كانت شهرة الممثلة الفرنسية دلفين شانياك محصورة في البلدان الأوروبية
الناطقة
بالفرنسية ثم في منطقة كيبيك الكندية، بفضل توليها بطولة
الكثير من المسلسلات
التلفزيونية في السنوات الخمس الأخيرة، ولكن في منتصف العام 2010 نزل إلى
الأسواق
الفيلم الأميركي الكندي المشترك «سبلايس» من إخراج فنشنزو ناتالي وبطولة
النجم
الهوليوودي أدريان برودي والنجمة الهوليوودية أيضاً سارا بولي
وإلى جوارهما دلفين
شانياك في دور كائن مفترس ناتج من تجارب غريبة في مختبر علمي تهدف إلى
تطوير الجنس
البشري، بحسب الفيلم لا بحسب الواقع.
وبفضل رواج الفيلم انطلقت شانياك إلى سماء النجمات الدوليات وراحت هوليوود
تغازلها وتعرض عليها بطولات مطلقة. وقد اختارت شانياك بمساعدة
وكيلة أعمالها
الفعالة اثنين من السيناريوات التي تلقت عرض المشاركة فيها وسافرت حديثاً
إلى لوس
أنجليس من أجل بدء العمل في أحدهما.
شانياك في الثلاثين من عمرها وهي إمرأة جذابة ذات موهبة درامية فذة تتبلور
في
شكل مخيف عبر المشاهد العنيفة التي يتضمنها فيلم «سبلايس»
والتي تنقلب فيها شانياك
من فتاة ناعمة إلى وحش مفترس وقاتل.
عشية مغادرتها باريس الى لوس انجليس، التقت «الحياة» شانياك وحاورتها.
·
حدثينا عن الظروف التي جعلت
هوليوود تهتم بك أصلاً وتمنحك أحد الأدوار
الرئيسة في فيلم «سبلايس»؟
-
ترغب الطريقة الهوليوودية في أن يطوف المخرج العدد الأكبر من البلدان
الأوروبية إضافة إلى أميركا الشمالية، بحثاً عن شخص يناسب أحد
الأدوار المعقدة في
فيلم يحضّره. وهذا ما حدث بالنسبة الى فيلم «سبلايس»، إذ إن شخصية الكائن
الناتج من
التجارب في المختبر كان لا بد من أن تتميز بصفات عدة متناقضة في حد ذاتها
مثل
النعومة والشراسة، الحب والكراهية، ثم التحول في غمضة عين من
كائن نسائي إلى آخر
رجالي وذلك كله من دون اللجوء إلى ممثل آخر وإلقاء العبء كله على الممثلة
صاحبة
الدور. كما أن المخرج فنشنزو ناتالي رفض اللجوء إلى المؤثرات المرئية
المبنية على
التكنولوجيا الحديثة وفضَّل العمل على الطريقة القديمة التي
تحبذ قيام المكياج وحده
بإجراء كل التعديلات على مظهر الممثل ثم ترك عنصر إقناع المتفرج على عاتق
الموهبة
التمثيلية التي ينعم بها هذا الممثل بالتحديد.
لقد وجدت نفسي مختارة لإجراء الاختبار أمام الكاميرا في باريس وذلك في يوم
كنت
أنوي فيه السفر إلى ألمانيا للتمثيل في فيلم تلفزيوني،
وبالتالي كنت مشغولة بموضوع
السفر هذا وخائفة من أن تفوتني الطائرة وجئت إلى الاختبار من دون أن أعيره
أدنى
أهمية في الحقيقة، بل لأرضي وكيلة أعمالي أكثر من أي شيء آخر.
أجريت الاختبار وصافحت المخرج بحرارة واندفعت في الطريق العام بحثاً عن
سيارة
تاكسي تنقلني إلى المطار وفي الوقت نفسه لم أستطع التخلص في
ذهني من صورة عشرات
الممثلات الجالسات في غرفة الانتظار من أجل الاختبار ذاته واللاتي سبقتهن
ولم أنتظر
لحظة واحدة لمجرد أن وكيلة أعمالي كانت قد نبهت أصحاب الشأن الى أنني في
عجلة من
أمري لأنني مسافرة.
