بالتزامن مع إطلاق فيلمه الجديد "نسخة مصدّقة" (2009) في بيروت، تحيي
سينما "متروبوليس" استعادة لأفلام السينمائي الإيراني عباس كياروستامي بين
16 و26 كانون الثاني (يناير) في عنوان "الحياة ولا شيء أكثر"، تتضمن سبعة
أفلام روائية وثلاثة قصيرة. كما يغتنم البرنامج الفرصة لتوجيه تحية إلى
سينمائي إيراني آخر هو جعفر باناهي الذي حوكم بالسجن لمدة ست سنوات (تليها
عشرون سنة من منعه من كتابة الأفلام وصنعها ومغادرة البلاد أو الإدلاء
بتصريحات صحافية) في 20 كانون الأول (ديسمبر) الفائت بسبب تحضيره لفيلم
سينمائي عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران. يقدم البرنامج أيام 24
و25 و26 ثلاثة من أفلامه الروائية.
السؤال يلحّ، بعد مشاهدة "نسخة مصدّقة" (Certified
Copy)، عن الاتجاه الذي سيسلكه عباس كياروستامي بعده،
على الرغم مما قد يبدو بداية جديدة للسينمائي في المنفى الاختياري أو
القسري. ذلك أن السينمائي السبعيني، شديد الابتكار والشجاعة والمغامرة،
يسقط في فيلمه الأخير كل "الألاعيب" السردية والأوهام الملغومة والحيل
الدرامية التي دأب على استخدامها في أفلامه، مراراً وتكراراً وبأساليب
اختلفت بين فيلم وآخر، لهدف واحد: مساءلة طبيعة العلاقة بين السينما أو
الفن عموماً والواقع. فأحياناً كان إيهام المشاهد عملية واعية يكشف النقاب
عنها في مشهد واحد كما هي الحال في "طعم الكرز" (1997). وأحياناً أخرى،
احتفظ بالخدعة السينمائية من دون أن يكشفها إلا من خلال مقابلة أو فيلم عن
صنع الفيلم، يجد طريقه إلى المشاهد عن طريق الـ"دي في دي"، كما فعل في
"شيرين"
Shirin (2007)
و"10" 10 (2002). أما في "نسخة مصدّقة"، فالوهم والواقع لا ينفصلان. اللعبة
بينهما هي الفيلم، أو الأحرى شكل الفيلم. أما المضمون فلا تتأثّر واقعيته
أو حقيقته بتلك اللعبة. تدور أحداث الشريط في "توسكانة" وتسجل تفاصيل يوم
واحد في حياة مالكة معرض تحف قديمة فرنسية الأصل (جولييت بينوش) وكاتب
انكليزي (شيميل)، يزور ايطاليا بهدف الترويج لكتابه حول الأصل والتقليد في
الفن. بعد أن يلقي محاضرة قصيرة، يزورها في معرضها ويذهبان معاً الى قرية
مجاورة حيث يتناقشان في أشياء كثيرة: الفن، العمل، الأولاد، النساء،
الرجال، الحب، السعادة وغيرها. تعتقد صاحبة المقهى أنهما متزوجان، بما هي
حقيقة محتملة، يتصرف الإثنان على أساسها من دون أي تركيز على واقعيتها.
هنا يكمن التحوّل في مسيرة السينمائي: في تدرّجها من طرح السؤال إلى
تجاوزه -من خلال تبنّيه كحقيقة- إلى مضمون لا لبس في واقعيته. والعنوان،
"نسخة مصدّقة"، لا يؤشر إلى الفن فقط وإنما أيضاً إلى الحياة. فكما يناقش
بطل الفيلم "جايمس" (ويليام شيميل) وجود قيمة خاصة للنسخة المقلّدة في
الفن، تعتمد بالدرجة الأولى على المتلقي الذي قد ينبهر بلوحة من دون أن
يعرف أنها نسخة عن أخرى أصلية، كذلك يقول كياروستامي من خلال فيلمه إن قيمة
السينما، حتى الواقعية، ليست في مدى اقترابها من الواقع أو الطبيعة بل إن
السينما تستطيع أن تكون النسخة الأصلية للحياة والإنسان والعلاقات
والمشاعر. ما هو المعيار؟ إنه الإحساس بالدرجة الأولى، إحساس المتلقي، بما
قد يبدو قولاً مبالغاً فيه أو غير منسجم مع سينمائي مثل كياروستامي، لا
يبدو، للوهلة الأولى، أنه يقيم وزناً للمتلقي. ولكن ذلك هو تحديداً النداء
الباطني الذي يسيّر السينمائي منذ زمن طويل: إثبات أن السينما الجماهيرية
السردية ليست المعيار المطلق لقياس نبض جماهيرية السينما، أو الأحرى
إنسانيتها. بل إنه اشتغل في غير مناسبة على إثبات العكس. فحين ركّب "شيرين"
من مشاهد قريبة متتالية لنساء، نعتقد من دون لبس أنهن يشاهدن فيلماً
سينمائياً في صالة عرض ويتفاعلن معه، كان في الواقع ينصب لنا فخاً بإيهامنا
أننا نشاهد فيلماً عادياً بسيطاً، بقصة وممثلات نجمات وموسيقى... لنكتشف
لاحقاً ـ فقط من خلال مقابلات المخرج ـ أنه صور نساءه (تلعب الأدوار ممثلات
إيرانيات وجولييت بينوش) في غرفة الجلوس في منزله، طالباً إليهن التركيز في
نقطة فوق عدسة الكاميرا. لاحقاً، أضاف إلى الصور صوت الفيلم المفترض (نسخة
