الرعب! كيف للفيلم أن يزرع رعباً آنياً لدى المشاهد؟ كيف للأدرينالين أن
يتصاعد ثم يخبو؟ باب يفتح فجأة محدثاً دوياً عالياً من قبل عفريت أو شبح،
وتلك المفاجآت التي عليها أن تندلع بعد منح الوقت كل الوقت للتمهيد لها،
وليكون رهان الفيلم عليها فقط.
الأسئلة لن تكون عن أفلام الرعب بقدر ما هي عن كيفية إثارته أي الرعب،
والتي ستحضر بقوة ونحن نشاهد فيلم
Paranormal Activity
«نشاط خارق» في جزئه الثاني، الأمر الذي يجب التأكيد عليه، كون الجزء الأول
كان بمثابة مفاجأة سينمائية، أخرجت إلى النور مخرجه وكاتبه أورن بيلي حين
عرض عام 2007 وحقق نجاحات على مستويات عدة، فعلى الصعيد المالي فإن تكلفة
الفيلم لم تتجاوز الـ15 ألف دولار إلا أنه حقق مليون دولار في أول أسبوع
لدى عرضه، طبعاً هذا حدث بعد اكتشاف شركات الانتاج الأميركية الكبرى له على
رأسها «بارامونت» ، بعد أن مرّ الفيلم على مهرجانات كثيرة رفضته، لا بل إن
الفيلم قدم جرعة رعب كبيرة متأتية من البنية الوثائقية التي قدم من خلالها
أحداثه، والتي لا تتجاوز الأنشطة الخارقة التي تحاصر شاباً وشابة في
بيتهما، وفي اتباع لتصوير ذلك بكاميرا فيديو، كانت عنصر الحسم في ما حمله
الفيلم حينها من إيهام بكون ما نشاهده ليس إلا واقعياً، على اعتبار كاميرا
الفيديو المنزلية هي المعادل البصري للواقع على الشاشة، إذ إننا لا نراها
حاضرة بهذا الشكل في فيلم روائي طويل، لا بل إن استخدامها في أفلام أخرى
يتأتى من تصعيد الاحساس بواقعية ما نراه، وعليه نجح فيلم في استقطاب
الملايين حول العالم، في ما بشّر بأسلوب جديد نشّط جرعات الرعب حول العالم،
ومن ثم فإن التحرك في موقع تصوير واحد لم يكن إلا بيت مخرجه أورن بيلي شكل
أيضاً عنصراً اضافياً لحصار الخوارق، وليبقى الرهان الدائم على المفاجأة،
من قبل كائنات غامضة ليس لها أن تظهر، ودون أن يحتاج الأمر إلى دموية أو
وحشية، وغير ذلك من أدوات أفلام الرعب المستهلكة.
الجزء الثاني المعروض حالياً في دور العرض المحلية مصور في البيت نفسه، لا
بل إن التجديدات التي طرأت على البيت، كما سنرى في الفيلم، هي من ثمار
الأرباح التي حققها المخرج أورن بيلي، لكنه وفي الوقت نفسه لن يكون مخرج
الجزء الثاني، فهو من إخراج تود وليامز، وأسهم في كتابته أكثر من أربعة
كتاب سيناريو.
آلية السرد
نتيجة ما تقدم فإننا سنكون في فيلم يتحرك في الإطار نفسه الذي قدمه أورن
منذ ثلاث سنوات، لكن بعد أن بهت البريق وزالت المفاجأة.
ولعل النقطة الإيجابية الرئيسة في «نشاط خارق 2» ستكون متأتية من آلية
السرد، ولعلها الدافع الرئيس للمشاهدة، إن كان البحث هو عن جديد، وما عدا
ذلك فإن كل ما نشاهده لن يكون إلا ست شخصيات لا تتوقف عن الكلام طيلة
الفيلم، إضافة إلى شخصيتين صامتتين، هما الطفل هانتر والكلب، وكل ذلك سيمضي
بانتظار المفاجآت التي عليها أن تندلع تصاعدياً، فهذا النشاط الخارق
المتأتي من العفاريت وليس من الأشباح سنتعرف اليه تدريجياً، ومن ثم سيكون
قاتلاً ومدمراً.
قبل الخوض في الأحداث، فإننا نعود مجدداً إلى آلية السرد التي ستكون ايضاً
رهان الفيلم مجدداً، فالكاميرا أيضاً كاميرا فيديو، إضافة إلى كاميرات
مراقبة توضع في عدد من الغرف.
