من الشائعات التي انطلقت في هوليوود مع الأيام
الأولي من العام الجديد بدايةعلاقة عاطفية قوية بين النجمة ساندرا بولاك-44سنة
- والنجم الشاب ريان رينولدز- 35 سنة - وكان الاثنان قد اشتركا في العام
الماضي في بطولة فيلم"عرض خطوبة" أو
the proposal
الذي قدمت من خلاله ساندرا شخصية مديرة في إحدي المؤسسات، تواجه خطر
الإبعاد عن العمل نظرا لنهاية تأشيرتها في أمريكا لأنها من أصل كندي.
تقرر ان تتقدم لخطبة أحد مرئوسيها، حتي تحصل علي
الجنسية الامريكية! واسباب انطلاق الشائعة هو حرص ساندرا بولاك علي التواجد
مع ريان رينولدز في كل مكان يذهب اليه، حتي أنها حضرت معه العرض الخاص
لاحدث افلامه "مدفون" أو
buried
وهو الفيلم الذي أخرجه الأسباني "رودريجو كورتيه" وتم عرضه في شهر
سبتمبر الماضي، وحقق إيرادات فاقت المائة مليون دولار، رغم ان ميزانية
إنتاجه لاتزيد عن عشرة ملايين
دولار! ووصلت عدد المقالات التي كتبها نقاد الصحافة الامريكية عن الفيلم
إلي 264 مقالة خلال الشهر الماضي فقط!
فيلم مدهش
وفيلم "مدفون" يعتبر من الأفلام المدهشة حقا، حيث
تدور كل أحداثه داخل تابوت خشبي "مدفون" تحت الارض في صحراء العراق! ويبدأ
المشهد الاول بحالة ظلام دامس، "كحل" يستمر عدة ثوان، حتي تكاد تظن أن هناك
خللا ما في الصورة أو عيبا في شريط الفيلم، ولكن مع بداية سماع صوت أنفاس
شخص هو البطل "بول كونروي" أو ريان رينولدز، سوف تكتشف مثله أنه "مدفون" في
تابوت خشبي، يبدأ "بول" في الحركة التي يتيحها المكان الضيق جدا، "مترين
طول في متر عرض"، ويضع يده في جيب بنطاله، ويخرج ولاعة، يحاول أن يتبين
منها حقيقة الأمر، وطبعا أنت كمشاهد لاتعرف أي معلومات عن الموضوع وسوف
تقتلك الحيرة، وتحاول أن تعرف من الذي وضع هذا الرجل في هذا المكان؟ ولكن
الحيرة تتبدد بعد دقائق معدودة، عندما يسمع "بول" صوت
رنين تليفون محمول، ويمد يده بصعوبة ليلتقط جهاز الموبايل، ويسعفه ذكاؤه
بالاتصال برقم 911 وهورقم النجدة في امريكا، ويقول للصوت الذي يرد عليه،
أرجوك حاول ان تساعدني أنا مدفون في تابوت خشبي تحت الأرض، أنا سائق شاحنة
كنت أعمل في العراق، وتعرضت شاحنتي للضرب من بعض الشباب العراقيين الذين
قذفونا بالقنابل وقتلوا مجموعة من زملائي، ويبدو أن أحدهم ضربني علي رأسي
ففقدت الوعي، ولاأعرف لماذا تم دفني حياً في هذا التابوت! ولكن صاحب الصوت
يرد عليه في برود"آسف لا أستطيع مساعدتك"فأنا في أمريكا، ويصرخ الرجل
المدفون ويستنجد بصاحب الصوت، ويطلب منه ان يوصله بالبنتاجون أو أي مسئول،
ولكن الخط يغلق في وجهه.
صورة بالموبايل
ينظر" بول" إلي إشارة الموبايل ويدرك أن البطارية
سوف تنقطع بعد ساعتين علي الاكثر، يحاول الاتصال بزوجته ولكنه يجد بدلا منها جهاز الرد الآلي، يترك لها
رسالة ويرجوها أن تحاول انقاذه بإبلاغ المسئولين لتعقب المكالمة، ومعرفة
مكانه، ثم تحدث المفاجأة ويتصل به علي الموبايل الشخص العربي "العراقي"
الذي قام بدفنه في التابوت، ويطلب منه أن يصور نفسه بكاميرا الموبايل، وهو
علي هذا الوضع، ويرسل له الصورة حتي يرسلها الي قناة الجزيرة، ليعرف العالم
ماذا وصل اليه حال الجنود الأمريكان الذين جاءوا لغزو ارض العراق، يحاول
بول ان يقنع الرجل العربي أنه ليس جنديا ولكنه مجرد سائق شاحنة في شركة
مقاولات، جاء للعراق من أجل لقمة العيش، ولكن الرجل العربي يمهله عدة دقائق
ليقوم بتصوير نفسه، ويطلب منه دفع فدية خمسة ملايين دولار؟ ويجيبه "بول"
أنا لاأملك هذا المبلغ ولاأي فرد من عائلتي، فيكون رد الرجل العربي ولكن
الحكومة الامريكية يمكن ان تدفع، إذا نشرنا صورتك وأنت مدفون تحت الارض!
يحاول بول بشتي الطرق وباستخدم الموبايل أن يتصل بأي شخص يمكن ان ينقذه، ويصل فعلا لأحد المسئولين عن
تحرير الرهائن في العراق، ويطمئنه انه يتتبع المكالمة وسوف يستطيع خلال
دقائق محدودة أن يحدد مكانه، ويطلب منه ألا يستجيب لطلب الارهابي العربي،
ولكن "بول"، يضطر لتصوير نفسه، بعد ان يعرض عليه العربي كليباً يصور عملية
قتل إحدي المجندات الأمريكيات ثم إطلاق الرصاص علي رأسها، ويرسل بول صورته
وهو مدفون في التابوت وعاجز عن الحركة الي العربي وفي ثوان تصبح صورة "بول"
علي قناة الجزيرة واليوتيوب ويخبره المسئول عن إنقاذه أن عدد الذين دخلوا
علي موقع اليوتيوب وقاموا بمشاهدة الكليب وصل الي اربعين ألف شخص في دقائق
معدودة.
أصوات فقط
كل هذه الأحداث تدور دون ان تخرج الكاميرا من نفس
اللوكيشن وهو التابوت الخشبي المدفون فيه بول، أما بقية شخصيات الفيلم
فنتعرف عليها من خلال أصواتها فقط، التي تأتي عبر الموبايل، ومما يزيد
الأمر تعقيدا أن قوات البحث تصل
الي مكان قريب الي حد ما من المكان المدفون فيه بول، وتقوم بمحاولة تصفية
الارهابيين، وتؤدي الانفجارات المتلاحقة، الي دخول الرمال الي التابوت
الخشبي بسرعة فائقة، مما يعرض " بول" للاختناق، وتضيق المساحة التي يتحرك
فيها والهواء القليل الذي يتنفسه، ثم يزداد الأمر سوءاً مع وجود علامة
واحدة في الموبايل مما يدل علي قرب انقطاع الخط الذي يوصل بين الرجل
المدفون وبين الحياة الخارجية، فتقل فرص إنقاذه.
