كلمة
«التغيير» أصبحت هي التعويذة السحرية التي يضعها هذا الشباب المتكبر الجميل
الواثق من نفسه .. حول عنقه يمسكها بأصابع لم تعد ترتجف ويصرخ بها ملء فيه
وقلبه ولسانه.. كلمة «التغيير» أصبحت الطلسم الذي فتح به «علي بابا» أبواب
مغارته السحرية ليغرق في كنوز مالها أول عن آخر ويشعر أنه أصبح يملك الدنيا
وما فيها .. دون أن ينسي أن عيون «أربعين حرامي» تترصده .. لتسرق منه ما
اكتشفه ولتعيده من سماء أحلامه إلي أرض واقعه. موجة خلاقة «التغيير» هي
الموجة الخلاقة التي ركبها شباب التحرير .. فانطلقت بهم تشق عنان السماء
وتخترق الغيوم وتزيح الضباب. ولكن هل وصلت موجة «التغيير» العذبة الطموح
الرائعة هذه إلي مجالنا الفني وإلي ميدان السينما بالتحديد.. هذه السينما
التي يمكن أن تكون سلاحا ماضيا أقوي من كل أسلحة النار .. وموجة لهب لا حد
لاشتعالها .. إذا أمكن تركيزها وتوجيهها واتضح أمام الأعين بجلاء ووضوح
هدفها!! موجات الشباب في أوروبا .. عندما اندلعت أحداث انتفاضة 68 الشهيرة
انعكست أول ما انعكست علي أجواء السينما.. ومن خلال واحد من أشهر
مهرجاناتها آنذاك «مهرجان كان». أوقف ترونو المخرج الشاب آنذاك.. أحداث
«مهرجان كان» ليعلن هو وأصحابه مولد سينما جديدة أسماها البعض سينما
المقاومة .. وأسماها البعض الآخر سينما الثورة.. راجح الكل علي أنها
«السينما» بمعناها العريض والحقيقي دون أية صفات أخري تلتصق بها. وها نحن
الآن علي حافة تطور حقيقي .. في مفهوم الشباب ما يريده وما يرفضه، وما يحلم
به ويتمناه وما يمكنه أن يحققه. السينما المستقلة لقد بدأت زوبعة الشباب
تعلن عن وجودها في السينما المصرية في أشهر كثيرة قبل اندلاع «ثورة الشباب
في التحرير» .. ارهاصات كثيرة ذات خلفيات فكرية وفنية محددة انطلقت فيلما
تلو الآخر .. لتثور .. علي ما تعودنا أن نسميه بالسينما التقليدية «الفنية
منها والتجارية لا فرق» ارهاصات تمثلت بأفلام مثل «باصرة» و«هليوبوليس»
و«عين شمس» التي جاءت علي استحياء لتقف بكل ما تحمله من ضياء وموهبة وتحد
أمام أفلام تجارية عملاقة.. تضيء بأسماء نجومها وكتابها ويسعي منتجوها
لإقناع الجميع بأنها البضاعة الرائجة الحقيقية التي يرغب فيها الشباب ويسعي
إليها.. وتوجت أسماء مطربين شبان لا يملكون من الموهبة السينمائية إلا
الفتات .. أبطالا بإيرادات خيالية حققها لهم جمهور شاب يسعي إليهم كما
يسعون هم إليه. وتألقت أسماء مضحكين لا يملكون من موهبة الإضحاك وسحر
الكوميديا.. إلا استعراض «عاهاتهم» والعزف علي أوتار كلمات رخيصة مبتذلة
تدغدغ دون أن تلسع وتطمئن دون أن تعترض. مما يخالف تماما كل ما اعتمد عليه
فن الكوميديا منذ نشأته وحتي اليوم. وتهافت المنتجون متسابقين إلي تقديم
عينة من الإنتاج تحقق لهم أعلي إيرادات الشباك دون أن يعبأوا أو يسمعوا
بالجدل الكبير الذي أثاره شباب الـ 68 حول ماهية السينما ودورها وتأثيرها
وواجباتها تجاه نفسها وتجاه الآخرين. جنس وابتزال المهم لديهم إنتاج رخيص
وسريع يعتمد علي جنس مبتذل ومكشوف وإفيهات صارخة تشبه فقاقيع الهواء.
واحتمي كل هؤلاء مطربون شبان ومضحكون ومخرجون صنايعية ومنتجون تجار علي
«يافطة» الشباب يحتمون وراءها ويؤكدون أن هذه البضاعة المشحونة هي ما يرغب
به الشباب الآن .. وما يسعون إليه .. وأن هذه الأرباح التي تحققها هذه
الأفلام «التي أطلق عليها اسم الأفلام تجاوزا» هي المعيار الحقيقي لرغبات
الشباب وميولهم وطموحهم وما يحلمون به. شباب ميدان التحرير .. ببساطة مذهلة
وعفوية آسرة مدهشة .. أزاحوا القناع وفرقوا الستائر لينكشف الوجه البشع
عاريا دون مساحيق. هذا الشباب الذي يدفع دمه وحياته ومستقبله رهانا إنسانيا
لغد آخر أكثر إشراقا وأشد رحابة وأعمق فكرا .. هو الشباب الحقيقي الذي
اسدلنا عليه ستائر الكراهية والابتذال الرخيص .. وليس شباب تامر حسني أو
محمد سعد والهنيدي وجمهور السبكي. أسس التغيير شباب التحرير وضعوا أسس
«التغيير» هدفهم الأول كان سياسيا ولكن أهدافهم الأخري تتوالي خلف هذا
الستار البراق لتقول إن «التغيير» الذي ينشدونه هو تغيير في كل شيء.. تغيير
في النبرة تغيير في اللحن.. تغيير في الوجوه .. وتغيير في الأسلوب والمنهج
.. إنهم يعرفون هؤلاء العباقرة الصغار .. ماذا يريدون ويسعون بقوة وعزم إلي
تحقيق ما يرغبون به. إنهم لم يصمتوا عن قناعة أو خوف أو استكانة.. أعني
هدأة الأسد قبل أن يزأر .. واستراحة الغزال قبل أن يقفز وسكون البلبل قبل
أن يشدو. قبل أن تتجمع هذه اللآلئ الصغيرة في ميدان التحرير لتعلن عن مولد
قلب جديد وضمير جديد.. وعبق جديد.. أطلقت سهاما عالية في ميدان السينما
فرقت بها السحاب الأسود .. وجلعتنا نري الشمس المشرقة التي كانت مختبأة
وراء سد كثيف من الغيوم فاز «ميكروفون» بجائزة تري .. وفاز «678» بجائزة
أخري وفاز «الحاوي» بجائزة ثالثة وتجمعت اسماء شابة لتتحدي صرخاتها في سبيل
سينما جديدة.. سينما مغايرة سينما بعيدة عن المألوف .. سينما تنطق بدم
الشباب ولسانهم وقلبهم المفتوح. شباب متحمسون أعرف أن هناك عشرات من
السيناريوهات الجيدة التي كتبها شبان متحمسون يملكون الموهبة والجرأة والدم
النقي «أتيح لي قراءة بعضها في بعض المسابقات التي اشتركت في تحكيمها»
وأعرف أن هناك مخرجين يملكون أفكارا تشبه «الثقاب الآلي» قادرة علي اختراق
كل الجدران الصلبة .. وأعرف أن هناك ممثلين يحملون في قلوبهم الشعلة
المقدسة الحقيقية التي تمنعهم النيران الزائفة لنجوم استهلك زمانهم
