ظهرت الممثلة البريطانية العشرينية جيما أرترتون في أربعة أفلام
سينمائية منذ مطلع العام 2010، وهي: «تصادم العمالقة» و «أمير الفرس» و «تامارا
درو» المعروض في مهرجان «كان» الأخير، ثم «اختفاء أليس كريد». والطريف أن
هذه الأعمال تختلف جوهرياً إلى حد كبير وتتأرجح بين المغامرات الخيالية
العنيفة ثم العاطفة وأيضاً الإثارة والخوف، الأمر الذي يجعل من أرترتون
ممثلة يصعب تصنيفها خصوصاً أنها تضيف إلى ذلك كله ظهورها في آخر أفلام جيمس
بوند.
في باريس التقت «الحياة» أرترتون وحاورتها:
·
يبدو أن العام 2010 يشهد
انطلاقتك السينمائية في سماء النجمات الدوليات بما أنك توليت بطولة أربعة
أفلام ناجحة ومختلفة في مضمونها كلياً. حدثينا بالتالي عن أصلك وفصلك على
الصعيد الفني؟
- أنا في الحقيقة أعيش حكاية أغرب من الخيال إلى
درجة أنني في بعض الأوقات أعتبر نفسي في حلم على رغم أنني مستيقظة كلياً.
تخرجت في مدرسة الدراما الملكية «رادا» في لندن في عام 2007 وعثرت فوراً
على فرصة عمل فوق خشبة مسرح «غلوب» المرموق في مسرحية كلاسيكية لشكسبير.
وقد كللت هذه التجربة الفنية الأولى بالنجاح إذ حصلت على الدور النسائي
الأول في المسلسل التلفزيوني البريطاني «تيس دوربرفيل» المأخوذ عن الرواية
الشهيرة التي ألفها توماس هاردي وحولها السينمائي رومان بولانسكي إلى فيلم
سينمائي في عام 1976 من بطولة ناستاسيا كينسكي، بعنوان «تيس».
وهنا أيضاً أسعفني الحظ من طريق نجاح الحلقات، الأمر الذي جعلني أحصل
على دور ثان ولكن جيد في فيلم «كوانتوم أوف سوليس» الذي هو أخر أفلام جيمس
بوند. وهنا لاحظني أهل هوليوود وبدأت أحصل على أدوار أساسية في أفلام
أميركية مثل «تصادم العمالقة» ثم «أمير الفرس». وأنا أؤكد ما تقوله في
سؤالك أن السنة الحالية تشهد انطلاقتي السينمائية الدولية.
·
حضرت مهرجان «كان» الأخير لأن
الفيلم البريطاني «تامارا درو» كان مرشحاً في مسابقته ولأنك بطلة هذا العمل
المختلف تماماً عن أفلام المغامرات الأميركية التي ظهرتِ فيها. فهل هناك
جيما أرترتون هوليوودية وثانية أوروبية؟
- يبدو فعلاً أن الأمر كذلك فأنا لم أمثل في
هوليوود حتى الآن أي شيء سوى أدوار المغامرات، بينما راح السينمائي
البريطاني الكبير ستيفن فريرز يمنحني بطولة فيلمه الرومانسي «تامارا درو»
المأخوذ عن كتاب رسومات يروي مغامرات امرأة شابة تعود إلى القرية التي شهدت
طفولتها فتدير رؤوس الرجال فيها من دون أن تتعمد ذلك إطلاقاً. ولا علاقة
بين مثل هذا الفيلم وجيمس بوند ثم «أمير الفرس» أو «تصادم العمالقة». وأنا
في غاية السرور أمام هذا التنويع الفني لأنه يناسب رغبتي المهنية ويتلاءم
مع الطلبات التي أوجهها إلى وكيل أعمالي في شأن تفادي تخصصي في لون محدد.
·
ولكن ما الذي حثّ المخرج ستيفن
فريرز على إسناد بطولة فيلمه «تامارا درو» إلى ممثلة لمعت في أفلام من نوع
المغامرات بدلاً من اختيار فنانة أثبتت وجودها في الميدان الرومانسي أصلاً؟
- أنت تنسى أنني أديت بطولة حلقات «تيس دوربرفيل»
قبل أن تكتشفني هوليوود، وأن شخصية تيس في هذه الرواية في قمة الرومانسية.
