روبي اسم مثير للجدل دوماً، وأخيراً انضمت شقيقتها كوكي الى الحالة
نفسها بعد
مشاركتهما معاً في بطولة فيلم «الشوق» الذي اقتنص ذهبية مهرجان
القاهرة السينمائي
الدولي.
عن تجربتهما معاً للمرة الأولى كان اللقاء التالي معهما.
بعد فوز فيلم «الشوق» بجائزة أفضل فيلم في مهرجان القاهرة السينمائي،
كيف تريان
هذه التجربة؟
روبي: دور «شوق» نقلة فنية كبرى في حياتي، وأضاف الفيلم الى رصيدي
الكثير، وكذلك
التعاون مع المخرج خالد الحجر وطاقم العمل.
كوكي: أعتبر هذه التجربة بدايتي الحقيقية في التمثيل، وأنا سعيدة جداً
بها لأنها
عرّفت الجمهور إلي بشكل جيد.
·
هاجم البعض الفيلم فيما اعتبره
البعض الآخر تجربة جديدة، فما هو رأيكما؟
روبي: أقدّم دائماً ما أشعر بأنه عمل فني جيد، وأترك للجمهور أن
يقيّمه، كذلك
أحرص على وضع مجهودي كلّه في العمل، ولا أهتم بالهجوم أو المدح.
·
روبي، كيف تردّين على النقد الذي
يوجَّه لك كممثلة إغراء؟
بطبيعتي لا أقرأ النقد ففي النهاية أؤدي ما أشعر به فحسب ولا أتعمد
الإغراء أو
الإثارة، كما يتهمني البعض، فلو انشغلت بالرد على كل ما يوجَّه
إلي من نقد، فلن
أتقن عملي وهو الأمر الذي أرفضه تماماً،
لذلك ربما أكون أكثر من تُنسج حولهم
الإشاعات.
·
هل تعتبران الشائعات دليلاً على
النجاح؟
روبي: بالطبع، فلو لم أكن مهمة بالنسبة الى جمهوري لما اهتم أي شخص
بإطلاق
شائعات حولي.
كوكي: الشائعات دليل نجاح وليست دليل فشل، وإثارة الجدل دليل على أن
ثمة شيئاً
مهماً يمكن أن نتحدّث حوله.
·
كوكي، اتهمك البعض بتقليد شقيقتك
روبي، بدليل لجوئك الى الإغراء لتحقيق نجاح
مماثل؟
لم أقلّد روبي ولا أحاول تقليد أحد، لأن من يفعل ذلك لا يمكنه تحقيق
النجاح، أما
في ما يتعلق بالإغراء فأنا لم أقدم في «الشوق» إلا المشاهد
التي كانت تفي بالغرض
الدرامي.
·
روبي، ما صحّة ما تردّد حول فرضك
شقيقتك كوكي على المخرج خالد الحجر؟
ترشيح كوكي جاء بالصدفة، إذ عندما اختارها خالد الحجر لم يكن يعلم
أنها أختي،
وقد شاهدها أثناء دراستها التمثيل مع الممثل أحمد كمال قبل عام
من بدء تصوير «شوق»،
فرأى أنها مناسبة لدور شقيقتي الصغرى في
الفيلم. من جهة أخرى، أنا خجولة بطبعي، لذا
كان مستحيلاً أن أطلب من الحجر أن يُشرك شقيقتي في الفيلم.
·
لكن روبي التي نراها على الشاشة
ليست خجولة؟
هذا صحيح. فأمام الكاميرا لا أشعر بالخجل أبداً، بل أشعر بأنني في
مكان خاص بي
لا يراقبني أحد، لذا أحس بالارتباك من متابعة الجمهور لي.
