فى الوقت الذى أعلن فيه المركز القومى للسينما عن خطته لبداية عام
2011 بإنتاجه 8 أفلام روائية قصيرة، وجه العديد انتقادات لأداء المركز
متمثلا فى سؤال أساسى هو «كيف ينتج مركز تابع للدولة 8 أفلام فقط؟»، ليجيب
د. خالد عبدالجليل عن هذا التساؤل مؤكدا أن هناك سوء فهم قد حدث لأن هذا
العدد ما هو إلا بداية فقط، وتطرق أيضا لاتفاقية التعاون المشترك مع فرنسا
التى فى طريقها لأخذ حيز التنفيذ الفعلى، مشيرا إلى أن ثمارها بدأت تظهر
على الساحة.. وغيرها من التفاصيل التى يشرحها فى الحوار التالى:
● فى البداية كيف يتم اختيار الأفلام التى سينتجها
المركز؟
- الباب مفتوح لأى مخرج شاب سواء من ضمن خريجى المعهد أو من الشباب
الذين يصنعون الأفلام المستقلة، الذى حين يقدم فيلمه يتم عرضه على لجنة
القراءة التى تتشكل من أساتذة متخصصين وعلى كفاءة عالية جدا يقومون بقراءة
الأفلام والموافقة عليها. وبالمناسبة فالمركز لا يمكنه إنتاج فيلم دون
موافقة لجنة القراءة عليه، وبعد التنفيذ يأتى دور لجنة مختصة لتسليم
الفيلم، الذى قد يكون به عيوب هندسية أو تقنية يتم علاجها، ويسمح للأساتذة
فيها بإبداء آرائهم وملحوظاتهم على الفيلم وهذه الملحوظات قد يستمع إليها
المخرج أو لا.
● صرحت من قبل بأن إنتاج المركز سيكون 10 أفلام
بالإضافة إلى 6 مع هيئة قصور الثقافة و6 آخرى للهواة، ولكن لاحظنا قلة
نسبية فى عدد أفلام 2011.. فما السبب؟
- أنا لست مسئولا عن فهم نصف الكلام فقط، لأننا أعلنا أن «خطة بداية
2011» ستكون بـ8 أفلام وليست لكل العام، والثمانى أفلام سينتهى تنفيذها
أواخر شهر مارس لنبدأ فى إعداد أفلام جديدة. وهذا السؤال ينطوى على ظلم
وإجحاف للإدارة الحالية فعندما يكون إنتاج المركز فيلمين أو ثلاثة فقط وبعد
ذلك يزيد لحوالى 14 أو 18 فهذا يعنى أن هناك طفرة فى الإنتاج على مستوى
الكم والكيف لأننا نخرج الأفلام نسخة عالية الجودة التى توجد وحدة كاملة
لدينا لإنتاج الأفلام بهذه التقنية. وما أود قوله فعلا أنه أحيانا تحدث
توقفات بسبب العملية الإنتاجية والتى لا علاقة لها بالقلة النسبية والتى لا
تعنى أيضا قصورا من المركز، فمثلا الفيلم التسجيلى «شادى عبدالسلام» لنبيهة
لطفى ــ الذى بدأنا فيه العام الماضى ــ لأن المخرجة تجمع من أجله مادة
ضخمة جدا استمر تنفيذه حتى 2011، وكذلك فيلم «اللون الأزرق» الذى استغرق
وقتا أكثر مما تصورنا، وهناك أسباب أخرى قد تكون بسبب سفر الممثلين لحضور
المهرجانات أو ارتباط المخرج بأكثر من عمل أو التوقف لاستخراج التصاريح
اللازمة.. وغيرها. أما بالنسبة للأفلام التى تنتج بالاشتراك مع هيئة قصور
الثقافة فقد قل عددها إلى 5 بسبب حدوث مشكلة فى فيلم وطلبت اللجنة المشكلة
بين الهيئة والمركز إيقافه وعدم استكماله.
وأضاف: «هل تعلمين أنه رغم كل هذا العمل فى إنتاج الأفلام إلا أن
المركز يغطى جميع الفاعليات الثقافية لوزارة الثقافة؟ أى أننا موكلون
بأعمال أخرى».
● ما الميزانية الممنوحة للمركز من قبل وزارة
الثقافة؟
- لن أستطيع الإفصاح عن الميزانية لأنها من أسرار المؤسسة، ولكن تأكدى
أنك لو علمت الميزانية فسوف تنحنين لى احتراما بالمقارنة بعدد الأفلام التى
ننتجها، ولا يوجد بند محدد اسمه «إنتاج أفلام» والمسألة كلها تخضع لعملية
حسابية معقدة.
● وما آخر الخطوات التى تم اتخاذها فى سبيل تفعيل
اتفاقية التعاون المشترك مع فرنسا؟
- هناك كثير من الخطوات فى هذا الصدد، فمنذ نحو شهر جاء آلان بيس عضو
اللجنة العليا للصوت والصورة فى المركز الوطنى للسينما الفرنسى، والمتخصص
فى تقنيات السينماتيك والمتاحف، وقد رأى قصر عمر طوسون وبعث بتقرير يتضمن 3
تصورات حول كيفية عمل السينماتيك والمتحف داخل القصر وكيفية تقسيمه إلى عدة
قاعات كالأبحاث والترميم وغيرها، وما هى المعدات المطلوبة وأسعارها. وفى
ذات الوقت قامت رئيسة الأرشيف بإعداد مخطط كامل للهيكل التنظيمى للأرشيف
والعمالة والمهارات المطلوبة فيهم. وعلى الجانب الآخر بدأنا كوزارة ثقافة
فى وضع مخططات للترميم، كما سنضع ــ طبقا لتوصية آلان بيس ــ البنية
الأساسية أثناء الترميم حتى لا نرجع لنقطة بعد الانتهاء منها.
