لا أدري لماذا ألحت علي ذكرني ثورة شباب انجلترا في الستينات وأنا أشهد هذه
الثورة الشابة التي انطلقت من ميدان التحرير لتجرف وراءها سيولا من الفساد
والأنانية والطمع والجهل والاستبداد كانت تعشعش في زوايا حياتنا وأفكارنا.
هبة واحدة.. تجمعت في سحابة معطاء..
غطت الميدان كله..
ثم (انهمرت) أمطار التطهر لتمسح بقوة كل هذه الشوائب التي ترسبت في حياتنا
وخلقت جدارا متينا من الظلم الاجتماعي والسياسي لم تعرف له البلاد مثيلا
حتي في عهود المماليك أو ايام الاحتلال الانجليزي.
الهبة الشبابية الانجليزية..
التي ابتدأت في لندن..
قبل ان تنتقل الي بقية المدن الانجليزية ومنها الي كثير من بلدان العالم..
كانت هبة طموح..
هبة جنونية..
هبة تكمن فيها عفوية الاحساس وقوة الاقتناع
بالتغيير.
ثورة طالت كل شيء في انجلترا..
صنعها الشباب ثم انعكست بعد ذلك علي مفارق الحياة كافة.
انجلترا بلد التقاليد الراسخة والعادات التي حفرت جذورا في الأعماق لا يمكن
قطعها او استئصالها. ونوع من الحياة تفنن الي درجة الانهاك وحياة منظمة
روتينية يسير عليها الأفراد.. كما تلتزم بها الحكومات.
سنين وسنين وسنين وانجلترا ثابتة في موقعها الأخلاقي والحضاري والسياسي
الذي توصلت اليه بعد حروب ونزاعات طويلة ودماء سالت انهارا..
وأرواحا ازهقت وثورات اضمدت..
ورؤوس قطعت.
وجاء الشباب ليقلبوا الإناء بكل ما فيه..
وليقدموا لبلدهم اناء جديدا شفافا بالغ
الرهافة وشديد السحر.
اطال الشباب شعورهم حتي وصلت الي منتصف العنق، ورفعت الفتيات ثيابهن حتي وصلت الي اعلي الساق.
ارتدوا الثياب الملونة..
ووحدوا الأزياء بين الرجال والنساء..
غيروا من لهجة كلامهم المتقشفة واستبدلوها بعبارات تنبض بالحياة.. خارجة من
زوايا شوارعهم ومن نبضات قلوبهم.
هب الشباب في انجلترا مرة واحدة..
ليطيحوا بمباديء ظلت ثابتة دهرا كاملا..
ويستبدلوها بشعاراتهم وآرائهم وصرخاتهم وضحكاتهم المدوية.
وظهرت آثار هذه الثورة.. في الفن كما في السياسة.
سطع نجم (البيتلز)
وطريقتهم في الغناء ونوعية أغانيهم ومضامينها وظهر جيل الغضب في المسرح..
وكان في طليعته جون اولسبرن الذي اطلق اسم (الغضب)
علي هذه الهبة الشعبية من خلال مسرحيته الشهيرة (انظر
خلفك بغضب) واستطاع المسرح الانجليزي العريق ان يحطم كل التقاليد القاسية
التي كانت ترهقه.. فقدم مسرحية (هير).. والتي احالها فيما بعد ميلوش فورمان
الي فيلم ينبض سياسة وحبا وغضبا.
حتي نوعية الطعام الانجليزي المتزمت انطلق بدوره..
ليدخل علي المائدة الانجليزية..
ما كان عتاة التقاليد يعتبرونه توحشا وانعدام حضارته.
لا أريد ان اتكلم عن نتائج هذه الهبة الشبابية علي صعيد السياسة فذلك حديث
اخر له شجونه.. وانما اكتفي برصد الظاهرة فنيا واخلاقيا تحرر الفن..
وتحررت الأخلاق وتحرر الابداع وتحررت الصرخة المحبوسة في الصدور لتنطلق
مدوية هادرة.. تعم سماء انجلترا قل ان تنطلق لتعم سماء اوروبا كلها.
ثورتنا.. ثورة شبابية ايضا وقودها الشباب..
