كاتبة أميركيّة عندها كل شيء إلا السعادة، تمضي بحثاً عنها. جوليا
روبرتس تعود إلى البطولة المطلقة، من خلال فيلم مقتبس عن كتاب ألهب مشاعر
ربات المنازل في بلاد العم سام. وراين مورفي يقدّم صورة هوليووديّة، نمطية
وسطحيّة، عن العالم
«أكل وصلاة وحب» هو فيلم جوليا
روبرتس الجديد. لو أنّنا نحيا في عالم مثالي، لكانت الجملة السابقة هي كل
ما يحتاج إليه القارئ لإدراك ماهية الفيلم وطبيعة محتواه الباهت. ولو كنّا
نحيا في عالم مثالي لما صنعت تلك الأفلام، ولكان مبلغ الستين مليون دولار
الذي كلّفه إنتاج الفيلم (10 ملايين لروبرتس) وُزّع على الفقراء والمشردين
والأطفال المتسولين الذين نراهم لدى وصول إليزابيث غيلبرت (جوليا روبرتس)
إلى الهند.
في «أكل وصلاة وحب» الذي أخرجه راين مورفي، تحاول روبرتس (1967) أن
تمثّل قدر المستطاع. إلا أنّ الفيلم يسيء إلى كل ما يتناوله، بسبب سطحيته
في تناول القضايا أو الأماكن التي يتطرق اليها. الشريط مقتبس عن كتاب
بالعنوان نفسه تحكي فيه مؤلفته إليزابيث غيلبرت عن تجوالها حول العالم
بحثاً عن السعادة والتوازن الجسدي والروحي بعد طلاقها. كتب مماثلة تبيع
ملايين النسخ في أميركا، إذ تتبع وصفة مضمونة النتائج: امرأة متزوجة من
الطبقة الوسطى، حياتها مستقرة، إلا أنّها لا تعرف معنى السعادة. تتخذ
عشيقاً، لكن نفسيتها لا تتحسن فتطلق زوجها وتترك عشيقها وتنطلق في رحلة حول
العالم بحثاً عن ذاتها في الهند وإندونسيا.
هكذا، سنجد في الفيلم جرعات زائدة من الروحانية الشرقية من فئة اليوغا
والأناشيد والصوم عن الكلام. مواضيع كهذه تقبل عليها النساء في الولايات
المتحدة. لهذا، فقد بقي الكتاب على قائمة أكثر الكتب مبيعاً في الولايات
المتحدة ١٨٧ أسبوعاً، وتناولته أوبرا وينفري على مدى حلقتين، قبل أن يصل
إلى الشاشة الكبيرة. تؤدي جوليا روبرتس هنا قصة مؤلفة الكتاب، في عالم من
الثروة والشهرة، أي ما يمثل الحلم الأميركي لكل «مواطن شريف».
«طعام وصلاة وحب» يأخذ الخطوط العريضة للكتاب، لكنّه يحوّلها إلى فيلم
سياحي مليء بالكليشيهات والصور النمطية. وكما في الكتاب، يحكي الشريط قصة
إليزابيث غيلبرت الكاتبة المتزوجة رجلاً يحبها. وطبعاً في أفلام مماثلة،
ليس المال هو المشكلة. المشكلة أنّ الملل يدب في العلاقة. وحين لا يكون
الزوج متحمساً لإنجاب الأطفال، فإنّ أيامه مع زوجته تصبح معدودة. والحل
الفوري هو اتخاذ عشيق ريثما تتضح الأمور. ومع أنّ عشيقها دايفيد محب ولطيف،
إلا أنّه ليس ما تبحث عنه. هكذا تنهي معاملات طلاقها من زوجها المصدوم
وتترك عشيقها، وتنطلق إلى إيطاليا...
