بانتهاء المخرج خالد يوسف من تصوير فيلمه «كف القمر» تبدأ مرحلة القلق
والتوتر في حياته انتظارًا لرأي الجمهور الذي سيشاهد الفيلم خلال إجازة نصف
السنة.
ورغم انشغاله خلال الفترة الماضية بتصوير الفيلم إلا أن الشائعات أخذت
تطارده عن وجود علاقات ومشاريع زواج. بل إن البعض تصيد ما قالته الفنانة
غادة عبدالرازق عندما قالت في برنامج تليفزيوني ردًا علي سؤال افتراضي..
إذا اخترت زوجًا من الوسط الفني. فمن يكون..؟ فكانت إجابتها خالد يوسف
تقديرًا منها لشخصه وفنه إلا أن مروجي الشائعات لم يتركوا الفرصة تمر
ونسجوا حكايات وحوارات من وحي خيالهم، خالد في هذا الحوار يرد علي هذه
الشائعات وأشياء أخري.
كف القمر
·
قلت له: ماذا عن «كف القمر»؟
- فقال: هو فيلم مختلف. لأنه ليس مجرد فيلم
سينمائي فقط فهو ملحمة إنسانية. بل إنني اعتبره جزءًا من مشروعي السينمائي.
وبالفعل استغرق وقتًا طويلاً سواء في التحضير أو التصوير، كما أن أحداثه
تستغرق وقتًا طويلاً حيث تبدأ أحداثه عام 1967 وتستمر حتي عام 1991 ولا
تتركين الخيال يسير بك بعيدًا فهذان التاريخان لا يحملان أية دلالات ولكنها
مجرد مصادفة ومع ذلك فالنص مثل غيره يحتمل التأويل ودرجات التلقي
المتفاوتة.
·
هل هو استمرار لأفلامك السابقة
خاصة وأنت تقول إنه جزء من مشروعك السينمائي؟
- نعم هو استمرار لهذه الأفلام وجميع أفلامي منذ
«هي فوضي» و«حين ميسرة» ثم «دكان شحاتة» و«كلمني شكرًا» وحتي «كف القمر».
كلها أفلام لها صبغة المشروع السينمائي من حيث الرؤية والتوجه. هي تتكامل
ولكن النقاد والجمهور هم فقط من يستطيع أن يقول إن هناك مشروعًا سينمائيا
أم لا.
حكاية غادة
·
وماذا عن شائعة ارتباطك بالفنانة
غادة عبدالرازق؟
- كانت مجاملة من غادة في حوار تليفزيوني ليس إلا
وهي أخت وصديقة عزيزة جمعتنا أعمال جيدة وستجمعنا أعمال أخري. وأنا اعتز
بها كفنانة وإنسانة ليس إلا.
أزمة السينما
·
أزمة السينما.. من المتسبب فيها
خاصة في ظل احتكار البعض لآليات الصناعة؟
- لا أري ما يسمونه احتكارًا خاصة إذا كنت تقصدين
الصراع بين الشركة العربية والثلاثي وأوسكار والماسة والنصر، ولكنها منافسة
تصب في خندق خلق صناعة السينما. إلا أنني أرفض أن تأخذ المنافسة شكل الصراع
الذي يسعي كل طرف لتحطيم الآخر. لأن في ذلك تدمير للصناعة.
·
وكيف يتم حل المشكلة؟
- بوجود قوانين لمنع الاحتكار والاغراق أو المنع
وتصب جميعًا في خدمة الصناعة والمشاهد وحماية الصناعة من القرصنة. وأن تعود
الدولة لتقوم بدورها في خدمة العملية الإنتاجية.
·
هل تطالب الدولة بدور؟
- يجب أن تقوم الدولة بدورها في حماية السينما
مثلما تحمي الآثار. عليها أن تحمي السينما بما لها من دور تثقيفي وترويحي
وما تقدمه للأمن القومي المصري وللثقافة المصرية بعد 30 عامًا من الهدم
والتدمير.
