رانيا يوسف تؤكد أنها مازال لديها الكثير من القدرات التمثيلية التي
لم تخرجها بعد وأنها بدأت تحصل علي جزء من حقها، وأنها بذلت جهداً كبيراً
حتي تصل لهذه المكانة معتمدة فقط علي موهبتها.
·
نبدأ من «أهل كايرو» كيف
استعددتي لدور صافي سليم؟
-
عندما عرض علي المخرج محمد علي الورق وجدت الحوار جريئاً جدا
والفكرة جديدة ورأيت أن شخصية مثل صافي سليم موجودة بوضوح وعلي استحياء في
المجتمع، فهي شخصية حقيقية في تصرفاتها وقد أخذت التفاصيل من أكثر من شخصية
أراها طول ما أنا ماشية.
واقعية
·
هل ترين أن نجاح أهل كايرو مرتبط
بواقعية أحداثه؟
-
أكيد خاصة أن المؤلف بلال فضل تناول أحداث وقائع حدثت بالفعل
من أول مشهد التحرش الجماعي الذي حدث في وسط البلد في عيد الفطر منذ 3
سنوات، كذلك حادث الراقصة التي صورها رجل أعمال ونشر صورها علي
الإنترنت وأحداث أخري كثيرة تناولها بلال فضل، لكن بأسماء
مستعارة.
·
وما الأشياء المشتركة بين صافي
سليم ورانيا يوسف؟
-
الإصرار علي تغيير الخطأ ومحاسبة النفس، فصافي سليم أرادت أن
تفتح صفحة جديدة في حياتها وتريد محاسبة نفسها بالرغم من الخطأ في الوسيلة
بأنها تزوجت عرفياً أكثر من مرة للخروج من البيئة الفقيرة وهي في الأول
والآخر إنسانة تخطئ وتصيب والمهم أنها تداركت الخطأ.
مناطق كامنة
·
هل نستطيع أن نقول إن أهل كايرو
أعطاك حقك كممثلة؟
-
بالفعل فقد تعرض لمناطق كامنة بداخلي وتضمن مساحة تلوين كبيرة
وقماشة كبيرة للشخصية، بالإضافة للعناصر الناجحة في العمل من موسيقي لتأليف
لإخراج لتمثيل واعتقد أنه لولا وجود هذه العناصر لما نجحت، وقد سعدت جدا
لهذا العمل لأني قدمت من خلاله دوراً جديداً مساحته كبيرة وقدمته في الوقت
الذي أقدم فيه دور «سناء» في «الحارة» وهي عكس صافي سليم.
واقعية
·
بمناسبة «الحارة» ألم تتردي في
الظهور بدون ماكياج أمام الشاشة؟
-
بالعكس لأن هذا هو الواقع والمسألة أن الناس تعودت أن تري
الممثلة بماكياج كامل طوال الوقت وهذا يقلل من مصداقية الفن وهذه مدرسة عفا
عليها الزمن، والواقع في الفن مطلوب، فمثلا شخصية «سناء» التي أقدمها في
«الحارة» هي امرأة تعيش تحت خط الفقر ليس لديها ما تشتري به ماكياج أو
ثيابا غالية ولابد أن أصدق أنا كممثلة حتي أستطيع أن أقنع الناس.
اكتئاب
·
أليس حجم الحزن والاكتئاب زيادة
علي الحد في المسلسل؟
-
المؤلف لم يخترع الأحداث فهو خرج بهذا العمل من قلب الحارة
المصرية بما فيه من أشخاص وأحداث.
·
وماذا عن تجربتك مع عادل إمام؟
-
العمل مع الزعيم كان حلما وتحقق، فبعد نجاحي العام الماضي في
«حرب الجواسيس» وكنت جالسة بالصدفة أنا وزوجي نشاهد فيلم «حتي لا يطير
الدخان» وقتها تمنيت العمل مع هذا الفنان العظيم وكأن باب السماء كان
مفتوحا فبعدها بثلاثة أيام وجدت المخرج عمرو عرفة يتصل بي ويخبرني أني
مرشحة للعمل مع عادل إمام في دور كبير وأنني سأقوم بدور زوجة ابن عادل
إمام، وأعتقد أن وقوفي أمام الزعيم وضعني علي خريطة نجوم السينما ووضع علي
عاتقي مسئولية كبيرة في اختيار أدواري، ومن حقي أن أرفع أجري بعد نجاحي في
«أهل كايرو» بشكل يتناسب مع قوة الأعمال التي أعمل بها.