تنطلق رحلات إليزابيث غيلبرت، ويبدأ الفيلم بتقديم صورة نمطية مكرورة
عن العالم إلى درجة الاجترار. تبدأ رحلة الأكل في إيطاليا ورحلة المناظر
السياحية القديمة، والشوارع الضيقة، والتماثيل الشهيرة، والراهبات اللواتي
يأكلن البوظة، وعازفي الموسيقى، والسيدات الأنيقات، وجماهير كرة القدم
والسفر إلى نابولي لتناول البيتزا الأصلية. ولحسن الحظ، لم يتضمن الكتاب
ولا الفيلم رحلة إلى باليرمو... وإلا، كنّا شهوداً على عملية اغتيال تقوم
بها المافيا. إذاً من إيطاليا ومطابخها، ننتقل إلى الهند حيث الازدحام،
والغبار، والأطفال الذين يلهون بالقمامة ويتسوّلون في الشوارع، والأبقار
المقدسة الفالتة في الطرقات... زد على ذلك أماكن التعبد الهندوسية أو ما
يسمّونه «أشرم». تصل إليزابيث إلى «أشرمها» لتبدأ مرحلة تأمل، وتتعرّف إلى
السائح الأميركي ريتشارد (ريتشارد جينكينز). ريتشارد يتكلم كثيراً ويستخدم
كليشيهات من نوع أنّ مسامحة النفس ضرورية لكل بداية، وقس على ذلك. كأن
الصور النمطية التي قدمها الفيلم لا تكفي، وكل ما نحتاج إليه هو كليشيهات
إضافية في الدين والفلسفة والحياة.
يبدو الفيلم مكاناً مثاليّاً لترويج الـ «أميركان أكسبرس»!
وما إن تنهي إليزابيث جولتها الروحية في الهند حتّى تمضي إلى بالي في
إندونيسيا. ورغم أنّ الكتاب والفيلم يركزان على فكرة البحث عن الذات، إلا
أنّ ما نشعر به أن إليزابيث ليست إلا في رحلة بحث عن الرجل المناسب. وهل من
مكان ملائم لإيجاده أكثر من بالي؟ وإذا كان هذا الرجل برازيلياً تكون نصف
المشكلة قد حلت، فكيف إذا كان رجل أعمال ناجحاً يؤدي دوره خافيير بارديم؟
لا ندرك أي ميزة للرجل الذي اختارته سوى وسامته. وهذا ما يجعل القصة حكاية
امرأة تعاني الملل وتقوم بما تقوم به لأنّها قادرة مادياً وقانونياً
وعقلياً.
إليزابيث إنسانة طيبة، مثل كثيرين في الولايات المتحدة الأميركيّة،
تدخل في حالات قلق وجودي سببها الفراغ فتحلّها بالسفر إلى أوروبا وآسيا.
يمكن وضع الفاتورة كلها على بطاقة «أميركان أكسبرس» التي نراها في يد جوليا
روبرتس. كأنّ هذا الفيلم السياحي هو المكان المثالي للترويج لـ«أميركان
أكسبرس»!
ضربة حظ؟
كتاب «أكل وصلاة وحب» الذي جاء عنوانه الفرعي «رحلة امرأة بحثاً عن كل
شيء في إيطاليا والهند وإندونيسيا» (٢٠٠٦) تشكّك معظم النقاد بصدقية
أحداثه، وعدوه متصنّعاً بل مزيفاً.
إلا أنّهم أحبّوه في أجزاء منه وعدّوا المؤلفة إليزابيث غيلبرت من
أكثر الناس حظاً بما نالته من نجاح وشهرة.
وقد حقّق الفيلم المقتبس عنه خلال شهرين ما يقارب ثمانين مليون دولار
في الولايات المتحدة، وهو ما زال يعرض في صالات السينما من دون توقف، وهو
أمر نادر لفيلم من هذا النوع.
هذا النجاح بات يمثّل مشكلة لكاتبة العمل التي اشتكت من أنّه بعد
باكورتها هذه، ازدادت الرهانات والتوقعات إزاء كتابها الجديد.
وإذا لم تنجح في تقديم عمل أنجح، أو على الأقل بمستوى كتابها الأول،
سيرى كثيرون أنّ نجاح كتابها الأول مجرد ضربة حظ.