الافتراضي من التلويح بها عاليا . كل هؤلاء تجمعوا في «ساحة التغيير» التي
اعتدنا أن نطلق عليها اسم «التحرير» يحملون راياتهم الحمراء بأذرعهم
العارية فاتحين صدورهم الشابة للهواء النقي. وتتحول أصواتهم الملتهبة التي
تصرخ بكلمة واحدة إلي نشيد سيمفوني حقيقي يشابه في جلاله ومهابته وتأثيره
نشيد فرح بتهوفن في سمفونيته التاسعة. لقد طرح الشباب في ساحتهم التي
اختاروها والتي أصبحت منذ اليوم وحتي نهاية الكون تحمل اسمهم واسم ثورتهم
التي لا مثيل لها .. طرحوا آمالهم كلها بقوة وثقة عارفين تماما ماذا يريدون
وإلي أين يتجهون. لم تعد هناك من طرق فرعية ولا مسالك مسدودة ولا حواجز من
حديد.. لقد كانت ساعة الحقيقة بكل ما تحمله من ضياء وبياض ناصع، لقد حطم
الشباب تماثيلهم الشخصية الزائفة التي كانت توضع حول قدميها القرابين
والأكاليل كما حطم «سيدنا محمد» أوثان الكعبة. مزقوا الستائر المزخرفة
المشوهة ليظهروا وجههم الحقيقي وجه رائع الجمال تقطر من عينيه أنهار الخمر
والعسل ويمسك في أنامله مصابيح النور. وأطلقوا دفاترهم التي تشبه مزامير
داوود واضعين فيها أحلامهم الجديدة وآمالهم المرتقبة في تغيير شامل في
حياتهم وفي فنهم وفي سينماهم. تغيير يشمل كل شيء مخرجين وكتابا ومنتجين
وممثلين ألقوا بأسمالهم القديمة وارتدوا ثيابا جديدة نظيفة متأنقة يسيرون
بها شامخين نحو مستقبل آخر.. وأنهار أخري وسماء أخري.. اختاروها بأنفسهم
دون أن يمليها عليهم أحد. واثقو الخطوة يمشون كالملوك نحو شمس تضيء لهم..
ولهم فقط ولا أحد سواهم.
جريدة القاهرة في
15/02/2011
نور الشريف.. اعتاد أن يهاجم
سلبيات كل نظام بعد رحيله
بقلم : ماجدة خيرالله
في الظروف العادية، يمكن نعتبر أن الاختلاف في الرأي لايفسد للود قضية، لكن
عندما يقع المجتمع كله في قبضة الفساد، وتتحول أرض مصر من شرقها لغربها الي
ساحة قتال بين قوة باغية تهاجم بضراوة وتضرب بعنف أي صحاب رأي مخالف وقوة
مسالمة خرجت مطالبة بحقها في التغيير، يبقي الاختلاف هنا جريمة، والسكوت أو
الوقوف علي الحياد خيانة لهذا الوطن وأبنائه! وخلال اقل من اسبوعين تساقط
عدد غير قليل من رموز السياسة، ورموز الفن ايضا!بعضهم كان "هارينا" ليل
ونهار بنظريات وتنظيرات، ويضع نفسه علي أول طابور المثقفين الذين نهتم
بسماع آرائهم، في قضايانا الفنية والسياسية ولامانع من الاقتصادية ايضا،
فكان يبدو ان هؤلاء لديهم موفور من المعلومات والخبرات التي تتيح لهم
الفتوي في كل الأمور العامة! ولابد انك لاحظت مثلي حالة الاختفاء المريب
لنور الشريف!هذا الفنان الذي كان حريصا علي الظهور والإدلاء برأيه في معظم
ماتمر به البلاد من احداث، أنا اعلم علم اليقين أنه يجلس في مكان ما يتابع
الاحداث، من خلال القنوات الاخبارية المختلفة، وينتظر الوقت المناسب، ليخرج
فيه علي الناس ليدلي بدلوه بعد أن يطمئن إلي أن الحكاية قد حسمت وأن إرادة
الشعب قد انتصرت علي عناد الفريق الآخر، طبعا الواحد مدرك حجم الحرج الذي
يقع فيه الفنان المصري، فهو معلق من رقبته بسوار حديدي تمسك الدولة بطرفيه!
ويمكن لهذا لفنان أن تنقطع سبل رزقه ويختفي من علي كل الشاشات التليفزيونية
والسينمائية بقرار شفهي من مسئول كبير، ولكن في نفس الوقت فإن الجماهير
التي تمنح الفنان قيمته وشهرته وثرائه، لها عليه حق، أو كل الحق، لأن
السلطان لا يصنع الفنان الا اذا كان بهلولا في قصره ، وهذا أمر آخر، أما
نور الشريف الذي كان أحد ثلاثة نجوم بدأوا من سنوات السبعينات"عادل إمام-
محمود عبد العزيز- نور الشريف"ودخلوا الي القرن العشرين بقوة وقدرة علي
التأثير، فقد تبخر من الصورة في ظروف غامضة، ويبدو أنه ينتظر نهاية عصر
مبارك حتي يخرج علينا بفيلم شجاع ينتقد فيه العصر البائد، كما فعلها مرات
عديدة من قبل. -رغم ميوله الناصرية فقدم فيلم الكرنك الذي ينتقد بشدة وعنف
زمن عبدالناصر، نازعا عن هذا العصر اي فضيلة أو إنجاز أهل القمة - بعد وفاة
السادات قدم فيلم أهل القمة الذي ينتقد بشدة سياسة الانفتاح الاقتصادي
وتسببها في خراب البلاد، رغم ان هذا الانفتاح تزايدت حدته بعد مقتله الي أن
تحول الي بيع معلن للقطاع العام، ولكل ما تم إنجازه في العصور السابقة،
ولكن نور الشريف ينتظر لحظة ما "لم تأت بعد" لينقض بالنقد علي "الثلاثين
عاما السابقة" من عمر مصر. -قدم مسرحية بكالوريوس في حكم الشعوب تأليف علي
سالم وهي كوميديا سياسية رمزية ساخرة، تنتقد نظام الحكم الشمولي ، وسرعان
ما توقف عن عرضها بعد أن أدرك أنها يمكن ان تزعج أولي الامر، فيرفعون يدهم
عن دعمه! الحقونا - كان صاحب الفيلم الأول الذي يتبني وجهة نظر أن صاحب
الأمر والنهي في البلاد هو الرئيس حسني مبارك، ولا مكان ولا وجود ولا قيمة
لبقية المؤسسات وذلك من خلال فيلم الحقونا الذي أخرجه علي عبدالخالق في عام
1985، ولعب نور شخصية سائق يتعرض لعملية نصب، عندما يقوم احد الاطباء بعمل
جراحة له، وبعد ان يفيق منها يكتشف ضياع كليته، وزرعها في جسد أحد الاثرياء"عادل
أدهم"، وبعد أن يفشل في إعادة حقة بالطرق القانونية، يقف أمام صورة مبارك
ويقول بمسكنة وغلب ورجاء الحقني ياريس خدوا كليتي! ومن يومها أصبح كل صاحب
حق، يتوجة بنداء مدفوع الأجر في الجرائد الحكومية، مستغيثا بمبارك من ظلم
ألم به أو مصيبة وقعت علي رأسه من جراء تفشي الفساد خلال الثلاثين عاما
الماضية، ولم نسمع ان أحدا من هؤلاء قد أسترد حقه، أو وصل صوته إلي الرئيس!
