هي أكثر نجمات جيلها إثارة للجدل وذلك لأنها تقدم دائما غير المألوف،
فكانت جريئة جدا في أول أفلامها "الساحر" وهي لم تتعد العشرين، وتقوم
الدنيا عليها وتتهمها بالإساءة للزي الإسلامي في "ويجا"، ثم تقف أمام
العملاق يوسف شاهين في "هي فوضي" وتخطب لتلميذه خالد يوسف، وتنفصل، ولاتزال
تواجه الشائعات بقوة.
هي الآن توشك علي الانتهاء من تصوير فيلمها " بيبو وبشير" مع الفنان
آسر ياسين، وتجسد فيه فتاة تأتي من احدي المحافظات الي القاهرة للبحث عن
عمل
وتتعرض للعديد من المواقف غير المتوقعة، هي
أيضا تنتظر
عرض فيلمها الجديد "إذاعة
حب"، وهي
أيضا
من اختيرت كسفيرة للنوايا
الحسنة
للتوعية من
خطر
مرض الإيدز ، وعلي
جانب آخر هي
تنتظر
إشارة
من المخرج
يسري
نصر الله للبدء في
تصوير
فيلم "مركز
التجارة العالمي"
الذي
تشارك فيه الفنان محمود حميدة.
هي منة شلبي .. التقيناها ودار الحوار
·
حدثينا عن دورك في فيلم "إذاعة
حب"؟
>> أقدم في الفيلم دور "ليلي"، وهي صحفية في مجلة شبابية، ويشاركني
العمل بها "فريدة" التي تلعب دورها يسرا اللوزي، وتلتقي شريف سلامة الذي
يؤدي دور ممثل يقوم بتركيب صوته كدوبلاج علي أفلام ومسلسلات الرسوم
المتحركة، وينتقل بعدها للعمل كمذيع في إذاعة اسمها "صوتنا"، وهكذا تتصاعد
أحداث الفيلم من خلال قصة حب تنشأ بينها وبينه.
·
هل صحيح أن هناك مشاكل بينك وبين
يسرا اللوزي ومني هلا كما ردد الكثيرون بسبب الغيرة؟
>>
لا
توجد غيرة ولا مشاكل، لكننا نتنافس تنافسا فنيا شريفا
يستفيد منه الجمهور
والفيلم
بالطبع، وكلنا نكمل بعضنا البعض، ولو
لم
توجد كيمياء بيننا كممثلات لما
وجدنا معا".
·
يقولون أيضا إن الدور
الذي
تجسدينه
في
فيلم "بيبو وبشير" هو
في
الأصل دور
دنيا سمير غانم؟
>>
الدور في البداية ومنذ فترة طويلة كان معروضا علي،
وبالفعل كنت سأبدأ تصوير الفيلم، لكنني اضطررت للاعتذار بسبب حاجتي للتركيز
مع المخرج يسري نصر الله في فيلم "مركز التجارة العالمي"، ومن هنا كان
ترشيح "دنيا"، وعندما قرروا البدء في تصوير "بيبو وبشير" كانت "دنيا" قد
انشغلت بفيلمها مع أحمد عز، وعادوا لعرض الفيلم علي مرة أخري خصوصاً بعد
تأجيل "مركز التجارة العالمي"، ومن هنا وافقت عليه.
·
هل الفيلم له علاقة بالمباراة
الشهيرة 6/1؟
>>
الفيلم لا علاقة له بهذه المباراة، فهو فيلم
رومانسي كوميدي ألعب فيه دور فتاة تدعي "بيبو"، ويلعب آسر
يس دور "بشير"،
وهو من إخراج مريم أبوعوف، وكتبه هشام ماجد
وكريم
فهمي، ومعنا عزت أبو
عوف وصفية
العمري
والمخرج
الكبير محمد خان
ويؤدي
دور ضيف
شرف.
·
ماذا تقولين عما
تردد عن أنك ستتخلين عن وضع
مساحيق التجميل من أجل
المصداقية في
تقديم شخصيتك في
فيلم
بيبو وبشير؟
>> ليس في بيبو وبشير فقط بل في كل أفلامي تقريبا
لا أضع سوي قليل من الماكياج، وسبق وتخليت عنه تماما في فيلم "ويجا"، وكذلك
فيلم "الأوله في الغرام"
وغيرهما من الأعمال، كما أنني أتخلي عنه تماما بعيدا عن التصوير، وليس معني
التخلي عن الماكياج في عدد كبير من مشاهد العمل، أنني أهمل في مظهري من أجل
تقديم شخصية الفتاة الجادة؛ حيث هناك فتيات جادات كثيرات، وفي الوقت نفسه
غير مهملات في مظهرهن، الرتوش التجميلية ليست كل شيء في حياة أية فتاة،
ولكن هناك بعض المشاهد التي تستدعي وضع الماكياج بالطبع.