وعليه فإن بداية الفيلم ستكون بالتعرف الى البيت من خلال كاميرا الفيديو
الشخصية بعد وصول دانيال (بريان بولاند) وزوجته كاتي (كاتي فيذرستون)
ومعهما طفلهما المولود أخيراً، سنتعرف أيضاً الى آلي (مولي أفريم) ابنة
دانيال من امرأة أخرى والخادمة، وصولاً بعد ذلك إلى أخت كاتي ومن ثم زوجها.
يترك البيت لفترة خالياً، ثم يعود دانيال وكاتي ليجدا كل أغراضه مبعثرة وكل
محتوياته مرمية على الأرض في فوضى عارمة دون أن يكون هناك من سرقة لأي شيء،
سوى قلادة مصنوعة يدوياً لا قيمة مالية لها، وعليه فإن دانيال يقوم بزرع
الكاميرات في البيت كإجراء أمني، الأمر الذي يشكل أيضاً منعطفاً بالسرد،
بعد أن نكون في نطاق الكاميرا الشخصية المحمولة، يصبح لدينا عدد من
الكاميرات التي يمضي الفيلم وهو يتنقل بينها برفقة التاريخ والساعة، وليضاف
بعد ذلك إلى الإضاءة الليلية التي يستخدمها دانيال من باب المزاح مع ابنته
آلي لتبدو ذات هيئة مخيفة، ولتكون في النهاية أداة ناجحة في نهايات الفيلم.
إيقاع واحد
يمضي الفيلم على ايقاع واحد له أن يكون تمهيدياً، ففي كل يوم سنكون أمام
مشاهدات مسجلة على كاميرا الفيديو من الحياة العادية لعائلة دانيال، وما
يعيشه طفلهما، بدءاً من الاستيقاظ والفطور وصولاً إلى النوم، وكل ما يحدث
بينهما، ونحن نتعرف الى الشخصيات من خلال أحاديثها وما تعيشه أمام
الكاميرا، وفي الليل ستمسي كاميرات المراقبة هي الناقل للقطات والمشاهد،
ونتحول معها إلى مراقبين للبيت أيضاً، حيث نتنقل معها من بركة السباحة، إلى
المطبخ، فالصالون، فغرفة الطفل، طبعاً هذا سيتكرر على مدى أيام دون أن يحدث
شيء يذكر، أو ما لا يتجاوز وقوع قدر أو طنجرة معلقة بخطاف، وليمسي الأمر
تصاعدياً، وكل ذلك سنكون شهوداً عليه من خلال كاميرات المراقبة، والتي
عليها أن تعدنا في كل يوم بشيء جديد، وبما لا يقلل من جرعة الترقب.
فيلم «نشاط خارق 2» موهوب للانتظار، لا بل إن أكثر من نصفه سيكون كذلك، كما
لو أنه يقول «انتظروا وسترون!» وليترك كل شيء للنهاية، واكتشاف ماضي كاتي
الذي كان محفوفاً بالسحر، وبعد ذلك ما تكتشفه آلي، ولنعرف أن الطفل هو
المقصود من قبل العفاريت، وهو المولود الذكر الأول من نوعه في عائلة كاتي،
وليحدث كل شيء في الربع ساعة الأخير وينتهي الفيلم.
لا جديد في هذا الجزء الثاني، وللدقة ما عاد قادراً على إدهاشنا، لقد ذهب
بريق ما صنعه أورن منذ ثلاث سنوات، لم يعد البعد الوثائقي مدهشاً، وقد كان
العامل الرئيس في نجاحه، وليست استعادته وصنع جزء ثانٍ إلا من باب
الاستثمار مجدداً به على ما يضمن تحقيق الأرباح الخيالية المرجوة وقد فعل
إلى حد ما، وقد جاء الفيلم ثلاثة أرباعه انتظار، ليحدث كل شيء في الربع
الأخير، كما لو أنه من تلك النكات الطويلة التي تروى دون أن تبحث عن «أفشة»
أو انعطافة، بل يكون رهانها متمثلاً بطولها دون غرض أو هدف، وبالتالي
رهانها على الملل.
الإمارات اليوم في
11/11/2010
السينما العربية المستقلة..
رحلة الألف ميل تبدأ من المهرجانات
عدنان مدانات
خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، جرى تنظيم مهرجانات وتظاهرات سينمائية
لأفلام عربية جديدة في أكثر من بلد عربي وفي دول أخرى من العالم، تحت شعار
مشترك هو السينما العربية المستقلة .
