أصبح شتاء الغضب العربي الذي بدأ في تونس ويتوقع الكثيرون أنه لن ينتهي في
القاهرة محور اهتمام دولي وإقليمي وعربي بالغ الأهمية لأنه يبشر بتغيرات
جذرية ستشهدها المنطقة العربية بأجمعها قد يكون من شأنها فتح سيناريوهات
عديدة لمراحل حرب ومواجهات أومراحل رخاء وتنمية وتحول ديمقراطي أوما بين
هذين النقيضين من المرور بمراحل المخاض الديمقراطي العسير وما يتبعه من
انتقال بطيء ومحتقن حتي الوصول إلي معادلة جديدة مستقرة. ولعل ما بدأته
تونس لا يزال يمثل هذا السيناريوالأخير مع استمرار الاحتقان السياسي
الداخلي والتشتت بين النقيضين السياسيين الإسلامي والليبرالي. نبوءة
إيرانية وتخوف أمريكي وتبع الغضب التونسي غضب في عدة دول عربية من الجزائر
إلي المغرب إلي الأردن إلي اليمن ثم إلي مصر. ويتردد الحديث عن سرعة انتقال
هذا الغضب إلي دول الخليج وسوريا عما قريب. الذي يشهده العالم العربي إذن
هونقطة تحول جديدة للأنظمة التي كانت مستقرة موازاة باستمرار عدم استقرار
الأنظمة الأخري في السودان والصومال والعراق ولبنان وموريتانيا. هذا التحول
إلي عصر فرض إرادة الشعوب العربية هوبالفعل علامة فارقة في تاريخه الحديث
من الصعب التنبؤ بتحجيمها أواحباطها. فما بدأ يسير بلا شك إلي الأمام ولن
يمكنه العودة إلي نقطة البدء مرة ثانية. وكما هوالحال مع كل تغيير، تظل
السيناريوهات مفتوحة علي اتجاهات متعددة. الملفت للنظر وسط هذه الأحداث
المتواترة في العالم العربي خروج تصريحين من إيران ومن الولايات المتحدة
الأمريكية تتحدث عن شرق أوسط إسلامي جديد تبنته إيران علي أنه أمل جديد
يشرق علي المنطقة وينذر بانقضاء عهد موالاة الغرب وعلي رأسها الولايات
المتحدة ومعها حليفتها الأقرب إسرائيل. أما الولايات المتحدة فعبر تصريحها
عن تخوف من خطر جديد علي مستقبل استقرار المنطقة وعلي أمن إسرائيل. وصرح
علي أكبر صالحي، وزير الخارجية الإيراني، بأن إيران تدعم المتظاهرين في مصر
في انتفاضتهم الشعبية لاسقاط النظام الحاكم قائلاً "من خلال معرفتنا للشعب
المصري الثوري الكبير وصانع التاريخ فإننا علي ثقة بأنه سيضطلع بدوره جيداً
في إيجاد شرق أوسط إسلامي يتعلق بالأحرار ومريدي العدالة والاستقلال في
المنطقة بصورة جيدة". أما التصريح الأمريكي فقد جاء علي لسان أحد رجال
الكونجرس الذي قال تعليقاً علي ثورة الياسمين التونسية "لا يزال الخوف من
النموذج الإيراني كامناً. سيخفف من حدة رسالة الإدارة نوعاً ما. يريد
الجميع رؤية مزيد من الانفتاح في هذه الدول ولكن ليس هناك من يرغب في سيطرة
إسلامية علي السلطة". المعارضة الإيرانية تبشر بالإصلاح وكان المتحدث باسم
الخارجية الإيرانية رامين مهمان برست قد أعلن عن موقف إيران الرسمي المؤيد
للانتفاضة الشعبية في كل من تونس ومصر، وأضاف "في حين تأخذ المنطقة شكلاً
جديداً وتتواصل التطورات، نأمل أن نري "شرق أوسط" إسلامياً وقوياً يقف أمام
المحتلين الصهاينة". ووصف رامين مهمان برست ما يحدث في مصر بالتحديد بأنه
أقرب إلي تكرار نموذج الثورة الإسلامية عام 1979 وأنهت حكم الشاه الموالي
للولايات المتحدة ذلك في الوقت الذي وصفت فيه المعارضة الإيرانية أحداث مصر
بأنها انتفاضة شبيهة باحتجاجات المعارضة عام 2009 بعد فوز أحمدي نجاد بفترة
رئاسية ثانية في انتخابات وصفها المعارضون بأنها مزورة. وبذلك نجد أنفسنا
إذا نظرنا إلي شتاء الغضب الذي اجتاح العالم العربي من وجهة نظر المعارضة
الإيرانية نري أن النموذج الإيراني كان سباقاً إلي إشـــــعال فتيل
الغضـــب والاحتجاج والرغبــة في الإصلاح ومحاربة الفساد الذي بدأ في طهران
عام 2009. البدائل السياسية المطروحة أما وجهة نظر النظام الإيراني فهي تري
ثورات الشعوب العربية الواحدة تلوالأخري مقدمة لمجيء حكومات إسلامية تغير
شكل الشرق الأوسط تماماً وشكل تحالفاته الإقليمية والدولية. ماذا تعني هذه
الأطروحة إذن؟ يمكننا محاولة الإجابة عن هذا السؤال إذا ابتعدنا عن نظرية
المؤامرة وعن الأجندات الإقليمية في المنطقة بالنظر إلي البدائل السياسية
المطروحة في مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة العربية الشمولية علي يد الثورات
الشعبية. البدائل المطروحة تشير إلي معارضة سياسية أضعفت عمداً علي مدي
سنوات من الابعاد السياسي واحرقت نفسها عن طريق انقساماتها الداخلية من
ناحية وعن طريق عجزها عن تقديم برامج سياسية قوية تحظي بقاعدة قوية من
التأييد الشعبي. كما تشير البدائل أيضاً إلي تهميش القوي السياسية التي حظت
في مرحلة معينة بقاعدة تأييد قوية وببرنامج فكري متكامل مثل تيارات القومية
العربية وتيارات الليبرالية وتيارات اليسار العربي. فتبقي إذن من البدائل
المطروحة القوي السياسية الإسلامية التي علي الرغم من تباين أفكارها ومن
ابعادها عن المشاركة السياسية، تمكنت من تنظيم نفسها علي مستوي القاعدة
الشعبية لتحظي بذلك بقوة انتخابية كبيرة تجلت بوضوح في نموذج الانتخابات في
الضفة المحتلة وقطاع غزة. القوة الحقيقية للإسلاميين في العالم العربي تكمن
أيضاً في تقديمها النموذج الأقرب لرغبة الشارع العربي الطبيعية في استعادة
مجد الهوية العربية ومجابهة أشكال الاحتلال المختلفة بدءاً من الاحتلال
الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان وانتهاء بالهيمنة الاقتصادية
والثقافية والتقنية والعسكرية الغربية خاصة الأمريكية. وإذا نظرنا في
