رشدي أباظة ساحر السينما والنساء، وفارس أحلام البنات، ودون جوان
الشاشة، علامة كبيرة في تاريخ السينما المصرية، فعلى مدار ربع قرن من
الزمان برع في تجسيد مختلف الأدوار ببراعة، استمد جزءا من شعبيته من
جاذبيته القاتلة للنساء، تلك الجاذبية الساحرة التي لم تنطفئ أو تذبل بعد
تقدمه في العمر بل زادت بريقا وتوهجا.
30 عاما مضت منذ رحيله الحزين، 30 عاما ولا تزال ذكراه في القلب
نابضة. ثلاثون عاما ولا يزال شريكا وشاهدا على كل قصص الحب بانكساراتها
وانتصاراتها.
لم يأخذ الفنان الكبير رشدي أباظة حقه، ولم يلق التكريم الذي يليق به،
وبعد كل ما قدمه من عطاء متدفق، لا يجد من يتذكره، كأن السينما أو الفن
عموما يمكن أن تنجب واحدا مثله كل يوم، ولا أحد يدري حتى الآن لماذا لم
يحاول أو يفكر أي منتج في تقديم مسلسل يتناول حياة رشدي أباظة الذي لم تجد
السينما شبيها أو خليفة له حتى الآن، لأنه جسد صورة الفتى الأول المليء
بالشباب الذي يعجب الفتيات والنساء من كل الأعمار، كانت أفلامه تضرب أرقاما
قياسية في الأرباح والبيع الخارجي، هذه الأفلام لا يمل الناس من رؤيتها.
ولا تدعي الأجيال التي لم تعاصره أنها أفلام مملة مثلا.
اجتمعت فى رشدي أباظة الجاذبية والشقاوة وخفة الدم والأداء القوي
والحضور الطاغي والاتقان والتمرد على المألوف، وإلى الآن ما زال الجمهور
يتمنى ظهور نجم وسيم في السينما بمواصفات رشدي أباظة الذي تستطيع أن تراهن
عليه لمدى طويل، استطاع تغيير الصورة التقليدية لرجل العصابات، كما هي
الحال في عصابة فيلم «الرجل الثاني» عام 1959، فلم تعد غلظة الملامح
والسلوك وتشوهات الوجه من شروط المجرم، ولكن من الممكن أن يخفي الوجه
الشفاف والسلوك المهذب أخطر أنواع الشر.
إنسان متواضع
يكفى أن نعرف أنه رغم، انتماء مفتول العضلات رشدي أباظة، لإحدى أشهر
العائلات المصرية الكبيرة، لكنه لم يتباه بأسرته العريقة، فأصدقاؤه
المقربون كانوا من عمال الإضاءة ومن المستويات الاجتماعية الأقل منه،
وعندما أقول أصدقاء فأنا أعني الصداقة المقربة، وأتذكر أنه فى الكثير من
أفلامه كان عندما يذهب إليه أحد العمال ليشكو إليه امرا ما، كان يتوقف عن
التصوير حتى يأتي له بحقه سواء من المخرج أو المنتج أو أي انسان مهما بلغ
شأنه، كان في أعماقه إنسانا متواضعا للغاية، ولم يكن يرى أنه نجم بل كان
يتعامل بمبدأ إنسان جاءته الشهرة عن طريق الخطأ، وقبل أن أنهي حديثي عن
رشدي أباظة بمناسبة ذكرى رحيله الـ 30 يوم الثلاثاء 27 يوليو الحالي أود
الاشارة إلى قصة غريبة لا يعرفها عنه أحد. اشترط إلا أنشرها إلا بعد وفاته.
وقد وعدته بذلك. وها أنذا أنفذ الوعد.
الضرة رقم «2»
هنا أرفع الستار عن سر لا يعرفه إلا عدد من الأصدقاء، لا يتجاوز عدد
أصابع اليد الواحدة. أرفع الستار عن قصة «الضرة» رقم 2 في حياة الراقصة
السمراء سامية جمال. فإن رشدي أباظة لم يتزوج صباح فقط، عندما كانت سامية
جمال على ذمته، وإنما تزوج من إمرأة أخرى، أُرغم على الاقتران بها.
مفتول العضلات، لم يتزوج خمس مرات فقط كما ذكر الذين تناولوا حياته
العاطفية، والسيدة نبيلة أباظة، أرملة صديقه وقريبه طاهر أباظة، ليست
الزوجة الخامسة، هي فقط الزوجة الأخيرة. الزوجة الخامسة لها قصة، والقصة
كانت في بيروت عام 1969.
