بعد 13 عاماً من الغياب التام عن الشاشة الكبيرة، عادت الفنانة صفية
العمري الى السينما في فيلم "تلك الأيام" للمخرج أحمد غانم. وقد بررت هذا
الانقطاع بالقول إن من يعمل بإدارة المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين لن
يعود بمقدوره أن يتقبّل أي نص أو أن يرتضي أداء أي دور ليثبت وجوده على
الشاشة الكبيرة.
وكانت العمري اعتذرت في بادئ الأمر عن المشاركة في الفيلم المذكور
نتيجة لتخوّفها من عدم تقبّل المشاهدين لطبيعة الدور الذي تؤديه، إذ تجسّد
شخصية والدة الفنان محمود حميدة في هذا العمل. يضاف الى ذلك أن تعاونها مع
المخرج أحمد غانم يأتي مباشرة، ولو بعد سنوات طويلة، بعد الدور المهم الذي
قامت به في فيلم "المصير" ليوسف شاهين. ومع ذلك، عادت عن هذا القرار
واشترطت على المخرج أن يحذف عدداً من مشاهدها. فمن أصل 12 ظهوراً لها في
العمل، وافقت على الاحتفاظ بخمسة مشاهد فقط. ولم يمانع المخرج ولم يعترض
المنتج على ذلك.
وكانت العمري ذكرت في مقابلات إعلامية متعددة، أنها لم تكترث لكون
أحمد غانم ينفّذ تجربته الإخراجية الأولى بعد أن عمل 25 عاماً مساعداً لهذا
المخرج أو ذاك. وقالت إنها كانت شاهدت له في السابق فيلماً قصيراً وكوّنت
انطباعاً سريعاً عنه بأنه ذو موهبة متميّزة وإن كان يفتقد الخبرة التي
ستأتيه إن عاجلاً أم آجلاً. وهي لا تتفق في ذلك مع الأكثرية من أولئك
الفنانين الذين يشترطون للتعاون مع المخرج أن يكون صاحب خبرة واسعة في
العمل السينمائي.
وترى العمري أن من الأسباب التي ساهمت في إنجاح هذا العمل أن النص
والسيناريو مقتبسان من إحدى روايات الكاتب الكبير، فتحي غانم، وهو والد
المخرج. ونادراً ما يصار اليوم الى اعتماد الأعمال الروائية الهامة في مجال
الأفلام السينمائية ما خلا نماذج لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. حتى إن
المخرج نفسه بدا متردداً حيال الصعوبة التي قد تسفر عنها هذه الرواية إذا
ما تحوّلت فيلماً سينمائياً. وكان صرّح في أحاديث صحافية أنه لن يكرر هذه
التجربة نظراً الى المساحة السياسية الواسعة التي تشتمل عليها رواية والده.
ولا يرغب، في الوقت عينه، أن ينصرف بالكامل الى إخراج الأعمال السياسية.
ولا مانع لديه من تنفيذ أعمال تجارية غير هابطة من شأنها أن تجذب المشاهدين
من سائر الطبقات الاجتماعية.
تجسّد العمري في الفيلم دور "قدرية" وهي الأم التي تدرك جيداً أخطاء
ابنها ومشاكله والضغوط التي يعانيها. تقول في هذا الإطار إن العمق الإنساني
لهذا الدور يفترض تجربة مماثلة بشكل أو بآخر. وسبق لها أن عايشت هذه الأمور
مع أبنائها، الأمر الذي أتاح لها أن تكتسب خبرة فريدة في هذا المجال، بمعنى
أنها تعلمت من أولادها بقدر ما تعلموا هم منها. وهي تستخدم هذه الخبرة في
الفيلم بأفضل صيغة ممكنة من أجل أن ترتقي بالدور الى حدود مقنعة جداً.
ولم تنف العمري، في معلومات صحافية كذلك، أن ثمة مشاريع يجري إعدادها
للشاشتين الكبيرة والصغيرة، من دون أن تفصح عنها. وستعلنها في الوقت
المناسب.
