في ضاحية دمر الحديثة بدمشق كنت على موعد
مع الفنانة والمخرجة واحة الراهب التي
انطلقت من ساحل المتوسط وتشربت من ثقافته
المنفتحة على الآفاق واستكملت دراستها في دمشق وتزودت بفيض من عراقتها، فهي
تجمع
العلم والفن والثقافة. بعد تميز في دراسة الفنون التشكيلية وتألق بالتمثيل،
لم
تستكن واحة لذلك فغادرت لتواصل تعليمها العالي في باريس، ثم عادت إلى دمشق
بعد
تخصصها بالإخراج السينمائي حيث قدمت العديد من الأفلام السينمائية وحصلت
على جوائز
عدة من الدول العربية والعالم. وفي بيتها الحديث الذي زينت جدرانه بعدد من
اللوحات
الفنية الجميلة، استقبلنا بأريحية البيت الشامي المخرج المتميز مأمون البني
وإلى
جانبه رفيقة دربه الفنانة المبدعة واحة الراهب التي رحبت بصحيفة 'القدس
العربي'.
سألتها:
·
اعتقد ان البيئة التي ترعرعت
فيها الفنانة والسينمائية واحة كانت غنية
ثقافياً وتربوياً؟
* 'هذا
صحيح البيئة تؤمن الخيار، فأنا لو لم أكن من عائلة
إبداعية لها علاقة بالبيئة الثقافية والإبداعية لما كان ساعدني ذلك في
تحقيق
خياراتي. عمي المرحوم هاني الراهب، وهو من أهم الروائيين العرب، وكذلك
والدي كاتب
روائي ورسام وله علاقة بالموسيقى ودبلوماسي ومثقف، فأنا لو لم أكن ابنة هذه
البيئة
لكانت خياراتي ذهبت هباء، وما كنت قد اخترت الرسم أو السينما وما كنت سافرت
ودرست
في فرنسا. طبعاً هناك جزء منه له علاقة بالوراثة، فمنذ أن كنا أطفالا نرسم
مثل
والدي، ونكتب الخواطر، ونحاول أن نكتب الشعر، كنا متعلقين بالقراءة. هذا
كله ذاتي
ومنه ما هو موضوعي، وهناك شيء مكتسب من البيئة والعائلة. لا شك هذا لعب
دورا كبيرا
في تطوير أفقنا وإبداعنا من خلال التشجيع من أسرتي، فلولاهم لكانت ماتت
جميع
مواهبي. فقد شجعني والدي على الرسم وعلى الفن الدرامي، وخاصة بعد دوري في
أول
مسرحية لي (لكع بن لكع) ودور الست بدور الذي أديته وكان من الأدوار المهمة،
وهي رمز
للشعب الفلسطيني للكاتب إميل حبيبي والمخرج وليد قوتلي. ولا شك أن هذه
المسرحية
كانت النقطة الحاسمة في اتجاهي نحو التمثيل، فقد كان طموحي الرسم وكان
التمثيل مجرد
هواية حتى اختارني الأستاذ وليد وقال هناك مسرحية لفرقة من الهواة، تأليف
جماعي
وإخراج جماعي، وهذا ما لفت نظري، وكان موضوعها عن القضية الفلسطينية
والصراع العربي
الإسرائيلي. عند ظهور نص (لكع بن لكع) حضرت معهم البروفة ودعاني للصعود إلى
خشبة
المسرح وارتجلت مشهداً كوميدياً، وفوراً أعطاني دور البطولة وهو دور الست
بدور رمز
الشعب الفلسطيني في المسرحية، وكان المخرج وليد يتحداني قائلاً أنت ستكملين
في
الفن، وأنا أقول له مستحيل هو مجرد هواية وتجربة، وفعلاً كان تحديه لي في
مكانه'.
هذه هي شخصيتي الحقيقية
·
دور الست بدور هذه المرأة
الفلسطينية المقاومة، هل اكتسبت منه لأنه في بعض الأحيان تظهر على شخصيتك
القوة
والشموخ، فهل تأثرت به أم أن هذه هي شخصيتك؟
*'في
الواقع أن هذه هي شخصيتي
الحقيقية، وأنا كنت معنية بالقضية الفلسطينية والصراع العربي
الإسرائيلي منذ كنت
صغيرة، رغم أن فيلمي 'رؤى حالمة' ليس سيرة
ذاتية، ولكن قد أوردت به بعض اللمسات
الخاصة بي. فمثلا، هناك الطفلة التي ترى
الإسرائيليين يقصفون الفلسطينيين
والمخيمات، وعندما كنا أطفالا كانوا
يتحدثون عن الفدائيين، فكان لدي طموح هو أن
أصبح فدائية، فأنا لدي اعتداد بعروبتي وانتماء كبير جداً لأمتي، شخصية
'الست بدور'
هي قريبة جداً لشخصيتي، لأهدافي، وقد استطعت أن أنفس عن هذه الحالة
الانفعالية'.
