع
بين رمزية مدهشة وجمالية تبهر البصر.
ياتشكو كان من هؤلاء المخرجين الشجعان الذين قدموا آراءهم الثورية حتي في
أوج طغيان الاتحاد السوفيتي.. متعللاً بالتاريخ ليروي ثورة شعوب ضد طغاتها
وليضع هالات من الجمال والكرامة والكبرياء حول رؤوس هؤلاء الأبطال الذين
دفعوا حياتهم وأراقوا دماءهم دفاعاً عن الحرية .. رغم جميع القيود القاسية
التي تكبلها، والشيء الرائع في هذا المجال أن هذه الأفلام التي
أعقبت هذه الثورات جاءت مكملة لها عن طريقة أسلوبية مثلت عن نفسها ووضوح
فكري لا يعتمد علي الحماسة قدر ما يعتمد علي المنطق والإقناع.
المسألة أيضاً يمكن تطبيقها علي السينما الفرنسية التي عانت من الاحتلال
النازي منذ بداية الحرب العالمية الثانية واحتلال هتلر لفرنسا ومرور جيشه
الغازي في شوارع الشانزليزيه.. مخترقاً قوس النصر الشهير الذي يتوجها.
أفلام قدمت بذكاء خلال فترة الاحتلال ركزت علي الرموز..
لتحث علي الثورة والتحرر..
ولعل أشهرها زوار المساء لمارسيل كارنيه، وأولاد الجنة اللذان ارتديا مسوخاً
تاريخية ولكنهما كانا في صلبهما يهيئان النفوس للتمرد والعصيان ويبشرون،
وأن كان ذلك بشكل غير مباشر لثورة متوقعة ومتمناه.
ولكن ما أن جاء التحرر.. حتي راح المخرجون الفرنسيون يقدمون أفلاماً مدهشة عن المقاومة وعن الثورات المرجوة في ذلك
الزمن البغيض الذي مر علي فرنسا وأحكم القضبان حول فكرها وإبداعها.
كل هذا يقودنا إلي التساؤل حول الدور الذي يمكن أن تلعبه السينما خلال
الثورات أو بعدها من تأكيد المبادئ التي قامت عليها الثورة..
وتكرس نفسها لتمجيد هؤلاء الأبطال
الحقيقيين الذين دفعوا دماءهم ثمناً
لفكرة العدالة والحق التي كانت تتأجج في قلوبهم وتجعلهم يدفعون دماءهم
راضين في سبيل تحقيق مثُلهم العليا.
وهذا ما يقودنا إلي التساؤل حول الاتجاه الذي ستنحو إليه سينمانا المصرية
بعد الثورة.. هل يمكن لأفلام الابتذال والإفيهات الجنسية وتأليه النجم أن
تستمر كما كانت وأن تجتذب إليها عشرات بل ألوف وملايين المتفرجين كما كان
يحدث في السابق؟!
هل يمكن لمحمد سعد مثلاً أن يستمر في تقديم شخصياته التهريجية وأن يدعي
مثلاً
أن اللمبي كان ثائراً علي طريقته وممهداً لثورة يناير؟!
وهل سيستمر السبكي في إنتاج أفلامه المعتمدة علي الإفيهات الجنسية في
الحوار المبتذل الصارخ والأغاني الرخيصة التي تصاحبها رقصات لا تنتمي إلي
فن الرقص بشيء.. أم أن الكوميديا وهي أكثر الأنواع السينمائية شيوعاً
وجماهيرية لدينا.
وهل يمكن للمغني الشاب صاحب (قوم اقف وانتَ بتكلمني)
أن يكون له صداه لدي جماهير شباب الثورة التي غنت بحماس أغنيات سيد درويش والشيخ إمام؟!
لقد أتتنا ثورة يناير.. كعاصفة مدوية أطاحت في طريقها بكل ما اعتدناه وكل
ما صبرنا عليه سنوات طويلة.. وكان العذر الذي يجعلنا نطبق شفاهنا..
هو أن هذا ما يريده شبابنا من السينما ومن
الغناء ومن الفن عموماً..
ولكن جاءتنا هذه المفاجأة المدهشة التي
قلبت موازيننا وأحكامنا كلها..
إن هؤلاء الشباب أنفسهم هم الذين
(رفسوا) بأقدامهم الصغيرة العملاقة..
هذه الصورة المشوهة من الفن..
متجهين نحو تعبير آخر وسماء أخري وأذواق مختلفة.
قد تكون أحياناً تتابعات الثورة أشد عمقاً
من الثورة نفسها علي مستوي الفن..
وكما جاءت الثورة معجزة غير متوقعة..
فقد يأتينا الفن الثوري بمفاجآت أخري
أصبحنا نتوقعها،
ولن نقف
مدهوشين.. متساءلين أمام وقوعها.
