تقترب الصبية الحسناء من المخرج الفلسطيني نصري حجاج بخطوات واثقة، تتلاءم
مع
شيء من الغضب يعلو وجهها وهي تثبّت نظراتها فيه. كان حجاج قد
انتهى من عرض فيلمه «كما
قال الشاعر» عن محمود درويش على جمهور مهرجان أضنة، ونال من التصفيق ما
أثلج
قلبه، وفاجأه. لذلك حين اقتربت الصبية التركية، استعدّ للرد على تحيتها
وإعجابها
بالفيلم. ولكن، بدلاً من الثناء، ارتسمت علامات الاستياء على
وجهها وراحت تحتج على
شيء في الفيلم، لم يدرك حجاج ما هو أول الأمر. فهي كانت تتكلم بعجلة وبشيء
من الغضب
يمنع وصول كلماتها إليه. لكنه سرعان ما فهم. «أين هي دولة كردستان هذه؟»،
قالت. وفي
سؤالها احتجاج على وجود الشاعر الكردي شيركو بيكوس في أحد
مشاهد الفيلم، يقرأ بلغته
الأم، مقاطع من قصيدة لدرويش.
كان الشاعر الكردي واحداً من شعراء كبار ينتمون الى جنسيات مختلفة يقرأ كل
منهم
مقاطع مترجمة الى لغته لأشعار درويشية (البرتغالي خوسيه
ساراماغو، النيجيري بول
سوينكا، الأميركي مايكل بالمر، الفرنسي دومينيك دوفيلبان - عرّفه الفيلم
بصفته
شاعراً لا رئيس وزراء فرنسا السابق -، والإسرائيلي اسحق لاؤور... بين
آخرين). بيد
ان احتجاج الصبية انصبّ على الكردي دون سواه. وسرعان ما ذهبت
الأسئلة في هذا
الاتجاه.
«أين
صوّرت هذا المقطع؟»، سأله أحد الشبان غامزاً من قناة المخرج بما أن لا وجود
لدولة اسمها كردستان في عرفه. «لماذا لا يوجد شاعر تركي في الفيلم؟»، قال
شاب ثالث،
وكأن في الأمر مؤامرة كردية... أسئلة لم تخطر على بال حجاج
الذي بمقدار ما فوجئ
بالمضمون فوجئ بكونها صادرة عن شبان يافعين. وسرعان ما وجد نفسه يدافع عن
أمر لم
يخطر في باله أن يدافع عنه، هو المثقل بقضية شعبه. «صوّرت في السليمانية،
شمال
العراق»، قال رداً على سؤال الشاب، قبل ان يجد نفسه يبرر ذاك
«الإثم» بالقول: «تعمدت
استضافة الشاعر الكردي شيركو لأنه ترجم أشعار محمود درويش من العربية إلى
الكردية، كما ان محمود درويش كتب قصيدة مشهورة عن الأكراد».
جواب بدا غير مقنع للفتاة وزملائها. فهم، على رغم حداثة سنّهم، ينتمون الى
أزمان
قديمة بعض الشيء... أزمان كان فيها كثر من الأتراك يرفضون الاعتراف بأن
للأكراد
لغة... بل انهم موجودون أصلاً. بالتالي، بدا واضحاً وكأن
هؤلاء، نوطة ناشزة في جو
المهرجان السينمائي الذي يحضرونه: فكيف يمكن عقلاً تركياً متحجراً من هذا
النوع ان
يحتج على وجود شاعر كردي في فيلم، ويقبل بالتالي كل ذلك التكريم الذي خصّ
به
المهرجان، سينمائي اليونان الأول والأكبر: تيو انجيلوبوليس...