·
*دراسة
الفنون التشكيلية وعلاقتها بالإخراج والتمثيل، هل رغبة
ذاتية أم كانت لدوافع أخرى لم تكن منظورة
لكِ؟
*'دراسة
الفنون هي أول خيار راسخ
بالنسبة لي، لكن بعد دخولي التمثيل من خلال
هذه المسرحية وتشجيع الجمهور والنقاد
لي، دفعني هذا للاستمرار بهذه المهنة وشعرت بأني أنتمي للتمثيل، ومن خلال
التمثيل
ظهر الإخراج، وذلك عند مشاركتي بفيلم 'أحلام المدينة' للمخرج محمد ملص،
وعندها
اكتشفت فن السينما الذي كان بالنسبة لي كالسحر، واكتشفت أدواته المادية
والواقعية
وأن هذا هو عالمي الحقيقي الذي أنتمي له، وهذا العالم يشتمل على هواياتي
جمعاء،
واكتشفت أني أستطيع تحقيق الرسم من خلال الإخراج السينمائي. بالنسبة
للكتابة فهي
لدي هواية، وعندما درست السينما تأكدت من أني أستطيع كتابة السيناريو
وبتميز،
وأيضاً لدي هواية الموسيقى وهي ضرورية في الإخراج، فأتقنت الإخراج المسرحي
الذي كان
منحى غير مسار حياتي'.
المنتج الخاص يريد الربح
·
ما دمنا نتحدث عن
السينما، وبما أنك مخرجة سينمائية، لماذا برأيك نهضت الدراما السورية بهذا
الشكل
الجميل حتى وصلت مستوى مرموقا، بينما الفيلم السينمائي ما يزال خجولا، هل
هي الحرية
أم عدم كفاءة السينمائيين في سورية.. وحتى في مصر قد تراجعت السينما، ما
السبب في
هذا التراجع؟
* 'نحن
لدينا كوادر إبداعية سينمائية متميزة جداً من ممثلين إلى
مخرجين إلى كتاب ...إلخ. طبعا، تقنياتنا ضعيفة. هذا أكيد، لكن أنت قادرة
على أن
تصنعي بأي مستوى من التقنيات حيث أنك تستطيعين أن توصلي أفكارك، لكن ليس
لدينا
تكامل وعناصر، هذه الصناعة يجب أن يتحقق فيها تكامل ثلاثة عناصر، هي
الإنتاج الكمي
والنوعي والعرض والتسويق. نحن لدينا شركة إنتاج القاضي إسماعيل وهي التي
تحقق
الإنتاج وبكم ضئيل جدا، وليس لدينا آلية تسويق، وليس لدينا صالات عرض
سينمائي جديرة
بعرض أي منتج. ويتعلق الأمر أيضا بالحرية والرقابة السينمائية، لأن المؤسسة
العامة
للسينما فقط هي المنتج الوحيد لهذه السينما، وبالتالي رقابتها تكون ملكية،
وهذا أمر
معيق للإبداع. بينما بالنسبة للدراما التلفزيونية، فلا تستطيع الوصول
للعالم، فقط
السينما هي التي تستطيع الوصول للعالم. لكن دخول القطاع الخاص للإنتاج
التلفزيوني
عمل على تطوير أفق الإنتاج رقابياً بصورة أساسية، وهذا الذي كسر الهامش لأن
المنتج
الخاص يريد الربح، ولن يحقق غايته وهو يزيف وعي الجمهور ويكذب عليه بقوله
إن كل شيء
بخير، بينما ليس هناك في السينما قطاع خاص يدخل ويكسر هذه الحواجز. فتح
هامش
الحريات لا بد منه لقول ما يجب قوله. في النهاية أصبح لدى المبدع رقيب
ذاتي، ومع
ذلك يبقى الرقيب يقصقصك أكثر ويسحب خير أي عمل تريدين تقديمه. وبالإضافة
للرقابة
السياسية والأمنية، هناك الرقابة الاجتماعية. ففي اللجان الفكرية التي
تناقش أي عمل
والتي تتألف من عدد من الأشخاص كل منهم ينتمي لبيئة مختلفة وأغلبهم مازالت
تستحوذ
عليهم العقلية الذكورية، وبالتالي انتماءاتهم العشائرية أو القبلية أو
العائلية
تجدين أنها هي التي تُسقط نفسها على خياراتهم للنصوص وعلى تشديد الرقابة
التي
يفرضونها، هذه هي الأساسيات التي تحد من الإبداع السينمائي، مع العلم بأن
السينما
هي أخطر سلاح وهي الصوت الأول الذي تستطيعين أن توصلي من خلاله أفكارك
وتخلقي من
خلاله جسور تواصل مع شعوب الغرب التي تجهلنا تماما. والإعلام الغربي يستغل
جهله بنا
هذا من خلال هذا السلاح، ونحن للأسف لا نعرف كيف نستغل هذا السلاح
لمصلحتنا، بينما
أعداؤنا استغلوه بأقصى أبعاده واستطاعوا أن يمحوا كل جرائمهم وإظهار أنفسهم
بمظهر
المظلوم من خلال سيطرتهم على السينما في أمريكا'.