·
هل تحبين أن
تقدمي
أدوار الكوميديا؟
>>
نعم ولكن كلا من "إذاعة حب" و"بيبو وبشير" أفلام
رومانسية اجتماعية كوميدية، بمعني
أني
سأجسد
حياة الفتاة العادية،
فتحدث مواقف
طريفة تبعث علي
الضحك
بيني
وبين
من
أحب، أو بيني
وبين أصدقائي، وليس معني
تقديمي
الكوميديا أني
سأضحك المشاهد
مثلما يعتقد بعض الناس.
·
هل صحيح أنك رفضت فيلم "بابا
مصاحب" أمام النجم محمود عبدالعزيز؟
>> هذا الكلام لم يحدث، والعمل لم يعرض علي من الأساس، ولو عرض سأوافق
عليه فورا؛ لأن العمل مع النجم الكبير محمود عبد العزيز ولو في مشهد واحد
مكسب كبير، ويكفي أن له الفضل مع المخرج رضوان الكاشف في ظهوري من خلال
فيلم (الساحر) الذي كتب شهادة ميلادي الفنية.
·
هل للرقابة دخل في تأجيل تصوير
فيلم "مركز التجارة العالمي"؟
>>
لا دخل للرقابة علي المصنفات الفنية في شيء، ولا
أعلم تحديدا متي سيبدؤون تصويره.
·
وماذا عن شركة الانتاج التي
أسستها بالفعل؟
>>
هي
شركة كونّاها نحن كمجموعة أصدقاء وفنانين معنيين بالهم
السينمائي، ويشترك
فيها معي
النجمة
هند صبري
وخالد أبوالنجا وبسمة، وبرغم كوننا محترفين لكننا
نتعامل معها بروح
الهواية، ونحاول
دوما أن نتعلّم الجديد
من خلال الاطّلاع علي
الثقافات، ونحاول توفير تمويل خارجي من خلال المهرجانات والشركات الكبري في
العالم للسيناريو الذي قد لا تغامر الكيانات السينمائية بإنتاجه، وخصوصا
أنه قد لا يحقّق الربح، وكل ما نقوم به هو دور تكاملي مع الشركات الكبري
لسد ثغرة صغيرة موجودة في الجدار السينمائي، وأيضا محاولة توفير فرص حقيقية
للممثلين المصريين، وهو ما تحقق بالفعل مع اثنين من الممثلين لن أذكر من هم
حاليا.
·
هل تم الاستقرار علي عمل ليكون
باكورة إنتاج الشركة؟
>>
نحن لم نبدأ نشاطنا كله بعد، ونحتاج لوقت، وكل ما
نقوم به حاليا هو توفير تمويل لأفلام جيدة ومختلفة ذات أفكار عالية، ولن
نتحدّث عن أي
شيء
يتعلّق بها إلاّ
عندما
يكون هناك شيء ملموس، ولن أستطيع الكلام عن
شيء لم أقُم
به، ويكفينا
شرف المحاولة لو لم نستطِع.
·
وقفت أمام المخرج الراحل الكبير
يوسف
شاهين ومن قبله
أمام الراحل رضوان
الكاشف ومثلت مع نجوم كبار مثل محمود عبدالعزيز ومحمود حميدة ويحيي
الفخراني، ولكن لماذا اخترت العمل مع تامر حسني رغم أنه لا يقدم سوي
الأعمال التجارية وهو عكس ما تسعين إليه؟
>> أعرف أن الناس تعجبوا من عملي مع تامر حسني،
لكني أؤكد أن هذا أهم فيلم في حياة تامر، والأفلام ليست مثل الجوابات، فلا
يحكم عليها دائما من عنوانها، ويجب أن يفهم الجميع انني لم أكن لأوافق علي
العمل مع تامر حسني لولا أن الدور والفيلم ككل مختلف ومهم، فأنا لست في
حاجة إلي شهرة تامر حسني لكي أعمل معه، ولا محتاجة فلوس أيضا لكي أوافق علي
تقديم فيلم لست راضية عنه، فأنا لا «أنحت» في العمل ولا أقدم إلا الأعمال
التي
أراها من وجهة
نظري
بها قيمه ما.