فيلم عبقري
فيلم عبقري بجميع المقاييس، وأداء مميز جدا للنجم
"ريان رينولدز"، أما المخرج الاسباني رودريجو كورتييه، فقد تمكن من عمل
فيلم مليء بالمفاجآت والانقلابات الدرامية، من خلال شخص موجود في مساحة
ضيقة للغاية، وإضاءة خافتة ومحدودة تصدر عن ولاعة وجهاز موبايل، ومع ذلك
فهناك حركة كاميرا، واستخدام لقطات مختلفة غير المشاهد القريبة، والمتوسطة
والعامة والمدهش أن الفيلم يعتبر من
افلام الحركه"حسب تصنيف بعض النقاد" رغم أن حركة البطل تكاد تكون معدومة أو
مقيدة، لأن فيلم الحركة ليس هو الذي يطارد فيه البطل آخرين أو يطاردونه،
ولكن أن يوضع البطل في مأزق ما، يحاول الخروج منه باستخدام كل مايتاح له من
قدرات حركية أو أدوات حتي لو كانت مجرد موبايل وولاعة، ويصبح العدو الاول
للبطل هو الزمن والمكان الضيق والعوامل الخارجية المتمثلة في الإرهابي الذي
حبسه داخل التابوت واصبح عليه أن يحرر جسده ويحاول الخروج حياً من المكان،
كل تلك العناصر مجتمعة تضع "مدفون" تحت تصنيف افلام الحركة، ساعة ونصف
الساعة من الإثارة والترقب والتوتر، دون أن نخرج من التابوت، إعجاز حقيقي
فعلاً! وعليك أن تحرص دائما أن يكون موبايلك مشحونا حتي تنقذ نفسك إذا
تعرضت لموقف مشابه!
جريدة القاهرة في
11/01/2011
الوتر .. «يا غادة.. هذا العرش
فاستلمي»
بقلم : د.رفيق الصبان
منذ أن قدم مجدي الهواري فيلمه الأول الذي تحول
فيه من منتج يمول الأفلام إلي مبدع يقدمها بأسلوبه وطريقته .. والآراء
انقسمت حول هذه «النقلة» التي اعتبرها البعض غير جائزة، كما وقف إلي جانبها
البعض الآخر.. وأعترف أني كنت من هذا البعض الآخر.. لأني لمست في الفيلم أو
الفيلمين اللذين اخرجهما الهواري نظرة سينمائية خاصة .. لم تكتمل بعد
وتحتاج أيضا إلي نار هادئة لكي تصبح مستوية ومؤثرة .. ولا شك أن الهواري
يملك في زوجته «غادة عادل» سندا فنيا لا مجال للشك فيه.. فهذه الممثلة
الشابة استطاعت أن تحقق لنفسها نجاحا متوازنا من خلال أدوار خفيفة لعبتها
وأدوار أكثر نضجا فاجأتنا بها.. كما في فيلم «ملاكي إسكندرية» .. ثم قدمت
لنا وجهها المضيء الذي يشتعل حرارة ويخفي حزنا كامنا غامضا.. وبحثا ملحاً
عن رومانسية مفقودة .. في فيلم محمد خان المدهش عن
شقة مصر الجديدة.
عين نفاذة
وها هو مجدي الهواري يقدم أخيرا زوجته ورفيقة دربه
في فيلم يليق بهما معا .. يليق به كمخرج ذي عين نفاذة يستطيع رؤية الأشياء
بمجهره الخاص ويقدمها بأسلوب جمالي مؤثر معتمدا علي جميع المفردات
السينمائية التي بحوزته، ويليق بغادة عادل التي أصبحت قادرة حقا علي تقديم
الأدوار المركبة الصعبة وأن تتغلغل إلي ثناياها العميقة .. وأن تبرهن علي
أنها واحدة من ممثلاتنا القلائل اللواتي يصلحن للأدوار النفسية المعقدة.
«الوتر» هو قصة جريمة أحاطها
المخرج بسياج عاطفي رقيق .. ولكنه رغم رقته يخفي وحشية وعنفا غير مسبوقين..
انها قصة شقيقتين موسيقيتين تعملان في أوركسترا عالمية.. وتتجاذبان حب شاب
وسيم مستهتر اعتاد أن يتلاعب بعواطف الفتيات وأن يقنع كل واحدة منهن أنها
الأولي والأخيرة في حياته .
الفيلم شأنه جميع الأفلام البوليسية يبدأ باكتشاف
جريمة القتل (الخنق بوتر
آلة موسيقية) ويقوم بالتحقيق في
هذا الجرم .. ضابط مباحث خاص يعيش هو الآخر أزمة نفسية خاصة في حياته،
يواجه نفسه فيها بشكل مستمر ومسئوليته عن جريمة أخري كان هو السبب الرئيسي
فيها.
عمل استثنائي
«التيمة» ليست جديدة كل الجدة
ولكن الإطار الذي أحاطها به المخرج والكاتب .. هو الذي حولها إلي عمل
استثنائي خصوصا بعد أن أحاطتها عين المخرج أيضا بالكثير من الجماليات في
الصورة والموسيقي والتكوين والإضاءة.
لقد أراد مجدي الهواري .. ان يبدع عملا سينمائيا
يبهر العين قبل أن يبهر العقل.. وأن يستخدم كل ما تمنحه إياه السينما من
سحر ليوصل رؤياه الجمالية إلي أقصي حدودها.
قد نقبل أحيانا في الأفلام البوليسية التي تسير
علي نهج «أجاثا كريستي» أي تتويه المتفرج وإبعاده عن اكتشاف الحقيقة حتي
اللحظة الأخيرة.. وتركه رهينة التساؤلات والحيرة، علي العكس من أسلوب
هيتشكوك البوليسي الذي لا يخفي علي
المتفرج شيئا من ملابسات الجريمة
.. ويجعله عينا عُليا عارفة بمجريات الأمور وتراقب كيف يتوه المحققون
لمعرفة «مجرم» يكون المتفرج أول من اكتشفه منذ البداية.
ولكن بالطبع هذه الطريقة المدهشة .. تتطلب رؤية
سينمائية لا يملكها إلا هيتشكوك وبعض المخرجين الأفذاذ من مدرسته.
الهواري فضل أن يلجأ للطريقة الأولي .. وأن يضع
المتفرج في حيرة حول من هي القاتلة وأية واحدة من هاتين الشقيقتين اللتين
تلاعبان الشاب المستهتر بعواطفهما هي التي وضعت الوتر حول العنق؟
الفيلم أغرق صوره في ضبابية جمالية مقصودة..
واستغل الموسيقي إلي أبعد حدودها لرسم الجو القلق المليء بالتوتر والذي
تعيش فيه الشخصيات جميعها.
معاني درامية
كما استغل من جهة أخري الديكور ليقول من خلاله
الكثير من المعاني الدرامية التي قد تغلق علي المشاهد كمشهد الكوخ الخلوي
الذي يعيش فيه القتيل، أو مشهد بيت الشقيقتين، أو مساحة دار
الأوبرا
والجو الأوركسترالي المحيط بالفتاتين.
كل ذلك امسكه الهواري بيد حاذقة مستغلا كما قلنا
كل امكانيات التصوير والموسيقي والإضاءة في سبيل تحقيق هدف جمالي نجح في أن
يجعله مؤثرا حقا.. وإن كان ذلك علي حساب السيناريو .. الذي يبدو أن الهواري
قد وضعه في المركز الثاني من اهتمامه مركزا جهده كله علي الصور المؤثرة
الشفافة والكادرات المتقنة والإضاءة الدرامية المقنعة.
