لم يقفل السينمائي اللبناني بهيج حجيج ملف المفقودين في الحرب اللبنانية في
سينماه مع الوثائقي «مخطوفون» الذي حققه عام 1998، الا ليعود إليه مجدداً،
روائياً هذه المرة، مع فيلم «شتي يا دني» الذي فاز بـ «جائزة اللؤلؤة
السوداء لأفضل فيلم من العالم العربي» (مئة ألف دولار) في الدورة الأخيرة
من مهرجان أبو ظبي قبل ان يحط في الدوحة الأسبوع الماضي وبلجيكا امس. لكنّ
فيلم حجيج ليس عن الـ «17 ألف مفقود في الحرب اللبنانية» إنما عن الإنسان
المكسور الذي يعيش اضطرابات ما بعد الحرب. من هنا ارتأى المخرج اللبناني ان
تكون رسائل نايفة نجار الأربع التي نشرتها تباعاً في جريدة «السفير»
اللبنانية في الثمانينات «ضمير الفيلم» و «أرشيفه» في آن. ولمن لا يعرف،
نايفة نجار ليست الا واحدة من أمهات كثيرات انتظرن ابناءهن المخطوفين دون
جدوى، قبل ان تضع حداً لانتظارها الطويل فكان انتحارها أبلغ تعبير.
فيلم حجيج ليس، مع هذا، فيلماً عن نايفة نجار، وإن كانت أحداثه تتصاعد
فصولاً
على إيقاع رسائلها. فمع الرسالة الأولى التي تنبض بالأمل يفتتح حجيج شريطه
بتحرر «رامز»
(حسان مراد)، البطل الأساسي في الفيلم، بعد اختطافه الطويل. وكلما فقدت
نجار
الأمل بعودة ابنها، كلما فقد بطلنا عودته الى عائلته. صحيح هو جسدياً يعيش
وسط
العائلة بعد طول غياب. لكنّ سنوات المعتقل وآثار العنف الجسدي والمعنوي
تأبى ان
تتركه يعيش بسلام بينهم. كما لن يجد نفسه في المدينة (بيروت) التي أصبحت
كبيرة
عليه. اضطراب ينعكس على عائلته التي بدلاً من ان تعيش سعادة عودة الأب
والزوج، بدأ
التفكك ينحرها: الابنة (ديامون بو عبود) طار حلمها الكبير بالالتحاق
بالمعهد
الموسيقي الباريسي مع عودة والدها... الابن (ايلي متري) وجد نفسه عاجزاً عن
التعامل
مع أب دخل الى حياته من دون استئذان... والوالدة «ماري» (جوليا قصار) التي
بعدما
بنت حياة جديدة على أنقاض حياتها القديمة وجدت نفسها مضطرة لإعادة جمع شمل
العائلة،
بما انها الحلقة الوحيدة التي تربط بين الماضي والمستقبل. وعلى رغم التنازل
الذي
قدمته «ماري»، بتقديمها العائلة على حياتها الشخصية، ظلت هناك قطبة مخفية.
قطبة
وجدها «رامز» في «زينب» التي خلافاً لزوجته لا تزال تعيش في الماضي بعد
فقدان
زوجها. وهكذا أضحت «زينب» الحضن الذي يجد فيه «رامز» راحته، لتجسيدها
الماضي بعيداً
من غرابة الحاضر.
لماذا هذه القتامة في الفيلم؟ ولماذا يعود بهيج حجيج الى ملف المفقودين؟
وماذا
عن ظروف إنتاج الفيلم؟
هذه الأسئلة وسواها طرحتها «الحياة» على بهيج حجيج أثناء مشاركته في مهرجان
أبو
ظبي، فكان هذا الحوار:
·
بعد فيلمك الروائي الأول «زنار
النار» الذي أردته عن الحرب اللبنانية،
اخترت ان يكون فيلمك الثاني عن بيروت اليوم
من خلال قضية تعتبر من أبرز ملفات الحرب
العالقة، قضية المخطوفين. فهل في الأمر تصفية حساب نهائية مع الحرب
اللبنانية؟
- «زنار
النار» كان بالنسبة إليّ حاجة شخصية. منذ البداية كنت مقتنعاً ان اول
فيلم روائي لي سيكون عن الحرب اللبنانية من خلال التجربة التي عشتها.