الحالتين التونسية والمصرية، لا يزال من المبكر الحكم علي مدي نجاح حزب
النهضة أوحركة الإخوان المسلمين في التوصل إلي السلطة علي الرغم من أن
انتفاضة الشعبين فتحت المجال لانتخابات رئاسية ديمقراطية تتساوي فيها فرص
ترشيح جميع التيارات السياسية. وسيكون الاختبار الرئيسي لهذين التيارين في
حال الوصول إلي السلطة ديمقراطياً هوالحفاظ علي النموذج الديمقراطي وعدم
التحول إلي الحكومة الإسلامية المتمثلة في صميم فكرهما السياسي. تمدد
الهلال الشيعي ومن جهة أخري، يقودنا الحديث عن الشرق الأوسط الإسلامي إلي
النظر في ملف تمدد الهلال الشيعي في المنطقة العربية والذي بدأ منذ نحو
ثلاثة عقود من الزمان بعد أن كانت الأقليات الشيعية مهمشة إلي حد كبير في
العالم العربي. وهناك نقاط تاريخية فارقة في بروز الدور الشيعي في المنطقة
العربية منها الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وسقوط بغداد عام 2003
والحرب الإسرائيلية المفتوحة علي لبنان عام 2006. فعام 1979 قدم نموذج
الدولة الإسلامية الثورية كنموذج مقابل للدول العربية التي لم تتمكن في
تحقيق ديمقراطية حقيقية بابتاعها النموذج الغربي ولا تمكنت من الحفاظ علي
هوية إسلامية أمام الزحف الثقافي الغربي. أما سقوط بغداد فقد شهد بروز
الدور السياسي للشيعة العرب وتفعيل تحالفاتهم الإيرانية لضمان الحفاظ علي
مكاسبهم السياسية التي حصلوا عليها بعد غزوالولايات المتحدة للعراق. أما
عام 2006 فهو بلا شك أكثر الأعوام التي قدمت نموذج المقاومة الشيعية علي يد
حزب الله اللبناني كالنموذج السياسي الثوري القادر علي الدفاع عن الوطن
ومواجهة العدوالإسرائيلي وذلك في مقابلة مع أنظمة مهادنة عربية باتت تفقد
الكثير من مصداقيتها أمام شعوبها. وكما يمثل نموذج الثورة الإسلامية
الإيرانية أحد النماذج التي ربما تتطلع إليها شعوب المنطقة العربية في
مرحلة ما بعد انتفاضاتها، هناك أيضاً النموذج الإصلاحي التركي المتمثل في
حزب العدالة والتنمية الحاكم ذي الأصول الإسلامية. وعلي الرغم من اتهامات
الكثيرين للحزب بتمرير أجندة إسلامية لتركيا، إلا أنه يصرح بتبنيه مبدأ
الديمقراطي والتعددية السياسية والحريات ومحاربة الفساد الإداري. استخدام
الثورات لتمرير الخلافة المؤكد أن انتفاضات الشعوب العربية حتي الآن رفعت
شعارات المطالبة بالديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية وهي النقائص
التي جعلت هذه الشعوب تصل إلي نقطة الاحتقان بسبب غياب الحقوق السياسية
للمواطنين وانتشار الفساد السياسي والإداري والمالي وغلاء الأسعار في الوقت
الذي تدنت فيه الأجور وازدادت معدلات البطالة. من الطبيعي إذن أن تسعي هذه
الشعوب إلي تحقيق مطالبها بعد إزاحة رموز النظم القديمة غير أنه في
الحالتين التونسية والمصرية رأينا الاتهامات تتجه إلي التيارين الإسلاميين
الأكثر تأثيراً بالرغبة في الانقضاض علي انجازات الشعب لتسيير البلاد في
اتجاه اقامة الدولة الإسلامية. وكان عادل الشاوش، عضوالمكتب السياسي لحركة
التجديد التونسية (الحزب الشيوعي سابقاً)، قد اتهم الإسلاميين بالسعي إلي
إعادة إنتاج "الخلافة الإسلامية، من خلال الثورة المرشدية". ورأينا شيئاً
مماثلاً في مصر عندما ظهرت الانقسامات بين صفوف المعارضة السياسية اتخذت
خطاً مناوئاً للإخوان المسلمين الذين رفضوا مبادرة الحكومة المصرية الجديدة
للحوار قبل تنحي الرئيس المصري عن السلطة وخرج بيان قوي المعارضة المكذب
لخبر تفويضها للدكتور محمد البرادعي زعيم قوي التغيير الوطني ليوضح حقيقة
التحالف بين الإخوان المسلمين وبين البرادعي الذي يعتبر بالنسبة لحركتهم
الواجهة التي قد تلقي قبولاً أكثر من كوادر الحركة إقليمياً ودولياً. هذا
النوع من التحالف من الممكن أن يكون تحالفًا بريئًا لقوي معارضة ذات أجندة
إسلامية معتدلة ومن الممكن أن يكون مخطط ذكيًا لتمرير الحكم الإسلامي علي
المدي البعيد بواجهة ليبرالية مؤقتة تحمل اسم الدكتور البرادعي أوغيره من
رموز المعارضة المتحالفة معهم.
جريدة القاهرة في
08/02/2011
أيام الحرية في ميدان التحرير
بقلم : محمد الشماع
(1) 25/1/2011 «الثلاثاء» لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يتجاوز عدد
المتظاهرين من الشباب في ميدان التحرير الألف، ولم أكن بشكل شخصي أتوقع
أنني سأظل في المنزل إلي الساعة الرابعة أتابع الأخبار عبر القنوات
الفضائية العربية التي اهتمت يومها بالأحداث التي وقعت في لبنان والتظاهرات
التي دعا إليها أنصار تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري احتجاجًا علي حل
الحكومة والإتيان بنجيب ميقاتي رئيسًا جديدًا للحكومة هناك ومن ثم ظهور
الحريري مرة أخري يدعو إلي وقف التظاهر والاحتجاج انتظارًا للمشاورات، أقول
هذا لأنه حينها قفزت إلي رأسي فكرة عن مقدرة هذا الشاب الوسيم علي تحريك
آلاف وهي الفكرة التي انتهت تقريبًا من أدبياتنا السياسية والفكرية في مصر.
القنوات الفضائية العربية والمصرية تقريبًا خذلتني في متابعة ما يجري
بميدان التحرير اللهم إلا بعض النشطاء علي الفيس بوك الذين كانوا يضعون
مشاهداتهم عليه وبعض الاتصالات الهاتفية التي تأتيني من هناك لاطلاعي علي
الوضع كاملاً، لكنني اعتقدت أن ما أفعله غير كاف للوقوف علي حجم التظاهرة
أو مطالبها أو القمع الذي تلقاه التظاهرة من الجانب الأمني، وحين بدأ
الاكتئاب والقلق يدبا في جسدي قررت النزول والاتجاه إلي ميدان التحرير.
