حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«مهرجان بيروت السينمائي الدولي» افتُتح باستعراض مخملي وكررت إدارته الأخطاء السنوية نفسها

«نساء من دون رجال» لنشأت و«بعد السقوط» لسليم.. الطغيان عنوان الماضي والحاضر

نديم جرجورة

غريبٌ أمر هذا المهرجان. لا تستمع إدارته إلى ملاحظات نقدية تبغي مصلحته. أو يرغب أصحابها في إثارة سجال حيوي يطال مستواه وحضوره ومضمونه وآلية اشتغاله. لا تتعاون مع مختصّين. يكتفي المهرجان نفسه بإدارة أحادية الرأس، تخطيطاً وتنفيذاً. حتى الملاحظات نفسها باتت مكرّرة: سوء تنظيم. عدم وضوح هوية ثقافية وفنية. الاكتفاء بجمع عدد من الأفلام المتفرّقة، بفضل دعم أصدقاء سينمائيين قلائل جداً للإدارة. الإصرار على اختيار «قصر الأونيسكو» صالة لافتتاح كل دورة سنوية واختتامها. تقديم الشكر للمديرية العامّة للأمن العام «لإعفاء المهرجان من كافة الرسوم، ولتسهيل معاملات الرقابة»، مع أن هذه الأخيرة مصرّة على منع عرض الفيلم الوثائقي «شو صار؟» لديغول عيد، ما دفع بإدارة «مهرجان بيروت الدولي للسينما»، المنعقدة دورته العاشرة في صالة سينما «متروبوليس/ أمبير صوفيل» في الأشرفية لغاية بعد غد الأربعاء، إلى الإصرار على إشراكه بالدورة هذه، بطريقة غريبة، أكاد أقول مبتكرة: عرضه أمام لجنة التحكيم الخاصّة بالمسابقة الرسمية، فقط. ملاحظة أخيرة: أدرجت كوليت نوفل، مديرة المهرجان، «شو صار؟» في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، في مقابل إلغائها المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية في دورة هذا العام.

ملاحظات

تندرج الملاحظة الأخيرة في إطار سوء التنظيم. أو عدم إدراك الفرق بين الوثائقي والروائي. لا أستطيع اعتبار اختيار «شو صار؟» لعيد تحدّياً من كوليت نوفل لجهاز «الرقابة على المصنّفات الفنية»، التابع للمديرية العامّة للأمن العام، التي تنال من السيّدة نفسها أسمى آيات الشكر والتقدير على واجب وظيفي وأخلاقي، لا شكّ في أن المديرية والجهاز مجبوران به. فهل يُعقل توجيه الشكر لمن يجب عليه القيام بوظيفته: إعفاء المهرجان من كافة الرسوم، وتسهيل معاملات الرقابة، سواء بالنسبة إلى المهرجانات السينمائية المُقامة حالياً، أم على مستوى العروض التجارية كافة؟ أليس الإعفاء والتسهيل واجباً مفروضاً على المديرية والجهاز، كجزء من حرية الثقافة والإبداع؟ وكيف يتوافق الشكر على الإعفاء والتسهيل مع إصرار المديرية والجهاز على منع أحد الأفلام من العرض الجماهيري؟ غالب الظنّ، أن كوليت نوفل أصرّت على اختيار الفيلم الوثائقي المذكور والممنوع من العرض، لإثارة قضية ما تتورّط بها الصحافة المعنية بالحريات العامّة والفردية، ما يؤدّي إلى اكتساب المهرجان سمعة المدافع عن الحريات نفسها. غير أن هذا لم يفلح: الشكر منافٍ للدفاع الملتبس والمنقوص عن حريات عامة وفردية، يبدو جليّاً أن إدارة «مهرجان بيروت الدولي للسينما» لا تفقه شيئاً منها على الإطلاق (أي من هذه الحريات).

