كأنما المخرجة "ابتسام مراعنة" تشبه قريتها "الفريديس"!..
أو لعلهما، هي وقريتها، وجهان لحكاية واحدة!.. فالالتباس ذاته، يكاد
يلفّهما، حتى ليبدو كأن لا انفكاك بينهما، على الرغم مما ستبديه المخرجة من
نفور
بائن، ومن أسئلة لائبة، لا تتوانى عن طرحها على أفراد أسرتها،
وعموم أهلها، وعلى
قريتها، وعلى نفسها، قبل ذلك كله!..
تبدو المخرجة "ابتسام مراعنة"، صاحبة تجربة
نافرة في سياق السينما الفلسطينية، إذ أنها واحدة من قلائل السينمائيين
الفلسطينيين، الذين يعملون في سياق السينما الإسرائيلية (فضلاً
عن العمل في القنوات
الفضائية الإسرائيلية)، تماماً إلى الدرجة التي يصعب اعتبار أفلامها
فلسطينية، بقدر
ما هي أفلام إسرائيلية، خاصة ونحن نرى "تيترات" أفلامها مشبعة بجهات
إنتاجية
إسرائيلية؛ حكومية وغير حكومية، فضلاً عن الحشد الكامل من العاملين
الإسرائيليين في
أفلامها؛ منتجين وفنيين وتقنيين!..
للوهلة الأولى، سيبدو أن المخرجة "ابتسام
مراعنة" ما هي إلا نموذج لتماهي الفلسطيني وتصالحه مع
الإسرائيلي، ومحاولته في
الاندماج به، والتعاطي معه!.. يدعم هذا الوهم، أو الاعتقاد، أن أفلامها
(الفردوس
المفقود 2003، الجسر 2005، بدل 2005، طالق بالثلاث 2007) جاءت بإنتاج
وتمويل
إسرائيلي، حكومي وغير حكومي، وأنها شاركت في العديد من
مهرجانات السينما
الإسرائيلية، وحازت على بعض الجوائز من هذه المهرجانات.
لا نريد أن نكون
تطهّريين!.. ويمكننا القول إنه ربما أمكن لنا التخمين بأن هذه الفتاة
الشابة،
والمخرجة الصاعدة، رأت في لحظة ما، أن بإمكانها العيش والعمل في "تل أبيب"،
وأن
تصنع أفلامها، وتشارك بها باسم «دولة إسرائيل».. وكان لها هذا حقاً!.. فهل
كان من
الممكن لها أن تتأسرل، وأن تصبح عنصراً طبيعياً في إطار
"الدولة
والمجتمع"؟..
لسنا بحاجة للذهاب نحو التنظير، ولا الذهاب باتجاه الحديث عن طبيعة
إسرائيل، وذهنيتها الطاردة لكل من هو غير يهودي، ولا عن ممارساتها
العنصرية، في هذا
الإطار!.. بل يمكن لمن يريد، الاكتفاء بقراءة شهادة المخرجة ذاتها، عندما
كتبت
شيئاً مما لاقته المخرة "ابتسام مراعنة" من ممارسة مذلة،
مهينة، لها شخصياً،
ولكينونتها، وانتمائها، لتتأكد، هي قبل غيرها، أن إسرائيل طاردة لكل ما هو
غير
يهودي، نابذة له، محتقرته، ولا يمكنها القبول بأسرلة الفلسطينيين، أو
العرب. (انظر
شهادتها على موقع المؤسسة العربية لحقوق الإنسان/ مؤسسة في خدمة الأقلية
الفلسطينية
في إسرائيل).
وهْمُ أسرلة المخرجة "ابتسام مراعنة"، لا يقل كثيراً عن وهْمُ
أسرلة قرية "الفريديس"؛ قريتها ذاتها!.. إذ أن ثمة أسطورة شفاهية تتحدث عن
سبب بقاء
سكان هذه القرية في بيوتهم، بعد نكبة عام 1948، فيما تم طرد السكان
الفلسطينيين
العرب من القرى المجاورة!..