المستقبل اللبنانية في
02/08/2010
شاشات أوروبا: الإسلام مرّ من هنا
زياد عبد الله
من أمستردام إلى برلين، كثيرة الأفلام التي تستعيد ــــ من وجهة نظر
أوروبيّة ــــ إشكاليات الاسلام المعاصر. وقفة عند تجربتين يجمع بينهما
سؤال واحد: لماذا بات التطرّف سمة العصر؟
التطرّف، والتسامح، والمثلية، والإسلام، و... أوروبا! كيف للألماني أن
يكون مسلماً، والعكس أيضاً؟ وكيف لحياة شاب بوسني أن تنقلب رأساً على عقب
حين يمضي في درب الوهابية؟ أسئلة يتمحور حولها شريطان أطلقهما «مهرجان
برلين السينمائي» في آخر دوراته، ويثيران الاهتمام حالياً في أكثر من مدينة
أوروبيّة: الأول ألماني بعنوان «شهادة» إخراج برهان قرباني، في أول روائي
طويل يحققه، والثاني بوسني
Putu Na
(على المعبر) لياسميلا زبانيتش.
ولعل فيلم قرباني مكرّس تماماً لتقديم مصائر ـــــ مهما اتصلت أو
انفصلت ـــــ تتحرّك جميعها تحت مظلة الإسلام الألماني، بما يجعل صراعات
هذه الشخصيات نابعة من آليات التأقلم التي تمارسها. وستضعنا مباشرة أمام
ثنائيات من قبيل: مسلم/ ألماني، ومسلم/ مثلي...
ثلاثة خطوط درامية تلتقي وتفترق، تتشابك وتنفصل في «شهادة». منذ
البداية، نقع على مريم الحامل والغارقة في حياة برلين الليلية. مريم ابنة
إمام مسجد متسامح لا يجد في الدين إلا المحبة والرحمة، بينما مريم نفسها
تنقلب عليه بعد محاولاتها المضنية للإجهاض، وتتخذ النقيض التام لوالدها،
وهي تجد فيه رجل دين مزيّفاً لا يحمل شيئاً من الإسلام الحق، وتمسي متطرفة
إلى حدّ أنها تضيق بالحرية التي كان يحرص والدها على أن تعيشها.
إلى جانب ذلك، نمضي مع سامي والصراع الذي يعيش، إذ كيف يكون مثلياً
وملتزماً دينياً في آن؟ وهو واقع في غرام زميله الألماني، وينجرف نحوه
بينما هو صائم، ما يضعه بين يدي والد مريم الذي يستقبله بتفهّم. وبالتوازي،
نشاهد ضابط الشرطة إسماعيل التركي الأصل، المتزوج من ألمانية سرعان ما
يهجرها وابنه، حين يتورط في علاقة مع مهاجرة غير شرعية تركية، يساعدها
للنجاة من الترحيل.
تتناول ياسميلا زبانيتش ظاهرة تسرّب الوهابيّة بقوة إلى دول البلقان
فيلم «شهادة» مبني بإيقاع سريع ومتواتر، رغم أنّه معدّ مسبقاً كي
يقدّم شخصياته كنماذج. لكنّه وارب هذا الأمر جيداً حين حوّلها إلى شخصيات
من لحم ودم، تحبّ وتكره، وتخطئ، وتبقى مصرّة على الانتماء إلى هوية دينية
مهما اتسعت التناقضات. وبالتالي، يقدّم العمل ما يمكن أن تكون عليه حيوات
أبطاله من تصارع بين الديني والدنيوي، وخصوصاً أنّهم يعيشون في ألمانيا.
تلتقي الخطوط لدى رجل الدين الحريص على قيم الحبّ والإخاء وغير ذلك من
أفكار نبيلة، مع انفتاح على «الخطايا»، لكون ما يقابلها دائماً هو المغفرة.
ولعل الفيلم يقدّمه نموذجاً تستدعيه الحياة الألمانية، وبكلمات أخرى،
نموذجاً تحتفي به الثقافة الألمانية.
أما ياسميلا زبانيتش، فلديها ما تقوله عن التحولات التي تطال البوسنة
غير الذي قدّمته في فيلمها «غربافيتشا» (راجع الكادر). في «على المعبر»،
تقارب الموضوع هذه المرة من خلال شخصيتين تجمعهما علاقة حب، هما لونا (زرينكا
شفيتيستش) وعمار (ليون لوشيف)، من دون أن تفارقهما ظلال الحرب الصربية.
قُتلت عائلة لونا في الحرب، بينما شارك عمار في الحرب بعدما قضى أخوه فيها.
وهو الأمر الذي يحضر في سياقات تعزّز ما يودّ الفيلم تقديمه من تشوّهات
طالت الحياة البوسنية، لعلّ أبرزها «التطرّف».