سيرة ومسيرة -اعلن نور الشريف عن رغبته في تقديم فيلم سينمائي عن حياة
مبارك باسم الضربة الجوية! طبعا كان يدرك وهو يعلن ذلك مرارا أن مفيش شركة
إنتاج سينمائي أو تليفزيوني خاصة أو حكومية يمكن أن تتبني هذا المشروع،
ولذلك قرر أن يقدمه في الاذاعة تحت اسم "سيرة ومسيرة" وطبعا ماحدش اهتم
بمتابعته غير الرئيس وأسرته، وهو الأمر الذي اكسب نور الشريف حماية لدي
كبار رجال الدولة، وجعله ضمن عدد قليل من النجوم المحظوظين والقريبين من
الرئاسة! -اختفي نور الشريف من الصدام الاول بين الفنانين والرئيس حسني
مبارك وذلك أثناء حالة الاعتصام التي قام بها بعض الفنانين"1988" اعتراضا
علي قانون 93 الذي كان يتيح لنقيب السينمائيين الأسبق "سعد الدين وهبه"
البقاء علي كرسي النقيب الي ماشاء الله!وكان اعتصام الفنانين في نقابتهم
حدثاً شديد الأهمية وكانت الوفد الجريدة الوحيدة التي تابعت الحدث بكل
تفاصيله "قبل انتشار الفضائيات والصحف الخاصة" وعاشت أيامًا مع أفراده
الذين طوروا الاعتصام الي إضراب عن الطعام، وكانت بينهم الممثلة الراحلة
تحية كاريوكا التي لم تغادر النقابة طوال الأزمة، وانضم اليها عشرات منهم
الراحلة سعاد حسني، وشريهان ربنا يديها الصحة، ومحمد فاضل وفردوس عبدالحميد،
وتوفيق صالح وحسام الدين مصطفي وعلي بدرخان وطبعا يوسف شاهين الذي قدم
ملامح من أحداث النقابة في فيلم "إسكندرية كمان وكمان" كل النجوم والمخرجين
والعاملين في السينما مع اختلاف انتماءاتهم السياسية والمذهبية حضروا
وشاركوا في أحداث النقابة، إلا نور الشريف الذي لم يظهر مطلقا في هذه
المعضلة التي كانت تخص جموع الفنانين، وحقهم بالمطالبة بتداول السلطة في
نقابتهم، وقتها اضطر مبارك أن يرسل للمعتصمين نائبا عنه، ليسمع مطالبهم،
ويدعوهم لفض الاعتصام، والعودة الي منازلهم"تماما كما يحدث الآن"!وأكد أن
الرئيس سوف يسعي لتنفيذ مطالبهم فورا، وطبعا هذا لم يحدث، وانتهي الامر بفض
الاعتصام بقوة الأمن بحجة أنه يسبب ارتباكاً لحركة السير في شارع عدلي الذي
يقع أمامه المعبد اليهودي! رغم ان الاعتصام كان داخل اروقة النقابة وليس
خارجها! وفي اول ظهور إعلامي "لمبارك" بعد أزمة الفنانين، قال ساخرا"دول
ماكانوش مضربين عن الأكل ولا حاجة، دول كانوا بياكلوا تفاح وكافيار!!"