وأنا حصلت على أراء إيجابية جداً في حينه من النقاد غير الرواج الجماهيري
الذي حققه المسلسل. ولا تتجاهل كون فريرز بريطانياً مثلي وليس من مخرجي
هوليوود، والمسلسل في حد ذاته بريطاني أيضاً، واعترف لي فريرز بأنه شاهده
واحتفظ بي في ذاكرته واعداً نفسه بالعمل معي في يوم ما. وقد أتى اليوم
الموعود عندما قرر فريرز نقل رواية «تامارا درو» إلى الشاشة الكبيرة.
·
هناك فيلم رابع تؤدين بطولته وهو
«اختفاء أليس كريد»، وهنا تسخّرين موهبتك بنجاح في خدمة فيلم مخيف ومثير
إلى أبعد حد. كيف وجدت نفسك في هذا المشروع؟
- أنا مدينة بكل صدق لوكيل أعمالي في ما يخص فوزي
بدور البطولة في هذا الفيلم، لأن السينمائي جي بليكسون لم يرغب في لقائي
بتاتاً ولا حتى من أجل إجراء اختبار أمام الكاميرا بخصوص الدور. فهو كان قد
شاهد فيلم جيمس بوند واعتبر الأمر كافياً للحكم علي واعتباري غير مناسبة
بالمرة للدور إياه. غير أنه كان يجدني جميلة أكثر من اللازم بالمقارنة مع
الصورة التي كان قد كونها في ذهنه عن الشخصية المعنية، وهنا تدخّل وكيل
أعمالي في المسألة وأكد للمخرج انني لا أمانع في تشويه مظهري بالماكياج
إضافة إلى كوني قادرة على التنويع التام في الشخصيات التي أؤديها في
السينما والتلفزيون والمسرح، ونصحه بلقائي قبل أن يحكم علي، مؤكداً له أنه
سيندم على إضاعة فرصة ذهبية إذا لم يخصص ساعة من وقته الثمين لمقابلتي.
وهذا ما حدث بالفعل إذ وافق بليكسون على لقائي نصف ساعة فقط ليرضي وكيل
أعمالي باسم الصداقة التي تجمعهما منذ سنوات طويلة. وقد جئت إلى الموعد من
دون ماكياج حتى لا أبدو جميلة أكثر من اللازم، وتصرفت بعد ذلك في شكل طبيعي
جداً من دون أدنى مبالغة لا في الكلام مع بليكسون ولا في أداء المشاهد التي
طلب مني تمثيلها أمامه والتي بدت صعبة إلى أبعد حد بما أن البطلة تقضي
الفيلم كله مخطوفة ومحبوسة ومكبلة في غرفة صغيرة مظلمة.
·
هل اقتنع بليكسون بك على الفور؟
- نعم، فهذا ما صرح به في ما بعد عندما أتصل بي
ليعلمني أنه منحني الدور وقد استغرق الأمر أكثر من ثلاثة أسابيع، بينما لم
يتفوه بكلمة واحدة عقب اللقاء مباشرة الأمر الذي جعلني واثقة كلياً بأنني
فشلت في الاختبار. ومن ناحية ثانية كان وكيل أعمالي خلال هذه الفترة يشجعني
ويطمئنني مؤكداً لي أن بليكسون يتيمز بمزاج صعب وأنه لا يترك لأحاسيسه
العنان ولا يصرح بها أو يتركها تظهر بوضوح أمام الغير. وعلى العموم فأنا
كدت أن أخسر الدور لأنني جميلة أكثر من اللازم. فجمالي الزائد ليس دائماً
لمصلحتي.
·
هل تميز تصوير الفيلم بصعوبة
كبيرة؟
- نعم، خصوصاً أن بليكسون اختار تصوير العدد
الأكبر من لقطات التعذيب في شكل متتال حتى أبدو فعلاً مضطربة نفسياً
ومتألمة جسدياً. كنت أتدرب في البيت على أداء هذه المشاهد ولكن واقع
التصوير كان يختلف لأنني مهما فعلت في منزلي لم أنجح في إعادة خلق جو
«بلاتوه» التصوير.