الأسطورة المتناقلة شفاهاً، والتي ثمة من يقول إنها
موجودة في أرشيفات الانتداب البريطاني، تفيد بأن المستوطنين الصهاينة في
مستوطنة «زخرون يعقوب»، المجاورة لقرية "الفريديس"،
طلبوا من قوات الانتداب البريطاني،
والعصابات الصهيونية، الإبقاء على وجود سكان قرية "الفريديس"،
بغرض تشغليهم في
المزارع التي استولوا عليها!..
ومع أن المخرجة ستورد هذه الأسطورة الشفاهية، على
لسان إحدى شخصياتها في فيلمها «الفردوس المفقود»، إلا أن ثمة من الباحثين،
أو
المؤرخين، وكذلك الشهود العيان، من الفلسطينيين، من أبناء
القرية ذاتها، أو القرى
المجاورة، يدحضون هذه الرواية، ويؤكدون أن جمعاً من شباب قرية "الفريديس"
ورجالاتها، شاركوا في المواجهات التي حصلت في قرية "عين غزال" المجاورة،
وكان منهم
شهداء!.. وأن السبب في عدم حدوث مواجهات في قرية "الفريديس"، إنما بسبب
طبيعة
القرية المكشوفة، واعتبارها "ساقطة عسكرياً"!.. على ما قرأنا في أكثر من
مكان!..
ستتحدث المخرجة في فيلم «بدل» عن الندبة الموجودة على يدها.. وسننتبه
إلى أن المخرجة وقريتها، تحمل كل منهما ندبتها الخاصة؛ ندبة المخرجة على
يدها،
وندبة القرية في ذاكرتها. وفي وقت تعترف المخرجة بالندبة على
يدها، فإن القرية
ستأنف عن الاعتراف!..
والمخرجة "ابتسام مراعنة" لن تتسامح مع قريتها، ولن ترأف
بها، بل ستبدو أشد قسوة وهي تتعامل مع ذاتها، مع ذاكرتها، مع والدها، مع
أسرتها،
ومع القرية ذاتها، التي أدارت الظهر بقسوة، ذات مرة فاجعة،
لفتاة (سعاد غنيم)، رجّت
أركان سكينة القرية، ورفعت الصوت عالياً، أكثر مما رفعت العلم الفلسطيني،
الذي أودى
بها إلى السجن، غير مرة، فكان ذاك سبباً لنفور القرية من أهل الفتاة، ونفور
أهل
الفتاة منها، فما وجدت الفتاة سبيلاً إلا الرحيل، لتتحول في
بريطانيا إلى (مسز
جون).
كان ذاك في العام 2003، عندما حققت فيلمها «الفردوس المفقود»، وهو
فيلم
وثائقي طويل (مدته 56 دقيقة)، وهو الفيلم الذي سينفتح بداية على ما يبدو
أنه لهو
فتاة شابة بكاميرا، سعيدة بتصوير والدها، وأفراد أسرتها،
وأبناء قريتها.. ولكنها
عمّا قليل ستواجه بصدود واضح، إذ تقارب موضوعات حذرة، بذريعة "خوف
السياسة".
بحزم واصرار بائسين يلحّ والدها أن لا تقترب من السياسة، وأن لا تسأل
عما يمكن له أن يستثير أجهزة الأمن الإسرائيلي، أو يلفت الانتباه إليها!..
إنه يريد
من ابنته أن تبقى بعيداً عن كل ما يمكن أن يقلقه. ذاك الذي
يعني أن لا تقارب ذاكرة
القرية، فلا تسأل عما حصل عام 1948، وأن لا تقترب من حكاية الفتاة الطريدة
"سعاد
غنيم"، التي اقترفت "ذنباً" أودى بها إلى السجون الإسرائيلية، بذريعة إخلال
الأمن،
ولم يكن ما فعلته، في الواقع، سوى أنها رفعت العلم الفلسطيني!..