أولويات
·
هل مازلت مصرة علي عدم العمل مع
زوجك المنتج محمد مختار؟
-
كنت زمان مصرة علي عدم العمل مع زوجي في أي مشاريع فنية حتي لا
يقال إنه يساعدني أو تكون موهبتي مشكوكاً فيها، فلابد أن أبذل مجهوداً حتي
أشعر بطعم النجاح وأنا الفنانة الوحيدة في الوسط الفني التي لم يساعدها
زوجها، لكن الآن الوضع تغير وأصبح يتم النظر لي كممثلة وفنانة لها قدرها
ومن حقي الآن أن أعمل معه، وأحب أن أؤكد أن الشهرة والنجومية لم تكونا علي
قائمة أولوياتي
لكن زوجي وبناتي كانوا ومازالوا هم الأهم في حياتي.
جريدة القاهرة في
11/01/2011
«ميكروفون»..
يرفع صوت الأفلام
المستقلة
بقلم : د. وليد سيف
بل إنه هوالفيلم المصري الوحيد الذي نال جائزة
مهرجان قرطاج الكبري ، التانيت الذهبي عبر تاريخ مسابقاته الدولية . وقد
سبق أن فاز بها المخرج المصري توفيق صالح ولكن عن الفيلم السوري
(المخدوعون) . كما فاز يوسف شاهين بجائزة قرطاج ولكن عن مجمل أعماله . أما
رضوان الكاشف فقد حصل علي جائزته الثانية وهي التانيت الفضي وليس الذهبي
كما يعتقد البعض .
حصل (ميكروفون) أيضا علي
جائزة أحسن فيلم عربي من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كما نال جائزة
أحسن مونتاج من مهرجان دبي . ولكن كل هذه الجوائز وغيرها هي ليست فقط السبب
في اختياري له كأهم فيلم مصري شاهدته خلال عام كامل. ولكن لأسباب عديدة
منها أيضا أنه بنجاحاته المستمرة يتوج مسيرة السينما المستقلة في مصر ويلقي
الضوء عليها ويمنح دفعة أكبر لفنانيها . ويلقي عليهم بمسئولية كبيرة تجاه
تطوير
الفيلم
المصري والخروج من حدوده الضيقة وآفاقه المظلمة التي ساقه إليها التيار
التجاري المسيطر والمفسد لغالبية إنتاجنا السينمائي
.
استشراف المستقبل
ولكن يظل تحليل هذا الفيلم بعناصره وأفكاره هوالذي
يكشف عن أهميته الكبري ، وعن تميزه الفني ، ويؤكد علي ضرورة إتاحة أكبر
فرصة ممكنة له في العرض العام لنشر أفكاره وطرح رؤيته الجديرة بالتأمل في
ظل واقع اجتماعي في أمس الاحتياج لهذا النوع من الفن والأفكار . وقد تزايد
شعوري هذا تجاه الفيلم بعد الأحداث المؤسفة التي وقعت بالإسكندرية ليلة رأس
السنة . والتي تكشف عن غياب متعمد لدور الفن والثقافة في كشف أمراض
المجتمع ونشر الوعي بين أفراده وتقوية أمنه بالمفهوم العميق لمسألة الأمن
التي تتجاوز حدود دور الشرطة بمختلف أفرعها لتتحول إلي مسئولية قومية يلزم
أن تتعاون فيها جميع الأجهزة والجمعيات والمؤسسات الحكومية والأهلية
.
في فيلم
( ميكروفون ) يعد الإيقاع السريع والقطع الحاد
والعرض شبه التسجيلي هي وسيلة المخرج لعرض حكايته التي تستعرض عالما من فرق
الغناء المستقلة في مدينة الإسكندرية . فيشاركون في الفيلم غناء او تمثيلا
بشخصياتهم الحقيقية وجانبا من حكاياتهم الشخصية . ويأتي اختيار مدينة
الإسكندرية والتعرض لتفشي التيار الرجعي والمتطرف بها عنصرا مشتركا بين هذا
الفيلم وفيلم داود عبد السيد ( رسائل البحر ) الذي لا يقل عنه قيمة ولا
أهمية . ومن هنا تلوح لنا القدرة الحقيقية للفنانين الجادين المهمومين
بقضايا هذا الوطن في التوقع والتنبيه للمخاطر التي تهدده
.
ندخل إلي عالم ( ميكروفون
) عبر كاميرا شاب وفتاة يسعيان لصناعة فيلم يسجل الواقع باستخدام كاميرا
مخفية في علبة كارتون .ولكن هذا الالتزام بواقعية الصورة لا يلغي جمالياتها
ولاقدرتها المتمكنة علي التعبير عن الإسكندرية بأسلوبية جديدة وبتفاصيل بصرية معبرة ومؤثرة تصنعها رؤية المخرج المؤلف أحمد عبد الله وترصدها
بمهارة كاميرا طارق حفني التي تنجح في أن تجعلك تري المدينة التي صورتها
كاميرات كثيرة وكأنك تراها لأول مرة . فالتفاصيل البصرية الصغيرة تصنع لوحة
فسيفسائية للمدينة .