الأخبار اللبنانية في
11/10/2010
شوكت كوركي: العراق في ملعب كرة قدم
زياد عبدالله
يأخذ السينمائي شوكت أمين كوركي (1973) وطنه العراق ويضعه في ملعب كرة
قدم. ويمضي الفيلم تحت عنوانه «ضربة البداية» راصداً حياة سكان هذا الملعب
الذي تحوّل إلى مخيم للاجئين. على هدى ثنائية ملعب/ مخيم، يحتشد الفيلم
الذي يعرض ضمن «مهرجان بيروت السينمائي الدولي»
BIFF،
بمجازات تختزل عراق ما بعد الاحتلال الأميركي، من خلال قصة آسو وأخيه الذي
فقد رجله بعد لحاقه بالكرة إلى حقل ألغام.
ضربة البداية في الفيلم فجائعية، سنعود إليها مع نهايته ونحن نكتشف
مصير آسو. أما «كرة القدم» فهي الكلمة المفتاح في الفيلم كما كان عليه اسم
الفتى في فيلم كوركي الروائي الأول «عبور التراب» (2006). إذ كان يُدعى
صدام وكان يطلب مساعدة اثنين من قوات البشمركة بعد سقوط نظام صدام.
تتأسس شخصية آسو طيلة الشريط بما يجعله الباحث عن حياة طبيعة لا
يفارقها الحب والفرح، كما هو نجاحه في نقل نهائيات كأس آسيا إلى أطفال
المخيم. وتصبح فرحة فوز المنتخب العراقي على السعودي فسحة أمل وجيزة، ثم
تأتي بعد ذلك رغبة آسو بتنظيم بطولة كروية بين أطفال المخيم. تنقسم الفرق
إلى عربية وكردية وآشورية، ويسعى آسو مع رفيقه اللطيف والبدين لإعداد كل
شيء. فيما تتراكم الديون على آسو بسبب إصراره على متابعة الصحف وشراء الكتب
من البائع الذي يأتي كل يوم بسيارته المحمّلة بحاجيات أهل المخيم. كل مساعي
آسو ستترافق أيضاً مع حبه البريء لجارته هيلن ونحن نراه متلعثماً وعاجزاً
عن مصارحتها.
«ضربة البداية» فيلم يحتفي بالحياة وبتنوّع بلاد الرافدين
يُستدعى العراق اليوم إلى الملعب/ المخيم. وسرعان ما تمضي تلك
الثنائية إلى أخرى تتمثّل في داخل المخيم/ وخارجه. أمان المخيم ليس إلا
طارئاً وموقتاً، إذ إنّه ليس معزولاً عما يحيط به في الخارج سواء من انعدام
الأمن أو من الفساد السياسي. وسط كل ذلك، تحضر أيضاً مكونات المخيم التي هي
في النهاية مكوّنات العراق بأطيافه وأعراقه المختلفة. إصرار آسو على الحياة
سيُحاصَر في النهاية بكل ما هو مضاد الحياة. والأمل الذي يسعى إلى اجتراحه
سيجابه بكل ما يخمده. وسننسى بداية أنّ الموت، وليس إلا الموت، ما يربض
خارج المخيم.
فيلم هذا السينمائي الذي ولد في كردستان العراق وترعرع في إيران،
يستوقفنا عند مفردات مستثمرة بعناية لتقديم احتفالية بالحياة يقف كل شيء
ضدها، ومخيم محاصر بالموت من كل الجهات. وأمام هذا الإصرار تمسي «ضربة
البداية» مثل النهاية التي لا تميز بين عربي وكردي، فهناك من يركل بلداً
بالإرهاب ولا يدع لكرة القدم أن تستقر في هدف.