·
هل جاءك الرد الإيجابي في شكل
سريع؟
-
لا أبداً، فقد مرت أسابيع طويلة من دون أن أسمع أي خبر من أي نوع، وإلى
درجة
أنني نسيت الحكاية، خصوصاً أنني لم أكن مؤمنة بجديتها أساساً، إلى أن أتاني
الرد في
يوم ما وفي شكل لم أتوقعه، بمعنى أنه كان علي السفر إلى هوليوود للقاء فريق
المنتجين ثم المخرج مرة ثانية لأن كل هؤلاء الأشخاص كانوا
يرغبون في مناقشتي في بعض
تفاصيل الدور.
أتذكر كيف أنني سألت وكيلة أعمالي عن معنى هذه الرحلة، فهل كانت بمثابة
إعلان عن
لون قد حصلت على الدور أم لا؟ وردت عليّ الوكيلة بأنني بالطبع
مرشحة للفوز به
ولكنني لم أفز بعد.
لم أكن معتادة على هذه الطريقة غير المتبعة اطلاقاً في السينما الفرنسية أو
في
التلفزيون، وشعرت بشيء من الغضب وبرغبة في الامتناع عن السفر
وتجاهل هؤلاء الأشخاص
كلياً، لكن وكيلة أعمالي هددتني بإنهاء تعاملها معي إذا أقدمت على مثل هذا
التصرف،
فسافرت إلى هوليوود على حساب الشركة المنتجة للفيلم وأقمت هناك في فندق فخم
يقصده
المشاهير. وبدأت نظرتي الى هذا المشروع تتغير بعض الشيء.
·
وهل خضعت لاختبار جديد إذاً؟
-
لا، ولكنني سُئلت عن مهاراتي الرياضية وقدراتي الجسمانية، وعندما أكدت لهم
أنني بطلة في رياضة التايكوندو الآسيوية وفي الكاراتيه، طلبوا مني العودة
بعد ثلاثة
أسابيع إلى هوليوود مرة جديدة والبقاء فيها طوال شهر كامل من أجل التدريب
بإشراف
فريق متخصص واكتساب مهارات جسمانية ورياضية فوق العادة.
وسألتهم إذا كان كل هذا
الكلام يعني أنني حصلت على الدور، فردّوا علي بلا وبكونني قد أحصل عليه إذا
تفوقت
في نهاية شهر التدريب على الممثلات العشر الأخريات اللاتي كن سيتدربن مثلي.
الصبر
·
كيف تحملت كل هذه المشقة؟
-
أنا فعلاً كدت أن أتصرف معهم بأسلوب غير مهذب بالمرة لكنني عرفت كيف أتحكم
بنفسي بفضل خبرتي في الرياضة الآسيوية التي تعلّم المرء الصبر قبل أي شيء
آخر.
·
وهل تدربت إذاً وتفوقت على
الممثلات الأخريات؟
-
تدربت فعلاً ووقعت بين أيدي أبطال رياضيين لم يرحموني ورفضوا تكوين أي
علاقة
إنسانية معي مبنية على الود، بل كانوا بمثابة قادة عسكريين علموني الزحف
والقتال
والهجوم على غيري وتسلق الحواجز، فأنا دخلت فعلاً إلى الجيش
وخرجت من التدريب وجسمي
قد تحول وصار يشبه أي جسم رجالي رياضي أو على الأقل جسم بطلة رياضية روسية
أو
ألمانية في أيام عز الكتلة الشرقية. أما عن الممثلات الأخريات فلم أشاهدهن
ولو لمرة
واحدة، وكلما سألت عنهن قيل لي إن كل واحدة منا تتدرب وتقيم في مكان مختلف
عن
الأخريات من أجل تفادي المنافسة بيننا وترك المجال للروح
السلبية في التدريب.
وفي ختام فترة التدريب علمت أنني كنت قد فزت بالدور منذ الأساس وأن
المنافسات لم
يكن لهن أي وجود سوى في شكل وهمي بهدف الدفع بي إلى الأمام على
التفوق.