يبدو الوالد؛
والد المخرجة، كامل الاستسلام لواقعه، بخيبة موجعة، تماماً كما الأم، بل
لعل جيلهما
كله سيبدو على هذا النحو المريع من الاستكانة إلى درجة الهوان!.. فالرجال
في القرية
عاطلون عن العمل، وحتى عن التفكير، ربما خوف يقظة الذاكرة،
فيما النساء يذهبن، صباح
كل يوم، كي يعملن خادمات في بيوت اليهود في "زخرون يعقوب"!.. فهل ثمة ما هو
أبأس من
هذا؟!.. وهل ثمة اعتراف أقسى من هذا؟!.. والفتاة التي تجول بكاميرتها في
القرية،
تتكشف لها الحكايات التي تكاد تمحو عن هذا المكان صورة
«الفردوس»؛ قريتها التي
عشقت.
الفضول سيدفع بها للمضي إلى لندن، للقاء الفتاة الطريدة، لتكتشف أنها
أكملت تعليمها الجامعي (صارت د. سعاد غنيم)، وأن لديها صبياً في مقتبل
العمر، وأنها
تعيش ما يمكن أن يكون حياة رغيدة، لولا أن جرحها الداخلي لم
يشف بعد، وما زال
يؤرقها، ريثما تأتي المخرجة "ابتسام مراعنة"، في زيارة طارئة، مرتبة على
رتابة
الأيام، وتكشط عنه قشرته الرقيقة، ليعود حاراً نازفاً، فتنهمر دمعاتها.
ستبدو "د. سعاد غنيم" مفتاح الفيلم الوثائقي للدخول في أسئلة مقلقة
حول
موضوعات الهوية، والانتماء، والمستقبل، والمصير.. وبمقدار ما تظهر لنا هذه
الأسئلة،
باعتبارها أسئلة الفيلم، وشخصياته، فإنها تبدو
لنا أكثر التصاقاً بالمخرجة ذاتها،
التي نكتشف أن هذه الأسئلة تقلقها وتحار في الوقوع على إجابات لها، تماماً
كما ظهر
في ذاك المشهد، غير العابر، إذ نراها تسأل والدها عما حدث عام 1948، وما
الذي جرى
تحديداً في قرية "الطنطورة" المجاورة، فما يكون من الوالد سوى النفي،
والقول إنه
يسمع عن المجرزة، ولكنه لا يعرف!.. على الرغم من أن ثمة من قال للمخرجة إن
والدها
كان ضمن الفتيان الذين أُجبروا على حفر القبور الجماعية لضحايا
مجزرة "الطنطورة"..
ها.. إذاً الوالد يكذب.. لا ضير في ذلك!..
يثبت فيلم «الفردوس المفقود»، أن كل
محاولات دفع المخرجة ابتسام مراعنة للنكوص على عقبيها، وعدم
الاقتراب من "الوضع
السياسي"، إنما دفعها للغوص أكثر في أسئلة الهوية، والبقاء، والمستقبل، وقد
اكتشفت
فكرة بديعة مفادها: «أن نتحدث هنا عن التاريخ، هذه سياسة.. أن نتحدث عن
الحاضر، هذه
سياسة.. أن نتحدث عن المستقبل، هذه سياسة.. حتى أن نحلم، تعتبر
هذه سياسة»!..
فأرادت عبور السياسة للحديث في الهوية، وسؤالها الذي يشمل مليوناً وربع
المليون من
العرب الفلسطينيين الباقين على أراضيهم، المحتلة عام 1948، على الأقل،
والذي تظهر
تعبيراته في العديد من الأفلام الإسرائيلية، التي يؤرقها سؤال المستقبل،
ولا تكتفي
بهذيانات مقولات «يهودية الدولة»، التي ما ينفك يرددها زعماء
الغطرسة الصهيونية،
والحكومة الإسرائيلية.