ثلاثين سنة ياربي مااتغيرش فيهم منطق الاستهانة من الناس والتقليل من
شأنهم؟ بس المرة دي بدل اتهام المتظاهرين بأكل التفاح، اكتفوا بأنهم يأكلون
الكنتاكي! -ونعود الي نور الشريف ما أسكت الله له حسًا، ونقول له إن
الرجولة تصرفات ومواقف، والوقوف علي الحياد والفرجة علي الناس وهي تتظاهر
وتبيت في عز البرد في ميدان التحرير من أجل المطالبة بحقوقها الدستورية دون
أن تشارك بكلمة او رأي أو حتي أمنيات طيبة ، سوف يؤخذ عليك، واعتقد أن
الجمهور الذي وقف معك ودافع عن سمعتك له عليك حق ولا الحكاية إيه بالظبط؟؟؟
جريدة القاهرة في
15/02/2011
سينما الرسائل المرتبكة.. وأصوات
ضائعة بلا ميكروفون
بقلم : د. وليد سيف
كادت حرية النقد في السنوات القليلة الماضية أن تكون مكفولة للسينمائيين
دون قيد أو شرط، وكان التسامح الرقابي يمتد ويتسع تقريبا بلا سقف، فطالت
الانتقادات رئيس الدولة بشكل مباشر لأول مرة في تاريخ السينما، لكن كان
هناك اعتقاد سائد بأن هذه الأصوات تتحرك في الفراغ، فالأقلام والأفلام تنقد
الفساد المسيطر والفقر المستشري والتفاوت الطبقي الرهيب بمنتهي الجرأة
والحدة والسخرية، ولكنك في المقابل لا تجد أي أثر أو رد فعل أو استجابة من
قبل مسئول أو مؤسسة أو وزارة نحو اتخاذ قرارات أو انتهاج سياسات تعبر عن
استيعاب هذه الرسائل الناقدة والغاضبة، في الغالب كان التصور الشائع لدي
هؤلاء المسئولين أن هذا التعبير الحر يؤدي فقط إلي حالة من الارتياح لدي
الجمهور، في شكل صريح للديمقراطية المزيفة التي تتيح حرية الرأي دون أن
يكون هذا الرأي مؤشرا له دلالاته أو تأثيره لدي أولي الأمر. لكن من جانب
آخر في الحقيقة لم تكن غالبية الأفلام تعكس حالة من النضج والوعي والنقد
الجاد، بل كانت غالبيتها تتعامل مع النقد السياسي والاجتماعي كأحد عناصر
الجذب التجاري، وكانت تستغل اتساع مساحة الحريات أسوأ استغلال، وربما يبدو
ذلك بوضوح في فيلم مثل الإرهاب والكباب الذي قرر فيه عدد من الساخطين علي
الأوضاع أن يحتجزوا مجموعة من مرتادي مجمع التحرير، ويتجلي الخواء الفكري
في هذا الفيلم حين يعجز هؤلاء الساخطون والمحتجزون عن أن يجدوا مطلبا من
الحكومة سوي وجبة من الكباب، والغريب أن يحمل عمل مثل هذا اسم وحيد حامد،
أحد أمهر كتابنا، وذلك علي الرغم من كم المشكلات والاحتياجات التي كان
ومازال يطالب بها أفراد الشعب. ثلاثية ساذجة وفي مرحلة أقرب وفي ثلاثية من
الأفلام لعب بطولتها نجم ينتمي لجيل أحدث هو هاني رمزي نري ثلاث حالات من
الخروج عن المألوف وتجاوز الخطوط التي كانت حمراء، في الحالة الأولي نري
رئيس الجمهورية يلبي دعوة حضور زفاف موظف الخارجية البسيط هاني رمزي في
فيلم «جواز بقرار جمهوري»، ولكن حضور الرئيس يحرك كثيرا من المياه الراكدة
في الحارة. وربما ينشغل الفيلم كثيرا عن تأثير هذا الحضور ليتفرغ لأزمة
العلاقة بين العريس والعروس، ولكن ذلك لا يمنع هذا الفيلم من أن يعبر عن
متاعب الناس وحاجتهم الحقيقية إلي التواصل مع رأس الدولة، بعد أن ضاعت
أصوات صياحهم وصراخهم وبكائهم هباء. وفي تجربة أكثر جرأة علي مستوي الفكرة
نري نفس النجم يدفع الجماهير في فيلم «عايز حقي» للمطالبة بحقها في ممتلكات
الدولة، وعلي الرغم من سذاجة المعالجة تبقي الفكرة معبرة بقوة عن شعور
الناس بأنهم محرومون من الكثير من الحقوق في وطنهم، أما «ظاظا رئيس
جمهورية» فهو أكثر التجارب التي تعاني سذاجة الرؤية وركاكة التعبير علي
الرغم من أنه أكثرها جرأة وصراحة في مناقشة قضية تداول السلطة التي كانت
أقرب للتابو الذي لم يسبق للفيلم المصري اختراقه أو حتي مجرد ملامسته. وفي
عام واحد بل وموسم واحد تستقبل دور العرض فيلمين كان خروجهما للنور أقرب
للحلم والخيال وهما «هي فوضي» ليوسف شاهين وخالد يوسف و«حين ميسرة» لخالد
يوسف منفردا، في الفيلم الأول نشاهد لأول مرة علي شاشاتنا اقتحام الجماهير
لقسم البوليس للانتقام من أمين الشرطة الطاغية الفاسد المرتشي، أما في
الثاني فهو يعرض في نهايته حربا حقيقية بين وزارة الداخلية والإخوان يتم من
خلالها ما هو أقرب لإبادة كاملة لمنطقة عشوائية. روح مستقلة في العامين
الأخيرين ربما لا تتصاعد حدة النقد السياسي وإن كان كم الأفلام التي يمكن
اعتبارها تنتمي لهذا النوع يتزايد، ولكن يبدو أن سقف الحريات الذي وصل إلي
أقصي مداه في حين ميسرة 2007 يعود لينكمش من جديد، فتستمر أزمة فيلم «عزبة
آدم» 2009 مع الرقابة حول ما أثير عن اعتراضها علي بعض مشاهد السيناريو،
فتم تعديله أكثر من مرة، ثم تعود الرقابة لتحيل النص إلي وزارة الداخلية،
بدعوي أنه يتناول شخصية رجل شرطة فاسد، يفرض سطوته علي الفقراء من أهل
العزبة ويعمل لصالح اللصوص الكبار ولخدمة مصالحه وطموحاته الشخصية،. ولكن
أهم ما يفقده هذا الفيلم هو الناس أو الأهالي، فهم ليسوا موجودين علي مستوي
الصورة أو الحدث، ويأتي الحديث عنهم وكأنهم كائنات غير مرئية، لا نراهم
مجتمعين إلا في مشهد ضرب العاهرات بعد أن يفرج عنهم الضابط، فهل يكفي هذا
المشهد للتعبير عن رأي المخرج والمؤلف في أهالي عزبتنا،. أم أن طموح هذا
الفيلم قد أجهض نتيجة للاعتراضات الرقابية. وربما تتمتع السينما المستقلة
بروح مغامرة أكبر اعتمادا علي ميزانيات منخفضة وبسعي أساسي في التوجه إلي
مهرجانات دولية أكثر من سوق العروض التجارية، في فيلم «عين شمس» توجد حكاية
أساسية تربط بين باقي الحكايات والشخصيات، إنها حكاية الطفلة شمس نوارة
بيتها المشرقة بذكائها وبراءتها وشقاوتها تعيش مع أمها ربة المنزل وأبوها
سائق التاكسي المكافح في حي عين شمس الشعبي شرق القاهرة، ويتلخص حلم شمس في
أن تزور وسط البلد التي يعجز والدها في زحام انشغاله ويوم عمله الشاق في أن