شعار السينما العربية المستقلة هو الحلقة الأخيرة من سلسلة شعارات رفعها
السينمائيون العرب على مدى أكثر من ربع قرن، وكان أبرزها على الإطلاق شعار
السينما العربية البديلة .
كانت الشعارات السابقة على شعار السينما العربية المستقلة ذات مضمون فني/
أيديولوجي، وتعكس حالة من التمرد على السينما السائدة في العالم العربي،
خصوصاً من حيث مضامينها التي عُدَّت مزيفة لقضايا الواقع والإنسان العربي
شكلا ومضمونا. أما شعار السينما العربية المستقلة فهو لا يستند إلى خلفية
أيديولوجية ولا يحمل بعدا أيديولوجيا، بل هو نتاج ظروف مستجدة سببتها
التطورات والإنجازات التقنية في المجالات السمعية / البصرية، وعلى رأسها
تقنيات إنتاج الأفلام بواسطة الفيديو الرقمي.
يشترك شعار السينما العربية المستقلة مع الشعارات التي سبقته في غموض
المعنى وهلامية المحددات. ومثله مثل الشعارات السابقة، صاحبت إطلاقه موجة
من التساؤلات حول طبيعته ومواصفاته، حتى من أولئك الذين رفعوه و تبنوه، من
ذلك مثلا، التساؤل: ما هو الذي تستقل عنه هذه السينما العربية المستقلة .
كانت السينما الأميركية قد عرفت منذ زمن هذا الشعار الذين نتج عنه إنتاج
عدد من الأفلام التي حملت صفة السينما الأمريكية المستقلة . والاستقلالية
في السينما الأميركية ذات طبيعة إنتاجية اقتصادية بحت، تتحقق عبر الإنتاج
المستقل عن شروط صناعة الأفلام التي تنتجها أو تمولها شركات الإنتاج
والتوزيع السينمائي الكبرى والمهيمنة على سوق الأفلام.
لكن السينما العربية التقليدية عموما، لا تنطلق من نظام إنتاجي صناعي متطور
تتحكم به شركات كبيرة. وحتى الأفلام العربية التي تنتجها شركات إنتاج
سينمائية، تظل أفلاما فردية، أي مستقلة، لأنه ليس هناك شركات إنتاج
سينمائية عربية ضخمة، راسخة، لها أنظمة خاصة بها تفرضها على شروط الإنتاج
والتوزيع، بل هناك شركات صغيرة تتخبط في بحثها عن الطريق مضمونة النتائج
وتجاهد في سبيل البقاء والاستمرارية والقدرة على الإنتاج المتواصل للأفلام
وفق تخطيط مدروس ومسبق.
والوضع نفسه ينطبق على الأفلام التي يتم إنتاجها في العالم بدعم حكومي.
أفلام المخرج المصري داود عبد السيد وزملائه من المخرجين المحترفين
المبدعين الذين يمتلكون أسلوبا خاصا بهم هي أفلام مستقلة من حيث توجهاتها
الفنية والفكرية، رغم أن إنتاجها يتم بواسطة شركة إنتاج تجارية، وكذلك
أفلام المخرج التونسي نوري بو زيد وغيره من السينمائيين التونسيين،
المدعومة من وزارة الثقافة التونسية، مستقلة، وكذلك الوضع بالنسبة لأفلام
المخرج السوري محمد ملص وبقية السينمائيين السوريين التي ينتجها حصرا
القطاع العام السينمائي من خلال المؤسسة العامة للسينما. فكل هذه الجهات
الخاصة والعامة، على اختلاف مكوناتها ومنطلقاتها، لا تملك صيغة أو نظاما
تفرضه على السينمائيين، بل هي بالأحرى مضطرة لوضع ثقتها بهم على أمل ان
يحققوا لها أفلاما ناجحة فنيا وذات مضمون عميق لهذا لم يطرح أولئك
السينمائيون، على الأغلب، شعارات من نوع السينما العربية المستقلة . من
يطرح هذا الشعار الآن مخرجون ومخرجات من جيل الشباب ممن بدأوا الخطوة
الأولى في رحلة الألف ميل السينمائية، فأخرج الواحد منهم عملا او اثنين،
قصيرين في الغالب، أو لم يبدأ بعد خطوته الأولى، مستندا فقط إلى مشروع
تخرجه في أحد معاهد السينما.
النسبة الكبرى من أفلام هذا الجيل الجديدة مصنوعة بتقنيات الفيديو ووفق
تكاليف إنتاج مقدور عليها بطرق مختلفة، منها المساعدات التي تقدمها
المؤسسات المعنية بدعم السينما الشابة عبر آليات الإنتاج المشترك.