ونارها المتوهجة اضاءت قلوبنا وعقولنا وضمائرنا
ورفعت غلالة كثيفة كنا نضعها علي عيوننا،
وجعلتنا نري في هؤلاء الشباب (الذين كم كنا نبخس قدرهم)
شيئا اخر.. شديد الاختلاف..
يحمل في أعماقه إرثا حضاريا حقيقيا تكدست فوقه تراكمات
كثيرة حجبته عنا وحجبت النور عنه.
هبة شبابنا.. اخذت مظهرا سياسيا..
سيتلوه دون شك مظهر اخر اخلاقي وفني أي علي عكس هبة شباب لندن..
التي ارتدت رداء اخلاقيا واجتماعيا..
قبل ان تنقلب هي ايضا الي هبة سياسية
حقيقية لم يكن احد يتوقع صدورها من انجلترا.
هذه الهبة (المفاجئة) والمدهشة.. لم يكن خصومها يتوقعونها لذلك استطاعت
بسرعة ان تجتاح الحواجز والعقبات لتعبر عن نفسها بقوة وديناميكية مشهودة
لكن اخطارا كثيرة تحيط بها.. فمصر ليست منعزلة كما في الجزيرة البريطانية
تحدها حدود.. وتربطها علاقات متعددة وتعيش في ظروف سياسية واقتصادية شديدة
الدقة والجدار الفولاذي الذي نجحت في تحطيم واجهة صغيرة منه لازال جدارا
منيعا له دفاعاته الخاصة وله رجاله الأقوياء المخلصين له..
لانه صمام امان لهم..
حياته من حياتهم وسقوطه يعني انهيارهم..
لذلك فهم جاهزون في الدفاع عنه مؤمنون
بالمبدأ الشهير.. (اذا خسرنا معركة فهذا لايعني اننا خسرنا الحرب).
اخطار كثيفة وشديدة الخطورة تحيط بشباب ميدان التحرير ومبادئهم وامالهم
هناك من يتربص لهم.. وهناك من ينصب لهم فخاخا..
وهناك من يحاول وأد صرختهم النقية.
لقد نجح شباب لندن في دك جدار اخلاقي متداع اصلا رغم انه يحمل سمات الجمود
والقوة.. اما شبابنا فيواجهون تيارات خفية وسامة..
قد تعصف بآمالهم كلها اذا لم يتيقظوا
ويشعروا حقا بخطورة العدو المتربص لهم.
لقد فرح المسلمون وهتفوا.. بعد غزوة (بدر) ليصابوا بصدمة كبري في غزوة (أحد)
حينم ألهاهم عدم سماعهم لغة المنطق وحكمة رسولهم ومنطق الأشياء بعدم
التسرع في جمع الغنائم.. دون النظر الي العدو الذي تجمع حولهم مغتنما لحظة
الضعف لكي يجدد انقضاضه.
ثورتنا.. ثورة الياسمين وورد البساتين تحتاج لكي تزهو وتزدهر.. الي ماء
الحكمة وبعد النظر وقوة التدبير..
لان الأشواك الغليظة والمدمرة..
قادرة أحيانا علي تمزيق أوراقها الرقيقة الشفافة التي اشاعت
الجمال والانسجام وفتحت أبواب الأمل امام السحب الوردية دون التفكير بتجمع
السحاب الأسود..
الذي قد ينقض فجأة..
فيدمر كل شيء.
أخبار النجوم المصرية في
10/03/2011
خواطر ناقد
المثقفون و
الحظيرة
بقلم: طارق الشناوي
هل ينتهي تعبير الحظيرة الذي أطلقه "فاروق حسني"
وزير الثقافة الأسبق علي كل من يتم استقطابه للدخول إلي دائرة الوزارة حيث
كان الهدف هو تدجين المثقف ليصبح صوتاً للدولة..