·
ابتعدتِ عن دور فتاة الإغراء في
«الشوق»، فهل يعد ذلك هروباً من هذه الصفة التي
ارتبطت بك منذ بدايتك؟
ليس شرطاً أن يتضمن «الشوق» مشاهد مثيرة لمجرد أن فكرته تدور حول
الكبت الجنسي
لدى الشباب، ففي النهاية المخرج هو المسؤول عن توظيف فكرة
الفيلم من خلال رؤيته،
وهذا النوع من المشاهد يجب أن يكون له ما
يبرّره في العمل وإلا سيشكّل نقطة ضعف
للفيلم.
·
لكن هذه المشاهد هي السبب في
اعتقاد البعض أنك تتعمدين الإغراء في غالبية ما
تقدّمينه من شخصيات؟
لم أتعمد تقديم مشاهد إغراء، بل كان أدائي لهذه الشخصيات جريئاً، وأنا
سعيدة
لأنني أستطيع التعبير عن هذه الجرأة في بلدي، طالما لا تتعدّى
على حريات الآخرين،
وتقدَّم في شكل أراه محترماً، فهي السمة
المميزة في أعمالي حتى الآن.
·
كيف ترى كوكي جرأة الفيلم؟
لا أرى أي جرأة في الفيلم بل في الفكرة نفسها وأسلوب التناول.
·
هل تطلّبت شخصية «شوق» استعداداً
خاصاً من روبي؟
نعم. في البداية تابعت دروساً خاصة وبشكل مكثّف وساعدني في التحضير
للشخصية
الممثل أحمد كمال والمخرج خالد الحجر. جعلتني هذه الدروس
والتدريبات أتحكّم في
انفعالات الشخصية بشكل أفضل.
·
هل شعرتما بالحزن لعدم حصولكما
على جائزة عن أدواركما في الفيلم؟
روبي: عادة، لا أسعى وراء الجوائز، فهي تشعرني بالسعادة فحسب، لكنها
لا تعطي
تقييماً دقيقاً لنجاح الفنان، لذلك أهتم بعملي وأبذل مجهوداً
في كل ما أقدمه.
كوكي: لم أشعر بحزن لأنني ما زلت في بداية الطريق، من ثم لم أتوقّع
الحصول على
جائزة، إذ يكفيني أنني قدمت عملاً فنياً جيداً أفتخر به.
·
هل تفكّر روبي في التوجّه الى
مجال الدراما التلفزيونية، كما تفعل ممثلات كثيرات
راهناً؟
لا. مجال الدراما بعيد عن اهتمامي راهناً ولست متابعة جيّدة له، كذلك
أرى أن
المسلسلات الدرامية التي تُعرض راهناً مملة، لكن لو عُرض عليّ
عمل مختلف ويحتوي على
فكرة جديدة واقتنعت بالدور سأقبل العرض
فوراً.
الجريدة الكويتية في
17/12/2010
بعد فوز 4 منها في مهرجانات دوليّة...
هل تُخرج الأفلام
المستقلّة السينما المصريّة من أزماتها؟
القاهرة - نسمة الحسيني
بعد فوز الأفلام المستقلة «حاوي» و{ميكروفون» و{جلد حي» و{أحمر باهت»
بجوائز
من مهرجانات دولية، كانت آخرها جائزة أفضل فيلم عربي نالها «ميكروفون»
إخراج أحمد
عبد الله السيّد، الذي حصد الجائزة الكبرى في مهرجان قرطاج أيضاً، هل يمكن
لنا
القول إن السينما المستقلة نجحت في تثبيت أقدامها على الساحة
الفنية، وإنها الحلّ
الوحيد للخروج بالسينما المصرية من أزماتها المتكررة واحتكار الكيانات
الكبرى
إنتاجاً وتوزيعاً؟
يوضح المخرج إبراهيم البطوط، الذي يعتبره النقاد أب السينما المستقلة
الروحي، أن
هذه الأخيرة انطلقت في أميركا كمحاولة للاستقلال عن الكيانات الإنتاجية
الكبرى
والتي يصل رأس مالها إلى بليون دولار. أما في مصر فتنتج الشركات 50 فيلماً
سنوياً
بكلفة 300 مليون جنيه على الأكثر، ما يعني أنه لا يوجد في مصر
ما يسمى «سينما
مستقلة»، إنما مجرد محاولات لصناعة أفلام مختلفة.