باريس أصابتني
بالصدمة
·
باريس والجوانب الإيجابية
والسلبية التي اكتسبتها منها، سواء على
صعيد العلم والعمل أو على صعيد شخصية واحة
الراهب وقراءتها للحياة العامة؟
* 'هناك
جوانب إيجابية وسلبية اكتسبتها من خلال سفري لباريس، الجوانب الإيجابية
أنني
في الأساس كنت حاملة مبادئي وتكويني الذاتي وثقافتي وجذوري وعواملي الذاتية
أهم
إنجاز حققته من خلال استكمال دراستي في فرنسا، المستوى الأول هو إطلاق ذاتي
والتعبير عنها بأبعادها القصوى خلال تلك الفترة الدراسية، بالإضافة إلى
تعلم مبدأ
ممارسة الحرية، ليس نظرياً أن تعيشي الحرية بشكل عملي وتعرفي أين تناسبك
وأن تضعي
القوانين لنفسك لا أن يضعها أحدهم لك، هذا كان أهم إنجاز. أضيفي لذلك
الانفتاح
العقلي على كل الثقافات الأُخرى، انفتاحي ذهنيا على رأي الآخر الذي كنا
تقريباً لا
نعرفه، كذلك منهجية التفكير والعقلانية والدراسة والعمل على أي مشروع
يخصني، هذه
المنهجية لا نكتسبها في بلدنا، لأن المنهاج الدراسي قائم على التجميع
واللصق أكثر
من التفكير والبحث الذي يؤدي للخروج بخلاصة تقولين من خلالها وجهة نظرك
وتطوير ما
تعلمته. لقد تعلمت السينما، ولم أكن أعاني كثيراً عند قيامي بسورية
بالتمثيل
المسرحي. أما بالنسبة للجوانب السلبية، ظروف الحياة في فرنسا بالنسبة
للطلبة قاهرة
جدا، وأنا أصررت على أن أعتمد على نفسي من الناحية المادية بكل الظروف
القاسية التي
مررت بها. وهناك أيضاً كانت معاناة على مستوى دراسة اللغة، مع أني كنت
ممتازة
باللغة الفرنسية لكن عندما أتيت لباريس تحديدا، الشعب الباريسي يعمل مثل
الآلات
فيصبحون عصابيين مع الوقت لدرجة لا تحتمل، مما اصابني بصدمة (شوك) بالنسبة
لي
بتعاملهم، إن أخطأت بأي خطأ لغوي. وهذا جعلني أنسحب ولم أقم بعمل تطبيقي
ولم أعد
أقيم علاقات مهمة مع الفرنسيين خوفاً من ردة فعلهم. أيضاً تشعرين بالغربة
حيث أنك
تكتشفين معدن الناس في الغربة أكثر منه عندما تكونين في بلدك، وبالتالي
جعلت مني
هذه الحياة شخصا أقل مسالمة، فقسوة الحياة فرضت علي أن أكون مجابهة
أكثر'.