وسرعان ما
التقت تجربتي وتجربة رشيد الضعيف، فولد فيلمي الأول. فيلمي الثاني احببت ان
يكون
فيلماً شعبياً لا فيلماً تجارياً، والفرق شاسع بين الاثنين. الفيلم التجاري
هو
الفيلم السهل الذي يهدف الى التسلية فقط لا غير، ولا يهتم الا بشباك
التذاكر،
وبرأيي غالباً ما تكون حياته قصيرة جداً. بينما الفيلم الشعبي قد يكون فيلم
مؤلف،
فيلماً ذا نوعية، من دون ان يكون نخبوياً. أحببت ان أصنع فيلماً يتوجه الى
الناس.
وأنا بطبعي احب العمل على مواضيع إنسانية ثقافية اجتماعية في شكل خاص. كنت
أفكر
بموضوع معين ثم وقعت على نص من كتابة ايمان حميدان ووسام بردويل على شكل
مسرحية،
وأعجبني كثيراً. وجدت فيه صدى للفيلم الوثائقي «مخطوفون» الذي حققته في
الماضي، كما
وجدت فيه موضوع سيناريو وفيلماً له معنى. وهكذا بدأت كتابة السيناريو،
وشيئاً
فشيئاً راح الفيلم يأخذ طريقه.
الإنسان لا القضية
·
ولكن، لماذا تعود الى قضية
المخطوفين روائياً من خلال «شتي يا دني» بعدما
طرقت هذا الباب وثائقياً في «مخطوفون»؟
-
لا اريد ان اربط فيلم «مخطوفون» بفيلم «شتي يا دني»، لأن هذا الأخير عن
المجتمع اللبناني الراهن لا عن قضية المخطوفين. إنه فيلم عن العودة. وهي
عودة
مستحيلة وذات دلالات. المخطوف في الفيلم هو نوع من المحرك لخطوط عدة يسير
عليها
الفيلم. يهمني ان اسلط الضوء على امور الناس العاديين التي يعيشونها من دون
ان
يتمكنوا من رؤيتها. تهمني الزوايا المخفية وراء الباب. فبعدما حققت الفيلم
الذي
اردت ان أحققه عن الحرب، أردت ان أتكلم عن
مواضيع معاصرة. وفي رأيي ان المجتمع الذي
نعيش فيه بحاجة لكاميرا تصوره. نوع من العين التي تريد ان ترى وفي الوقت
ذاته تزيح
الغشاء عن امور كثيرة مخفية في الزوايا. من هنا احداث موضوعي لها علاقة
بالحرب،
بمعنى التداعيات. لكنها لا تعود الى زمن الحرب والاختطاف إنما تبدأ مع عودة
المخطوف
في بيروت اليوم. ومع هذا فإن قضية المخطوفين في لبنان قضية حية. ولا يزال
أهالي
المخطوفين في لبنان معتصمين في الوسط التجاري في بيروت.
في الفيلم أيضاً تحية الى المرأة، سواء من خلال ضمير الفيلم (نايفة نجار)
او من
خلال الزوجة («زينب») التي لا تزال تعيش على ذكرى زوجها المخطوف أو الزوجة
(«ماري»)
التي ربّت اولادها وحدها ثم اختارت ان تواصل حياتها، ولكن ما ان ظهر زوجها
المفقود
حتى حاولت جاهدة إعادة اللحمة الى العائلة المفككة. إذاً، هو فيلم عن
الحاضر لا عن
الماضي.
شركاء في الحرب
·
أليس في التركيز على «العودة»
دون التطرق الى فترة الاختطاف هروب من إعلان
موقف سياسي من الحرب؟
-
ليس هروباً إنما خيار شخصي. الكل شاركوا في الحرب اللبنانية. وليس هدفي ان
اوجه أصبع الاتهام الى احد. اطراف كثيرة قد ترى نفسها في الفيلم. أطراف
كثيرة،
لبنانية وغير لبنانية، شاركت في عمليات الاختطاف. لم ارد ان ادخل في هذه
المتاهات.