·
كيف كانت طفولتك ومراهقتك؟
- كنت مشاغبًا جدًا وكنت أشارك في المظاهرات
والاعتصامات كنوع من أشكال الحرية التي أؤمن بها وكنت وقتها سريع الجري فلا
يستطيع أي أحد اللحاق بي مثلما كان يحدث مع زملائي الذين صرحوا باسمي في
إحدي المرات وكنت وقتذاك بكلية الهندسة وأهلي في مناصب عليا وعلموا أنني
مطلوب للتحقيق معي فقاموا بتسليمي للشرطة وأفرج عني بعد 9 ساعات.
·
كيف اتجهت للسينما في ظل هذه
الاهتمامات السياسية؟
- المخرج يوسف شاهين هو الذي دعاني للعمل بالسينما
وأقنعني بتوظيف هذه الطاقة بشكل موضوعي من خلال السينما وأنا كنت رئيس
اتحاد الطلاب والحركة الطلابية والكل يسعي للعمل مع يوسف شاهين ماعدا أنا
حتي أكملت الدراسة وبعد ذلك اتجهت للعمل كمساعد مخرج مع يوسف شاهين.
نعم طردني يوسف شاهين
·
أثناء عملك كمساعد مخرج
مع يوسف شاهين هل فعلاً قام بطردك من موقع العمل؟
- هكذا العقاب الطبيعي من يوسف شاهين لكل تلاميذه
سواء مخرجين أو فنانين وهو يلجأ إلي هذه الطريقة كدرس قاس للتعليم والموعظة
وقد طرد الفنان هاني سلامة والفنان خالد النبوي وكذلك طرد اثنين من مساعدي
الإخراج وطريقة يوسف شاهين لتعليم النجوم طريقة مشهورة ومعروفة وتسمي طريقة
التوجيه الملحوظة.
·
وهل أنت مثله تعاقب النجوم
وتطردهم من موقع العمل أحيانًا؟
- أنا لم أستطع أن أفعل ذلك مطلقًا وشاهين كان
يقدس عمله بدرجة تفوق الخيال وأنا لم أستطع أن أكون مثل شاهين في كل شيء
لأنه المبدع.
ترويج الإباحية
·
ترفض بعض الفنانات العمل مع خالد
يوسف! ما تفسيرك؟
- كل هؤلاء الفنانات اللاتي يقلن إنهن رفضن العمل
معي أنا لم أعرض عليهن أي عمل فني من الأساس ولكنهن يظهرن أمام الرأي العام
هكذا لكسب الرأي العام بادعائهن بالمحافظة والفقه وغير ذلك وأنا
لي جماهيري من جميع المستويات وأفلامي لا تروج للإباحية كما يدعي المتربصين
من التيارات الدينية الرجعية الذين أطلقوا هذه المسميات علي أفلامي
والفنانات تستغل هذا وتروج لنفسها لكسب نسبة جماهيرية واسعة من هذا
المنطلق.
أرفض عمل المحجبات
·
هل أنت فعلا ضد المحجبات؟
- أنا ضد عمل الفنانات المحجبات في التمثيل فقط
ويرجع هذا إلي سبب مهني وليس لي موقف ضد الحجاب أو معه فأقاربي منهم
المحجبات وغير المحجبات ولكن الفن السينمائي قائم علي تجسيد الشخصيات وتنسي
ذاتك والحجاب يمنع هذا، ومن الطبيعي أن يؤدي إلي نظرية إفساد الإلهام
السينمائي.
·
ما الفيلم الذي تعتز به وله ذكري
لديك؟
- طبعًا أول فيلم لي كمخرج وقام بإنتاجه لي الأب
الروحي لي يوسف شاهين لإيمانه وثقته بي وهو فيلم «العاصفة» وبالفعل حققت
نبوءته وجاءت نتيجة الفيلم جيدة وشهد لي بأني سأكون مخرجًا له طابع خاص
ولذلك عملت معه في فيلم «الآخر» كسيناريست له.
مخرج وجداني
·
هل أفلامك معظمها يعبر عنك؟
- أي فنان لابد وأن يعبر عن جراحه وعذابه وسعادته
حتي يكون هناك نوعًا من الشفافية والصدق وسبب نجاح أول أفلامي «العاصفة» هو
الشرخ الوجداني الذي شعرت به عند احتلال الكويت مثلي كمثل ملايين العرب
وأرشدني يوسف شاهين علي هذا بضرورة وضع يدك علي نقطة الجرح لمناقشة قضايا
اللحظة الراهنة.
