«الفرقة أ»:
الاقدام على نقل مسلسل تلفزيوني شعبي إلى فيلم سينمائي، فيه الكثير من
المخاطرة ويتطلب شجاعة كافية. فتحويل مسلسل يعود الى فترات زمنية بعيدة
مهمة يتجنبها الكثير من المخرجين لأنه يتطلب جهدا مضاعفا يتمثل في ايجاد
قصة قوية معاصرة تحمل الروح القديمة نفسها وصعوبة الاحتفاظ بطعم وروح
المسلسل نفسه. ونماذج الاخفاق في هذا المجال كثيرة ومنها على سبيل المثال:
الفيلم الأخير المقتبس عن مسلسل «الجنس والمدينة» والذي شكل كارثة
سينمائية، وفيلم «نائب ميامي». في المقابل حقق مسلسل «المهمة المستحيلة»
عندما نقل الى السينما نجاحا جيدا مثل الذي يحققه الآن فيلم «الفرقة أ».
الفيلم حول عن مسلسل تلفزيوني عرض في مطلع ثمانينيات القرن الفائت،
واشتهر بجاذبية أبطاله الأربعة الذين شكلوا فريقا نادرا، أكمل أحدهما
الآخر. لقد تمتعوا جميعا بقدرات جسمانية ومهارات تقنية، بها صنعوا دبابات
وصواريخ من قطع معدنية بسيطة ومن بقايا بلاستيك مهملة. هذه المجموعة التي
مثلت شلة من خبراء حرب فيتنام تحضر هذه المرة بصفتها مجموعة خاصة كلفت
بمهمة خطرة في العراق بعد غزو الكويت. وبعد نجاحهم في الحصول على «كليشيهات»
لطباعة الدولار سبق لنظام صدام ان استخدمها في طبع ملايين الدولارات
المزيفة وطرحها في السوق السوداء. بعد انجازهم للمهمة، وجدوا أنفسهم واقفين
أمام القضاء العسكري متهمين بجريمة قتل أحد الضباط الكبار والتورط في اخفاء
العدة الطباعية المزورة. لقد اكتشف الفريق الذي لا يقهر وهو داخل السجن أنه
وقع ضحية خطة قذرة استدرجوا اليها ففقدوا اثرها سمعتهم بعدما جردوا من
سلاحهم، فصار لزاما عليهم الخروج من السجن وكشف الحقيقة واستعادة شرفهم.
بنى المخرج جوي كارناهان فيلمه على هذه القصة ليستعيد حضور الشخصيات
الأربع الى الشاشة الكبيرة. الممثل ليام نيسون لعب بمهارة دور قائد
المجموعة الكابتن سميث هانيبال، والى جانبه الممثلون برادلي كوبر وشارلتو
كوبلي وكوينتون جاكسون. هؤلاء جميعا تميزوا بأدائهم السريع والمرح. وعلى
مستوى الموضوع فإن جانبه الجيد تمثل في نقل المعركة الى الداخل الأميركي،
حيث الفساد داخل المؤسسة العسكرية وبعض المتنفذين فيها شركاء للخصوم. ومع
تخلص «الفرقة أ» ببعض ما لصق بالمسلسل من تهم بالعنصرية والافراط في
الايحاء الجنسي، يكون الفيلم قد قدم مثالا جيدا للتجارب الناجحة في نقل
المسلسلات التلفزيونية الى أفلام سينمائية.
الأسبوعية العراقية في
18/07/2010
«السر
في عيونهم»..
دراسة في البحث عن الحب والعدالة!
كتب
محمود عبد
الشكور
قبل أن أشاهد الفيلم الأرجنتيني «The secrets in their Eyes»
أو «السر
في عيونهم» الذي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في الدورة الأخيرة
لجوائز الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم السينما (رقم 82) كنت
أستنكر أن يقارن
بالفيلم الألماني المنافس الذي تحمست لفوزه بالجائزة «الشريط الأبيض» بعد
المشاهدة
أستطيع أن أحدثك عن عمل أرجنتيني متميز جداً كان يستحق بالفعل المنافسة ضمن
قائمة
الأفلام الأخيرة وإن كنت مازلت متعاطفاً مع الشريط الأبيض!