ولا شك أن تشكيل وتركيب
هذه القطع الصغيرة المتناثرة أنجزه المخرج بالتعاون مع المونتير البارع
هشام صقر لتجميع شتات هذه المواد التي من الواضح أن قدرا منها تحقق
بالارتجال والإبداع العفوي إلي جانب نسبة ليست بقليلة اعتمادا علي سيناريو
محكم ومحدد . إن هذا التوليف البارع وهذا المزيج الصعب جدا هوالذي يحقق
لهذا الفيلم أسلوبيته وحداثيته . والجميل انها نابعة من طبيعة موضوعه
وفكرته ذات الطابع المتشظي . فالشكل هنا لا ينفصل عن المضمون أوالموضوع
الذي يتشكل من خطوط وعلاقات تتجاور وتتقابل وتتوازي وتتقاطع لتشكل صورة
معبرة جدا عن الإسكندرية اليوم .. وعن قطاع من شبابها يواجه الرجعية والتزمت الاجتماعي
بالسعي وراء مزيد من الحرية .. والطموح في التحقق إبداعيا في مجالات الفن
المختلفة والحديثة.
حالة تعبيرية
تتسع الحالة التعبيرية للفيلم لتشمل جيلا بأكمله
من شباب المثقفين ومحبي الفن في حالة من الحصار يبحث عنهم ويتوغل في عالمهم
شاب عائد من أمريكا - خالد أبوالنجا - . وهويعمل مع مؤسسة تسعي إلي تشجيع
الفنانين في الإسكندرية ولكن هذه المؤسسة نفسها عاجزة عن أن تجد من
يشجعها . ومن خلال رحلة هذا الشاب الشخصية مع والده وخطيبته - منه شلبي -
أومع الفرق التي يتعامل معها تتشكل لديه صورة لكثير من المتغيرات التي
وقعت في الوطن . فبعيدا عن حالة الانفصال التي يعيشها مع والده وخطيبته ..
وبعيدا أيضا عن مشاهدات مستقلة من واقع الحياة المصرية مثل الشاب الواقف
أمام لوحة الدعاية لمرشح الانتخابات للحفاظ عليها وللترويج لصاحبها بالميكروفون .بعيدا عن كل هذا هناك بالأساس هؤلاء الشباب الذين يسعون إلي أي
وسيلة للتعبير عن أنفسهم حتي ولو بأغاني الهيب هوب بأسلوبها المستورد ،
ولكن بسهولة توظيفها للبوح عما يجيش في النفس كبديل عن صيحات الغضب وزفرات
الضيق .
يتواصل محور جديد ويتضح
في الصورة مع السعي إلي الإعلان عن هذه الفرق بالرسم علي الحوائط عبر المزج
بين فن الجرافيتي والبوب ومن خلالهما أيضا تتكامل فكرة كسر القواعد
التقليدية في الفن . فإذا كان فن الهيب هوب يتمرد علي فكرة التطريب
والقواعد الموسيقية والمعمار اللحني من أجل إتاحة الميكروفون لكل الناس
ليخرجوا ما في قلوبهم ببساطة فإن هذه الفنون التشكيلية هي أيضا ثورة في هذا
المجال علي الموروث لإتاحة مزيد من الحرية والإنطلاق في التعبير .
يصنع الفيلم مادته وأحداثه من خلال هذه الحكايات
وعلاقات هؤلاء الشباب ببعضهم وبأسرهم وبالمجتمع وفي صدامهم مع المسئولين الحكوميين وغير الحكوميين . وهو يختار هذه الحكايات بعناية
ويسردها باختزال وذكاء لتحتفظ بدلالاتها العامة دون أن تفقد طزاجة خصوصيتها
وتعبيرها العفوي عن هؤلاء الشباب بأسلوب أقرب للدوكيودراما أومزج الدرامي
بالتسجيلي . ويتم توظيف الفيلم داخل الفيلم في خدمة هذا المفهوم ببلاغة
شديدة . فالفيلم الذي يصوره الشاب والفتاة هوالمادة الأساسية للفيلم الذي
نشاهده . ولهذا فإن الخروج إلي حكاية الانفصال الذي يقع بين الشاب والفتاة
هوأكثر ما يضعف الفيلم ، خاصة مع اعتمادها علي أساليب تجريدية خالصة في
السرد . ولكن المخرج يحقق حالة من المصداقية للصورة والأحداث بالطابع
العفوي الذي يفرضه عبر وسائل عديدة سواء في اختيارات الممثلين الذين يلعب
بعضهم أدوارهم الحقيقية . بينما يؤدي بعضهم الآخر بتلقائية مدهشة وعلي
رأسهم هذا الممثل الرائع الذي أدي دور صالح رئيس المركز الوطني بالإسكندرية ..