كانت حركة المرور طبيعية بالكاد لكن اسم ميدان التحرير بدا أكثر إزعاجًا
لسائقي التاكسي فأخذت السير علي قدمي خصوصًا أن الميدان قريب من منزلي،
كانت الخامسة تقريبًا لم تنقطع الاتصالات للتعرف علي الوضع، مررت بميدان
طلعت حرب وجدته مكتظًا بسيارات الأمن المركزي وجنوده كذلك شارع قصر النيل
ومن قبله ميدان عابدين وشوارعه الجانبية، أسطول كبير من جنود الأمن المركزي
يتبادلون القفشات التي لا أفهمها لطبيعة لهجتهم الريفية، أما الضباط فاكتفي
البعض بالحديث في التليفون والبعض الآخر بقراءة الصحف. كثر الحديث عند
اقترابي من الميدان عن محاولات عديدة لفض التظاهرة سواء بالقنابل المسيلة
للدموع أو بخراطيم المياه أو بالهراوات، كما كثر الحديث عن محاولات بعض
جنود الأمن المركزي منع متظاهرين جدد من الدخول، لكن لم يحدث ذلك فدخولي
ميدان التحرير كان أشبه بالعادي، نعم كان جنود الأمن المركزي مصطفين في
مداخل الميدان لكنهم لم يشكلوا أي إعاقة لي وللكثير من المنضمين، ربما كانت
الإعاقة هي انقطاع شبكات المحمول عن العمل وعزلنا تقريبًا عن العالم
الخارجي. مع دخولي الميدان كانت الوجوه مألوفة لي إلي حد كبير، صافحت
الكثير من أصدقائي الذين لم أرهم منذ فترة، حتي أن أحدهم طلب مني أن ألتقط
له صورة للذكري، كان الهدوء يخيم علي الوضع الأمني وكان المتظاهرون يهتفون
بسقوط رموز النظام ومن كانوا سببًا في تزوير انتخابات مجلس الشعب، والبعض
كان يردد هتافات معادية للرئيس نفسه باعتباره سببًا فيما يحدث من غلاء
وبطالة وبلطجة وترد وقمع، إلا أن كل هذا تبدل فجأة، فأخذت أصوات القنابل
تدوي في الميدان، عشرات من القنابل المسيلة للدموع تهبط علي رؤوسنا وتفرقنا
ولكن سرعان ما تتم العودة مرة أخري، حدثت اشتباكات عديدة بين بعض
المتظاهرين وبين رجال الأمن، شاهدت بعيني كثيرًا من الجرحي وكثيرًا جدًا من
الذين تم اعتقالهم في ساعات النهار وأفرج عنهم ومن بينهم المخرج عمرو سلامة
الذي رأيته جالسًا علي الرصيف وقد ظهرت علي وجهه وملابسه آثار الضرب، وتحدث
البعض عن آخرين لقوا نفس المصير. هدأ الوضع في الميدان مرة أخري بحلول
التاسعة مساء، وكان البعض كان يخشي من هجوم أمني جديد، كما أن البعض
وخصوصًا من شباب 6 إبريل وحركة خالد سعيد اتفقوا علي الاعتصام مجددًا في
اليوم الذي يليه أيضًا، واستمرت الأحاديث والمعلومات في تدفقها، وبحلول
العاشرة بدأت علب المياه الغازية تتدفق وصناديق المياه وبعض المخبوزات
والبقسماط، سألت عن مصدرها أكد لي البعض أنه بعض الشباب المتحمس المتطوع،
وأكد لي البعض الآخر أنه رجل الأعمال المهندس ممدوح حمزة، وقال آخرون إنه
نجيب ساويرس، لكنني أكاد أجزم أنه كل هؤلاء، فهو سلوك جمعي يفعله المصريون
وقت الشدائد. استمر الهدوء ومعه استمرت القفشات هنا وهناك، حتي بعد توارد
أنباء عن مطالب قوي المعارضة السياسية في البيان الذي ألقاه د.السيد البدوي
رئيس حزب الوفد، كما استمرت الهتافات والتي دخل عليها هتاف جديد سمعته في
التظاهرات التونسية مرارًا وهو «الشعب يريد إسقاط النظام»، كان ذلك تقريبًا
في الحادية عشرة ليلاً وظهرت دعوات للمبيت في الميدان وهو ما رفضته حيث
توجهت للبعض ومنهم الأستاذ محمد عبدالقدوس ورئيس حزب الغد أيمن نور لأننا
سنصبح وقتها عرضة للاعتقال أو مجددًا للاشتباك مع رجال الأمن المركزي
بهراواتهم وخراطيمهم وقنابلهم ولم أعرف وقتها لماذا شعرت برهبة علي الرغم
من أنني واجهت العديد من المواقف الصعبة مع رجال الأمن، لكن ما كان يحدث
أمامي من إصرار غريب علي المبيت هو ما أقلقني يومها. وجاءت ساعة الحسم
تقريبًا بعد الثانية عشرة بقليل، سيل من القنابل وبلا هوادة، خراطيم
المياه، ضرب بالهراوات، اقتحام بالسيارات المصفحة، كان هناك إصرار أيضًا من
رجال الشرطة علي إخلاء الميدان تمامًا، استغرق هذا الوضع غير الآمن بالمرة
حوالي ساعتين، اعتقلت الشرطة العديد من الشباب، وأصيب آخرون ونجحت الشرطة
بالفعل في فض الاعتصام رغمًا عن محاولات البعض للتجمع مرة أخري في الشوارع
الجانبية الضيقة للميدان، كما أن البعض توجه للاعتصام في ميدان طلعت حرب
ولكن الأعداد أصبحت أقل بكثير مع خروجنا من الميدان، تقريبًا كان الجميع
يتحدثون في الموبايل لطمأنة ذويهم بعد هذا الانقطاع الطويل عن التواصل
هاتفيًا في الميدان، وبحلول الثانية والنصف كان الوضع قد هدأ تمامًا في
منطقة وسط المدينة. (2) 26/1/2011 «الأربعاء» استمرت الأخبار عن محاولات
للتظاهر في ميدان التحرير لكنها في العادة ما كانت تنتهي بفعل رجال الأمن،
كان الاعتصام الأبرز عند نقابتي الصحفيين والمحامين، هذا ما شاهدته أثناء
مروري من هناك، وكان الأمن قد لجأ إلي حيلته المعروفة وهي نشر بعض من رجاله
بزي مدني، لكن وجوههم أصبحت مألوفة لنا، الغريب أن أجسامهم أصبحت مليئة عما
ذي قبل وهو ما يعيق حركتهم أثناء الجري. كانت الرابعة والنصف تقريبًا، سمعت
أخبارًا عن عمليات سحل لبعض الصحفيين المعتصمين ومنهم الأستاذ محمد
عبدالقدوس وكان الطريق من شارع رمسيس إلي ميدان التحرير حيث محاولات التجمع
مليئًا بالغموض، فمظاهرة قوامها العشرات كانت تقابل بمنتهي العنف من جنود
الأمن المركزي سواء من ذوي البذات السوداء أو ذوي اللباس المدني، وكان
العنف دائمًا ما يقابل أيضًا بعنف، فأشعل بعض الشباب إطارات السيارات وحدثت
اشتباكات عنيفة في شارع رمسيس إلا أنه عند وصولي إلي التحرير تم إيقافي من
هؤلاء. - الرجل: رايح فين؟ - أنا: مروَّح البيت. - الرجل: بيتك فين؟ - أنا:
الحلمية الجديدة. - الرجل: وجاي التحرير من هنا ليه.. ما عندك العتبة
تروَّح منها؟ - أنا: اللي حصل. - الرجل: طب خليك واقف هنا. جذبني الرجل إلي
جانب الطريق، ثم جذبني آخر إلي شارع جانبي فوجدت مثلي حوالي عشرة شباب
يحيطهم بعض هؤلاء الرجال الشرطيين من ذوي اللباس المدني، شعرت وقتها أني
رهن الاعتقال ولكن لم أكن أدري ماذا أفعل، فكرت في الحديث إلي أحد من أهلي
ولكن خفت أن أتسبب لهم في قلق، شعور غريب في مصير لا أعرفه، استغرق هذا
الوضع دقائق، لم ينقذنا إلا مظاهرة أو تجمع شبابي مكون من عشرات أيضًا خرج
أصحابنا الذين كانوا يحتجزوننا لمواجهته فهربنا إلي ميدان عبدالمنعم رياض
جريًا. خرجت إلي الكورنيش والوضع مازال ملتهبًا، سرت إلي جاردن ستي ودخلت
في شوارعها الجانبية إلي أن وصلت إلي شارع قصر العيني أمام مجلس الشوري،