منذ الافتتاح الاستعراضي والاجتماعي الواقع تحت تأثير سيّدات المجتمع المخملي ورجاله المهتمّين بشؤون شتّى لا علاقة لها بالسينما، فنّاً وصناعة وتوزيعاً وإبداعاً وسجالاً وجماليات. أقول إنه منذ الافتتاح هذا، الذي أقيم في قصر الأونيسكو مساء الأربعاء الفائت بعرض الفيلم الأخير لصوفيا كوبولا «في مكان ما»، بدأت سلبيات الدورة العاشرة تتكشّف عن إصرار إدارة المهرجان على ارتكاب الأخطاء السنوية نفسها. إذ لم تكتفِ الإدارة المذكورة باختيار أسوأ مكان للاحتفاء الحقيقي بالسينما، لافتقاده أبسط الشروط الطبيعية لعرض سينمائي سويّ ولطقوسه، بل زادت الطين بلّة بتخصيص زاوية «منفية» في آخر الصالة بالصحافيين والنقّاد، الذين وجد بعضهم في الانسحاب من الحفلة، بعد إعلان موقف سلبي من هذه اللامبالاة الخطرة والنافرة، ضرورة ملحّة. وكأن إدارة المهرجان لم تكتف بدورها باختيار صالة سيئة، وبعدم احترام صحافيين ونقّاد، فإذا بها تُعرض «في مكان ما» في شروط سيئة للغاية، كي لا أقول مهينة للسينما وللفيلم ولمخرجته، وللمُشاهدين المعنيين بالفن السابع وهمومه وقضاياه وجمالياته.

تساؤلات

لا شكّ في أن سلبيات كهذه، التي باتت جزءاً أساسياً في النهج السنوي للمهرجان، لا تخفي بعض الإيجابيات القليلة جداً: اختيار أفلام جدّية وهادفة ومثيرة للنقاش الحيوي، على الرغم من الغياب شبه التام لحيوية المكان والمهرجان معاً. فبعد الحشود الكبيرة التي استقطبها مهرجانا «الفيلم اللبناني» و«أيام بيروت السينمائية»، في الصالتين التابعتين لـ«متروبوليس/ أمبير صوفيل» أيضاً، بدت هاتان الصالتان، أقلّه في الأيام الأولى للدورة العاشرة للمهرجان البيروتي هذا، شبه فارغة، على نقيض الحشد الاجتماعي الخاصّ بحفلة الافتتاح. وهذا، أيضاً، يُسيء إلى مهرجان عانى تقلّبات جمّة، في الاسم والشراكات الأولى والعلاقات المعدومة بينه وبين المعنيين الحقيقيين بالسينما، وبذاته أيضاً بل أولاً وأساساً. بمعنى آخر، اختفت الحيوية عن الصالتين أثناء انعقاد «مهرجان بيروت الدولي للسينما»، على نقيض طغيانها في مهرجاني «الفيلم اللبناني» و«أيام بيروت السينمائية». والحيوية المفقودة طالت حركة الحضور والمُشاهدين، والمضمون الثقافي والفني للمهرجان. أما التساؤلات، فعديدة: كيف تصمّ إدارة المهرجان أذنيها عن الملاحظــات التي يريدها نقّاد أساسـيون وصحافــيون قلائل مدخلاً إلى تحسين صورة مرتبكة عن مهرجان محتاج، فعلياً، إلى إعادة تأسيــس؛ متـهمةً هؤلاء بنزعة عدائية تجاه المهــرجان، أو برغبة في قتله لإثارتهم أسئــلة نقدية سجـالية حقيقية حول المهرجان ودوره وهويته وانتمائه، بدلاً من أن تفتح قلبها وعقلها لكل نقد جدّي وسوّي؟