بعد
23 عاما قضاها "فاروق حسني" علي مقعد الوزير تتابع في الشهر الأخير فقط
وزيران لم يستطع أي منهما أن يمكث علي مقعده أكثر من بضعة أيام البداية مع "د.جابر
عصفور" وكان هو صاحب اليد الطولي من خلال موقعه كأمين للمجلس الأعلي
للثقافة طوال عهد "فاروق حسني" في تنفيذ خطة النظام للسيطرة علي المثقفين
بحكم أنه الأقرب إليهم.. حلف "عصفور" اليمين أمام الرئيس السابق "حسني مبارك"
ثم تقدم بعد عشرة أيام فقط باستقالته إلي رئيس الوزراء ثم جاء دور "محمد
الصاوي" الذي حلف يمينه أمام المشير "طنطاوي"
ثم كان القرار الثالث باختيار د.عماد أبو
غازي وزيراً
للثقافة وهو مالاقي صدي طيباً
لدي قطاع وفير من المثقفين والعارفين بمواقف الرجل
الذي كان يكتب مقالاِ أسبوعياً
علي سبيل المثال في جريدة الدستور التي كان النظام يعتبرها العدو الأول له
ولم
يتوقف عن كتابة الباب الصحفي حتي وهو
يشغل موقع أمين عام المجلس الأعلي للثقافة..
ما يعاني منه المثقف في مصر أن الولاء
للرئيس يسبق الولاء للوطن..
البديهي في ظل حالة الرغبة في الصعود إلي
قمة الهرم أن نجد كاتباً محترماً
أو مثقفاً كبيراً يكيل المديح للرئيس السابق "حسني مبارك"
هؤلاء صاروا الآن يلعنون زمن "مبارك"
وسنينه ولكن هذه قصة أخري..
بات من الشائع أن عدداً
كبيراً من المثقفين يغازلون السلطة عن طريق تدعيم ملف التوريث ودائماً
الحجة التي يدركون هم كذبها قبل أي أحد آخر هي أن الانتخابات هي التي تحدد
من يعتلي كرسي الرئاسة وعادة يضيفون كنوع من تحلية البضاعة ولماذا نعاقب
ابن الرئيس لمجرد أنه ابن الرئيس ونحرمه من تلك الفرصة ونحرم أنفسنا من أن
يحكمنا واحد من آل بيت الرئيس الذي هو أدري بشعابها؟!
كنت أتابع كل ذلك وأشعر أن القسط الوافر من المجتمع يبيع نفسه أمام الحاجة
إلي المزيد من المكاسب ورغم ذلك كنت أري عدداً قليلاً
جداً
وهم يرفضون أن يصبحوا ترساً في هذه المنظومة الكاذبة..
أمثلة من هؤلاء لم تبرح الذاكرة أسماء بقامة وقيمة "عبد
الوهاب المسيري" ، "مجدي مهنا" ، "جورج اسحاق" ، "عبد الحليم قنديل"
، "حمدي
قنديل" ، "علاء الأسواني"
، "محمد
عبد القدوس" ، "إبراهيم عيسي" ، "بلال فضل" ، "أسامة الغزالي حرب"
وغيرهم بالطبع ولكن هذا ليس توقيت الحصر إلا أننا يجب أن نعترف
أن أغلب المثقفين دخلوا الحظيرة والكل كان يعرف أن المطلوب هو مغازلة
الرئيس والتمهيد لملف التوريث وبعضهم كان يعرف أن صاحبة القرار الذي لا يرد
لها طلباً
خاصة في الشئون الثقافية هي "سوزان مبارك"
وأن مدح زوجة الرئيس هو الطريق السحري للترقي وصار لها مكانة في الصفحات
الأولي وليس فقط صفحات المجتمع وهكذا تورط
90٪
من المثقفين في مدح "سوزان مبارك" والتي كانت دائماً لا ترتوي وتطمع في المزيد وهي علي المقابل تجزل لمادحيها العطاء..
إلا أن المشهد الذي لم يبرح أبداً ذاكرتي فهو للأديب الكبير
"صنع الله إبراهيم"
عندما وقف علي خشبة المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية قبل
7 سنوات ورفض جائزة الرواية وقدرها
200
ألف جنيه ويجب أن نلاحظ أن هذا الرقم يعد بالنسبة للأديب ثروة ضخمة!!
كانت الدولة تدرك أن "صنع الله" له آراؤه التي ترفض النظام ولكن تواجد "د.