لونا تعمل مضيفة طيران، فيما يُطرد عمار من عمله في برج مراقبة المطار
لأنّه كحولي. ولعل اليقين الوحيد الذي تمتلكه الشخصيّتان هو الحب،
وعلاقتهما الدافئة والمتقدة، التي تبقى كذلك إلى أن تحدث الانعطافة الكبرى
في حياة عمار. بمجرد لقائه مصادفةً بأحد رفاق الحرب القدامى الذي أمسى
سلفياً، يجد فيه عمار مخلّصاً يأخذه إلى عالم يمنحه شعوراً بالأمان. وعليه،
يهجر عمار الكحول بسهولة تكون مستعصية سابقاً، ويواظب على الصلاة، مع طاعة
عمياء للإمام، سائراً في درب الإسلام المتزمّت الذي يحرص الفيلم على تقديمه
من خلال تعدّد الزوجات والنقاب. ترفض لونا أسلوب حياة عمر الجديد، وتهجره.
إنها مصرّة على الاستمرار بنمط حياتها، فيما يمضي عمار في تغيّراته
الجذرية... وأوّلها أنّه صار يشعر بأنه يمارس معها «الفاحشة» لكونهما غير
متزوجين.
ما يريد الفيلم قوله، عبر أحداثه المتصاعدة، هو انّه ما من طريق ثالثة
في بوسنة اليوم: التطرف في الكحول والحياة الليلية والعلاقات الجنسية، أو
التطرّف الديني والتعامل مع الدين بوصفه شكلاً من أشكال القمع الذي لم يكن
له من وجود عند الجيل السابق لعمار ولونا. قبل تحوّلات عمار، نشاهده يحتفل
بعيد الفطر بشرب الكحول وتبادل الأنخاب.
فيلم «على المعبر» محمَّل بالكثير، يقول ما يقول عن الإسلام «الوهابي»
الذي تسرّب بقوة إلى البلقان، كما يخبرنا... وهو مبني بإيقاع متناغم، يمضي
على هدى المعبر الذي يفضي إلى أرضين على طرفي النقيض... وكلتاهما على قدر
كبير من التطرف!
عن استحالة النسيان
لفتت السينمائية الصربية ياسميلا زبانيتش أنظار النقاد في «مهرجان
برلين السينمائي الدولي» عام 2006. يومها فاز شريطها «غرابافيشتا» بالدب
الذهبي، وهو قصة عن جراح حرب لم تندمل. البطلة إسما تربي ابنتها سارا ابنة
الثانية عشرة في ضاحية من ضواحي سراييفو أعطت اسمها للفيلم. نتتبع مصائر
شخصيات تتصارع مع المخلفات القاسية للحرب. يجثم ماضي الأم الغامض على
يوميات ابنتها. تريد سارا الذهاب في رحلة مدرسيّة، لكنّ والدتها العاملة في
مصنع أحذية لا تملك نفقتها. حين تعلن المدرسة أن أبناء الشهداء يمكنهم
الذهاب مجاناً، تفرح الطفلة معتقدةً أنها تندرج ضمن تلك الفئة، قبل أن
تكتشف ماضي والدتها. كانت إسما واحدة من آلاف الصربيات اللواتي اغتُصبن على
نحو منهجي في معتقلات التعذيب. تحاصر ياسميلا زبانيتش شخصياتها بأعباء حرب
قاسية، هنا مقابر جماعية لا تزال مفتوحة، وأوضاع معيشيّة قاسة. «غرابافيشتا»
شريط عن ضرورة النسيان... تلك المهمّة المستحيلة.
الأخبار اللبنانية في
02/08/2010
Twilight
٣: قرية رحبانيّة اسمها أميركا
عماد خشان
Eclipse
أو «كسوف»، الجزء الثالث من سلسلة
Twilight
الملحميّة الشهيرة، يواصل حكاية الطالبة الثانوية بيلا سوان (كريستن
ستيوارت) وحياتها في مدينة سياتل في ولاية واشنطن، حيث تعيش مع والدها
الشرطي تشارلي، وتذهب بطريقة طبيعية إلى مدرستها الثانوية مع زملائها من
البشر العاديين والبشر «المستذئبين» ومصّاصي الدماء... وكما في الجزءين
السابقين
Twilight (٢٠٠٨) وTwilight
new moon (٢٠٠٩)، يفتح الشريط على عالم مثالي يسوده الحب والوئام، وتوضع فيه
الفروق بين الأجناس والأعراق جانباً، وفق اتفاقيات تطبّق بحذافيرها خوفاً
من اندلاع حروب مدمرة.