لا يعتقد البطوط أن الأفلام المستقلة هي الحلّ لأزمة السينما في مصر،
فالأخيرة
تحتاج إلى خبراء يبحثون في الأسباب التي جعلت كلفة الفيلم المصري الإنتاجية
أكبر من
قيمته، فضلاً عن المغالاة في أجور النجوم التي تبدّد الموازنة في مصاريف لا
تخدم
الفيلم.
تكمن مواجهة أزمة السينما، في رأي البطوط، في احترام عقلية المشاهد
وعدم
الاستسهال به، إضافة إلى خدمة العمل جيداً حتى لو لم يتطلب ذلك موازنة
كبيرة، «وهذا
ما يتوافر في الأفلام المستقلة القليلة الكلفة التي تنجح في
المهرجانات وتساعدنا
على تقديم أفلام تعيش سنوات طويلة على رغم إخفاقها في تحقيق نجاح جماهيري
لعدم
اهتمام دور العرض بها».
يؤكد البطوط أن السينما المستقلّة نجحت في تشكيل جيل جديد متحرر في
أفكاره من أي
قيود، بدليل فوز أربعة أفلام في أسبوع واحد في مهرجانات مختلفة، ذلك لأنها
تناقش
الأفكار بمنتهى الحرية. لكن، مع ذلك، يؤكد بطوط أن تلك الأعمال لن تخطف
الأضواء من
السينما التجارية لأنها لا تتمتع بالجماهيرية المطلوبة.
السينما التجاريّة
يشير المخرج أحمد عبد الله السيد إلى أن السينما التجارية ستظل موجودة
على رغم
نجاح الأفلام المستقلة على مستوى المهرجانات لأنها أحد أنواع الفنون التي
تُقدّم
بشكل جيد.
يرى عبد الله أن الفرصة الوحيدة لعرض الفيلم المستقل تتأتى في
المهرجانات فحسب،
فيما الجمهور العادي لا يعرفه بسبب عدم اهتمام دور العرض به، لذا لا يحقق
نجاحاً
جماهيرياً.
يضيف عبد الله أن لعزوف نجوم الشباك عن المشاركة في هذه الأفلام علاقة
بافتقارهم
إلى الشجاعة التي تمكّنهم من خوض التجربة.
ثورة حقيقيّة
يرجع الممثل خالد أبو النجا حماسته للتمثيل في الأفلام المستقلة
والمساهمة في
إنتاجها إلى إيمانه بأهمية الأفكار التي تتبناها هذه الأعمال، مشيراً إلى
أنها قد
تحدث ثورة حقيقية في صناعة السينما وتتيح الفرصة لظهور جيل من المخرجين
الشباب لديه
نظرة مختلفة وقدرة على تطوير السينما، كذلك تتيح الفرصة للهواة الموهوبين
لإيصال
أفكارهم في فيلم جيد من دون كلفة عالية، ما يشجع على ظهور جيل
جديد ظلمته الأفلام
التجارية.
أما الفنانة يسرا اللوزي، بطلة فيلمَي «ميكروفون» و{هليوبوليس»، فتؤكد
أن
السينما المستقلة هي الحلّ الأفضل لمواجهة مشاكل صناعة السينما، لا سيما
الكلفة
الإنتاجية العالية، وتقول: «ليس من الضروري أن تبلغ كلفة الفيلم الملايين
ليكون
ناجحاً، بل قد نقدم فيلماً بميزانية بسيطة لكنه يحترم عقلية
المشاهد وينقل إليه
رسالة ما، وهذا هو مقياس النجاح الذي أقتنع به بعيداً عن حسابات الإيرادات
التي
جعلت الذوق العام منحدراً».