يصحبها إليها، وعندما يكتشف والدها أنها في مرحلة متأخرة من الإصابة بمرض
سرطان الدم "اللوكيميا" وأنها علي وشك الوفاة يقرر تحقيق حلمها البسيط. لا
تتسرع وتعتقد أنها مجرد حكاية ميلودرامية فالمرض والموت لا يأتيان فجأة
ولكنهما نتيجة متوقعة لواقع دولي ومحلي فاسد يرصده الفيلم بذكاء، والمخرج
لا تستهويه المشاهد البكائية ولا المفاجآت القدرية،. فحكاية شمس هي مجرد
حكاية مؤثرة بشخصية تعلقنا بها وأحببناها وتعرفنا علي أسرتها عن قرب ولكنها
واحدة من حكايات كثيرة ينسجها السيناريو ببراعة وبأسلوب مختلف في الحكي
يعتمد علي فتح خطوط القصص والقدرة علي تنميتها من حين لآخر. وفي نفس العام
نطالع أيضا في دور العرض تجربة أخري للسينما المستقلة مع فيلم «هليوبوليس»
الذي تدور أحداثه كلها في يوم واحد في ضاحية مصر الجديدة، ولكن هذا التقيد
يحقق درجة ما من التماسك للفيلم تعويضا عن شجاعة المخرج الفنية وطموحه
الكبير في كسر كل ما هو مألوف وتقليدي. فالفيلم يطيح بجرأة متعمدة بكل
الوسائل الدرامية التقليدية الممكنة أو المعتادة، لتحقيق أي علاقات فعلية
أو ذهنية أو نفسية بين خيوط الحكايات المتجاورة، ولكنه يشهد في نهايته حالة
من التدفق ولحظات تنوير عالية تفرض علي المشاهد قدرا من التأمل للبعد العام
لشخصياته التي تكشف عن جوانب مشتركة بينها رغم تباعدها، فتبدو كل الشخصيات
في النهاية ليست إلا نماذج متنوعة لحالات من الضعف والقهر الإنساني في
مواجهة واقع خانق ومترد، يطيح بالجمال ليفرض القبح ويبدد الزمن ليجعل
أفراده في حالة انتظار دائم للغد الذي قد لا يأتي أبدا. وفي العام الماضي
يقدم جهاز السينما أحد أجهزة الدولة فيلما سينمائيا في غاية الجرأة،
فسيناريو «واحد صفر» لمريم نعوم ليس مجرد تسجيل لفرحة شعب ينسي أفراده
خلافاتهم في غمرة الاحتفال، ولكنه عن مواطنين مساكين يتشبثون بأي نصر
يعوضهم عما يلقونه من هزائم وإهانات ليل نهار، وهو يؤكد لهم أن النصر في
مباراة كرة لن يحل مشكلاتهم ولن تتحقق فرحتهم الحقيقية إلا بمزيد من العمل
والمصارحة والحوار بين مختلف طبقاته وطوائفه،..إنه فيلم رائع تكفر فيه
الحكومة عن بعض من سيئاتها في حملتها الغاشمة - احسبها صح تعيشها صح - تلك
الحسبة التي أصبحت الحكومة في أشد الاحتياج إليها قبل شعبها الذي يتطلع إلي
نصر حقيقي ليس واحد صفر فقط وإنما ثلاثي علي الفقر والجهل والمرض. بين
الحزن والغضب وفي الشهور الأخيرة الماضية شاهدنا ثلاثة أفلام عبرت بقوة عن
واقعنا المثير للحزن والغضب برؤي وزوايا مختلفة، كان أولها «رسائل البحر»
الذي يتمكن فيه البطل بعد طول عناد من أن يستجيب لنصيحة العجوز فرانشيسكا
ويتقبل الحياة كما هي والآخرين كما هم، وسيتقبل ايضا نصيحة عشيقته نورا له
بأن يكف عن التفكير في سر الرسالة التي وجدها داخل زجاجة في البحر وأن
يكتفي بأن يعرف أنها موجهة له طالما أنها وصلت إليه، ولكن الحاج هاشم ممثل
طبقة الطفيليين والبلطجية الجدد لن يتركه في حاله وسيبعث رجاله ليقتحموا
شقته ليضبطوا نورا معه كذريعة لطرده من الشقة، سيستقل يحيي ونورا قاربا
لينعما بقليل من السكون لبعض الوقت، ولكن الأسماك التي قتلها ديناميت الحاج
هاشم سوف تحيط بقاربهما من كل جانب في قلب البحر، والفيلم يعبر ببلاغته
الهادئة عن الواقع الملوث والبيئة الفاسدة الخانقة المحيطة بكل ذوي النفوس
الجميلة والأرواح الطيبة والعقول المستنيرة. أما في «بنتين من مصر» فلا
أعتقد أن محمد أمين مؤلفا ومخرجا لجأ إلي الميلودراما كما يدعي البعض ولكنه
قدم صورة حقيقية وواقعية جدا، ربما بدت صادمة ولكنها عكست مأساة آلاف
البيوت وترجمت حديث الساعة لكل الأسر، والفيلم لا يحكي كعادة الافلام
المصرية الميلودرامية عن فتيات يدفعهن الفقر إلي الرذيلة فنتابع رحلة
سقوطهن من العلاقات العابرة إلي الملاهي الليلية إلي بيوت الدعارة، ولكننا
نلتقي مع بناتنا العاديات جدا، بنات جيراننا وأهالينا الطيبين الذين يمثلون
الغالبية العظمي، حيث الاستسلام غالبا لشروط المجتمع وتقاليده والتمسك
بالدين والعفة وكبت العواطف والمشاعر إلي أن ياتي العريس أو يحين الأجل،
ولكن هناك رحلة أيضا للسقوط ولكن ليس لعالم الرذيلة لا سمح الله، ولكنه
سقوط إجباري إلي عالم الخضوع والتنازل عن الكرامة وكل الحقوق من أجل
الزواج. أما «ميكروفون» الذي تشهده دور العرض حاليا فنري الشباب فيه
مازالوا قادرين علي أن يغنوا وأن يبدعوا لكنهم لا يتمكنون من أن يرفعوا
أصواتهم بالغناء أو أن ينشروا إبداعهم أيا كان نوعه، إنهم في حاجة حقيقية
إلي «ميكروفون» أو وسيلة لتوصيل أصواتهم، ولكنهم في صدام دائم مع من يسعون
إلي كتم أصواتهم في البيت وفي الشارع بل وحتي في المؤسسات الأهلية، ويعبر
الفيلم عن رسالته العميقة الموجهة للمجتمع بأسلوب فني خالص وبمعادلات
موضوعية في منتهي الذكاء والإتقان. وبعيدا عن هذه النماذج المميزة من
الأفلام تاه الخطاب السينمائي وارتبك في كثير من الأحيان بقدر ما تميز
بالبلاغة والصدق والوضوح في أعمال ذكرناها، ولكن يبقي السؤال هل بلغت
الرسالة في تلك الأفلام الجادة ؟ أي هل كان لها تأثيرها الواضح علي قطاع
كبير من الشباب أم أن جيل الكومبيوتر والفيس بوك كان يفضل مشاهدة السينما
العالمية التي أتاحتها له وسائل الإنترنت، وهل كان من بين هؤلاء الشباب
كثيرون يرون أن السينما المصرية مازالت بخير وأن بعض مبدعيها كانوا يبعثون
إليه برسائل في غاية الأهمية، علي أي الأحوال أعتقد أن السينما المصرية
بوجه عام في حاجة إلي استعادة الثقة من جديد في جمهورها، ولتؤكد له أنها
قادرة علي التعبير بصدق عن واقعه ودون اعتبار مشكلاته مجرد وسيلة تجارية
لجذبه نحو شباك تذاكرها بمفهوم قاصر ومحدود النظر.