الدراما ولعبة التكرار
·
كيف ترى الفنانة واحة المخرجين
السوريين؟ أين أخفقوا وأين أصابوا على المستويين السينمائي والتلفزيوني؟
* 'على
المستوى السينمائي أنا أشعر بأن السينما السورية صنعت بصمة مميزة على مستوى
السينما
العربية قاطبة، وحتى بالمهرجانات الدولية كان لها حضور مهم، على الرغم من
بساطة
تقنياتها وميزانياتها. ومع ذلك، فهي حاضرة وهي قامت أساسا على أكتاف مخرجين
ومبدعين، وقد حصلت الأفلام السورية على جوائز عديدة، منها الذهبية والفضية
والبرونزية. لكن من الممكن أن تتفاوت بدرجة تحقيق المعادلة الصعبة، بأن
تكون نخبوية
وجماهيرية بنفس الوقت. هنا يقال: هناك مآخذ عليها هو أنها إما أن تكون
شعبية بشكل
زائد أو نخبوية بشكل زائد. أنا برأيي أنه لو كان هناك إعلام مهم، وإنتاج
كمي مهم،
وصالات عرض جيدة، وتسويق جيد للفيلم السوري، لحقق أرباحا كثيرة. فالفيلم
السوري
قادر على أن يستقطب الجمهور وأن يحقق أرباحاً بالعملة الصعبة، وهذا يدعم
اقتصاد
البلد، إن وزع بشكل جيد. بالنسبة للدراما التلفزيونية، حققت بصمة عظيمة
واستطاعت أن
تتبوأ الصدارة بين الإنتاجات العربية قاطبة. وبرأيي، يعود الفضل بذلك
للقطاع الخاص
وفتح هامش الرقابة، لكن الخوف أنه يجب أن يقدم شيئا جديدا دوما، وقد بدأنا
نراوح
بالوقوع في لعبة التكرار واستهلاك أنفسنا ومواضيعنا والبيئات والعشوائيات.
لا يوجد
تخطيط وتنسيق، وهناك خوف من أن هامش الرقابة يجب أن يفتح أكثر وأكثر، وهناك
أيضاً
تكرار مفهوم العمل نفسه، فالفكرة الواحدة تعاد في أكثر من حلقة، وهناك
المطمطة،
وذلك نتيجة أنهم يريدون تغطية ثلاثين حلقة. كما أن تكرار الممثلين أدى إلى
استهلاكهم لأنفسهم، وهذا شيء مخيف، فأنا أجدهم هم أنفسهم في أغلب الأعمال،
وهذا مضر
للعمل وللفنان بحد ذاته. أضيف لذلك أن الممثل نفسه عندما يكون لديه خمسة أو
ستة
أعمال، مستحيل أن يملك القدرة على أن يعطي كل شخصية حقها. لذلك، الفنانون
المقلون
هم القادرون على الإبداع أكثر بأدوارهم. هناك أيضاً مشاكل أخرى: لقد شعرنا
بالسعادة
والمجد بسبب المستوى الذي حققته الدراما السورية فأصبحنا في عجلة، وخاصة في
أعمال
هذا العام. وكان هذا واضحا بتنفيذ الأعمال لدرجة أنك لا تشعرين ببصمة
المخرج، فكان
هناك استهتار بعدم إنضاج العمل نفسه. فقد كانت هناك نصوص ممتازة وجريئة،
وأنا أُشجع
ذلك. ولكن هناك أيضاً استعجال بالنص مما ينتج عنه خطأ بالأزمنة، وهناك
محاولة
شكلانية لإظهار الاستعراضات الإخراجية، مثل قفزة كاميرا بالعمل تكون غير
مدروسة،
كما حدث في تخت شرقي، فأنت تقومين بقفزة (زوم) بعد أن تكون انتهت الجملة
المفاجئة
والانفعال انتهى! تقومين بالقفزة ثم تعودين وتصنعين قفزة بعد أن تقول
جملتها، وهذا
أظهر أن هناك خطأ تقنيا في مثل هذه الحالة. مثلا، هناك أخطاء على مستوى
الموسيقى.
ففي العام الماضي كنا أعضاء بلجنة التحكيم، وقد احترنا لمن سنعطي الجوائز
فالكل
كانوا متميزين بالموسيقى. في هذا العام هناك مبدعون في بضعة أعمال يستحقون
الجوائز،
لكن هناك ضجيجا موسيقيا هائلا. فالموسيقى إن كنت لن تستخدميها في موقعها
وحسب
ضرورتها حيث تكون لحساب الدراما وليس على حسابها، فلا يجوز أن تكون
الموسيقى هي
الطاغية وتكون على حساب الفكرة التي تقال أو على حساب الحدث، فهي يجب أن
تكون
رديفا، هي داعمة للحدث وليست هي الحدث. أيضاً في هذا العام، المخرج لم ينضج
النص.