كان الميدان خاليًا تقريبًا من المارة، السيارات كانت تسير بشكل عادي، حركة
المرور كانت أسهل من المعتاد ولكن سيارات الأمن المركزي كانت متواجدة
بكثافة ورجال الشرطة الآخرين كانوا أيضًا متواجدين بكثافة علي كل مداخل
الميدان، علي باب شارع التحرير أوقفني أحدهم وسألني نفس السؤال «رايح فين؟»
رددت نفس الإجابة «مروَّح البيت» وكأنه نسخة طبق الأصل من الحديث الماضي
إلا أن الرجل كان رحيمًا ولم يحتجزني وقال لي «علي بيتكوا عِدِل». كانت
الأنباء المتواردة لدي أن الاعتصام قد بدأ في ميدان طلعت حرب، توجهت إلي
هناك حوالي السادسة مساء أو ما يزيد بقليل، وكان التجمهر أقل، ولكن هتاف
«الشعب يريد إسقاط النظام» كان يدوي في الميدان الصغير وبعض الشوارع
الجانبية، قابلت بعض أصدقائي في شارع مؤدي إلي ميدان طلعت حرب، وسمعت عن
اعتقالات عديدة في صفوف الشباب وبعض النشطاء السياسيين والصحفيين، سمعت
أيضًا عن إصابات خطيرة، سمعت عن حالات وفاة، لم أتأكد فكان الوقت ملائمًا
للشائعات ولكن الحقيقة المؤكدة في هذا الوقت أن دخول ميدان طلعت حرب أصعب
كثيرًا من الحصول علي تأشيرة لأمريكا. المواجهات كانت كبيرة وعنيفة ولكن
الأمر لم يستغرق طويلاً ونجحت الشرطة بجناحيها الرسمي وغير الرسمي في فض
الاعتصام تقريبًا بحلول العاشرة. (3) 27/1/2011 «الخميس» توجهت في حوالي
التاسعة إلي ميدان التحرير قادمًا من ميدان طلعت حرب، شاهدت بعيني الشرطة
غير الرسمية تنتشر بكثافة في الميدانين وبخاصة في طلعت حرب، سمعت عن
المواجهات التي كانت تحدث أمام نقابتي الصحفيين والمحامين، تلقيت اتصالاً
من صديق معتصم أمام نقابة الصحفيين نقل لي الوضع كاملاً واختتم مهاتفته
بجملة «لو الوضع استمر كده لغاية بالليل مش هيبقي في مصر صحفيين بره
السجون»، وهي الاستغاثة التي بدأت تنتشر في الأوساط الصحفية والثقافية وفي
أوساط المجموعات التي كانت تحاول التظاهر في وسط المدينة. مر اليوم سريعًا
توجهت إلي جريدتنا في الزمالك، لم تنقطع الاتصالات بيني وبين أصدقائي إلي
أن أبلغني أحدهم أن يوم غد «الجمعة» سيخرج الشعب كله عن بكرة أبيه بعد صلاة
الجمعة للمطالبة برحيل النظام خصوصًا مع توارد أنباء عن مظاهرات في
الإسكندرية والسويس والإسماعيلية وبعض المدن الأخري، وكانت الدعوة للجميع
وليس لقوة معينة. خرجت من الجريدة في الرابعة مارًا بميدان التحرير فالوضع
مازال علي حاله، بعض المتظاهرين يحاولون والأمن يمنعهم ويوقف الكثير
ويشحنهم في سيارات ميكروباص تذهب إلي أماكن بعيدة في الطريق الصحراوي أو في
آخر شارع الهرم أو في صحراء مدينة نصر كما روي لي الكثير، وحين وصلت إلي
البيت تابعت الأمر أمام شاشات الفضائيات وعلمت أن البورصة المصرية أغلقت
علي خسائر فادحة اقتربت من عشرة مليارات دولار، شعرت حينها أن الأمر يبدو
مزعجًا. في الحادية عشرة ليلاً توجهت إلي التحرير مرة أخري لم يكن هناك
جديد علي الاطلاق اللهم إلا أن الحالة الطبيعية بدأت تدب في شوارع القاهرة
مع وجود أمني رسمي وغير رسمي إلا أن الناس كلها كانت في حالة ترقب لما
ستسفر عنه جمعة «الغضب» كما أسماها المتظاهرون. (4) 28/1/2011 «الجمعة»
استيقظت مصر كلها علي قطع كامل لخدمة الإنترنت والتليفونات المحمولة وكانت
خطبة الجمعة في مسجد السلطان حسن بمنطقة القلعة أشبه ببيان لضبط النفس،
وكان التواجد الأمني في خارج المسجد كبيرًا وخصوصًا وأنني لم أشهده في مثل
هذه المنطقة من قبل، وما إن انتهت الصلاة حتي خرج الجميع في هتاف واحد
«الشعب يريد إسقاط النظام»، خرجت معهم ولم تفلح محاولات الشرطة في قمع
التظاهرة التي تجاوزت الآلاف بعد انضمام أهالي الحلمية الجديدة والدرب
الأحمر، وكانت متجهة إلي ميدان التحرير إلا أنها فضت تقريبًا في مدخل شارع
حسن الأكبر الذي يبعد عن قصر عابدين بأمتار، رجع الحشد متوجهًا إلي كل
أقسام الشرطة في منطقة الحلمية والخليفة وإلي مقار الحزب الوطني في السيدة
زينب والسيدة عائشة، وهو الأمر الذي أوقع كثيرًا من الضحايا في عمليات
اقتحام تلك الأماكن ومنهم أخ صديق لي. كانت المواجهات في الرابعة عصرًا
دامية، الرصاص كان يُطلق في كل الاتجاهات وكذا الحجارة وهو ما أدي إلي
إصابتي في الرأس والوجه، وجدت أن الأمر أصبح خطيرًا علي حياتي فقررت الصعود
إلي منزل أحد أقربائي في منطقة المقطم التي هي بالتأكيد أهدأ حالاً، وجدتها
كذلك بالفعل ولكن لأنني في أعلي مكان بالقاهرة شاهدت بعيني الدخان الأسود
يتصاعد في كل مكان وخصوصًا في منطقة التحرير ومنطقة الخليفة. المنطقة
الهادئة لم تعد كذلك، فالمظاهرات بدأت تجوب الشوارع هناك وبدأت بعض عمليات
السلب والنهب ومع انسحاب قوات الشرطة من الشوارع وإحراق الأقسام المحيطة
للمنطقة. لم يكن في وسعي إلا الاحتماء في المنزل لكني آثرت النزول حتي بعد
إعلان حظر التجول في القاهرة والسويس والإسكندرية من الساعة السادسة مساء
حتي الثامنة صباحًا من اليوم الذي يليه ونزول قوات من الجيش لحماية
الممتلكات العامة. توجهت إلي ميدان التحرير ولاحظت حالة الانفلات الشديد
والفوضي الشديدة التي تعيشها المدينة، رأيت بعيني عمليات السلب والنهب
لبنوك كثيرة وبعض المحلات التي كانت أبوابها سهلة الكسر، الوضع كان مخيفًا
جدًا، وخصوصًا بعد اشعال الحرائق في أماكن عديدة بالقرب من المتحف المصري
الذي وقف أمامه مجموعة من الفنانين والمثقفين ومنهم المخرج خالد يوسف،
لاحظت أن كثيرًا من الناس التزموا بحظر التجول ولكن بعد مرور ساعات لم
يلتزم أحد بالقرار والكل خرج إلي الشوارع، ليحتفل الجميع بمشاهدة المدرعات
والدبابات التي بدأت في الانتشار تدريجيًا، ربما أغلب المشاركين في الأحداث
لم يشاهدوا تلك الآليات في حياتهم وكان الهتاف وقتها «الجيش والشعب يد
واحدة». مع انقطاع الاتصال اعتمدت علي عيني فقط في رصد الأحداث، ولكن
الحالة الأمنية أجبرتني علي العودة لمتابعة الأخبار عن طريق القنوات
الفضائية والبعد تمامًا عن التليفزيون المصري الذي ساهم في ارتكاب جريمة في
حق الشعب مؤيديه ومعارضيه بعدم نقل الصورة كما رأيناها في الشارع. بعد
منتصف الليل وبالتحديد قبيل خطاب الرئيس مبارك كنت في البيت، وعرفت عن طريق
بعض زملائي الذين ذهبوا أيضًا إلي بيوتهم أن المتظاهرين من الشباب يحاولون
منع الكثيرين من عمليات السلب والنهب التي استمرت حتي صباح اليوم التالي.