تركت الأمور مفتوحة، لأنني لست صحافياً ينجز تحقيقاً عن المخطوفين إنما انا
سينمائي، شخصياته نسيج من الواقع والخيال. لا اريد ان أوصل رسالة معينة،
أريد ان
أحرّك ضمائر الناس وخيالهم وعواطفهم.
·
الى اي مدى نجحت في تحريك عواطف
الناس من دون الوقوع في الميلودراما؟
-
كتابة السيناريو أخذت مني وقتاً طويلاً، خصوصاً ان هاجسي الأول كان تحاشي
الميلودراما لأنها نوع من العواطف الرخيصة لشحذ الدموع من عيون المتفرجين.
كان هذا
الأمر ماثلاً دوماً امام عينيّ، وكنت اخشى الوقوع فيه. وأثناء التصوير مع
الممثلين
كنا نتفاعل ونركّب المشهد بطريقة بعيدة من الميلودراما. حتى الحوار كان
يتغير إذا
شعر الممثل انه لا يتجاوب والأحداث.
·
تتحدث عن ليونة في التعامل مع
الممثلين، فهل لأنك تتعامل مع ممثلين تثق في
خبرتهم ام هذا هو النهج الذي تسير عليه عادة في إدارة التمثيل؟
-
هذا الفيلم بمقدار ما هو تحية الى المرأة هو تحية الى الممثل اللبناني.
أردت
ان أبرهن ان الممثل اللبناني اذا أعطيت له الفرصة باستطاعته ان يقدم الكثير.
فبالنسبة إليّ انتقاء الممثل في عملية الكاستنغ يشكل ثلاثة ارباع إدارة
الممثل. وقد
كان العمل ممتعاً مع الفريق كله، من حسان مراد الذي يجسد شخصية «رامز»
المضطربة
والمكسورة، الى جوليا قصار في دور «ماري» الزوجة التي انقلبت حياة أسرتها
رأساً على
عقب مع عودة زوجها المخطوف، الى كارمن لبس في دور «زينب» التي وجدت في
«رامز» عبق
زوجها المخطوف قبل عشرين سنة، الى ديامون بو عبود التي شكّلت عودة والدها
نسفاً
لحلمها بالالتحاق في معهد موسيقي باريسي، الى ايلي متري غير العابئ بما
يعيشه والده
من اضطراب بعد سنوات اختطافه الطويلة.
·
الموسيقى في «شتي يا دني» لاعب
أساسي، كيف اشتغلت عليها؟
-
هناك نوعان من الموسيقى يسيران جنباً الى جنب في الفيلم. الموسيقى
الكلاسيكية
الحزينة التي تعزفها الفتاة الشابة لباخ وغابريال فوري وسواهما، والموسيقى
الثانية،
موسيقى الفيلم التي هي أحياناً قريبة من الجاز. لعبت هنا على مستويين لأجعل
الفيلم
بجديته وقتامته قادراً على ان يدخل في اجواء الحداثة.
·
الفيلم مصوّر بكاميرا ديجتال، هل
ترى ان مستقبل السينما للصورة
الرقمية؟
-
هذا امر واضح. علماً انني صوّرت «شتي يا دني» بسينما رقمية لا فيديو رقمية،
وقد ساعدتنا هذه الكاميرا كثيراً في عملنا، وأعطتنا ليونة. كما انها كانت
فاعلاً
اساسياً في الفيلم. كل التصوير كان من خلال كاميرا محمولة. كاميرا تتنفس
وتسير مع
الممثل. حتى حين تكون جامدة، نشعر بأنها تتحرك بعض الشيء لتكسر قسوة الصورة.
·
ماذا عن الصعوبات التي واجهتك في
هذا الفيلم؟
-
بعد أربع سنوات من العمل على هذا المشروع ولد الفيلم بجهود إنتاجية خاصة.
ولا
مبالغة في القول ان الإنتاج السينمائي في لبنان يدعو لليأس. لحسن الحظ
تحركت
مهرجانات عربية مثل ابو ظبي ودبي وقطر للمساهمة بجزء معين من الإنتاج
ودعمه، ولكن
عندنا في لبنان هناك غياب مطلق. والأنكى من هذا كله ان أفلامنا تجول في
المهرجانات
باسم لبنان ولبنان الرسمي غائب عنا.