كان هناك خلل واستعجال، وأيضا كثير من الممثلين راوحوا ولم ينضجوا عملهم،
وكذلك عمل
المبدعين بأكثر من عمل نتج عنه استهتار وعدم اهتمام بالعمل نفسه. ومن حرصي
على أن
تبقى الأعمال السورية في المقدمة، أقول ذلك لنصلح نحن الخطأ أفضل من أن
ننتظر من
يستغل الأخطاء التقنية البسيطة التي تحصل في أي عمل كان، سواء سوري أو مصري
أو
تركي، لكن تبقى في المقدمة الدراما'.
مع الجرأة
·
هل كان هناك
استهتار بالمشاهد نفسه من خلال مشهد الفتاة التي تأمرها آنسة الدين
وتطيعها، وتلك
الفتاة التي تعمل ما تقوله لها صديقتها، هل غدت الفتاة تجاه المادة وتجاه
الربح
تستهتر بالجمهور؟
* 'أنا
لست مع وجهة النظر هذه، فأنا أقول هل هذه القصص موجودة
في مجتمعاتنا. فالمرأة تستغل ضد مصلحتها من أبواب التخويف، والدروس التي
تعطى في
بيوت سرية، والترهيب الذي يوقعونه على أعضاء المجتمع ككل وليس فقط المرأة.
هناك
اتجاهان للدين وهما مطروحان في العمل، مطروح الاتجاه العقلاني والموضوعي
والمتنور،
وهناك الاتجاه المتطرف الذي يؤدي لهذه الأعمال الإرهابية والذي يقمع المرأة
والرجل
على السواء، وهي ظاهرة منتشرة كثيراً وبشكل مرعب في بلدنا، ظاهرة إرهاب
الناس باسم
الدين وتحويلهم لقطيع غنم. أنا مع الجرأة في عرض هذه الظواهر، لكن على أن
توضع وجهة
النظر المستنيرة الأُخرى، وهذا قد حدث. نعم، كانت هناك مبالغة في بعض
الشخصيات، لكن
هل هي موجودة أم لا؟ برأيي هي موجودة، ولكن كان من الممكن تشذيب المبالغة
التي حدثت
أحياناً'.
·
*قدمت
أعمالا عبرت فيها عن دور المرأة الفلسطينية وكفاحها، ما شعورك
في هذا الدور، وما دور المرأة في صمود الشعب الفلسطيني؟
* 'الحقيقة
نحن مهما
قدمنا نبقى مقلين، وهذا معيب أن نكون مقلين تجاه قضية مصيرية
للعرب كلهم،
والاستخفاف بها وجعلها قضية غير محورية، وشاء البعض تجاهلها.
هي قضية محورية غصبا
عن الجميع ومصيرية، وهي تتحكم حتى بلقمة
العيش، كوننا بعدنا مرهونين بإسرائيل
واغتصابها للأراضي العربية، ولها أطماع
أكبر وأكبر، كلما نعطيها أشياء تصبح
تطلعاتها أكبر. أنا فعلت شيئين مختلفين:
عبرت عن المرأة المناضلة رمزا للشعب
الفلسطيني مثل (ست بدور) بمسرحية (لكع بن
لكع) التي هي أول دور أمثله بحياتي، وقد
لبى طموحي حقيقة لأنه عبر عن شخصيتي الحقيقية. أشعر بأنني هكذا، لأن جزءا
مني
مناضل. وعبرت عن المرأة بالشكل المناقض تماماً للمقاومة والمقاتلة وأم
الشهداء،
بفيلم (عرب لندن) وهي كانت مقاومة وحاملة أفكار، لكن عندما عاشت بلندن مع
زوجها
وأصبحا غنيين ومن أصحاب الثروة أصبحت مثل أي امرأة برجوازية تمنع ابنتها من
أن تحب
شابا فقيرا، هذا يبين كيف ان الثراء يغير المبادئ ويؤدي إلى إهمال هذه
القضية
والاستهتار بها كما يحدث الآن. فأنا عبرت عن شكلين متناقضين للمرأة، فإن
كنت مع
قضية لا يعني أن أقدم فقط الأشياء الإيجابية لها، يجب أن نضع النقاط على
الحروف
والملح على الجرح، كل موضع فيه خطأ. كما عبرت عن المرأة المناضلة من خلال
فيلم (رؤى
حالمة) وهذا العمل أنا كتبته، طفلة تبكي عندما تنظر إلى النازحين
الفلسطينيين
والمخيمات والقصف الإسرائيلي، وتبكي بحرقة عندما تطلب منهم المعلمة الوقوف
لحظة
حداد بذكرى 'وعد بلفور'. وعندما سألتها الآنسة لماذا تبكين قالت لها: عندما
أكبر
سوف أكون فدائية، واختها قالت: سأكون طبيبة حتى أغرز الذين اغتصبوا أرضي
وعذبوني،
إبرة (حقنة) والفيلم مع هذه البطلة الصغيرة هو عن الاجتياح الإسرائيلي
للبنان سنة 1982، هذا الشيء يظهر النساء بانتمائهن للحس الوطني
والنضالي للمقاومة'.