(5) 29/1/2011 «السبت» كان الانفلات الأمني غير طبيعي مع ورود أنباء عن
خروج آلاف المسجونين إلي الشارع، حتي أني سمعت طلقات الرصاص بالقرب من
مديرية أمن القاهرة صباحًا، حيث يوجد سجن الاستئناف، مررت بميدان التحرير
وجدت الوجوه قد تبدلت قليلاً، ولكن الأعداد بالطبع متزايدة لعدم وجود
الشرطة، دخلت الميكروفونات وأصبح المتحدثون فيها مختلفين عما شاهدناهم من
ذي قبل، كان لخالد الصاوي وأحمد عيد وعمرو واكد وخالد أبوالنجا حضور جيد،
التف حولهم الناس، وهتفوا وراءهم. ومع الليل حضر إلي الميدان د.محمد
البرادعي ومعه د.أسامة الغزالي حرب ومجموعة من مؤسسي الجمعية الوطنية
للتغيير والكاتب علاء الأسواني وإبراهيم أصلان وغيرهم، لاحظت أن الميدان
بدأ ينقسم إلي تكتلات لكني وقتها لم أحدد الاتجاهات. امتدت ساعات حظر
التجول لتبدأ من الثالثة عصرًا ولا أحد ملتزم بها، لا أدري لماذا؟ وانتشرت
ما يسمي باللجان الشعبية في الأحياء الراقية وغير الراقية، خرج شباب تلك
المناطق للدفاع عنها بالسنج والمطاوي والشوم، كثرت الشائعات عن مجييء
مجموعات مسلحة إلي المناطق ومهاجمة المنازل ولكن لم يحدث أمامي هذا علي
الأقل حتي وإن سمعت ذلك من بعض الأشخاص في مناطق متفرقة، والحقيقة أنه لا
يوجد شاهد عيان واحد قال لي «حدث لي كذا وكذا». سهرت حتي صباح اليوم
التالي، كانت الامدادات من أهالي المنطقة رائعة أكواب من الشاي وقطع الكيك،
وتطور الأمر في فجر هذا اليوم إلي صينية كبيرة بها «كبسة» وأخري بها «مكرونة
بالبشاميل»، ومع ساعات الصبح الأولي صعد الجميع للنوم في منازلهم. (6)
30/1/2011 «الأحد» لم أستطع النوم تلك الليلة خصوصًا مع صوت طلقات النيران
التي كانت تدوي بالقرب من مديرية الأمن، توجهت إلي ميدان التحرير نهارًا،
وكانت حركة المرور صعبة وغير منضبطة بسبب الغياب الأمني، بعض الشباب كان
يحل محل رجل المرور، ولكن الفوضي كانت عامة فالطرق أصبحت مباحة للذاهب
والآتي، كثرت الحوادث، رأيت بالقرب من المعبد اليهودي سيارة تاكسي اقتحمت
أحد المحلات بشكل غريب. استطعت في هذا اليوم تمييز بعض الوجوه التابعة
لجماعة الإخوان المسلمين، مع انضمام شيوخ من الأزهر وبعض القضاة، كثرت
الوجوه الأجنبية من مرتادي منطقة وسط البلد من الصحفيين والمراسلين
والنشطاء في مجال حقوق الإنسان، وجوه نراها كثيرًا علي مقاهي زهرة البستان
والحرية وستراند وغيرها، الغريب أنهم كانوا يحملون لافتات تشير أيضًا إلي
نفس المطالب. فجأة حدث هرج ومرج، قال لي أحدهم إن ضابطًا من قوات الجيش
برتبة نقيب يقود التظاهر بالقرب من ميدان عبدالمنعم رياض، توجهت إلي هناك
وجدت الضابط الذي عرفت بعد ذلك أن اسمه إيهاب محمد علي يقف أسفل تمثال
الشهيد عبدالمنعم رياض يهتف «الجيش والشعب يد واحدة» ثم يكبر «الله أكبر»،
التهب الموقف، وشاهدت كثيرًا من الناس يبكون تأثرًا بالمشهد. بدأت اللافتات
الكبري تنتشر في أرجاء الميدان، العدد كان كبيرًا بالمقارنة بالأيام
السابقة إلا أنه ليلاً بدأ في الانحسار التدريجي، وكان عمل اللجان الشعبية
رائعًا لاستعادة الأمن في الشارع. (7) 31/1/2011 «الاثنين» حرصت في بداية
هذا اليوم أن أتجول في الأسواق، بعض السلع الغذائية ارتفعت أسعارها، كثرت
«طوابير العيش»، الوضع لم يكن مطمئنًا بالمرة، التقيت بأحد أصدقائي وهو
متخصص في اللجان الشعبية قال لي إنه نزل أيضًا ليراقب جشع البائعين وأقسم
لي أن الأسعار ستهبط مرة أخري لأن اللجان ستراقب الأمر بداية من يوم
الثلاثاء. في طريقي إلي ميدان التحرير سمعت أخبارًا عن تشكيل الحكومة، وبدا
الأمر عاديًا في الشارع لا يبالي أحد بأي أخبار، أما في التحرير فكانت
التظاهرة الكبيرة أمام مطعم كنتاكي في الميدان ويقودها الفنان خالد الصاوي
والفنان أحمد عيد، سمعت أخبارًا عن وجود المشير حسين طنطاوي في مبني
التليفزيون الواقع علي كورنيش النيل والذي يبعد أقل من كيلو متر من ميدان
التحرير، هاتفني أحد أصدقائي من الولايات المتحدة الأمريكية وقال لي إن
لديه معلومات مؤكدة أن وزير الدفاع سيلقي بيانًا من مبني التليفزيون يؤكد
فيه تنحي الرئيس عن منصبه وتولي الجيش زمام الأمر وهو بالطبع ما لم يحدث
حيث اكتفي المشير بمصافحة جنوده وترك المكان، هكذا أظهرت التليفزيونات
وهكذا قال لي شاهد العيان إضافة إلي وقوفه لأكثر من خمس دقائق مع مواطنين
عاديين كانوا يسيرون علي الكورنيش أبلغوه كامل تقديرهم للجيش المصري الذي
دافع عن التراب المصري في 1973، وقال لي أيضًا شاهد العيان إن المارة
تجاهلوا الوزير أنس الفقي الذي كان يتجول مع المشير ولم أتأكد من صحة
معلوماته لكنه كان مصدري الوحيد هناك. في الثانية والنصف وأثناء وقوفي مع
الكاتب الصحفي إبراهيم عيسي في الميدان مرت فوقنا طائرة من طراز إف 16،
كانت لحظات رعب لمعظم من كانوا في الميدان، الصوت لم يكن محتملاً للكثير،