·
يعني بالفعل إنك امتداد لمدرسة
يوسف شاهين كما يقال؟
- أتمني أن أكون بنسبة 1% من عبقرية يوسف شاهين
مين أن بجانب شاهين، فهو الموسوعة الفنية والأكاديمية العلمية والرؤية
الإبداعية، يوسف شاهين قامة لم ولن يستطيع أحد أن يقارن نفسه بها.
·
سر شائعة انفصالك عن الفنان هاني
سلامة؟
- لا يوجد انفصال فني بيني وبينه ولم يحدث بيننا
أي خلافات كما يشاع وهو أخي الأصغر ولكن طبيعة أفلامي في الفترة الأخيرة لا
تناسب هاني ففي فيلم «دكان شحاتة» فيلم اجتماعي يحتاج إلي شاب في ملامح
عمرو سعد وفي الكوميديا في فيلم «كلمني شكرًا» لكن الفنان عمرو عبدالجليل
من قبل كوميديان من نوع خاص يناسب هذا النوع ومازالت العلاقة قائمة بيني
وبين كل هؤلاء.
مصطلح حقير
·
ماذا يعني مصطلح السينما النظيفة
عند خالد يوسف؟
- أنا لا أهتم بهذا المصطلح إطلاقًا بل احتقره
لأنه يقلل ويحقر من تراثنا السينمائي الذي يحتوي علي فاتن حمامة وسعاد حسني
وهند رستم ونادية لطفي وماجدة وميرفت أمين ونجلاء فتحي وكثيرات..
·
رأيك فيما يقال إنك مخرج سينما
العري؟
- المتربصون والذين يكرهونني لأني واضح ولا أخشي
شيئًا وأتعسف لأخذ حقي هم أصحاب هذا المصطلح! ولكن بالمقارنة بين أفلامي
وأفلام العظماء كفيلم «نهر الحب» و«حمام الملاطيلي» و«الخيط الرفيع» وأفلام
كثيرة أخري حتي في الملبس سوف تراها أقل القليل وظهرت في الآونة الأخيرة
أفلام هي العُري نفسه ولا يتحدث عنها أحد ولكن المسألة في مضمونها هي تحجيب
العقل المصري.
لعبة الانتخابات
·
هل صدمت عندما فشلت في انتخابات
نقابة المهن السينمائية؟
- أنا منذ البداية أعلم أن لعبة الانتخابات هذه
لعبة قذرة ولكن دخولي للانتخابات من أجل نجاح المخرج علي عبدالخالق لأنه
سينمائي الأصل والرجل المناسب يوضع في المكان المناسب ولم أتطلع أن أكون
نقيبًا لأني مشغول أولاً وثانيًا أنا رجل ديمقراطي ولكن كانت المفاجأة أسوأ
مما كنت أتوقع لأنهم وضعوا رجلاً غير سينمائي في موقع هكذا فهذا أصابني
بالصدمة الحقيقية..
·
رأيك فيما يقال إنك حصلت علي
وساطة لكسب قضية الفيلم الذي يتناول قصة كفاح عبدالحكيم عامر؟
- أبدًا لم أحصل علي أي وساطة لأنني لم أسييء
للتاريخ بل العكس إنني سأقدم المعلومة السياسية والتاريخية للأجيال التي من
حقها أن تعرف تاريخ العسكرية المصرية التي كان لها دور مهم وأساسي في تحرير
الأرض ولذا حصلت علي حكم المحكمة بعد اقتناعها بذلك وبعدما كسبت القضية
ذهبت إلي المخابرات لأسألهم عن سبب غضبهم من الفيلم؟
وأخيرًا اقتنعوا وتصالحنا معا وأخذت الموافقة منهم..
·
ومن هو بطل هذا الفيلم؟
- الفنان أحمد السقا أول الترشيحات ومازالت فكرة
الاختيارات والترشيحات قائمة..