·
هل توافقين
علي
مصطلح السينما النظيفة؟
>>
لا
يوجد شيء
اسمه سينما نظيفة وسينما
غير نظيفة، وإذا كان المقصود به الإغراء فإذا
كان
يخدم
العمل
فلا عيب، فمثلا أنا في
فيلم الساحر كنت مازلت تحت سن العشرين وكنت أقدم دور فتاة مكبوتة جنسياً
ولم يكن الفيلم فيه إغراء للدرجة التي وصفها به النقاد لأن شخصية الفتاة في
هذا الفيلم كانت لابد أن تقدم بهذا الشكل، أنا لا أحب أن احصر نفسي في
أدوار معينة ولكني أريد أن أقدم كل الشخصيات التي تصادفنا في الحياة وليس
فقط دور الفتاة العاشقة ذات التجارب العاطفية العديدة ، وأحب أن أقدم دور
الفتاة الشقية وبنت البلد وطالبة الجامعة وهكذا.
·
كلهم أولادي، أعلم هذا الرد ولكن
بالتأكيد هناك فيلم تحبين أن تشاهديه كثيرا؟
صدقني كل أفلامي أحبها ومازلت استمتع بردود أفعال الناس حولها مثل
"ويجا"
و"انت عمري"
و"الأوله في
الغرام"
و"كده رضا" و"أحلي
الأوقات" وطبعا "هي
فوضي"
·
هل تتشاورين مع
والدتك الفنانة
زيزي
مصطفي
في
أعمالك؟
>>
أمي
هي
كل شئ بالنسبة لي
وأنا أتشاور معها في
اختيار
بعض الأدوار والملابس وكثير من
التفاصيل لأستفيد
من
خبرتها.
·
متي
شعرت أنك
نجمة؟
>> وأنا طفلة شعرت بأني نجمة مشهورة ومعي فلوس
كثيرة وأمضي عليها رغم أن مصروفي كان ربع جنيه.
·
هل تعطين لنفسك ترتيبا بين بنات
جيلك من النجمات السينمائيات؟
>> لا أحب الترتيب والتصنيف، لأننا بشر لنا مشاعر وأحاسيس وأفكار
تختلف من شخص لآخر، وأحب أن أجد نفسي ناجحة في أدواري بدون أن أكون الأولي
أو الثانية أو الثالثة، وأري في بنات جيلي تفوقا وأداء غير مسبوق، وأحب
مشاهدة أعمال مني زكي وغادة عادل وغيرهما.
·
هل تنال منك الشائعات؟
اعتدت علي الشائعات خاصة التي تزوجني من الوقت للآخر، كل ما أقرأ خبرا
في مجلة أو جريدة
يكون حول خطوبة منة
شلبي
ثم انفصال ثم خطوبة ، وهذا الأمر لا
يتعلق بي
فقط
بل بمعظم الفنانين.
·
ومتي
ستدخل
منة عش الزوجية؟
>>
الحقيقة نفسي
كما
أن والدتي
تتمني
أن تراني
في
بيت العدل وأن
تكون حياتي
مستقرة مثل أي
أم، ولكن
كل
شيء
قسمة ونصيب
وأنا انتظر نصيبي
مع
إنسان يفهمني ويقدر طموحي، حاليا لا أفكر في أي شيء سوي عملي
فهو أصبح جزءا أساسياً من تكويني ولو
طلب مني أي إنسان سيرتبط بي
أن
أعتزل سأقول له : مع السلامة باي باي، طموحي الفني لم ينته ومازال عندي
كثير أحب أن أقدمه ، وأتمني أن أستمر كما أنا وأن أكون نمرة واحد عند نفسي
وأن أحوذ علي احترام الناس وحبهم لي .
·
هل توافقين أن يكون شريك حياتك
نجماً من نجوم السينما؟
>>
كل النجوم الشباب لا يصلحون لي لأني لا أري فيهم
الشخص المناسب لشخصيتي فهم كلهم أخوة لي.
·
هل تحرصين علي أن تعملي مع
مخرجين مختلفين؟
>>
الحمد لله دائما
أوفق وتكون اختياراتي
مع مخرجين مختلفين، وهذا
يشبع لي
رغبة كبيرة
جدا في
العمل،
كما أن ذلك
يظهرني
دائما
بشكل
مختلف،
ولا
أكون مكررة في
اعمالي،
لذلك أحرص
دائما علي
أن أخرج في
كل عمل
أقدمه
بعين مخرج مختلف
عن الآخر، وهذا ليس
معناه أنني
أرفض
تكرار العمل مع نفس المخرج، ولكن معني كلامي أنني لا أحب أن أعمل فقط مع
مخرج واحد.