الأخبار اللبنانية في
11/10/2010
مخرجون إيرانيّون انحازوا إلى الحياة
محمد الأمين
ثلاثة أفلام إيرانيّة شاركت في«المهرجان الدولي لأفلام المقاومة» الذي
اختتم في بيروت أخيراً. نظرة إلى تجارب خاصة تجمع بين الفنّ والقضيّة
«المقدّسة»
اختتمت أخيراً في العاصمة بيروت فعاليات «المهرجان الدولي لأفلام
المقاومة» الذي نظّمته المستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت، بالتعاون
مع قناة «المنار» و«الجمعية اللبنانية للفنون» (رسالات). وقد قدم المهرجان
في محطته اللبنانية أفلاماً إيرانية وعربيّة، على أن يقام في تركيا
وطاجيكستان وفنلندا.
تمثلت المشاركة الإيرانية في المهرجان في فيلم الافتتاح «كودك فرشته»
(الطفل والملاك) للمخرج مسعود نقّاش زاده، و«أتوبوس شب» (حافلة الليل)
للمخرج كيومرث بور أحمد، و«خاكستر سبز» (الرماد الأخضر) سيناريو وإخراج
إبراهيم حاتمي كيا، إلى جانب شريطين عربيين هما «أهل الوفا» للسوري نجدت
أنزور، و«عصفور الوطن» للفلسطيني مصطفى النبيه.
أفلام المقاومة، «أو ما يعرف في إيران بأفلام الدفاع المقدس»، تبنّت
في الأعوام الأخيرة «قضايا غير إيرانية، مثل الاعتداء الإسرائيلي على لبنان
أو حرب الـ33 يوماً»، بحسب مدير المهرجان محمد خزاعي. ويؤكد الصحافي
الإيراني رضا غبيشاوي أنّ «هذا الاهتمام غير منحصر في الموقف الرسمي فقط.
هناك شريحة واسعة من الفنانين والسينمائيين الإيرانيين تفاعلت مع القضايا
العادلة للشعوب الأخرى».
الحرب العراقية الإيرانية حضرت في شريط «حافلة الليل». نكتشف قصّة
الشاب المتطوّع عيسى الذي يجد نفسه أمام مسؤولية نقل 38 أسيراً إلى المناطق
الخلفية من ساحات القتال. قد يعود جانب من نجاح الفيلم وما حقّقه من تحوّل
في أفلام المقاومة الإيرانية إلى كونه مقتبساًَ عن الأعمال القصصية للروائي
حبيب أحمد زاده. وتعدّ مجموعات هذا الأخير القصصية، إضافةً إلى روايته
«شطرنج مع ماكينة القيامة»، محطات مهمة في تطور مضامين أدب المقاومة ذاته.
رؤية توافقت مع أسلوب أحد أكثر السينمائيين الإيرانيين اهتماماً بالتفصيل
البسيط والمعبر، كيومرث بور أحمد.
«حافلة الليل» مقتبس عن الروائي حبيب أحمد زاده
ليست الحادثة في فيلم «حافلة الليل» المحور، بل الإنسان في سلوكه
وردود فعله تجاه الحرب ومفرداتها. وفي هذه النقطة، يتقاطع الفيلم مع أغلبية
أفلام المقاومة الإيرانية. يختتم «حافلة الليل» على فقدان بطله عماد في حقل
ألغام من دون أن يتسنى لزوجته أن تزفّ له خبر حملها. خاتمة تلمّح إلى مصير
أطفال سوف تبقى حقول الألغام على صلة بمستقبلهم، في موقف مناهض للحروب
المفروضة على شعوب مسالمة منحازة كل الانحياز إلى الحياة.
يؤكد بور أحمد أنّه ابتعد عن «المبالغة والتعقيد» في مجمل مسيرته
السينمائية (17 فيلماً روائياً). من جهته، يلفت السيناريست حبيب أحمد زاده
إلى «أنّ أدب المقاومة عليه أن يتشذّب من الشعارات وأن يركز على السلوك
العفوي لشخصيات رأت في مشاركتها في ردع العدو أمراً منطقياً، قبل أن يكون
أيديولوجياً».