·
ماذا تعني مقولتك: السينما لها
دور في ثقافة الجمال؟
- أعني أن السينما وسيلة لتشكيل الوجدان ونور وقوة
دفع لتوسيع الآفاق أكثر من أي وسيلة أخري ولذلك هي أهم الوسائل الإعلامية
لأن الذي يُسمح بها لا يسمح به في وسائل الإعلام الأخري سواء المرئية أو
المقروءة.
·
هل تشعر بالظلم؟
- أحيانًا أشعر بالظلم فأثناء قضية فيلم عبدالحكيم
عامر وأطلقوا علي وقتذاك بالمناضل الذي يطالب بحقه ففي إحدي المرات ذهبت
حفل عيد ميلاد والتقطوا لي صورة مع مجموعة معجبات وشاهدت في اليوم التالي
بإحدي الجرائد الفنية عنوانًا عريضًا مع صورتي والمعجبات يقول هذا العنوان
«شوفوا المناضل بيعمل إيه»؟ وكأني ممنوع من التصوير مع المعجبين.
وعندما يشتد الظلم علي ألجأ إلي الله وأقول حسبي الله ونعم الوكيل
لأنه توجد مواقف رغم أنها جارحة ولكن لا تستطيع فيها المجادلة من شدة
تفاهتها وسذاجتها وللأسف هذا الإعلام أصبح هو الأكثر رواجًا وأحيانًا يكون
شعلة النيران بين الفنانين كما حدث مع هيفاء وهبي وغادة عبدالرازق..
عيون الكاميرا
·
لماذا لا تمارس مهنة التمثيل؟
لا أشعر أنني أجيد فن التمثيل وأشعر أنه يوجد 80.000000 مواطن يراني
بعيون الكاميرا ويسألني ماذا ستعمل؟ فأنا مؤمن بأن هناك موهوبين أمام
الكاميرا وآخرون وراء الكاميرا وأنا من هؤلاء الذين وراء الكاميرا.
·
بما أنك من أصل ريفي ألم تعترض
عائلتك علي عملك بالفن؟
- والدي توفي وأنا في الثانوية العامة وعندما
تخرجت في كلية الهندسة وعملت بالسينما والدتي اعتبرتني منحرفًا ومستقبلي
ضاع وسنة 1997 أثناء تصوير فيلم «المصير» حضرت وشاهدت كم المجهود الذي
نبذله كمساعدي إخراج وحينها فقط احترمت عملي وكانت تعتقد مثل كثير من الناس
إنني عندما أعمل في الفن هذا يعني أنني راقص ومهرج ولذا كانت تريدني أعمل
كمهندس.
مستقبل مظلم
·
خالد يوسف متشائم أم متفائل؟
- لست متشائمًا ولكن شعوري بالمستقبل المظلم هو
الذي يشعرني بالإحباط.
·
ماذا تفعل لو اعتزلت الفن؟
- أرجع لبلدي كفر شكر وأعمل فلاحًا وأنا عندي أرض
سوف أنام عليها وأعمل فيها بالزراعة ولكن منذ طفولتي وأنا أميل للأدب
ووالدي لإنه واسع الأفق شعر أنني لا أميل إلي الزراعة بل دائم القراءة في
التاريخ والشعر ولذا لم يفرض علي العمل بالزراعة وقتذاك..
شعر ومشاغبات
·
هل بالفعل كنت شاعرًا كما قال
عنك نزار قباني؟
- كنت شاعرًا في مرحلة من حياتي المشاغبة وعندما
قرأ الشاعر الجميل نزار قباني بعض أشعاري قال لي لو أنت بالفعل هذا الشخص
المشاغب الذي سمعت عنه هو صاحب هذه الكلمات ستكون امتدادًا لأمير الشعراء
والشعر حالة تستنفد الطاقة الإبداعية بالكامل.
ولذا فضلت أن أفرغ كل طاقتي الإبداعية في العمل السينمائي.