·
من هو المخرج الذي تودين العمل
معه في كل أفلامه؟
>> يسري نصر الله من أكثر المخرجين الذين أحب أن أعمل معهم وأخته مدام
ناهد نصر الله صديقتي وهي مصممة أزياء وأنا اعتز بصداقتهما لي .
·
هل تشعرين أنك في أفلامك تقدمين
للشعب المصري شيئاً ذا فائدة؟
>>
هناك مساحة من الجرأة في أعمالي وهذا يتحتم علي أن أفرض علي من أمامي أن
يحترمني ولا يراني كمجرد بنت حتي لا يسرح بخياله في مناطق أخري، ففي مصر
رغم مساحة الحرية إلاّ أن هناك بعضاً من الكبت ومن واجبي كفنانة أن
أكون مسئولة علي
مواجهة أمراض الناس
المكبوتة وأواجه معاناتهم.
·
ماذا تقولين
عن
اختيارك سفيرة للنوايا
الحسنة
من قبل
الأمم
المتحدة للحد من انتشار مرض الايدز؟
>>
بالتأكيد
يحملني
مسئولية
العمل علي
منع زيادة عدد المصابين
بالمرض
في
مصر من
خلال مشاركتي
في
حملات التوعية عن المرض والتعريف بطرق الإصابة به والتي يجهلها
غالبية
الشعب المصري.
·
هل تفكرين في ارتداء الحجاب؟
>> إن الحجاب يعتبر حرية شخصية ومن خصوصيات الإنسان ولا
أحد يستطيع التدخل فيها أو الاقتراب من هذه المنطقة وينبغي أن يعرف الجميع
من إعلاميين وجمهور وفنانين خطورة التعرض لهذه الأمور الحساسة جدا، فلو
ارتديت الحجاب لن امثل وسأبتعد فورا عن الساحة الفنية وأعيش حالة مختلفة.
·
الكثير من الناس لا يعرفون شيئا
عن أسرتك؟
>>
أنا خالة وعمة وأمارس دور الأمومة مع أبناء أخي
وأبناء أختي، وهذا يسعدني كثيرا.
جريدة القاهرة في
28/12/2010
«مولانا»..
إعصار يتسلل إلي شرايين
المشاهد
بقلم : رفيق الصبان
هذا الفيلم القصير .. آخر ما أخرجه مخرج الجوائز «عزالدين سعيد»
يجتاحك كالإعصار يتسلل إلي قلبك وشرايينك رويدا رويدا.. ثم يفجر بيها
الدماء الساكنة .. فتري الدنيا حمراء من خلالها.. لا يتركك في حالك شأن
الكثير من الأفلام التي نراها .. والتي تتقاطر علينا كحبات مطر لا طعم لها
ولا لون .. بل يسيطر عليك وعلي أفكارك وأحلامك.. ويدفعك إلي أن تفكر في
نفسك في طفولتك في معتقداتك .. وفي الآخرين وفي علاقتك بربك وعلاقتك بمن
يحملون اسمه وعلاقتك بمجتمعك وبمن يمثلونه.
ملامح الاشياء
المخرج الشاب أهدي
في
فيلمه إلي
يوسف إدريس وقصة «سره الباتع» وهو إهداء في
محله، لأن روح يوسف إدريس تسيطر تماما
علي
الأحداث.. وكما في
عالم يوسف إدريس تتغير ملامح الأشياء التي
اعتدنا أن ننظر
إليها، وتتغير زوايا النظر وتتبدل الأحكام المطلقة المتعارف عليها .. إلي
خضم مضطرب من الأفكار التي تتصارع.. ويحاول الجديد منها أن
يلقي ستارا كثيفا علي هذا القديم والمتعارف.
عالم يوسف إدريس ونظرته العقلانية التي تختلط بها القسوة المفرطة
بالحنان المتدفق لم تكن غريبة علي دنيا «عزالدين سعيد» في أفلامه الأولي..
التي اعتمدت في معظمها علي قصص لنجيب محفوظ .. عرض معظمها في مهرجانات
الاعلام العربي ومهرجانات الأفلام القصيرة في مصر وخارج مصر.. ونالت جوائز
شتي وفتحت دوائر للنقاش الحار بين متحمس حتي الثمالة وبين رافض لهذا
المتمرد الشاب الذي يحمل عاليا راية العصيان، وهكذا مثلا رأينا «الغرفة رقم
14» بكل ميتافزيقيتها
والزيارة بكل غرائبها والسلطان وكلها
مأخوذة من
قصص قصيرة لنجيب محفوظ أدخلها المخرج في
بوتقته الخاصة لتخرج علينا حاملة روح الكاتب
ولكنها مزركشة ومزينة بكل موهبة المخرج والمعد.