·
هل تركتْ هذه التجربة آثارها في
نفسك؟
- أنا أقنع نفسي بأن هذا الدور مثل غيره وأن
التنويع صلب مهنتي، ولكنني في النهاية تأثرت سلباً بحكاية الحبس وبالغطاء
الذي كان يعمي عيني وبالرباط الذي كان يكبل يدي. وظهرت في لقطات جريئة
جداً، وهو شيء لم يسهل علي الموضوع. أعتقد فعلاً بأنني لست مستعدة لمعاودة
تجربة من هذا النوع، وعلى الأقل قبل مضي فترة زمنية طويلة، وغير ذلك أنا
سعيدة بالنتيجة لأن الفيلم يتميز بنوعية ممتازة.
·
أنت في فيلم «تامارا درو» تؤدين
شخصية امرأة لجأت إلى الجراحة التجميلية. فهل تؤمنين شخصياً بهذه الطريقة
من أجل تحسين المظهر؟
- أنت تسألني بوضوح عما إذا كنت قد لجأت شخصياً
إلى الجراحة التجميلية أم إذا كانت المسألة سينمائية وحسب، أليس كذلك؟
·
أسألك عن رأيك في مدى ضرورة
اللجوء إلى الجراحة التجميلية؟
- أنها عملية شخصية جداً تخص كل فرد بحسب مدى ثقته
في نفسه ورؤيته لمظهره ولعيوبه. لا أسمح لنفسي بالحكم على غيري أو إعطاء أي
نصيحة في هذا الخصوص، وعن نفسي فلم ألجأ إلى الجراحة التجميلية حتى الآن
ولكنني لا أضمن ما الذي قد يحدث في المستقبل طبقاً لحالتي النفسية في مراحل
العمر المختلفة. وعن دوري في «تامارا درو» فهو خيالي من الألف إلى الياء.
·
عملت في «تصادم العمالقة» إلى
جانب الممثل العربي الأصل مولود عاشور ومرة ثانية مع روجيه علام في «تامارا
درو»، فهل تعرفين المنطقة العربية أو السينما العربية؟
- قضيت ثلاثة أشهر في المغرب لتصوير فيلم «أمير
الفرس»، استطعت خلالها التعرف إلى كثيرين من ابناء البلاد وليس فقط من
الذين عملوا في الفريق التقني للفيلم، فأنا بطبيعتي امرأة ذات فضول كبير،
وكنت أنتهز أدنى فرصة خارج أوقات التصوير كي أطلب من الشركة المنتجة سيارة
تقودني إلى مناطق بعيدة عن تلك التي كنا فيها، وكنت أزور وأكتشف وأتحدث
بالإنكليزية مع الكثيرين، وعدت من المغرب بذكريات كثيرة متنوعة لا علاقة
لها بالفيلم. وأنا سعيدة بهذه التجربة وهي الوحيدة لي حتى الآن في المنطقة
العربية. أما عن علام وعاشور فهما يتمتعان بروح فكاهية حوض متوسطية أقدرها
وتناسبني على رغم الاختلاف الجوهري بينهما في المزاج وفي العمر، ذلك أن
عاشور لا يزال في العشرينات من عمره وفي بداية مشواره الفني على عكس علام
الخمسيني الذي يعتبر من عمالقة المسرح البريطاني.
أما عن السينما العربية فلا أعرفها جيداً في الحقيقة وأحتاج إلى من
ينير ثقافتي في هذا الميدان.