جابر عصفور" في تلك السنوات علي رأس المجلس الأعلي للثقافة حيث كان هو
الأمين العام والخطة المطلوب تنفيذها هي احتواء الجميع داخل مظلة الدولة..
كانت هذه هي الأجندة التي من أجلها تم تصعيد "د.
جابر" ليصبح الرجل الثاني في وزارة الثقافة وحلقة الوصل بين الوزارة
والمثقفين خاصة من الكتاب وهكذا تحمل "د.جابر"
المسئولية أمام الوزير مؤكداً أن "صنع الله"
في طريقه للحظيرة ومعني قبول "صنع الله"
لجائزة الرواية فإن التقديرية وبعدها جائزة "مبارك"
سوف تنتظره وساير "صنع الله"
جابر وأوهمه أنه وافق علي تلك الصفقة وعندما صعد علي المسرح ووقف بين وزير
الثقافة "فاروق حسني" و "جابر عصفور" طلب الكلمة واعتقدوا أنه سوف يكيل
المديح للدولة وربما للوزير ولحسني وسوزان وجمال وعلاء كما تعودنا مع الأسف
من قسط وافر من المثقفين في مثل هذه المواقف ولكن "صنع الله" ألقي بقنبلة
عندما أعلن أنه يرفض هذه الجائزة التي تأتي من حكومة فاسدة!!
وأسقط في يد الجميع وبدأت الدولة في الانتقام وصار "صنع
الله" غير مرحب به ضيفاً في تليفزيون الدولة والقنوات الخاصة أيضاً
كانت تتحرج في استضافته وضيقت الدولة الخناق عليه..
كان المطلوب هو منع الماء والهواء والضوء عن هذا الأديب الكبير.. كان قطاع
المسرح التابع للدولة قد رشح روايته "اللجنة"
لتقديمها وأعدها المخرج "مراد منير"
وتحمس لها "نور الشريف" ولكن تدخل فاروق في اللحظات الأخيرة
وألغي العرض كنوع من الانتقام الموجه
ل"صنع الله"؟!
يجب أن يعترف المثقفون أنهم لم يلعبوا دورهم الحقيقي في محاربة وكشف فساد
النظام وأنهم أقصد أغلبهم كانوا متواطئين ولو حتي بالصمت وبعضهم كان يحصل
علي الثمن.. الآن هناك بالتأكيد من يستحقون التحية من وزير الثقافة الجديد
الدكتور عماد الدين أبو غازي.
كان "د.عصفور" في الفترة المحدودة التي تولي خلالها حقيبة وزارة الثقافة قد
أصدر أول قرار له بتوجيه الشكر إلي "فاروق حسني"
عما قدمه للثقافة.. أتمني أن يكون أول قرار للوزير الجديد هو محاسبة "فاروق
حسني" عما أفسده في الحياة الثقافية..
أما القرار الثاني فهو تكريم
"صنع الله إبراهيم"
هذا الأديب الكبير الذي قال لا قبل أكثر من
7 سنوات عندما كان من يقول لا يدفع الثمن غالياً
ودفع "صنع الله" الثمن وحصل علي ما هو أكثر فأصبح واحداً من الكبار الذين مهدوا للثورة..
أنتظر تكريماً يليق بهذا المبدع الكبير الذي لم ألتق به شخصياً
حتي الآن ولكني لا أنسي أبداً
هذا الرجل بجسده الضئيل وهو يرفض أن يكون واحداً
من عشرات دخلوا طواعية حظيرة "فاروق حسني"!!