والذي استطاع أن يقدم بامتياز نموذجا من المسئولين القادرين
علي إفشال أي تجربة وإخراس أي صوت بأساليب في منتهي الخبث والمراوغة .
حماسة شبابية
الشباب في فيلم ميكروفون قادرون علي أن يغنوا وأن
يبدعوا لكنهم لا يتمكنون من أن يرفعوا أصواتهم بالغناء أوأن ينشروا إبداعهم
أيا كان نوعه . إنهم في حاجة حقيقية إلي ميكروفون أو وسيلة لتوصيل أصواتهم
. ولكنهم في صدام دائم مع من يسعون إلي كتم أصواتهم في البيت وفي الشارع بل
وحتي في المؤسسات الأهلية . وهكذا يعبر الفيلم عن رسالته العميقة الموجهة
للمجتمع بأسلوب فني خالص وبمعادلات موضوعية في منتهي الذكاء والإتقان . لن
تجد في الفيلم عبارة واحدة مباشرة أوخطبة حنجورية من النوع المعتاد .
أوموقفا ميلودراميا يعبر فيه أحد الأبطال عن عجزه وفشله بالبكاء . بل ستشعر
بحالة من المقاومة وحماسة شبابية لا تلين نحونشر فنهم ومواجهة مشكلاتهم .
تمتد من بداية الفيلم حتي نهايته التي يتوجهون فيها إلي البحر حيث
يستطيعون أن يطلقوا أصواتهم بحرية مع أغنيتهم التي تؤكد علي إصرارهم
وصمودهم .
ويتمكن أحمد عبد الله عبر
البناء الدرامي والسينمائي بمونتاج بارع من أن يصعد بك في مشاهد ما قبل
النهاية إلي التوحد مع هؤلاء الشباب ومع حلمهم في تحقيق حفلهم . وفي مشهد
بارع يقع هؤلاء الشباب تحت حصار مادي يوازي الحصار المعنوي الذي يعيشونه
والذي يحرمهم من أي ميكروفون . وهكذا مع ذري متصاعدة يتنقل بك الفيلم لتتضح
الرؤي فتكتشف فجأة انك شاهدت تحفة سينمائية لم يكن ينقصها إلا أن تكون هذه
الموسيقي وهذا الأسلوب الغنائي نابعا من تراثنا . وطبقا للموقع الالكتروني
مصراوي فإنه في إحدي ندوات الفيلم يوم 17 ديسمبر قال المخرج احمد عبدالله
" فيلم ميكروفون يحاول أن يقرأ، أويحلل الوضع الحالي بالاستناد إلي ما سوف
يجري في المستقبل. نحن هنا الآن..
بسبب ما سوف يحدث". هل أدركت
عزيزي القاريء لماذا يستحق هذا الفيلم ومن الآن أن يكون في مقدمة أهم
الأفلام التي سيشاهدها جمهورنا في 2011 ؟.
جريدة القاهرة في
11/01/2011
«الشوق»
.. الرغبة في الطلوع لـ
«وش
الدنيا»
بقلم : غادة عبد المنعم
فيلم الشوق يذكرنا بجيل السبعينات، جيل مخرجي
السينما الأهم في تاريخ السينما المصرية، الجيل الذي تأخر كثيرا في إظهار
إبداعاته والذي متعنا بأفضل أعمال السينما المصرية، علي الإطلاق، خلال
الثمانينات وأوائل التسعينات (من القرن الماضي)، الجيل الذي مازال بعضه
يبدع أفلاما مهمة حتي الآن، والذي بمخرجيه المهمين كرضوان الكاشف وعاطف
الطيب وأسماء بكري ويسري نصر الله وداوود عبد السيد وغيرهم مثلوا أهم أجيال
السينما العربية.