سينمائية شعبية مقتبسة من قصيدة حب قديمة لنظامي غانجافي في عنوان "خوسرو
وشيرين) وموسيقى الأصلية . بشكل ما، أراد كياروستامي إثبات أن لا حدود
لإيهام المشاهد في السينما التي تسمى جماهيرية أو شعبية أو ذات سرد مباشر
وبسيط. لا بد من القول إن مسار كياروستامي السينمائي كان دائماً متلازماً
مع مسار السينما نفسها كمؤسسة تملك رموزها ومصطلحاتها وتقاليدها. فعندما
أراد كسر الوهم في "طعم الكرز"، أضاف مشهد فيديو يظهر البطل، الذي كان يبحث
طوال الفيلم عمّن يدفنه بعد انتحاره، مع طاقم الفيلم. وفي عصر الديجيتال،
انتقل إلى تصوير فيلم إضافي مع كل فيلم، يظهر كيفية تصوير الأخير ويصل
المشاهد عن طريق الـ"دي في دي". فالحديث عن "ديموقراطية" الصورة في عصر
الديجيتال يجسّده كياروستامي أفضل تجسيد ليؤكّد على قناعة قديمة لديه هي
حرية المتلقي في استنتاج فيلمه الخاص من أي فيلم يشاهده. الديجيتال حقّق
ذلك بشكل كبير إنما من موقع مختلف: فالمشاهد الذي يجد نفسه متلقياً سلبياً،
بإرادته أو رغماً عنه، في عتمة صالة عرض لفيلم يدعي الكمال والحقيقة،
يتولّى زمام الأمور لاحقاً عندما يشاهد الفيلم على "دي في دي" متحكّماً
بسرعته وتسلسله وملقياً نظرة على كواليسه، تنفي علاقة السحر والافتتان
والسيطرة التي امتلكها العمل في المشاهدة الأولى.
هذا ما آمن به كياروستامي منذ البداية: إشراك المشاهد في بلورة الفيلم
وتخيّل الأحداث والشخصيات والدوافع والنتائج إلى حد فقدان كياروستامي
السيطرة إرادياً كصانع للأحداث ومدبّر لمصائر الشخصيات:
"ما أريده حقاً من المتفرج أن يفهم الاحساس الحقيقي في أفلامي(...) يعنيني
أن يفكر المشاهد بالفيلم وأن يصنع فيلمه الخاص من فيلمي. شكل الفيلم أو
أسلوبه خياراً بالنسبة الى المخرج ولكنه بالنسبة اليَّ تعبير مباشر عن
المضمون. قبل التصوير، لا أفكر أبداً في شكل الفيلم ولكن يتبلور الأخير تحت
تأثير الممثلين ومكان التصوير. بعض الأفلام مهووسة بالشكل فيدمرها. بالنسبة
اليَّ، المضمون يقرر الشكل، أما المشاهد، فهو في مفهومي ذكي، يفسر ويحلل.
لا أحبذ أن أستولي على أحاسيسه أو أن آخذه رهينة مشاعر الأسى أو الانبهار.
السيطرة على مشاعر المتفرج أمر سهل ولكنني لا أحبذه لأنها بمثابة إساءة
المعاملة إليه. الواقع أنني أكره "التواطؤ" غير المعلن بين المخرج
والجمهور. الأخير يتوقع أن يشاهد قصة بمظاهر محددة والأول يستفيد من ذلك
ليقدم فيلمه. لا أراه عدلاً أن احتجز المتفرج لساعتين وأخبره القصة التي
اختار وأنهيها بالطريقة التي أريدها بينما هو مستسلم. لذلك أؤمن بالمساحات
الفارغة داخل الفيلم وبين شخصياته التي تدعو المتفرج الى المشاركة والتحول
طرفاً ثالثاً في الفيلم". (من حوار للمخرج مع كاتبة هذه السطور نشر في
صحيفة "المستقبل" في 23 آذار/مارس 2002)
من هنا مثلاً تأتي محاولاته الكثيرة في أفلامه السابقة إخفاء بعض
الحقائق عن المشاهد (أسباب تفكير بطل "طعم الكرز" بالانتحار) أو إقصاء بعض
الشخصيات خارج الكادر (كما في "سوف تحملنا الريح") أو رفض تقديم نهايات
متوقعة ("بين أغصان الزيتون" و"طعم الكرز") أو أفلمة بعض المشاهد في ظلمة
حالكة ("سوف تحملنا الريح"،
ABC Africa و"طعم الكرز). حتى خياره طوال مسيرته السينمائية
عدم تصوير النساء في أماكن مغلقة يصب في شفافية نادرة وربما غير متوقّعة من
سينمائي مبتكر. ذلك أن عدم قدرته على تصوير شخصياته النسائية في الأماكن
المغلقة من دون حجاب مناقض للمعقول. فأي سينمائي هذا الذي يوهم المشاهد
بفيلم كامل مركّب يناقض باطنه ظاهره (Shirin) بينما يأبى أن يوهمه بأن تصوير المرأة محجبة في
بيتها أمر طبيعي؟ الإجابة بسيطة: يمكن كياروستامي فعل أي شيء ما عدا ذاك
الذي يعرّض إنسانية شخصياته للمساءلة أو يعرقل التواصل الإنساني معها. فإذا
كان من حقيقة وحيدة ساطعة في عالم كياروستامي السينمائي فإنه الإنسان داخل
الممثل والشخصية:
" الناس من حولي هم مادة أفلامي. حين أترك منزلي في الصباح فإن أولئك هم من
التقيهم وأتعاطى معهم. الإنسان ومشكلاته أهم مادة خام لأي عمل فني وحين
انتهي من تصوير فيلم ما، أجد صعوبة كبرى في رمي مشكلات أبطالي خلف ظهري.