·
هل تدعو وزارة الثقافة لإنشاء
صندوق لدعم السينما اللبنانية؟
-
منذ خمسين سنة ونحن نطالب بمساعدة السينما اللبنانية ولا احد يتحرك. حتى
القطاع الخاص لا يهتم في تمويل المشاريع السينمائية، ولا اتوقع منه ذلك حين
تكون
العقلية المتبعة في هذا المجال مشابهة لعقلية احد الممولين الذي يقول
بسخرية ان
السينما في بلادنا ليست اكثر من «دي في دي» يُباع بألف وخمسمئة ليرة (دولار
أميركي
واحد).
الحياة اللندنية في
05/11/2010
الزواج المختلط والنيات الحسنة
باريس - ندى الأزهري
ما إن تقع عين «جليل» على شرائح لحم الخنزير في الثلاجة، حتى يهرع نحو
شريكته
ملوحاً بها مستنكراً مهدداً « إلا هذا !».. مشهد، من بين
مشاهد، كثيراً ما يتكرر
عندما تتعايش ثقافتان تحت سقف واحد. كيف لحب، جمع بين الجراح الفرنسي ذي
الأصول
العربية والصحافية التلفزيونية ذات الأصول البرجوازية، أن يصمد مع كل
الاختلافات»
الثقافية التي تفرق بينهما؟
«هل
هناك جامبون؟»، الفيلم الفرنسي الذي يعرض في دور السينما الفرنسية هذه
الأيام، مستوحى من الحياة الشخصية لصانعته آن دوبتريني، لاسيما قصة
الجامبون تلك.
تعمل دوبتريني في التلفزيون الفرنسي كالشخصية الرئيسية في الفيلم، كما أنها
في
الواقع متزوجة من رمزي بيديا الذي يجسد دور «جليل» في الشريط. ورمزي، ممثل
فرنسي من
أصل عربي اشتهر في فرنسا في الأعمال الفكاهية المسرحية
والتلفزيونية.
ازدحم العمل الأول للمخرجة بكل الكليشيهات الممكنة في هذا النوع من
العلاقات،
وظل طموحه متواضعاً فلم يسع إلى التعمق في أي من هذه
الاختلافات التي يصطدم بها
الزواج المختلط بين فردين من ديانتين مختلفتين، وبقي خط سيره العام محدداً
بإطار من
النمطية السطحية والمستهلكة، سواء في الصورة التي رسمها للرجل «العربي»
ولأسرته
ومجتمعه القريب، أو في تقديمه لنظرة العائلة الفرنسية والمجتمع التقليدي
«للفرنسي
العربي». فمن جهة يقدم الشريط الرجل العربي كشخص لا يرغب في أن
ترتدي صديقته الميني
جوب، ويتردد في تقديمها لعائلته، ويعاني من تناقض في أفكاره فما يبيحه
لنفسه لا
يبيحه لأخته وبخاصة في ما يتعلق بالعلاقة غير الشرعية والزواج من فرنسي،
كما أن
الرفق بالحيوان ليس من طباعه( ذبح خروف العيد)، أما الرجال
«العرب» بعامة فيتفقون
على خداع أنفسهم بشرب الخمرة في السر، بينما تبدو الأم العربية( لعبت الدور
الممثلة
الجزائرية بيونة) قوية الشخصية ومسيطرة على أسرتها لكنها محبة في أعماقها.
ومن الجهة الأخرى، يبرز الفيلم النظرة شبه الموحدة التي تسقطها العائلة
الفرنسية
وأيضاً المجتمع على الفرنسيين العرب، فهم على سبيل المثال لا
يتوقعون منهم أن
يكونوا على مستوى ثقافي ومالي مشابه لهم، ويبقى العربي مشمولاً بنظرة الشك
أينما
ذهب، ويلاحقه شكله الخارجي في كل مكان حتى في المحال «الراقية»، وتظل سحنته
العربية
تعبيراً مسبقاً عن دوافعه «المريبة» من وجهة نظرهم.