ومن ناحية أخرى نقوم هنا فى المركز القومى للسينما برصد جميع الأصول
الفيلمية وما هى المقتنيات الممكن جمعها من السوق كى يتم ترميمها، ونحاول
إيجاد صيغة مع الشركات المالكة للأفلام لنرى كيف يمكننا الاستفادة من جميع
النسخ وكيف يمكن توافرها للباحثين، وللعلم ليس بالضرورة أن نكون نحن ــ
كدولة ــ المالكين لتلك النسخ ولكن المهم توافرها لكل من يرغب فى الإطلاع
عليها من خلال ما يسمى بـ«السينماتيك». وكل ما يهمنا بشأن النيجاتيف ألا
يتلف أى جزء منه أو خروجه من مصر أو سرقته، أى أننا نبحث عن طريقة لكيفية
تواجد النيجاتيف باستمرار فى مصر من خلال الصيغة التى نعمل عليها مع
الشركات المالكة له. وبالنسبة لنسخ البوسيتيف للسينماتيك فما يهمنا بشأنها
هو كيف يمكننا توفير نسخ كثيرة منها للباحثين».
● ولكن هناك أزمة حادثة بسبب بيع أصول كثير من
الأفلام.. فكيف ستتعاملون مع هذا؟
- أنا لا أتعامل مع غيبيات ولكن مع أشياء واقعية.. فحتى الآن لم يحدث
شىء وعلىّ فقط الإسراع للحصول على نسخ الأفلام، وسأكرر أنه ليس تفاوضا من
أجل الملكية لأن الأرشيف السينمائى ليس شرطا أن يكون مملوكا للدولة.
● هل لديك تصور حول ميعاد انتهاء المشروع؟
- أتمنى انتهاءه خلال عامين أو ثلاثة.
● من ضمن بنود الاتفاقية أيضا مسألة إنتاج أفلام
مشتركة.. فهل تم اتخاذ خطوات إيجابية؟
- ما أود توضيحه أن المركز الوطنى للسينما الفرنسى ليس من سينتج
أفلاما بالاشتراك مع المركز المصرى، ولكننا وضعنا مجرد صيغة للإنتاج
المشترك وتسهيلات التصوير بين البلدين وعلى المنتجين استثمار تلك الفرصة،
فنحن مهدنا الطريق وليس من شأننا أن الآخرين لا يستغلونه. وبالمناسبة كان
يوجد اتفاقية أخرى من 13 بندا أكثر شخص استفاد منها هو الراحل يوسف شاهين.
● ما السبب وراء عدم رئاستك لمهرجان الإسماعيلية
السينمائى رغم تبعيته للمركز؟
- المهرجان له رئيس هو على أبوشادى، والوزير هو من يضع رئيسه، وأنا
عندى هدف ــ إعادة هيكلة المركز ــ يعد بمثابة مظلة لكل أنشطة المركز، التى
يعد المهرجان أحدها ورئاسة المهرجان مجرد فرع من فروع المركز، ولن أهتم
بالرئاسة لأنى لا أرغب فى البعد عن هدفى الأساسى.
الشروق المصرية في
12/01/2011
السينما المصرية تبدأ مرحلة التفتيش فى الدفاتر
إيناس عبدالله
بعد نحو نصف قرن يعود فيلم «إشاعة حب» للأضواء من جديد ولكن بالألوان
الطبيعية.. هكذا أعلن صناع فيلم «إشاعة واحدة لا تكفى» المستوحى وفقا
لتصريحات مؤلفه يوسف معاطى، من «إشاعة حب» الذى أنتج عام 1960 مع الاحتفاظ
بنفس شخصيات النسخة الأصلية بل وتمت الاستعانة بأحد أبطالها وهو الفنان عمر
الشريف ليلعب دور الأب الذى لعبه الراحل يوسف وهبى.
فإلى أى مدى يحق لمؤلف ان يكمل فكر غيره وما الضرورات التى تدفع البعض
لاعادة إنتاج الأفلام القديمة فى هذا الزمن وما هى الشروط الواجبة لخوض هذه
النوعية من التجارب.. أسئلة عديدة حاولنا إيجاد إيجابات لها فى هذا
التحقيق. الناقد والسيناريست رفيق الصبان خاض نفس التجربة من قبل حينما كتب
فيلم «اذكرينى» المستوحى من فيلم «بين الأطلال» وقال:
كانت لدىّ دوافع قوية لأعيد تجربة فيلم بين الأطلال الذى تعلقت به جدا
وكنت أرى أن الجانب الرومانسى طغى بشدة على المنطق فأفقدنا الاقتناع
بالتغيرات التى طرأت على الشخصيات بدون أى مبررات واضحة وعليه قررت أن أعيد
التجربة بوضع مبررات وإجابات على أشياء كثيرة لم يتضمنها العمل الأصلى مع
إحداث تغييرات جذرية فى الشخصيات واستأذنت يوسف السباعى صاحب القصة الذى
أصر على قراءة السيناريو خشية أن تغلب المبررات والتفسيرات الحسية على
الجانب الرومانسى لقصته وتناقشنا كثيرا فى السيناريو الذى كتبته وأقنعته
بأن أخلاق الجيل الجديد اختلفت عن الزمن الذى أنتج فيها «بين الأطلال» حتى
أبدى إعجابه بالسيناريو واحترم الرؤية الجديدة التى طرحتها فى «اذكرينى».
وتمت الاستعانة بنجوم هذا الزمن «محمود ياسين ونجلاء فتحى» ولكن رغم
نجاح الفيلم بالدول العربية بشهادة المنتج رمسيس نجيب فإن الفيلم لم يحقق
نفس النجاح الذى حققه «بين الأطلال» فى مصر وذلك لأن الشعب المصرى يحن دوما
للذكريات وليس لديه استعداد لتقبل هذا الاتجاه وعليه ففكرة إعادة الأفلام
القديمة هى فكرة غير مقبولة وتعرض صاحبها لاتهامات عديدة منها عقم فى
الأفكار ومحاولة الحنين إلى الماضى وتعرض أبطال العمل لمقارنة بالنجوم
القدامى والتى لن تكون فى صالحهم فى أغلب الأحيان.