خالد الحجر في فيلمه الشوق ومنذ اللحظات الأولي
يقدم للمشاهد فيلما يدلل أنه فيلم لخالد الحجر الذي ربما لا ينتمي سنا لجيل
رضوان الكاشف لكنه ينتمي فنا لسينما هذا الجيل، ففي فيلمه نشاهد كل سمات
هذه السينما، حيث تدور أحداث فيلمه في منطقة شعبية ساحرة، وفيها يتجلي سحر
سينمائي من صنع المخرج وما أبدعه من ديكوباج
(اختيار لزوايا الكاميرا ولقطاتها) في هذا الفيلم همَّ المخرج هو حبك سحر
سينمائي يأسر المشاهد به ويربطه بالحارة الفقيرة حيث تدور الأحداث، حيث في
المكان (البلاتوه) تمتزج جماليات عمارة غريبة وديكور شعبي بقصص تختلط فيها
الرغبة والحب بظروف الحياة التي تقيد الإنسان بضغوط بيئة متخلفة وفقيرة،
وحيث يسير الأبطال لقدرهم، ليتحولوا لضحايا، ضحايا صنعت قدرها بتخلفها
وجهلها، فالبطل - هنا - يجتهد دائما ودون مقاومة ليصل لنهاية مشئومة يدفع
نفسه ويدفعه لها مجتمعه.
حميمية المكان
وسحر هذه السينما يتجلي في حميمية المكان الذي
تدور فيه الأحداث، وفي الابتعاد عن الوقوع فريسة للميلودراما الكئيبة التي
كان من الممكن أن يساق لها السيناريست وهو يطرح قصة تدور في بيئة فقيرة، مع
الحفاظ علي حس قدري تتسم بها الحياة في المجتمعات المتخلفة وإلي جوار كل
ذلك ترك المجال للكاميرا لتتمكن من أسر المشاهدين
بجماليات الرؤية حيث الاهتمام
بمكونات الكادر وزواياها التصوير والإضاءة وحركة الكاميرا.
في فيلم الشوق أيضا نجد هذا التركيز علي الرغبات
الأساسية للمحرومين من لقمة العيش، المحرومين من قوت اليوم من الخبز ومن
الحب، وكما هو الحال في هذه النوعية من السيناريوهات يكمن التهديد الذي
يؤرق الأبطال في الناس، في المحيطين بهم، في ما يمثله كلامهم، وما يلوكونه
من سيرة غيرهم من سلطة، في الخوف من تدخلهم، انه الواقع المصري الذي يحول
الحياة في إحيائنا الشعبية وريفنا لعبء ثقيل، الواقع الذي كان حلم جيل
السبعينات من السينمائيين أن يساهموا في تطويره - ربما - ، إلي هذه الخلطة
يضيف السيناريست سيد رجب سحراً جديداً لفيلمه متمثلا في الفكرة الغريبة
الجديدة سينمائيا، حيث يدور الفيلم حول (الشحاتة/ الممسوسة من الجن) وتؤدي
دورها سوسن بدر قارئة الفنجان الممسوسة بالعفاريت، والتي يموت ابنها المريض
دون أن تتمكن من توفير
العلاج له فتذهب للقاهرة للشحاته، وفي رحلاتها المتكررة ما بين القاهرة
والإسكندرية، تترك عبء بناتها لأب لا شخصية له، تتركهم تحت عبء رغبات
المراهقة، والفقر، وعلاقات الحب الفاشلة، وطموحاتها التي بلا حد، تتركهم
بلا أمل في حياة أفضل، وعندما تتمكن أخيرا من تكوين ثروة من الشحاتة تغنيها
وبناتها، وبعدما تعتقد أنها قد استطاعت تحقيق الأمان تفاجأ بكل ما تمنته
وهو ينهار أمامها.
ارتباك السيناريو
الفكرة جديدة، وربما لأنها جديدة أدت لبعض الإرباك
لدي السيناريست أثناء معالجته، حيث لم يضئ له سيناريست سابق الطريق لكيفية
تجسيد شخصية الممسوس (ربما غير مشاهدات عابرة له)، لذا ففي تصوري فان هذا
الفيلم المتميز لا ينقصه سوي بعض هنات في السيناريو حيث جاءت الشخصية
الرئيسية مرة مستغرقة في معرفتها وتصرفاتها كممسوسة، ومرة طبيعية لا معرفة
لها بالغيب، وكأن لا مس فيها، حتي
أننا نسينا في منتصف الفيلم أنها
ممسوسة، نتيجة عدم تذكير السيناريو لنا، حيث بدا كأن السيناريست يوحي لنا
في نهاية الفيلم بأن بطلته تدعي مسألة المس وقراءة الطالع برمتها ثم فاجأنا