لذلك أعود لاكتشف أن علاقتي بهم لم تنتهِ بانتهاء التصوير(...) مع الممثلين
العلاقة قريبة جداً وضرورية لأنني أشعر أنهم يملكون شيئاً يقولونه ويضيفونه
الى العمل(...) في تجربتي اعتدت أن آخذ من الممثل تفاصيل من حياته وأبني
على أساسها الشخصية. الممثل يقدّم المادة التي أبني منها الشخصية". (مقتطف
من الحوار نفسه).
إعادة اكتشاف
الاستعادة التي تقيمها "متروبوليس" تتيح بشكل أو بآخر إعادة النظر في
منجز عباس كياروستامي، ليس بهدف تقديره أكثر أو أقل، وإنما لغاية توصيل
محطاته التي تبدو مختلفة بشكل راديكالي. فمنذ فيلمه "10" (الذي يقوم على
عشرة مشاهد طويلة داخل سيارة أجرة، يسجل كل منها حوارية بين السائق وأحد
ركابه)، اعتُبر كياروستامي كمن يقوم بإعادة ترتيب بيته الداخلي، منشقاً عن
الشعرية والتأمل والريف (بما هي تصنيفات مراجعها سينما سابقة أو موجودة)
لحساب الانخراط في عملية سينمائية معاصرة، لم يهضمها كثيرون، هي في الواقع
امتداد لمسيرته الفنية كمصور فوتوغرافي وفنان فيديو وتجهيزات. بل إن صلة
السينمائي بالفن المعاصر يمكن العثور عليها في أفلامه منذ التسعينات، لولا
أن العالم كان منشغلاً في الوقت عينه باكتشاف المخرج وبنوستالجيا كانت في
طورها الأول إلى سينما في طريقها إلى التحوّل إلى الأبد. هكذا عندما لفت
كياروستامي أنظار العالم في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن
الماضي بأفلام مثل "أين منزل الصديق" (1987) و"لقطة مكبرة" (1990) و"وتستمر
الحياة" (أو "الحياة ولا شيء أكثر" 1992) و"بين أغصان الزيتون" (1994)، وجد
المجتمع السينمائي العالمي فيه باعث "الواقعية الجديدة" ودو سيكا أو
روسيلليني مولودين من جديد، أو، في أحسن الأحوال، التزاوج المثالي بين
الواقعية الجديدة والمعاصَرة. وهاتان الصفتان إذا ما لصقتا بسينمائي حي
وناشط، فإنهما تمارسان على عمله نوستالجيا قاتلة، فضلاً عن كونهما مسكّن
قلق "اللاتصنيف". كياروستامي أثبت بالفعل أن سينماه خارج التصنيف. هكذا
عندما خطا في فجر الألفية الثالثة إلى تجارب ما بعد حداثية، وتوقف عن أن
يكون بديل الواقعية الجديدة أو السينما الفنية، اضطربت القراءات لمسيرته
لأن أحداً لم يكن يتوقع أن يتحول فناناً ما بعد حداثي، لندع جانباً فكرة أن
يصير جزءاً من تيار الفن المفاهيمي العالمي. أما هو فلم يكن سوى سائر على
خطى الفنان الحقيقي، المتمرّد والناقد لمسيرته والمجرّب. مع إنجاز "نسخة
مصدّقة"، ارتاحت الأقلام الموتورة إلى "عودة كياروستامي إلى السينما
الكبيرة" التي هجرها لعقد أو أكثر من الزمن. ولكن هل هي عودة حقاً؟ أم أنها
قفز إلى الأمام بأدوات قد تبدو مألوفة؟ لا أحد يملك الإجابة على ذلك ولا
حتى كياروستامي نفسه: "الممثلون في أفلامي يعرفون من أين يبدأون ولكن لا
يدركون الى أين سينتهون لأنني أنا أحياناً لا أعرف...".