رغم ذلك لن
يمنعني هذا التعاطف من إعطاء فيلم السر في عيونهم حقاً خاصة أنه يرتدي
ثوباً
بوليسياً خادعاً يوحي بالسطحية والتقليدية مثل عشرات الأفلام
البوليسية التي تتناول
جرائم القتل واكتشاف القاتل، وأعتقد أن الذين اعتبروا الفيلم سيئاً
استقبلوه علي
هذا النحو الخادع، والحقيقة أنني لم أجد «السر في عيونهم» فيلماً بوليسياً
رغم
إطاره الخارجي التقليدي، بل إنني أذهب إلي القول بأن الوصول
إلي القاتل والقبض عليه
والحصول علي اعترافه من أضعف خطوط الفيلم.. الاستقبال الصحيح مع هذا الفيلم
أن
تعتبر حدوث الجريمة والبحث عن القاتل وسيلة لتحليل نفوس شخصياته الثرية،
ولمحاولة
رصد سعي الإنسان الأزلي للبحث عن قيمتين لا يمكن الحياة بدونهما: الحب
والعدالة،
والإضافة الحقيقية للفيلم المأخوذ عن رواية بعنوان «السؤال في
عيونهم» في هذا الربط
بين الحب والعدالة. الحب أو بمعني أدق الشغف الشديد بالمحبوب هو الذي يحرك
الأحداث
جميعها، وبطل الفيلم لا يمكنه الوصول إلي خيوط الحقيقة في الجريمة البشعة
محور
الفيلم إلا بتحليل دوافع العشق والعشاق، وتكون مكافأة البطل في
النهاية أن يقترب من
الاثنين معاً: الحب والعدالة.
الإضافة الثانية في المعالجة السينمائية
الممتازة في المزج البارع بين أفلام الجريمة والأفلام الرومانتيكية بدرجة
مدهشة من
الاتقان والإقناع والتأثير، في الفيلم مشاهد شديدة العنف والقسوة (قتل
واغتصاب)
ومشاهد رومانسية شديدة الرقة والجمال، هناك حوارات واقعية قاسية مليئة
بأقذع
الألفاظ، ولكن هناك حوارات (والحوار عموماً من أمل ما سمعت في السنوات
الأخيرة)
شديدة العذوبة والظرف، حتي استغلال لغة العيون في الفيلم، التي تستحق
التفاتاً
كبيراً يتم علي الاتجاهين: اكتشاف نظرات الغدر والشهوانية والخوف واكتشاف
نظرات
كتمان الحب والتصريح به والرغبة في الآخر والهروب منه، بل إن كلمة
«الأسرار» نفسها
تستخدم بالمعني المزدوج: سر الجريمة والقتل والاغتصاب، وسر
العشاق الذين باحوا
بعشقهم، أو أولئك الذين كتموه في صدورهم.
نحن إذن أمام دراما رومانسية تحرك
أحداثها جريمة قتل تؤجل تحقيق العدالة فيها تطورات سياسية عاشتها الأرجنتين
في
السبعينيات من القرن العشرين، لذلك أقول إن القراءة السطحية للفيلم تجعلك
تنخدع في
بساطة البناء مع أنه شديد التركيب، وينطلق السيناريو ببراعة كما سنشرح بين
أنواع
مختلفة من الأفلام أقرب ما تكون إلي الصناديق المتداخلة: في
القلب المحور الرومانسي
وهو أساس الحكاية بأكملها، وفي صندوق أكثر اتساعاً محور الجريمة والبحث عن
القاتل،
وفي صندوق أكثر اتساعاً يحوي الصندوقين السابقين المحور السياسي، ويغلف هذه
الصناديق الثلاثة غلاف لامع هو الزمن الذي يستغرق 25 عاماً من
عمر الأرجنتين ومن
عمر الشخصيات الفيلم المركب الذي أخرجه ببراعة وتمكن «خوان خوزيه كامبنيلا».
لن أقوم بسرد أحداث الفيلم بطريقة تقليدية، ولكنني سأستخدم هذه الدوائر
التي تحرك فيها السيناريو باقتدار دون أن يخلط بين ماهو أساسي
وما هو فرعي مثلما
يفعل كتاب السيناريو المبتدئون، البناء بأكمله قائم علي دائرة الحب حيث
يمكن رصد
ثلاث علاقات ستتجمع في بؤرة الجريم: الحب الصامت بين المحقق - بطل الفيلم
- «بنجامين اسبوزيتو» الممثل الرائع «ريكاردو دارين»، وبين زميلته في
العمل «ايرين»،
والحب الواضح بين رجل البنوك «ريكاردو مورليس» وزوجته «ليليانا كلوتو» التي
سيعثر
علي جثتها مقتولة ومغتصبة، والحب القديم - ربما من طرف واحد ـ بين الشاب «جوميز»
و«ليليانا» منذ سنوات الطفولة، وفي دائرة
الجريمة ستقتل «ليليانا» وسيحاول
«اسبوزيتو»
و«إيرين» حل اللغز والوصول إلي العدالة في القضية ولكن من خلال كشف
علاقة «ليليانا» بزوجها أو بصديقها القديم «جوميز»، وفي الدائرة الثالثة
السياسية
ستتم إدانة «جوميز» بعد اعترافه بقتل «ليليانا» التي رفضت
استعادة العلاقة، لقد
انضم إلي الحزب البيروني في الأرجنتين وأصبح «بودي جارد» ومسئولاً عن تصفية
الشيوعيين، والدائرة الرابعة وهي الزمن.. تستغرق ربع القرن من لحظة - تولي
ـ
اسبوزيتو» القضية في يونيو عام 1974 حتي تقاعده عن العمل
وتفكيره في كتابة رواية عن
هذا اللغز الذي سيتم استكماله في المشاهد الأخيرة، ثم يستعيد مع الجريمة كل
ذكرياته
السابقة مع «إيرين» التي أصبحت زوجة وأماً تشغل منصب المدعي العام، ولكن كل
ذلك لن
يمنع من أن تفضحها عيونها برغبة العودة إلي «اسبوزيتو».