وقال: فى تجربتى كنت حريصا على تغيير الشخصيات وتقديم رؤية مختلفة،
ومع هذا فالتجربة لم تنجح بالشكل الذى كنا نتوقعه فى مصر وعليه أرى أنه لو
استعان المؤلف بنفس الشخصيات واستلهم أفكار غيره لينسبها لنفسه هو العجز
بعينه وأتمنى أن ينجح صناع فيلم «إشاعة واحدة لا تكفى» بالخروج من هذا
المأزق وتبقى التجربة الحية واضحة المعالم هى المعيار الحقيقى للحكم عليها
وإن كنت من واقع تجربتى أشك أنها ستحقق نجاح النسخة الأصلية.
ومن جانبه أكد السيناريست بشير الديك رفضه التام لهذا الاتجاه وهذه
التجربة قائلا: فكرة أن يستوحى مؤلف قصة من فيلم آخر لمؤلف غيره هى فكرة
مستنكرة وأراها عملية سطو على أفكار الغير.
واستطرد: من الممكن أن أتقبل الفكرة إذا قام المؤلف باستئذان صاحب
العمل الأصلى فى إعادة كتابة عمله من جديد لكن بدون هذا الأمر فأنا أراه
عملا غير لائقا وينم عن حالة إفلاس غريبة وإذا حقق هذا العمل المستنسخ أى
نجاح فسوف يكون النجاح مشكوك فى أمره.
وأضاف: لى رأى خاص باعادة تجربة فيلم «إشاعة حب» فهو فيلم اجتماعى
خفيف كانت له ظروف خاصة حيث أنه يعتبر حالة إبدع فيها النجوم أداءا فلأول
مرة نشاهد عمر الشريف هذا الفتى الوسيم الذى قدم لنا كثيرا من الأدوار
التراجيدية يلعب دورا كوميديا وهو الذى يفشل فى جذب ابنة عمه نحوه وهو
الدور الذى لعبته ببراعة كعادتها الفنانة الراحلة سعاد حسنى ويسانده عمه
بقوة فى دور لا يمكن أن ننساه هذا الذى لعبه الراحل يوسف وهبى لكن الفيلم
نفسه لم يكن له أى مدلول اجتماعى وليس به أى قضايا تثير اى مؤلف لكى يعيد
قراءته مرة أخرى فهو ليس «القاهرة 30» أو «الأرض» وعليه أرى أن إعادة مثل
هذه النوعية من الأفلام الخالية من المضمون الجاد يأتى فى إطار السبوبة.
وتتفق معه فى الرأى المؤلفة زينب عزيز وتقول: لست مقتنعة بهذا الفكر
خاصة أن النجاح هو حليف النسخة الأصلية بلا شك التى ارتبطت فى أذهاننا
جميعا فمن الصعب أن يقتنع الجمهور بالنسخة المعدلة وهو الذى شاهد الأصل
مرارا وتكرارا وعليه فهى تجربة غير ممتعة على الإطلاق فما يساق من مبررات
أنه ستتم معالجة الموضوع بحيث يتناسب مع جيل هذا الزمن هو مبرر ضعيف فماذا
سيحدث هل سندخل التكنولوجيا الحديثة فى الموضوع من كمبيوتر وإنترنت وهاتف
محمول فهل هذا هو التغيير أعتقد أن المشاهد نفسه لن ينجذب إلى هذه النوعية
من الأعمال فلقد سبق وشاهدها وعليه مالذى سيدفعه لمشاهدتها مرة أخرى.
وقالت: عن نفسى كمؤلفة صعب أن أخوض هذه التجربة رغم إيمانى أنه من
الظلم أن نتهم من يخوضها بالإفلاس فلربما لا يرى مانعا أن يكرر تجربة سبق
وحققت نجاحا بشكل جديد ولكن عن نفسى غير مقتنعة بالمبدأ نفسه ليس على مستوى
أفلامنا العربية ولكن على مستوى الأفلام الأجنبية أيضا فاذا كنت مفتقدة
الحماس لمشاهدة النسخة الجديدة من العمل الأصلى فكيف سأقدم على كتابته إلى
جانب أننى وقبل عرض الفيلم غير متقبلة بالمرة أن يلعب عمر الشريف نفس دور
يوسف بك وهبى وهو الذى ارتبط بأذهاننا بالشخصية التى لعبها فى «إشاعة حب»
والتى كانت مفاجأة بكل المقاييس.
على الجانب الآخر رفض يوسف معاطى صاحب التجربة أن يتحدث عنها موضحا
أنه سيترك الحكم للجمهور بعد العرض مشيرا إلى مفاجآت عديدة تتضمنها نسخته
الجديدة وإلى الشخصيات الجديدة التى سيستعين بها.
وأخيرا تعلق الناقدة صفاء الليثى على هذا الموضوع قائلة: إعادة
الأفلام مرة أخرى بشكل مختلف هو امر وارد وحدث من قبل وأراه نوعا من
الاحتفاء بالنسخة الأصلية ولا يقلل منها ولا من النسخة الجديدة خاصة أنه لو
تمت مراعاة اختلاف الزمن والأجيال وتقديم نسخة معاصرة فسيكون أمرا محمودا
بلا شك.
وأضافت: عانينا كثيرا من التعامل بوجهة النظر التى ترى أن أى فيلم غير
واقعى يكون فى مستوى أقل وهذا غير صحيح فعلى الرغم أن فيلم «إشاعة حب» هو
فيلم خفيف نوعا ما فإنه يقدم لنا سخرية للمظاهر الخادعة التى تجتاح مجتمعا
ما ويحمل قيما لا بأس بها وعليه لا يجوز أن نطالب بإعادة أفلام لأنها
واقعية ونمنع أفلاما لأنها خفيفة.