ديمقراطي بالفطرة
·
ماذا يريد خالد يوسف من كل هذه
المشاغبات؟
- أنا ديمقراطي بالفطرة ودليل هذا أنني استمريت
حوالي 7 سنوات بالجامعة بسبب الحركة السياسية من خلال نشاط الطلبة وكانت
علاقتي بعميد الكلية سيئة للغاية ويتعمد إهانتي ورسوبي بالجامعة لدرجة أنني
قمت برفع قضية ضده وأملي الوحيد هو محاربة المتطرفين ورجوع مال الشعب
للشعب..
·
ظروف زواجك وانفصالك؟
- الزواج كان بسبب إلحاح والدتي علي ولكن زواجي
جاء بناء علي حب كبير بالرغم من عدم اقتناعي بالزواج وانفصلت عن زوجتي بسبب
عدم التفاهم وأسباب أخري ليس لها أي علاقة بالخيانة أو الغيرة كما يتردد أو
يشاع.
·
الحب عند خالد يوسف؟
- الحب ضعف من كلا
الطرفين فالرجل المحب ضعيف أمام محبوبته فقط وكذلك الأنثي ضعيفة أمام
حبيبها رغم قوة كليهما إلا أنهما يلتقيان في نقطة واحدة وهي التقاء ضعفهما
معا.
·
صحة شائعة أن خالد يوسف مغرور؟
- هذا المصطلح أطلق علي بسبب إنني أترك الخطوة
الأولي للسيدة عندما تختارني وهذا بسبب خجلي الشديد ونحن من طقوسنا الشرقية
الرجل يجب أن يكون صاحب الخطوة الأولي ولكن أنا عكس كل هؤلاء خجلاً وتحسبًا
وحفاظًا علي ماء الوجه الذي مازال يحمر خجلاً ولذا يفسرونه بالغرور.
·
المرأة التي تجذب خالد يوسف؟
- ذكاء المرأة الموضوعي والاجتماعي هو الذي يضفي
عليها بريقًا خاصًا يسحرني.
جريدة القاهرة في
23/11/2010
السينما المصرية بين مساوئ التأميم
وفساد الخصخصة
بقلم : زياد فايد
تري هل الخطوة التي أعلنها مؤخرًا المهندس «أسامة الشيخ» رئيس اتحاد
الإذاعة والتليفزيون عن نية التليفزيون المصري دخول مجال الإنتاج السينمائي
خلال الفترة القادمة هي رغبة صادقة لإنقاذ صناعة السينما المصرية بعد
التراجع الشديد في الإنتاج.. أم هو تكفير عن خطيئة التليفزيون ضد السينما
المصرية نتيجة فساد موظفيه- عندما تخاذل عن الدخول في مزاد بيع تراث
السينما المصرية الذي أقامته شركة مصر للتوزيع لبيع 2000 فيلم روائي طويل
مقابل 40 مليون جنيه- مما أدي إلي رسو المزاد علي رجل الأعمال السعودي
(صالح كامل) بحجة عدم وجود سيولة لدي التليفزيون في تلك الفترة- واتضح فيما
بعد أن هذا التقاعس كمان متعمدًا نتيجة فساد الإدارة.
هل الصفقة التي تمت مؤخرًا «للشراكة» بين شركة «روتانا» لصاحبها
الأمير السعودي «الوليد بن طلال» وملياردير الإعلام الأمريكي «مردوخ» ذي
الميول اليهودية- كان الدافع الحقيقي وراء المفاوضات التي جرت مؤخرًا بين
شركة الصوت والضوء الممثلة للحكومة المصرية وبين شركة الـ
ART
التي يمتلكها المستثمر السعودي «صالح كامل» وشركة روتانا التي يمتلكها
المستثمر السعودي أيضًا «الوليد بن طلال»- لإعادة شراء حقوق الأفلام
المصرية التي سبق أن حصل عليها كل منهما- ويتردد أن المبلغ المعروض من مصر
لاتمام الصفقة بلغ 1200 مليون جنيه ورغم ذلك رفضت «روتانا» العرض ولم ترد
ART في حين أن شركة
ART كانت قد حصلت علي هذه الأفلام في بداية التسعينات من خلال مزاد علني-
أقامته الشركة المصرية بمبلغ 40 مليون جنيه فقط لـ 2000 فيلم ؟!