أخبار النجوم المصرية في
10/03/2011
دراما مرئية
لن اعيش في جلباب
ابي
بقلم : د.حسن عطية
لم يكن الكاتب »يسري الجندي« يفكر وهويكتب مسلسله الذي عرض العام الماضي
بعنوان (سقوط
الخلافة) أن ثمة من سيخرج علينا ظهر يوم الجمعة الماضي ليطالب بعودة
الخلافة إلي العالم، وتكوين دولة دينية في مصر، علي
غرار دولة آيات الله علي الارض الايرانية اليوم،
وتأكيدا لولاية الفقيه، ووفقا لما عرفته الحياة العربية علي امتدد أكثر من ثلاثة عشر قرنا،
منذ تأسيس الدولة العباسية علي سفح دماء »علي بن أبي طالب«
وأبنه »الحسين«، حتي إعلان تركيا الانتهاء من نظام الخلافة عام
٤٢٩١،
والذي كان الخليفة فيه يأمر فيطاع دون مناقشة،
وتسقط الدولة بأكملها بسقوطه أوموته، ويتحول الشعب فيه إلي مجرد حرافيش وزعار وعيارين وآحاد الناس
يتغني بهم الناس في حكاياتهم وسيرهم الشعبية، بينما لايذكر التاريخ الرسمي
غير الحكام وأدوارهم في حركة التاريخ.
لم يقل لنا تاريخنا المظلوم والظالم لنا أن شعبا اجتمع في أي زمن من أزمنة
دول الخلافة التي ولت بأحد ميادين القاهرة أو دمشق أوبغداد أوحتي قرطبة
وأسقط خليفته وطالب بمحاكمته وأصر علي أن يكون هذا الخليفة حاكما
بالانتخاب،
وليس بالتوريث أوقطع الرقبة، ولم نعرف في تاريخنا الطويل أن مجموعة من شباب القضاة طالبوا الخليفة
أو وزيره الأول بتعيين قاضي قضاة البلاد وفقا لما يرونه صالحا للمجتمع
وللقضاء،
وليس وفقا لمزاج الخليفة الخاص،
وقدرة قاضي قضاته علي تلبية أوامر مولاه،
كما حدث الجمعة الماضية أيضا.
ولم يكتب يوما أي من المؤرخين العرب،
الذين اشتهر عنهم النقل والسرد للأحداث من وجهة
نظر الحكام الذين يعملون بدواوينهم،
لم يكتب أيا منهم عن خليفة أو وال أو أمير نزل إلي الناس وأعلن لهم، كما
أعلن رئيسي وزراء مصر الجديد يوم الجمعة الماضي كذلك أمام الجماهير في
ميدان التحرير: أنه يستمد شرعيته منهم، لأنهم »أصحاب الشرعية في الحكم«،
بينما الشرعية في دولة الخلافة للخليفة المحصن ضد التغيير باسم السماء، فلا
شرعية للشعب، كما أعلن الشيخ السلفي السكندري يوم السبت الماضي بجريدة
(الشروق) مؤكدا رفض السلفيين للديمقراطية، لأن هذه الديمقراطية تعني أن يحكم الشعب نفسه
بنفسه، »
وهذا مخالف للشرع،
فالمفترض أن يحكم الشعب بشرع الله«، والذي لايعرفه ويطبقه غير الخليفة الفرد،
وجل أن يخطيء.
سرقة البطولة
أقول هذا لأحمل صناع الدراما التليفزيونية والسينمائية والمسرحية وحتي الإذاعية مسئولية توعية الجماهير
بموضوع الدولة المدنية، التي يشوهها البعض متعمدا أوجهلا باسم الكفر،
ويفسر قضية فصل الدين عن السياسة بمعني تغييب الدين عن الحياة، ويدعو الي
إخضاع الدولة المتغيرة زمنيا لقواعد ثابتة لا تتغير علي مر الزمان، وتحويل
الحكم الي نظام كهنوتي من
يختلف مغ
الحاكم فقد كفر، ومن يخرج عليه فقد خرج علي طاعة أولي الأمر.
لابد وأن تلعب الدراما المرئية دورها في مناقشة هذا الموضوع الخطير بوعي
يكشف عن عمليات الالتفاف الدائم حوله، وتغليف الحوار حوله بأغلفة مقدسة صعب علي الإنسان البسيط الفكاك منها.