جريدة القاهرة في
15/02/2011
السينما الروائي تنبأت بالانتفاض
وحذرت من الفوضي
بقلم : روبير الفارس
إذا كان هناك العديد من المقالات والكتب والدراسات والأبحاث التي حذرت من
انهيار الأوضاع في مصر بصورة واضحة ومباشرة فالعادي ألا ينتبه لها أحد لأن
المعروف أنه لا أحد يقرأ في مصر. وقد كشف تقرير التنمية البشرية عن فضيحة
عدم القراءة هذه من خلال النسبة الهزيلة لتوزيع الكتب ولكن لا أجد حجة يمكن
استخدامها كمبرر أمام بعض الأفلام السينمائية التي حذرت في مشاهد صريحة بل
تنبأ بعضها بهذا الوضع السيئ والمرعب الذي تعيش فيه مصر هذه الأيام. في هذا
التقرير نلقي الضوء علي بعض هذه الأفلام التي دق بعضها جرس الإنذار مبكرا
جدا ولكن لم يستيقظ أحد. ثرثرة فوق النيل قبل نكسة يونية 1967تنبأ الكاتب
الكبير نجيب محفوظ بحالة الضياع التي تعيش فيها مصر تحت ظل الحكم الشمولي
الذي جعل اللجوء إلي المخدرات الملجأ الوحيد للهروب من الواقع والذي كان
ينطلق بسرعة إلي الهاوية المدمرة وهو ما عبرت عنه شخصية عماد حمدي في
الفيلم والذي كان يردد دائما أن الدنيا عريانة ومقلوبة. والهاوية تفتح فمها
للمجتمع ولا أحد ينتبه. إنها نفس حالة الانحدار والضياع التي يعاني منها
المجتمع المصري حاليا. هي فوضي النبوءة الأخيرة للمخرج العبقري يوسف شاهين
ظهرت في فيلم «هي فوضي» والذي تعرض لهجوم رهيب من بعض النقاد والكتاب
واعتبروه يبالغ في تضخيم دور أمين الشرطة- الديكتاتور -الذي يبيح لنفسه فرض
الإتاوات والاغتصاب والقتل وتلفيق القضايا. لقد عبر شاهين بصدق عن توحش
الجهاز الأمني وكراهية المصريين البسطاء له نتيجة كثرة الضغط الذي يتعرضون
له من ظلم الشرطة وتزوير الانتخابات والفساد. ويحدث الانفجار ويقتحمون قسم
الشرطة- رمز النظام -ويجبرون هذا الديكتاتور المتسلط الصغير -تخيل كل مندوب
شرطة علي شاكلته كان ديكتاتور - ويجبرونه علي الانتحار. . لقد خرجت مشاهد
هذا الفيلم المصنوعة بدقة إلي أرض الواقع ورأينا جهاز الشرطة يرتدي طاقية
الإخفاء وينتحر. .والهجوم علي الأقسام وحرقها ودخلنا في دوامة الفوضي. لقد
أصرت الرقابة علي المصنفات الفنية علي وضع علامة الاستفهام بعد كلمة هي
فوضي؟ لكي يتحول العنوان إلي سؤال لا إلي تقرير واقع. والمهم هنا ان نذكر
ان السينما كانت قد استقبلت امناء الشرطة الذين بدا عملهم في السبعينات
بصورة مشرفة وقد غنت لهم سعاد حسني من كلمات صلاح جاهين (ماتقولشي امين
شرطة اسم الله ولا دبلوماسي) كما قدم عادل امام عنهم فيلم (شياطين الي
الابد ) ليبرز بطولتهم واحتفاء المجتمع بهم وهي الصورة التي انعكست للضد
بعد ذلك عمارة يعقوبيان رواية فارقة كتبها علاء الأسواني وحول نصها لفيلم
وحيد حامد، شارك في بطولته عدد كبير من النجوم علي رأسهم عادل إمام ونور
الشريف وخالد صالح، وهي رواية تقرأ فساد هذه الأيام وخطورته. كشفت الرواية
بوضوح عن تزوير انتخابات مجلس الشعب وكل من يقومون بهذا التزوير. تكمن
أهمية هذا الفيلم أنه كان البداية للأعمال التي تكشف الواقع المعاش - وليس
كما كان الأمر سائدا في الكثير من الأفلام السينمائية من استخدام فترات
زمنية قديمة أو اللجوء إلي التورية والرموز - ورغم هذه الجرأة في مقارنة
قريبة جدا بين الشخصيات الفاسدة في الحكم وفي الفيلم فإن أحدا لم ينتبه أو
يري بعمق الخطر القادم! طباخ الريس هل يعرف الرئيس ما يحدث للشعب الغلبان
المطحون؟ أم أنه يطالع التقارير الوهمية التي يقدمها له مساعدوه الفاسدون؟
هذا السؤال كان محور فيلم طباخ الريس الذي قام ببطولته طلعت زكريا عن قصة
ليوسف معاطي، وقد حصل الفيلم علي التصريح بموافقة رئاسة الجمهورية. ولا
ندري هل كانت الرئاسة بموافقتها علي هذا الفيلم تريد استخدامه كمجرد نوع من
التنفيس مثل بعض البرامج الحوارية والتوك شو- لأن هذا الفيلم لو أخذ محمل
الجد -كان لابد أن ينتبه الرئيس للصورة التي قدم بها علي الشاشة. ولكن
للأسف اعتبر الفيلم مجرد وردة في عروة قميص النظام الذي يتشدق ليلا ونهارا
بالديمقراطية دون أن يستمع إلي كلمات طباخ الريس. هناك أيضا الكثير من
الأفلام الشبابية التي أشارت إلي تراكم الفساد وتغوله وخطورته علي الحياة
والنظام ولكن كل ذلك اعتبر مجرد أفلام وكلام فاضي. ومن ذلك أيضاً فيلم
«واحد من الناس» الذي قام ببطولته كريم عبدالعزيز وأشار إلي تسلسل الفساد
والفاسدين وتغلغلهم في كل مناحي الحياة ولكن اعتياد الفساد لم يجعل أحدا
ينتبه لنتائجه السوداء وحرقه للجميع في النهاية. دكان شحاتة أحاط بفيلم
دكان شحاتة للمخرج خالد يوسف العديد من التكهنات والتفسيرات. .فهناك من رأي
في الفيلم الانفجار القادم والتي عبرت عنه المشاهد التسجيلية للكوارث التي
يعاني منها المجتمع مثل الحرب علي رغيف العيش وسرقة القمح والفساد المتجذر
في عمق مصر وقد عبرت عنه كلمات الشاعر جمال بخيت في قصيدة طويلة تغلغلت بين
مشاهد الفيلم منها ما يعبر عن المواطن المصري الآن: مش باقي مني غير شوية
دم متلوثين بالهم مرين وفيهم سم -وعن الفساد: مال البلد محمية محمية
بالحرامية وعن ندرة وجود رغيف العيش لا دبابة ولا جيش. .حرب رغيف العيش. .