·
هل استخدمت كل ما تدربت عليه في
ما بعد خلال التصوير؟
-
نعم، فقد تطلب مني دور الكائن المفترس مرونة جسمانية متفوقة، خصوصاً أنني
مثلما ذكرت، فعلت كل شيء بنفسي من دون بديل أو لجوء إلى مؤثرات تقنية من أي
نوع.
وأنا أيضاً مثلت دور الكائن عندما يكون في شكله الرجالي وبالتالي كان علي
التصرف
مثل وحش من نوع الذكور، والماكياج وحده هو الذي حولني ظاهرياً بينما فعل
التمثيل
باقي العمل.
·
تبدين في الفيلم صلعاء تماماً،
فهل تخلصت من شعرك بالفعل أم أن الماكياج هو
صاحب الفضل في الموضوع؟
-
حلقوا لي رأسي كلياً وبقيت هكذا ثلاثة شهور وهي الفترة التي استغرقها تصوير
الفيلم.
·
كيف عشت كل هذه التحولات
الجسمانية إذاً؟
-
عشتها بصعوبة كبيرة، فليس من السهل على أي امرأة أن تتخلص هكذا من أنوثتها
في
شهور قليلة إضافة الى تحمل نظرات الناس إلي في الطريق العام وأينما ترددت
على
المحلات والمطاعم.
لقد أدركت حينذاك كل ما يعاني منه مرضى السرطان، فأي مرض خبيث آخر يتسبب في
تغيير الشكل الخارجي وفقدان الشعر، ومع ذلك لم أكن مريضة
وبالتالي لم أشعر بعذاب
سوى ما يتعلق بمظهري بينما تأتي هذه النقطة في حالة المرضى إضافة إلى
معايشتهم آلام
المرض نفسه. تعلمت أن الجنس البشري في النهاية لا يرحم. وكم من مرة شعرت
بأنني شبه
متهمة بالشذوذ الجنسي من خلال نظرات الناس في الشارع والأماكن
العامة لأنني كنت
صاحبة عضلات وصلعاء.
·
دفعتِ إذاً ثمن نجوميتك
الهوليوودية غالياً؟
-
نعم، أعتقد ذلك حقاً، ولكنني راضية عن كل شيء في نهاية الأمر، خصوصاً أنني
تعلمت الكثير من خلال هذه التجربة، عن مهنتي وعن الحياة بعامة.
·
كيف كان تصرف النجم أدريان برودي
معك أثناء التصوير؟
-
العلاقة بيننا كانت مبنية على الاحترام المتبادل، وهي كانت جيدة إلا أنها
لم
تتحول صداقة حقيقية في أي وقت من الأوقات، وهذا ما حرص عليه برودي لسبب لا
أعرفه
ولا تهمني معرفته. فقد كان يقضي وقته بين تصوير لقطتين في
المزاح وسرد النكات وكأنه
كان يحرص على إضحاكي، الأمر الذي يحول دون الدخول في مناقشات جادة في شأن
أمور
الحياة. وعلى عكس ذلك كونت علاقة وطيدة مع النجمة سارا بولي ولا نزال على
اتصال من
خلال الإنترنت في شكل دوري.
·
ستسافرين مرة أخرى إلى هوليوود،
ألا تخشين الخضوع لظروف قاسية من جديد؟
-
لا، لأنني قرأت السيناريو الخاص بكل فيلم من الفيلمين اللذين سأشارك فيهما،
ولا علاقة لهما بالمرة بما عشته خلال تصوير «سبلايس»، فأنا سأعمل في فيلم
بوليسي
وآخر فكاهي.