فليست مهمة الدراما بعد ٥٢ يناير أن تحكي لنا الحكايات عن الفقير الصاعد
بذكائه لأعلي مستوي اجتماعي، دغدغة لمشاعر البسطاء الذين لا يملكون أدوات
الصعود في ظل أنظمة اجتماعية واقتصادية صارمة، فيكتفون بالغرق في حلم
صعود جامع بقايا (الصواميل)
القديمة ليصبح الحاج (عبدالغفور البرعي)
من أكبر تجار وكالة البلح، وغيره من الشخصيات الذكورية والنسائية التي دأب التليفزيون علي
تقديمها خلال النسوات الفائتة، لتلهية المشاهد،
وتغييب وعيه، وجذبه بعيدا عن التفكير في قضاياه الحقيقية، بل وتغييب فكرة قصة
»إحسان عبدالقدوس«
الكامنة في عنوانها،
والتي يرفض فيها الابن وصاية أبية، ويتمزق بين حبه لهذا الاب وتمرده علي زمنه،
فأنتزع المسلسل البطولة من الابن المتمرد ليمنحها للأب المهيمن، وكأنه قدر
لافكاك منه، وخليفة علي الارض وعلي كل الابناء الانصياع لأوامره.
نسف القديم
صحيح أن بضعة مسلسلات اقتربت من عالم رجال الاعمال، وأشارت لزواج المال بالسلطة،
وشجبت الفساد، ولعبت دورا أمام شباب الثورة في التعرف دراميا علي مايعرفونه نظريا،
وهوماجعل للمثقف المصري دورا في التمهيد لهذه الثورة، وتهيئة الاذهان لقبول
قكرة الثورة الشعبية،
بناء علي الشعور بمأساة اختلال الحياة الاجتماعية علي أرض الواقع، وأدراكها
بالاعمال الدرامية والروائية التي تكشف جوهر هذا الاختلال.
غير أن قلة هذه الاعمال الواعية، أدي لضياعها و،سط الكم الهائل من الاعمال التافهة والمتخلفة،
والمصاغة عمدا لتضليل الجماهير، ومنها كما ذكرنا سلفا نموذجنا السابق،
والذي دشن، حتي لو دون أن يدري، نموذج الاب صارم الافكار والافعال،
فكرس لنموذج الحاكم المؤله، والذي يخشي الابناء الاقتراب منه،
ويبكون لغيابه، الذي يعني في ذاكرتهم الجماعية:
الضياع، وهو ما أطاحت به ثورة الشباب الشعبية، وأن تركت الساحة مخلخلة تسري فيها روح الانتقام،
وفقه نسف القديم بأكمله، والعمل علي إزاحة كل خبرات الآباء وعلومهم،
ووضع خط فاصل بين الجيل الذي صنع الثورة وكل الاجيال السابقة، تغافلا
لادوارها الفكرية والفنية والاجتماعية والتعليمية السابقة، واعتبار الوطن
قد ولد فقط فيما بين الخامس والعشرين من يناير والحادي عشر من فبراير، وكل
ما كان قبل ذلك يندرج تحت بند الجبن والخيانة.
وهذه في الحقيقة أول بوادر ضرب الثورة من داخلها، وهومايسهل عمل الثورة المضادة علي الانقضاض عليها
من خارجها، ما يستدعي دراميا التفكير في صياغة أعمال جديدة علي شكل سهرات
وسباعيات، يمكن إنجازها بسرعة وبتكلفة إنتاجية قليلة،
بدلا من الانتظار لإنتاج ثلاثة أوأربعة مسلسلات لرمضان القادم، فاليوم أهم
بكثير من هذا الشهر المسلسلاتي البعيد.
أخبار النجوم المصرية في
10/03/2011
سينمائيات
ربيع الشعوب في
زماننا
مصطفي درويش
بدءا من تونس الخضراء حيث اطاح الشعب بالطاغية زين العابدين بن علي وحتي
المحيط الاطلسي ، او ما كان يسمي ببحر الظلمات في سالف الزمان.
ذلك هو الجزء الشمالي افريقي من الوطن العربي ، حيث كان الاستعمار الفرنسي يجثم فوق ارض اقطاره
الثلاثة تونس و الجزائر والمغرب مستعبداً
شعوبهما مثلما كانت تستعبد الشعوب في ازمنة كان يسود فيها نظام العبيد.