الأخبار اللبنانية في
11/10/2010
الرقابة أيضاً وأيضاً: المبدعة أو الرئيس؟
بيار أبي صعب
كنا ننتظر أن تزفّ إلينا كوليت نوفل نبأ عرض «شو صار» في مهرجانها
أخيراً. لكن الرقابة اللبنانيّة، بدلاً من أن تفكّ الحصار عن فيلم ديغول
عيد، كما طلب وزير الداخليّة شخصيّاً، اختارت أن تضرب من جديد، و«مهرجان
بيروت الدولي للسينما» في أوجه. الضحيّة هذه المرّة فيلم «الأيّام الخضر»
لهانا مخملباف (الصورة، ١٩٨٨)، وفيه تتناول المخرجة الإيرانيّة الشابة
الانتفاضة التي انطلقت الصيف الماضي في شوارع طهران، بعد الانتخابات
الرئاسيّة الإيرانيّة.
رافقت هانا مبكراً تجارب والدها محسن مخملباف، أحد معلّمي السينما
الإيرانيّة، ثم أختها الكبرى سميرة. حقّقت فيلمها الأوّل في التاسعة، وفازت
في العشرين بالـ«الدب الكريستال» في «برلين» عن باكورتها الروائيّة
«الدفتر» (٢٠٠٧، حرب أفغانستان). وجاء «مهرجان بيروت الدولي» ليتيح، لأوّل
مرّة في العالم العربي، مشاهدة شريطها الجديد الذي احتفت به «البندقيّة»
قبل عام. يجمع الفيلم الذي أنجزت مخملباف مونتاجه في إيطاليا في عزّ حركة
الاحتجاج الإيرانيّة، بين البعدين الوثائقي والروائي. وهو غني بالمادة
الأرشيفيّة لتظاهرات طهران التي نعيشها من منظار آية، البطلة المأزومة التي
تجسّد وضع المرأة الإيرانيّة في مواجهة واقعها ومستقبلها.
تمنى الرقيب اللطيف تأجيل عرض فيلم هانا مخملباف ريثما تنتهي زيارة الرئيس
الإيراني!
الرقيب لم يمنع
Green Days
للأمانة. كل ما في الأمر أنّه تمنّى على إدارة المهرجان «تأجيل عرضه» ريثما
تنتهي زيارة الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد. هذه اسمها لياقة وذوق.
المشكلة أن المهرجان ينتهي مع الزيارة. والمشكلة الأكبر أننا لا نعرف إذا
كان من صلاحيات الأمن العام التدخّل في حدث ثقافي لبناني، لجعله يتناسب مع
المفكّرة السياسية لأي زيارة رسميّة للبنان.
طبعاً هذا الاعتداء على الحريّات الثقافيّة قد يثير اليوم استنكار بعض
المدافعين المزيّفين عن الحريّة، ممن تحرّكهم عصبيّات ضيّقة وأجندات
سياسيّة مشبوهة. ليتذكّر هؤلاء أنّهم لم يحرّكوا ساكناً في العام الماضي،
حين رضخ الرقيب لطلب «المجلس الكاثوليكي للإعلام»، ومنع عملين للإيطالي
باولو بينفينوتي في المهرجان نفسه، لأنّهما يتناولان ممارسات الكنيسة في
القرون الوسطى. كانت السلطتان الدينية والسياسيّة تضربان يومذاك بقبضة
واحدة. لبنان ٢٠١٠ لم يخرج تماماً من القرون الوسطى الأوروبيّة.
الأخبار اللبنانية في
11/10/2010
جوليان شنابل في المتاهة الفلسطينيّة
رام الله ــ يوسف الشايب
لا يخلو فيلم «ميرال» للسينمائي الأميركي جوليان شنابل (1951) من
الإسقاطات. عرض الشريط في افتتاح الدورة الخامسة من «مهرجان القصبة
السينمائي الدولي» الذي يواصل عروضه بين رام الله والقدس ونابلس وجنين وبيت
لحم وغزة حتى 18 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي. الشريط الروائي الخامس في
مسيرة السينمائي الحائز جائزة «غولدن غلوب»، مقتبس عن سيرة تحمل العنوان
نفسه، وقعتها الكاتبة والصحافية الفلسطينية ــــ الإيطالية رولا جبريل
بالإيطالية عام 2004.