أما فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة للكاتب الذى يخوض هذه التجربة هى
اتهامات مجحفة، فهذه التجربة تمثل تحديا حقيقيا لهذا المؤلف وقدرته على
إعادة رسم الشخصيات مرة أخرى وقدرته على أن ينسينا القصة الأصلية وهذا لا
يعد إفلاسا أبدا خاصة أنه كان من الممكن ألا يعلن يوسف معاطى أنه استلهم
قصته من اشاعة حب فى ظل أن الشائعات ليس لها زمن وأن أفكار المراهقات فى
الارتباط بنوعية من الشباب التى تجيد الكلام المعسول لا تزال كما هى لكن
الرجل كان صريحا منذ البداية وهو يعلم أنه سيخضع لمقارنة مع العمل الأصلى
ولكنه قبل التحدى.
الشروق المصرية في
12/01/2011
هل تتحول السينما المستقلة إلى أفلام مقاولات؟
وليد أبوالسعود
فتحت النجاحات المتتالية للسينما المستقلة شهية عدد كبير من
السينمائيين وشركات الانتاج للدخول فى هذا المجال، حتى إن إحدى الجهات قررت
إنتاج 10 أفلام وأسندت مهمتها لشخص واحد، وكل هذه الأفلام يتم تصويرها
بكاميرا ديجيتال اعتمادا على وجوه جديدة وعناصر غير معروفة محاكاة للسينما
المستقلة، ذلك المولود الصغير الذى بدأ فى النمو والظهور صبيا مليئا
بالحيوية ينفض غبار انقاض السينما القديمة التى تحاول لملمة أنقاضها
المتهدمة معتمدة على ابنائها وصناعها وكان هذا الصبى اليافع هو واجهة
السينما المصرية فى المهرجانات الدولية وسفيرها للعالم ولكن قبل أن يموت
ذلك المولود فى مهده وتتحول السينما المستقلة إلى سينما سريعة الهضم من
عينة سينما المقاولات كان لابد وأن نفتح هذا الملف مع صناع السينما
المستقلة الذين ينيرون الطريق حتى لا تتحول إلى سينما مقاولات.
فى البداية.. أكد المخرج أحمد رشوان ان المهم هو الهدف والمضمون وهذا
فقط هو ما يجعل تجربتهم كصناع سينما مستقلة مختلفة عمن يحاول استغلال
الوسيط نفسه فى تقديم تجارب رخيصة وكون البعض قد وجد فى كاميرا الديجيتال
وسيلة رخيصة لصنع أفلامه فهو يبحث أصلا عن التوفير فقط ولو استطاع أن يصنع
فيلمه على ورقة بردى لفعل ولكنهم كمخرجين لن يفرطوا فى الحرية والاختلاف
الذى حققوه وهو يرفض مجرد التفكير فى إمكانية تحول السينما المستقلة لسينما
مقاولات ويطلب بالفصل بين المصطلحين، فاستقلالهم هم كمخرجين هو استقلال
فكرى ولم يكن أبدا استقلالا فى الوسيط فلديك كاميرا ديجيتال تستطيع
بالكاميرا نفسها تقديم فيلم ينافس فى كل المهرجانات، وتستطيع ايضا تقديم
فيلم بورنو وهؤلاء التجار هم أنفسهم من قدموا افلامهم من قبل بتقنية ال16
ميللى من قبل.
أما الناقدة ماجدة خير الله فأكدت أن من سيحمى السينما المستقلة هم
اصحابها خصوصا أن معنى هذه النوعية لا يقتصر على التكلفة بل يمتد للموضوع
الفنى وبالطبع هناك مجموعة من المدعين ستحاول استغلالها ولكنها كسينما تصلح
من نفسها وتجارب إبراهيم بطوط وأحمد عبدالله ستستمر وسينضم لها آخرون ولكن
يجب أن يحميهم الجمهور بنفسه وبالنسبة للسبوبة التى تتحدث عنها هنا كتجربة
حالية يقوم بها أحد الممثلين حاليا وتركيبتها تركيبة مقاولات ولكن من
سيحميها هم أصحابها وكلها تلقى حفاوة فى المهرجانات الخارجية وهى لن تضحى
بالجودة أو جماليات الصورة وقد تستمر فى عدم اعتمادها على النجوم لكنها لن
تضحى بالفن وهم سيجدون نوافذ حتى لو حاول البعض خنق تجربتهم ولكنهم سيجدون
نوافذ من خلال الفضائيات وهو ما سيعطيهم القوة للمقاومة وقد تجد اهتماما
كبيرا من دور العرض ولكننا نحتاج للصبر.
أما المخرج أحمد عبدالله مخرج فيلم «ميكروفون» و«هليوبوليس» فيبادرنا
قائلا: «إن المحتوى هو الذى يفرض نفسه فى النهاية واستقبال الناس واعتقد أن
المشاهد يهمه ما نقدمه واختلافنا فى التفكير واللعب والمغامرة ويقف عند
الفيلم طبقا لما تلقاه والجمهور يستطيع التفرقة فسقف أفلام المقاولات معروف
والمستوى هو الذى يفرض نفسه فى النهاية ولا يوجد من يضحك على الجمهور
والتاريخ هو من يثبت نفسه ولو حدث أن الجهات الإنتاجية تروج لأفكار ليست
موجودة عندها واحنا حاليا مستمرون فى أفلامنا ونقدم السينما التى نحبها
وأنا ألوم على الصناع الصغار على عدم وجود جرأة لديهم لتقديم تجربة مثل
تجربة «حاوى» مثلا والمهم فى الاستقلال والجرأة الفنية.