ثم تحول الأمر بعد مرور الطائرات لأكثر من مرة إلي شيء عادي، واستمر الشباب
في هتافاتهم واستمر آخرون في توزيع علب «الكشري» والآخرون في تنظيف أرض
الميدان. كانت نقطة الخطورة الحقيقية عند مبني وزارة الداخلية حيث سمع كل
من في الميدان أصوات طلقات تدوي في الرابعة تقريبًا، سمعنا أنها محاولات
لاقتحام المبني من قبل المتظاهرين واجهتها قوي الشرطة الموجودة بالداخل
بوابل من الرصاص، سمعنا عن حالات وفاة، استغاث العديد بضباط الجيش، الغريب
هي الاستجابة السريعة لهم حيث توجهت دبابتان وأربع مدرعات إلي حيث مبني
وزارة الداخلية وسط تهليل المتظاهرين. ظل الحال كما هو عليه إلي المساء وفي
طريقي للعودة إلي المنزل ومروري بجانب مديرية الأمن كان الوضع لا يزال
عليه، وابل من الرصاص هنا وهناك منعًا لهروب المسجونين من سجن الاستئناف
الملاصق للمديرية، مر الجميع من تلك المنطقة مهرولاً ومنحنيًا هربًا من
طلقات الرصاص فاعتقد أنها كانت اللحظات الأصعب علي الاطلاق. (8) 1/2/2011
«الثلاثاء» استيقظت صباحًا علي جرس تليفوني المحمول، وكان شخص يستغيث، لا
طعام عنده ولا يستطيع النزول لشراء حاجياته، أعلم أنه يوم تظاهرة المليون،
لكن واجبي الإنساني كان يحتم عليّ المساعدة، قبل ذهابي إليه تفقدت السوق
المجاور لمنزلي شعرت بالفعل أن الأسعار بدأت تتراجع تدريجيًا، استقللت
تاكسي متوجهًا إلي منطقة العجوزة، بالطبع كانت الشوارع مكتظة بالناس، لا
تواجد أمني علي الرغم من ورود أخبار عن نزول قوات الشرطة إلي الشارع في
اليوم الذي سبقه، يستغرق المشوار من بيتي إلي العجوزة ربع الساعة تقريبًا،
لكن الطرق كانت مقطوعة فاستغرقت ساعتين. توجهت إلي ميدان التحرير من كوبري
6 أكتوبر سيرًا، شعرت أن اليوم غير عادي، السيارات تتوقف علي جانبي الكوبري
والأعلام تزينها، أغنية «يا حبيبتي يا مصر» لشادية في كل سيارة، شباب
وفتيات يرسمون الأعلام علي وجوههم والكثير منهم يحملون الرايات، كرنفال
حقيقي توقعته في الميدان. عند هبوطي من «مَنزَل» عبدالمنعم رياض كانت
الطوابير كبيرة جدًا، وكانت هناك أكثر من نقطة للتفتيش والتأكد من البطاقة
الشخصية، تلك النقط أقامتها اللجان الشعبية إضافة إلي القوات المسلحة، الكل
كان متعاونًا لأقصي درجة استغرق دخولي الميدان حوالي ربع ساعة، الحشود كانت
هائلة، لم أنتظر كثيرًا، لم أكن أستطيع حتي التجول، شعرت بضيق شديد وبفرحة
أشد لتجمع كل هؤلاء المسيحي والمسلم، الكبير والصغير وربما الرضيع، الغني
والفقير، العلماني والإخواني، ربما كان التجمع الأكبر الذي أشاهده في
حياتي. امتلأ الميدان عن بكرة أبيه وامتلأت معظم الشوارع المؤدية للميدان،
انسحبت الدبابات والمدرعات لمنتصف شوارع قصر النيل ومحمد محمود والتحرير
وكان تقديري للأعداد يقترب بالفعل من نصف المليون أكثر قليلاً أو أقل
قليلاً. بدأ الإرهاق ينهل مني حتي عدت إلي المنزل أصف كل شيء شاهدته لمن
أقابله. في السابعة تقريبًا ذهبت إلي الميدان مرة أخري، كان دخولي من شارع
التحرير حيث وجدت طابورًا كبيرًا علي محل «كشري التحرير»، ووجدت بعض الشباب
ترص علب «الكشري» علي سيارة منادية «سخن ومولع بتلاتة جنيه»، وجدت رجالاً
وسيدات هم في الأصل بائعون ربما يكونون متجولين علي الجانبين يبيعون أعلام
مصر «الصغير بخمسة جنيهات والكبير بعشرة» آخرين يبيعون سندويتشات «الجبن
الرومي والبيض» وآخرين بعلب المياه الغازية، إضافة إلي عربات الفيشار،
اللافت للنظر أن الجميع كان يرضي بمكسب أعتقد أنه أقل من المعتاد. دخلت
الميدان استطعت بنظرة تأملية غير عاطفية أن أحدد القوة التي تسيطر علي
أجزاء بعينها من الميدان، فللإخوان المسلمين إذاعتان: الأولي أمام شاشة
العرض الكبري التي نصبت بجانب «مطعم هارديز» وكانت تذيع مشاهد من قناة
الجزيرة ويقف عليها مجموعة من الشباب يتبادلون الكلمات، والثانية أمام
«مطعم كنتاكي» لا تختلف كثيرًا عن الأولي سوي أنها مقصد بعض الفنانين
والنشطاء. القوة أو المجموعة الثانية هي قوة الشباب ويتركزون أمام مبني
مجمع التحرير ومدخل الميدان عند كوبري قصر النيل، وفيها أقيم حفل غنائي
أحياه مجموعة من الشباب بآلات الجيتار والعود. القوة الثالثة هي قلب
الميدان بالقرب من المتحف المصري وميدان عبدالمنعم رياض وهي قوي «كوكتيل»
من كل هؤلاء. لا أعلم ما الذي حدث فبالتأكيد تحول سروري وفرحي الشديد في
الصباح إلي تأمل وترقب في المساء، وعند تجولي في الميدان كنت أنتظر مشاهدة
الأراجوز مثلاً أو ساحر يقدم فقراته، كثير من أصدقائي الذين معي أطلقوا علي
هذه الاحتفالية التي شاهدناها ليلاً «مولد سيدي الثورة»، قطعًا كان الليل
غير النهار، خصوصًا بعد خطبة الرئيس مبارك والتي أعلن فيها عدم نيته للترشح
مرة أخري في انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة.