وهكذا يصل الفيلم في النهاية إلي قتل الفساد للبراءة مما يحول البلد لجحيم
عشنا مشاهده بالكامل علي أرض الواقع. من انتشار البلطجية والهجوم علي
الآمنين والخراب. .حتي نزول الدبابات للشوارع. . سوف يبقي دكان شحاتة واحدا
من أهم الأفلام التي قرأت الواقع وسبقت بتقديم صور الخراب، لكن المشكلة
أننا إذا كنا لا نقرأ فإننا أصبحنا أيضا لا نمتلك وعي مشاهدة الأفلام فهي
فقط أعمال للتسلية. وهو ما أثبتت الأيام القليلة الماضية كذبه علي الملأ.
جريدة القاهرة في
15/02/2011
هوليوود 2011 إبهار الصورة..
وتعقيد الفكرة واستغلال الأدب
بقلم : أحمد شهاب الدين
من بين جميع الأشكال والفنون انفردت السينما عن غيرها بسحر خاص غوي
الكثيرين من أرقي العقول والأدمغة إلي أدناها من أسمي الطبقات الاجتماعية
إلي أحطها أينما حلت وارتحلت لازمها الكثيرون بعقولهم وأفئدتهم وبسبب
تأثيرها ترك الكثير من المثقفين في أنحاء العالم أقلامهم واستبدلوها
بكاميرا تصوير معقدة ليصلوا برؤاهم ورؤيتهم إلي الناس ورغم جميع المحاولات
الفنية والنقدية لتحويل السينما إلي عمل ثقافي بحت إلا أن الاعتبارات
المادية والإنتاجية كان لها الكلمة العليا في صبغة هذا الفن وغني عن الذكر
أن خريطة السينما الأمريكية يرسمها وينفذها شارع وول ستريت وليس النقاد
والمثقفون والمبدعون ... في كثير من أدبيات النقد السينمائي التي تابعتها
في أمريكا من خلال الصحف ومواقع الإنترنت وعي كثير منها هذه الحقيقة فتناول
العمل الأدبي بالنقد أو المديح يختلف تماما عن الفيلم السينمائي فلايمكن
فصل الفيلم السينمائي عن الظروف المحيطة فالرواية تكلف ورقا وحبرا لتخرج
إلي النور ولكن الفيلم السينمائي الصغير يحتاج إلي تدفق الدولارات ليبدد
أحجبة الظلمات وينير شاشات العرض الكبيرة في دور السينما والصغيرة في
منازلنا إضافة إلي أن طبيعة الثقافة الأمريكية تهتم بالمتلقي والقيمة
التجارية لا تنفصل تماما عن القيمة الفنية والقيمة الفنية لا تنفصل عن
التجارية وتتحقق تلك الرؤية بشكل كبير في السينما فالذي يضمن نجاح السينما
واستمرارها هو نجاحها التجاري لذا فإن النجاح الجماهيري للتجارب الوليدة
يرسخ قيمة جمالية نافعة لدي المنتجين وقد استوعب كثير من الكتَّاب
والمخرجين هناك ذلك الدرس جيدا فنجد علي مدار العام أعمالا ناجحة تجاريا
وراقية فنيا فلم يتعال المخرجون أصحاب الرؤي الناضجة عن القيمة الربحية
للفيلم ووضعوا الجمهور في أذهانهم ولم يترفع النقاد في كتاباتهم علي أن
يقيموا هذه القيمة ويضمنوها رؤيتهم للعمل السينمائي من هذا المنطلق نرصد
أهم ملامح السينما الأمريكية لهذا العام أفلام الإنيماشن .. توجه إلي سحر
التاريخ واستنطاق الجمادات بعد أفلام الحركة التي تجري أحداثها ما بين عالم
الأحلام والواقع المعاصر تتجه شركة ديزني إلي التاريخ لاستلهامه فهي تحضر
الآن فيلم " متحف العجائب " عن مملكة سحرية فقدت في الستينات وسيعرض الفيلم
قصرا عجائبيا ساحرا جلبت له مهندسين علي أعلي مستوي في الصورة مثل رولي
كرومب وكلاود كووتس ليجلبوا سحرهم إلي هذا القصر الذي سيحوي أشباحا تعزف
الألحان وستائر سحرية وكراس تنطق ويقول الخبراء ان المتحف الذي في القصر
سيكون به أشياء لم تكن موجودة قط منذ نشأة والتزني وقد كلفت الشركة أحمد
زابا والذي أبدي سعادته للكتابة بهذه الطريقة لوضع الخطط الأولية في
الكتابة لهذا المشروع وستشكل كتابته العالم الذي ستجري فيه أحداث فيلم "
متحف العجائب " الذي قد يغير اتجاه أفلام الحركة الأنيماشن في العقد القادم
ولقد ردد موقع هوليوود أن ثمة تغيرا جذريا في قصص أفلام الحركة بوالتزني
يطال أبطالها وحبكاتها في ظل منافسة حميمية ومحمومة بينها وبين شركة بيكسيل
التي أنتجت فيلم توي ستوري أفلام النجم الأوحد كثرت الشائعات بعد فيلم
التولايت أن سينما هوليوود ستتخلص من نظام النجم والاعتماد علي الشباب
وأسرف بعض النقاد في سرد الأسباب وأدخلوا السياسة في ذلك لأن كثيرا من
النجوم استغلوا نجوميتهم لمساندة العراق وفلسطين ولكن السنة لم تنته حتي
ظهر فيلم توريست واحتفت به سينما هوليوود بل واعتبرت الفيلم لحظة تاريخية
واعتبرت النجمين جوني ديب وجوليا روبرتس أفضل ثنائي في تاريخ هوليوود
واحتفلت به في موقعها الرسمي علي الإنترنت بل هناك أفلام وضعت خصيصا للنجم
مثل فيلم كل وحب وصلي فلقد راعي السينارست سحر روبرتس وحضورها الطاغي في
كتابته وإخراجه واعتمد المنتج علي اسمها أيضا للترويج لفيلمه ورغم أن أغلب
أفلام النجوم لم تحظ باحتفاء نقدي ( مثل فيلم توريست لجوني ديب وفيلم توم
كروز نايت آند داي وفيلم جوليا روبرتس كل وحب وصل ) إلا أن المنتجين في
أمريكا لايزالون يعتمدون علي نظام النجم في إنتاج أفلامهم وتنبؤنا كواليس
فيلم نادي الروك المرشح له توم كروز إلي مدي سيطرة النجم علي الأفلام