ذاك المبدع الذي انصب
كل اهتمامه في أفلامه على تاريخ اليونان بالتحديد، ومن يعرف تاريخ اليونان
في القرن
العشرين يدرك انه ارتبط الى حد بعيد بالعداء مع تركيا. ومع هذا، كان في
انتظار
انجيلوبوليس احتفالية كبرى في المهرجان. فإضافة الى البرنامج
الذي خصّص لعرض مجموعة
من أبرز أفلامه («رحلة الى كيثيرا»، «مربي النحل»، «خطوة اللقلق المعلقة»،
«تحديقة
يوليسيس»، «الأبد ويوم واحد»، «ثلاثية المرج الباكي»، «رماد الوقت»)، كان
جمهور
أضنة على موعد مع حلقة نقاش مع المخرج اليوناني، فضلاً عن معرض
صور للقطات خالدة من
أفلامه... بما ان «كل لقطة، من كل مشهد، من أي فيلم حققه، تعبّر عن رؤيته
الفنية
والفكرية، وتعكس شخصيته الفنية، على نحو يتعذر محوها او إزالتها»، كما يقول
الناقد
البحريني أمين صالح في كتابه المميز «عالم تيو انجيلوبوليس
السينمائي: براءة
التحديقة الأولى».
«بدعة»
عنوانها فلسطين
لكنّ تكريم انجيلوبوليس لم يكن «البدعة» الوحيدة هنا. على الأقل في نظرة
الفرع
الذي تنتمي اليه الصبية ورفاقها من الشعب التركي. ففلسطين
بدورها بدت بدعة، على
الأقل لفئات كانت منذ زمن بعيد مرتاحة لنسيان القضية الفلسطينية وللعلاقة
مع
إسرائيل، كمفتاح للعلاقة مع الغرب. فإذا بفلسطين تنصبّ عليها بغتة... ليس
في
الأخبار السياسية، ولا في أحداث محيّرة (أسطول الحرية)، بل
أكثر من هذا، في عالم
الفن السينمائي؟
وهكذا، لم يكن غريباً ان يملأ الجمهور التركي صالات عروض
الأفلام الفلسطينية («الزمن
المتبقي» لإيليا سليمان، «المر والرمان» لنجوى النجار، «مفتوح مغلق» لليانة
بدر، «كما قال الشاعر» لنصري حجاج، «مرفأ الذكريات» لكمال الجعفري، «قلبي
لا يخفق
إلا من أجلها» للبناني محمد سويد، «عيد ميلاد ليلى» لرشيد
مشهراوي، «راشيل» لسيمون
بيتون، و«عايشين» لنيكولاس فاديموف)... أو ان يصفق الحضور طويلاً بعد
انتهاء أحد
العروض.... أو ان يقف شاب متحمس بعد عرض أحد الأفلام التسعة الخاصة ببرنامج
«فلسطين...
توق الى السلام» ليعلن استعداده لأي شيء في سبيل عودة الحق الى أصحابه.
ولم يكن التصفيق من نصيب الأفلام الفلسطينية فحسب، إنما كان للأفلام
الإسرائيلية
حصة أيضاً. ولكن، ليس أية أفلام، إنما تلك التي تعادي
الإيديولوجية الصهيونية،
ونعني بها «يافا ميكانيكية الليمون» لإيال سيفان، و «لبنان» لصامويل ماعوز.
ولا شك
في ان اختيار هذين الفيلمين لم يكن صدفة. فالفيلم الأول يفضح زيف الدعاية
الصهيونية
من خلال سرقة إسرائيل لليمون يافا ليصبح ماركة مسجلة باسم «جافا». وللوصول
الى
هدفه، يستند المخرج الى أفلام إسرائيلية قديمة ساخراً من
البروباغندا التي حاولت
إسرائيل تصديرها الى العالم. فالليمون في هذه الأفلام ليمون «جافا»
والإسرائيليون
بكامل لياقتهم البدنية وإشراقهم أثناء فترات القطاف. كما انهم في الاستراحة
لا
يفوّتون حلقات الرقص التي تمدهم بالحماسة لمواصلة العمل. أما
بناتهم فيرتدين
السراويل القصيرة والملابس التي تبدو مواكبة للموضة مقابل بؤس الفتيات
الفلسطينيات
اللواتي يظهرن دوماً عمالاً عند الإسرائيلي. ومن خلال هذه الحكاية يدنو
المخرج
الإسرائيلي من كذبة ما عرف بالعودة الى أرض الميعاد. فلا يجد
حرجاً بالقول صراحة ان
هذه الفكرة صهيونية خالصة، ولا أساس لها من الصحة بما ان اليهود القدامى لم
يتركوا
ارض فلسطين إلا بخيارهم الشخصي.