في بيروت، أمضينا ليلة كاملة من الدموع، فقد دعانا الفنان الرقيق
الضاحك شوشو، إلى حفل افتتاح رواية جديدة له، وفوجئنا بالستار يسدل في
منتصف الفصل الثاني. وعرفنا الخبر المؤلم. عرفنا أن الرئيس جمال عبد الناصر
مات، واجتمعت شلة من الفنانين ضمت رشدي أباظة وناهد يسري وناهد شريف
والمخرج روميو لحود والممثلة سيلفانا بدرخان والمنتج والموزع السينمائي
المعروف يوسف الحاج. وبقينا طوال الليل في أحد صالونات فندق المارتينز نودع
زعيما رحل بفيض من دموع.
ورطة كبيرة
شريط ذكريات بيروت طويل، حافل ومثير، ولعل قصة «سوزان . ب»، هي أكثر
ما تعرض له رشدي أباظة اثارة في بيروت.
وسوزان فتاة من دمشق، كانت تعمل في الحقل السينمائي في لبنان،
التقاها رشدي أباظة يوم ذهب الى زيارة صديقه روميو لحود أثناء تصوير الفيلم
الأول والأخير الذي أخرجه «ملكة الحب» بطولة ناهد يسري وحسين فهمي وعادل
أدهم.
بدأ الحب بينهما من أول لقاء، ورأته سوزان، فحاولت التقرب منه ولكنه
صدها برفق. وتكررت المحاولة، بعد أن انضمت سوزان إلى أسرة العاملين في فيلم
أسندت إلى رشدي أباظة بطولته، هو فيلم «أعظم طفل في العالم».
وحدث خلاف بين المنتج وموزع الفيلم. وتوقف التصوير لفترة طويلة.
بدأت سوزان تتردد على رشدي أباظة بين وقت وآخر وانتهى تصوير الفيلم
بعد عقبات وعقبات. وعاد الابطال جميعا إلى القاهرة فيما عدا رشدي أباظة لم
يعد. وجاءت سامية جمال إلى بيروت، لتجده في ورطة لا يحسد عليها.
زواج بالإكراه
اكتشفت الزوجة الصابرة سامية جمال، أن أهل الفتاة التي تعمل في الحقل
السينمائي تقدموا بشكوى إلى الجهات المسؤولة يتهمون فيها النجم المصري
بالاعتداء على سوزان ويطالبونه باصلاح «غلطته» وإلا، ومثل هذه التهمة، ان
صحت، عقوبتها في القانون السجن. ومنع رشدي أباظة من مغادرة الأراضي
اللبنانية إلى حين الانتهاء من التحقيق في الشكوى. وعندما رأته سامية جمال
كان منهارا تماما. يمضي يومه كله غارقا في بحر من الخمر.
كان لابد من التضحية، ولابد أيضا من التفاهم. وسافر مفتول العضلات إلى
دمشق اكثر من مرة، للتفاهم مع أهل الفتاة التي شكته، تم الاتفاق على أن
يعقد عليها رشد أباظة ثم يطلقها. وتم الاتفاق أيضا على مبلغ كبير، يدفعه
رشدي أباظة تحت بند المهر، وكان لابد مما ليس منه بد. وامتثل رشدي أباظة
للشروط، وتم توقيع العقد، ثم أنهاه بالطلاق. وعاد رشدي أباظة إلى الوطن
تصحبه سامية جمال.
السطور الأخيرة
هكذا يطوى دفتر الحب في كتاب حياة حافلة جدا. وقصته مع زوجته الأخيرة
السيدة نبيلة أباظة، لم تكتمل فقداقترن بها، والمرض اللعين قد بدأ يدب في
كيانه، ويسري بسرعة من موقع إلى آخر، انه زواج انقاذ، انقاذ من الوحدة
والملل.
القبس الكويتية في
30/07/2010
رشدي أباظة.. نجم النجوم بحق!
محمد بدر الدين
رشدي أباظة الذي وُلد في 2 أغسطس (آب) عام 1926 ورحل في 27 يوليو
(تموز) عام 1980،
وقدّم أكثر من 150 فيلماً، هو {النجم} (بالألف واللام) في مسيرة السينما
المصرية بمواصفات نموذجية، هو {فتى الشاشة الأول} أو {سوبر ستار}، هو فتى
أو فارس
أحلام الصبايا ونجم الشباب المفضّل ليس لجيل بل أجيال!
إنه أسطورة من أساطير السينما المصرية... مثلما فاتن حمامة هي أسطورة
في هذه
السينما كسيدة تمثيل وحضور بلا مثيل ولها مكانتها الخاصة وسط الأساطير
وبريق مواهب
كبرى متعاقبة، ومثلما هند رستم هي أسطورة في هذه السينما كنجمة تمثيل جميل
بطابع
إغراء جذاب راق من غير ابتذال...