اما الناقدة خيرية البشلاوى فأكدت انه ليس من حقنا الإجابة عن هذه
الأسئلة خصوصا أنه هناك عقل يحكم مجموعة كل فيلم فمن أخرجوا لنا فيلما جيدا
مثل «ميكروفون» لن يقدموا لنا فيلما هابطا بالطبع والسينما صناعة وتجارة
وفن والمهم الإيمان بقضية السينما وكونها منتجا فنيا وهم وحدهم من يستطيعون
حماية هذه النوعية وانت لا تملك أن تقول لصانع فيلم أنا أريد فيلما جيدا ك«حاوى»
أو «ميكروفون» وصناع هذه السينما لديهم رؤية وقلة التكلفة موجودة منذ فترة
طويلة وقدمت لنا أفلام المقاولات ومن نحن كى نحميها فلا أحد يحميها غير
صناعها ونحن نستطيع مساندتها لكننا لا نستطيع ضمان بقائها أو عدم انحرافها
عن هدفها والمهم ألا نتراجع. المهم مساندة وسائل الإعلام خصوصا الإعلام
الرسمى المصرى ويدعمها ويضمن لها البقاء والعائد الأدنى المادى لتطفو فوق
سطح السوق وأنا كناقدة اعانى معاناة نفسية عندما أهاجم فيلما لأنه دون
المستوى ونحتفى به فى القنوات الرسمية.. نحن نحتاج إيمانا من الجهات
المسئولة إعلاميا وثقافيا.
وبادرنا إبراهيم بطوط مخرج فيلمى «حاوى» و«عين شمس» أن أى فيلم سوف
يظهر من عنوانه والتصنيف ليس مسئوليتنا ومن يستغل المصطلح لتقديم سبوبة
ستظهر من السرد والموضوع وهو ما سيعطى انطباعا سلبيا عن الفيلم، وأنا لست
قلقا من وجود انطباعات مسبقة أو خلط بين الاثنين وأكد بطوط أن الشفافية هى
التى تحمى المشروع والتعامل من الألف للياء وهى فى كل مراحل الصناعة ولا
توجد طريقة كهنوتية لأنها هى الطريقة التى تحمى حقوق الناس من صناع وممثلين
وهى الشىء الوحيد التى ستحمى السينما المستقلة من تحولها لسبوبة قد يتاجر
بها البعض ليحققوا أرباحا لا يستفيد بها الصناع الحقيقيون.
الشروق المصرية في
12/01/2011
لعبة سخيفة
بقلم: خالد محمود
الحالة تكررت.. وما زالت!
فمن وقت لآخر نرى هالة مصطنعة حول وجود أزمة بين الرقابة على المصنفات
الفنية وأحد الأفلام سواء كانت مصرية أو أمريكية، والمدهش دائما أن طرفى
الهالة أو «الأزمة» يدليان بتصريحات تناقض بعضها تماما فى صيغة لا يقبلها
عقل ولا منطق، مثلما حدث مؤخرا بين المسئولين عن عرض الفيلم الأمريكى «لعبة
عادلة» فى مصر والرقابة. فالطرف الأول أكد أن الفيلم سيواجه أزمة مع
الرقابة وروج لخلاف حدث بالفعل حينما أعلن عن موعد عرض خاص للفيلم، وكذلك
موعد العرض العام للجمهور، وهو ما يستدعى موافقة سابقة للرقابة، واندهش
الطرف الأول من تصريحات رئيس الرقابة بأنه لم يشاهد الفيلم، وبالتالى فلا
يوجد تصريح، وحرر الطرف الأول ترويجة لشائعات بأن هناك من يمارسون ضغوطا
على الرقيب لعدم منح الفيلم تصريحا بالعرض بحجج صاغها المروجون بحرفية مثل:
«سيقولون إن الفيلم يسىء للعرب، وإن الفيلم به مناطق محظورة لا يجب أن تعدى
مرور الكرام بدءا من الفكرة وحتى الأبطال».
والذى قد يدهشك أكثر أن رئيس الرقابة وقع فى فخ «الهالة والترويج»،
وكلما سمع أو قرأ ما يفيد بأنه سيعطل الفيلم يخرج على الفيلم ليؤكد ويقسم
أنه حتى هذه اللحظة لم يشاهد «اللعبة العادلة»، وبالتالى يصبح اسم الفيلم
أكثر شهرة وجدلا وإثارة قبل أن يشاهده أحد، ويقف على مضمونه وفكره وهدفه إن
وجد، لم يدرك أحد أن من حق الجمهور أن يرى العمل دون انطباعات مسبقة، بل
أصبح المسئولون عن توزيع الفيلم وعرضه فى مصر محترفين للعبة الترويج
بانطباعات وأفكار عليها تسيل لعاب الجمهور وخياله وجيوبه أيضا.
إن ما حدث مع «لعبة عادلة» ومن قبله أفلام أخرى كثيرة ما هو إلا مشهد
جيد فى «لعبة سخيفة» وجدل مجانى.. وواقع الأمر أن الرقيب سيوافق على عرض
الفيلم، وسوف يعرض، ونشاهده، وستكون لنا معه وقفة وقراءة سينمائية.
إن المناخ السينمائى ما زال يعانى أمراضا تقليدية قديمة بل وينشط من
فيروساتها وهو داء يحتاج إلى بتر فكرى.
الشروق المصرية في
12/01/2011
عن نجيب محفوظ: قل ولا تقل
بقلم: كمال رمزي
قل: الأديب المصرى نجيب محفوظ، ولا تقل: الأديب العالمى نجيب محفوظ،
فبلاد الدنيا تفخر بمبدعيها تنسبهم إلى نفسها، وهذا حق من حقوقها، كما أن
من حق المبدع أن ينسب لوطنه.. فى كتب التاريخ والدراسات النقدية، يكتب اسم
الأديب مسبوقا أو ملحوقا باسم دولته، هو ينتمى لها بقدر ما تنتمى له، حتى
لو كانت ضده أو هو على خصومة معها: بوريس باسترناك، شاعر روسى. إيفو
أندريتش روائى يوغسلافى. وول سونيكا، مسرحى نيجيرى. بابلو نيرودا، شاعر
إسبانى.. كذلك الحال بالنسبة لنجيب محفوظ، الذى يحلو لبعض المذيعين
السخفاء، هواة الاستعراض المقيت، إطلاق صفة «الأديب العالمى» نجيب محفوظ،
وهى صفة لا معنى لها وإن كانت تعبر عن إحساس مريض بالنقص، وترفُّع سمج عن
«المصرية».