تضيف يسرا: «ثمة أفلام جيدة تتميز بالفكر، لكنها لا تحقق إيرادات مع
ذلك تظل
خالدة في ذاكرة السينما ويعتبرها الجمهور من أعظم الأفلام، هذا هو نجاح
السينما
المستقلة الحقيقي».
مشكلة في التوزيع
ترى الناقدة ماجدة خير الله أن هذه السينما ليست المستقبل الوحيد لحلّ
أزمة
السينما، إنما هي نوع مهم وحلّ معترف به عالمياً وهي ضرورية وتشكّل
مَخرَجاً لمشاكل
السينما إلى حد ما.
تضيف خير الله: «على رغم أن الأفلام المستقلة تخرج عن سيطرة الكيانات
الكبرى
إنتاجياً، إلا أنها تصادف مشكلة في التوزيع ولا تتاح لها فرص للعرض تكون
مناسبة،
على غرار ما حدث مع «بصرة»، إذ عرض في موسم عيد الأضحى وسط أفلام تجارية
قوية،
فظُلم في توقيت العرض وفي الدعاية في آن».
الجريدة الكويتية في
17/12/2010
ميكروفون...
الجديد يصارع القديم بين فكي كماشة!
محمد بدر الدين
«ميكروفون» أحد الأفلام المصرية التي لفتت الأنظار في مهرجان القاهرة
الدولي
الأخير وقبله في مهرجان قرطاج، وقد حصل على جائزة كبرى في المهرجانين.
الفيلم من تأليف أحمد عبد الله السيد وإخراجه، وبطولة خالد أبو النجا
الذي شارك
في إنتاجه مع محمد حفظي.
أبو النجا ليس أحد الفنانين الذين ينتظرون دوراً لأدائه أو ينتقدون
أحوالاً في
السينما لا تعجبهم أو يضربون كفاً بكف، إنما يضطلع بدور إيجابي ويسعى، من
خلال مهام
محددة، إلى تطوير حقيقي في أحوال السينما. هذا ما رأيناه في فيلم
«هليوبوليس»،
إخراج عبد الله السيد أيضاً، ونراه اليوم في «ميكروفون»، إذ
يساهم هذا الممثل في
ازدهار نوعية من السينما المستقلة أو المختلفة وفي إنتاجها. كذلك، يروِّج
لطبيعتها
عبر روح التجديد الحقيقي ونهج التجريب.
بهذا المسلك الرائع، يُعتبر أبو النجا بحقّ أحد الآباء الروحيين
للسينما
المستقلة أو المختلفة في الفيلم المصري المعاصر، إلى جانب ابراهيم البطوط
وغيره من
سينمائيين نشطين يبادرون بإصرار في هذا المجال.
تشارك الممثلة المقتدرة منة شلبي، كضيفة شرف، وزميلتها الشابة
الموهوبة يسرا
اللوزي في بطولة الفيلم إلى جانب الممثل الجديد أحمد مجدي الذي رأيناه في
فيلم «عصافير النيل»، إخراج والده المخرج المعروف
مجدي أحمد علي، وهو ممثل موهوب ويشكّل
في «ميكروفون» ثنائياً مع يسرا.
يتمحور دوراهما حول إخراج فيلم، ضمن أحداث القصة، يصوّر نشاط فرقة
غنائية جديدة
في مدينة الإسكندرية، لدى أفرادها طموح في التعبير عن إحساس جيل طالع، عبر
نوعية
ألحان مختلفة ومتأثرة بمدارس عالمية مثل الراب، وكلمات تعكس مشاكل حقيقية
يعانيها
هؤلاء الشباب والمجتمع ككل، ويتسم الكثير منها بالشجاعة والوعي
السياسي أو الحضاري
عموماً.