كثير من أعمال نجيب محفوظ ورواياته وقصصه
القصيرة، نقلت إلي
السينما وإلي التليفزيون ولكن هذه القصص عندما دخلت إلي ضمير
عز الدين سعيد تفاعلت بطريقة أخري .. وبمنهج مختلف وبأسلوب يحمل عطره الخاص
وتأثيره القوي.
الدراما السوداء
وإذا كانت الصفقة وهي واحدة من أواخر أعماله .. قد اعتمدت هذه المرة
علي «بعثه» إن جاز هذا التعبير لأبي القيم الجوزية قد حققت نجاحا في مهرجان
للأفلام القصيرة في باريس، فأنا أعتقد أن «مولانا» وهو عمله الروائي القصير
الأخير الذي يقدمه لنا قبل أن يدخل عالم التليفزيون بمسلسل طويل يحكي حياة
نجيب الريحاني، وأنا حقا شديد الفضول لأري النظرة التي سيقدمها هذا
المخرج الغارق حتي
أذنيه بعالم الدراما السوداء التي
تقترب
أحيانا من حدود التراجيديا .. ومن التعبير الساخر الذي
يصرخ بعذابات
القلب.. أكثر مما يثير الضحك والابتسام في
عالم الريحاني ..
الذي
سيقدمه لنا
كعادته من خلال ايقونته الساحرة الخاصة به.. كما فعل مع يوسف
إدرس ونجيب محفوظ.
أما عالم السينما فينتظره في فيلم طويل باسم «للبيع» كتبه محمد الدرة
«وهو بالطبع لا يمت بصلة إلي الشهيد الفلسطيني الصغير .. الذي أثار مشهد
مقتله العالم أجمع».
تدور أحداث «مولانا» في قرية مصرية صغيرة علي ضفاف النيل أو أحد فروعه
قرية شأن كل القري.. يتجمع سكانها المؤمنون حول ضريح ولي مقدس هو «مولانا»
كما يطلقون عليه .. يشكون إليه همومهم وأوجاعهم .. ويطلبون وساطته ليخرجهم
من مأزقهم ومآسيهم وعذابهم.. يشعلون له الشموع ويقدمون له الهدايا ..
ويبكون ويتوسلون ويلهجون بالدعاء أمام حديد ضريحه .. الذي يقع في
زاوية بعيدة من
القرية في
ركن تحيط به الظلال والأشجار.
مطاردة
القطار
إننا نري
الطفل بطل الأحداث
منذ البداية يطارد القطار والعربيات وكل ما يسرع أمامه يريد أن ينافسه في
السرعة
والوصول إلي
الهدف.. ثم نراه يناجي
القمر.. والقمر في
الأرياف يبدو كقرص
مشتعل من العسل يحادثه ويسامره ولكنه يتوقف أمام «قمر رمضان» بشكل خاص لأن
هذا القمر يوفر للناس ما لا يوفره غيره .. أنه يطعمهم ليلا في السحور ..
وهذا ما يرغب فيه الطفل وما يمنعه عنه أبوه .. أصبح السحور بالنسبة إليه
مطلبا ممكنا ولكنه عسير التحقيق.. كالإمساك بضوء القمر.. الذي يغلف ليل
القرية بردائه الشفاف السحري.
يطالب أباه بأن يتقاسم مع الأسرة سحورها،.. ولكنه لا يتلقي ردا سوي
الضرب المبرح.. وشروط مستحيلة ألا يجوز له أن «يتسحر» مالم يصلي ويصوم
وهكذا يقبل الطفل الشقي الذكي النهم لمعرفة المجهول وتجريب مالا يعرف هذه
الشروط
العسيرة ويقرر الصلاة مع جموع
المصلين ثم صيام النهار الطويل كما يصل أخيرا إلي
تحقيق أمنيته
العزيزة بتناول السحور.
ويلعب الطفل «كريم عبدالقادر» بصورة
مدهشة دور هذا الطفل الثائر ويقدم لنا وجها طافحا بالنور
والذكاء والتأمل واستطاع
عزالدين سعيد أن يستخرج منه جواهر كثيرة كامنة داخله.
قمر ساطع
لقد أضاء وجه الطفل شاشة المخرج كما أضاء قمره الساطع سماء هذه القرية
الصغيرة الغامضة الملتفة حول نفسها وحول قبر «مولاها» المقدس.