جريدة القاهرة في
08/02/2011
الأهالي وشرفاء الشرطة والآثريون
يشتركون في حماية آثار مصر
بقلم : د.لؤي محمود سعيد
مسكينة هي الآثار.. فهي في الغالب أول من يدفع ثمن الفوضي وغياب الأمن..
حدث هذا من قبل في العراق حيث نهبت المتاحف والمواقع علي يد قوي الاحتلال
الأمريكي وبعض المخربين وفي فلسطين دمرت المواقع الأثرية وخربت علي يد قوي
الاحتلال الصهيوني.. وفي أفغانستان دمرت تماثيل بوذا في مدينة باميان علي
يد حكومة طالبان.. وفي مصر تعرضت آثار سيناء بعد احتلالها عام 1967 للنهب
المنظم علي يد المغتصب الصهيوني بقيادة موشي ديان.. وهاهي آثار مصر تتعرض
للهجمة الكبري منذ انتفاضة 25 يناير.. في سابقة هي الأولي في تاريخ مصر
الحديث. عندما نشرت صفحة "متاحف وآثار" منذ حوالي شهرين تحقيقاً موسعاً حول
التزايد المرعب لمعدلات قضايا سرقات الآثار في مصر.. والذي دعمته بعض
الفتاوي غير المسئولة التي تدعم مثل هذه السرقات وتسبغ عليها سنداً
شرعياً.. طرحنا تساؤلاً: هل أصبحت تجارة الآثار حلم كل المصريين؟ لكن لم
نكن نتخيل أن هذا اليوم قد يحل سريعاً ونشهد هذا التكالب المخيف علي محاولة
نهب المتاحف والمواقع الأثرية. فمنذ أن حلت الفوضي العارمة بانسحاب قوات
وزارة الداخلية شهدت أنحاء عديدة في القطر المصري محاولات مستميتة للظفر
بأي قطع أثرية بأي صورة. يوضح د. زاهي حواس وزير الدولة لشئون الآثار أنه
رغم هذه المحاولات العديدة فقد شاءت الأقدار أن يفشل هؤلاء اللصوص.. وبرغم
نجاح بعضهم في اقتحام المتحف المصري وتدمير بعض الفتارين، وبرغم سرقة 288
قطعة من المخزن المتحفي بالقنطرة شرق فقد تم استردادها جميعاً وأصبحت جميع
آثار مصر في أمان. وعندما سألت د. حواس عن الأنباء التي تتردد عن قيام
أهالي قرية أبو صير المجاورة للمنطقة الأثرية بالجيزة وأهالي منطقة اللشت
بعمليات حفر وتنقيب واسعة عن الآثار..أجاب بأن هذا الحفر العشوائي لن يؤدي
لشيء لأنهم يقومون به بدون دراية وفي مناطق خاوية من الآثار. وعن حالة
تأمين المتاحف حاليا ومحاولات اقتحامها يقول الآثري محمد عبد الفتاح رئيس
قطاع المتاحف بوزارة الآثار: تعرض متحف الإسماعيلية لمحاولة فاشلة لفتح
المخزن، كما تعرض متحف رشيد لمحاولة سرقة لبعض القطع الأثرية من الحديقة
المتحفية، ونجحنا في تخزين كاميرات المراقبة والقطع الأثرية حتي لاتسرق.
ويضيف عبد الفتاح: تم تأمين متحف العريش بالدبابات وأفراد من الأهالي ..
وذلك بعد أن تعرض لمحاولة فاشلة لاقتحامه وقام البعض بإشعال إطارات كاوتشوك
في حديقة المتحف. أما في الإسكندرية فيؤكد رئيس قطاع المتاحف أن المتحف
القومي بالمدينة مؤمن تماما ولم يتعرض لأي أضرار رغم تعرض مبني المحافظة
القريب منه للتدمير. كما أن متحف المجوهرات الملكية بزيزينيا قد شهد تحركاً
سريعاً من جانبنا وقمنا بتخزين كل مقتنياته في بدروم المتحف. أما متاحف
الأقصر والتحنيط بمدينة الأقصر فلم يتعرضوا لأي أذي، ومتاحف سوهاج والمنيا
لم يستكمل بناؤها في الأصل.. بينما متاحف بني سويف والمنيا آمنة وكوم أوشيم
بالفيوم مغلق حاليا وآثاره موجودة بالمخزن المتحفي. مواقف مشرفة عندما
تحدثت مع د.حواس عند بدء الأحداث عن ضرورة المشاركة بلجان شعبية لحماية
آثار مصر من الآثريين علي الأقل نصحني بالتركيز علي المتاحف وخاصة الإسلامي
والقبطي. فاتصلت علي الفور بالدكتورمحمد عباس مدير المتحف الإسلامي بباب
الخلق عن الوضع فأجاب بما أذهلني نسبيا: لقد قامت شرطة السياحة والآثار
بتأمين المتحف ولم تنسحب من مواقعها وتشاركت مع مراقبي الأمين ثم مع دبابات
الجيش لاحقاً في حماية المكان.. لكن هذا التواجد "الاستثنائي" للشرطة
بالمتحف الإسلامي لم يكن هو الوحيد علي مايبدو.. فعندما اتصلت بالآثري هاني
صادق مدير المتحف القبطي أكد لي هو الآخر أن الشرطة أيضا لم تنسحب وبقيت
بالمتحف وقامت بتأمينه أمام الهجمات التي تعرض لها من اللصوص. توجهت علي
الفور للمتحف القبطي يوم الاثنين 31 يناير حيث التقيت داخل المتحف باللواء
محمد الرفاعي (الوحيد الذي كان مصرا علي ارتداء زيه الرسمي) والمقدم أحمد
خليفة اللذين كانا يقودان "كتيبة المقاومة" التي تضم إجمالا حوالي تسعة
ضباط وسبعة أفراد مسلحين جميعهم. وجهت لهما السؤال الذي كان يشغل بالي: ما
الذي جعل مجموعة أفراد الداخلية بالمتحف تصر علي البقاء ولا تنسحب في حين
أنها لو فعلت ما كان قد لامهم أحد نتيجة حالة الفوضي العارمة التي سادت منذ
يوم الجمعة 28 يناير بعد الانسحاب التام للداخلية من جميع المواقع؟ أجابني
اللواء الرفاعي: لن نستخدم كلمات رنانة مثل "الدافع الوطني" وما إلي ذلك..
لكن ببساطة لأن تلك المتاحف والمواقع الأثرية هي مصدر رزقنا.. ليس كأفراد،
لكن كشعب مصري يعيش علي السياحة أساساً.. فلو فقدناها فلن تأتي إلينا
السياحة وسنتضور جوعاً. وعن الظروف التي عاشتها المجموعة أثناء تأمين
المتحف قال المقدم أحمد خليفة: كنا نتعرض "لموجات" من هذه الهجمات بدءاً من
مساء الجمعة 28، لكن أخطرها وأعنفها كان مساء السبت 29 حيث تعرضنا لحوالي 4
هجمات متقطعة وصل عدد أفرادها إلي ثلاثة آلاف مسلح في المرة الواحدة!