بطبيعة الحال، فإن مخرجي هذه الأفلام، والتي يلاحَظ أن معظمها قصيرة،
تسجيلية، روائية أو تجريبية، لا يطمحون إلى منافسة السينما الاحترافية في
جانبها المتعلق بالأفلام الروائية الطويلة، وهي الحلم المشترك الجامع بين
السينمائيين على اختلاف أجيالهم ومللهم، بل، على العكس من ذلك، فهم يعدّون
تجاربهم أو أفلامهم نفسها مقدمة لولوج عالم الأفلام الروائية الطويلة
الأكثر إغواء، والذي من دون أخذ موقعهم فيه، لا يعدّون أنهم حققوا طموحاتهم
بحمل صفة المخرج السينمائي المكرس، القادر على أن يعبّر عن الأفكار النابضة
في داخلهم والمرتبطة برغبتهم في التعبير عن العالم والناس من حولهم وبتجسيد
رؤيتهم الفنية الجمالية.
وحتى ذلك الحين، فأفلام جيل الشباب تعرف بأن موقعها هو خارج أسواق أو قنوات
العرض التقليدية، التي تقتصر على الأفلام السينمائية من مقاس 35 ملم (وفي
أحيان استثنائية من مقاس 16 ملم أو سوبر 16 ملم)، وأن نافذتها المتاحة لها
إلى أجل غير معلوم على العالم، هي المهرجانات والأسابيع السينمائية
المتخصصة التي صارت تفسح حيزا واسعا لهذا النوع من الأفلام التي باتت تطرح
نفسها كأفلام تنتمي إلى سينما مستقلة، ويُصنع معظمها بوسائط الفيديو سهلة
الاستخدام، ويتصف قسم كبير منها بخبرة الهواة لا المحترفين، بما يرافق ذلك
من نواقص وأخطاء في البنية السردية أو المعالجة الدرامية أو الفنية والتي
يتم التمويه عليها وتبريرها بحجة التجريب والتجديد.
هكذا يتجاور الفيديو مع السينما، والهواية مع الاحتراف، وصغار السينمائيين
مع الأكبر سنا. لكن هذا الوضع الذي اكتسب شرعيته وكرسته واقعا طبيعيا
المهرجانات والأسابيع السينمائية مر بمراحل متعاقبة تخللتها صراعات
ومهادنات، قبل أن يصل إلى ما وصل إليه، كما أن هذا الوضع يحمل في طياته
احتمالات عديدة قد تؤدي إلى تبدل الأدوار مستقبلا فيحل الفيديو محل السينما
نهائيا ليس فقط كوسيلة تقنية، بل بشكل خاص كخبرة جديدة في صنع الأفلام
والتعامل معها دراميا وفنيا، خبرة تلغي النظريات المتوارثة حول طبيعة الفن
السينمائي وخواصه.
الرأي الأردنية في
11/11/2010
"جيش
من النمل" في هنغار"”أمم" يثير جدلا
نقولا طعمة – بيروت
عرضت جمعية "أمم للتوثيق والأبحاث" الفيلم الروائي
"جيش من النمل" (An Army of Ants)، في هنغارها في حارة حريك في بيروت، وهو بتوقيع
المخرج وسام شرف، مدته 23 دقيقة، وانتج عام 2007، حيث يعرض تجربة ثلاثة
شبان
لامبالين، متأثرين بأجواء الحروب، ومنها الأحدث يومئذ، حرب عام 2006.
والفيلم
الحائز على جائزة في لوكارنو، ومهرجانات أخرى، ناطق بالعربية ومترجم
للإنكليزية،
استغرق تصويره شهر بروفات وثمانية أيام تصوير، بحسب ما صرح به الممثل وسام
فارس
ل"لجزيرة دوك".
يتحدث الفيلم عن شاب يسكن بيروت، قصد بيت جده في الجنوب
اللبناني، ويدخل في أمور لم تكن على باله
مما خلفته الحرب، والتقى هناك بشابين،
ويمضي الثلاثة في تجربة مراهقة تسودها
اللامبالاة، حيث يتنقلون من مكان إلى آخر، في
سهول ووديان التقطت مشاهدها في أنحاء مختلفة من لبنان.
بين المحطة والأخرى، ينبش
الشاب في تراب وكر النمل الحي، حيث يتقلب النمل بالمئات
كالجيوش، لكن لم يتصل مشهد
النمل باحداث الفيلم بأي طريقة، ولم يعرف
القصد من ربط اسم الفيلم بالنمل مع تجربة
بعيدة كل البعد عنه.