عرض العمل للمرة الأولى في «مهرجان البندقية السينمائي» الشهر الماضي،
ويحتاج إلى قراءة متأنية لما قد يحمله من دلالات. الصحف الإسرائيلية وصفت
شريط شنابل بـ«الخطير» و«المنحاز إلى الجانب الفلسطيني». لكنّه دفع مخرجين
فلسطينيين إلى التدقيق في ما يحمله من رسائل قد تكون منحازة إلى «معسكر
السلام» الذي بات يراه مجمل الفلسطينيين ذا أبعاد مشبوهة.
ولعل ما أثار حفيظة كثيرين، أنّ الشريط يبدأ بإشارات تعايش، تنقلب
سريعاً بعد النكبة عام 1948، وما خلّفته من مآسٍ ومجازر، من بينها مجزرة
دير ياسين. الشخصية المركزية في العمل هي المناضلة هند الحسيني (هيام عباس)
التي حولت منزل جدها إلى مدرسة للأيتام، أو «بيت الطفل العربي». إحدى
متخرجات البيت، هي رولا جبريل، صاحبة النص/ السيرة التي أعطت لنفسها اسم
ميرال وتؤدي دورها هنا الممثلة الهندية ــــ البريطانية فريدا بينتو.
العمل حكاية شابة عايشت مآسي إنسانية واجتماعية وسياسية أيضاً، ما
يدفعنا إلى المراهنة على الأثر الذي قد يخلفه الشريط عند عرضه في الصالات
الأميركيّة والعالميّة في آذار (مارس) المقبل. بين النكبة وأوسلو، يعرض
شريط شنابل أربع حكايات متشابكة لأربع فلسطينيات، هن هند الحسيني، وكانت
بمثابة الخيط الدرامي الرابط بين الشخصيات، ونادية والدة ميرال (ياسمين
المصري)، وصديقتها المناضلة فاطمة برناوي (ربى بلال)، وميرال نفسها. لمسات
شنابل السحرية بارزة وباهرة على صعيد تقنيات الإخراج، وهي كفيلة بجعل
الفيلم ــــ رغم بعض التحفظات ــــ أحد أهم الإنتاجات العالميّة عن القضية
الفلسطينية.
بين النكبة وأوسلو حكايات متشابكة لأربع فلسطينيات
النص بوح جريء لجبريل، عمّا تعرضت له والدتها نادية من اغتصاب في
طفولتها، وعملها لاحقاً في مراقص المستوطنين، وصولاً إلى إدمانها الكحول
وانتحارها في البحر. وكانت المنحة الدراسية إلى إيطاليا التي وفرتها
الحسيني لميرال بمثابة طوق نجاة لها بعد وفاة والدها المفترض، ومقتل حبيبها
الذي اتهم بالخيانة لموقفه الإيجابي من اتفاقية أوسلو.
رمزية الخلاص من خلال الرحيل تطغى هنا، إضافةً إلى بعض المفاصل
الملتبسة. يمكن تبرير ذلك بكون الراوي الأخير للحكاية، أي شنابل، ليس
فلسطينياً. هو لم يتعامل مع الفلسطينيين كأصحاب حق فقط، بل كبشر، لا
كملائكة، أو مساكين، أو أبطال خارقين. شنايبل المولود لعائلة أميركية
يهودية، وكانت والدته ترأس «منظمة النساء الصهيونيات في الولايات المتحدة»
عام 1948، قال إنّه حاول من خلال اقتباس «ميرال» اكتشاف «الجانب الآخر من
الرواية».