الحياة اللندنية في
05/11/2010
هيني سرور تستعيد التاريخ والسينما
الفلسطينية الشابة تهيمن على المشهد
رام الله - بديعة زيدان
اختتمت فعاليات مهرجان شاشات السادس لسينما المرأة في فلسطين، بحصول
المخرجة اللبنانية هيني سرور، على جائزة المهرجان التي تحمل اسم سلافة جاد
الله، أول سينمائية فلسطينية، وذلك بعد عرض فيلم الختام، وهو الأول في
تاريخ سرور، التي حضرت خصيصاً إلى رام الله للمشاركة في الفيلم، وهو «ساعة
التحرير دقت .. برة يا استعمار» من إنتاج عام 1974، ويتحدث عن ثورة ظفار
وحركة تحرير عُمان، وهو الفيلم «غير المرغوب فيه» في معظم الدول العربية
على حد تعبير سرور.
وتحدثت سرور أمام الجمهور الفلسطيني عن تجربة إعداد هذا الفيلم، واستذكرت
كيف
اختارت أن يكون فيلمها الأول عن الثورة العُمانية، بعد أن
التقت أحد قياديي الثورة
العمانية الذي حدثها عما يتحقق في المناطق المحررة من تحرير جذري للمرأة
الظفارية
بعُمان.
وكان المهرجان انطلق بفيلم آخر لسرور هو «ليلى والذئاب»، وأنتجته في العام
1984
..
وليلى، الشخصية المتخيلة التي تعكس الواقع، كما أكدت هيني، بل هي شاهد
على
الأحداث التي تعرض لها الفلسطينيون منذ الانتداب البريطاني العام 1920 حتى
الغزو
الإسرائيلي العام 1982.
أفلام شابة
وكعادة مهرجان شاشات، قدم هذا العام إنتاجات جديدة لأفلام قصيرة ما بين
روائية
ووثائقية، أنتجتها مؤسسة شاشات نفسها، لعشر مخرجات فلسطينيات،
بعضهن بدأن قبل
سنوات، من خلال شاشات، ويدرسن السينما في دول عدة، وبعضهن كان المهرجان
السادس هذا
نقطة انطلاق لهن. انقسمت الأفلام إلى مجموعتين الأولى حملت اسم «تقاطع»،
وهي عبارة
عن أفلام وثائقية إلى حد ما، ثلاثة منها حملت مفاهيم تحاول أن
تقترب من السينما،
لكنها وقعت في مطب يمكن اعتبارها معه تقارير إخبارية مصورة موضوعاً وطريقة
طرح،
باستثناء فيلم «القرار» لليالي الكيلاني، وتتحدث فيه عن صراعها الداخلي ومع
الأسرة
حول منحة دراسة السينما في كل من الولايات المتحدة والأردن،
وبعض الشيء فيلم الأخت
وأختها لأميمة حموري، وإن كانت الفكرة غير مستحدثة.
أما فيلم «رقصة في الظل»، فهو تقرير إخباري أكثر منه سينما لأماني السراحنة
حول
حكايتها مع المرض، ولجوئها إلى الريشة واللون، وما يميزه تماسه
مع المشاهد، وتغلغل
تفاصيل الحكاية دواخلنا، في حين كانت المشهدية السينمائية طاغية، وبخاصة
التصوير
وتحرك الكاميرا في زوايا تنم عن احترافية في فيلم «بقايا»، على رغم أنه لا
يخرج عن
إطار كونه أقرب إلى التقرير الإخباري المصور، كما رأى العديد
من الكتاب والنقاد في
فلسطين.
المجموعة الثانية، وهي الأفلام الروائية، تحمل اسم «صيف فلسطين»، وكيف تنظر
فتيات فلسطين إلى الصيف من زوايا متنوعة، حيث السينما طاغية في
أفلام على رأسها «صبايا
والبحر» لتغريد العزة، ويروي حكاية ثلاث فتيات تفوز إحداهن بجائزة إقامة
بفندق على البحر يبدو أنه البحر الميت الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية ..
يخططن
ويسهرن الليالي، وبعد معارك طاحنة يتجاوزن حواجز الأهل
والمحيطين ليصطدمن بحاجز
عسكري إسرائيلي، لكنهن يصنعن بحرهن الخاص، عبر «بركة بلاستيكية» صغيرة،
يروينها بما
لديهن من مياه الشرب، قبل أن يكتفين بالسباحة بما ظهر من أقدامهن فيها ..