يبقى من الجدير ذكره، أن هذا الفيلم جاء بإنتاج "دوكي
درور"، هذا الاسم الذي يذكرنا بفيلم وثائقي إسرائيلي، بعنوان «الحمامة
المحتدة»،
عام 2002، ذاك الفيلم الإسرائيلي الذي يطرح بقوة أسئلة الهوية
في السينما
الإسرائيلية، من خلال شخصية الملاكم الفلسطيني: "جوهر أبو لاشين"، هذا
الفتى القادم
من الناصرة، إلى بطولة العالم في الملاكمة، ممثلاً لإسرائيل، ومن ثم ليبدأ
باكتشاف
معطيات هويته، ومكوناتها، إلى درجة أنه سيضحي ببطولة العالم،
من أجل استعادة هويته
العربية الفلسطينية، وليكفّ عن أن يكون مجرد ملاكم «نصراوي»!..
من الجدير القول،
إن المخرجة "ابتسام مراعنة"، تعتمد أسلوب التعليق الصوتي، بشكل أساس، في
هذا
الفيلم، حيث تقوم بسرد الحكاية بصوتها، وهو ما يضفي طابعاً ذاتياً على
الفيلم،
يُضاف إلى حضورها الشخصي، وحضور أفراد أسرتها، وحكاياتها،
وأحلامها، وتمنياتها،
ورؤاها، واعترافاتها حتى المُؤلم، أو المُخجل، منها!..
كما أنها تترك للحوارات
والأسئلة، مع الشخصيات، فسحة أن تسترسل على مداها، إلى الدرجة
الذي يبدو فيه الفيلم
قطعة من حياة يومية، أو تسجيلاً لوقائع صادفت المخرجة أثناء التصوير، في
قرية
فلسطينية استلبها الاحتلال إلى درجة الخوف، الذي لن يمنع المخرجة، وشخصية
واحدة على
الأقل، من النفور من هذا الواقع.. ويبقى أن اللعبة المونتاجية الماهرة،
ستتبدى في
عدد المشاهد البالغة التأثير، مترافقة مع اختيارات موسيقية
تعزز الحالة، وتبلغ بها
ذراها.
«الفردوس المفقود»، للمخرجة ابتسام مراعنة، فيلم فلسطيني بإنتاج
إسرائيلي، لن يضطر لدسم السمّ بالعسل.. فالعسل مسموم أصلاً.. وربما علينا
استنقاذ
ما تبقى منه.. بالسؤال على الأقل.
المستقبل اللبنانية في
05/10/2010
فيلم تونسي يناقش وضع المرأة الريفية في البلاد
تونس ـ رويترز:
فيلم 'آخر ديسمبر' للمخرج التونسي معز كمون الذي
يدمج بمهارة بين الواقع والخيال، يثير جدلا حول حرية المرأة الريفية في
تونس
والعلاقة بين الرجال والنساء في مناخ شرق أوسطي.
وهذا الفيلم هو ثاني فيلم روائي
طويل يخرجه معز كمون خريج معهد السينما في باريس بفرنسا. وحمل
الفيلم الأول لكمون
اسم 'كلمة رجال' وكان موضوعه أيضا التقاليد والعلاقة بين الرجال والنساء،
وان ركز
أكثر على مسألة تعدد الزوجات.
وأكد معز كمون ان حرية المرأة هي القضية الرئيسية
في فيلم 'آخر ديسمبر'.
وقال كمون 'حرية المرأة الريفية ليست حريتها في علاقاتها
الجنسية فقط. ما دام هذه القضية مازالت موجودة في ذهن المجتمع يعني أنها
مازالت
موجودة واليوم الذي تتلاشى فيه هذه الفكرة فسوف تتلاشى معه
حكاية الفيلم'.