لم يكتب نجيب محفوظ أى مقدمة لرواياته سوى مرة واحدة، وعلى طريقته
التى لا تنتمى إلا له، وذلك فى «أولاد حارتنا»، فتحت عنوان «افتتاحية» لخص
ببراعة، وبلغته العربية الآسرة، دوره، ومعنى وهدف الأدب الذى أبدعه، وهمومه
الممتزجة بهموم المصريين.. يقول: «كانت مهمتى أن أكتب العرائض والشكاوى
للمظلومين وأصحاب الحاجات. وعلى كثرة المتظلمين، الذين يقصدوننى فإن عملى
لم يرفعنى عن المستوى العام للمتسولين فى حارتنا».
عايش نجيب محفوظ المصريين، سكان الأزقة والعطوف، جالسهم على المقاهى
وفى مكاتب الموظفين، عرفهم فى تواضعهم وغرورهم، فى رحمتهم وبطشهم، تفهم
آمالهم وأحزانهم، حتى إن المرء يحس أن كل قطرة دم بداخل عروقه، وكل قطرة
حبر تحولت إلى كلمات له، إنما هى مصرية خالصة، وبالتالى فإن من يرنو لمعرفة
مصر، عليه بقراءة نجيب محفوظ.. فكيف تنزع عنه جنسيته، بالميلاد والاختيار
والامتزاج، ليقول «الأديب العالمى».
قل الكاتب المصرى، الحاصل على جائزة نوبل، ولا تقل «أديب نوبل»،
فالقيمة الرفيعة لنجيب محفوظ، توافرت قبل وبعد نوبل.. الجائزة الثمينة،
المرموقة، لم تضف لقامته طولا، ولكنها جاءت بمثابة الاعتراف المنصف، وربما
الواجب بإبداع الروائى المصرى.
قل قناة نجيب محفوظ، ولا تقل برامج عن نجيب محفوظ، وهذا الكلام موجه
للتليفزيون المصرى، فيما يتعلق بالاحتفال بمئوية كاتبنا، فللتليفزيون إنجاز
محمود حين خصص قناة بمناسبة العيد الخمسينى لبداية إرساله، وأحسب أن إعادة
عرض عشرات المسلسلات والأفلام الطويلة والقصيرة والمسرحيات، المأخوذة عن
أعمال نجيب محفوظ، فضلا عن الندوات حولها، السابقة والحديثة، بالإضافة لصنع
أفلام تسجيلية مع من عرفوا نجيب محفوظ إنسانيا وأدبيا، وغيرها ــ سيكون
حدثا ثقافيا هائلا. إن هذه القناة المأمولة، تليق بنجيب محفوظ
وبالتليفزيون.
الشروق المصرية في
01/01/2011
نجيب محفوظ.. والعسكر
بقلم: كمال رمزي
ملاحظات وتأملات عميقة، متوهجة بالذكاء، متمتعة باتساع الأفق، من
الممكن أن ترصدها، فى الكتابات الهادئة، الرصينة، للأستاذ الناقد المتأمل،
شكرى عياد، الذى منحنا درسا ووسيلة، فى قراءة نجيب محفوظ.. الدرس هو: فى
بعض الأحيان، يتمتع المبدع بحرية لا تتوافر للناقد، فالروائى، من الممكن أن
يعبر عن رؤيته على نحو إيحائى، يتجنب به بطش السلطة.
أما الناقد، خاصة إن كان صادقا، فإنه قد لا يستطيع الإعلان عن تفسيره
للعمل الأدبى، خوفا على الأديب قبل الخوف على نفسه. الدليل على هذا، يقدمه
شكرى عياد، حين يتعرض لرواية «السمان والخريف»، ذلك أنه كتب تحليلا عقب
صدورها «1962»، مؤداه أن «السمان» فى رحلته الطويلة، الشاقة، المترعة بقوة
الإرادة ونور الأمل، نحو المناطق الدافئة، يصطدم بشباك الصياد.. تماما مثل
الشعب المصرى، الذى قطع مشوارا مضنيا، محفوفا بالعناء، نحو مناطق الحرية
والعدالة. لكنه، على الأقل، تعثر فى شباك العسكر.
طبعا، لم يكن لشكرى عياد أن ينشر هذا التحليل آنذاك، وإلا بدا الأمر
كبلاغ ضد نجيب محفوظ، وبالتالى، احتفظ بالمقال فى درج مكتبه، مدركا أن حرية
الناقد، فى الكثير من الأحيان، أقل من حرية المبدع.. هذا عن الدرس، فضلا عن
أن ثمة ما هو أهم، يتعلق بقراءة ما وراء قصص نجيب محفوظ، خاصة القصيرة،
ومنها قصة «الخوف» الثرية، الواردة فى مجموعة «بيت سيئ السمعة» 1965، والتى
نشرها الأستاذ من قبل، فى جريدة «الأهرام» ــ التى كانت أهراما ــ وجاء
نشرها عقب المناقشات السقيمة حول تعريف العامل والفلاح، حيث درج السادات
على السماح لكل مفكر أن يتحدث لمدة ثلاث دقائق فقط، يدق بعدها ناقوسا يمسكه
بيده، قائلا بحسم «انتهى الوقت.. يا أستاذ».
«الخوف» تدور فى الأجواء المحفوظية: حارات متنازعة، فتوات، معارك،
مقهى ترتفع فيه قرقرة النرجيلة، أناس تعساء يطلبون الأمان بأى ثمن. شذرات
من أحاديث عابرة.. من الممكن قراءة القصة، بأحداثها، وشخصياتها، قراءة
ممتعة، مباشرة، لا تخلو من طرافة.