لكن الطفل الصغير الذي تعود أن يلمس الماء بأصابعه لم يطق العطش حاول
أن يقاومه طويلا ولكنه لم يستطع دفع اغراء شرب الماء خلسة.
وهنا يقدم لنا المخرج مشاهد رائعة لنشوة شرب الظمآن للماء.. فيها
الكثير من الحسية وفيها الكثير من التمرد.
ولكن سرعان ما يكتشف أمر الصغير.. وينهال عليه والده ضربا وصفعا.
ولا يجد الفتي ملجأ إلا بيت من البيوت الحمراء تفتح له بابه امرأة
ناضجة
الأنوثة.. ليكتشف من خلالها متعة الجسد بعد أن عاش متعة التمرد.. واستحق
عليها
الجزاء.. ولكنه هذه المرة استطاع أن ينتزع لنفسه حق
المتعة.
كان وصوله للسحور مطلبا تقدم به لمولانا
كما يتقدم إليه جميع البؤساء وطالبو النجدة الفقراء.. وقد
استجاب مولانا لشموعه التي اشعلها له وحقق له هذا الحلم الذي طالما تمناه
ولكنه جعله يدفع غالبا ثمن حلمه.
لذلك فإنه قرر الثورة علي «سلوك» مولانا معه وأن يسرق ليلا
الشموع التي تقدم له نهاراً لكي يبيعها من جديد ويشتري من ثمنها سجائر
ويتردد بواسطة ما يكسبه علي البيوت الحمراء التي تتشابه أبوابها ولكن لا
تتشابه نساؤها.
وتمر الأيام ويموت الأب الظالم وتتوقف ركلاته وصفعاته ويصبح الفتي
رجلاً ولكن الرجل لم يختلف عن الفتي في سرقة الشموع واعتبار ضريح الولي
ستارا ووسيلة لطرق «الأبواب الحمراء» عن طريق الشموع المقدسة التي تقدم له
كل يوم.
وفي
ليلة قسا
فيها البرد وبعد أن هدمت الحكومة القاسية بيته لرصف طريق معبد للقرية.. مما
جعله
يبات في
العراء، لذلك فإنه يطلب من مولانا أن «يستضيفه» في
ضريحه الدافئ وهكذا
يكسر القفل الحديدي
..
ويتسلل إلي
الداخل ويزداد فضوله لمعرفة «مولانا» أكثر
وخلق صلة دائمة معه
يتسلل إلي داخل القبر ولكنه لا «يجد شيئا» أين ذهب مولانا وهل كان مولانا
موجودا أصلا.
الشموع المسروقة
وتمتد سرقاته أكثر مادام «مولانا» غير موجود فلماذا يكتفي فقط بسرقة
الشموع إنه يمد يده إلي غطاء الضريح الأخضر.. إلي أبوابه المعدنية وأعمدته
الخشبية يأخذ منها ما يستطيع ليبيعه ويعيش منه الحياة التي يرجوها.. انه
اتفاق ضمني بينه وبين مولانا الذي لا يظهر ولا يعترض ولا يقف تجاهه ولا يقف
معه.
وينكشف أمر «السارق» وتحوم القرية كلها ورائه لتشيعه لكماً وضرباً
وطرداً ولكن هل يمكن لصاحبنا أن يروي لأهل القرية الذين تمحورت
أمالهم
كلها حول «مولانا» بأن مولانا لا وجود له إلا في
خيالهم البائس
المريض .. الذي
يحتاج لأسطورة «مولانا» كي
يستمر في
حياته .
«عزالدين سعيد» يضرب هذه المرة في
العمق يصل
إلي
الاحشاء .. ويدخل اصابعه في
العيون يلجأ كعادته إلي صورة براقة متلألئة ..
ليقدم فيها
رؤياه عن القرية وسكانها من خلال لقطات طويلة مكبرة أو من خلال تفاصيل
صغيرة موحية.
يمسك بشعاع القمر.. بسكون النيل الغامض بنشوة الماء المتدفق من «الزلعة»
إلي الفم الظمآن، من رعشة جسد الأنثي إلي لوعة البائس وهذيانه أمام ضريح
صامت يخفي «سره الباتع».
عز الدين سعيد يقول في فيلمه عن طريق الصورة والموسيقي والأداء العفوي
لكل ابطاله «يترأسهم الطفل الصغير المبدع» ثم هذا المونتاج اللاهث الذي
يبدو مترنحا أحيانا كضربات القلب.. أو طويلا عميقا كشهقة حارة من الصدر.
فيلم قصير انتجته القنوات المتميزة فأضافت إلي فن الفيلم الروائي
القصير أجنحة من ريش ومن ذهب واضافت لسينمانا الشابة اسما جديدا نعتز به
ويمكن أن يضع سينمانا في المقام الكبير الذي تستحقه.