ومن بين الأقطار الثلاثة كان للجزائر وضع خاص انفردت به دون تونس والمغرب
ويرجع وضعها الخاص هذا إلي هجرة آلاف الفرنسيين،
علي امتداد اكثر من مائة عام إلي ساحل الجزائر
المطل علي البحر المتوسط، حيث وفرت لهم سلطات الاحتلال سبل الاستيلاء علي
أكثر من الاراضي خصوبة، وزراعة مساحات شاسعة منها بانواع من الكروم،
التي يستخلص من عصيرها أجود اصناف النبيذ.
ومع رسوخ قدم الاستعمار الفرنسي، وازدياد عدد المستوطنين
، اعدت سلطات الاحتلال خطة محكمة،
قوامها فرنسية المجتمع الجزائري،
بشتي وسائل الترغيب والترهيب.
وسرعان ما جعلتها منهجا لسياستها ، بطول وعرض البلاد وبحكم مخالفة الفرنسية لطبائع الأمور،
انقسم العديد من المدن الجزائرية الي شطرين، احدهما لايسكنه إلا العرب أهل البلد الا مليون.
والآخر سكناه مقصورة علي الفرنجة، وبخاصة الفرنسيين الذين ضاقت بهم سبل العيش في وطنهم الأم،
فرنسا، فهاجروا إلي الجزائر.
ورغم الجوار بين الشطرين، أو المحيين ، فانهما كانا ضدين،
في كل المستويات.
ولقد بلغت جسدة التناقض والصدام بينهما ذروتهما في الجزائر -العاصمة،
حيث كان يطلق اسم »القصبة«
علي حي العرب الذي كان عكس حي الفرنجة،
مزدحماً، ازقته المحتمة، تصعد الربوة المطلة علي الحي الآخر،
وتلتف حولها علما شهراً، ورمزا لتحد في مواجهة الحي الآخر،
الذي كان يعد،بحق، رمزا للغطرسة والطغيان.
ومن غرائب ذلك الوضع المسرف في شذوذه، ان المستوطنين،
بمساندة الدوائر الحاكمة في فرنسا، الأم الرؤوم،
عملوا جاهدين علي طمس الهوية الجزائرية، بحيث،
علي مر الأيام، تصبح الجزائر في نهاية المطاف جزءا لاتيجزأ من فرنسا،
امتدادا جغرافيا لها، اي باختصار مجرد محافظة من محافظات الأم الرؤوم
والاكثر غرابة انهم عاشوا مغيبين ، مسكونين بوهم ان الجزائر هي فرنسا وظلوا اسري هذه الخرافة الي ان
فوجئوا بثورة الجزائريين، تبدأ في عاصمتهم،
وتحددا في حي القصبة، الحي العربي.
وفيلم »معركة الجزائر« (٧٦٩١)
لصاحبه المخرج الإيطالي
»جيل بونتوكورفو«
والفائز بالاسد الذهبي
، كبري جوائز مهرجان فينيسيا ، يعرض لتلك الثورة التي توجت بعد كفاح مرير،
بنصر مبين ولعله الفيلم الوحيد في تاريخ السينما الذي عرض بواقعية واهتمام
بالتفصيل لثورة عربية شعبية، وذلك الي حد جنح باغلب مشاهديه الي الظن بان بعض اجزائه ليست عملا
روائياً، بل مجرد وثق بالكاميرا لما حدث فعلا علي أرض الواقع.
وايا ما كان الأمر فالفيلم نجح في تقديم لوحة درامية كاملة لبطولة كفاح شعب
باكمله.
كفاح تقاسم بطولته مع الرجال نساء وشيوخ واطفال.
الشعب كله، يد واحدة هزم الاستعمار الفرنسي الذي كان رسخا رسوخ الجبال وكما
يقول الفيلم، نقلا عن التاريخ، في لقطات الختام، خرجت جموع الشعب من حي
»القصبة«، كهدير البحر، مكتسبة حتي الفرنسيين.
والحق، ان كفاح الشعب الجزائر ما كان ليتوج بالنصر،
لولا الصبر والمثابرة، ولولا التضحية بكل اشياء الحياة، بكل ما هو
غال!!
moustafa@sarwat.de
أخبار النجوم المصرية في
10/03/2011 |