الحياة اللندنية في
23/07/2010
كتاب - استعادة روح الفن
القاهرة - أمل الجمل
في أحد أيام عام 1965 كان هناك شاب قارب الثلاثين من العمر مولع
بالثقافة السينمائية على رغم دراسته الفلسفة بكلية الأداب. كان يملأه
الحماس لأن يُصبح مخرجاً سينمائياً. فقرر أن يعمل مساعد مخرج مع أستاذه
صلاح أبو سيف الذي كان يتوقع موافقته باعتباره أحد تلاميذه المقربين منه في
معهد السيناريو. عرض عليه الفكرة فنصحه الأخير ألَّا يفعل لأن عمل مساعد
المخرج سوف يشغله عن تعلم الإخراج، ثم منحه مجموعة استمارات ليقوم بملئها
بالمعلومات المتعلقة بكل لقطة أثناء التصوير مثل حجم العدسة، حركة
الكاميرا، الممثلين وحركتهم. في ذلك الوقت كان صلاح أبو سيف يستعد لإخراج
فيلمه «القاهرة 30» المأخوذ عن قصة نجيب محفوظ التي نُشرت باسم «القاهرة
الجديدة» ثم أُعيد طبعها تحت عنوان «فضيحة في القاهرة» تفادياً للرقابة. لم
ينتظر الشاب بداية التصوير بل أخذ يتردد يومياً على مكتب صلاح أبو سيف
ويُصاحبه في جميع تنقلاته المتعلقة بالإعداد للفيلم بدءاً من كتابة
السيناريو ومناقشته، وبناء الديكور ووضع الموسيقى وتصميم الرقصات واختيار
الممثلين والكومبارس. بدأ الشاب يكتب ملاحظات لنفسه عن كل شيء يجده جديراً
بالملاحظة، ثم واصل الكتابة في المراحل التالية لإنتاج الفيلم حتى لا تضيع
منه الدروس المستفادة. ولكن سرعان ما تطورت الفكرة لديه إذ خطر له أن يصنع
منها كتاباً يفيد به الآخرين ما أشعل حماسته لمزيد من المتابعة والتدقيق
والملاحظة والتسجيل والسؤال عن كل ما فاته أو انغلق عليه فهمه. بعد عام
ونصف العام خرج الكتاب إلى النور ليحمل عنوان «يوميات فيلم القاهرة 30»
بتوقيع هاشم النحاس. هذا الكتاب الذي صدر أواخر الستينات من القرن الماضي
تحمس له من جديد الروائي «يوسف القعيد» فأصدر منه طبعة جديدة حديثاً ضمن
سلسلة «نجيب محفوظ» التي يرأس تحريرها وتُصدرها الهيئة العامة للكتاب.
يتابع الكتاب عملية تحقيق «فيلم القاهرة 30» بكل مشاكله الفنية
والإنتاجية. يُجسد بحيوية نابضة على صفحاته ذلك العالم السينمائي المليء
بالعقبات والمفاجآت والعراقيل داخل وخارج البلاتوه. يكشف عن العلاقة
المتشابكة بين العاملين والفنانين والفنيين في الفيلم، ودور كل منهم، وجوهر
المهمة الإبداعية للمخرج، سواء قبل التصوير وأثناءه وبعده. يكشف كواليس
الفيلم وما بها من اعتذارات النجوم مثل أمين الهنيدي وفاطمة رشدي لأن
أدوارهم كانت ثانوية. هو كتاب مليء بالدروس العملية لمديري الإنتاج وكتّاب
السيناريو ودارسي الإخراج. فيه فصل كامل لوصف حركة الكاميرا مع حركة
الممثلين. في حين يُخصص فصل آخر للمقارنة بين ما كُتب في السيناريو وما ظهر
على الشاشة. يتضمن أيضاً في جزئه الأخير ما نُشر عن الفيلم في الصحف على
مدار ثلاثة أشهر حيث بلغ عدد مرات الكتابة عن الفيلم حوالى خمسين مرة،
فاهتدى هاشم النحاس إلى فكرة حصر كل ما نُشر عنه وتصنيفه وعرض أهم الأفكار
مع التركيز على ثلاثة منها على رغم اختلاف وجهات النظر فيها.