«نعيمة» حلت مكان والدها العجوز فى بيع الكبدة على عربة يد. مخطوبة
لشاب طيب «الأعور» فتوة حارة دعبس، يلتقى الأب، يجبره على قراءة الفاتحة
تمهيدا لزواجه من نعيمة، ثم يلتقى الأب بـ«جعران» فتوة حارة الحلوجى الذى
يجبره على قراءة الفاتحة لذات الهدف. وبينما الناس فى حيرة، يتوقعون شرا،
تفتتح نقطة شرطة فى حارة «الفرغانة»، ضابطها شاب قوى، يجيد فنون القتال
الحديثة، يهزم الفتوَّين، يعجب بنعيمة، وبدلا من أن يتزوجها، يقيم معها
علاقة، تنتشر أخبارها بين سكان الحارة، يسكتون عنها ويبتلعونها بفعل
الخوف.. لكن القصة، بلغة نجيب محفوظ، المكثفة، الموجزة، الأقرب لروح الشعر،
تعطى رؤية أعمق وأوسع من معناها المباشر، فثمة إشارة إلى أن الأحداث تدور
فى بداية القرن، وبقول المقرئ فى لحظة حيرة «يا كريم الألطاف نجنا مما
نخاف»، وهو الدعاء الذى تصاعد إزاء مدافع الفرنسيس. وإشارة أخرى للصراعات
بين الحوارى التى يدفع ثمنها أهالى «الفرغانة»، فضلا عن انتعاشة الأمل بذلك
الضابط الشاب، ثم ها هو، فى النهاية، تربع على الكرسى «يمد ساقيه حتى منتصف
الطريق وقد امتلأ جسمه وانتفخ كرشه وتجلت فى عينيه نظرة متعالية».. إنها
بذات المغزى الذى تلمَّسه شكرى عياد فى «السمان والخريف».
الشروق المصرية في
05/01/2011
عبارات نجيب محفوظ.. الملهمة
بقلم: كمال رمزي
أيا كانت المسافة بين روايات نجيب محفوظ والأفلام المأخوذة عنها، فإن
الطاقة الإبداعية، عند الكثير من ممثلينا، تصل إلى أفضل حالتها، حين يقوم
نجومنا بأداء الشخصيات التى تزخر بها أعماله.
ولعل السبب فى هذا التألق يرجع إلى قدرة نجيب محفوظ على رسم أبطاله من
الداخل وليس من الخارج فقط. إنه يستطيع بفقرة قصيرة، وأحيانا بجملة واحدة،
منح الممثل مفتاحا يضىء به العالم الداخلى للنموذج الإنسانى الذى سيجده،
فعندما عرض المخرج كمال الشيخ على شكرى سرحان، بطولة «اللص والكلاب»، ذهب
شكرى لشراء الرواية، نظر إلى الصفحة الأولى. عاد إلى البيت ليتصل بالمخرج،
فورا، ليخطره بحماسة أنه شغوف بأداء الدور، ولما سأله كمال الشيخ عن سبب
الموافقة السريعة، أجابه النجم أن أول جملة فى الرواية فتحت الطريق إلى عمق
الشخصية، بل نحو طريقة الأداء. الجملة مكونة من أربع كلمات «خرج وفى جوفه
نار»، وطوال الفيلم بدت لسعة النار مستعرة فى قلب «سعيد مهران» حسب أداء
شكرى سرحان، سواء فى المواقف الدامية أو اللحظات الرومانسية.
فى المقابل، أدركت شادية أن اسمها، فى ذات الفيلم، هو معنى أولا
وأخيرا. «نور»، فتاة ليل نعم، لكن فى قلبها ضياء دافئ يغدو حضن الأمان
لحبيبها المطارد. هنا، تتجاوز علاقتها مع سعيد مهران مسألة العشق إلى أفق
آخر، فهى تحنو عليه حنو الأم على وليدها. إنه من أرق أدوار شادية وأكثرها
رهافة.
ينهض أداء سناء جميل الصادق، البديع، فى «بداية ونهاية»، على جملتين
دقيقتين، تحددان المعالم الخارجية والداخلية لشخصية «نفيسة»، فهى «بلا مال
ولا جمال ولا أب».. وفى ذات الوقت «صاحبة قلب كبير يتسع لأفراد أسرتها».
على هذه الجملة الأولى، لم يغب الإحساس بالتعاسة عن سناء جميل، سواء وهى
تعمل أو تتحدث أو تضحك أو تتشاجر، لقد تفهمت وطأة الظروف التى سحقت
«نفيسة»، وبالتالى جاء أداؤها متماسكا، يسير وفق منطق سليم.. أما الجملة
الثانية، فإن عيون سناء جميل تلتمع بالمحبة حين تتحدث مع أحد أشقائها أو
والدتها، ها هى، فى النهاية، تسير ذليلة وراء شقيقها الضابط، تنظر له نظرة
مترعة بالاعتذار، قبل أن تستجيب له وتلقى بنفسها فى أعماق النيل.
وإذا كان فريد شوقى قدم عشرات الشخصيات المهمة، على شاشة السينما، فإن
دوره فى «بداية ونهاية» يحظى بمكانة رفيعة، وهو أمر منطقى تماما، فصلاح
أبوسيف من أعمق مخرجينا تفهما لنجيب محفوظ، وفريد شوقى وجد فى نموذج «حسن
أبوالروس» ما يطلق طاقته، خاصة أن نجيب محفوظ، قدم مفتاحين سحريين للدخول
فى هذه الشخصية، أحدهما يتمثل فى جملة «كان وثنيا بالفطرة»، والآخر يتبلور
فى جملة «كان حب أسرته العاطفة الشريفة الوحيدة التى يخفق لها قلبه».. وعلى
طول الفيلم، يبدو الازدواج الأخلاقى جليا فى شخصية «حسن». مجرد بلطجى أو
مشروع بلطجى، على استعداد دائم للدخول فى معركة، قوى وعنيف، ولكن فى ذات
الوقت، يحنو على أسرته، يساعد شقيقه الأنانى فى الالتحاق بكلية الشرطة..
وها هو فى النهاية، يعود إلى أسرته جريحا، هاربا من الشرطة، ويكاد فريد
شوقى، بعيون تفيض بالمحبة، أن يتحول، أمام أمه، إلى طفل يريد الحماية..
نجيب محفوظ، أثر إيجابيا فى فن التمثيل.