بعيداً عن الشكل المنقوص والهشّ لمهرجان ضائع، عُرضت أفلامٌ متفرّقة في الأيام الأولى من الدورة العاشرة هذه. أفلام متفاوتة المستويات، بعضها القليل جداً أثار، لارتكازه الشديد على العنف الداخلي في الذات الفردية والعقل الجماعي، جدلاً متواضعاً بين بعض محبّي هذا النمط السينمائي. تكفي الإشارة إلى فيلمين اثنين، للقول إن عنفهما الداخلي الحادّ، وقدرتهما على إثارة «أذية» نفسية، قبل الثقافية والأخلاقية، بالمعنى الإيجابي لتعبير «أذية» (أي تحريض المشاهدين على النقاش المطلوب دائماً)، شكّلا مفتاحاً لولوج عوالم متشابهة في القهر والعزلات والخوف والألم الذاتي. وفي انتظار مشاهدة عناوين قيل الكثير عن جدّيتها وصرامتها والتزامها الجماليات الفنية لقول إنساني أو سياسي أو ثقافي مبطّن أو مباشر، هناك «نساء من دون رجال» للإيرانية شيرين نشأت و«بعد السقوط» للكردي العراقي هاينر سليم. هناك أيضاً «أكتوبر» للبيروفيين دييغو ودانيال فيغا، و«شو عم بيصير؟» للّبنانية جوسلين صعب. أما فضيحة اختيار «شو صار؟» لعيد في مسابقة لا علاقة لها بتاتاً بالأفلام الوثائقية، فلا تعني، مهما كانت نيّة كوليت نوفل الكامنة خلف إصرارها على إشراكه في الدورة العاشرة بهذه الطريقة الملتبسة، التغاضي عن الخطأ الفادح والمكرَّر الذي تمارسه الرقابة الأمنية، المتعاونة بحرص شديد مع الرقابات الدينية والطائفية والسياسية والمجتمعية وبعض الثقافية أيضاً، بحقّ الفنون والآداب والأعمال الإبداعية. بعيداً عن هذا كلّه إذاً، برز فيلما نشأت وسليم، في مقابل بساطة المعالجة الدرامية لموضوع إنساني مهمّ وجدّي في فيلم الأخوين فيغا. في حين التقى فيلما صعب وعيد عند مسألتين اثنتين: أهمية الموضوع وبساطة المعالجة.

نيّات

أهمية الموضوع وحدها لا تكفي لإنجاز تحفة فنية. أرادت جوسلين صعب رسم صورة بصرية عن بيروت والكتابة والعلاقات الإنسانية، فسقطت في فخّ التطويل غير المبرَّر للقطات ومشاهد بدت نافرة، في مقابل جماليات واضحة في لقطات ومشاهد أخرى قليلة. استعاد ديغول عيد فصلاً من الفصول الدامية للحرب الأهلية اللبنانية، متمثّلاً بمجزرة نفّذها، بحسب ما قاله الفيلم نفسه، «الحزب السوري القومي الاجتماعي» بعدد من المدنيين، من بينهم والدا المخرج وشقيقته وأفراد آخرون في عائلته، إثر خلافات وقعت بينه و«حزب الكتائب». استعادة هذا الفصل، المنضوية في إطار تحصين الذاكرتين الفردية والجماعية من النسيان والتغييب، ظلّت دون المستوى الإبداعي المطلوب، وإن استُلّت الحكاية من صميم واقع مزر وقلق، ومن داخل محطّة تاريخية يُفترض بها وبغيرها أن تبقى حاضرة في الوعيين الفردي والجماعي، وإن طال الزمن. النيّة الصادقة وحدها لا تصنع إبداعاً. الموضوع المهمّ والسجالي أيضاً. هناك حاجات أخرى مرتبطة بصناعة الفيلم، كإعمال المخيّلة وتشغيل العقل.

غالب الظنّ أن إعمال المخــيّلة وتشــغيل العقل فاعل، بحيوية واضــحة وجميلة، في الفيلم الإيراني تحديداً، وبمستوى أقلّ بقليل في الفيلم الكردي العراقي. شـيرين نشأت عادت إلى مطلع الخمسينيات الإيرانية (1953 تحديداً)، لرسم صورة إنسانية وأخلاقية وثقافية، مستخدمةً ببراعة لافـتة للانتباه تقنيات فن الصورة السينــمائية وجمالياتها، عن حالات وتحوّلات عامّة، من خلال قصص نساء وجدن أنفسهن، فجأة أو تدريجاً، في خضمّ صراعات سياسية وثقافية واجتماعية عامّة، وفي آتون تبدّلاتهنّ الذاتية، حبّاً واصطداماً بحواجز تربوية وأخلاقية. بين الذاتيّ والعام، سعت شيرين نشأت إلى سرد الحكايات الفردية بالتوازن التوليفي الجميل وسرد قصص هؤلاء النساء، المقيمات في الخوف والارتباك والضياع، جرّاء ضغوط عائلية ضيّقة، أو بسبب ما يحصل خارج أسوار منازلهنّ.