ومن بين
الأفلام اللافتة في هذه المجموعة فيلم «الظل» لفادية صلاح
الدين، والذي تحاور فيه
ظلها الذي لا يظهر بكامل ألقه، أو لا ألقه، إلا صيفاً، فتهرب منه تارة،
وتلاحقه
تارة أخرى .. وتظهر السينما طاغية، على رغم غياب الحوار، وهو الأمر الصعب،
في فيلم «بحر» لوفا نصار، التي تقدم فيلماً مكثفاً
غاية في الروعة والعمق، عبر فتاة تفاجئنا
في النهاية بأنها على عربة متحركة، بينما تحلم على الدوام
بالبحر وبأقدامها الذي لا
تصله إلا في أحلامها.
تجارب أخرى
ومن بين الأفلام التي استضافتها «شاشات» في مهرجانها السادس فيلم «مملكة
النساء»
للمخرجة الفلسطينية الشابة دانا أبو رحمة، الذي ينتهي بلقطة البداية، أو
بمعنى أدق
باستكمال لقطة البداية، التي قدّمت للمُشاهد مجموعة من الحلي المصنوعة
يدوياً،
والمفروشة على سرير، لتروي ما بين المشهدين فصولاً من أعمال
النساء داخل السجن
الإسرائيلي.
وعرض في المهرجان أيضاً، فيلم «فردوس» للسويدية من أصول إيرانية أهانج باشي،
التي يبدو أن أصولها وانحيازها لإنسانية الطرح هو ما دفعها
لإنجاز الفيلم الذي
أنتجه، العام الماضي، المعهد الدرامي السويدي، وتتحدث فيه عن الإيرانية
سيمين التي
تقترب من عامها التسعين، وتعيش في مأوى للعجزة في السويد.
واستطاعت باشي، في فيلمها الذي عرض في مهرجان شاشات السينمائي السادس، على
رغم
حداثة تجربتها السينمائية انتزاع إعجاب الجمهور حتى وصفوا
فيلمها بالمؤثر، وأشادوا
بحساسية عدستها في معالجة قضية المسنين المهاجرين في بيوت العجزة
السويدية.
الحياة اللندنية في
05/11/2010
«8
ملم ديجيتال»: تصوير فيلم كل يوم
دمشق - فجر يعقوب
يكاد فيلم «8 ملم ديجيتال» للمخرج عمرو علي - أصغر المخرجين السينمائيين
السوريين سناً - يختصر أزمة السينما السورية عموماً في بعض
وجوهها. فنحن نقف أمام
مخرج شاب عاد للتو من روسيا تخامره أحلامه بصنع سينما خاصة من دون أن يكون
هناك
شكوك بالمآل. هذه الأحلام تتكسر تباعاً، عندما يكتشف الشاب مآل السينما
نفسها في
بلاده وقد أصبحت أسيرة العلب المهملة، فما حصل من حولها هو التغيّر الذي
ضرب الناس
على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، وهذا التغير الحاصل يكشف
عنه علي كأنه نوع من
الارتياب، سواء على الصعيد الشخصي، أو على الصعيد العام، كما ينبهنا إلى
ذلك بسؤال
بائع الأقمشة الخريج الجديد وهو يصوّب الكاميرا الخفيفة نحو محله، عما إذا
كان يصور
فيلماً. وكأن تصوير الفيلم أصبح نوعاً من تهمة غير حميدة، مثل جناية أو
جريمة أو ما
شابه.