السيناريو واللقاءات الشخصية
يعتمد الكتاب على الملاحظة، وما تقتضيه من متابعة للتفاصيل، إلى جانب
المقابلة الشخصية للسؤال عن بعض المعلومات غير الواضحة. كذلك التعليق عليها
بأسلوب فني واضح وبسيط. يسرد الكتاب بدقة حكاية فيلم «القاهرة 30» منذ وقوع
«صلاح أبو سيف» في غرام رواية «القاهرة الجديدة» عندما قرأها عام 1945 لكن
الرقابة رفضتها فقد وصفها أحد رجال العهد البائد بأنها «صرخة طائر تُنذر
بالخطر» على حد وصف نجيب محفوظ. وتكرر هذا الرفض أربع مرات، بسبب بشاعة
تصرف الشخصيات ولأن الرواية تتحدث عن عفونة الوضع الاجتماعي وتُنذر
بانهياره. في المرة الخامسة عام 1964 وافقعت عليها الرقابة، أي بعد عشرين
سنةً من صدور الرواية. بعدها بدأ صلاح أبو سيف مع وفية خيري في كتابة
السيناريو، وأوكل إلى لطفي الخولي كتابة الحوار، ثم قُدم السيناريو إلى علي
الزرقاني لمراجعته، فاختصر هذا كثيراً من الحوار وأعاد كتابته، وغيّر في
بعض الشخصيات والأحداث. أجرى النحاس حواراً مع علي الزرقاني لمعرفة
ملاحظاته على السيناريو فتحدث عن إشكاليات القصة الأساسية وأن شخصياتها لا
تلتحم التحاماً درامياً، ولا يُؤثر أحدها في الآخر، ومن ثم ففي الفيلم لا
بد من تقابل الشخصيات وتبادل التأثير والتأثر بينها، كما أن القصة تفتقر
إلى شخصية محبوبة يشاركها الجمهور أفكارها ويتمثل قضيتها، والإشكالية
الثالثة سلبية (علي طه). كانت حلول الزرقاني أن يعثر على مواقف درامية
يوُجِد بها هذا التأثير والتأثر، كما أصر على حذف شخصية مأمون طالما أنه لا
ضرورة درامية لها في حين كان أبو سيف يرى العكس وفي النهاية انتصر الزرقاني
بموافقة نجيب محفوظ.
أثناء ذلك قدمت نسخ أخرى لأعضاء قسم السيناريو بالمؤسسة المصرية
العامة للسينما المنتجة للفيلم لدراسة السيناريو والحوار ومناقشته مع
المخرج. المفاجأة أن الجلسة انتهت إلى التأكيد على عدم الرضا عن السيناريو،
فالحوار طويل يحتاج الاختصار إلى النصف، بينما أجزاء أخرى تحتاج إلى إعادة
صياغة، كذلك اعترض البعض على استخدام المونولوغ في السينما لكن صلاح أبو
السيف أصر. تحفظ البعض على أن سقوط شخصية إحسان غير مبرر بدرجة كافية، وأن
أسلوبها في الكلام يرتفع كثيراً عن مستواها الثقافي. تطرق النقاش إلى مضمون
الرواية وأسباب حذف شخصية مأمون المتدين، وأن إبراز الحياة الاجتماعية وما
فيها من تفسخ يكاد يطغى على الصراع الفكري بين المبادئ بين قطبي الصراع
محجوب وعلي طه.
على مدار عام كامل ظل النقاش يروح ويجيء حول المعنى العام والموقف
الفكري، وروح الرواية والصراعات التي عاشتها مصر في الثلاثينات. استمرت
كتابة وإعادة كتابة السيناريو والحوار من يناير حتى أكتوبر. كان أبو سيف
يراجع تعديلات الزرقاني فيكتب ملاحظاته ثم يجري تعديلاته ويُقدم اقترحاته.
بعدها تُعقد جلسات مع أعضاء قسم السيناريو لمناقشة السيناريو من جديد.
زمنان متناقضان
واليوم تنبع أهمية الكتاب من أشياء عدة أولها أنه الكتاب الوحيد من
نوعه في تاريخ السينما المصرية والعربية، أنه يجمع بين العمق والبساطة ودقة
البحث، اضافة الى أن الفصل الأخير يُسلط الضوء غير المباشر على ثراء الحركة
النقدية وقتها. فعندما يكون فيلم في مستوى وأهمية «القاهرة 30» الذي أصبح
أحد كلاسيكيات السينما المصرية، وواحداً من أهم مئة فيلم في تاريخها، ثم
نقرأ نقداً يُحلل الفيلم بموضوعية ويتحدث عن نقاط ضعفه وسلبياته الفنية
جنباً إلى جنب مع محاسنه نكتشف حجم الهُوة السحيقة بين زمنين متناقضين،
ونُدرك حقيقة المأزق الذي يُعاني منه النقد السينمائي المصري في الوقت
الراهن.
مع ذلك، في تقديري، يبقى الجزء الخاص بالسيناريو من أمتع وأهم وأخطر
ما في الكتاب. لماذا؟ لأن السيناريو هو العنصر الأول العميق والمؤثر في
صناعة الفيلم. من دون سيناريو جيد لا يُمكن أن نصنع فيلماً جيداً حتى لو
أُتيحت أقوى وأعظم الإمكانيات المادية والتكنولوجية. ولا يكفي أن تكون
رواية «القاهرة الجديدة» عظيمة حتى نضمن فيلماً لافتاً مقتبساً عنها فما
أكثر الأفلام الرديئة المقتبسة عن روايات أدبية كبرى!