·
حين
تأتيك فكرة للكتابة، هل تضعينها فوراً على الورق أم تبقى تدور في ذهنك حتى
تكتمل
الصورة لديك وتنضج كما في الشعر؟
* 'إذا
أَبقيتها في ذهني ستضيع لأن فيه الكثير
من التفاصيل، ولذلك أقيدها على الورق
كأفكار ورؤوس أقلام كما حدث في فيلمي 'رؤى
حالمة'، بقيت سنتين أسجل ما يخطر في بالي من أفكار، وعندما اكتملت الفكرة
في شهر
واحد كتبتها. أخطر ما يبعدنا عن أفكارنا هو الرقابة الذاتية التي نمارسها
على
أنفسنا، فإن أتتك فكرة جريئة أو محدودة الجرأة تبدأين بقصقصتها سلفاً في
رأسك'.
السينما مادة خالدة
·
أين تجدين نفسكِ في عمل درامي
مجزأ من
حلقات أم عمل واحد طويل؟
* 'أنا
أجد نفسي في السينما إخراجاً وكتابةً وتمثيلاً
وكل عمليات الإبداع في السينما، فهي تختزل
كل المقولات والحياة، والذي تريدين أن
تصنعيه في ثلاثين حلقة يمكن أن تصنعيه في
ساعة ونصف الساعة وتستهلكين نفس المدة
الزمنية لشدة أهميته. السينما هي لغة
الدلالات أيضا فأنت تستبدلين الكثير من
الثرثرة بحركة أو برمشة عين للممثل أو
بلقطة موحية سينمائية، بينما التلفاز يحتمل
الكثير من الثرثرة مع أنه يحاول أن يقترب من السينما، ولكن يضطر أن يكون
هناك بعض
الثرثرة كي يغطي ثلاثين حلقة فهو مادة استهلاكية في النهاية. أما السينما
فهي مادة
خالدة، المواد الخام للسينما تخلد لزمن طويل بينما المادة التلفزيونية
تنتهي بمدة
قصيرة من الزمن'.
·
شاركت بالعديد من الأعمال
المسرحية، ما رأيك بما يقدم الآن
على المسرح من أعمال مقارنة بالأعمال
القديمة؟ وهل أعمال اليوم تترك تأثيراً
إيجابياً عند الجمهور؟.. وهناك أمثلة كثيرة
منها مسرح الماغوط وغيره.
* 'في
الحقيقة على الرغم من محاولات القطاع الخاص الدخول على قطاع الإنتاج
المسرحي وكان
هناك بعض المحاولات الجميلة، لكن كل الأعمال التي تنتج الآن ليست بنفس
المستوى
الإبداعي في تلك المرحلة ولا بمستوى الزخم الجماهيري والتفاعل مع الطقس
المسرحي،
ولا على مستوى الأحداث ومناطحة الرقابة والممنوعات. في تلك المرحلة كانت
تطرح قضايا
لها علاقة بكل الصراعات الفردية والعامة، وهناك تلاحم بين القضايا العامة
والخاصة،
أما الآن فهناك ملامسة لبعض القضايا العامة بينما هي أقرب للقضايا الخاصة.
بالنسبة
لي، أنا أحب أن يكون هناك تلاحم وتكامل بين العام والخاص، خاصةً في الإبداع
الفني،
لأن الفن في النهاية رسالة'.