ويروي
الفيلم - الذي بدأ عرضه في دور العرض بتونس في الآونة الأخيرة - قصة فتاة
ريفية
تدعى عائشة وهي شخصية تتوق إلى الحرية والتخلص من براثن الموروث الاجتماعي
والثقافي
الذي مازال سائدا في الريف التونسي إلى اليوم.. وهو موروث يرى الفيلم انه
يكبل تحرر
المرأة الريفية رغم ما يعرف عن المرأة التونسية بصفة عامة من تحرر وانفتاح
ومساواة
مع الرجل تشريعا وممارسة. وتلعب دور البطولة في الفيلم الممثلة
التونسية هند الفاهم
التي تقوم بدور عائشة التي حملت من صديقها وترغب في التخلص من جنينها بعد
ان هجرها
هذا الحبيب أو الصديق وهاجر الى اوروبا. وأحبت عائشة طبيبا انتقل الى
قريتها من
المدينة فساعدها على إجهاض الجنين قبل ان يتزوجها. وقالت هند
الفاهم انها اتربطت
بقصة الفيلم لأن جذورها ريفية. واضافت 'عائشة هي في الحقيقة تجسد المرأة
الريفية.
إذا ما أردنا الحديث عن مدى تجسيدها؟ نعم
لدينا بنات ريفيات يعانين من هذه القضية،
لديهن عدة مشاكل اجتماعية وعاطفية وأنا شخصيا لدي علاقة تجمعني
بهن باعتباري أصيلة
الريف.. لديهن عدة مشاكل مثل فتاة المدينة'. وتساءلت هند الفاهم في وقت لا
تزال فيه
قضايا مثل الاجهاض وممارسة الجنس قبل الزواج من المحرمات في الشرق الأوسط
'ما
أردناه من خلال الفيلم هو (ان) نعايش المرأة في الريف وهذا
واقع ويجب الحديث عنه
لماذا لا نتحدث عن ذلك؟'.
ويبحث الفيلم أيضا الدور الذي يلعبه الرجال التونسيون
وما يعتبره كثيرون معايير مزدوجة للرجال تجاه النساء.
وقال الممثل الذي قام بدور
البطولة الرجالية في الفيلم، وهو ظافر العابدين ان قصة الفيلم
تثير تساؤلات عديدة
بشأن الإدراك وتوقعات الرجال من النساء في المجتمع الريفي التقليدي.
وقال
العابدين 'الرجال لديهم أفكار كيف يجب أن تكون المرأة. هل هذه الأفكار
صحيحة أم لا؟
هل المرأة يجب أن تتبع هذه الأفكار أم لا؟ هل المرأة لها اختيار طريق
حياتها؟ ماهي
حرية المرأة؟ ليس في المدينة فقط بل حتى في الريف. هل أن
حريتها فقط ترتبط فقط
بإرادة الرجل أم لا؟ هل لديها حرية الاختيار أم لا؟ هل على الرجل أن يقبل
المرأة
كما هي أم لا؟ بعض من هذه المواضيع تم طرحها في الفيلم'.
وتعتبر ناشطة تونسية
تدعى آمال موسى أن فيلم 'آخر ديسمبر' أبرز مجموعة من الأفكار التي يعتقد
أهل
المدينة اليوم أنها تلاشت ولم تعد موجودة غير أن مخرج الفيلم أبرزها وركز
على
الجانب النفسي والداخلي للمرأة الريفية.
وقالت 'ما أراد أن يسلط عليه الضوء
المخرج هو أن الكثير والكثير من الأفكار التي نعتقد نحن في
المدينة إننا تجاوزناها
هي في الحقيقة مازالت بين أخذ ورد في الريف'.
وأضافت آمال موسى 'لا أعتقد أن
المخرج يدعي الحديث عن المرأة في الريف بكل ما يعنيه من تفاصيل
وإلمام. أخذ جانبا
معينا واكتفى بالتركيز على الجانب النفسي والداخلي'.
ويشارك في فيلم 'آخر
ديسمبر' جمع من كبار الممثلين ونجوم الدراما في تونس.