الشاب لم يكن يعرف ما يجري في نمط الحياة الذي دخله
واختبره، ومن كان يقوم بكل الأشياء هما
الشابان الآخران. عندما كان يشتغل في الحقل
يكتشف أشياء كثيرة لم يكن يعرفها سابقا كالمتفجرات والأسلحة وصورة الشهيد
وهو
يراقب، وعندما هرب من الجرافة لم يكن يعرف لماذا هرب.
يتنقل الشبان الثلاثة من
منطقة لأخرى، وفي إحدى المحطات يتدربون على السلاح.
ويمضي وسام باحثا عن حفرة
طالما كانت هاجسه أنها نفق قد يخرج منه المسلحون في أي لحظة،
أو يموت الانسان إذا
وقع فيها، ويتجه نحوها ليتثبت من هاجسه
بحثا عن التطهر منه، لكنه يقع في الحفرة، ثم
ينقذ ليغادر التجربة، ويترك رفاقه منتهيا عند وكر النمل يبحث فيه من غير
طائل.
وفي حواره مع الجمهور يتحدث وسام فارس عن الفيلم، الذي "وضعناه منذ أربع
سنوات”، وقال: "اختبرت في هذا الفيلم كل ما يتعلق بالعمل السينمائي
كالتصوير
أوالإخراج وكل شيء. وسام شرف مخرجه يعمل بطريقة جيدة وممتعة وقد كنت سعيدا
عندما
كنا نحضر الفيلم.
".
وردا على سؤال عن الشباب ولماذا يطلقون
النار، قال "ربما أنها "فشة" خلق، أو أنه كان من المفترض أن
يظهر موقف الشباب من
السلاح، ويريدون أن يثبتوا رجولتهم، إنهم
يعرفون استخدام السلاح، لكن في لحظات أخرى
كانوا يظهرون أنهم لا يعرفون التعامل مع السلاح. إنهم كانوا في حالة
اختبار. لم
يكونوا يعرفون ما يفعلون حتى أن الشاب عندما انهى إطلاق النار وضع البندقية
على
كتفه كبطل وبدا كأنه يريد أن يثبت نفسه”.
وانتهى للقول أن المواضيع كانت تجريبية
بشكل إجمالي.
كان الجمهور عقب العرض في دهشة واستغراب متسائلا عن المقصود
بالرواية.
سأل
أحدهم أن الوثائقيات تكون غالبا هادفة، لكن الفيلم كانت تعوزه
الحبكة الروائية.
أجاب وسام فارس: "ليس في الفيلم حبكة روائية إنما صور متتابعة
تعبر عن واقع".
وختم لافتا إلى "أمزجة متعددة في الفيلم تعبر عنها المغامرات
المتعددة. الحفرة قلق وخوف..وكل ما فيها بشع..وكل ما كان بشعا في الفيلم
كان يفترض
أن يرمى في الحفرة ويبقى فيها”.
وفي تصريح مقتضب، يعرف وسام فارس عن نفسه
للجزيرة الوثائقية: "إنني ممثل، وأتابع
دراستي الجامعية في كلية الفنون بالجامعة
اللبنانية، وهذا الفيلم كان أول فيلم احترافي أشارك به".
وروى رؤيته للفيلم أنه "يتحدث عن مغامرة لشاب زار بيت جده وتعرف على شباب جنوبيين بعد انتهاء
حرب 2006،
ويظهر الفيلم كيف دخل هؤلاء في أمور الحرب والسلاح، وكيف
تجرجروا بها، ويحاولون
إيجاد مكان لهم في الحياة بعد الحرب. هل
يبقون أم يخرجون؟ ما موقعهم؟ حتى اكتشف
الشاب أن مكانه ليس هنا. لقد انتهت الحرب ويجب أن أضع السلاح جانبا. ويفترق
بطريقه
عن الشابين الآخرين”.
أحد المشاهدين كان الدانماركي تفولز سكادهوج قال
للوثائقية:” كوني من الدانمارك، فإني أنظر
للفيلم من موقف مختلف عن بقية الجمهور.
أعتقد أنه فيلم فيه عدة تعقيدات، لمست أنه تعبير عن تصرف خاطيء
وضياع”.وعن ترابط
العنوان بالفيلم رأى أنه "يمكن أن تكون له
علاقة بحقيقة النمل وتواجده الكثير
وحركته غير المضبوطة في التراب، وهي حركة شبيهة بحركة الشباب الهائمة من
دون هدف
محدد”.