في المشهد الأخير بعكس ذلك، هذا بالإضافة لميل السيناريست للتورط في
الميلودراما والذي يرجع لخبرة هامشية ربما بحياة الحواري حيث يحتمي البشر
فيها من عبء الفضيحة بقدرتهم علي كشفها، أضف لذلك ميل ضئيل للشرح - التفلسف
- في فيلم ليس هذا أسلوبه وهو ما جاء مرارا علي لسان الطالب الجامعي، والذي
بدا كأنه إحدي شخصيات أفلام عاطف الطيب مقحمة في فيلم لرضوان الكاشف
جائزة التمثيل
بالإضافة لتلك الهنات بالسيناريو والتي كانت لتكون
مقبولة وغير واضحة في فيلم أقل مستوي من هذا الفيلم، فان أقل عناصر الفيلم
جودة كانت موسيقاه التصويرية، أما أهم وأفضل حسناته بالإضافة لتميز عمل
المخرج فقد كانت إظهار مواهب فريق متميز
من الممثلين حيث قدم العديد من
الممثلين أداء مناسباً جدا بل ومتميزاً ولن أتكلم كثيرا عن احمد عزمي فقد
أكد موهبته في الكثير من الأفلام ولا عن أداء سوسن بدر التي اجتهدت كثيرا
واستحقت جائزتها التي نالتها في مهرجان القاهرة السينمائي كأفضل ممثلة،
فضلا عن الجائزة التي نالها الفيلم كأفضل فيلم في المسابقة الكبري، ولو كان
قد تم تقديم سيناريو أكثر حبكة لسوسن بدر لخرج أداؤها ها يماثل الكمال حيث
تشتهر بأنها ممثلة لا خامة لها فهي تتقبل خامة الدور ونصائح المخرج وتظهر
دائما كأنها من خامة الشخصية التي تؤديها، كذلك لن أتكلم كثيرا عن أداء
سلوي محمد علي ذات الأداء البسيط المريح والمتمرس، لكني أرغب في الإشادة
بمجموعة الممثلين المساعدين جميعا، والذين لا أعرف أسماء العديد منهم، كل
من قاموا بأدوار الجيران وأبناء الحارة قدموا أداء جيدا، وكذلك سيد رجب
الذي تميز تماما في دور الزوج والذي بدي طبيعيا جدا كأنه مولود في هذه الحارة، أرغب أيضا في الإشادة
بالممثلة الشابة ميرهان والتي قامت بدور الابنة الصغري، والتي كان اختيار
المخرج لها مناسبا جدا، حيث قدمت أداء طازجا وعميقا لدورها وكذلك روبي التي
ربما لم يتوقع الكثيرون منها هذا الأداء المتميز.
جريدة القاهرة في
11/01/2011
«قلب
ميت».. ينقذ السينما من
أزمتها
بقلم : نسرين السعداوي
عملية الإنتاج السينمائي هي الشريان الأساسي ونبض قلب العملية الإنتاجية
السينمائية مما كان له أثره علي أفلام مهمة فرضت وجودها في تاريخ السينما
العربية وكانت بمثابة ضخ دماء جديدة بإتاحة فرصة عمل لمجموعة كبيرة من
الشبان المبدعين في هذا المجال ولكن في الآونة الأخيرة اقتصرت العملية
الإنتاجية علي شركات بعينها أصبحت هي المسيطرة والمهيمنة علي مقاليد
السينما المصرية من استديوهات ودور عرض وعمليات توزيع ونتيجة ذلك خلق فجوة
وهوة إنتاجية تفاقمت تدريجيًا إلا أن وصلت هذه السيطرة إلي الممارسات
الاحتكارية وكان ذلك له أثر سيئ وضرر بالغ علي أصحاب دور العرض وتعثرت بعض
شركات الإنتاج ماليًا فمنها من توقف عن عملية الإنتاج ومنها من هرب خارج
البلاد وجاءت شكوي أحد المستثمرين عمرو عثمان إلي جهاز حماية المنافسة ضد
الشركات المحتكرة كالطامة الكبري التي فجرت براكين الثورة والغضب لدي
المتضررين من سيطرة هذه الشركات التي فرضت علينا أيضًا كجماهير نوعية معينة
من الأفلام والأفكار قد تكون أحيانًا شاذة عن مجتمعاتنا المصرية وغريبة عن
أفكارنا وعاداتنا السينمائية ولذا تأثر الفيلم المصري بالسلب ولم يعد
يستطيع منافسة أفلام المهرجانات الدولية كما كان يحدث من قبل وهذا في حد
ذاته يعتبر كارثة سينمائية في هوليوود الشرق مصر.
فلماذا
احتكار شركات بعينها لعملية الإنتاج؟!