لو لم تفعل سوى هذا
وإذا كان إيال سيفان واضحاً الى هذه الدرجة في انتقاده الصهيونية، فإن
مواطنه
صامويل ماعوز انطلق من تجربته الخاصة يوم كان جندياً أثناء
اجتياح لبنان عام 1982،
ليقدم مرافعة ضد الاحتلال. صحيح لم ير بعضهم في هذا الفيلم أكثر من محاولة
إسرائيلية للعب دور الضحية... وصحيح أيضاً ان كثراً ما إن
يجدوا أنفسهم أمام عمل
إسرائيلي - وإن كان مناهضاً للصهيونية - حتى يبدأوا النبش بين السطور بهدف
الوصول
الى مراد الفيلم الفعلي...
لكن ما لا يمكن التغاضي عنه هو ان هذا الفيلم يفصل بين دولة إسرائيل التي
يصوّرها كدولة مغتصبة للأراضي اللبنانية، وبين الجنود
الإسرائيليين الذين وجد بعضهم
نفسه في حرب ليست حربه. ولم يخش المخرج تصوير لحظات ضعف أو جبن
الإسرائيليين
الأربعة القابعين في الدبابة حيث تدور كل حوادث الفيلم من منظارها. كما لم
يخش
تصوير حلمهم بترك كل شيء وراءهم والعودة الى احضان أمهاتهم.
واضح هنا اننا نكاد نجد
أنفسنا أمام نوع من السينما جديد: سينما مغايرة لسينما التبرير أو التعاطف
السياسي
والأيديولوجي المسبق مع قضية انسانية. كذلك سينما لا شأن لها بالرد على
سينما
القبضات المرفوعة التي عهدناها في فترة سابقة من بدايات
السينما الفلسطينية. انها
مجرد سينما تقول تجربة وتفضح ممارسات وتكاد تبدو في نهاية الأمر متأثرة
بأنواع
جديدة من السينما الفلسطينية التي برزت في السنوات الأخيرة باحثة عن
الإنسان وراء
القضايا ومقدّمة الإسرائيلي إنساناً يخطئ، ويعتذر عن أخطائه. أو هذا على
الأقل ما
وصل الى الجمهور التركي الذي شاهد هذه الأفلام كما شاهد الأفلام الفلسطينية
المقابلة وبدا عليه وكأنه كان منذ زمن في انتظار خطاب من هذا
النوع ملاحظاً كيف ان
السينما، وعلى غير توقّع، بدأت ترسم للمنطقة وإنسانه صورة لم تخطر أبداً في
البال.
وهذا ما دفع ناقداً الى القول: لو لم تفعل
السينما سوى هذا لاستحقت ان تعتبر من
أشرف الفنون!
الحياة اللندنية في
01/10/2010
السينما التي لا تهتم بشباك التذاكر
الإسماعيلية - إبراهيم حاج عبدي
تنطلق، مساء غد، فـــي مدينة الإسماعيــــلية في مصر، فــــعاليات الدورة
الرابـــــعــة عـــــشرة لمهرجان الإسماعيلية الدولي للفيلم
التسجيلي
والقـــــصير، بـــفيلم الافتتاح الأميركي «فاوست الاميركي، من كوندي الى
نيو
كوندي» سيناريو وإخراج سيباستيان دوجارت.
وأوضح بيان لإدارة المهرجان ان الفيلم من انتاج عام 2009 ومدته 89 دقيقة
ويتناول
مسيرة وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كوندوليزا رايس التي
وصفت بـ «السيدة
الغامضة»، لتصبح «أقوى سيدة في العالم».