الجزيرة الوثائقية في
11/11/2010
الخط الحديدي الحجازي
كيف قضت بريطانيا
على المشروع النهضوي ومهدت لاغتصاب فلسطين
ناصر ونوس
"الخط
الحديدي الحجازي" فيلم وثائقي من إخراج قيس
الزبيدي عرض مؤخراً على قناة الجزيرة الوثائقية. يستعيد
الفيلم تجربة بناء وتدمير
الخط الحديدي الحجازي الذي كان يربط الدولة العثمانية بكل من سورية والأردن
والحجاز
مطلع القرن العشرين، وكان هذا المشروع هو مشروع السلطان عبد الحميد، الذي
يريد من
خلاله، كما يقول المؤرخون في الفيلم، إنشاء شبكة خطوط حديدية
تهدف لربط مدن السلطنة
العثمانية بعضها ببعض لإحكام سيطرته عليها، كما كان يهدف المشروع إلى إحياء
ما كان
يسمى "الجامعة الإسلامية"، أي جمع المسلمين وتسهيل عليهم أداء فريضة الحج.
وتأمين
سلامة الحجاج الذين كانوا يتعرضون للمخاطر وهم يقطعون المسافة إلى المدينة
المنورة
على ظهور الجمال. وكان من شأن هذا أن يعزز مكانة السلطان عبد الحميد لدى
المسلمين
في مواجهة الاختراق الغربي للسلطنة. وبما أن المشروع كان يهدف
إلى تعزيز فكرة
الجامعة الإسلامية فقد شارك في تمويله إلى جانب السلطان عبد الحميد، كل من
خديوي
مصر، وشاه العجم.
يكشف أحد المؤرخين السوريين، وهو أحمد المفتي، أن الجنود
العثمانيين شاركوا في البناء، وكذلك متطوعون متحمسون لأهداف
المشروع. ولهذا لم
تتجاوز تكلفته أكثر من خمسة ملايين ومئتي ألف ليرة ذهبية، وكان هذا مبلغ
ضئيل بنظر
هذا المؤرخ.
ويعرض هذا المؤرخ وثيقة هامة هي الخطاب الذي ألقاه سعد الدين
دمشقية (غاب عن المؤرخ التعريف به، وكذلك عن الفيلم) أمام وزير
الخارجية في منطقة
الزرقاء التي وصل إليها القطار للمرة الأولى في 19 أغسطس من عام 1318
للهجرة والذي
صادف "عيد الجلوس السلطاني". وهو مكتوب بماء الذهب ويحدد أهداف سكة الحديد،
ومما
جاء فيه: "علم كل عثماني ما يترتب على هذا الخط المبارك من الفوائد الكلية
للدولة
والوطن العزيز فوائد من البديهيات إدراكها، وأخصها ضم القوة، وجمع شتات
الأمة، ونمو
موارد الثروة باتساع نطاق التجارة ورواج الصناعة، وإحياء
الأراضي الشاسعة بالزراعة،
وتوفر أسباب المواصلات بين كعبة الإسلام ودار الخلافة، وربط أجزاء المملكة
وتسهيل
طريق حجاج بيت الله الحرام وزوار ضريح حضرة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة
والسلام".
بعده يتحدث مؤرخ سعودي كيف أن هذا الخط الحديدي أنعش التجارة، وكيف
أدى إلى انتشار البنيان، وكثرة الأسواق، وكل ذلك خلال تسع
سنوات فقط من عمر هذا
الخط الحديدي. هذا الانتعاش حدث أيضاً في عمان وفي معظم المناطق التي كان
يصلها
الخط الحديدي، وفق ما يؤكد مؤرخ آخر، هو د. مهند مبيضين، الذي يعتبر أن هذا
الخط
كان أهم مشروع في القرن العشرين يشهده الأردن لما أحدثه من
تحضر للمنطقة.
وتظهر إحدى الخرائط ومن ثم الصور الأرشيفية التي
تعرض على خلفية صوت القطار، مسار الخط بين مدينة درعا السورية ومدينة حيفا
الفلسطينية، لنرى بعدها الكاتب والمؤرخ الفلسطيني محمود الصمادي وهو يتحدث
عن كيف
أن هذا الخط الحديدي الحجازي هو الذي أحيا حيفا والبلدات
المجاورة. "حيفا عمِّرت
بسبب الخط الحديد الحجازي". بينما تحدث مهندس معماري سوري عن كيف أن هذا
الخط أوجد
نمطاً معمارياً جديداً، تجلى في مباني محطات القطار كما تظهر الصور الثابتة
القديمة
والصور السينمائية الجديدة لتلك المباني. مدير عام المؤسسة
السورية للخط الحجازي
يكشف عن هدف خفي لإنشاء هذا الخط، يتمثل في إقامة بنية صناعية تساعد في
بناء صناعة
حربية تمد الجيش العثماني بالسلاح، كما كان الخط نفسه أهم وسيلة نقل للجنود
العثمانيين إلى الجزيرة العربية وربطها بشكل سريع مع مراكز
السلطنة. وهذا ما تم
بالفعل خلال الحرب العالمية الأولى.