القدس العربي في
06/10/2010
'يهود
لبنان:
الولاء لمن' لندى عبدالصمد:
مرزاحي غادر لبنان مواطنا وعاد اليه غازيا وكنيس
بيروت بقي
فارغا مع نجماته الخشبية السداسية
زهرة
مرعي
/ بيروت ـ 'القدس العربي'
جمهور غفير احتشد في صالتي متروبوليس
في صوفيل متابعاً 'أيام بيروت السينمائية' التي كانت هذا العام
بشراكة مع قناة 'بي
بي سي عربي'. كافة العروض حظيت بجمهور لافت، ومنها الوثائقي 'يهود لبنان:
الولاء
لمن'. هذا الشريط الذي دار في حدود الـ45 دقيقة أخرجته الزميلة في قناة بي
بي سي
عربي ندى عبد الصمد، ووضعت السيناريو من خلاصة كتاب من تأليفها
عن يهود لبنان صدر
في بدايات هذا العام.
الحشرية لمعرفة ماذا يقول يهود لبنان تقود إلى صالة
السينما حتى وإن كان في البال مسلمات وثوابت ترسخت بفعل الزمن والتجربة. من
بداياته
حرص الفيلم على التعريف بيهود لبنان 'فئة لبنانية عربية دينها
اليهودية ونبيها
موسى'. تعريف من شأنه أن يُحمِّل أبطال الوثائقي وزر كل كلمة فيه، أقله
تعبير
بالانتماء وليس فقط النطق بعربية مكسرة بحكم العادة أو الولادة.
استند هذا
الوثائقي إلى مواطنين لبنانيين عاصروا عن قرب مواطنيهم من اليهود وخاصة في
وادي أبو
جميل ـ منطقة في قلب العاصمة بيروت ـ كلهم أجمعوا على حسن العلاقة التي
كانت قائمة
بين اليهود ومختلف العائلات الدينية في لبنان. لكن بحسب المختار عيتاني فإن
قيام
دولة إسرائيل ككيان عنصري بدّل في المعادلات. ومنذ سنة 1948 بدأت العائلات
اليهودية
تغادر تباعاً بلدها الأم لبنان إلى الكيان المصطنع إسرائيل وتحت جنح
الظلام. وبحسب
ما نستشفه من الوثائقي ومن المعلومات فإن العدد الأكبر من يهود
لبنان غادر بين
سنوات 1948 و1967. وهي مرحلة لم يكن فيها ما يضغط على حياة يهود لبنان، بل
على
العكس فقد قدمت عائلات يهودية من العراق وسورية وإيران إلى لبنان 'لكنها لم
تمنح
الهوية اللبنانية' بحسب تعليق الوثائقي. وهذا ما يترك 'إيليا
متأثراً' لأنه ولد في
بيروت ولم تعطه هويتها وهو الذي غادرها سنة 1967 وعاد اليها بجواز سفر
اوروبي.
في هذا الوثائقي الذي سار في عدة اتجاهات، منها المعلمات والذكريات مع
لبنانيين عايشوا 'اللبنانيين اليهود'، ومنها اليهود اللبنانيون في فلسطين
المحتلة،
وكذلك كندا والمكسيك. فالكاميرا اقتفت آثار من ترى فيهم إغناء للمادة
التوثيقية
وربما تجاوباً مع العنوان المطروح كتساؤل. في جانب ذكريات
اللبنانيين برز أن جميع
من غادر من اليهود فعل سراً. كان الجيران يتفقدوهم ولا يجدون غير الصدى في
المنازل
الفارغة، والانتماء القادم من الكيان الذي انضم إليه اليهود اللبنانيون.
وحدها
'ماري'
قالت لجارتها سراً بأنهم ذاهبون إلى إسرائيل 'ولا تخبري أحداً وغداً سنعود
إليكم من الجنوب'! هذا ما تذكرته الجارة عندما صار الجنود الصهاينة تحت
شرفتها في
وادي أبو جميل خلال احتلال بيروت سنة 1982 فخرجت إليهم تنادي
'مرزاحي'! علّ جارهم
يكون بين الغزاة؟
مارغو مرزاحي ولد في لبنان وعاد إليه غازياً في اجتياح 1982.