بناء رائع متعدد
الطبقات تدعمه شخصيات مساعدة واضحة المعالم مثل «بابلو ساندوفال» مساعد «اسبوزيتو»
السكير الذي يساعده علي مطاردة «جوميز»، ثم يدفع حياته ثمناً لحماية صديقه،
ومثل «رومانو» رئيس «اسبوزيتو» المتواطئ مع الحزب
البيروني والحكومة لإطلاق سراح «جوميز»
وطبعاً تبدو الشخصيات الأساسية «اسبوزيتو» و«إيرين» و«موراليس» و«جوميز»
نابضة
بالحياة ويدعمها حوار رائع وساخر وشديد الذكاء، الفيلم يبدأ بلقطة الوداع
الرومانسية في محطة القطار بين «اسبوزيتو» و«ايرين» منذ ربع
قرن عندما هرب إلي مكان
بعيد خوفاً من انتقام «رومانو» و«جوميز»، ثم يسود الشكل البوليسي بسرد
وقائع
الجريمة والتحقيقات ولكن من وجهة نظر غير تقليدية حيث نشاهد الحكاية
باعتبارها
رواية يكتبها «اسبوزيتو» بتشجيع من «إيرين» بعد أن تقدم بهما
العمر، وتدريجياً تفضح
لغة العيون أسرار العشق والجريمة معاً: عيون «جوميز» في اتجاه «ليليانا» في
صورة
قديمة تكشف عن ولعه بها، ومن هنا تبدأ رحلة البحث عنه، عيون الزوج المكلوم
«موراليس»
في لقطات قريبة تكشف عن عشقه لزوجته القتيلة مما يبرر ما سيفعله فيما بعد
حيث سيقبض علي «جوميز» بعد إطلاق سراحه، وسيسجنه لمدة 25 عاماً حتي يتعذب
عذاباً
بطيئاً، وعيون «اسبوزيتو» العاشقة باتجاه زميلته «إيرين» تكشف
عن حبه المكتوم بسبب
فوارق من الثروة والمستوي الاجتماعي، ونظرات «إيرين» له في مواقف مختلفة
تفضح حبها،
رغم تحفظها وكرامتها في العمل.
ربع قرن حتي يكتشف «اسبوزيتو» أن العاشق
المكلوم «موراليس» حقق عدالته الخاصة بسجن قاتل زوجته، وربع قرن حتي أعادت
الحكاية
قصة الحب بين «اسبوزيتو» و«إيرين» بعد أن اكتشفا كم كانت حياتهما فارغة
ليغير
«اسبوزيتو»
كلمة «إني خائف» إلي كلمة «إني أحبك» الحب هو مفتاح الحكاية كلها، بل
إنه الوله أو الشغف الذي دفع «جوميز» إلي قتل «ليليانا» لأنها رفضت التجاوب
معه،
والذي دفع «موراليس» للانتقام من أجل زوجته، والذي دفع «اسبوزيتو»
إلي العودة إلي
الحياة بعد أن كان خارجها.
كل العناصر الفنية في مستواها الرفيع، الصورة
ومساحات اللون الأسود في مشاهد الجريمة، واللقطات الناعمة الرومانسية،
الممثل «الفذ» «ريكاردو دارين» وكل زملائه في أدوار
قوية ومؤثرة وإن كان من الصعب السيطرة
علي تجاعيد وجه «اسبوزيتو» و«إيرين» في لقطات العودة إلي
الماضي، المخرج الذكي الذي
قدم مشاهد لا تنسي مثل اللقطة الطويلة المتصلة لعملية القبض علي «جوميز» في
ملعب
الكرة، لقطة جثة «ليليانا» المعبرة التي جعلتها «لوحة رائعة» تنتمي لأساتذة
عصر
النهضة.
بحث «اسبوزيتو» 25 عاماً عن العدالة، والحب فاستحق أن يعرف
الحقيقة.
ثم ألم يكن من العدل أن يفوز بالمرأة التي عشقها؟! كان ذلك فعلاً
عين العدل!
روز اليوسف اليومية في
18/07/2010 |