وكما كتب الصديق زياد الخزاعي في «السفير» في الأول من تشرين الأول 2009، فإن كل واحدة منهنّ «تحمل جريمة الخارج القاسي بحقّ كرامتها ونصاعتها واعتباراتها»، مضيفاً أن «لا موعد يرسم أقدارهنّ في الفردوس، بل خسارات متعدّدة الصُوَر للقهر الاجتماعي والعائلي»، مشيراً إلى أنهنّ «صُوَر للطبقية الإيرانية، التي تتعجّل انهياراتها مع المتغيّر المسيَّس، الذي فُرض غربياً بإطاحة النظام المنتخب وإعادة طغيان الشاه»، وإلى أنهنّ، من وجه ثان، «الديناميكية التي تحرّك خيارات المرأة الإيرانية».

العودة إلى تاريخ قديم لتأسيس قراءة آنية ما للراهن الإيراني، في قالب سينمائي بديع، قابله اختيار لحظة سياسية وتاريخية واحدة (تماماً كما في «نساء من دون رجال»)، هي لحظة سقوط صدام حسين ونظامه الديكتاتوري الوحشي قبل نحو ستة أعوام، من خلال عيني رجل كردي، أراد الاحتفال بهذه اللحظة السعيدة في منزله، فدعا أصدقاء ومعارف، جمعهم في بيته المتواضع، على خلفية صَُور أرشيفية حقيقية عن الارتكابات الجرمية الفظيعة لصدام حسين بحقّ الأكراد تحديداً، وبحقّ العراق والعراقيين بشكل عام. التداخل بين الأرشيفي والمتخيّل المبني على الواقع قدّم صورة قاســية جداً عن مرحلة زمنية دموية، فبدا هايـنر سليم كأنه ينــسج الحــكاية بخيوط الألعاب العنفية المنتــقلة من الشاشة التي تبثّ آخر الأخبار الجديدة، بالتزامن مع لقطات حسين وأتباعه وجرائمهم، إلى داخل المنزل، حيث طغى الكلام السياسي المباشر والمفتعل والتنظيري حول الواقع الجديد للعراق، أثناء الحفلة التي بدأت تنهار إثر اكتشاف العمالة القذرة لأحد الأشخاص الموجودين بينهم للنظام الساقط.

يقف «أكتوبر» بين حدّي التأثير البصري الجميل في نفس المُشاهد وروحه وعقله، وبساطة المعالجة الدرامية الخاصّة بمسألة إنسانية بحتة. الحكاية بسيطة: رجل يمنح الناس أموالاً كدَين يستردُّه بألف طريقة وطريقة، يجد في منزله، فجأة، ابنة صغيرة. يعــاني الأمرّين بحثاً عن أمها، وهي مومس ارتبط معها بعلاقة قديـمة. حياته رتيبة: هناك مومس يزورها دائماً. هناك صوفيا، الهائمة في شهر «عبادة مريم العجائبية» الخاصّ بالبيرو، الساعية إلى خلاص من حصار الدنيا وأحوالها عليها. هناك علاقات مبتورة أو غير مكتملة، وضياع أصاب كثيرين، ورغبات جادّة في التحرّر من الفقر والعوز. وهذا كلّه، مُصاغ بأسلوب سينمائي شفّاف وهادئ، وازن بين النماذج البشرية المختلفة والشخصية الرئيسة ورحلة البحث عن خلاص ما.  

كلاكيت

فليحترق بنار الجحيم

نديم جرجورة

الرقابة مرّة أخرى.

باتت، لكثرة تناولها نقديّاً، أكثر المؤسّسات الرسمية حضوراً في التعليقات السينمائية. باتت، لحضورها الطاغي في المشهد الإبداعي، سيفاً مصلتاً على رقاب الجميع: مخرجين جدّيين، منظّمي مهرجانات سينمائية، معنيين بالهمّين الثقافي والفني للسينما، مشاهدين مهتمّين. باتت، لاختراقها السمج قلب الحركة الثقافية والإبداع الفني والعلاقات الإنسانية، أقسى من أي سلطة أخرى. أو بالأحرى، باتت تابعة للرقابات الدينية والثقافية والاجتماعية، التي ضاقت بالحريات الفردية والجماعية.