لذلك نرى، من خلال المعالجة البسيطة في الفيلم وأسلوبه الجذاب
والكاميرا الطليقة
والإيقاع اللاهث، نماذج من تلك الفرق تعاني طويلاً للسماح لها بإقامة
حفلاتها.
هذه الفرق محاصرة، على حدّ تعبير أبو النجا في الندوة التي أعقبت عرض
الفيلم في
مهرجان القاهرة، بين فكي كماشة، ويعني: أجهزة سلطوية تمنع العروض من جهة،
وفئات
متّشحة بالرداء الديني من جهة أخرى، تتحدث باسم الدين عن الفن بتعالٍ وبجهل.
إنها كماشة حقيقية، تلك التي تحدث عنها، ومن خلال ذلك أيضاً، نرى
ثنائية أخرى،
يجسدها كل من أبو النجا ومنة شلبي، عندما يلتقيان في الفيلم بعد فراق طويل
أعقب
علاقة حبّ بينهما، لقاء المتأهبين لوداع جديد. هو يعود إلى الإسكندرية بعد
غياب
سنوات ويريد أن يعوّض الغياب، بينما تستعدّ هي للرحيل ولدراسة
الدكتوراه في الخارج
ولن تعود قبل خمس سنوات.
العمل درامي يستند إلى لمحات من تجارب شخصية لأبطاله، ويؤدي كثر من
أفراد الفرق
الغنائية أدوارهم الحقيقية، بل يقوم التمثيل في الفيلم، في مشاهد عدّة، على
أسلوب
الارتجال، إذ يحفظ الممثل دوره ومشاهده أكثر مما يحفظ حواراً، إلى جانب
عناصر فنية
وجمالية مختلفة، أعطت بالتأكيد مذاقاً جديداً وخاصاً لفيلم يظلّ ضمن
تجاربنا
السينمائية الجديدة المهمة.
الجريدة الكويتية في
17/12/2010
السينما وانطباعات الطفولة
عدنان مدانات
السؤال الذي يُطرح باستمرار على الكثير من السينمائيين، خصوصا
المخرجين منهم، يدور باستمرار حول السبب الذي دعاهم لاختيار السينما مجالا
لعملهم أو لإبداعهم، كأن العلاقة الإبداعية والحرفية مع السينما لها سحرها
الخاص وتحتاج إلى شرح وتفسير.
أما الجواب الذي يرد به السينمائيون في العادة، فهو انبهارهم بالسينما
مذ كانوا أطفالا حين اصطحبهم الوالد أو الجد ليتعرفوا على عالم السينما
السحري. ويؤكد العديد من السينمائيين انبهارهم وهم أطفال بعالم السينما من
خلال إشارات ومشاهد يضمنونها أفلامهم. هكذا، مثلا، فعل المخرج الفرنسي
الشهير فرانسوا تروفو في فيلمه المميز "أربعمائة ضربة" الذي يتكرر فيه مشهد
ليلي، هو من نوع العودة إلى الماضي الطفولي، نراه فيه طفلا يقترب من صالة
سينما ويتأمل بانبهار وخوف صور الأفلام المعلقة على واجهة مدخل الصالة.
وتشكل هذه الذكريات الحميمة مادة خصبة تميز العديد من الأفلام التي
صنعها المخرج الإيطالي العظيم فديريكو فيلليني مثل "روما فيلليني"
و"أتذكر"، حيث يتمتع بتصوير المشاهد التي تصف بطريقة ساخرة اهتمام الناس في
الأحياء الشعبية بالأفلام وتصرفاتهم الطفولية الساذجة المستمتعة أثناء
العرض. أما الفيلم الأكثر تركيزا على موضوع علاقة الطفل بالسينما، ثم تحول
الطفل إلى سينمائي، فهو الفيلم الإيطالي الشهير "سينما الجنة" (سينما
باراديسو) الذي نتعرف فيه على تجربة عشق طفل للسينما وعلاقته الوطيدة مع
عارض الأفلام في القرية وتدرجه في هذه العلاقة من منبهر بالعروض إلى عارض،
إلى هاو للتصوير بكاميرا محمولة يلاحق بعدستها الفتاة التي أحب، إلى طالب
يدرس السينما في العاصمة ليصبح مخرجا سينمائيا شهيرا.