اندهشت كثيراً وسألتهم: هل كل هذا العدد من اللصوص؟ أجابني اللواء الرفاعي:
بالطبع لا.. إنهم الفقراء من بعض البؤر العشوائية القريبة والذين يبحثون عن
فرصة الثراء السريع ، واعتقدوا أنهم وجدوها في السطو علي آثار المتحف.
ويضيف المقدم خليفة: لقد تركنا مراقبي أمن المتحف يوم الجمعة ورفضوا حتي أن
يتركوا أجهزتهم اللاسلكية لنتواصل بها بديلا عن انقطاع خدمة الهواتف
المحمولة بحجة أنها "عهدة" وليس لديهم تعليمات بتسليمها لنا.. فاضطررنا أن
نبقي وحدنا في مواجهة تلك الجحافل من المهاجمين. ويضيف المقدم خليفة: لكن
يجب أيضاً أن نشيد بالموقف المشرف للأهالي في المنطقة التي تحيط بنا..
فكانوا كلما استشعروا باقتراب جموع المهاجمين هبوا لمساندتنا بالعصي
والأسلحة البيضاء، بينما كانت النساء في البنايات المواجهة لنا يصرخن من
شرفاتهن العالية عندما يلمحن بوادر هؤلاء المهاجمين الذين يحاولون الالتفاف
من جهة أخري. عندما أخبرت د.حواس بما رأيت وسمعت بالمتحف قال لي: هؤلاء
رجال بمعني الكلمة.. فعقبت بقولي: لايجب أن نكرمهم فقط.. لكنني أعتقد أنهم
يستحقون أن نصنع لهم تماثيل نضعها في مداخل الأماكن التي ضحوا بأمنهم
الشخصي وبأرواحهم في سبيل حمايتها بينما فر الباقون. وبعد أن اتفقت مع د.
حواس وشرطة المتحف بأنني اتفقت مع عدد من الأصدقاء والأثريين علي تكوين
مجموعة شعبية تقيم ليلا بالمتحف للمساعدة في تأمين المتحف.. فوجئت
بالاعتذارات تنهال علي من كل جانب بحجج متباينة حتي بقيت وحيداً.. فالبعض
فضل المبيت في ميدان التحرير، والبعض الاخر تعلل بأنه يتولي الحراسة أسفل
منزله، وبعض الأثريين ارتأوا أن التواجد ليلا بالمتحف قد يسبب لهم "مشاكل
إدارية" في حالة فقدان دفتر أو سجل من احد المكاتب بالمتحف!!! أما عن حال
المناطق الأثرية فيقول الأثري عاطف أبو الدهب رئيس الإدارة المركزية بقطاع
الآثار المصرية: لقد تعرضت العديد من المناطق لمحاولات سرقة لكنها باءت
جميعها بالفشل.. فقد حدث في منطقة الهرم هجوم علي حفائر قرية العمال وسمعت
بعض الطلقات النارية لكن لم نفقد شيئاً.. وفي منطقة أبو صير شمال سقارة تم
كسر أقفال بعض المقابر ظنا منهم بوجود آثار بها مثل مقبرة قار (موقع البعثة
التشيكية) وأقفال مقبرة إيوف عا .. ثم قام الجيش بتأمين هذه المنطقة وأصبحت
آمنة. أما في سقارة فقد تم كسر أقفال مقابر طريق أوناس مثل مقبرة نفر
وحفائر جامعة القاهرة وموقع حورمحب ومقبرة الأخوين ونب كاوحور.. لكن وبفضل
الله فإن آثار المنطقة كانت أغلبها مخزنة ومؤمنة في متحف إيمحوتب والمخزن
المتحفي.. ويضيف أبو الدهب: إن الفضل يرجع للدكتور حواس في إنشاء 34 مخزناً
متحفياً عبر أنحاء البلاد تم فيها تجميع وتأمين آثار كل المخازن المتناثرة
مما كان له أبلغ الأثر في حمايتها هذه الأيام. ويؤكد رئيس الإدارة المركزية
أنه رغم تعيين حوالي 8000 مراقب أمن من حملة المؤهلات العليا إلا أنه يعتقد
أن التجربة أثبتت أن الغفير التقليدي هو أكثر انضباطاً وقدرة علي تحمل
فترات الخدمة الطويلة في الأماكن الصحراوية والوعرة.. وذلك شريطة تدريبه
تدريباً أمنياً جيداً وتسليحه بصورة كافية. وجدير بالذكر أنه مما ساعد علي
حماية منطقة سقارة وآثارها المخزنة من السرقة هو إصرار بعض مسئوليها علي
التواجد ليلا ونهارا بالمنطقة رغم إطلاق الرصاص وغياب حالة الأمن مثل مدير
المنطقة كمال وحيد ومفتشي الآثار حمدي أمين ومحمد يوسف وصبري فرج ومقدم
الشرطة أحمد الحسيني. ويشير أبو الدهب إلي أن مناطق آثار اللشت ودهشور وميت
رهينة قد تعرضت لعمليات اقتحام فاشلة مثل التي تعرضت لها سقارة.. أما في
الأقصر فقد قام الأهالي من الشرفاء بالتصدي لبعض الهجمات بالأسلحة النارية
التي تعرض لها البر الغربي.. أما في منطقة الكرنك فقد قام حوالي 30 فرداً
بإطلاق أعيرة نارية محاولين اقتحام الموقع إلا أن تكاتف الجيش مع الشرطة
والأهالي قد أسفر عن اعتقال 4 أفراد منهم ولم تحدث أي خسائر. المسلمون
يحمون الكنائس أما اللافت للنظر أن الكنائس والأديرة الأثرية لم تتعرض لأي
اعتداءات من أي نوع.. بل علي العكس.. ففي دير القديسة دميانة بالبراري
بمحافظة كفر الشيخ حيث مقر الأنبا بيشوي المتواجد حالياً بإيطاليا أكدت
إحدي الراهبات أن شباب المنطقة شكلوا مجموعات حماية أحاطت بالدير.. حيث لم
يزد تعداد المسيحيين بها عن 10% فقط بينما 90% منهم كانوا من المسلمين..
وهو نفس ما حدث تقريبا في دير المحرق بأسيوط حسبما ذكر الراهب أمونيوس، وفي
كنيسة ميت دمسيس بالدقهلية حسبما ذكر الأنبا صليب. ومن الطريف أن ديري
الأنبا مقار والسريان بوادي النطرون قد تعرضا لتوافد عشرات من المساجين
الهاربين من سجن وادي النطرون القريب.. لكنهم لم يسيئوا للرهبان واكتفوا
بالحصول علي بعض الأطعمة والنقود وغادروا في هدوء. إن الدروس المستفادة من
هذا الحدث الجلل كثيرة.. وتستلزم النظر إليها في هدوء لاستخلاص العبر
ومراجعة الكثير.. سواء من ناحية خطط الحماية والتأمين.. أو من حيث ضرورة
إشراك الأهالي المحيطين بالمناطق الأثرية في مشروعات إدارة وتأمين هذه
المناطق حسبما تنص المواثيق الدولية.. لكن المؤكد أن الله كان رحيماً بآثار
مصر.. فنجت من كارثة كان من الممكن أن تحيق بها وبتراثها الإنساني العتيد.
جريدة القاهرة في
08/02/2011 |