الأخبار اللبنانية في
11/10/2010
«جنوب السماء»:
عيتا الشعب قلب المقاومة
باسم الحكيم
جمع المخرج جمال شورجه كلاً من يوسف الخال، وكندة علّوش، وباسم مغنية،
ونسرين طافش، وبيار داغر وكارمن لبّس، لتصوير فيلم يروي قصة قرية جنوبية
خلال عدوان تموز. الشريط الذي ينزل إلى الصالات اللبنانية في الصيف، شهد
انسحاب حنان ترك بحجة أنّه «أداة ترويج للسياسة الإيرانيّة»
سماء الجنوب تمطر قذائف إسرائيليّة بعد قيام «حزب الله» بأسر اثنين من
جنود الاحتلال في تموز (يوليو) 2006. هذه الأحداث يستعيد بعضاً من ملامحها
فيلم «جنوب السماء» الذي كتبه علي دادرس من إيران وهادي قبيسي من لبنان،
بالتعاون مع لجنة استشارية لبنانية اختصاصية في تعريف فريق العمل إلى تاريخ
المقاومة وخصائص المجتمع اللبناني وأحداث عدوان تموز، وتفاصيل أخرى عن
الجيش الإسرائيلي. العمل من إخراج جمال شورجه وإنتاج مشترك بين شركة
الإنتاج الإيرانيّة «فدك»، والشركة المنفذة للإنتاج «ريحانة غروب».
يتألف فريق العمل من 70 شخصاً، يقفون خلف الكاميرا ويهتمون بأدق
التفاصيل لجهة الصورة، والإضاءة، وحركة الكاميرا، وإدارة الممثلين،
والماكياج المناسب لسكان قريّة جنوبيّة.
في مواقع التصوير، ليس مستغرباً أن تجد آليات للجيش اللبناني وبعض
عناصره. وفي المقابل، صنعت الجهة المنتجة هياكل ومجسمات لدبابات ميركافا
إسرائيلية، ثم أحدثت تفجيرات نفذها فريق من الاختصاصيين الإيرانيين، وصولاً
إلى تشييد مبان ووحدات سكنية على مساحة 5000 متر مربّع، بدأ العمل على
بنائها مع انطلاق الإعداد للفيلم، في مطلع حزيران (يونيو) الماضي.
واستُخدمت منازل المواطنين التي فُتحت أمام صنّاع الفيلم والممثلين، وتبرّع
كثيرون منهم للوقوف ككومبارس في بعض المشاهد التي تتطلب جماهير غفيرة.
وتوزع التصوير بين مناطق جنوبيّة مختلفة منها عدلون، وأنصارية ومليتا، حيث
صوّرت المشاهد في مغارة المتحف. كذلك تحوّلت مدرسة برج رحال الرسمية إلى
ثكنة عسكرية إسرائيلية، وانتشر فيها الممثّلون بملابس عسكرية إسرائيلية.
يتوخى المخرج جمال شورجه الدقّة في نقل الصورة، ولا يواجه صعوبة كبيرة
في تقديم صورة تشبه الواقع، لكونه اعتاد تنفيذ أفلام تحكي عن المقاومة
والمقاومين. يوضح أن «السنوات الثماني التي عشتها في إيران في ظل الحرب،
أجبرتني على المحاربة، كذلك فإن تجربتي السينمائيّة بدأت في تلك المرحلة،
ما دفعني إلى تنفيذ أفلام ومسلسلات عنها»، يقول لـ«الأخبار». وهذا ربما ما
جعل كل أعماله السينمائية والتلفزيونية تحمل طابع المقاومة والحرب والنتائج
المترتبة عليها.
قصة الشريط مستوحاة من أحداث حقيقية وقعت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير
ليس سهلاً الحصول على أي جواب من المخرج من دون وسيط. المترجمة زينب
حمادة التي ترجمت النص من الفارسية إلى العربيّة قبل أن تعاد كتابته
مجدداً، تولّت ترجمة أسئلة «الأخبار» وأجوبة المخرج. يتحدث شورجه بحماسة عن
فيلم نفّذه في إنكلترا، وكان بطله أحد المحاربين المصابين في الحرب
العراقية ـــــ الإيرانية. كذلك يذكر شريطاً آخر نفّذه ورصد خلاله محاولات
إسرائيل المتكررة لتجنيد أحد الشبان الإيرانيين وسرقة الآثار من طهران
ونقلها إلى الخارج.