سلسة الأفلام المبنية على روايات وقّعتها الأميركيّة ستيفاني ماير،
حققت في أجزائها الثلاثة حوالى مليار دولار، أي ما يوازي عشرة أضعاف كلفتها
التي بلغت حوالى 150 مليون دولار. في
Eclipse
الذي يخرجه دايفد سلايد، تستمرّ حيرة بيلا بين مصّاص الدماء الشاب إدوارد
(روبرت باتينسون)، وصديقها «المستذئب» جاكوب (تايلار لوتنار)... هكذا يدور
الفيلم في جزء كبير منه حول الصراع بين العاشقين المتيّمين والفتاة التائهة
بينهما، إضافةً إلى الصراع التقليدي بين الخير والشر.
مصّاصو الدماء في «كسوف» لهم مشاعر وحق في الوجود
والأخيار هنا هم مصّاصو الدماء «المهذبون» والمحافظون على عهودهم، في
مقابل الجيل الجديد من مصّاصي الدماء الذين يريدون كسر التوافق مع الأجناس
الأخرى. يسود توازن حذر في العلاقات، فكلّ شيء معلّق على قشة قد تقصم ظهر
التعايش والإخاء. كأنّنا في ضيعة الرحابنة، وفي حكاية بنت الضيعة الجميلة
التي يمكن أن تقع في حب أكثر من غريب هذه المرة، ما دام لن يسرق الجرة. هذا
النوع من الأفلام الموجهة إلى المراهقين يركّز على رسالة التسامح وقبول
الآخر والاستعداد للعيش معه من دون أفكار مسبقة. لكنّه نجح في استقطاب
جمهور من الراشدين أيضاً.
ليست سلسلة
Twilight
أول عمل سينمائي يتناول مصّاصي الدماء، لكنّها تصوّرهم كائنات ذات مشاعر
وأحاسيس. السلسلة كلّها دعوة إلى الترويج لذلك المنهاج المسالم الذي يقبل
الجميع رغم كل الفروق، ما دام الجميع يحيون بسلام ضمن القانون. وهذا
باختصار هو عنوان التجربة الأميركية كبلد مهاجرين، وكنقطة التقاء الطبيعة
مع الحضارة، والوحشية مع المدنية، والأسطورة مع العلم... جاكوب وجمع
«المستذئبين» في العمل اختيروا من المنحدرين من الهنود الحمر...
في النهاية، هل ستجد بيلا نفسها زوجة لرجلين أم زوجة رجل وعشيقة آخر؟
لمعرفة الإجابة، علينا انتظار الأجزاء المقبلة من
Twilight تحت عنوان
Breaking
Dawn وستكون في فيلمين يعرضان في الـ2011
و2012.
الأخبار اللبنانية في
02/08/2010
محمد سعد أضاع «اللمبي» في قاع المدينة
وائل عبد الفتاح
بعد خمسة أفلام، ما زال نجم الشبّاك المصري مهرّجاً... لم يعرف كيف
يرتقي بشخصيّته إلى منزلة الفيلسوف الشعبي كما حصل مع فؤاد المهندس أو
إسماعيل ياسين
لماذا فشل «اللمبي ٨ جيجا»؟ ما حدث ليس نهاية فيلم، لكنه مصير شخصية،
لها ظل في الواقع، ومرآة لها في السينما. كيف سارَ محمد سعد بأللمبي إلى
نهايته؟ محمد سعد يشبه الإفيه (effet):
قوي وخاطف، يترك أثراً. ابن فوضى، عفوي، يخرج من تحت خبرات ثقيلة. مربك،
يدمّر كيانات أقامها المجتمع ونسيها بعدما استقرّت عليها سعادته. تدمير
يخفي سرّه في عفوية شخصية «اللمبي».
شخصية فريدة، وطازجة تكوّنت من بقايا أفكار، وقيم، وأخلاق فقدت هيئتها
الأولى، وتآكلت، وتجمّعت في كيان لا يمكن توصيفه بأوصاف تقليدية. اللمبي هو
«حثالة» المدن. ليس صعلوكاً، ولا ابن البلد الشعبي ولا الفقير المعدم.
هو «حثالة» تعيش بين فواصل الطبقات. لا وعي خاص، ولا سياق تعيش فيه.
تغضب أحياناً من السلطة، وتصل بغضبها إلى الحافة، فتكسر وتحرق. وبعد قليل،
يمكنها أن تصبح في الطرف الآخر، والحماسة والتدمير نفسيهما. حثالة تفجّر
الكوميديا من صندوق بقايا بشرية.