[ برنامج العروض: "نسخة مصدقة" (الأحد 16 ك2)؛ "المسافر" (الإثنين
17)؛ ""اين منزل الصديق؟" (الثلاثاء 18)؛ "لقطة مكبرة" (الأربعاء 19)؛
"الحياة ولا شيء أكثر" (الخميس 20)؛ "خبز وزقاق" (قصير) و"طعم الكرز"
(الجمعة 21)؛ "استراحة" (قصير) و"سوف تحملنا الريح" (السبت 22)؛ "الكورال"
(قصير) و"شيرين" (الأحد 23).
..وجعفر باناهي: سجين بتهمة السينما
لم يشهد تاريخ السينما تنكيلاً بمخرج سينمائي يعادل ذاك الذي أُنزل
بالسينمائي الإيراني جعفر باناهي قبل أقل من شهر. ست سنوات من السجن وعشرون
عاماً من المنع من ممارسة السينما والكتابة وإجراء المقابلات ومغادرة
البلاد هي في الواقع حكم بالسجن المؤبّد، إن لم نقل بالإعدام. إذ ما الذي
يعنيه مصادرة أدوات الفنّان وكتم صوته وتكبيل حريته غير إعلان موته
البطيء؟! فالحكم أشبه بحكم صادر عن المحاكم العرفية والعقاب أقرب بقسوته
إلى ما كان يٌمارس في القرون الوسطى. كلّ هذا والفيلم الذي كان في صدد
التحضير له مازال مشروعاً قيد الإنجاز، لم ترشح أي من صوره إلى العلن.
فماذا كان سيحلّ به إذاً لو أنه صنع ذلك الفيلم-التهمة بالفعل؟ هل كانت
ستُقطع يده التي شغّلت الكاميرا وتُفقأ عينه التي شكّلت المشهد ويُقطع
لسانه الذي نطق بكلمتي "أكشن" و"كات"؟ هذه الأفكار تحديداً هي ما أرادت
السلطة أن تتسلّل إلى عقول الآخرين لترهبها قبل حتى أن تجرؤ على التفكير،
فجعلت من باناهي الدرس والعبرة لمن اعتبر. وبقدر ما يزداد العقاب قسوة بقدر
ما يعبّر عن خوف ورعب السجّان وهذه حال السلطة الحاكمة في إيران اليوم. فقد
تمكّنت الأخيرة خلال الإنتخابات الرئاسية في صيف 2009 من إبعاد عدسات
الصحافة والمصوّرين الأجانب. وكانت مطمئنة إلى توجّه سينمائيي الداخل، منذ
حكم الشاه، إلى مقاربات متخفّية في حكايات الأطفال، تحتمل الكثير من
التأويلات الإجتماعية والسياسية والدينية، ولكنّها في الظاهر ليست سياسية.
ولكن أن يفكّر سينمائي (باناهي) بصنع فيلم عن حوادث ذلك الصيف المشؤوم، وأن
يزور قبر ندى سلطان آغا (تموز/يوليو 2009) شهيدة المعارضة والثورة الخضراء،
وأن يطلّ من على منصّة مهرجان سينمائي عالمي (مونتريال في
أيلول/سبتمبر2009) بوشاحه الأخضر الدالّ على موقفه المساند للمعارضة، فذلك
ما لا طاقة لملالي الجمهورية الإسلامية على احتماله ولا حاجة لهم به. فأن
تكون إيران في عيون الآخر ذلك البلد الذي ينتج مخرجوه سينما صغيرة رائعة-
إلى جانب كونها قوّة نووية مستقبلية بالطبع ولاعباً سياسياً اساسياً في
المنطقة وربما العالم- لا يعني شيئاً من قريب أو بعيد للسلطات في البلاد،
التي قرأت بإمعان هذه المرة الرسائل (الواضحة) التي مرّرها باناهي وكثيرون
غيره. هكذا وبعد أشهر قليلة، بدأ تحرّك السلطة الفعلي والممنهج ضد باناهي،
فمُنع بداية من مغادرة البلاد لحضور مهرجان برلين في شباط 2010، ومن ثمّ
اعتقل مع أفراد عائلته وضيوفه (من بينهم المخرج محمود رسولوف الذي حكم عليه
أيضاً بالسجن ست سنوات) عندما داهمت الشرطة منزله (في الأول من آذار/مارس)
وأصدرت السلطات الإيرانية تصريحها الشهير المثير للضحك والسخرية في آن معاً
حيث قالت إن اعتقال باناهي جاء نتيجة للاشتباه بارتكابه "جرائم قتل"، يجري
التحقيق فيها، قبل أن يكشف وزير الثقافة الإيراني منتصف نيسان/ابريل أن سبب
اعتقاله "انه كان يصنع فيلماً ضد النظام عن الأحداث التي تلت الإنتخابات".