الصفقة الأولي
والحقيقة أن هذه لم تكن الصفقة الأولي ببيع تراث السينما المصرية فقد
حدث المزاد الأول عقب قرارات تأميم السينما المصرية- حينما أعلن عن بيع
أكثر من ألف فيلم ملك ستديو مصر- من
إنتاج الأربعينات والخمسينات بناء علي توصيات «د.حسن الجزيري» عميد كلية
التجارة في ذلك الحين باعتباره المصفي العام للتراث السينمائي في ستديو
مصر. حيث تم بيع نيجاتيف أكثر من ألف فيلم بمبالغ لم تزد علي مائتي جنيه
للفيلم الواحد- في تلك الفترة التي أعقبها مباشرة إغراق الأسواق في العالم
العربي ومصر بأجهزة الفيديو كاسيت وانتشار نوادي الفيديو. حيث استغل هؤلاء
التجار نيجاتيف هذه الأفلام بعد عمل كونترتيب بطبع آلاف النسخ الأصلية.
وحققوا بذلك ثروات تقدر بالمليارات.
الصفقة الثانية
أما الصفقة الثانية فقد تمت في أواخر التسعينات عندما أعلنت شركة مصر
للإنتاج والتوزيع عن مزاد آخر لبيع 1200 فيلم مصري قديم- اشتراها المستثمر
السعودي «صالح كامل» المالك لمحطة راديو وتليفزيون
ART
وكانت هذه الأفلام هي النواة الأولي لتغذية قناة الأفلام التي بثها عبر
الأقمار الصناعية مقابل كروت فك الشفرة.
الصفقة الثالثة
في عام 2000 وعندما أسس رجل الأعمال الأردني (علاء الخواجة) الشركة
العربية للسينما قام بشراء 1000 فيلم مصري بعضها بالطبع من الورثة والآخر
من شركات القطاع العام أو شركات إنتاج خاصة كانت قد أعلنت إفلاسها. المهم
أن هذه الصفقة لم تتعد وقتها المائتي مليون جنيه. وقد حققت له مئات
الملايين بعد أن طبعها علي شرائط
C.D،
DVD،
وغمر بها الأسواق العربية إلي جانب منح القنوات العربية المتعددة التي ظهرت
فيما بعد حق عرضها مع احتفاظه بالنيجاتيف الأصلي.
الصفقة التي قصمت ظهر البعير
وأخيرًا الصفقة المشبوهة التي تمت مؤخرًا بين الملياردير السعودي
والملياردير الأمريكي للاستيلاء علي كل تراث السينما المصرية؟!
بداية السيناريو
في عام 2006 نشرت إحدي الجرائد اليومية خبرًا مفاده أن الأجهزة
الرقابية بدأت التحقيق- فيما يتردد عن وجود فساد ومخالفات تشوب تعاقدات
لجنة شراء الأفلام العربية بالتليفزيون- وتوقعت «القاهرة» وقتها أن هذا
التحقيق ربما يكشف المستور والمسكوت عنه في اختيار أفلام شركات إنتاج معينة
بمبالغ مبالغ فيها مقابل أفلام لا تستحق في نفس الوقت ترفض أفلامًا أفضل
وربما بأسعار أقل؟! ولكن يبدو أن هذا الملف قد أغلق لسبب ما؟!
ربما توقعنا أيضًا أن يكشف التحقيق ما دار خلف كواليس صفقة الـ 1200
فيلم التي اشتراها رجل الأعمال السعودي «صالح كامل» وشريكه الموزع
السينمائي اللبناني «محمد ياسين» في ذلك المزاد الذي امتنع عن حضوره
التليفزيون المصري.. بحجة عدم وجود سيولة.. وتردد وقتها أن هناك أيد خفية
وقفت حائلاً بين التليفزيون وبين هذا المزاد الذي فتح لتليفزيون
ART
فرصة احتكار أكثر من ثلث تراثنا السينمائي؟! وربما نفس الأيدي الخفية كانت
أيضًا وراء احتكار الشركة العربية التي تمتلكها الفنانة إسعاد يونس وزوجها
رجل الأعمال الأردني «علاء الخواجة» لما يقرب من 800 فيلم وأخيرًا الأمير السعودي «الوليد بن طلال» الذي
احتكر هو الآخر حوالي ألف فيلم وبذلك تكون السينما المصرية قد فقدت كل
تراثها وكنوزها السينمائي علي مدي ثمانين عامًا. حتي وصل الأمر بالتليفزيون
أن يمد يده بقبول حسنة من الأمير السعودي تتمثل في 170 فيلمًا مصريًا
قديمًا للعرض مرة واحدة أرضيًا «حدثت هذه الواقعة عام 2006».