الحياة اللندنية في
23/07/2010
«بارودتي»
فجر يعقوب
يذهب المغني اللبناني عاصي الحلاني في أغنيته المصورة الجديدة «بارودتي»
إلى محاكاة المسلسل الشامي الشهير «باب الحارة» حتى يبدو الأمر معها وكأنها
قد انسلت للتو من ثنايا المسلسل المذكور. ليس الأمر صدفة بالطبع، وبخاصة أن
كل مكوناتها البصرية ترشح من ذلك الباب الذي لم يغلق بعد، وهي تصور على يد
المخرج السوري سيف الشيخ نجيب الذي لا نعرف مشاركة له من قريب أو بعيد
بالمسلسل إياه.
لا تعوز الحلاني الشهرة، كي نقول إنه أراد الاتكاء على شهرة المسلسل
السوري ليحقق له ولأغنيته انتشاراً من أي نوع، فهو «فارس الأغنية العربية»
كما يحلو للفضائيات أن تقدمه للشباب العربي. وبغض النظر عن أهمية وأحقية
اللقب، والألقاب الكثيرة التي تنفرد بها ساحة الغناء العربي، فإن المغني
اللبناني نجم من نجوم الأغنية الشبابية الجديدة، وهذا أمر ليس بخاف على
أحد، وما نفعله هنا قد لا يسهم بشكل أو بآخر إضافة شيء ذي معنى إلى هذه
النجومية. ولكن ما تفعله أغنية «بارودتي»، انما يشكل تراجعاً عن الخط
البصري المتقدم نوعاً ما الذي توصل إليه عاصي الحلاني في بعض أغانيه
المصورة وهي حققت جاذبية متقدمة على ما شاهدناه الآن من كر وفر على ظهور
الأحصنة العربية الأصيلة، فيما الأعداء يسقطون تباعاً في ساحات الوغى،
والفارس العربي الشهم يقوم على حصانه، ولا يبخل بالذود عن الحمى والأخلاق
والبيت العتيد كما كرستها سلسلة «باب الحارة» الشهيرة!
حتى وقت قريب كنا توصلنا إلى قناعة مفادها أن بعض الأغنيات العربية
المصورة أصبحت تحاكي في درجات تطورها بعض أفضل النتاجات العالمية، لجهة
الصورة واللون والأداء، ولكننا نفاجأ اليوم بالعودة إلى محاكاة مسلسل يعاني
من اشكالات كثيرة في النص والمعنى وقراءة التاريخ القريب بما يضمن إنصاف
تلك الحقبة لا تسويغ الكثير من القيم المجحفة بحق البيت والمرأة الشامية،
وبالتالي التراجع عن الكثير من «التفوق اللوني والبصري» لحساب صورة أقل ما
يقال فيها هو عاديتها.
«بارودتي» بهذا المعنى لا تشكل إضافة مهمة إلى
الأغنية العربية المصورة حتى لو سلّم فيها المغني اللبناني النجم (البارودة)
من بعد إصابته على ظهر فرسه ومصرعه المفاجئ إلى الوليد عاصي الحلاني ليكمل
المشوار من بعده. ذلك أن المفردات البصرية التي تستلهمها وقعت في مطب
التقليد وليس المحاكاة فقط، وبالتالي، فإن «بارودتي» تشكل تراجعاً في مشوار
الحلاني المصور – على الأقل – ولا تقدم إضافة إلى العالم الشامي المفتوح
حتى أجل غير مسمى.
وبالطبع ليس سبب هذا التراجع وقوف مخرج شامي وراء الأغنية، وانما
المحاكاة العمياء للمسلسل نفسه الذي خفت بريقه كثيراً في الآونة الأخيرة،
ولذلك قولنا ان الأغنية تشكل تراجعاً بصرياً وكلامياً، يعني بشكل أو بآخر
إن الدراما التلفزيونية أخذت تغطي على أغنية مصورة بدت لنا متطورة حيناً
ومؤنسة في بعض نماذجها ومتجاوزة للكثير من القيم التلفزيونية المترهلة
والثقيلة.
الحياة اللندنية في
23/07/2010 |