مكث السينمائي في السجن لأكثر من شهرين ولم يخرج إلا في 25 أيار/مايو بعد
أسبوع من إعلانه الإضراب عن الطعام (احتجاجاً على سوء معاملته وتهديد
عائلته) وبكفالة بلغت قيمتها مئتي ألف دولار أميركي. في الفترة نفسها، دُعي
للمشاركة في لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي وحين غاب عنه قسراً، وضعت
إدارة المهرجان في الإفتتاح كرسياً شاغراً احتجاجاً على ما يتعرّض له من
مهانة وظلم. وترافق ذلك مع حملة احتجاجية قادها سينمائيون من حول العالم
ونقاد وهيئات سينمائية، تجدّدت الشهر الفائت مع صدور حكم السجن والمنع. ومن
المهرجانات من قرّر الإستمرار بدعوة باناهي إلى المشاركة في لجان تحكيمه
(برلين كان السباق) مادام حكم السجن سارياً، داعياً المهرجانات الأخرى إلى
فعل الشيء نفسه احتجاجاً على ما يتعرض السينمائي له من ظلم وإهانة.
في هذا الإطار، تصب مبادرة سينما متروبوليس تكريم جعفر باناهي بعرض
ثلاثة من أفلامه في سياق التحرك العالمي الإحتجاجي ولكنها أيضاً تبرهن أن
السينما صوت لا يُكتم. بل إن صوت سينما باناهي غدا أقوى وأكثر تأثيراً إذ
يأتينا من سجنه مدوياً في مساحة الغياب. ينتمي باناهي إلى ما يعرف بالموجة
الجديدة في السينما الإيرانية التي برزت بعد الثورة الإسلامية. . بدأ
مسيرته السينمائية بأفلام 8 ملم قصيرة وفيلم وثائقي أنجزه خلال فترة خدمته
العسكرية في الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988). بعدها درس السينما في
طهران وأنجز فيلم تخرّجه الوثائقي عام 1988 في عنوان "الرؤوس المجروحة"
الذي صوره بشكل سري في أذربيجان مسجّلاً طقوس ذكرى عاشوراء. تتضمن استعادة
متروبوليس ثلاثة من أفلامه الروائية الخمسة: "البالون الأبيض" (1995)، "ذهب
قرمزي" (2003،
Crimson Gold) و"تسلل" (2006،
Offside). وإذ يجد اختيار الفيلمين الأولين مسوّغاته في توقيع عباس
كياروستامي ككاتب سيناريو للإثنين، يفتقد البرنامج خصوصاً فيلمه الروائي
الثالث "الدائرة" (2000)، أنضج أعماله وأجرأها، الذي شكل فاتحة مرحلة جديدة
في مسيرته السينمائية، انشق فيها عن سينما عالم الأطفال، وترتّب عليها
حرمانه التواصل مع جمهور بلده، إذ لم تعد أفلامه مذّاك تعرض في الصالات
السينمائية الإيرانية. فعلى الرغم من، أو ربما بسبب من، فوز الفيلم بجائزة
الاسد الذهب في مهرجان البندقية السينمائي عام 2000، أصرّت السلطات
الإيرانية على حظره، لاسيما أن موضوعه يدور حول يوم في حياة ست نساء في
طهران. بعد "الدائرة"، أنجز باناهي "ذهب قرمزي" (نال جائزة تحكيم "نظرة ما"
في مهرجان كان السينمائي) الذي يمكن اعتباره تتمة لسابقه إنما هذه المرة من
خلال حيوات رجال وبسوداوية تفوق سوداوية سابقه. فإذا كان "الدائرة" ينطلق
من صرخة ولادة طفلة إلى النور وينتهي بزنزانة تعيدها إلى الظلمة، فإن "ذهب
قرمزي" يختزل المسافات ويبدأ بانتحار شاب، ليعود السرد بعد ذلك إلى حكايته
التي هي مزيج من قهر اجتماعي وعجز جسدي بسبب حرب ماضية. يتشارك الفيلمان
العدسة المفتوحة على شوارع طهران والشخصيات الهائمة الباحثة عن مكان تنتمي
إليه أو تلوذ به إنما من دون جدوى. ويبقى "البالون الأبيض" الباكورة
الروائية التي أعلنت عن موهبة باناهي، بمساندة من كياروستامي الذي قرر أن
يكتب الفيلم بعد أن سمع فكرة باناهي خلال اشتغال الأخير مخرجاً مساعداً معه
في "بين أغصان الزيتون" (1994). والحق انه لولا كياروستامي لما أبصر هذا
الفيلم النور، ذلك أن باناهي كان قد فكّر فيه كمشروع قصير، واضعاً مع صديقه
المخرج بارفيز شاهبازي معالجة من ثماني صفحات لتقديمها إلى "قسم الأطفال
واليافعين" في تلفزيون إيريب" (IRIB) الذي كان حتى ذلك الوقت قد أنتج كافة أفلامه القصيرة السابقة وعرضها
("الصديق"، "الإمتحان الأخير" و"النظرة الثانية" 1992-1993). ولكن
التلفزيون رفض تمويل المشروع فبقي على حاله، حبراً على ورق، إلى حين إعجاب
كياروستامي بالفكرة وتحويلها إلى سيناريو طويل. لم يكن نجاح الفيلم عادياً
بل مدوٍ لاسيما بعد فوزه بجائزة الكاميرا الذهب لأول عمل في مهرجان كان.