في هذا الحشد المكثف لكل نقاط الخلاف والاختلاف، يكتفي الشريط بالنماذج
المعروفة
والمنتظرة، ولا يذهب بعيداً من المتداول المستهلك. فيلم متواضع
لطيف لم يرد إثارة
أي جدل من حوله، مليء بالنيات الحسنة من الدعوة للتسامح، إلى تقبل الآخر
عبر تقديم
كل طرف لبعض التنازلات، لكنه بقي في العموميات التي تمت معالجتها بالكثير
من
الخفة... خفة الروح وخفة التناول.
الحياة اللندنية في
05/11/2010
أيام حلوة «بموافقة الوالدين»
الدار البيضاء - مبارك حسني
بهذا الفيلم القصير، يريط محمد مفتاح حاضره السينمائي بماض طفولي سابق. حين
كان
الأساتذة في المدرسة يستدعونه أحياناً لارتجال عرض مسرحي
لتلاميذ قسمه. وكان يرتجل
باحة عرض ويوزع الأدوار ويدير الكل باقتدار عفوية الصبا. ما بين تلك الفترة
الحنينية والآن حقق محمد مفتاح مساراً في التمثيل والتشخيص خارج المألوف
أوصله إلى
النجومية وطنياً وعربياً. وها هو يقدم على مغامرة الإخراج، لكن
هذه المرة في شكل
ناضج ومهني وبحسب القواعد المطلوبة.
العجيب أن باكورته الإخراجية تتناول الطفولة كأنما لتكون الاستعادة كاملة.
إعادة
الارتباط بالحس الإخراجي القديم وإعادة اكتشاف حنينية وبراءة ذلك الزمن
الطفولي
الغابر. وقد فعل في فضاء غير مألوف في المشهد السينمائي
المغربي: في الكاريان. الحي
القصديري. في الأمر جرأة قوية ورسالة خاصة. الرجل ينطلق من حيث بدأ، من ذلك
الهامش
السكني السحيق من حيث خطا خطواته الأولى لمواجهة العالم. قد يستغرب بعض
المشاهدين
ذلك وهم الذين تعودوا على صورة النجم. لكن محمد مفتاح لكي يعلن
ميلاده كمخرج توجه
للموضوع الذي هو أقرب إلى وجدانه والذي تسكنه علاماته الغائرة. «الكاريان»
هذا
الفضاء القاسي العيش الذي أخرج العديد من الأسماء والعديد من الشخصيات
الفنية
والثقافية المغربية الكبيرة. ولما يضع فيه محمد مفتاح كاميرته
فلكي يكرم زمناً
وجغرافية وأسماء وعالماً، وفي نفس الوقت يموضع الكل سينمائياً وثوثيقياً
كحق
وكوجود. وبالتالي ينجح في اختبار سينمائي أساسي، ألا وهو الإتيان بصورة
جديدة غير
معهودة.
وعلى ذكر الصورة فحكاية الفيلم أو حدوثته تتعلق بالصورة التلفزية تحديداً
وأثرها
على الأطفال. فالموضوع يتحدث عن رجل يشقى طيلة اليوم ليعيل
ثلاثة أبناء. تبدو آثار
الشقاء في ملابسه الوسخة وفي العرق المتراكم على جسده ووجهه. القهر الذي
يعيشه لا
يمنعه من الاتصاف بالحنان والطيبوبة تجاه الأبناء. إلا في حالة وحيدة وهي
التحكم في
إشعال التلفاز. والتحكم في الصورة كرقيب كلما تبدت صور «تخل بالحياء» بحسب
التصور
البسيط السائد. فجل المشاهد تدور داخل البراكة أي البيت
القصديري، وفي الأماسي
وأمام برامج التلفزة. الأب في الأمام مستنداً إلى مخدة والنوم يخطفه مرة
مرة والابن
وراءه مستلقياً والبنتان في الخلف يسترقن النظر. المشهد توخى محمد مفتاح
توزيع
شخوصه كل في وضع معين وتوخى في التصوير الانتقال المتعدد من
شخص إلى آخر مع التركيز
على تعابير الوجوه والعيون مع مراعاة التراتبية السائدة في العائلات
المغربية حيث
الأفضلية للولد. وسيطبق الابن هذه عندما سيتحكم في آلة التلفاز. وقد أعطى
هذا
التسلسل والتداخل ما بين الموضوع والتقنيات والحيل المتوخاة
مشهداً بحمولة عاطفية
رائقة.