لكل تلك الأسباب وضع الغرب، وتحديداً
بريطانيا، نصب أعينه هدف تدمير هذا الخط الحديدي، وتقطيع أوصاله وعزل
السلطنة
العثمانية عن بلاد العرب، والأهم عزل فلسطين عن الحجاز وبلاد الشام، وهي
المهمة
التي تولاها ونفذها على أكمل وجه العميل البريطاني "لورنس
العرب". وهنا يتحدث
المؤرخ السوري سهيل زكّار بكثير من الحرقة ويقول: إن "تدمير خط
الحجاز كان مؤامرة
نفذها لورنس، ولورانس كان سيد، صحيح أن الأمير فيصل كان القائد المسمى لجيش
الشمال،
لكنه كان ضابطاً من ضباط اللينبي، ويتلقى الأوامر من اللينبي، فضلاً عن ذلك
لم تكن
له سيطرة على لورانس".
المؤرخ الفلسطيني محمود الصمادي يروي حادثة وقعت أمام
عينيه وهي حادثة تفجير محطة حيفا على أيدي العصابات الصهيونية بدعم من
الجيش
البريطاني.
يروي الفيلم، وعلى ألسنة عدد من المتحدثين، محاولات الدول العربية
إعادة بناء الخط الحديدي الحجازي، وهي محاولات كلها باءت
بالفشل، منذ عام 1945 وحتى
يومنا هذا. فما دمره البريطانيون بسنوات قليلة عجز العرب أجمعين عن إعادة
بناءه
طوال أكثر من خمسة وستين عاماً. ومن المفارقات التي تنتمي إلى الكوميديا
السوداء في
هذا الخصوص ما يظهره الفيلم من مقابلة للإعلامي السوري
الفلسطيني الأصل فايز قنديل
الذي يقول إنه عندما بدأ عمله كمعلق في إذاعة صوت العرب، في حقبة الجمهورية
العربية
المتحدة، كان أول خبر صاغه هو خبر عن اجتماعات بين مسؤولين سوريين وأردنيين
وسعوديين حول إصلاح وإعادة تسيير الخط الحديدي الحجازي، وبعد
أربعين عاماً عندما
تقاعد من عمله كان آخر خبر قرأه كان عن اجتماع بشأن إصلاح وإعادة تسيير
الخط
الحديدي الحجازي. كل هذه الأعوام مضت ومازالت الاجتماعات بهذا الشأن
مستمرة، ومازال
الخط الحجازي على حاله، مدمراً ومقطع الأوصال. مهملاً وغائباً
إلا عن ذاكرة من
عملوا به وقادوا عرباته. والذي عرض الفيلم مقابلات مع عدد منهم، ومن بينهم
عزيز
القاسم سائق القاطرات البخارية الذي يتحدث بإسهاب عن هذا الخط من حيث عدد
قاطراته،
ومحطاته، ومواصفاته، والخدمات التي كان يقدمها للركاب،
والبضائع التي كان ينقلها.
كما يتحدث عن جده الذي كان معتمد أمين خزنة في حيفا أيام العهد العثماني.
والذي كان
يخرج من حيفا إلى المدينة المنورة ليوزع الرواتب على الموظفين. وكانت رحلته
تستغرق
خمسة عشر يوماً. أما والده فكان "مدير جر" في الخط الحديدي بين حيفا
والمدينة
والشام. كما يروي عن والد زوجته الذي علم أن أسمهان كانت معه في القاطرة
قادمة من
حيفا متوجهة إلى مدينتها السويداء. وكيف كانت ترتدي زي ضابط
إنكليزي برتبة نقيب،
مما يكشف على نحو غير مباشر عن علاقة أسمهان بسلطات الانتداب البريطاني.