ربما كان ذلك في صدور تعليمات للمخرجين في جميع القطاعات بعدم
الاستعانة بلقطات من الأفلام العربية الموجودة داخل المكتبة إلا بموافقة
كتابية من رؤساء القطاعات وهو نفس السبب كما تردد في قرار وزير الإعلام
«أنس الفقي» بانزال القنوات الإقليمية من القمر الصناعي «نايل سات» للعرض
أرضيًا بعد قيام بعض المخرجين بالاستعانة بلقطات من أفلام عربية قديمة داخل
برامجهم دون أن يكون هناك حقوق لعرضها فضائيا. مما نتج عنه مقاضاة الشركات
المنتجة للتليفزيون والمطالبة بتعويضات وصلت لعدة ملايين.
في نفس الوقت صدرت تعليمات حاسمة بمنع الإشارة إلي توقيتات انتهاء
حقوق استغلال الأفلام المصرية التي يعرضها التليفزيون المصري عبر قنواته
الفضائية وإسقاط الخانة التي كان يذكر فيها تاريخ انتهاء حقوق الاستغلال من
الخريطة الشهرية للقنوات خشية أن تصل إلي الصحف وأن تستغل في كشف حقيقة
الأوضاع المتدهورة في مكتبة الأفلام بالتليفزيون والتراجع المخيف في عدد
الأفلام التي يمكن عرضها في القنوات المقبلة. وهو الوضع الذي ينذر بخطورة
كبيرة تتمثل في سقوط حقوق استغلال عدد كبير من الأفلام إما لأن أصحابها
يفضلون عدم التجديد وبيعها بسعر أعلي لقنوات السينما الفضائية المتخصصة أو
لأن التليفزيون لم ينجح في إبرام صفقات جديدة مع أصحاب الأفلام التي أنتجت
حديثًا بعد نجاح قنوات «روتانا، ميلودي، الحياة»، وغيرها في انتزاع حقوق
استغلالها لحسابهم أو المشاركة
في إنتاجهم بحيث تعطي أصحابها الحق في عرضها في مصر لمدة خمس
سنوات. فيما تملك هذه القنوات حقوق توزيعها في الخارج وامتلاك أصولها
(النيجاتيف) بعد فترة الخمس سنوات بما يعني أن الكارثة أفدح وأخطر!.
واقعة أخري حدثت عام 2008 عندما بدأت الاستعدادات لافتتاح قناة «نايل
سينما» التابعة لقطاع القنوات المتخصصة حيث وقع فيها المهندس «أسامة الشيخ»
بصفته رئيسًا للقطاع، اتفاقًا مع مؤسسة «روتانا» يتم بمقتضاه منح قطاع
المتخصصة حقوق عرض 340 فيلمًا مصريًا أرضيًا وفضائيا وقد شهد توقيع العقد
اللواء أحمد أنيس رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون في ذلك الحين وحضره «أيمن
الحلواني» مدير عام شركة «روتانا استديو» ويسمح العقد بإضافة قوائم إضافية
باستمرار الأفلام الكلاسيكية أو الحديثة التي تمتلكها روتانا.
هذا في الوقت الذي تشير فيه عدة وقائع وجود خلل في تعاقدات المسئولين
عن التعاقد علي الأفلام منذ سنوات طويلة- منها علي سبيل المثال واقعة تقدم
ورثة المنتج السينمائي الراحل «والي السيد» للتليفزيون بغرض استغلال مجموعة
من الأفلام التي في حوزتهم- إلا أن اللجنة طلبت موافقة الرقابة أولاً ثم
الصلاحية الهندسية. وبعد ذلك اختاروا ستة أفلام من بين 21 فيلمًا- وذلك
مقابل 20 ألف جنيه للعرض الأرضي والفضائي لمدة 6 سنوات. وغم أن هذا المبلغ
لا يتجاوز 25% مما تدفعه الفضائيات المصرية ورغم موافقة الورثة علي عرض
التليفزيون المصري ماطل المسئولون في إدارة التعاقد في الإجراءات بعد أن
رفض وكيل الورثة مبدأ «فتح مخك».