كنت تعرضت ذات يوم للسؤال نفسه من صديق استغرب اختياري العمل في
السينما وحبي الشديد لها، والذي يجعلني أقبل على مشاهدة أفلام عدة في اليوم
الواحد. وقد أعادني سؤاله إلى ذكريات الطفولة وإلى السينما التي انغمست
فيها مبكرا والتي شكلت تدريجيا بعض وعيي واستجاباتي النفسية.
كنا نعيش في الزرقاء، وفي هذه المدينة حصلت وأنا في السادسة من عمري
على أول شهادة تقدير لي كهاو متميز للسينما. في ذلك الوقت كانت المتاجر
تبيع في مغلفات صغيرة وببضعة فلوس قصاصات من الأفلام السينمائية، أو
بالأحرى، كادرات من الأفلام المعروضة في صالات السينما المحلية والتي كانت
تتقطع بسبب تكرار عرضها، فيجمع العارضون الكادرات (الصور) المنفردة الزائدة
بعد إعادة اللصق ويبيعونها من خلال المتاجر للأولاد الذين اكتشفوا طريقة
لحفظها في دفاتر كهواية بديلة عن هواية جمع الطوابع. وقد عرضت مع أقراني
ذات يوم دفاترنا على قاطع التذاكر في إحدى الصالات ( وجميع الصالات كانت
شعبية في الزرقاء)، كي يرى مدى جدية علاقتنا مع السينما فيسمح لنا بالتالي،
بالدخول مجانا. وقاطع التذاكر هذا هو الذي منحني الشهادة، إذ رأى أن
مجموعتي هي الأفضل.
ولكن استفادتنا من هذه الصور تجاوزت هواية جمعها باتجاه استخدامها في
إقامة عروض سينمائية. فقد كان بيننا فتى أكبر سنا ومعرفة وموهبة. قام ذاك
الفتى بتصميم علبة سوداء كان يضع في وسطها من الداخل قطعة الصورة الفيلمية
ويثبت خلفها ضوءاً فتنعكس الصورة من خلال فتحة أمامية صغيرة في مقدمة
الصندوق على الجدار المقابل. هكذا كنا نتفرج على الصورة مكبرة فوق شاشة
الجدار. ولكي نتمكن من رؤية الصورة متحركة كان ذاك الفتى يهز الصندوق فتهتز
الصورة على الجدار. بعد نحو أربعين عاما على تلك الأحداث التقيت صدفة بذاك
الفتى وقد أصبح رجل أعمال. كان ما يزال هاويا للسينما يمتلك في منزله
أنواعا مختلفة من كاميرات التصوير السينمائية، وكاميرات الفيديو المخصصة
للهواة، لكنه وللأسف لا يستخدمها. أما أنا فأدين له بتعلقي بهذا الفن الذي
صار هوايتي وحرفتي.
في تلك المرحلة من طفولتي شاهدت الكثير من الأفلام، لكنني لا أذكر
منها شيئا، وربما أنني نسيتها بعد فترة وجيزة من مشاهدتي لها، رغم أن تلك
المشاهدات جعلتني عاشقا للسينما. أذكر فقط اسم فيلم واحد هو "سابو" عن
الطفل المتوحش الذي يعيش في الغابات، وهو فيلم لم أشاهد منه إلا بضع دقائق
فقط. وأذكره لأن مشاهدتي له ارتبطت بحالة من الرعب جعلتني أهرب من صالة
السينما ما إن جلست على المقعد (وقد أتيح لي أن أشاهده كاملا بعد سنوات على
تلك الواقعة). فقد دخلت لمشاهدة الفيلم أثناء العتمة في صالة خاصة بالجيش
تقع تحت الأرض، كانت في السابق تُستخدم كملجأ، وكان عليّ أن أهبط درجا
طويلا كي أصل إلى المقاعد. وأثناء هبوطي الحذر كنت أشاهد الصورة على
الشاشة، فيما دقات قلبي تزداد خفقانا، والرعب يجتاحني شيئا فشيئا وسط
الظلمة الشديدة.