بعيداً من دور كياروستامي وما تردّد عن تأثيره الكبير على باناهي، يمكن
اليوم ومن مسافة خمس عشرة سنة الجزم بأن بصمة باناهي كانت ظاهرة منذ فيلمه
الأول وقوامها الواقعية والإنتماء إلى جماليات السينما الكلاسيكية (البعيدة
تماماً من سينما كياروستامي) إنما بشيء من التطبيع الدرامي المعاصر، حيث
نقع في باكورته الروائية على محاولة كسر الخط السردي وتهميشه في المشهد
الأخير.
بين أفلام باناهي، يبدو "تسلّل" الأقل امتلاكاً لعصب سينمائي متين
وخاص، ربما لأن حكايته البسيطة تفقد بريقها بعد وقت قصير من دون أن يسهم
تطور الأحداث في منحها أبعاداً غير تلك الظاهرة. ينطلق الفيلم من قانون
اجتماعي متستر برداء ديني يمنع الفتيات والنساء من حضور مباريات كرة القدم
في الملاعب. باناهي الذي صرّح ان فكرة الفيلم انطلقت من حادثة وقعت لابنته
عندما استطاعت ان تتسلل الى داخل الملعب على الرغم من منع رجال الامن لها،
يظهر مجموعة من الفتيات يتنكرن في زي الصبيان لدخول الملعب. ولكن الشرطة
غالباً ما تكتشفهن وتبقيهن في الخارج الى حين انتهاء المباريات ليضمنوا عدم
تسللهن مجدداً. طوال الفيلم، نشاهد المناقشات التي تدور بين البنات ورجال
الشرطة الشبان بينما في خلفية الاحداث تكمل المباريات كأنما نستمع اليها من
مذياع مثبت في مكان ما في الصالة. وفي أحد المشاهد اللافتة يقوم أحد
الشرطيين بنقل وقائع المباراة كمعلق رياضي وتتحمس الفتيات كأنهن يشاهدن
المباراة بالفعل. الفيلم مبني على عنصر غير ثابت وهو نتيجة المباراة. في
معنى آخر، صور الفيلم مباراة حقيقية بين الفريق الايراني وفريق آخر وعلى
مدى زمنها الفعلي، بما أبقى السيناريو مفتوحاً، كما المباراة، على
احتمالين: الربح او الخسارة.
قريباً في الصالات
"رصاصة" هاشم و"شتاء" حجيج: الحرب وما بعدها
في غضون أقل من شهر، سيجتمع فيلمان لبنانيان على شاشات العرض، متيحاً
للبنانيين استعادة موضوعين متصلين، وإن بدا أحدهما منتمياً إلى الماضي
والآخر متجذراً في الحاضر. ذلك ان حرب "رصاصة طايشة" لجورج هاشم وعودة
مخطوف "شتي يا دني" لبهيج حجيج فصلان منفصلان متصلان في تاريخ لبنان
القريب، يتصل كل منهما بالماضي كما بالحاضر المعيش. يدور الأول في العام
1976 في الفترة الفاصلة بين حرب السنتين والحرب الأهلية التي ستستمر فصولها
لنحو خمس عشرة سنة مقبلة. تتناول الأحداث عائلة مؤلفة من أم وأختين
وشقيقهما، تنقلب حياتهم على إثر اتخاذ الأخت الصغرى قراراً بفسخ خطوبتها
قبل ايام من موعد الزفاف. بعد أكثر من ثلاثين عاماً، سيصوغ حجيج أحداث
فيلمه في إطار عائلة، تتبدّل أحوالها أيضاً إنما بسبب عودة الأب المخطوف
منذ عشرين عاماً. وصلت أصداء عروض الفيلمين في المهرجانات قبل خروجهما في
الصالات المحلية، حيث نال شريط حجيج جائزة مهرجان أبوظبي لأفضل فيلم من
العالم العربي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في حين حاز "رصاصة طايشة"
الجائزة الأولى في مسابقة الأفلام العربية في مهرجان دبي السينمائي الدولي
الشهر الفائت. هذا فضلاً عن عرضهما في مهرجانات أخرى. اللافت أن الفيلمين
ستبدأ عروضهما المحلية بفارق نحو عشرين يوماً، إذ من المفترض بدء عروض
"رصاصة طايشة" الخميس المقبل و"شتي يا دني" في العاشر من شباط/فبراير
القادم. سيحظى مشاهدو الفيلمين بجرعة كبيرة من استحضار ذاكرة الماضي
وتداعياتها على الحاضر، في مناخين سينمائيين مختلفين، لا تنقصهما الحرفية
والجرأة وربما القسوة في بعض الأماكن لاسيما "رصاصة طايشة" الموغل في دراما
نفسية لافتة بمحاذاة الكشف عن خطاب الحرب والعنصرية والطائفية. وربما يكون
عرض الفيلمين مناسبة لعودة وجوه تمثيلية كبيرة وأخرى جديدة إلى الشاشة
السينمائية. فحجيج يعاود تعاونه مع الممثلة جوليا قصار التي ظهرت في
باكورته الروائية "زنار النار"، ويقدّم وجهاً مسرحياً بارزاً هو حسّان
مراد، لم تلتفت السينما إليه باستثناء المخرجة الراحلة رندة الشهال في
"متحضّرات" بمشهد قصير إنما لافت. مع حجيج أيضاً في "شتي يا دني" ستعود
كارمن لبس إلى السينما بعد غياب، هي التي قدمت دوراً قبل ثلاث سنوات في
"على الأرض السماء" لشادي زين الدين الذي لم يعرض في الصالات المحلية،
بينما تبقى صورتها السينمائية الأكثر حضوراً في "ويست بيروت" لزياد دويري.