وأضاف البيان أن الفيلم «يحمل مفاجأة»، وهو يحيي «ذكريات إدارة الرئيس
الأميركي
السابق جورج بوش»، كما أنه «يعيد النظر في ما تواتر عن
كوندوليزا رايس بصفتها سيدة
لا يعرف قاموسها غير كلمة نعم للرئيس». ولكن الفيلم في الوقت نفسه يزيح
الستار عنها
كأكثر الأشخاص ثباتاً وصبراً في كتمان أسراره، «وبالتالي فهي مسؤولة عن
الكثير من
الميراث الذي خلّفه بوش وراءه».
يشارك في المهرجان، الذي يستمر ثمانية أيام، 78 فيلماً من 35 دولة، إذ
اختارت
لجان خاصة «أفضل الافلام المتميزة فنياً وفكرياً» من بين نحو
1100 فيلم تقدمت
للمشاركة، بحسب تصريح لرئيس المهرجان علي أبو شادي. وتعرض هذه الأفلام في
المسابقات
الخمس للمهرجان، حيث سيتنافس 30 فيلماً في مسابقة الأفلام الروائية
القصيرة، و17
فيلماً في مسابقة أفلام الصور المتحركة. وفي حين يشارك 15
فيلماً في مسابقة الأفلام
التسجيلية القصيرة، فإن مسابقة الأفلام التجريبية ستشهد تنافساً بين 10
أفلام، أما
في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة فهناك ستة أفلام.
ورصدت إدارة المهرجان 60 ألف جنيه مصري للجوائز، يذهب منها 10 آلاف جنيه
مصري
قيمة الجائزة الكبرى لـ «أحسن فيلم» في المهرجان برمته، بينما
يتوزع الباقي على
جوائز «أفضل فيلم» في المسابقات الخمس، ومقدار كل واحدة منها 6 آلاف جنيه
مصري،
إضافة إلى جوائز لجنة التحكيم، وعددها أيضاً خمسة، ومقدار كل واحدة منها 4
آلاف
جنيه مصري.
وثمة جوائز أخرى تمنحها جمعية السينمائيين التسجيليين المصريين، وجمعية
نقاد
السينما المصريين، ومركز وسائل الاتصال (آكت)، علماً أن هذه
الجهات الثلاث قد شكلت
لجان تحكيم خاصة بها، مستقلة عن لجنة التحكيم الرسمية الخاصة بالمهرجان
والتي
ترأسها المخرجة الألمانية جيزيلا توختنهاجن وتضم في عضويتها المخرج الروسي
ألكسندر
غوتمان والإسباني دافيد مونوز والمصرية ماريان خوري والعماني خالد الزدجالي.
وإلى جانب العروض الأساسية التي سيحتضنها قصر الثقافة في الإسماعيلية، قررت
إدارة المهرجان، كما في الدورات الماضية، تنظيم عروض خارجية
لأبرز أفلام المهرجان
في مدن محافظة الاسماعيلية، وهي أبو صوير وفايد والتل الكبير والقنطرة شرق
والقنطرة
غرب، إضافة إلى عدد من المدارس والأندية والمقاهي في مدينة الإسماعيلية
الواقعة على
ضفاف قناة السويس (نحو 130 كلم شرقي القاهرة).
وإذا كان من المبكر الحديث عن مستوى الأفلام ومواضيعها، وطبيعة اهتماماتها،
فمن
الملاحظ أن خريطة أفلام المهرجان تتشعب شرقاً وغرباً، ويصعب
العثور على ما يجمع بين
هذه الباقة المتنوعة من الأفلام سوى هاجس الانتصار لفن السينما فحسب، ذلك
أن مهرجان
الإسماعيلية، بصفته المهرجان الوحيد بهذا المستوى في الشرق الأوسط الذي
يحتفي
بمختلف أنواع السينما، باستثناء الروائي الطويل، أثبت خلال
الدورات السابقة حرصه
على البحث والتقصي في سبيل الاهتداء إلى أفلام ذات سوية فنية عالية، طالما
أن
المعيار الأول والأخير الذي يتحكم في الاختيار يتمثل في مدى تقيد هذا
المخرج أو ذاك
بجماليات السينما وسحرها، خصوصاً ونحن نتحدث عن الأفلام
القصيرة والتسجيلية التي
تتميز بتصديها لقضايا ملحّة وملفات ساخنة تتفاعل في العالم.