العصر الذهبي
في
البداية يحدثنا المنتج محمد حسن رمزي:
-
السينما كانت في عصرها الذهبي في الخمسينات والستينات وكان الإنتاج غزيرًا
ولكن عندما لحق التأميم هربت شركات الإنتاج التي كانت وقتذاك مسيطرة علي
الإنتاج السينمائي وباعت كل ما تملك من مشروعات سينمائية للقطاع العام
ولجئوا للعمل في لبنان بعد ذلك حدثت انتعاشة إنتاجية سينمائية في
الثمانينات نتيجة
الانفتاح الاقتصادي والتغيرات الاجتماعية التي طرأت فجأة علي المجتمع
وأصبح كل من هب ودب ينتج سينما من أجل التجارة دون النظر إلي المستوي
الفني وأطلق علي هذه الأفلام بأفلام المقاولات وبعد دخول النت وإنشاء
الفضائيات التي سحبت البساط من تحت أقدام المنتجين رأت شركات الإنتاج أن
مستقبلهم في العمل السينمائي غير مؤكد ولم يعد الإنتاج هو الورقة الرابحة
فقد كان هدفهم الربح المادي فقط ولذا انتهت شركات الإنتاج القديمة التي كان
هدفها الأساسي المستوي الفني، وكذلك هروب شركات إنتاج أفلام المقاولات ولم
يبق وقتذاك غير شركات القطاع العام التي فشلت لأنها لم تمارس عملية الإنتاج
بشكلها الصحيح بالإضافة إلي التكلفة الإنتاجية الضخمة وارتفاع أسعار النجوم
التي وصلت إلي ثلاثة أرباع الميزانية..
فصل الإنتاج والتوزيع
يعلق
النجم حسين فهمي علي ذلك بقوله:
-
ضرورة فصل عملية التوزيع عن عملية الإنتاج وعن دور العرض ليصبح كل منها شركة
مستقلة وهذا يشجع بعض شركات الإنتاج للعودة وقبل هذا وذاك إذابة العوائق
بين القطاع العام والحكومة حتي تعود إلي عملية الإنتاج بشكل أكثر موضوعية
وفاعلية.
الاحتكار
ويعلل
المخرج خالد يوسف احتكار شركات بعينها للإنتاج: يرجع إلي سلطات حكومية عليا
بفرض قرار بذلك ولذا أدي إلي ضعف المراقبة وفقدان المنافسة وكان ذلك له أثر
في هبوط وتدهور الفيلم المصري وأهمله السوق الداخلي والخارجي وأعتقد أيضًا
أن السبب الأساسي هو نظام اقتصادي فاشل وسياسة مصالح.
مصروفات إضافية
يشير
المنتج محمد العدل إلي:
-
المصاريف الإضافية المفروضة علي السينما لا علاقة لها بالإنتاج وتضارب
سياسة وزارة الثقافة بالإضافة إلي انعدام التخطيط والتنظيم وعدم الاستقرار
وضياع المسئولية وعوائق وقوانين وسيطرة وهيمنة إنتاجية ضد أي شركة إنتاج
وأنا شخصيًا تعرضت لهذه السيطرة عندما أنتجت
فيلم «ولد وبنت» وكل نجومه وجوه جديدة ابتداء من المخرج مرورًا بالمؤلف
وختامًا بالممثلين وفوجئت بوقف عرض الفيلم بعد أيام من عرضه دون سبب رغم أن
الفيلم عندما عرض بالثقافة الجماهيرية لاقي نجاحًا فنيًا وجماهيريًا وقال
عنه الناقد طارق الشناوي إنه بمثابة انطلاقة سينمائية جديدة شكلاً وموضوعًا
وتكتيكًا.
التوزيع الداخلي
تري
النجمة يسرا:
-
انكماش حركة التوزيع الداخلي بسبب الفضائيات والمواقع التي تعرض الأفلام
الجديدة في نفس توقيت عرض الأفلام بالسينما وانعدام التوزيع الخارجي الذي
كان بمثابة الشريان الأساسي لعملية الإنتاج والتي كانت تساعد بالتمويل أو
الضمان ابتعدت هي الأخري عن السينما خوفًا من العثرات المالية التي قد
تصادفها نتيجة الركود الداخلي والخارجي.
نظام فاسد
يقول
المخرج شريف عرفة:
-
إفراز النظام الفاسد فرض نفسه علي العلاقات والآليات السينمائية التي ضاعت
منها المسئولية وبعض شركات الإنتاج التي اقترضت
من البنوك بفوائد باهظة ولم تحقق الأفلام الإيرادات المطلوبة وصدرت ضدهم
أحكام بسبب ديونهم ولذا هربوا خارج البلاد والشركات كانت تمتلك سيولة لازمة
لدفع عملية الإنتاج ولكن في وقتنا هذا التكلفة السينمائية أصبحت ضخمة
جزئيًا وكليًا والكل يخشي الخسارة لأن عملية الإنتاج تحتاج إلي قلب ميت
يستطيع أن يقاتل في جبهة لا ترحم ومسيطرة علي كل شيء ابتداء بدور العرض ثم
عملية التوزيع حتي في وضع القوانين لأنهم أغلبهم أعضاء في غرفة صناعة
السينما.