·
آخر ما لديك من أعمال سواء في
الإخراج أو في
الأدب أو الموسيقى التي هي من ضمن هواياتك والتي تدخل في
الصناعة السينمائية؟
* 'أنا
لا أستطيع أن أقول انني أديبة فأنا لدي مشروع رواية، ولكن لا أجد الوقت
الكافي
كي أكتبها. عندي حاليا ثلاثة سيناريوهات سينمائية جاهزة من تأليفي وهي 'حد
الهاوية'، 'منفى الروح'، 'امرأة من طابقين' مقتبس عن رواية للكاتبة هيفاء
بيطار
وبنفس العنوان. ولدي مشروع بشكل حلقات متصلة ومنفصلة قريب من 'مرايا' يأخذ
شكل
العمل الساخر، أقوم بكتابته حاليا. وهناك مشاركة تلفزيونية لي مع المخرج
محمد
بدرخان اسمه 'وادي السايح'.
·
هل تربين ابنتك كما تحب هي أم
أنك تنمين عندها ما
لديك وما لدى والدها المخرج الأستاذ مأمون
البني؟ وهل تؤمنين بتوريث الفن كما تورث
السياسة والاقتصاد وغيرها؟
* 'أنا
لا أُؤمن بتوريث الفن بفعل قاهر، ولكن أُؤمن
أن هناك بعض المورثات تأتي بشكل تلقائي من
الآباء للأبناء لذلك أنا لست مع التوريث
القسري. هكذا أتعامل مع ابنتي، فأنا لا أجبرها على أن تصبح ممثلة أو رسامة،
أنا
أفسح لها جميع المجالات، وهي تقوم بالاختيار. وابنتي تحب الفن والتمثيل وقد
اندفعت
نحوه، فمثلاً: أول عمل لي كان عمرها أربع سنوات وقد أعطيتها دوراً صغيراً
جداً
يتعلق بسنها، ثم طلبها المخرج أنور قوادري أن تمثل في 'عرب لندن' وعندها
قالت: هنا
قد بدأت حياتي. وربما في المستقبل تتغير وتختار شيئا آخر، وهي أيضاً تعزف
على
الجيتار وتتعلم الباليه، وهي تحب جميع الفنون. أنا لن أقسرها على شيء مما
يجعلها
نموذجا مشوها عني، لأنه من الممكن أن تكون ابنتي مختلفة تماماً عني، ولكن
المهم يجب
أن تكون لها شخصيتها الخاصة'.
أقل اجر في العالم
·
أختك سحاب فنانة
تشكيلية ومصممة أزياء، كيف يكون اختيارك لملابسك الخاصة؟ وهل تتدخلين في
تصميم
أزيائك أم تتركين هذا الأمر للمصممة؟
* 'عندما
تكون سحاب أنا أعتمد عليها لأني
أعرف كم هي صاحبة ذوق وأعرف قدر جديتها
بدراسة كل شخصية، هي تعمل التفريغ الكامل
للنص، والمخرج والمساعد يعتمدان على تفريغها لأنها دقيقة في عملها، لكن هذا
لا يعني
أني أوافق على كل ما تقوله، فأنا أيضاً قمت بدراسة الفنون الجميلة، وأنا
مخرجة
العمل. أحيانا، أريد من هذه الشخصية هذا الإيحاء، هي يكون بذهنها شيء آخر
لا يكون
واضحاً في النص بالشكل الذي أريده، وهي تكون قارئة للنص ولا تعلم ما الذي
أفكر به،
وعندها أقول لها: هكذا، أريده بشكل كذا. ماعدا ذلك، فأنا أثق بها ثقة
مطلقة، وكذلك
أخي معن فهو مهندس ديكور، وقد عمل معي في بعض أعمالي وأكون مطمئنة بالعمل
معهما.
أما عن اقتنائي لقطع من الأزياء في بعض الأحيان، هناك قطع فنية وأنا لدي
تعلق ببعض
الذكريات التي لها علاقة ببعض هذه القطع التي تذكرني بمرحلة ما أو بحدث ما،
فقط ضمن
هذا الإطار يمكن أن يتم الاختيار. أنا أحتفظ ببعض القطع فقد يذكرون ذلك
بمرحلة
تاريخية، ولكن للأسف لا يوجد تقدير لا لفن الأزياء ولا لغيره في بلدنا. على
سبيل
المثال، في فن الدراما، الفنان السوري يتقاضى أقل أجر بالنسبة للعالم'.