الفيلم التسجيلي، وكما هو معلوم، لا يأبه لشباك التذاكر، بل يمضي نحو توثيق
الألم الإنساني، وسرد القصص والحكايات الملتصقة بحرارة الواقع،
والمستقاة من تفاصيل
المعاناة والهموم والحرمان، من دون أي تزيين أو تزيف، ولئن امتـنـعـت
مهرجانـات
كثيرة عن الاحتفاء بهذه السينما «الملعونة» في العرف
السينمائي الشائع، فإن
مهرجانات قليـلة تحتفي بها على نحو لائق، ولعل مهرجان الإسماعيلية يعد
واحداً منها،
فهذا المهرجان الذي بات تقليدا سنوياً يعقد في كل خريف، يبذل منظموه جهوداً
مضنية
ليزهر ربـيـع السيـنما على ضفاف القناة يانعاً طلقاً حافلاً
بالجديد.
الحياة اللندنية في
01/10/2010
ابنة كوبولا للافتتاح وسينما المطبخ لمحبي
الغرائب
بيروت - «الحياة»
تنطلق أواسط الأسبوع المقبل (من 6 الى 13 تشرين الأول - أكتوبر) الدورة
العاشرة
لـ «مهرجان بيروت السينمائي» تحت إشراف كوليت نوفل التي عقدت
قبل ايام مؤتمراً
صحافياً اعلنت فيه ان عدد الأفلام المشاركة في دورة هذه السنة يزيد عن ستين
فيلماً
من بينها تسعة أفلام في مسابقة الأفلام الشرق أوسطية الروائية، و15 في
مسابقة
الأفلام القصيرة، مع عرض 17 فيلماً في «البانوراما
العالمية»... ناهيك بتظاهرة
طريفة مستحدثة عنوانها «المطبخ في الأفلام»!
فيلم الافتتاح، في هذا المهرجان الذي سنعود الى الحديث عنه لاحقاً، هو فيلم
«مكان
ما» لصوفيا كوبولا، المخرجة الأميركية الشابة وابنة فرانسيس فورد كوبولا،
الذي كان في السنة الماضية نجم الدورة السابقة للمهرجان نفسه. وفيلم صوفيا
كوبولا،
هو نفسه الذي عرض وفاز في مهرجان البندقية ليجابه باحتجاج صاخب من قبل معظم
النقاد
والمتفرجين الذين رأوا فيه تراجعاً للمخرجة الشابة عن مستويات
سبق وبلغتها ولا سيما
في «العذارى ينتحرن» و «ضاع في الترجمة». أما الختام فسيكون للفيلم
الإيطالي المميز -
وبخاصة من ناحية قيام تيلدا موانتون
ببطولته - «أنا الحب» للوكا غوادا غنينو.
في حديثها عن الدورة الجديدة، قالت نوفل ان هذه السنة هي سنة الاكتشاف، حيث
تضم
الدورة أفلاماً «لمخرجين من 26 بلداً، منها 11 بلداً شرق
أوسطياً». اما الجديد
حقاً، والذي قد يعطي المهرجان تميزاً حقيقياً عن بقية المهرجانات الكثيرة،
التي
تقام في لبنان، فهو ان نوفل استطاعت الحصول على ثلاثة افلام جديدة لتشارك
في
المسابقة، من بينها فيلم ديغول عيد الذي سبق ومنع عرضه في
لبنان!