أما هاشم، فيقدّم المخرجة نادين لبكي في دور تمثيلي محكم، يتجاوز بأشواط
حضورها التمثيلي في فيلمها "سكر بنات"، وممثلي التلفزيون تقلا شمعون وبديع
أبو شقرا كل في مساحة تقلب صورتيهما المعتادة. ولا يقل حضور الممثلة هند
طاهر حضوراً في ظهورها السينمائي الأول منذ عقود.
المستقبل اللبنانية في
14/01/2011
خالد النبوي
Game's over
في القاهرة
محمد عبد الرحمن
«لعبة عادلة» لن يعرض في مصر. مناهضو التطبيع وقفوا بالمرصاد للعمل
الذي يُطلّ فيه الممثل المصري إلى جانب الإسرائيلية ليراز شارهي
أصبح شبه مؤكّد أن الفيلم الأميركي «لعبة عادلة» لن يعرض في الصالات
المصرية. الشريط الشهير الذي يشارك فيه النجم خالد النبوي، سبق أن أثار
جدلاً كبيراً عند مشاركته في المهرجانات العالمية بسبب ظهور الممثل المصري
إلى جانب الإسرائيلية ليراز شارهي. وكان من المتوقع أن يبدأ عرض العمل أمس
الأربعاء في مصر، لكن الرقابة ارتأت عكس ذلك فيما يُعرض
Fair Game
حالياً في الصالات اللبنانية.
وبينما كان عشرات الصحافيين والنقّاد يستعدّون لمشاهدة الشريط في عرض
خاص أول من أمس الثلاثاء في صالة «غولدن ستارز»، شهدت الساعات الأخيرة التي
سبقت العرض حالة من التوتر والغموض أعقبت إعلان رئيس جهاز الرقابة على
المصنفات الفنية سيّد خطاب نيته مشاهدة الشريط مرة أخيرة قبل عرضه تجارياً.
وبالفعل شاهد خطاب العمل الاثنين الماضي، وتردّد بعدها أنه وافق على تمرير
الشريط الأسبوع المقبل. لكن كلام خطاب شيء، وما تردّد في الكواليس شيء آخر.
إذ خرجت أخبار تؤكدّ أن جهاز الرقابة يتعرّض لضغوط من «غرفة صناعة السينما»
لمنع الفيلم نهائياً بسبب المشاركة الإسرائيلية فيه. وهي المشاركة التي
سببت حرجاً بالغاً لخالد النبوي في أيار (مايو) الماضي بعدما سار بجوار
شارهي على السجادة الحمراء في
«مهرجان كان السينمائي». لكن بعض
النقاد الصحافيين دافعوا وقتها عن النجم المصري الذي «لا يستطيع التحكّم
باختيارات فريق العمل... كما أن الفيلم يهاجم السياسة الأميركية في العراق
واحتلال بلاد الرافدين بدعوى كاذبة هي حيازته أسلحة دمار شامل» كما قالوا.
وبعدما هدأت العاصفة ضد النبوي من دون توجيه أي لوم رسمي له من نقابة
الممثلين، ظن الجمهور أن الأزمة انتهت بلا رجعة. لكن العرض التجاري للفيلم
جاء ليفتح الملف من جديد. ورغم أن رئيس الرقابة قال إن القانون لا يمنع عرض
عمل يشارك في بطولته فنان إسرائيلي ما لم تكن الجهة المنتجة إسرائيلية، إلا
أنه عاد واعترف ضمناً بضغوط تعطّل العرض يمارسها مناهضو التطبيع في الوسط
الثقافي المصري. وما يؤكد هذا الكلام أن خطّاب لم يكشف سر رغبته في مشاهدة
الفيلم شخصياً رغم أن الرقباء التابعين لجهازه شاهدوه ومرروه لكن من دون
إعطاء التصريح المكتوب كما هو معتاد. وفيما التزم خالد النبوي الصمت حتى
الآن مفضّلاً الابتعاد عن هذا الجدل، بات على الجمهور انتظار الحصول على
نسخ من الفيلم لمشاهدته عبر شاشة الكمبيوتر أو تحميله عن الإنترنت في حل
وحيد لمتابعته. لكن بعضهم لا يزال يأمل حصول مفاجآت تعيد الأوضاع إلى ما
كانت عليه قبل قرار الرقابة وفق تصريحات غير مؤكدة من الشركة الموزعة.