وقد يحكي هذا الضعف في السيناريو في النهاية التي
أرادها المخرج أن تكون «مفاجأة» ولو كان ذلك علي حساب المنطق السليم.
كما أن التركيز أكثر من اللازم علي بعض الأحداث
الدرامية أضر بالبناء أكثر مما أفاده .. قضية اعتداء زوج الأم علي
الشقيقتين «والمشهد الساذج الذي قدم فيه هذا الاعتداء» والكشف عن أبعاد
الجريمة الحقيقية والتي كانت مستبعدة تماما منذ البداية.. والذي قصد المخرج
فيها الإثارة والتشويق في فيلم لا يعتمد علي هذا التشويق قدر ما
يعتمد علي تصوير حالة نفسية معقدة.. وما تفعله الغيرة أحياناً.. في إلهاب
القلوب.. وما يدفعه الحرص إلي اجتياز العتبات الممنوعة.
لا أريد أن أفسد متعة اكتشاف الجمهور للقاتل مادام
المخرج قد أرادها أن تكون مفاجأة .. وبني عليها كل الأحداث الأخيرة لفيلمه
.. ولكن التعليق الأساسي علي هذه النهاية أنها خرجت بالفيلم عن نطاقه
النفسي الجاد.. إلي منطقة أخري أقل أهمية ولولا الجماليات التي أحاطت بها
كان يمكن فعلا أن تفسد الفيلم .
نهاية أزمة
ولكن في الجهة المقابلة استطاع السيناريو أن يمزج
بمهارة بين الوضع النفسي للمحقق والوضع النفسي للشخصيات الثلاث التي يدور
حولها المحور الرئيسي للفيلم. واستطاع بمهارة أن يرسم صورة غير معتادة
للمحقق .. لم نرها كثيرا في أفلامنا العربية.. وخصوصا في الظلال التي رسمها
أيضا حول نهاية أزمته... والتي خضعت هنا لإحساس درامي مكتمل مختلف
تماما عن الإحساس الذي شعرنا به من خلال الجريمة الرئيسية التي تنهض عليها
أحداث الفيلم.
بقي الأداء التمثيلي الذي سيطرت فيه غادة عادل
تماما وألقت بظلها الجميل علي أحداث الفيلم كله.. واستطاعت شقيقتها «أروي
جودة» أن تثبت نفسها رغم الوجود الطاغي لغادة.. ( والتي لا أعيب عليها هذه
المرة سوي استخدامها لباروكة شعر لا تليق بها وأفسدت كثيرا من معالم وجهها
الجميل المعبر) واستطاع أحمد السعدني رغم قصر دوره أن يضفي بشخصيته
وسلوكه.. ورسم صورة أنيقة لشاب مستهتر يلعب بالنار إلي أن أحرقته هذه النار
التي يلعب بها.
اهتزاز أداء
ويبقي لي تحفظ أخير علي أداء مصطفي شعبان الذي بدا
لي مهتزا «واهتزاز الأداء لا يأتي بالضرورة من اهتزاز الشخصية التي يجسدها»
وكثير من المبالغات في تعبيراته .. وصوته المتأرجح بين برودة يجب أن تعكسها
شخصيته والحرارة التي تمزق نفسيته المضطربة .. لقد كان حريا
به
أن يمسك خط التوازن بين عاطفتين، ولكن هذا الخط أفلت منه كثيرا ولم ينجح
إلا في لحظات قليلة بالإمساك به، كما تجد الإشارة السريعة إلي الممثلة
التونسية الصاعدة «فاطمة نصر» في دور صغير .. ولكن رغم صغره ترك في نفوسنا
أثرا مميزا.
وأخيرا يبقي «الوتر» فيلما شديد الخصوصية يتبع
رؤية مخرجه الجمالية القادرة وحماسته لأن يصنع فيلما خارجا عن المألوف ..
وأن يحاول الصعب وهذا أمر يحسب له في جميع الأحوال .. وهو قد استطاع أخيرا
بواسطة هذا الوتر أن يضع نفسه في عداد مخرجي مصر الموهوبين الذين نتوقع
منهم الكثير بعد أن تجاوز الكثير من أسئلة الاستفهام التي طرحت حوله.
أما غادة عادل فأكتفي بأن أقول لها بعد ضرباتها
الموفقة في شقة مصر الجديدة وملاكي إسكندرية ونجاحها القاطع في ابن
القنصل.. ما قاله شوقي في أحد أبياته الشهيرة (ويا غادة .. هذا العرش
فاستلمي).
جريدة القاهرة في
11/01/2011
الحاجز الاجتماعي الطائفي هو
العزول الأكبر لقصص الحب بين المسلمين والأقباط في
السينما المصرية
بقلم : محمود قاسم
في الكثير من الأفلام المصرية، ظهر الأقباط بمثابة
طائفة من طوائف الشعب، لهم ما للمسلمين من نفس الحقوق والواجبات
الاجتماعية، وقد اشترك هؤلاء الأقباط في الحروب، والأحداث الكبري التي
شهدتها مصر في العصور المختلفة خاصة في القرن العشرين إلي جانب أقرانهم
المسلمين
.
عندما وجدت نفسي بصدد إعداد دراسة عن الدين في
السينما المصرية، اتسعت الآفاق فجأة أمامي، بين الكتابة عن الأقباط في
السينما، وبين الكتابة عن العلاقة بين الأقباط والمسلمين في هذه السينما .
وقد تشبعت هذه الآفاق أمامي لدرجة يمكن منها تأليف كتاب منفصل، لم يقم أحد
بتقديمه من قبل أقوم بالفعل بكتابته الآن، وقد بدا هذا في إعلان عثرت عليه
في مصادر معلوماتي، عن أفلام قام حلمي رفلة بإنتاجها في بداية الستينات،
ولاحظت أن
كثيراً من الأقباط قاموا بإنتاج أفلام من طراز " رابعة
العدوية " و " وا إسلاماه "، فضلاً عن أفلام تاريخية تمجد العرب في عصور
ازدهارهم
.
وسرعان ما تفتحت أمام عيني صورة كتاب يتناول دور
الأقباط في صناعة السينما المصرية، يتضمن المخرجين والمنتجين، والممثلين
الذين عملوا علي ازدهار هذه السينما، وأيضاً المؤسسات القبطية، مثل المركز
الكاثوليكي، الذي يضم أكبر أرشيف منظم لهذه السينما، والذي أشرف علي تأسيسه
باحث دؤوب هو فريد المزاوي، والمراجع الموجودة في هذا المركز باللغتين
العربية والفرنسية.
وسوف نتوقف هنا عند المسيحية كدين في السينما ا
لمصرية، بالنظر إلي النص السينمائي الذي يشاهده الناس علي الشاشة، أي
الحكايات التي يراها المتفرجون، ووجدنا أن هذا الأمر في حد ذاته ينقسم إلي
عدة أقسام . فالقصص السينمائية مليئة بالشخصيات القبطية، موجودة في
الحكايات مثل وجودها في الحياة، تتباين
قصصهم مع أنفسهم، وأيضاً مع
المسلمين، مثلما هي قائمة في أي مجتمع . وهم في تلك الحالات مواطنون
عاديون، لكن سرعان ما تتدخل مسألة الدين إذا حدث ما يبين هذا الفارق بين
الطرفين، مثل أن تتولد قصة حب بين طرفين، ينتج عنها تغيير مصائر أشخاص
كثيرين من الأطراف .