أساساً، باتت الكتابة عنها مملّة. إذ كيف يُعقل تناولها مراراً وتكراراً، من دون أن تأبه بالكتابة وأصحابها، ومن دون أن تنتبه إلى ضرورة تبديل خططها العملية، وإن ادّعت تطبيقها قانوناً بائداً والتزامها توافقات طائفية ومذهبية أرهقت البلد وناسه ومجتمعه؟ لكن، هل يُعقل، في المقابل، أن يُسكَت عمّا يرتكبه جهاز «الرقابة على المصنّفات الفنية» من أفعال مضادة للحريات هذه؟ هل يُعقل أن يصمت المرء عن ممارسات مناهضة للإبداع، وإن شاب بعض الإبداع خلل أو ضعف ما؟ ألا يحقّ لكل عامل في المجال الإبداعي، ثقافياً وفنياً، أن يطرح أسئلته الإنسانية والدرامية والجمالية من دون عائق أمام المُشاهدين؟

أإلى هذا الحدّ بات البلد هشّاً؟

نعم. البلد هشّ في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والإعلام والعلاقات الإنسانية والنزاعات الطبقية (إن وُجدت في بلد نهشه الرأسمال المتوحّش، والسياسة الأمنية، والتوافق المذهبي/ الطائفي). ذلك أن بلداً لا يحتمل رأياً صريحاً من دون شتيمة، ولا يتقبّل قولاً سوياً من دون إساءة، ليذهب إلى الجحيم، وألف لعنة عليه وعلى من لا يتجرّأ على رفع الصوت عالياً ضد موبقاته، وإن اقتنع سلفاً بأن صوته العالي لن يؤدّي إلى حلول أو تبدّل في أحوال البلد وناسه. ذلك أن بلداً لا يتقبّل فيه أحدٌ أحداً إلاّ إذا كان الأحد الآخر متوافقاً ورأي الأحد الأول، ليحترق بنار الجحيم، وليختف عن خارطة الدنيا، وليتحوّل إلى ساحة موت وخراب. لكن، مهلاً: أليس هذا البلد ساحة للموت والخراب، من دون أن تؤكّد أفعال الرقابة هذه الصورة البشعة عنه؟ أليس هذا البلد معقوداً على الفوضى والمتاهات والقرف والنبذ والعزلة المرضية، من دون أن تواجه الثقافة والفنون، يومياً، منعاً وقمعاً وتأنيباً وتمنّيات مشبوهة، تُضاف كلّها إلى اللائحة السوداء، التي تحتوي على فقر وآفات اجتماعية وانهيار اقتصادي وفراغ سياسي، وانعدام أفق عملي لأحزاب يجب أن تكون علمانية ضد هذه الموجة العارمة من الطائفية والبؤس؟

كلّما أصدرت الرقابة المذكورة قراراً بمنع هذا الفيلم أو ذاك، يتحمّس صادقون بالتزامهم الحريتين الفردية والجماعية للدفاع عن الحقّ العام في القول والبوح والاعتراف بالذات وآرائها، للدفاع عن حقّ السجال الشرعي والسوي. لكن الرقابة لا تكترث ولا تبالي. تماماً كمدّعي عمل ثقافي أو فني، يرضخون سريعاً لـ«تمنّيات» الرقابة وقراراتها الصارمة.

أي بؤس هذا؟ أي شقاء؟

السفير اللبنانية في

11/10/2010

 

فيلم تلفزيوني ينقل لقطات واقعية من أرض المعارك

«عواء الذئب»: قصة حقيقية في ذكرى حرب ١٩٧٣

سامر محمد اسماعيل 

استعادت الفضائية السورية منذ أيام الفيلم التلفزيوني «عواء الذئب» (إنتاج التلفزيون) حيث بدا واضحاً قلة خيارات القناة الرسمية، في مجاراة ذكرى حرب تشرين 1973، خصوصاً أن الأعمال الدرامية التي أنتجها التلفزيون في السنوات العشر التي تلت الحرب لم تتعد أصابع اليد. أول هذه الأعمال كان فيلم «عواء الذئب» الذي أنتج العام 1974، من إخراج الراحل شكيب غنام.