واقعة أخري حدثت عندما كان الإعلامي الراحل (أحمد سمير) رئيسًا للقناة
الأولي حيث طلب التعاقد علي فيلم «أرض الأحلام» بطولة سيدة الشاشة العربية
فاتن حمامة ويحيي الفخراني- إلا أن إدارة عقود شراء الأفلام العربية.. رفضت
بحجة أن الفيلم غير صالح هندسيًا من جهة ومن جهة أخري
أن الشركة المنتجة طلبت 35 ألف جنيه مقابل حق الاستغلال وأنهم
أي «العقود» لا تري أنه يستحق أكثر من عشرة آلاف جنيه.
وثار «أحمد سمير» في حينها وهدد اللجنة بفضح أساليبها- إذا لم تحضر
الفيلم وتحت التهديد والوعيد وخوفًا من كشف المستور- تعاقدت الإدارة علي
الفيلم المذكور مقابل 35 ألف جنيه- هذه الوقائع حدثت بالفعل- ومازالت تحدث.
ولذا نطالب بوضع آلية تحكمها الشفافية في مسألة شراء أفلام جديدة (وتجديد
حق الاستغلال لعدد من الأفلام المهمة حتي لا يضطر التليفزيون أن يعيش علي
حسنة الأمير أو يشتري أفلامًا كانت في حوزته بعشرة أضعاف ثمنها وتعليقًا
علي الأزمة التي يمر بها التليفزيون حاليًا حيث انتهي بالفعل حق استغلال
معظم الأفلام الروائية الطويلة التي يمتلكها التليفزيون في مكتبته في الوقت
الذي تحتكر فيه الفضائيات العربية من حولنا ما يقرب من ثلاثة آلاف فيلم
مصري- هي تقريبًا كل رصيدنا باستثناء حوالي 500 فيلم بعضها في التليفزيون
والبعض الآخر إما غير صالح أو مفقود ولا أثر للنيجاتيف الأصلي!
يقول الفنان «محمود يس» للأسف التليفزيون المصري يعتقد أنه الوحيد علي
الساحة متناسيًا أن هناك العديد من الفضائيات الأخري المنافسة وهذه القنوات
تشتري الأفلام بمبالغ مرتفعة. أما التليفزيون المصري فقد توقف منذ سنوات عن
تجديد حق الاستغلال لعشرات الأفلام الموجودة في مكتبته وحتي إذا ما طلب
تجديد خمسة أو ستة أفلام للضرورة- فهو يعرض مبالغ هزيلة ويدفعها بالتقسيط!
أما الفنان حسين فهمي فيقول: من العيب أن نري معظم أفلامنا المصرية
تذاع علي الفضائيات العربية ولا نشاهدها علي شاشة تليفزيون بلدنا وأعتقد أن
التليفزيون المصري يستطيع استرداد ما سيدفعه في أي فيلم عن طريق
«الإعلانات» التي تسبق عرضه وهذا يعد بالملايين وكل الفضائيات العربية تفعل
ذلك!
أما الناقد السينمائي «طارق الشناوي» فيري للقضية أبعادًا أخري حيث
يقول: أعتقد أن غياب استراتيجية القرار السياسي أشد خطورة من الفساد الذي
يمكن أن يشوب التعاقد علي حقوق استغلال أفلام لحساب التليفزيون بقطاعاته
المختلفة. بعد أن خسرنا بالفعل المعركة الأولي وسبق السيف العزل ولا داع
للبكاء علي اللبن المسكوب بعد أن أصبح كل تراث السينما المصرية محتكرًا
لحساب كل من صالح كامل والوليد بن طلال.. وأخيرًا مردوخ؟!!
جريدة القاهرة في
23/11/2010 |