الشروق المصرية في
08/01/2011
فتوات نجيب محفوظ
بقلم: كمال رمزي
انطلقت فتوات نجيب محفوظ، على صفحات قصصه، على نحو قوى ومؤثر ومتعدد
الدلالات، بعد مشاركته فى كتابة سيناريو «فتوات الحسينية» لنيازى مصطفى عام
١٩٥٤. قبل هذا التاريخ، أنجز نجيب محفوظ ثمانى روايات تدور فى عوالم
واقعية، بالإضافة لثلاث روايات تحلق فى أجواء فرعونية، لكنها جميعا بما فى
ذلك المتوغلة فى الأحياء الشعبية «خان الخليلى» و«زقاق المدق» و«بداية
ونهاية»، تخلو من الفتوات الذين عاصرهم نجيب محفوظ لفترة غير قصيرة من
حياته. فى «فتوات الحسينية» اندلع الصراع بين فتوة شرير «محمود المليجى»
وآخر عادل «فريد شوقى»، يعود للحارة كى يثأر لما حل بوالده، من الفتوة
السابق، وطبعا ينتصر، عقب مواجهة دامية.. بصرف النظر عن قيمة الفيلم فإن
أهميته، فى ظنى، أنه أيقظ ذاكرة أديبنا العظيم بتلك الشخصيات العاتية، فضلا
عن أنه، بنفاذ بصيرته، وجد فى الفتوات ما يمكنه، برحابة، من التعبير عن
قضايا تؤرقه بحق.
زحفت الفتوات إلى صفحات «أولاد حارتنا»، أول رواية يكتبها بعد
«الثلاثية»، ومنذ الصفحات الأولى، بل فى الافتتاحية، يحدد نجيب محفوظ موقفه
من الفتوات بقوله «هؤلاء.. إنما يتبخترون على صدورنا».. وفى الصفحة
الأخيرة، يصف الحال حين ازداد وعى الناس ودب الخوف فى نفوس ناظر الوقف
ورجاله، واشتد العقاب والقمع «وانهالوا بالعصى للنظرة أو النكتة أو الضحكة»
حتى باتت الحارة فى جو قاتم من الخوف والحقد والإرهاب.
توالى ظهور الفتوات فى قصص نجيب محفوظ القصيرة، ليجتاحوا، لاحقا،
رواية «الحرافيش» التى تحولت بعض حكاياتها إلى أفلام، مثل «شهد الملكة»
لحسام الدين مصطفى 1985، «المطارد» لسمير سيف 1985، «الحرافيش» لحسام الدين
مصطفى 1986، «التوت والنبوت» لنيازى مصطفى 1986، «الجوع» لعلى بدرخان 1986،
بالإضافة لفيلمين عن قصتين قصيرتين: «الشيطان يعظ» لأشرف فهمى 1981،
و«فتوات بولاق» ليحيى العلمى 1981.
للفتوات سمات عامة، ولكن لكل منهم ملامحه الخاصة، دورهم، أو وظيفتهم،
تثبت الأوضاع الظالمة، فرض الإتاوات، إشاعة الذعر، ووسيلتهم «النبوت». إنهم
قوى البطش، السلطة المطلقة، التى لا يمكن أن تؤدى إلا إلى الفساد المطلق،
فها هو «فرج الجبالى» بأداء محمود عبدالعزيز فى «الجوع»، يصبح الفتوة يعاهد
نفسه ويتعهد أمام الأهالى أنه لن يظلم أحدا، وأنه سيظل مخلصا لمن جاء من
بينهم.. لكن، مع الأيام، ومع الحياة الناعمة التى تذوق حلاوتها، ومع ثروته
المتزايدة، ومع نفوذه المتسع، يبدأ التغيير فى طباعه، وشيئا فشيئا، يغدو
غولا لا يرحم، شأنه فى هذا شأن الفتوات جميعا لا يمكن أن يكون من بينهم
«مستبد عادل».
فريد شوقى، عادل أدهم، حمدى غيث، نور الشريف، مجدى وهبة، عزت العلايلى،
وغيرهم، جسدوا، كل بطريقته، فتوات نجيب محفوظ، لكن يبقى لصلاح قابيل، حضوره
المتميز، فى «شهد الملكة»، سواء فى حد ذاته أو بالمغزى الأعمق، الذى يعبر
عنه، مع مأمور شرطة الحى، محيى إسماعيل. صلاح قابيل، يبدأ به الفيلم وهو فى
معركة حياة أو موت مع غريم عند سفح الهرم. ينتصر حين يجندل خصمه بضربة نبوت
فوق رأسه. يعود إلى الحارة ويستقبله الأهالى بالتصفيق والهتاف والزغاريد..
فالضعفاء والخائفون لا يمارسون إلا الاحتفال بالجلاد الجديد «نوح الغراب»،
المتجهم حاد الطباع، ذى العين المفقوءة، المشوهة، التى من الواضح أنه فقدها
فى معركة، وتعبر فى ذات الوقت عن تشوهه الروحى والأخلاقى.. أثناء الاحتفال،
يأتى المأمور. مظهره يدل على مخبره. يمتطى صهوة جواد يرتدى الزى المزخرف،
فى وجهه شارب كثيف مشعث. حاجباه مهوشان. نظراته شريرة وبليدة فى آن، يبارك
انتزاع «نوح الغراب» للفتونة.. وعلى طول الفيلم، نكتشف أنهما وجهان لعملة
واحدة، ترمى إلى فرض الصمت والذل والاستكانة على سكان الحارة، ويوحى
الفيلم، بعد مقتل «نوح الغراب» بإيعاز من المأمور، أن كل الأمور، ستؤول إلى
المأمور، الذى لا يقل شراهة عن «نوح الغراب».
ملحمة الحرافيش، صدرت عام 1977، وفيها يعود إلى العقود الأولى من
القرن العشرين، وهى أقرب للهجائية الطويلة، لكل ما يمثله الفتوات من فظاعة،
لكن الرواية، بعمقها وشمولها، تبدو كما لو أنها تتعرض للحاضر، فى العقود
الأولى من القرن الواحد والعشرين.
الشروق المصرية في
12/01/2011 |