يمكن من باب الفلسفة عدّها نوعاً عشوائياً من الغضب والسخط على كل
المؤسسات القائمة، بدءاً من مؤسسات السياسة إلى مؤسسات القيم والأخلاق، ومن
العائلة إلى المدرسة، مروراً طبعاً بمؤسسات السلطة التي لا تطارد سوى
«الغلابة» والضعفاء، بينما تحمي الأقوياء، والمسنودين إلى حائط النفوذ.
اللمبي هو هذا الكائن المسخ الذي ولد بعد سنوات طويلة من الصمت
والعجز. يتحدّث بكلمات غير مفهومة، ويعبّر بنصف لسان وحركات فوضوية. فتى من
حي شعبي يعتقد بأنّه يملك قدرات خرافية: «أنا ممكن أقطع الكهربا عن الحي
كله، أنا اللمبي اللي الزلزال يزلزل الدنيا وما يهزنيش». ويشعر بثأر مع
الدنيا، لأنّ حظه لا يناسب قدراته التي يتخيلها. لهذا، يتوعد الناس كلهم في
جملة يكرّرها كثيراً «طيب يا بني آدمين».
قاموس ينتمي إلى لغة سوقية، فاضح في أخلاقه. يشرب البيرة علناً،
ويدخّن الحشيش والبانجو. ويعلن حبه، ويتبجح على الدنيا كلها. لكنّه في
الوقت عينه، رقيق وخجول ورومانسي على طريقته.
يتدخل في كل شيء: تدخّل مفرط من دون علم ولا دراية. يرقص، ويغنّي،
ويبيع نفايات الطعام، ويقول الشعر وينظِّر في الحب. يشعر دائماً بالخطر.
وهو في الوقت نفسه مصدر الخطر الأول. اللمبي لا يشبه أحداً. وعلى رغم
الإعجاب، فإنّه ليس البطل الذي يتوحّد معه الجمهور، يعجب بمشاعره الخشنة
والبريئة، وبتصدّيه للمخاطر بسهولة، وبمعارفه التي لا يضمها سياق. لكنّ هذا
الجمهور لن يكون مثله. يستمدّ اللمبي ثقافته ومفاهيمه غالباً من الفجاجة.
كل شيء في حالته العارية. لا تنميق ولا عناوين براقة.
ليس من «المهمّشين» الذين كانوا أبطال سينما الثمانينيات
شخصية يمكن أن تراها كثيراً في المعسكرات البشرية التي تسمّيها
الحكومة مساكن شعبية. محمد سعد ولد هناك في بيت صغير في منطقة زينهم (ثاني
أكبر منطقة عشوائية في القاهرة)، والتقط بخبرة فطرية ملامح الشخصية. وهي
كلّها لا تعتمد فقط على الإفيهات الخشنة والخاصة. لكنّها تعتمد أيضاً على
الصمت. صمت الدهشة حين يقابل اللمبي شيئاً عصياً على الفهم، فترتسم ملامح
البلاهة والغفلة على وجه «الوحش» المخيف للمنطقة. وهو وحش، لكنّه جبان في
الوقت عينه. وفي وحشيته وخوفه، شيء خاص بكائن «تجميع» وليس أصيلاً. وهذا ما
لم يلتقطه عدد كبير من مثقفين تقليديين، حاولوا أن يبحثوا في اللمبي عن
مصدر قيم أو موديل للحياة. هؤلاء عدّوه رمزاً للانحطاط، كما حدث قبلاً مع
أحمد عدوية حين كان المثقفون ينظرون إليه على أنّه رمز الانحطاط. ثم ظهر
أنّ عدم تذوق هذا اللون من الغناء، يرجع إلى ثقافة محدودة ونرجسية لا ترى
أبعد من مزاجها وذوقها. وتكرّر هذا مع اللمبي ومحمد سعد. المثقف من هذا
النوع يبحث عن موديل، واللمبي هو نفاية كل موديل. هو ضد أخلاق الطبقة
الوسطى ومعها في الوقت عينه... فيلم اللمبي الأول، انتهى بمشهد لمحمد سعد
وهو يعلّم ابنه الكومبيوتر، ويرتدي «روباً» منزلياً كالذي يرتديه كل نجوم
الطبقة الوسطى في أفلام عزّها. وفي اللمبي الثاني، اشترك في المخ نفسه مع
ضابط شرطة أمين وغير فاسد، لكنه عنيف مع المجرمين (استبدل دماغ الضابط
بدماغ اللمبي). إنّها علاقة متوترة في المدرسة والسجن، أشهر مصانع القيم
وورش تخليق المواطن المثالي. لكنّه توتر تحت السيطرة، ينتهي نهايةً سعيدة.