جريدة القاهرة في
28/12/2010
«حفرة
الأرنب» نيكول كيدمان تنتظر
الجولدن جلوب
بقلم : ماجدة خير الله
بين خمس ممثلات مرشحات لجائزة الجولدن جلوب عن أفضل دور أول في فيلم
دراما، يبرز اسم نيكول كيدمان عن أدائها الرائع في فيلم "حفرة الأرنب"
للمخرج جون كاميرون ميتشل، أما بقية المرشحات فهن هال بيري عن فيلم "فرانكي
وأليس"، وجينيفر لورنس عن فيلم"عظام الشتاء" وميشيل ويليامز عن فيلم"
الفالنتين الحزين"و"نتالي بورتمان" عن الفيلم التحفة البجعه السوداء وهو
الفيلم المرشح بقوة لجائزة افضل فيلم، وغالباً سوف ينال ترشيحا للأوسكار!
ومن الملاحظ أن اسم نيكول كيدمان قد ابتعد كثيرا عن قوائم الترشيحات
للأوسكار والجولدن جلوب خلال الثمانية أعوام الاخيرة، حيث نالت
أوسكار أفضل ممثلة عن فيلم "ساعات"HOURS
الذي
قدمته في
عام 2002،
وكان من الممكن أن تكون فرصتها كبيرة هذا
العام في
الحصول
علي
الجولدن جلوب،
لولا
وجود فيلم
البجعة السوداء لنتالي بورتمان التي تعتبر منافسة قوية جدا هذا العام،
لبقية المرشحات!
فيلم حفرة الأرنب، وضع له السيناريو"دافيد ليندساي
اباري"،
وتبدأ أحداثه بعد ثمانية اشهر من وفاة طفل صغيرفي حادث مؤلم، أصاب والديه
بحالة مستمرة من الحزن والوجوم، وتبدو الأم "بيكا" أو نيكول كيدمان، وكأنها
تحاول ان تسيطر علي أحزانها، فتقوم بزارعة حديقة منزلها، بعناية، تلك
الحديقة التي كان يلعب فيها طفلها الراحل، والتي مر خلالها مخترقا البوابة
وهو يجري خلف الكلب الذي كانت الاسرة تقوم بتربيته، يحدث هذا في نفس لحظة
مرور سيارة مسرعة يقودها شاب مراهق، تصدم الطفل
وترديه قتيلا
في
الحال، قبل أن تستوعب والدته ما حدث! السيناريو لم
يقدم
مشاهد
الحادثة، ولكن
المتفرج
يعرف تفاصيل
ما حدث من
روايات الآخرين،
ومن
خلال بعض
التفاصيل الدقيقة، وبعض جمل
الحوار، وذلك عندما
يقول "هاوي"
الممثل "آرون إيكهارت"
لزوجته،
أريد عودة
الكلب للمنزل، فلم يكن مسئولاً عن وفاة الولد، أنه مثل كل كلاب الدنيا يمكن
ان يجري عندما يشاهد سنجابا، وكان لا بد للطفل أن يجري خلفه، ما حدث كان
قدرا محتما، أريدك ان تعيدي الكلب للمنزل فأنا أفتقده جدا وكان ابننا يحبه،
ولا أوافقك في محاولة التخلص من كل مايذكرنا بأنه كان لدينا طفل صغير، إنك
تتخلصين من ملابسه ولعبه واشيائه الصغيرة، وكأنه لم يكن هنا بالمرة!
علاج نفسي
يذهب الزوجان الي جلسة علاج نفسي جماعية، تضم بعض الآباء الذين فقدوا
أطفالهم، يتحدث كل منهم عن تجربته مع غياب طفله او طفلته، ويشارك الآخرين
آلامه، ولكن
تبدو "بيكا" أو نيكول كيدمان غير مقتنعة بجدوي
تلك الجلسات، بل تسخر من حالة الاستسلام التي
يبدو عليها الآباء وتصل سخريتها حداَ لايطاق
يدل علي توترها
النفسي، عندما تقول إحدي
الأمهات، محاولة تهدئة نفسها
لقد أخذ الله طفلتي
لتنضم للملائكة، فتقول نيكول كيدمان،
ولماذا لا يخلق الله ملائكها آخرين، بدلا من أن ياخذ أطفالنا؟؟ وتقرر ألا
تعود مرة أخري لحضور تلك الجلسات، التي لم تغير حالة الاكتئاب التي تعيشها
طوال ثمانية أشهر! بل إنها تزداد شراسة في معاملة الآخرين ، ومنهم أمها
التي تتذكر وفاة شقيقها وتقول لها لقد مرت سنوات علي وفاة شقيقك وأنا أحتمل
غيابه، الامر يكون في البداية قاسيا ولكن بعد ذلك يستطيع الإنسان ان
يتعايش، فتصرخ فيها نيكول كيدمان، وتقول لها لا تقارني ابنك بإبني، فلقد
مات ابنك وهو في الثلاثين من عمره نتيجة تعاطيه للمخدر، بينما مات ابني وهو
طفل لا يزيد عمره علي
أربعة أعوام ولم
يفعل شرورا أو آثاما، ولكن الأم تقول في
هدوء مهما
يكون ما فعله شقيقك فهو ابني علي
كل
حال!