ثمة حالة أخرى من المشاعر ترتبط بمشاهداتي الطفولية الأولى للأفلام.
فقد شاهدت للمرة الأولى في طفولتي فيلما أجنبيا فيه قبلة بين رجل وامرأة في
مشهد النهاية. وقد أثارت هذه القبلة أسئلة كثيرة في ذهني، خصوصا أنها كانت
في لقطة كبيرة ومعروضة كنهاية سعيدة. فلم يستوعب عقلي البريء أهمية أن
تلتقي شفة بأخرى. وهكذا كان عليّ أن أقوم بمحاولات متكررة ولأيام عديدة
بإطباق إحدى شفتي على الأخرى، بحثا عن الجواب المستحيل.
في مرحلة لاحقة من صباي المبكر وقد ازددت هياما بالسينما، تابعت أفلام
طرزان. تسببت هذه الأفلام في حالة من الخوف المزمن عندي من الأفاعي. ففي
معظمها توجد مناظر مثيرة للخوف لأفعى ضخمة مرعبة تزحف وسط الأدغال على غصن
شجرة غليظ. بعد نحو أكثر من أربعين عاما على مشاهداتي لأفعى أفلام طرزان
المخيفة، علمت بالصدفة أن هذا النوع من الأفاعي الإفريقية غير سام وأنه
مسالم وغير مؤذ (بالمناسبة، علمت أيضا في زمن لاحق أن هذه الصفة المسالمة
تنطبق أيضا على الغوريلا المخيفة الشريرة التي كنا نشاهدها في أفلام طرزان).
وهكذا، فإنني أدين للزمن بتصحيح بعض معلوماتي الخاطئة التي نقلتها إلي
السينما. ولكن الزمن لن يمحو المشاعر التي أثارتها في نفسي الأفلام التي
شاهدتها في ذلك العمر المبكر، سواء كانت مشاعر خوف أو دهشة أو فرح أو حزن
نبيل.
والمشاعر عموماً وما ترتبط بها من حالات نفسية ووقائع محفورة في الوعي
الداخلي وفي الذاكرة، هي على الأغلب، الأساس المؤثر في علاقة الإنسان
بالسينما منذ الطفولة. فلا يعقل أن يكون الأساس هو إعجاب الطفل بمضمون
الفيلم أو شكله أو موضوعه. هذا أمر تقدر عليه السينما وحدها من بين الفنون
الأخرى ويشكل إحدى أهم ميزاتها.
عندما يكبر الإنسان وتنضج خبراته الحياتية وتزداد معلوماته دقة وتتعمق
ثقافته، يصبح بمقدوره أن يعرف حقيقة السينما أكثر فأكثر، وأن يكتشف أسرارها
وألعابها، بل وأن يتأكد من أن السينما كانت تكذب عليه وتخدعه وما تزال،
ويصبح بمقدوره أيضا أن يقوّم ما يُعرض عليه سلبا أم إيجابا، أي يصبح
بمقدوره أن يتعامل مع السينما بعقله الواعي بما يؤسس لمبررات جديدة وأسباب
إضافية لحبه للسينما وجعل هذا الحب أكثر جذرية وعمقا وأصالة. ولكن تأثير
السينما في المشاعر، مع ذلك، سيبقى، تخفّ شدته في بعض النواحي وتزداد في
نواح أخرى تبعا لتنامي خبراته المعرفية والجمالية.
الرأي الأردنية في
17/12/2010 |