أخبار النجوم المصرية في
31/03/2011
دراما مرئية
مولانا وسره الباتع
بقلم: د.حسن عطية
من المتعارف عليه أن القيام بالثورة أمر صعب، وأن الحفاظ علي هذه الثورة متوجهة ومستمرة حتي
تحقق أغلب أهدافها هوالأمر الاصعب المضاف علي كاهلها،
لأنه لايمكن الوقوف عند امتلاك بضعة آلاف أو ملايين لإرادة كسر حواجز الخوف
من الأنظمة التي ثارت عليها في ميادين التحرير، حيث تحتاج الثورة لإرادة مجتمع بأكمله للحفاظ علي
ثورته وعدم التفريط فيها أو التشكيك في دوافعها،
بل وعلي التحرك في مواجهات مستمرة مع دعائم الأنظمة التي تداعت واجهتها دون
أن تتساقط دعائمها المؤسسة منذ زمن طويل، والتي شكلت قوي تدافع عن مصالحها بدفاعها عن هذه
الأنظمة التي قامت الثورة ضدها.
ودائما ما ترتدي قوي الأنظمة القديمة أردية لا
تكشف بسهولة عن دوافعها الحقيقية، وعادة ما تكون هذه الأردية منسوجة بخيوط
دينية وأخلاقية وتراثية وأحيانا قانونية، ومختومة بخاتم العادات والتقاليد
والحفاظ علي الهوية الوطنية،
وهي خيوط وأختام من الصعب علي المواطن البسيط أن
يدرك بسهولة الحقائق المختفية خلفها،
فمن أهم الحواجز التي أسقطتها ثورة
٥٢
يناير حاجز الخوف من
السلطة الأعلي، والمتدثرة برداء الأبوية،
والتي تتضمن ديكتاتورية الرأي الأوحد، وضرورة خضوع الأبناء أوالمرؤوسين للأب الحاكم،
باعتبار أنه العارف والخبير والحكيم وممتلك القين الكامل، ولهذا خرج علينا
مع الثورة وبعدها من يعتذر للديكتاتور المخلوع بزعم أنه الاب الذي يجب الا
يهينه الأبناء، وأن تقاليد وعادات المجتمع المصري تقف ضد عدم الامتثال لولي الأمر،
ووصل الأمتثال لحده المتطرف المعارض لرأي الأغلبية بتحرك بعض المحامين
رافعين قضية تطالب بعدم دستورية تنحي الاب المخلوع بإرادة جماهيرية أطاحت
بالدستور كله.
ألحقنا ياريس
حاجز الخوف من السلطة الأبوية بتعدد أوجهها الأسرية والاجتماعية والثقافية،
يخلق بالطبع التباسا مؤقتا لدي المؤيدين للثورة،
حيث تتباين المواقف بين من يدرك أن الثورة
هي ضد الاب الظالم،
وليس ضد أي أب أو أخ أكبر، ومن يتصور أن اغتيال الاب ضرورة ثورية تجعل من يوم الثورة حدا فاصلا
بين من عاش قبل الثورة وينبغي أبادته تماما،
ومن يجب تأليهه لأنه ولد مع الثورة أو أندس وسطها، دونما اهتمام بعوامل
المعرفة والكفاءة والأنتماء،
ودونما تدقيق فيمن عليه عبء تحويل الثورة من انتفاضة شعبية لفعل اجتماعي
سياسي ثقافي يغير عمق الوطن قبل وجهه، بالوعي الثوري وليس فقط بمجرد الولادة أو رفع الشعارات البراقة.
لقد لعب الابداع المرئي والسمعي والمكتوب دورا هاما في زعزعة بنيان السلطة
الأبوية، خلال العقود الخمسة الاخيرة،
كما شارك في الاشارة الي الفساد المتغلغل في بلاط
الحكم، وإن توقفت هذه الاشارة دوما عند الحاكم الاب،
مدينة رجاله، وظل هوخارج دائرة الإدانة، وكانت تعد له الأفلام الداعية لجلالته لحضور عرس اثنين من أبناء
الشعب فيقبل بنبل،
أو المستغيثة به لإنقاذها من فساد الآخرين وتحمل
عناوين علي شاكلة (الحقنا ياريس)،
قبل أن يتغير هذا العنوان لآخر بعد الثورة، وهوعنوان دال علي أن
الفيلم كان يدين ما يحدث، منزها الرئيس عنه، ويسعي بطله لإيصال صوته إليه،
وهوذات الأمر الذي انتهجة فيلم (طباخ الريس)،
والذي قدم صورة ناصعة للرئيس المخلوع، وجمع بضع مشاكل من علي الطريق كي يقدمها له
بحكمته ورجاحة عقله!!.