وإلى هذا يمكن القول ان لا جديد حقيقياً في الاختيارات العربية الأخرى إذ
كلها
سبق عرضها مرات ومرات. ومن هنا قد يتعين البحث عن بعض الجديد
في البانوراما
الدولية، التي تضم أفلاماً من الأرجنتين والمكسيك والولايات المتحدة وكوريا
الجنوبية وتركيا ورومانيا (حتى وإن كان معظم هذه الأفلام شوهد في مهرجانات
كبيرة
وصغيرة أخرى خلال السنتين الماضيتين). ومن هنا يبقى الفضول في نهاية الأمر
منصباً
على تظاهرة «المطبخ في السينما» بالتأكيد.
الحياة اللندنية في
01/10/2010
جائزة تورونتو لـ «حرائق» معوض
تورونتو - جاد الحاج
يبقى مهرجان تورونتو السينمائي متشبساً بالنوعية العالية والمقاربة الفنية
الصرف
على رغم محاذاته هوليوود، المصدر الأكبر للسينما الاستهلاكية
التجارية. من هنا يأخذ
بعض النقاد على هذا المهرجان نخبويته المسرفة، بل يذهب آخرون الى الاستخفاف
بالروح
الانتقائية التي يتبعها. لكن هؤلاء وغيرهم لا يستطيعون أن ينسوا كون مهرجان
«كان»
نشأ وانطلق على أساس حفظ النوعية الفنية العالية للفن السينمائي، الى أن
تمكنت
هوليوود بأفلام موجهة للجمهور العريض أن تفرض نفسها على نخبوية «كان».
في دورة هذه السنة حاز فيلم «خطاب الملك» لمخرجه طوم هوبر جائزة الجمهور في
مهرجان تورونتو، وهو يروي قصة الملك جورج الرابع وريث التاج
البريطاني بعد شقيقه
النافر من السلطة إدوارد الثامن. والمعروف أن جورج السادس أقام علاقة مع
الاختصاصية
الأسترالية في تحسين النطق، ليونال لوغ، التي ساعدته كي يتغلب على التأتأة.
أما
مدينة تورونتو فمنحت جائزتها الكبرى لفيلم «حرائق» المستوحى من
مسرحية بالعنوان
نفسه كان وضعها اللبناني – الكندي وجدي معوض قبل سنوات.
أخرج «حرائق» دنيس فيلنوف الذي اشتهر بضراوة واقعيته وقوة تصويره للتفسخ
والانهيار واليأس في مجتمع أميركا الشمالية، ففي السنة الماضية
خضّ فيلنوف كندا
بشريط عنوانه «بوليتكنيك» استرجع فيه مجزرة في جامعة مونتريال أطلق فيها
أحد الطلاب
النار على عدد من الطالبات دون غيرهن. وعلى رغم وحشية الموضوع وإعادة تمثيل
الجريمة
من دون تمويه أو تغريب جاء الشريط مفعماً بلحظات شعرية محيرة.
وشم ورصاص وقتل
المشهد الأول في «حرائق»: فتيان يافعون يحلق شعورهم في غرفة عارية بالغة
الفقر
مسلح مخفي الوجه وراء كوفية. وجوههم حزينة، مستسلمة. على أخمص قدم أحدهم
ثلاث نقاط
موشومة. النقطة فوق الأخرى.
المشهد الثاني: فشل محاولة هرب عاشقين تنتهي بمصرع الشاب على أيدي غيارى
مدافعين
عن الشرف الرفيع. تلجأ الفتاة الى منزل جدتها. تنفجر الجدة
غضباً لأن حفيدتها لوثت
شرف العائلة وهي حامل في شهرها الأول، لكنها تحميها حتى ولادة طفل ذكر تشم
الجدة
قدمه بتلك النقاط الثلاث. يؤخذ الطفل الى مكان مجهول وينتهي في أحد المياتم.