سئل عن رد فعله إن كان عليه أن يطلق النار
أو يتلقى النار فكان رده بكل تأكيد بأن
يموت الآخر. ومارغو نموذج من يهود لبنان الذي جاءه ليقتل أهله،
ولو حمل نية مختلفة
لرفض التجنيد. وهو في السياق يروي مصاعبه العاطفية في بدايات تركه لـ'وطنه
الأم'
إلى 'وطنه الكيان'. هو يحتفظ بالكثير من
الذكريات التي تبكيه ولا يزال يحتفظ برخصة
القيادة الصادرة من لبنان في 11/9/1969 وقبل هجرته بأشهر.
عبادي صورة أخرى لمن
هاجروا إلى فلسطين المحتلة 'بليلة ما فيها ضو قمر' كما قال الجيران. رجل
وفنان يحب
المرح ولا يحب الحرب، أمله أن 'يتفقوا ويفتحوا الحدود'. هو يعتبر نفسه
'لبنانيا ـ
إسرائيليا'. يشاهد طوال يومه قناتي المستقبل وأل بي سي
اللبنانيتين. حنينه يحفر به
عميقا ويجد صلة رحمه مع هاتين القناتين في متابعة الغناء القديم، والتوك شو
السياسي
الحامي الوتيرة.
في هذا الوثائقي لم نسمع موقفاً أو رأياً من إنشاء الكيان
الصهيوني فقط علمنا أن سليم مرزاحي اليهودي تزوج من مسيحية وهما معاً ضد
الكيان ومع
ذلك هاجرا وتركا لبنان. أما آخر يهود صيدا إسحاق ليفي فقد
'انسحب مع الغزاة' في سنة
1985، وحده الكنيس بقي في حارة اليهود مع نجماته
السداسية الخشبية.
إبن إيليا
بصل الذي كان صاحب رتبة عالية في الأمن الداخلي اللبناني لا يزال يحتفظ
ببزة والده
في هجرته الكندية ويعتبرها 'كنزاً' ويعيش ذكرياته اللبنانية كفيلم سينمائي
من دون
أن يحكي العربية، فهو من 40 سنة في كندا. كذلك ابنة داني لينياردوا في
المكسيك حيث
وصلتها مذكرات والدها بثلاثة مجلدات التي كانت بحوزة احدهم في
لبنان وعن طريق
الصدفة، فعادت بالذاكرة لما كانته حياتها في بيروت وعاليه قبل الهجرة.
الجميع
يذكر ويتذكر ويذرف الدموع على أطلال الذكريات المهشمة وعلى حبل السرّة
المقطوع
قسراً. لكنّ الفاعل بقي مجهولاً. حتى الولاء نفسه الذي كان في العنوان
العريض
للوثائقي حوصر في الذكريات والأغنيات والأصحاب. في حين أن
الولاء ليس فقط نسقاً
إنسانياً أو تراكماً للذكريات والحنين: هو إيديولوجيا. وهذا ما ترك
الوثائقي 'يهود
لبنان: الولاء لمن' يحمل عنواناً ويحيد في مساره عن طرحه كسؤال مباشرة أو
مواربة.
وهذا ما كانت عليه حال البي بي سي الراديو عندما بحثت قبل سنوات في شؤون
وشجون يهود
العراق في فلسطين المحتلة.
هذا الوثائقي مشغول بتقنية جيدة وتقطيع جذّاب. لكن
تبقى في البال أسئلة كمثل 'لماذا يهود لبنان والآن'؟ وبالتأكيد ليس ترميم
كنيس
اليهود في وادي أبو جميل وبكلفة باهظة هو السبب. وإن كانت البي
بي سي تهدف للقول
بأن التعايش بين العرب واليهود كان متاحاً قبل الكيان الصهيوني وحتى معه،
فقد كان
من الواجب المهني سؤال من رحلوا إلى الكيان عن رأيهم بيهودية الكيان. ومن
ثم تأتي
الأسئلة الأخرى أو تنتفي ضرورتها؟
القدس العربي في
05/10/2010 |