الكاتب خالد حمدي الأيوبي نقل الفيلم عن قصة واقعية لرجل من منطقة الزبداني، يأسر طياراً إسرائيلياً تُقصف طائرته من قبل سلاح الطيران السوري. وهو من أكثر الأعمال التي استطاعت تقديم صيغة درامية قاربت الذهنية السورية في سبعينيات القرن الفائت، حيث نجد في نص «الأيوبي» طاقة جيدة على دغدغة المشاعر الوطنية من خلال حكاية رجل يُدعى «ديب بو عمر» (صلاح قصاص) يعمل في التهريب ومتهم في قتل أحد رجال الجمارك، يصادف أثناء اختبائه عن أعين الشرطة طياراً إسرائيلياً جريحاً (الفنان رضوان عقيلي) بعد إصابة طائرته «الفانتوم» وتفجرها بصاروخ سوري. يُسر «بو عمر» عندما يخبره الطيار الجريح بأنه طيار سوري يقاتل في جيش بلاده، ولكنه سرعان ما يفاجأ وهو منهمك بإعداد الطعام لضيفه، بمسدس الاسرائيلي مصوّباً باتجاهه. فينجح الرجل في انتزاع مسدس غريمه الإسرائيلي. وهنا تبدأ مفارقات غنية، من خلال حوارات شفافة وذكية تدور بين «بو عمر» والطيار الإسرائيلي الذي يُفتضح أمره. فيعرض على «بوعمر» مبلغاً لقاء تهريبه الى اسرئيل. لكن «بو عمر» يرفض قائلاً «الحيّة ما بتصير خيي يا موسى».

تعرض لقطات قريبة لكل من وجهي قصاص وعقيلي، تكشف عن لغة بصرية مكثّفة، للكلام الدائر بين رجلين عدوّين يتناولان الليل والشاي في مغارة باردة.

وتنتهي الحكاية بسوق «بو عمر» للطيار الإسرائيلي وتسليمه لمخفر القرية. ما يبعث الخوف في نفس خديجة (سلوى سعيد) لعلمها بأن زوجها بو عمر سلم نفسه للشرطة، وأن حبل المشنقة أصبح بانتظاره. فيردد «بوعمر»: «ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بو عمر خاين يا خديجة..». فتصبح هذه الجملة بمثابة صرخة دللت على تماسك المجتمع أيام الحرب، مبيناًً قدرته على مواجهة عدوّه بعد نكسات ونكبات متتالية.

تبدو حكاية «عواء الذئب» رغم مشاكل السيناريو الذي كتبه لها شكيب غنام، وصعوبة التصوير الخارجي آنذاك، أكثر ملامسة لمشاعر السوريين الذين حفظوا «ألف حبل مشنقة» في الكادر الأبيض والأسود، لنلاحظ مشاهد مصورة سينمائياً في شارة النهاية، آخذةً طابعاً وثائقياً للحادثة الأساسية.

أعقب التلفزيون السوري «عواء الذئب» بإنتاج تمثيلية «العريس1975» لشكيب غنام أيضاً، وتمثيلية «حكاية من تشرين» من إخراج هاني الروماني، ومن ثم «الولادة الجديدة 1985» إخراج غسان باخوس. لينقطع بعدها إنتاج التلفزيون من الأعمال الدرامية التي تتناول الحرب حتى العام 1990، تاريخ إنتاج «سهرة من تشرين» الذي كان عبارة عن خمس سهرات تلفزيونية أشرف عليها شكيب غنام أيضاً. لكنها لم تنل صدى ما سبقها، ليظل «عواء الذئب» العمل الأبرز بين هذه السلسلة التلفزيونية المتقطعة، والعمل «اليتيم» في أرشيف تلفزيوني يحتفظ بلقطات حقيقية من معركة 1973 قام بتصويرها قسم السينما في الجيش السوري.

السفير اللبنانية في

11/10/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)