والغريب في
الأمر
هو ماحدث بعد ذلك فقد أخذت "بيكا"
أو
نيكول كيدمان
تطارد شابا
مراهقا، وتتبعه عند ذهابه للمدرسة أو
عودته منها، وقد
لاحظ الشاب المراهق
ذلك، وقررمواجهتها في يوم ما، وسألها هل تريدين التحدث معي؟
تلتقي "بيكا" مع هذا الشاب المراهق وتجلس معه في حديقة عامة، تبدو
هادئة رقيقة مهتمة لأمره، تسأله عن مدي تقدمه في دراسته، وعن هواياته
فيخبرها إنه يقوم بإعداد كتاب يتضمن رسومات"كوميكس"، ويبدو عليها أنها
متحمسة لمتابعة مايتضمنه الكتاب، الذي يحمل اسم "حفرة الأرنب "، فيخبرها
انه يدور حول حكاية متخيلة عن عالم قام بعمل ثقوب تقود إلي مجرات مختلفة،
وعندما يموت هذا العالم يبحث عنه ابنه الطفل من خلال تلك الثقوب أو الحفر،
فلا يجده لانه قد مات ولكنه يجد آخرين يشبهونه، إنه مايسمي
بالواقع البديل، هذا الشاب
المراهق الذي
تحرص الأم نيكول كيدمان علي لقائه والاهتمام بأمره،
هو نفس الشاب الذي
كان يقود سيارته بسرعة
وتسبب
في
موت طفلها!تلك
السيدة التي
تعامل كل
الناس بما
فيهم زوجها بقسوة وتحاول أن تلقي
اللوم
علي
الجميع،
تتحول إلي شخص آخر مع الشاب الذي تسبب في موته، بل تبدو متعاطفة معه،
وكأنها تحاول أن تريحه من عذاب الضمير وتساعده علي أن يبدأ حياته من جديد،
وهو الأمر الذي يراه زوجها تصرفا غريبا وبعيد عن المنطق، ولكنه كما يبدو من
أحداث الفيلم كان السبيل الوحيد لراحة تلك الأم الملكومة التي وجدت في قاتل
ابنها الواقع البديل
!
مشاعر إنسانية
الفيلم مليء بالمشاعر الإنسانية الصادقة وقد برعت نيكول كيدمان في
التعبير عن الحالات النفسية المختلفة لتلك السيدة الشابة التي فقدت طفلها،
فاختل توازنها النفسي، ولكن دون أي مبالغة في الأداء ولا صراخ ولا عويل،
كيف تعبر عن المشاعر
الداخلية المضطربة، هو درس في
الأداء
يمكن ان
يكون
مفيدا لبعض ممثلاتنا اللائي
يعتقدن
أن التمثيل هو
الصراخ والتشنج والنحيب،
في
العام الماضي
فازت
ساندرا بولاك
علي
جائزة الجولدن
جلوب،
والأوسكار عن فيلم"الجانب
المظلم" وهو من الأفلام
البسيطة والمتواضعة إنتاجيا، ولم يدخل ضمن الترشيحات للأوسكار، ولكن أداء
ساندرا بولاك لشخصية امراة تهتم بشاب مراهق ويتيم وتدفعه للنجاح والتألق،
بكل مايحمل الدور من لمحات إنسانية مفتاحاً، لحصولها علي عدة جوائز تمثيل،
وهو ما يحدث الآن مع فيلم "حفرة الأرنب"الذي رشحت عنه نيكول كيدمان للجولدن
جلوب وربما للأوسكار، رغم كونه فيلما قليل التكلفة، لا يعتمد علي أي لون من
ألوان الإبهار، ولكنه يعتمدعلي المشاعر الإنسانية فقط!
جريدة القاهرة في
28/12/2010 |