الأمريكية حيث ان التعديلات التي طالب بها النجم غيرت الكثير من الخطوط
الدرامية للفيلم ولقد استجابت الشركة إلي تلك التعديلات هوليوود تتجه بعيدا
عن الأفلام البسيطة والتقليدية
middlebrow movies كان هذا هو عنوان لمقال نقدي في النيويورك تايم عدد 27 سبتمبر للناقد
المعروف برووكس بارنز يرصد فيه أهم الملامح وأكثرها إيجابية في الفترة
القادمة رأي أن الإيرادات العالية التي حققها فيلمي إنسيبشن و سوشيال
نتوورك جعل القائمين علي الإنتاج في هوليوود يعيدون التفكير في تقديم أفلام
عميقة ومركبة
highbrow
وذلك راجع إلي النشاط المتزايد لعشاق السينما وجمهورها علي الفيسبوك
والتويتر وسائر المواقع الإلكترونية الذين عبروا فيه عن غضبهم إزاء تفاهة
وسطحية السينما الأمريكية وارتفاع أسعار التذاكر وأن الأفلام التافهة
والسطحية لم تلق قبولا أو تحظ بالإيرادات العالية وأضاف أن ذلك كانت رسالة
قاسية لاستوديوهات هوليوود لتغير من استيراتيجية إنتاجها وذكر أن بعض
الاستوديوهات بدأت تستجيب لتلك المتغيرات مثل سوني بيكتشر إنترتينمينت الذي
أنتج فيلم " سوشيال نيتوورك " بدأ يراهن علي مخرجين مختلفين لديهم حساسيات
جمالية خاصة تجاه السينما مثل فرانشيس الذي رشحته لإخراج جزء آخر من فيلم "
سبايدر مان " تقول إيمي باسكال الرئيسة الشريكة في ستوديو سوني " نعتقد أن
مستقبل المنتجين السينمائيين سيكون مع الأصوات الأصيلة فالأصالة جيدة
والأشياء الجيدة تعتبر تجارية " أما شركة والتزني فقد كلفت ديفيد فينشر
مخرج سوشيال نتوورك لمعالجة " 20000 فرسخ تحت الماء"وتعاقدت مع جوليرمو ديل
تورو مخرج الفيلم الإسباني الشهير بانس لابيرينث علي فيلم جديد واعتبره
ناقد التايمز أنه يصب في الاتجاه الجديد للسينما الأمريكية . النجوم يكتبون
ويخرج ستشهد الفترة القادمة إقبالا من النجوم للكتابة والإخراج معا حيث
يستعد الفنان الباتشينو حاليا لفيلم وايلد سالومي الذي يقوم بكتابته
وإخراجه والفيلم مقتبس عن مسرحية سالومي لأوسكار وايلد وهي مسرحية مثيرة
للجدل وقد منعت فور صدورها في بريطانيا أواخر القرن التاسع عشر وتدور القصة
حول الراقصة سالومي التي طالبت الملك برأس يوحنا المعمدان مقابل أن ترقص له
وهذا ماحدث حيث أثارت هذه المسرحية ضجة كبيرة فور صدورها في فرنسا وسيقوم
الباتشينو بتحويل المسرحية إلي فيلم تمتزج به الوثائقية بالروائية ويقدم
فيه رؤية سياسية وأفكارا مثيرة تتعلق بالدين والجنس وتقوم الممثلة جيسيكا
بدور سالومي ومن جهة أخري يستعد الفنان توم هانكس لإخراج فيلم لاري كراون
ويشاركه في كتابة السيناريو نيافارادولس ويشارك فيه بجانب توم هانكس النجمة
جوليا روبرتس وتاراجيبت هانسو ويدور الفيلم في إطار كوميدي حول رجل في
منتصف العمر يترك وظيفته ويدخل الجامعة مرة أخري ويعيد اكتشاف نفسه ويجد في
آخر الفيلم المعني الذي يحيا من أجله.. ولقد حددت الشركة المنتجة شهر يوليو
2011 موعدا لعرض الفيلم وطالت عدوي الإخراج الفنانة " أنجلينا جولي " حيث
تعمل الآن علي فيلمها " قصة حب في البوسنة " الذي أثارت فكرته جدلا واسعا
حتي من قبل أن تنتهي من كتابته وهو يدور حول علاقة حب بين فتاة بوسنية
ومغتصبها الصربي وقد شوهد في بعض مواقع التصوير الفنان براد بيت وهو يرتدي
الزي العسكري ويطلق النار وقيل إنها صورة تذكارية وقيل أيضا أنه سيظهر في
بعض المشاهد في الفيلم وتردد أنها ستصور الفيلم مرتين مرة بالإنجليزية ومرة
بالصربية والجدير بالذكر أن ميزانية الفيلم لاتتعدي 45 مليون دولار وسيتم
التصوير في أماكن خارجية وقد رفضت أنجلينا جولي التصوير داخل الاستوديو وتم
الاستعانة بممثلين من نفس المنطقة ويتقنوا لهجاتها وقد حددت أنجلينا جولي
خريف هذا العام موعدا لاستكمال تصوير الفيلم . الاهتمام بالعمل الأدبي نلمح
أخيرا إلي صفة أصبحت من معالم السينما الأمريكية والبريطانية وهي تحويل
أعمال البيست سيللر إلي أعمال سينمائية أيا كان قيمتها الفنية لاستغلال
نجاحها التجاري فلقد أصبحت وصفة نجاح سريعة وشبه مضمونة للمنتجين خاصة
أعمال مثل هاري بوتر ومذكرات نارنيا الأمر الذي أصبح له انعكاسات علي
معالجتها السينمائية حيث الجمهور المعجب بالرواية يتدافع إلي دور السينما
وفي قلبه عشق لهذه الأعمال وفي عقله خيال للشخصيات والأحداث والمناخ العام
الذي تدور فيه.. مما أجبر السيناريست علي المحافظة علي روح العمل الأدبي
وأحداثه وشخصياته حتي لو جني في ذلك علي مفردات اللغة السينمائية فما يريده
المنتجون هو استثمار لنجاح الرواية مما يعطي مساحة كبيرة للمخرجين
والمصورين والمصممين في تحدي خيال القاريء وإبهاره بإمكانيات الصورة وتضيق
المساحة جدا إلي حد الاختناق والموت علي السيناريست في معالجته للرواية
والمحافظة علي الشخصيات بطبائعها والأحداث بوقائعها .
جريدة القاهرة في
15/02/2011 |