الحماسة نفسها يعيشها شورجه اليوم أثناء تنفيذ فيلمه الحالي «جنوب
السماء»، مؤكداً أنه لا يجد فارقاً بين لبنان المقاومة وإيران، «وخصوصاً أن
جنوب لبنان بالتحديد هو الخط الأول للجهاد الإسلامي والحرب ضد إسرائيل».
يحكي الفيلم قصّة صمود القرى الجنوبيّة في وجه إسرائيل، وهي مستوحاة
من قصّة حقيقيّة حصلت فعلاً مع إحدى العائلات. وتنطلق الأحداث من عيتا
الشعب، القريّة الجنوبيّة التي رزح أهلها ومقاوموها تحت القصف الإسرائيلي
مدة 33 يوماً، وأصابها الدمار والخراب وظلت تقاوم حتى انتهاء العدوان في 14
آب (أغسطس) 2006.
تبدأ الحكاية بعرس يوسف (يوسف الخال) ونسرين (كندة علّوش) الذي عاقه
أسر الجنديين وبداية القصف على لبنان، ثم حكاية محمد (باسم مغنية) وزوجته
الحامل حنان (نسرين طافش). وكان محمد ويوسف قد انخرطا في صفوف المقاومة
للوقوف في وجه القائد الإسرائيلي الحاقد آفي (بيار داغر) الذي كان مسؤولاً
عن قيادة المنطقة قبيل الانسحاب وتحرير الجنوب والبقاع الغربي عام 2000.
ومع اندلاع حرب تموز، يعود هذا القائد الذي ألحق الأذى بالقرية أيام
الاحتلال، فيقتل زوج أم عباس (كارمن لبّس) وابنها، ويعذّبها أشدّ تعذيب.
هكذا يتاح لسكان القرية الانتقام منه عند دخوله عيتا الشعب عام 2006.
ورغم كثرة الشركات الإيرانية التي نفّذت أفلاماً سينمائيّة في لبنان،
يؤكد مدير الإنتاج علاء قبيسي أن «هذا الفيلم هو الأنضج بين كل التجارب،
لافتاً إلى أن رئيس نقابة السينمائيين في إيران تورَج منصوري هو مدير
التصوير هنا، ومثله مدير الإضاءة الذي يطالب بإعادة أي مشهد لمجرد وجود
فارق بسيط ـــــ تصعب ملاحظته ـــــ عن الذي سبقه، سعياً للوصول إلى الصيغة
الأفضل». يذكر أن تصوير الشريط ينتهي قبل نهاية الشهر الحالي، على أن يعرض
في الصالات اللبنانية بحلول شهر حزيران (يونيو) 2011.
لماذا اعتذرت حنان؟
يبدو أن حنان ترك اختارت الابتعاد عن كل الأعمال التي قد تسبّب لها
المشاكل داخل مصر أو خارجها. هكذا، اعتذرت النجمة المصريّة عن عدم قيامها
بدور حنان الذي رُشّحت له في «جنوب السماء»، وأبدت حماستها له منذ البداية.
وقبل ساعات من موعد التصوير، فاجأت الشركة المنتجة «ريحانة غروب» باعتذار
غير مذيّل بالأسباب. غير أن مصدراً مطّلعاً أكد أنّ اعتذار ترك جاء بسبب
الضغوط التي تعرضت لها في القاهرة. وكانت صحيفة «روز اليوسف» قد نشرت
مقالةً وصفت فيها الفيلم بأنه «أداة للترويج للسياسة الإيرانيّة وللطائفة
الشيعيّة». وأضاف المصدر أنه ينبغي لتُرك توضيح سبب اعتذارها منعاً
للشائعات.
الأخبار اللبنانية في
11/10/2010 |