لا شيء يبرر بطولة اللمبي وأخواته سوى هزائم متكررة في الحياة. ليس
البطل الضد مثل روبرت دي نيرو في «سائق التاكسي»، أو أحمد زكي في أفلام
الثمانينيات. ولا هو من «المهمّشين» الذين كانوا أبطال سينما الثمانينيات،
كما صنعها محمد خان، وخيري بشارة، وداوود عبد السيد، ومن بعدهم رضوان
الكاشف...اللمبي وإخوته من صنع شخص واحد هو: محمد سعد. الشخصية تأكل
الفيلم، وصورتها تقدّم كما هي من دون نظرة من خارجها. يعتمد محمد سعد في
تقديمها على التضخيم، والاستعارة، في شكل أقرب إلى الكاريكاتور.
الاعتماد الأساسي على صورة وصوت مستعارين، وطريقة مبالغ فيها في
الحركة. وهنا تأتي أهمية الجسد في هذا الأسلوب. الجسد لين ومطيع، والممثل
يبذل جهداً خارقاً لإطلاقه حراً في مشاهد سائلة. وهي قدرات لا يملكها
الكثير من النجوم المنافسين لمحمد سعد الذي سار مع اللمبي إلى النهاية.
تصرّف بعشوائية اللمبي، وسار باختياراته إلى طريق مسدود.
اللمبي شخصية صنعت نجومية محمد سعد الطاغية. جعلته صانع الملايين
للمنتجين، ونقلته من ممثّل مطحون مضطهد إلى موقع النجم الأول. الانتقال جرى
في عصر سينمائي يتسم بالتعجّل وعبادة التفاهة. التفاهة اختيار مختلف عن
التسلية أو البساطة أو الخفة. التفاهة اختيار لصيد سهل من السطح الأول.لم
يدرك صنّاع «اللمبي» أنّه يمكن اللعب معها بعمق، كي تحيا مثل شخصية إسماعيل
ياسين القروي الآتي إلى مدينة تتغير بفعل الثورة، أو فؤاد المهندس الموظف
في لحظة صعوده وسط طبقات الأرستقراطية القديمة. هذه الخلفيات تجعل
الكوميديان أقرب إلى فيلسوف شعبي، وليس مجرد مهرّج يثير الضحكات والقفشات
السريعة العابرة. تجعله أقرب إلى شارلي شابلن الذي كان يمثّل الإنسان
الصغير في مواجهة أخطار الحضارة الحديثة. ولوريل وهاردي قدّما مجموعة
أفلام، وفي خلفياتها القلق وأكبر انجازين لهذه الحضارة: البيت والسيارة.
وفي كل مرة، ينتهي الفيلم بمشهد التدمير كأنّها رسالة إلى حضارة كاملة. كل
هذا بخفّة وعمق ترتقي بالكوميديا إلى مصاف الفلسفة.
محمد سعد أكثر نجوم ما بعد «إسماعيلية رايح جاي» (1997) موهبةً في
التمثيل. لكنه مثل اللمبي يسير ضد مصلحته. عشوائي تضخّم فجأة، وأصابته
بارانويا النجم الأوحد الذي يخرج لنفسه تقريباً.
وبدلاً من توسيع مجاله بالاعتماد على عناصر أخرى في التفكير والفن،
يتصوّر محمد سعد أنّه إله الفيلم الأوحد، قادر على صناعة معجزات، فلاحقه
الفشل من فيلم إلى آخر. ولو كان اللمبي مكان محمد سعد، لما كانت اختياراته
ستتغير.
النجم الرقم واحد
الممثل الكوميدي الشهير محمد سعد (1961) عرف الشهرة قبل ثماني سنوات
حين ظهر في فيلم «اللمبي»، محقّقاً إيرادات تفوقت على عادل إمام ومحمد
هنيدي. وبعد عام، ألحقه بشريط «اللي بالي بالك» الذي حقّق نجاحاً أكبر، ثم
«عوكل» و«بوحة». وحققت الأفلام الأربعة التي اعتمدت على شخصية «اللمبي»
إيرادات تجاوزت 20 مليون دولار، ليصبح سعد النجم الرقم واحد في شباك
التذاكر المصري.
الأخبار اللبنانية في
02/08/2010 |