·
*هل
تتابعين المحطات الفضائية؟ وما رأيك في تطور الإعلام العربي سواء المرئي أو
المقروء؟
* 'أنا
كنت أتابع بدقة شديدة اللهجة في كل المحطات التي أنا معها أو
ضدها، الرديء والصالح، لأرى كيف تتطور الحياة. لكن للأسف، بعد ذلك اكتشفت
أن
الإعلام قذر في تشويه الحقائق وتزييف وعي الناس، وكم يوجد لعب مبرمج ممنهج
وعن سابق
إصرار وتصميم، له علاقة في إنجاز جزء كبير من هذه الفضائيات لخلق عملية غسل
دماغ
للمواطن العربي، عندها كرهت المتابعة الإعلامية، أصبحت فترات المتابعة لدي
قليلة
جدا، حتى الأخبار والبرامج السياسية التي كنت أتابعها بشغف فظيع، الآن
أتابعها لكن
بنسبة قليلة جدا لأنني اكتشفت كم هي قذرة تلك اللعبة الإعلامية! وحالياً
الإعلام
بنظري أصبح أقذر وأخطر سلاح في العصر الحديث، هو الذي يحسم الكثير من
المعارك.
وأقرب مثال حرب الخليج الأولى التي بدأنا نكتشف أن الإعلام هو السلاح
البارز في تلك
الحرب. وأنا بالتالي أصبحت أنتبه لكل خبر أسمعه من الإعلام، إن كان صحيحا
أم لا.
وهذا الشيء اتضح أكثر عند حادثة قتل الحريري، أنا من وقتها كنت أشك في
اللعبة
الإعلامية وراهنت على ما يحصل اليوم، ومن ربط الأمور ببعضها وهي عبارة عن
فبركة
إعلامية وغسل دماغ، وأشياء مرتبة للمنطقة'.
·
لماذا لم يشكل وفد من الفنانين
السوريين والمخرجين إلى غزة بينما اكتفوا بأسماء منتقاة؟
* 'أنا
شخصياً تفاجأت
من أنه دائماً هناك تحديد لأسماء يختارونها تكون محددة! وفي
إحدى المرات كنت أتواصل
مع (عز الدين شلح) في مهرجان القدس وقد قال
لي بأن وفدا سيحضر إلى غزة، قلت له أنا
جاهزة وعبرت له عن رغبتي في المشاركة مع الوفد والمشاركة بأي شيء يدعم
أهلنا في غزة
والشعب الفلسطيني ومقاومته، لكنني فهمت بعد ذلك أن القصة مرتبطة بنقابة
الفنانين
والدوائر الرسمية التي تختار على هواها'.
·
عمل المرأة والرجل في نفس
الاختصاص،
هل هو مريح للطرفين أم تنشأ خلافات بوجهات النظر؟ وفي هذه الحالة، هل
الأفضل أن
يعمل كل واحد بشكل مستقل؟
* 'في
بعض الأعمال توجد مشاركة بيننا، وما بقي نعمل كل
واحد منا بشكل مستقل. أحيانا توجد لحظات قسرية وفي أوقات أخرى نتعاون مع
بعض،
لكوننا نحن لسنا زوجين وحسب، بل نحن صديقان ورفيقان في المهنة، فنأخذ برأي
بعضنا
البعض. في فيلم 'رؤى حالمة' أول قارئ له كان مأمون، أذكر أني أعطيته النص
المكتوب
ليقرأه ويعطيني رأيه، مرت ثلاثة أيام، فقلت له إذا كنت لا تريد قراءته أعطه
لغيرك،
بعدها قرأه وهنأني عليه وقال: لم أصدق أنك استطعت كتابة هذا العمل الجميل.
كمخرج
وزميل كان يهمني رأيه، كما أعطاني مأمون نصا كان باسمه للكاتبة ريم حنا
'الخرزة
الزرقاء'. نعم نحن يوجد بيننا تعاون وتبادل آراء، وقليلا ما توجد قسرية
بيننا'.
·
هل تبادل الخبرة ممكن أن يكون
لصالح العمل، وخاصة مع مخرج قدير مثل
مأمون البني؟
* 'الحقيقة
تجربة مأمون أقدم مني وهو متمرس بالمهنة، يمكن أن ألجأ
لخبرته أكثر. وأنا بطبعي أكثر مرونة بتقبل رأي الآخر وأستفيد منه وأقول له:
شكرا
جزيلا، أنت أعطيتني رأيك وأفادني، يمكن أن أرفع له 'الشابو' إن كان رأيه
مفيدا.
لكن، إذا لم أقتنع أعود إلى ما أراه مناسبا وأعمله، يوجد تبادل الرأي بيننا
بكثير
من المسائل الفنية'.
القدس العربي في
11/11/2010 |