وسرعان ما وجد الباحث نفسه أمام بحر خضم من
المعلومات عن هذا الموضوع، فقد أظهرت السينما هذا الموضوع في عدة زوايا :
الأولي منها تتحدث عن قصص حب يائسة بين المسلمين والمسيحيين، كأن تحب فتاة
مسيحية شاباً مسلماً، وتصبح الديانة عائقاً ضد اقتران الاثنين، أو استمرار
العلاقة بشكل سوي .
أما الزاوية الثانية فتتمثل في تصوير قصص الحب
التي نراها في الأفلام بين المسيحيين أنفسهم، مثلما حدث في أفلام من طراز "
البوسطجي " و " شفيقة القبطية "، و " ضحك ولعب وجد وحب "، و " الناصر صلاح
الدين " و " الراهبة " . وفي هذه الحالات، فإن الدين لا
يبدو بارزاً قدر الطائفية، فلا يمثل الدين أي
عائق في اقتران الحبيبين، وكأنما هي قصة عادية، لكن العواقب التي نراها
واقفة أمام استمرار هذه العلاقة تتمثل في أي عراقيل ومتاعب تعترض أي عاشقين
في أي فيلم، ليست فيه إشارة إلي ديانة البطلين، مثل وجود طرف ثالث من نفس
الدين مثلما حدث في فيلم " الراهبة " لحسن الإمام، و " شفيقة القبطية "
لنفس المخرج، ومثل العادات الاجتماعية في فيلم " البوسطجي
" .
علاقة حب مستحيلة
وسوف نفرد حديثنا هنا حول الأفلام التي تحدثت عن
علاقات حب مستحيلة بسبب الدين بين طرفين، وخاصة تلك الأفلام التي تحدثت
بشكل مباشر عن هذه القصص، والواقع أن هناك أفلاماً كثيرة ناقشت ذلك الموضوع
بشكل مباشر، والبعض الآخر تعرض لها بشكل عابر
.
اتضحت هذه العلاقة بشكل أكثر بلورة في أفلام من
طراز "الشيخ حسن " لحسين صدقي عام 1954، و " لقاء هناك " لأحمد ضياء الدين
عام 1975
.
وبالنظر إلي هذه الأفلام سنجد أن
هناك مجموعة من السمات تجمع فيما بينها منها:
أغلب هذه الأفلام تقوم أساساً علي أساس أن الفتاة
قبطية، وأن الحبيب مسلم . ولعل ذلك يرجع في المقام الأول إلي حساسية
العلاقة ومسألة الإنجاب، إذا حدث زواج بين الطرفين، فحسب الشريعة فإنه يمكن
للرجل المسلم أن يتزوج من امرأة من غير دينه، وأن تبقي هي علي ديانتها،
وذلك كي يكون الأبناء مسلمين ولكن يجب ألا يحدث العكس . وقد راعت الأفلام
التي رأيناها هذه النقطة . فكان الحبيب دائماً هو الرجل . هو الشيخ حسن
طالب الأزهر الذي يحب الفتاة القبطية لويزا، وهو عباس في " لقاء هناك
" .
ولم تحاول السينما المصرية أن تزج نفسها، مثلما
حدث مع التليفزيون المصري في بداية عام 1996، بأن تجعل هؤلاء الفتيات
العاشقات يتركن أديانهن، وكأن السينما بذلك تدعو إلي أن يترك كل من هو غير
مسلم ديانته ليصير مسلماً . وهو ليس دور
السينما بالمرة، ولعله لهذا
السبب، فإننا لم نر في القصص السينمائية المصرية مسيحياً يحب فتاة مسلمة،
ويترك دينه من أجلها .
كما أن أغلب هذه القصص قد انتهي بعدم الاقتران بين
الطرفين ففي " لقاء هناك " أذعن كل من الشابين لضغوط الأسرة، فتزوج عباس من
ابنة عمه ليلي ( زبيدة ثروت)، وعملت إيفون (سهير رمزي ) موظفة، ثم اختارت
دخول الدير كأنها لا تود أن تهب نفسها لرجل آخر، بينما قبل عباس بالأمر
الواقع حيث تزوج ابنة عمه وأنجب منها الأبناء
.
وفي " الشيخ حسن " تزوجت لويزا " (ليلي فوزي) من
طالب الأزهر رغم إرادة أهلها، ولذا فإن أسرة الشيخ حسن (حسين صدقي) تنكر
لهذا الزواج، ويحاولون الضغط عليه ليطلقها فيرفض . وتبعاً لاستعطاف الأم،
حتي لا يتحطم كيان الأسرة القبطية فإن حسن يقوم بتطليق زوجته . ويمنعه
والدها من رؤيتها هي وابنه، فتموت لويزا من شدة الحزن، وتوصي القسم بتسليم
الابن لأبيه
المسلم، وأن تسلم جثتها لزوجها ليدفنها
.
الجدير بالذكر أن هذا الفيلم تعرض لمتاعب عديدة،
فمنع عرضه عند إنتاجه عام 1951، ويقال إن البعض أشعل دار السينما عند عرضه
الأول، وحسب إعلان منشور في مجلة " أهل الفن " ـ 4 أكتوبر 1954 ـ فإن حفل
الافتتاح سيتم تحت رعاية الرئيس جمال عبدالناصر، يخصص إيرادها للمؤتمر
الإسلامي، وذلك في إطار إشارة في أعلي الإعلان " اليوم يتحقق مبدأ الفن في
خدمة الإسلام " .
وكما لاحظنا، فإن العاشق في أغلب هذه الأفلام
طالب، لا يستطيع الزواج من حبيبته لأسباب اقتصادية، وخاصة عباس الذي لا
يمكنه الاقتران بإيفون لحاجته المادية لأبيه التاجر . ولذا فإنه محكوم علي
الحب في كل هذه القصص بالفشل، تبعاً للضغوط الاجتماعية، وذلك يعكس أحداث
الواقع، فكم نعرف في دوائرنا الاجتماعية أشخاصاً يعيشون مثل هذه الحياة
بأقل قدر من المتاعب، ربما أقل مما تصوره السينما.
أغلب هذه القصص السينمائية مستوحاة من نصوص أدبية مصرية، كتبها أدباء يؤمنون
بحرية العقيدة " لكم دينكم ولي دين " كما قدمها سينمائيون مسلمون أبدوا
حماساً للتعامل مع طوائف الشعب وحدة واحدة . من هؤلاء الأدباء نجيب محفوظ،
وإحسان عبدالقدوس، وثروت أباظة، ومن بين السينمائيين هناك حسن الإمام،
ورأفت الميهي، وأحمد ضياء الدين،، وحسين صدقي . هذا بالنسبة للأفلام التي
تحدثت عن علاقات الحب بين أقباط ومسلمين، أما بالنسبة لقصص الحب بين بنات
وصبيان أقباط، فسوف نفرد لها حديثاً منفصلاً، ولكننا لن نراها تخرج كثيراً
عن هذا الإطار .