غير أن أفلاما أخري حاولت أن تسير في طريق آخر، وأن تقلص حضورها في حيز الافلام الروائية
القصيرة، المنتجة لغير التسويق التجاري،
والتي تمنح صناعها حرية أكبر في التصدي لقضايا المجتمع عامة، ولموضوع
السلطة الأبوية خاصة،
ومن بين هذه الأفلام فيلم
(سرالباتع) (٢٢ دقيقة) للمخرج المتميز »عزالدين سعيد«
ومن
إنتاج (قطاع الإنتاج المتميز)
باتحاد الاداعة والتليفزيون،
مستلهما خطوطه العامة من عالم »يوسف إدريس«
القصصي، إن أبرز في تتراته قصة (سره الباتع)
التي يهدي الفيلم
لها وله، فقد انطلق من صورة الطفل كثير السؤال والمتكررة في العديد من قصص
»إدريس«، مبتدئا بالطفل »إبراهيم«
الذي يغرق
أيامه الأولي في اللعب، ويجري محاولا ملاحقة القطار في سيره
(عن افتتاحية قصة آخر الدنيا)،
كما يود في نفس الوقت مجاراة عالم الكبار،
مقلدا لهم في صلواتهم وصيامهم شهر رمضان، غير أنه يواجه بقسوة الاب عليه خلال تعليمه كيفية
تأدية الوضوء، وإزاحة الرجال له كي يبقي بصف من هم في مثل عمره،
حينما أراد أن يصلي معهم في المسجد، فضلا عن عدم قدرته علي الصيام،
واضطراره للإفطار بشرب الماء خلسة (كما هوالحال مع الطفل
»فتحي« في قصة
(رمضان) من مجموعة جمهورية فرحات)، وقد ساقه ضرب الاب له إلي طريقين يبدوان متناقضين في البداية،
وهما طريق الغواية حيث يرتمي في أحضان امرأة أرمل،
فيعرف قيمة الجسد الحية، ومنتقلا به لعالم الكبار، وطريق التبتل أمام مقام (مولانا)
القابع بحافة القرية، والذي يستعديه في البداية لشل يد أبيه،
ثم يستخدم شموعه التي يسرقها من ضريحه
لتلبية حاجته للمال، خاصة مع دخوله عالم الكبار،
وموت أبيه واختفاء أمه وعدم وجود مسكن له فجأة
وبدون تمهيد أو أسباب معلنة في سياق الفيلم.
يكبر الطفل (أدي الدورالطفل كريم عبدالقادر)
فيصير فحلا
(أدي الدور رضا حسنين)، ومازال علي علاقة بالمرأة اللعوب ونساء أخريات،
ومازال علي علاقة بمقام (مولانا)
دون أن يعرف من هو،
حتي يدخل ساحة الضريح ذات ليلة شتوية، ويهبط لداخل مقبرته،
أيضا دونما مبرر واقعي أودرامي لذلك،
فقد كان يكفيه الاختفاء خلف المقبرة داخل الضريح، فيكتشف عدم وجود جثة الشيخ،
ويدرك أن (مولانا) أكذوبة، فيبدأ في سرقة ضريحة نفسه وليس فقط الشموع
المجلوبة إليه، لكن البسطاء المرتبطين بفكرة الشيخ مانح البركات والممثل
لسلطة الهيمنة في القرية، يتصدون له، ويجبرونه ضربا بالحجارة علي الخروج من
القرية،
خروجا من جنة الحياة الارضية.
أكاذيب الحياة
يبدأ الفيلم قبيل تتراته بكرات تلقي في الماء الساكن فيضطرب،
ثم شمس تشرق، فساقية متحركة، ثم مجموعة من أهل القرية يهربون ليلا من شيء مجهول،
بينهم والد بطلنا الطفل، وتنتهي افتتاحية الفيلم بظهور التترات وظهور الطفل سائرا بخطوات
طبيعية، تمنحنا دلالة أنه هذا الشيء الذي يخيف الجميع،
رغم أن دلالة الطفل في الفيلم بأكمله لا تحمل عنفا للقرية بل تشابكا مع
معتقداتها، ثم ينتقل الفيلم الي عالم القرية صباحا والقطار يسير بسرعته
المعهودة، وصوت الطفل من خارج الكادر يعلن عن أمنيته في اللحاق بالقطار،
ويركز الفيلم بنائيا بعد هذه الافتتاحية علي حركة اكتشاف الطفل فالشاب
»إبراهيم« لحجم الاكاذيب التي يعيش فيها، حتي يطرد نهائيا من عالمه الريفي الصغير،
بعد أن نزع عنه الفيلم أية علاقة أسرية تربطه به،
حيث بدت كل شخصيات الفيلم مجرد أنماط بشرية طائرة في محيط »إبراهيم«
وليست قوي محددة الملامح يتشابك معها.
فيلم آخر ينضم لسلسلة أفلام »عزالدين سعيد«
المثيرة للجدل،
والتي تؤكد علي مقدرته الإخراجية، وامتلاكه لأدواته التي أحيانا،
كما في هذا الفيلم، تخذله كتابة السيناريو والحوار اللذين يضطلع أيضا بكتابتهما،
فتبدو الفكرة لامعة، غير أنها تضيع وسط بناء درامي
غير متماسك ومتعدد الدلالات.
أخبار النجوم المصرية في
31/03/2011 |