والفيلم، كما هو معروف، من بطولة شون بين، وناعومي واتس، إلى جانب النبوي
الذي يلعب دور عالم نووي عراقي. والعمل الذي يخرجه دوغ ليمان، تدور أحداثه
حول عميلة في الـ«سي.
آي. إيه» تكشف تلاعب الإدارة الأميركية بتقارير حول العراق.
وتواجه هجوماً ضارياً من مسؤولين في تلك الإدارة لتشويه سمعة زوجها،
الصحافي الذي فضح تلك التجاوزات من خلال عمله في جريدة
«نيويورك تايمز».
الأخبار اللبنانية في
14/01/2011
فيلم روائي عن ساركوزي ومسيرة صعوده إلى السلطة
لأول مرة تتناول السينما الفرنسية حكاية رئيس ما زال في
الحكم
باريس: «الشرق الأوسط»
درجت العادة أن تتناول السينما حكايات وسير السياسيين والزعماء
والملوك والرؤساء بعد أن تنطوي صفحة حكمهم ويصبحوا جزءا من التاريخ. لكنها
المرة الأولى في فرنسا التي يتصدى فيها مخرج لإنجاز فيلم عن نيكولا ساركوزي،
الرئيس الذي ما زال في السلطة ويتطلع، على الأرجح، لولاية ثانية. وبهذا
سيرى الرئيس الفرنسي نفسه، على الشاشة، مجسدا من الممثل دوني بوداليديس،
وكذلك زوجته السابقة سيسيليا التي تقوم بدورها الممثلة فلورنس بيرنيل، في
الفيلم الذي أخرجه إكزافييه دورينجيه، ومن المنتظر أن يبدأ عرضه في
الصالات، الربيع المقبل، مع انعقاد مهرجان «كان» السينمائي الدولي.
هذا المشروع الكبير الذي كتب له السيناريو باتريك روتمان، ليس فيلما
وثائقيا لكنه يسمي الشخصيات بأسمائها الحقيقية ويستند على آلاف الوثائق
التي ترسم، في مجملها، صورة لسعي ساركوزي المحموم نحو السلطة، منذ كان
وزيرا للداخلية وحتى جلوسه على كرسي الحكم في «الإليزيه». كما يصور الفيلم
التنافس الشرس في الوسط السياسي ويتطرق إلى الحياة الخاصة المضطربة لرئيس
طلق زوجته الثانية واقترن بثالثة وهو في منصبه. لكن الزوجة الحالية، كارلا
بروني ساركوزي، لا تحظى بدور يذكر في السيناريو لأن أحداث الفيلم محصورة
بين عامي 2002 و2007، قبل دخولها المشهد الرئاسي. تم التصوير في أجواء من
السرية الكاملة. لكن الأخبار تسربت عنه منذ أشهر، إلى أن بادر كاتب
السيناريو إلى تسريب الصور الأولى الملتقطة أثناء تصوير مشاهد الفيلم
لتنشرها الصحف. وهكذا فوجئ القراء بالشبه الكبير بين سيسيليا والممثلة التي
تؤدي دورها، وكذلك بالشبه بين الممثل صامويل لابارت ورئيس الوزراء السابق
دومينيك دو فيلبان، أو بين الممثل برنار لوكوك والرئيس السابق شيراك، أو
بين الممثلة سعيدة جواد ووزيرة العدل السابقة رشيدة داتي. لكن كاتب
السيناريو حرص على توضيح أنه لم يحاول أن «يحاكم» الشخصيات، مثلما أن
المخرج، لم يحاول اختيار ممثلين من الأشباه لتحويل السياسيين إلى وجوه
كاريكاتيرية، بل لجعلهم أقرب إلى الحياة.
تشاركت في إنتاج هذا الفيلم شركتا «غومون» و«مونداران». وهو يثير
اهتماما يجعل منه أحد أبرز الأحداث السينمائية المحلية لهذه السنة، فضلا عن
انعكاساته السياسية لأنه يأتي قبل سنة واحدة فحسب من الانتخابات الرئاسية
المقبلة. وهنا، يعود كاتب السيناريو ليؤكد أنه كتب الأحداث من دون أن يكون
واقعا تحت تأثير أي كان أو أن يتحول الفيلم إلى أداة في يد هذا المعسكر
السياسي أو ذاك. وهو لم يتوقف عند الوثائق المتعلقة بالرئيس الحالي بل راجع
الكثير من كتب السيرة التي تناولت الرئيس السابق شيراك والأسبق ميتران
ورئيس وزرائه جوسبان.
ورغم أن أحدا لم يطلع، بعد، على تفاصيل السيناريو، فإن الضجة التي
تسبق الفيلم في وسائل الإعلام كفيلة بأن تحقق له إيرادات كافية دون أن تضمن
له النجاح الفني.
الشرق الأوسط في
14/01/2011 |