وقد تغيرت بعض النهايات والتفصيلات بين الروايات
والأفلام . وعلي سبيل المثال فإن ماجي في " النظارة السوداء " مسيحية من
أصل لبناني، ودائماً تضع الصليب علي صدرها، دون أن تدري أبعاد ما يرمز إليه
.وقد تجاهل الفيلم الذي أخرجه حسام الدين مصطفي، وأعد له السيناريو لوسيان
لامبير هذه العلاقة تماماً، ولم تحدد الهوية الدينية لفتاة عابثة،
باعتبار أن هذا النموذج يمكن أن نجده في أي مكان . أما مصير إيفون في "
لقاء هناك " . فكما أشرنا فهو مختلف عن الرواية في الفيلم . وأعتقد أن كاتب
السيناريو قد رجع في ذلك إلي نهاية فيلم " المعجزة " المأخوذ عن " أنشودة
برناديت " الذي رآه الناس في نهاية الخمسينات . ومن المعروف أن الكثيرات من
النساء في السينما يذهبن إلي الدير عقب فشلهن في الحب، ولكن هذه الظاهرة
غير موجودة بنفس الكثافة في المجتمع المصري
.
قد يرجع ذلك إلي ارتباط هذه الظاهرة سينمائياً
بالمرحلة الرومانسية التي ازدهرت في الخمسينات، ثم في الستينات، فغالباً ما
ترتبط الرومانسية بالتضحية من أجل الحبيب، أو بفقدان هذا الحبيب في ظروف
درامية مؤلمة، وهذان العاشقان البريئان، يجدان نفسيهما يصطدمان بعقبات
اجتماعية تحول تماماً دون اقترانهما، فيحطمان حبهما بأي شكل عند أعتاب معبد التقاليد الاجتماعية . وفي السينما المصرية
لم يرتبط هذا فقط بالحاجز الديني بل أيضاً بالحاجز الاجتماعي . مثل العلاقة
بين حبيبين أحدهما من عائلة ثرية ذات حسب ونسب، والثاني فقير معدم . وقد
عزفت السينما علي هذا الموضوع لسنوات طويلة في أفلام عديدة، ولعل أبرز
الأمثلة تلك المجموعة المتلاحقة المأخوذة عن " غادة الكاميليا "، فعلي
الحبيبة أن تضحي بحبيبها لأنها من عائلة فقيرة، وأيضاً لماضيها المشين، أما
هو ابن الأصول فعليه أن يتزوج من امرأة من نفس طبقته الاجتماعية، وهذا
الحاجز الاقتصادي والاجتماعي ينضم إليها في أفلام أخري الحاجز الديني . وهو
مرتبط في المقام الأول بالمجتمع، فلاشك أن الأبوين في فيلم " الشيخ حسن "
يواجهان ضغطاً اجتماعياً، كل من الطائفة التي يمثلها، ضد هذا الزواج الذي
حدث بين طالب أزهري، وبين لويزا . وقد رأينا الشيخ حسن قد امتثل للطلاق بناء علي رغبة والد زوجته، بينما عجز الأب نفسه أن يثني ابنه عن
استكمال هذا الزواج واستمراره
.
حاجز اقتصادي
ولذا .. فإنه في الأفلام التي قامت فيها علاقات حب
بين مسلمين وقبطيات، لم تكن هناك أي حاجة لوجود حاجز اقتصادي، واجتماعي بين
الحبيبين، بل يكفي الحاجز الديني، ففي الأفلام التي نحن بصدد تخصيصها
بالحديث، هناك علاقة جيرة بين الطرفين . بمعني أنهم يعيشون في نفس الحي، بل
في نفس الحارة، وبالتالي فهما يتمتعان بنفس المستوي الاجتماعي، وأن الفارق
في هذه الحالة ضئيل للغاية . ففي " الشيخ حسن " نري الأسرتين متجاورتين في
السكن، تنمو بين الأطراف صداقة، وعلاقات حميمة، لكن هذا الزواج الذي تم بين
الفتي وحبيبته، ينبه أعضاء الطرفين معاً أن هناك حاجزاً قوياً، ومن هنا
تأتي الدراما التي تفرض نفسها علي الحدث .
وفي " لقاء هناك " عادت العلاقة لتأخذ شكلاً
رومانسياً . فهذا الحب موجود
بين الاثنين منذ الطفولة، كما
أنهما يسكنان نفس الحارة، وتتقدم بهما السنون، فيزداد الحب، حتي يصير
طالباً، يصطدم حبهما بعقبات الموروث الديني، وكما أشرنا، فليس هناك فارق
اجتماعي يذكر بين الأسرتين. وقد وضع الفيلم بين العاشقين عائقاً رومانسياً
هو شخصية ابنة العم ليلي (أدت الدور زبيدة ثروت )، فهي فتاة عاقلة، وجميلة،
وتناقش عباس في أفكاره ومعتقداته .
والعقبة التي يصورها الفيلم ليست الدين وحده،
ولكنها أيضاً حاجته للمال كي يتزوج بمن يحب، فالحبيبة إيفون تترك بيتها من
أجل حبيبها، إلا أن أسرة خالتها لا ترحب بها لموقفها الاجتماعي، فتلجأ إلي
عباس للاقتران به، لكنه يؤجل الفكرة إلي حين تخرجه، وسوف نراه فيما بعد قد
تزوج بابنة عمه، أما إيفون فلم تجد أمامها سوي أن تدخل الدير
.
في هذه الأفلام، كان المنطق أن الحب بين البشر لا
يعرف أي عائق، وأن العلاقات الإنسانية كثيراً ما تبرز بين الناس من خلال
منطق الآية القرآنية الكريمة " لكم دينكم ولي دين "، وإذا كان رسول الله
صلي الله عليه وسلم قد اقترن بماريا القبطية، وأنجبت منه وليدها إبراهيم،
فإن المجتمع في الأفلام المصرية لم يعترف بسهولة بهذا الحب المتنامي بين
أقباط ومسلمين،وهي خطيئة مجتمع، يحول مثل هذه العلاقات إلي مادة لثرثرة في
الاجتماعات المختلفة، ومن هنا، فإن العائلات التي ينتمي إليها العاشقين
تتعرض لما يسمي بالقيل والقال من حولها، رغم أن العاشقين في أغلب هذه
الأفلام لم يرتكبا أي موبقات، وتأخذ العلاقة شكلها الرومانسي أو الشرعي .
فلا خطيئة بين الطرفين ولا زلة، بل ان الشيخ حسن يتزوج علي السنة بلويزا،
ومع هذا فإن المتاعب تحوط الاثنين
.
ولذا فإنه محكوم علي مثل هذا الحب بالفشل، مثل
الحب الذي يجمع بين أي عاشقين، لا يقف الأبوان فقط ضده بل المجتمع . وتنظر
هذه الأفلام إلي العلاقات الاجتماعية باعتبارها
القيد الذي يعوق هذا الحب، بينما يسمح الدين نفسه بذلك دون أي عائق .
ومثلما ماتت " غادة الكاميليا "، ماتت لويزا بين
يدي القس، وهي تطلب منه أن يسلم ابنتها إلي الشيخ حسن، وأن يقوم زوجها
بدفنها بمعرفته . وعقب وفاة لويزا، يحس أفراد الأسرتين بمدي الظلم الفاحش
الذي ارتكبه كل منهما، وسرعان ما يمتثل أمام العين موضوع الصراع بين
عائلتين في " روميو وجوليت "، وكأن موت لويزا هنا هو الرابط القوي الذي
سيكون بين الأسرتين، ويبدو هذا الرباط من خلال الابنة التي ستتم تربيتها
بين العائلتين القبطية والمسلمة لكل طرف منهما الحق في امتلاكها
.