ظهر نموذج {النجم} فتى الشاشة قبل أباظة مع أنور وجدي وبعده مع حسين
فهمي على
سبيل المثال، وفي جيل أحدث كأحمد عز... لكن بقي رشدي أباظة، له بريقه
ومكانته التي
لا يطالها أحد في هذا المجال، ذلك أن حضوره فاق حضور غيره سواء قبله أو
بعده، ويعني
الحضور: الجاذبية، التأثير الخاص، الكاريزما، وهي معانٍ تتجاوز سمات الظرف
أو
الوسامة وإن كانت تتضمنهما.
إلى جانب هذا الحضور، تمتّع أباظة بملكات الممثل المقتدر وقدراته،
المتمكّن من
أداء أدوار متنوعة بكفاءة عالية ورهافة وإتقان، فهو ليس وجهاً جذاباً فحسب
إنما
ممثل قدير في الأساس.
أدى أباظة في البدايات أدواراً قصيرة لافتة كما في أفلام: {موعد
غرام}، {دليلة}، {ردّ
قلبي}، {لا أنام}... وقدم أدوار بطولة في أفلام عادية: {المشاغبون}،
{الشياطين
الثلاثة}، {المساجين الثلاثة}، {الشجعان الثلاثة}، ولمع على مدار مشواره
كنجم
{تحديات}
أو {محكات} حقيقية صعبة في أداء أدوار كبرى، فنجح فيها بامتياز واقتدار
وصارت من علامات السينما المصرية العربية بالأمس واليوم وغداً، من بينها:
{الزوجة 13} (مع شادية، حسن فايق، عبد المنعم ابراهيم)، {آه من حواء}
(مع لبنى
عبد العزيز، حسين رياض، مديحة سالم، عبد المنعم إبراهيم)، وهما فيلمان
بالغا
العذوبة يتمتعان بلمسة كوميدية أو روح مرح رقيقة ويعتبران من أهم أعمال
المخرج فطين
عبد الوهاب ويجذبان المشاهد على مدى أجيال مختلفة. {إمرأة على
الطريق} للمخرج عز
الدين ذو الفقار، يمتاز بروح درامية صعبة مشحونة بالأبعاد واللحظات النفسية
الدقيقة، {صراع على النيل} للمخرج عاطف سالم، وفي الفيلمين واجه بطلنا
اختباراً
للإرادة الإنسانية والمنطلق الرجولي الأخلاقي أمام إغراءات
أنوثة متفجّرة مصرّة على
الإغواء (لعلها الذروة في هذا المجال في مشوار السينما المصرية) شاركته
البطولة في
الفيلم الأول هدى سلطان، وفي الثاني هند رستم.
{شيء في صدري} و{غروب وشروق} يمتازان بمعالجة درامية ذات طابع سياسي
وكلاهما من
إخراج كمال الشيخ وضمن أنضج الأعمال التي تتصدر أفلامه.
في هذه الأفلام الستة المتميزة، وغيرها: {لا وقت للحب} إخراج صلاح أبو
سيف، {الرجل
الثاني} إخراج عز الدين ذو الفقار، {الطريق} إخراج حسام الدين مصطفى، {الحب
الضائع} إخراج بركات... واجه أباظة تحديات صعبة كممثل، وكان
على مستوى التحدي
والصعوبة واجتازهما بمهارة، على رغم التنوع الشديد في تلك الأدوار.
إذاً، ليس أباظة نجماً ذا شخصية جذابة وحضور فائق فحسب بل حلّق عالياً
في سماء
السينما ويستمرّ تأثيره طالما وجوده في حياتنا حقيقياً.
ويبقى أمر غريب أو لافت بالنسبة إلى أباظة، يتعلّق بحياته الشخصية
وسيرته. كان
له تأثير متميز، جميل وإيجابي، في حياة كل من تعامل معه وعرفه.
يتحدّث كمال الشناوي مثلاً باعتزاز عن أباظة، الذي لفته مبكراً وسرعان
ما أصبحا
صديقين. وإذا عدنا إلى حوارات مع زميلات له في مهنته: سعاد حسني، نادية
لطفي، يسرا
وغيرهن، نجد أنهن يتحدثن عنه بتقدير خاص واعتزاز واحترام جم وامتنان حقيقي
لفنان
صاحب مواقف {رجولية} على خلق {جدع ابن بلد وشهم}!
حتى إذا عدنا إلى أحاديث فنانات تزوّج بهن مثل تحية كاريوكا، وسواء
طال هذا
الزواج (سامية جمال)، أو قصر (صباح)... وجدنا أن كلاً منهن عندما تسأل عن
الرجل في
حياتها، تقول فوراً بحماسة ومن دون تردّد: {كان رشدي أباظة الرجل المثالي
في حياتي،
الرجل الإنسان الرائع بكل معنى الكلمة}.
الجريدة الكويتية في
30/07/2010 |