إلى جانب هذا لا بد من الإشارة إلى المشهد السابق والذي كان خارجياً. ففيه
نقل
محمد مفتاح إحدى صور الكاريان المثيرة. الزقاق المترب الملئ
بالطين والماء الحار،
والأطفال الفقراء الذين يلعبون لا مبالين والمساكن القصديرية.. الهامش في
كامل
تجليه القاسي على العين. وأبرز الصور يجملها طفل صغير السن يعدو وقد بدت
مؤخرته
وساقاه الصغيران عاريين..
إنه الكاريان يغزو الصورة السينمائية المغربية بلا رتــوش ولا تــزويق كما
هـــو
الآن وكــما هو ذاكرة المخرج الذي يعرفه جيداً. وقد عـبّر عن هذا كله
باقتدار وتمكن
وبتوظيف حقيقي لما هو سينمائي.
الحياة اللندنية في
05/11/2010
رأى أن "خارجون عن القانون" سيعيد مجدها السينمائي
ناقد أمريكي كبير يتوقع تفوق الجزائر على مصر في جائزة
الأوسكار
القاهرة –
mbc.net
توقع ناقد أمريكي كبير حصول فيلم "خارجون عن القانون" الجزائري على جائزة
الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، مشيدا بمستوى الفيلم من كافة النواحي الفنية
والإنتاجية.
ومن أبرز الأفلام التي تنافس على الجائزة نفسها المصري "رسائل البحر"
للمخرج داود عبد السيد؛ الذي رشحته لجنة تابعة لوزارة الثقافة المصرية
للمنافسة على الجائزة.
وقال الناقد الأمريكي ستيفن هولدين، في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز"
نقلته "الشروق" الجزائرية: إن الجزائر عادت إلى الأوسكار وهو أكبر المحافل
السينمائية في العالم عبر فيلم "خارجون عن القانون" للمخرج رشيد بوشارب.
ووصف الفيلم، تحت عنوان "الإخوة الجزائريون مسلحون"، بالملحمة الكبرى من
أجل الاستقلال العسكري والذهني بعد عقود من الحرب، مشيدا بمستوى العمل
المفاجئ في كل النواحي.
وقال: إن التمثيل فيه كان جيدا جدا، والإنتاج على مستوى عال، أما روعة
الفيلم فتكمن في كونه يبسّط الأمور المعقدة، ويمكنه أن يكون ذاكرة قوية
للبلد من أجل تبيان كفاح الشعب الجزائري.
واعتبر الفيلم يحمل من عناصر القوة ما قد يجعله مرشحا للتتويج بأوسكار
الجزائر، في حاجة إليه لأجل استرجاع أمجاد سينمائية كانت قد رفعتها إلى
القمة في عهد روائع لخضر حامينا وأحمد راشدي، قبل أن تعيش مرحلة جفاف كمي
ونوعي.
ويدخل فيلم "خارجون عن القانون" ضمن ما يُسمَّى "سينما الحرب"، وهو إنتاج
مشترك "جزائري-فرنسي"، ممثلوه الأساسيون مغاربة، بالإضافة إلى المخرج
الجزائري؛ حيث يشارك فيه جمال دبوز، ورشدي زام، وسامي بوعجيلة.
ويتطرَّق الفيلم -الذي يعتبر استمرارًا لفيلم "أنديجان"- إلى فترةٍ من
تاريخ الجزائر المُستعمَرة، ويتعرَّض بالأخص لأحداث 8 مايو/أيار عام 1945م
والحركة الوطنية، وميلاد جبهة التحرير الوطني.
أما فيلم "رسائل البحر" فتدور أحداثه حول يحيى، وهو طبيب شاب يعاني
اضطرابات في النطق تعرضه لسخرية أصدقائه في العمل، فيترك مهنته ويقرر
الذهاب إلى مدينة الإسكندرية الساحلية دون هدف محدد، وخلال ذلك يلتقي
بنماذج بشرية لكل منها قصة مختلفة.
الـ
mbc.net في
05/11/2010 |