وفي هذه الأفلام يبدو الحاجز الاجتماعي الطائفي هو
العزول الأكبر، أي أننا هنا أمام أفلام اجتماعية تتعدد فيها المستويات
الدرامية. ولا تبدو فيها الشخصيات الرئيسية منفصلة عن الكيان الاجتماعي
أسوة بالكثير من الأفلام العربية .
ويمكن اعتبار فيلم
" لقاء هناك" هو النموذج الأكمل
الذي يجمع بين كل السمات العامة لهذا النوع من الأفلام، فهو مأخوذ عن نص
أدبي، كما أن جميع العاملين به من المسلمين، حتي لا يشوب مثل هذا الفيلم
قولاً إن طائفة الأقباط تصنع فيلماً لمناصرتها . كما أننا أمام فيلم
رومانسي يقوم علي قصة حب بين إيفون (سهير رمزي) وجارها عباس (نور الشريف)
منذ الصغر، في حي شعبي، وفي هذا المجتمع يزداد الاحتكاك بين الناس كما
يزداد القيل والقال عند أول احتكاك من هذا النوع من العلاقات . ولذا فإن
الأب (محمد السبع) تاجر، علي الأقل كما جاء في النص الأدبي، يتعامل بالبيع
والشراء مع الناس، وكذلك مرقص (أحمد الجزيري) والد إيفون .
والفيلم كما جاء علي لسان عبدالمنعم سعد، في كتابه
عن السينما المصرية في موسم (الكتاب التاسع )، يطرح عدة قضايا اجتماعية
مهمة هي :
قضية العلم والإيمان وصراع الإنسان حول إيمانه
وقيمه وحضارته العلمية .
قضية الفلسفة باعتبارها أساساً للوصول إلي الحقيقة
وصراع الأفكار من خلال حرية التفكير
.
التربية الدينية في الأسرة باعتبارها إحدي مصادر
مكونات شخصية الفرد .
قضية الحرية من خلال ممارستها بما لا يتعارض مع
قيم المجتمع من دين وعادات
.
ويحاول الفيلم أن يمزج بين موقف عباس كطالب جامعي،
يمر بمرحلة الشك الديني، وهو شك مرتبط بالتفكير العلمي لدي الشاب دارس
الهندسة، وليس فقط نابعاً لثقافته، وقراءاته في كتب التاريخ، والفلسفة .
وقد تناولنا آراءه المليئة بالشك في فصل آخر لكن ليست هناك علاقة بين أفكار
عباس هذه وبين حبه لفتاة مسيحية، فتصور الفيلم عائلة مرقص القبطية
باعتبارها عائلة مصرية متدينة تحترم شعائر دينها وتمارسها، ويبدو هذا
واضحاً في رفض الأسرة كاملة بل والعائلة، ويتضح في موقف الخالة حين لا ترحب
بوجود إيفون ببيتها عندما تلجأ الفتاة إليها .
كما أن أسرة عباس نفسها متدينة، بل إن الفيلم يحرص علي تصوير هذا التدين بشكل معتدل، دون أي تشدد
نراه في آباء آخرين . فالأب يحرص علي تربية ابنه دينياً، ويعمل علي تحفيظه
القرآن الكريم منذ صغره وأن يؤدي الصلاة في مواعيدها، وهو ما يطلبه معه
كلما حان موعد إحدي الفرائض، وليس في هذا أي تشدد أو تطرف، والأب لا يفعل
ذلك بنفس القسوة التي رأيناها في فيلم "الملائكة لا تسكن الأرض " لسعد عرفة
. ومع هذا فإن الطفل عباس لا يقبل هذه الأمور التي يفرضها أبوه عليه بسهولة
.
وليس هناك سبب مباشر بين معاملة الأب وبين لجوء
الابن إلي حب فتاة مسيحية، فكما أشرنا فإن وجود إيفون في عائلة متدينة قد
يشكل عقبة نحو هذا الحب، لكن في الكثير من الأحيان، فإن الحب لا يعرف
الجنس، ولا العنصر، والدين، كفاصل بين البشر، والسبب الأساسي للحب هنا، أن
العلاقة منذ الطفولة تعد بمثابة أمر طبيعي بين إيفون وعباس الذي يجد
تناقضاً بين رؤيته العلمية لما يدور من حوله، وبين ما هو مرغم عليه، ولذا فإنه في النص
الأدبي يهرب من أداء فريضة الجمعة ويكون ذلك سبباً للمواجهة بين الطرفين .
وقد وسع النص السينمائي من الدائرة الاجتماعية حول
عباس، فابنة عمه ليلي فتاة مسلمة مؤمنة . وهي تدخل معه في نقاش دائم حول
الدين . تحاول أن تشده إليها وإلي أفكارها، ولكن من الواضح أن عباس لم
يتغير بسهولة بل إنه مبرمج علي ألا يتغير . وعائلة ليلي هي نموذج الأسرة
المصرية المعتدلة التدين ترفض بشدة أفكار عباس، وينظر أفرادها إليه باعتبار
أن الله يهدي من يشاء أو أن هداية ما سوف تأتي حتماً
.
كما أن هناك طرفاً آخر في حياة عباس يمكن من خلاله
النظر إلي الأشياء، وهو الصديق شعبان الذي جسده الممثل سيف الله مختار .
فهو يعيش في حياة اجتماعية مقتدرة عن حياة عباس . وهو شخص منقسم داخل نفسه،
فرغم علاقته براقصة، وحياته المليئة بالنزوات، فهو لا يتوقف عن ممارسة الشعائر الدينية، فيذهب إلي الصلاة، ولكن هذا لا يمنعه أن
يتردد علي الكباريهات، بل ويجذب عباس للذهاب معه، لكن هذا الأخير لا يتقبل
هذا العالم بسهولة .
وليس هناك تبرير في الرواية والفيلم أن يهجر عباس
حبيبته إيفون، إلا أنه غير قادر علي ذلك مادياً باعتباره طالباً، ولذا فإنه
في لحظة مواجهة مع الأسرة، تهجر إيفون منزلها وتلجأ إلي حبيبها الذي يبدو
سلبياً للغاية، وفي رأينا أنه لو كان مثقفاً حقيقياً، أو لو كان صاحب موقف،
لدافع عن حبه إلي النهاية، لكنه يقابل حبيبته بسلبية، تدفعها إلي اللجوء
لأسرة خالتها، ثم بعد ذلك تقرر أن تدخل الدير . وكما أشرنا فإنها في
الرواية تعود إلي أسرتها التي تتعامل مع هذه التجربة الاجتماعية بأنها مجرد
نزوة عابرة لفتاة مراهقة.
وكما أشرنا فإن الفيلم يقدم أبطاله من الشباب، غير
القادرين علي اتخاذ قرار يحدد مصائرهم . ولذا فهم فاقدو الأهلية . ولم يكن
اللجوء إلي الدير من طرف إيفون سوي ضعف شديد علي اتخاذ القرار، ولكن قد
يكون ذلك مبرراً باعتبارها فتاة صغيرة في مجتمع لا يرحم من حاول حتي أن
يخطئ.
أما عباس فلم يجد سوي اللجوء إلي أسرة عمه وأن
يتزوج من ابنة العم ليلي، وذلك بعد أن تخرج في الكلية، وهي فترة قصيرة
للغاية بعد انتهاء قصة حبه مع إيفون، أو فلنقل بعد أن لجأت الفتاة إلي
الدير .