مشكلة الشاب التي يطرحها علي في فيلمه القصير لن تخرج عن النطاق الذي وسم
السينما السورية في الكثير من المطبات التي وقعت فيها، فظلت
أسيرة الموضوعات التي
اشتغلت عليها منذ أن أعلن أن هناك سينما مؤلف في هذا البلد. هذا الإعلان
الذي لم
يتجاوز سقف التوقعات بقرب الافتراق عن سينما التطلعات الذاتية أو سينما
القضايا
الكبرى، وظل يراوح في مكانه من دون حصول أدنى تطور على هذا
الصعيد. وهذا أربك
السينما نفسها وخفّض من حجم الآمال المعقودة عليها هي التي بدت « جسورة» في
بعض
محطاتها الفاصلة، ولكنها، ولجملة أسباب ظلت تعاني من هذه المراوحة في
المكان، والتي
توجها قدوم الشاب الرمزي من ( روسيا ) ليعلن عن اخفاقه في
امكان تحقيق أي من
أحلامه، اذ يخبره «مسؤول» في مؤسسة السينما أن عليه الوقوف في طابور
الانتظار مثل
كثر غيره ريثما يتم تحقيق الموازنة المطلوبة. هذا اذا تم توقيعها في هذا
العام،
وإذا لم يتم دفعها للعام التالي دون أن ننسى تبرمه من ذكر اسم
الدولة التي تخرّج
منها. قد تبدو مهمة الشاب الخريج سهلة بالمقارنة بالطوابير السينمائية
الأخرى التي
دفعت بأعمارها وهي تنتظر فرصة الحصول على فيلم أو فيلمين في أحسن الأحوال،
وربما
ثلاثة. لكن خوض هذه التجارب قد يعلم هذا الشاب الحالم، أنه ما
من فتوحات هنا على
صعيد الصورة، أو على صعيد ادراك امكانية السرد بنوع من الشغف يوازي ذلك
الشغف الذي
دفع بالشاب الخريج (جابر جوخدار) لأن يحمل كاميرا خفيفة ليوقع أفلامه
بنفسه، وهو
يبدأ من تلك اللحظات الضائعة عندما كان يهرب من المدرسة وهو
صغير ليرتاد صالات
السينما.
قد يبدو الحنين مكلفاً، ولكن علي يلجأ بنوع من الذكاء المفرط إلى اختبار
الحنين
بنوع مختلف. هنا الشاب الخريج يلتقي مع قرينه المضيّع عبر
الشاشة الكريستالية
الصغيرة من دون أن يخبرنا المخرج الشاب أنه يلجأ إلى جمع البطل في نفس
اللقطة مع من
يمثل طفولته. هو اختبار القدرة على السرد من نفس الزاوية، عندما تقوم
الشاشة
الصغيرة بتحميل الخدعة ذلك البعد العاطفي الذي بات يفتقده
الشاب مع أول محاولة له
لعمل سينما بعد التخرج، وبعد أن نفض يديه من اللجوء إلى شركات الإنتاج
الخاصة
المهمومة بالدراما التلفزيونية - حتى في حدود سباعية تلفزيونية - لأن
السينما لم
تعد تشكل هاجساً لهذه الشركات، فالجميع كما يخبره مدير إحدى هذه الشركات،
«أدار
ظهره للسينما، والصالات أصبحت في حالات يرثى لها». والأهم هو
ذلك الارتياب الذي
يمثله التاجر بحسه العدائي الاستباقي تجاه الكاميرا الخفيفة كاشفاً عن حجم
هذا
التغير، بعد أن تنازل صاحبها عن سطوة الكاميرا الثقيلة في لحظة انقلاب
تاريخية، هي
ما تدفع بالشاب إلى التصوير بها، مكتفياً باقتفاء آثار طفولته
السينمائية المضيعة
منذ أن تلمس أول بوستر سينمائي بأصابعه، وحتى الضرب الذي تعرض له جراء
هروبه من
المدرسة، ومروراً بالصالة المعتمة التي أصبحت شبه فارغة الآن، بعد أن
غادرها الرواد
إلى غير رجعة.
عمرو علي في فيلمه القصير يحاول أن يداوي بعض جراح هذه السينما من دون أن
يؤكد
أن ثمة شفاء في المستقبل القريب، فالشاب بدوره مصر على المضي
بتصوير أفلامه بذات
الطريقة التي بدأ يبحث فيها عن الدواء ... وهو الشغف الذي يمثله الرجوع نحو
الأحلام
المجهضة، وربما تبدو هنا كاميرا المصور رائد صنديد خير معبر عن رسم أفق
مفتوح أمام
مخاض هذه السينما الجديدة.
الحياة اللندنية في
05/11/2010 |