نوال مروان (لبنى الزبال) تبحث عن إبنها في جو محتدم بحرب لا نرى تفاصيلها
بل
آثارها. وبعد ضياع مؤثر بين القرى المهدمة تركب نوال باصاً
يتجه نحو «الجنوب»
تعترضه عصابة ملثمة حول أعناق أفرادها صلبان ظاهرة. أحدهم يقتل السائق
ويطلق آخرون
النار على الركاب ويهمون بحرق الباص. نوال تصرخ: «مسيحية!» وهي تشير الى
صليب صغير
مخبأ في صدرها. يخرجونها من الباص فتحاول اصطحاب إمرأة أخرى
معها بنت صغيرة. تنجح
نوال في جلب البنت التي تحاول الهرب راكضة صوب أمها في الباص المحترق
فيرديها قتيلة
أحد المسلحين.
منذ هذه البداية يترسخ نجاح فيلنوف في رسم المعالم الأساسية لشريطه، فهو
يأخذ
أحداثاً معروفة وحقائق موصوفة ويعيد توزيعها في فضاء جغرافي
مزيج بين الصحراء
والجرود. والواضح هنا ان بوسطة عين الرمانة أصبحت رمزاً كونياً لبداية حرب
أهلية
بشعة وبات متوقعاً استعمالها لأي دليل فاجع مثلما يستعمل الفطر النووي
دليلاً
كارثياً!
يلاعب فيلنوف الزمن المسرحي الدائري بتقنية السبر الدرامي حيث يتحول الوقت
الى
كتلة واحدة مصهورة في عجينة الشرط الإنساني، أي حيث تروى
الحكاية على إيقاع ذهني
مستقل عن سياق البداية والنهاية. أحياناً يتساءل المشاهد لبرهة: أين أنا؟
لكنه لا
يستطيع إلاّ ان يستسلم لقوة الصورة اللاحقة ويوليها ثقته الكاملة.
في مكتب الكاتب بالعدل في مدينة مونتريال يجلس التوأمان جان وسيمون مروان
ليسمعا
وصية أمهما نوال. يصعقهما ما يسمعانه إذ تطلب الأم منهما
العثور على والد طالما
اعتبراه ميتاً وعلى أخ لم يسمعا به من قبل. الإبن، سيمون، يرفض رفضاً
قاطعاً
التعاطي مع وصية أمه. أما الأبنة، جان، فتدرك معنى الانطواء الصامت الذي
عاشته الأم
في فترة ما قبل وفاتها، وترى أن كشف السرّ ضرورة لا بد منها لئلا تطاردها
الأسئلة
مدى الحياة. بناءً عليه تركب الطائرة الى مكان ما في بلد عربي
(معظم المشاهد مصورة
في الأردن) وتبدأ رحلة البحث عن سرّ أمها.
مقارنات
سوف تكتشف جان ما واجهه اللبنانيون والفلسطينيون من قهر وظلم واضطهاد وسجن
وإرهاب. وسوف يقرن المشاهد بين مأساة أمها، نوال، وبين سهى
بشارة وسنوات سجنها في
معتقل الخيام بعدما حاولت قتل انطوان لحد قائد جيش لبنان الجنوبي. لكن قمة
الدراما
في هذه الحكاية لا تبلغ شأوها حتى لحظة الكشف الأخيرة عن هوية الأب، وهذه
لا بد من
الإحجام عن ذكرها لئلا نفسد المفاجأة على المشاهدين.
تكمن أهمية الفيلم في عنصرين أساسيين: حفاظ المخرج على القصة بكل جوانبها
الأبداعية، وبالتالي إعادة خلقها في إطار سينمائي بالغ الجمال
والمتانة. نجحت
التجربة بفعل تحويل النص المسهب في المسرحية الى صور شديدة التكثيف
والاختزان
والشاعرية، وكانت الأصابة الفعالة أن المخرج استوعب اهمية تجريد الأحداث من
مرجعياتها ووضعها في اطار بالغ العراء من دون مصادرة لبّها
ومعانيها، فاللاجئون هنا
بلا هوية محددة، وكذلك حال أفراد الميليشيا أو السجان الجلاد... كلهم بشر
في خضم
تاريخي ملطخ بالدم والفجائع والحرائق.
الحياة اللندنية في
01/10/2010 |