وقد بتر الفيلم بعد ذلك قصة الحب بين مسلم وقبطية،
كي يتولي حل مشكلة الشاب الذي لم يتوقف عن الشك، وعلي طريقة حل الأزمة من
خلال موقف عصيب رأينا مثله في فيلم " الوسادة الخالية " لصلاح أبو سيف عام
1957، فإن التغير الذي يحدث لصلاح تجاه زوجته يتحدد عندما تتعرض لأزمة صحية
شديدة ويحس صلاح بأهمية زوجته في حياته، وأنه قد ظلمها فيلجأ إلي السماء
يدعو لها بالنجاة ويدرك أن حبه الأول لسميحة كان بمثابة وهم . فإن عباس
يتعرض لنفس الموقف
مع اختلافات شكلية، عندما تتعسر ولادة زوجته ليلي وتصبح في موقف خطير
للغاية، يناقش صلاح الطبيب فيما يمكن أن يفعله، يسأله أن يستخدم كل ما لديه
من كفاءة علمية، لكن الطبيب نفسه مؤمن، ويعرف تماماً أن الله موجود وأنه
سبب لكل العلوم .
وفي مشهد النهاية يجد عباس نفسه محاطاً بكل من
حوله من أفراد أسرته، وأسرة عمه، يبتهلون إلي الله بالدعاء من أجل إنقاذ
ليلي، وأمام حالة التأثير الوجداني مع إلغاء العقل تماماً الذي طالما
استخدمه في الجدل يبدأ عباس في ترتيل الدعاء . وتركز الكاميرا علي وجهه .
وتتغير ملامحه الجامدة ثم نسمع أصوات الوليد القادم، وتعلو الفرحة وجه
عباس، ثم تركز الكاميرا علي وجوه الجميع، فقد تحققت المعجزة.
شكل كوميدي
تبقي إشارة .. في أن بعض المخرجين الأقباط قد
ناقشوا أحياناً قصص الحب في إطار كوميدي .. بين فتي مسلم وفتيات من أديان
أخري مثلما حدث في فيلم " فاطمة وماريكا
وراشيل " والفيلم اقتبسه أبو السعود الإبياري عن مسرحية " زواج فيجارو "
لبو مارشيه وصور فيه الشاب المسلم في حياته، يتلذذ بالعبث بالبنات ويعدهن
بالزواج . منهن المسيحية ماريكا واليهودية راشيل . ومثل هذا التباين
الطائفي غير موجود في النص الفرنسي، لكن الفيلم تمت صناعته في فترة كان
اليهود والمسيحيون والمسلمون يعيشون معاً في إطار نسيج اجتماعي واحد. وأي
فتاة من الثلاث تود الزواج من فتي ثري يقوم بتغيير اسمه حسب طائفة العائلة
التي تنتمي إليها الفتاة . ولم تكن ماريكا هنا قبطية، بل هي مسيحية يونانية
ابنة لإحدي الأسرات التي كانت تعيش في مصر في تلك الآونة، كما أن ماريكا في
فيلم ": حسن وماريكا " لحسن الصيفي هي أيضاً يونانية . وهذا الفيلم كتبه
أبو السعود الإبياري عام 1959، وهو يعتمد في المقام الأول علي كوميديا
الموقف، فحسن ( إسماعيل يس ) يحب ماريكا ( مها صبري ) ابنة الحلاق اليوناني . وينافسه في
حبها شخص آخر يدعي فهلي . وعندما تصل رسالة من اليونان إلي الأب قادمة من
شخص يدعي ماركو . وسرعان ما تنقلب الأحداث إلي كوميديا الموقف . وكما نري
فإن أبطال هذه الأفلام الكوميدية بما فيها "حسن ومرقص وكوهين " لفؤاد
الجزايرلي عام 1954، ليس لهم مواقف عاطفية وجدانية، وليست علاقة الحب بين
طرفين من طائفتين مختلفتين تسبب أي متاعب من التي تعرض لها أبطال الأفلام
التي تناولناها .
السنوات العشر الأخيرة
في السنوات العشر الماضية، ظهرت العلاقات
الإنسانية بين الأقباط والمسلمين في السينما المصرية بشكل أكثر كثافة، من
سينما القرن العشرين بأكمله، ورغم أن أغلب الأفلام في هذا العقد اتسمت
بأنها أفلام سياحية، تدور في شواطئ عند أطراف الوطن، إلا أن قصص الأفلام،
كان أبطالها في أحيان كثيرة من المسلمين والمسيحيين معاً، وقد اتضحت هذه
الظاهرة في أسماء الأبطال، أو ما
يعلقونه علي صدورهم من رموز دينية خاصة بالصلبان .
فيما قبل كان يمكن لأبطال بعض الأفلام أن تكون لهم
أسماء مسلمة، والعائلة نفسها قبطية، مثل حالة سيرة يوسف شاهين الذاتية،
التي اختار أن يكون بطلها باسم "يحيي"، وهو اسم إسلامي أصله في التوراة
يوحنا، وهناك مرادف له في الثقافات المصرية، والعالمية، وقد كان المسيحيون
في بعض أفلام القرن العشرين يدخلون في إطار أسماء تناسب أبناء الطرفين :
ماجد، مجدي، عادل، شفيق، وما شابه، أما أبطال أفلام العقد الأول من القرن
العشرين، فقد كان أسماء الكثيرين منها قبطية مصرية، مثل اسطفانوس، وأخيه في
فيلم " عمارة يعقوبيان " ..
ظهور هذه الأسماء لا تعني أن الفيلم يود أن يخبرك
أن هذا مسيحي، وذاك مسلم، لكن تعني أن الأسماء تمتزج ببعضها في الحياة، فما
يمكن أن يفعله ذاك الشخص، قد يمارسه آخر، بصرف النظر عن اسمه، الأسماء هنا
بنت الوطن في المقام الأول،
بصرف النظر عن سلوك حامليها،
وبالتالي، فلا تستطيع أن توجه انتقاداً إلي طرف، لأن صاحبه له ديانة
بعينها، بل لأن له ثقافة خاصة وسلوكا يعنيه هو، دونا عن عقيدته
..
وبالطبع هناك حالات استثناء، مثلما رأينا في أفلام
بعينها، مثل " الرهينة "، و"باحب السيما "، و" واحد صفر "، و" الكلام في
الممنوع "، لكن كلهم مصريين أمام ما يحدث للوطن في أفلام كثيرة مثل " جنة
الشياطين "، و" فيلم ثقافي "، و"رسائل البحر"، وغيرها
..
ومن الصعب أن نتوقف عند كل هذه الأفلام الكثيرة في
العقد الأول الذي انصرم منذ أيام، من القرن العشرين، لكن من المهم أن
نستجمع أولاً أبرز أسماء الأفلام التي رأينا فيها أقباط " مع " مسلمين،
بالإضافة إلي الأفلام المذكورة سابقاً، فهناك "همام في أمستردام "،
و"مافيا"، و"الآخر"، و"حسن ومرقص" و"فيلم هندي" ..
ولعل أهم ظاهرة في هذا الشأن قيام سينمائيين أقباط
بأعينهم، بعمل أفلام عن المسيحيين أو إضافة
الشخصية المسيحية حسب منظورهم، وفي بعض الأحيان اشترك مسلمون معهم في
الكتابة، أو الإبداع، ولعل فيلم " جنة الشياطين " من أبرز هذه الحالات، وهو
الذي عرض في الأسبوع الأول من العقد الأول للقرن الواحد والعشرين، اقتبس
قصته مصطفي ذكري عن رواية لجورج آمادو، وأخرجه أسامة فوزي
..