كما يتحدث
عن معمل بناء القاطرات، الذي يظهره الفيلم، في منطقة القدم والذي كان يعمل
فيه نحو
ألف وخمسمئة عامل في الثلاثينات من القرن المنصرم. مما يعزز
الفكرة القائلة بأن أحد
أهداف السلطان العثماني من وراء إقامة الخط الحديدي كان تشييد بنية صناعية
تدعم
الصناعات الحربية. أما محمد بركات لطيف، سائق القاطرة، فنجده وهو ينظف إحدى
القاطرات المتبقية وكأنها فلذة كبده. ولما لا، فهذه القاطرة
كما يقول هي التي قضى
عمره كله عليها، إن فيها نبضه ونبض أولاده، و نبض من أبيه. لقد ولد في هذه
القاطرة
وتم غسله في مياهها الساخنة، وكانت "الضرة الودودة لزوجتي"، وهنا يغرق هذا
السائق
في الحنين والذكريات والحزن والأسى على هذا المصير الذي آلت إليه هذه
القاطرة،
لدرجة يستشعر معها قائلاً: "عندما ينشطر الصبح بقبلة مودعة
تفجر فيّ الحياة. وفي
المساء تشم رائحتي فإن فاحت رائحة قاطرتي ضمتني وأعلنت بهجة عودتي". بينما
يتحدث
أحد أهالي المدينة المنورة عن حنينه لتلك الأيام حيث كان القطار يأتي من
الشام إلى
الحجاز محملاً بالفاكهة الطازجة، إلى جانب المكدوس وزيت الزيتون والفستق
والبندق.
أما غياث رمضان مصور وموثق الخط الحديدي الحجازي فيقول وهو يقف بالقرب من
خط حيفا
درعا، إن هذا الخط الممتد من حيفا إلى درعا بني خلال عامين فقط، مابين 1903
و 1905.
يتخلله سبعة أنفاق وستة عشر جسراً. وهذا
مؤشر بالغ الأهمية إذا ما قارناه بالوقت
الذي يستغرق بناء نفق مثل الذي بني قبل أعوام قليلة في ساحة
الأمويين في دمشق والذي
استغرق بناؤه ست سنوات. إنه ببساطة مؤشر على درجة التخلف التي وصلنا إليها.
المسافر الذي قطع تذكرة في بداية الفيلم ليسافر
في قطار الخط الحديدي الحجازي وجلس على المقعد يقرأ الجريدة في انتظار موعد
السفر،
هاهو مع نهاية الفيلم يطوي جريدته ويمضي مسافراً مشياً على قدميه فوق سكة
القطار
الذي لم يعد له وجود، لنكون بهذا أمام المشهد الأخير للفيلم.
لقد استخدم المخرج
مشاهد تمثيلية لهذا المسافر. كما استخدم صوراً سينمائية أرشيفية لقوافل
الحج على
الجمال وهي تقطع الفيافي والصحارى وتتعرض للخطر من قبل البدو.
وصوراً من الحرب
العالمية الأولى، ومن مرحلة الانتداب البريطاني والاستعمار ورموزه. وكذلك
صوراً
للمسئولين العرب والأتراك. كما استخدم الخرائط والصور الثابتة الأرشيفية
التي تبين
عملية بناء الخط الحديدي. وصوراً للوثائق المتعلقة بمجمل المشروع من تمويل
وغيره.
وصوراً للسكة الحديد والقاطرات والمحطات
التي كانت تعج بالمسافرين. كما عرض الفيلم
صوراً أرشيفية للخط الحديدي وقد تم تدميره وتقطيع أوصاله،
ولعربات القطار وهي مدمرة
ومنقلبة على قارعة الطريق. صوراً تثير لدى المتفرج العربي ذي الحس الوطني
الكثير من
الحسرة والألم على المصير الذي آل إليه أحد أهم المشاريع التحديثية العربية
والإسلامية.
لا يلجأ المخرج قيس الزبيدي إلى استخدام التعليق في الفيلم
الوثائقي، كما هو متبع في معظم الأفلام الوثائقية التي تبثها
قنوات التلفزة، فهو
يؤمن بأن الصورة، إلى جانب المقابلات، كافية لنقل المضمون وإيصال المعنى
ولا حاجة
للتعليق. وهو محق في ذلك. وكانت النتيجة أن أخرج فيلماً استعادياً لمرحلة
مهمة من
التاريخ الحديث للعرب والمنطقة و ما شهدته من أول تجربة نهضوية
تحديثية تمثلت في
بناء الخط الحديدي الحجازي، تجربة أجهضها الغرب بمختلف الوسائل. إنه صفحة
سينمائية
جديدة تضاف إلى الصفحات السينمائية التي تناولت تلك العلاقة المعقدة بين
العرب
والغرب.
الجزيرة الوثائقية في
11/11/2010 |