تكلفة باهظة
يؤكد
النجم نور الشريف علي:
-
التكلفة الانتاجية الضخمة التي اجتاحت السينما بصورة لم يسبق لها مثل ورفع
النجوم أجرهم دون مبرر وأنا عندما قمت بالإنتاج لم تكن التكلفة بهذا التضخم
الذي نجده بالإضافة إلي اختلاف الوضع فالفيلم المصري كانت تتهافت عليه دول
الخليج ولكن بسبب دخول الفضائيات ومواقع النت فالكل يشاهده وفي نفس توقيت عرضه بالسينما وكذلك
الجماهير تفضل مشاهدته معًا دون الذهاب للسينما ولذا تراجعت الإيرادات جدًا
وهرب المنتجون خوفًا من الخسارة واقتصار الإنتاج علي شركات بعينها
لامتلاكهم تمويل من الخارج يستطيعون به مجابهة الخسارة.
متغيرات دولية
يواصل
المنتج وائل عبدالله الحديث بقوله:
-
لكل زمان له الصفوة الخاصة به تبعًا للمتغيرات التي من حولنا والنظام
الاجتماعي السائد في هذا التوقيت وهذا العصر الذي يشجع علي توجيه
الاستثمارات بهذا الشكل ونحن كمنتجين يهمنا في المقام الأول الحفاظ علي
جودة الفيلم المصري واستمراريته لأننا في الأصل مصريون ومنتجون لأفلام
مصرية وهذه ماهية وجودنا يعني مهمتنا الأساسية الحفاظ علي استمرارية عرض
الفيلم المصري بدلاً من عرض الأفلام الأمريكية التي انتشرت في فترة ما مما
كان له الآن في تراجع الفيلم المصري.
اغتصاب قومي
يستطرد
الناقد رفيق الصبان الحديث بقوله:
-
نحن نعيش الآن عصر اغتصاب قومي وطبقي في كل المجالات وهذا ليس بغريب عن
السينما التي هي ترجمة طبيعية للحياة الواقعية فلماذا نتوجه بنظرنا فقط نحو
السينما فالمسرح أيضًا به هيمنة وسيطرة من مجموعة يتحكمون في عروضه
واحتكارية من فنانيه ومخرجيه ومؤلفيه ولم يسمحوا بأي جديد يقتحمهم ولذا
فالمسرح في حالة ركود واندثار المسرح الخاص بنفس هذا السبب وكذلك في الحقل
الغنائي فالموسيقي معظمها إما مستوحاة من تراثنا الشرقي القديم مع بعض
التعديلات الإيقاعية بواسطة التكنولوجيا الحديثة وإما تقليد بالمسطرة
لموسيقي تركية وإسبانية وأوروبية حتي في حياتنا العملية فالوساطة
والمحسوبية هي الاحتكار السائد دون الاعتبار للكفاءة الفعلية وهذا الاحتكار
موجود بكثافة في كل المجالات ولذا حدث تفاوت طبقي وفجأة فرضت طبقة نفسها
علي السطح دون جذور تتحكم في مصير الشعب واضطهاد
المرأة ونحن في القرن الـ 21 والمطالبة بحجبها عن الحياة وإبعادها عن
الانتخابات البرلمانية وهي التي كانت في أوج مدها وازدهارها في القرن الـ
20 وأنا أري أن غياب العدالة الاجتماعية في كل القطاعات هو السبب الرئيسي
لوجود الاحتكارات ومصطلح «احتكار» يعني قهر الآخر.
ولكن
النجم محمود ياسين يرد علي ذلك بقوله:
-
صناعة السينما المصرية تعرضت لتغيرات هيكلية ووضعت في أيدي وملكية طبقة
معينة تعبر عن رؤية، وموقف ومفاوضات أيديولوجية طبقية بين ما يسمي بالثقافة
الهابطة وثقافة الصفوة أي ما بين الارتكاز علي القدر والإيمان بالمسئولية
البشرية وبين طموحات البرجوازية الصغيرة وهذا بدوره أدي إلي صراع وائتلاف
في نفس الوقت مما كان له الأثر في تشكيل جوهري للسينما كالتنفيس عن الكبت
والتعبير عن أحلام الصعود الاجتماعي الذي يحلم به الشباب واستثمار مناخ
الحرية هو الذي ساعدهم من جهة والكفاءة التكنولوجية والوحدة القومية في الساحة الدولية من جهة أخري لم
يستوعبها الكثير من المنتجين ولذا لم يستطيعوا مواكبة التطورات السريعة
التي طرأت اجتماعيًا وكان من الطبيعي أن يحدث هذا الركود والتراجع عن
الإنتاج السينمائي.
جريدة القاهرة في
11/01/2011 |