هو فيلم عن العالم السفلي، أو الخلفي، لما يحدث في
قاع المدينة، بصرف النظر عن أن أبطاله مسلمون أو مسيحيون، هم بشر، لهم
أسماء، ونزق، وجنون، يعيشون حياة العدميين في المقام الأول، ولذا، فإن
مسألة العقيدة، لا تدخل في حساباتهم، ونحن نعرف أن واحداً منهم قد مات،
وأنه يجب علي أسرته أن تسترد جثمانه كي تدفنه، حسب عقيدته التي ولد بها،
ويقرر رفاقه القدامي، ثلاثة شباب وامرأتان، أن يأخذوا الجثمان، كي يطالع
الحياة العدمية التي عاشها قبل رحيله، خاصة في السنوات الأخيرة، فيطوقون به
في المدينة ليلاً، وفي الأروقة، وفوق ضفاف النهر .. وهذا الرجل يسمي الآن
"طبل"، وهو اسم محايد- رأي مصري- لكن خليلة الرجل الميت تنبه إلي أن الرجل
ينتمي إلي عائلة كبيرة، ولابد من إبلاغ العائلة بأمر الوفاة .. ونفهم أن "
طبل " قبطي، له اسم آخر قبطي، ويصير علي ابنته أن تسترد الجثمان، لعمل
مراسيم الدفن لأبيها، باسمه القديم القبطي، وفي داخل الكنيسة، حيث يحضر
الأهل، وذلك قبل أن يخطف أصدقاءه الثلاثة جثمان الميت، وينطلقون به
..
وأنا شخصياً أعرف أن هناك كاتب سيناريو، دفعه مرض
الزهايمر، أن يعيش حياة أخري بعيداً عن بيته، بصرف النظر عن عقيدته، أي أن
"طبل" كان يمكن أن يكون مسلماً، أو مسيحياً في الفيلم، لكن من الصعب أن
تنظر إليه حسب ديانته، بل حسب الحالة التي يعيش فيها، فقد آثر الرجل أن
يعيش حياة عاشها مصريون آخرون، رأينا عنهم أفلاماً، أو قرأنا عنهم روايات
مثلما حدث في " شحاتين ونبلاء "، و"البحر بيضحك" أي أن
"طبل" لم يقم وحده بهذا الفعل . بل هناك مواطنون آخرون، أقباط ومسلمون ..
الفيلم الثاني الذي يمكن الوقوف عنده، كان " فيلم
ثقافي " من إخراج وتأليف محمد أمين عام 2000، فالشبان الذين استطاعوا
الحصول علي شريط لفيلم جنسي، يسعون لمشاهدته في أي مكان، مهماً كانت هويته
أو قدسيته، المهم أن عليهم "المشاهدة"، وقد تنوعت الأماكن التي ذهبوا
إليها، أو حاولوا، وصارت مجرد أمكنة، بديلة تعطي الفرصة للمشاهدة، ومن بين
هذه الأماكن مركز إسلامي، به قاعة لتحفيظ القرآن الكريم، وأيضاً مركز طبي،
ومكان للصلاة، وقد فشلت المحاولة لمشاهدة الفيلم هناك، وعلموا أن صديقهم
المسيحي توفي وأن جنازته تقام في الكنيسة، وهؤلاء الشبان، لا يهمهم من
الأمر، سوي مشاهدة الفيلم، وهم يذهبون إلي الكنيسة من أجل إحضار المفتاح من
زميلهم، كي يتمكنوا من أن يعيشوا لحظاتهم، أثناء غياب الأسرة
كلها في مراسيم الدفن، والعزاء،
وهناك تفاصيل لما حدث في هذه الفترة
.
بصرف النظر عن التفاصيل، فإن الفيلم نظر إلي بيوت
المصريين، أياً كانت عقائدهم كفرص متاحة لمشاهدة الشريط الثقافي، وذلك
باعتبار أننا في فيلم كوميدي، يجعل من كل الأشياء مادة ضاحكة، أو ساخرة،
باعتبار أن الفيلم نظر إلي المركز الإسلامي، أو القبطي، كمكان مصري، قد
يصلح لتحقيق أهداف هؤلاء الشبان . وأذكر أن الفيلم عندما عرض، لم يلق أي
انتقاد من أي طرف، وهو دائم العرض في القنوات التليفزيونية، ويؤكد أن
للمصرين توحداً خاصاً، في سبل الحياة ..
في فيلم " باحب السيما "، كانت المفاجأة، أن
مبدعين مسيحيين، أشاروا لنا، أن المصريين متدينون بقوة، أياً كانت العقيدة
التي يؤمنون بها، وقد سمعنا من الزوج عدلي (محمود حميدة) نفس العبارات التي
يرددها أي مسلم متشدد، أو ماسك بقوة علي دينه، بنفس المفاهيم، والصياغة
اللغوية خاصة
ما يردده الأب، وهو يهدد ابنه الذي يحب السينما، بأن هذا الفن حرام، وأن
مصير المشاهدين هو الذهاب إلي " النار "، حيث إن ما يقوله عدمي أشبه بما
نسمعه من عبارات ترهيب وترغيب للدعوة للتمسك بالدين، ولاشك أن الطريقة
الجافة، والوجه الجامد للأب، جعل مثل هذه العبارات أشبه بطلقات الرصاص .
رغم أن الأب لم يكن قاسياً بالمعني المألوف للقسوة، فهو لا يضرب الأبناء،
مثل أغلب المصريين، ولكنه يفتقد إلي المرونة، حتي في معاشرة زوجته عايدة
التي يتجنب معاشرتها جنسياً، بادعاء أن الجنس فقط، من وجهة تفسيره، من أجل
الإنجاب، وقد صور الفيلم هذه الزوجة، وقد صارت مستنسخاً من زوجها وبعد
وفاته صارت تحمل مسئولية أسرة بأكملها، عليها أن تحافظ علي كيانها
..
هذا الفيلم، أثبت أن هناك توحدا ملحوظا للمصريين،
كل في حياته الخاصة، مهما كانت العقيدة التي يتدين بها، فجميعهم متمسك بقوة
بدينه، يذهب إلي بيوت
العبادة، ويؤدي الشعائر ويخاف من الله، ومن العقاب الذي سيحل بالخارج علي
ناموس الإله، فالمصير للعاصي في النهاية لدي الجميع واحد وهو "الحشر في
جهنم " ..
هناك أفلام أخري مهمة كان يجب التوقف عندها، مثل
النسيج الاجتماعي الموجود في فيلم " واحد صفر "، من فتاة محجبة، تقبض عليها
الشرطة بتهمة فعل ما في حديقة عامة، دون أن يحدث ذلك، وأيضاً هناك زوجة
تهدد بأن تغير ملتها كي تتزوج، وتتمكن من الإنجاب، وقد أثار الفيلمان
السابقان الكثير من الجدل حين عرضهما، خاصة داخل عشيرة الأقباط، لكن ما
يهمنا هنا، أن السينما عندما طرحت قضايا المصريين في القرن الواحد
والعشرين، كشفت أن الجميع لهم نفس المعاناة، أو يعيشون حكايات متشابهة
.
جريدة القاهرة في
11/01/2011 |