ظل مخرجو الأفلام الروائية، طوال تاريخ السينما، يسعون إلى تأكيد علاقة
السينما بالواقع، وتحديداً من حيث مصداقيتها تجاهه، مستفيدين في ذلك من
خاصية السينما في عكسها المباشر لصور الواقع، وهي خاصية مستجدة ما كان لها
شبيه في باقي الفنون الأقدم .
كان استخدام الوثائق المصورة ضمن بنية الأفلام الروائية ودمجها مع الأحداث
الممثلة، واحداً من الأساليب الشائعة التي يلجأ إليها المخرجون لتأكيد
مصداقية الأحداث المسرودة . كانت الوثائق في البدء سينمائية ويجري تصويرها
ضمن أفلام تسجيلية أو لمصلحة الجرائد الإخبارية المصورة، وهي كانت تعرض ضمن
نطاق محدود، فلا يتوافر لها الانتشار الجماهيري، ولهذا كان استخدامها ضمن
الأفلام الروائية الأوسع انتشاراً والأكثر جماهيرية، بمنزلة اكتشاف لها،
وهذا ما كان يضفي عليها أهمية خاصة . لكن، وبعد ظهور البث التلفزيوني ومن
ثم البث الفضائي، انفتحت مجالات جديدة لا تحصى أمام عرض ونشر وثائق الوقائع
المصورة بحيث صارت مشاهدتها جزءاً من الحياة اليومية لكافة البشر، فما
عادت، لدن إعادة استخدامها في الأفلام الروائية، تتسم بالأهمية ذاتها أو
تؤدي الوظيفة ذاتها بالنجاح نفسه الذي كانت تحققه في السابق، لهذا كان من
المنطقي افتراض أن يقل الاعتماد على هذا الأسلوب مع تبدل الأحوال، غير أن
هذا لم يحصل، فما زال ثمة مخرجون يلجؤون إلى هذا الأسلوب، إما لأسباب
إنتاجية تمنع إعادة إنتاج الحدث روائياً، وإما بحثاً عن مصداقية ما يروى في
الفيلم بدعم من الوثيقة المصورة .
راودتني هذه الملاحظات إثر مشاهدة بعض الأفلام العربية الجديدة، خاصة التي
تعود للتاريخ القريب أو تعالج موضوعات سياسية، وممّا شاهدت مؤخراً أحد أحدث
أفلام المخرج الجزائري الأصل المقيم في فرنسا رشيد بوشارب المعنون “لندن-
غرب” الذي تجري أحداثه مباشرة فور تفجيرات أنفاق مترو لندن التي جرت في
العام ،2005 أي تجري في وقت كانت محطات التلفزيون تبث فيه مشاهد التفجيرات
ومقابلات مع الناجين من شهود الحادث وتصريحات محققي الشرطة .
استخدم المخرج مراراً مشاهد متنوعة مما كان يبث على شاشات التلفزيون في
حينه، وذلك على الأغلب، في محاولة منه لتوليد شعور عند المتفرجين بأن الحدث
راهن، لكن هذه المشاهد لم تضف جديداً لا للمتفرجين ولا لموضوع الفيلم
وحكايته، موضوع الفيلم هو التعصب الناجم عن عدم فهم ومعرفة الآخر، أما
الحكاية فتدور حول لقاء بين اثنين، أولهما امرأة بريطانية جاءت من بلدتها
إلى لندن بحثاً عن ابنتها الطالبة بعدما عجزت عن الاتصال معها، والثاني
عجوز زنجي مسلم حضر إلى لندن من باريس حيث يعمل، بحثاً عن ابنه الذي جاء من
إفريقيا وانقطع الاتصال معه أيضاً، وحين يلتقي الاثنان بعد سلسلة من
الأحداث تكتشف المرأة أن ابنتها كانت تقيم مع الشاب الزنجي، وأنها اعتنقت
الإسلام وبدأت بتعلم اللغة العربية، وفي النهاية تكتشف أن ابنتها وحبيبها
الشاب الزنجي كانا معاً من ضحايا التفجيرات .
يبني السيناريو العلاقة بين المرأة البريطانية والزنجي العجوز ويطورها
بمهارة ويضفي عليها تأثيراً عاطفياً وعمقاً فكرياً، بحيث إن الحكاية بحد
ذاتها لا تعود بحاجة إلى دعم من مشاهد متكررة تبثها شاشات التلفزيون، وكان
يمكن للفيلم أن يكتفي بمشهد واحد يتضمن إبلاغاً عن الخلفية التاريخية
للحكاية .
الملاحظة نفسها يمكن أن تقال حول الفيلم العراقي “ابن بابل” للمخرج الشاب
محمد دراجي الذي انطلقت فكرة فيلمه من واقعة العثور على مقابر جماعية في
العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، فبنى حكاية إنسانية مؤثرة جداً بطلتها
امرأة كردية عجوز تجوب العراق وتتحمل مشاق السفر والتنقل، برفقة حفيدها
الطفل، بحثاً عن ابنها الجندي الذي اختفت آثاره منذ سنوات زمن الحكم
السابق، وقدم من خلال هذه الحكاية العديد من اللحظات أو الأحداث الصغيرة
التي تجعل من الأم العجوز شخصية درامية بطولية يصعب نسيانها، كما نجح إلى
حد كبير في تصوير الأجواء الصعبة السائدة في العديد من مناطق العراق، غير
أن المخرج لم يكتف بهذا، بل أمعن في استخدام لقطات العثور على المقابر
الجماعية التي سبق أن بثت في حينه مراراً وتكراراً عبر شاشات التلفزيون، في
حين كان يمكن أن يكتفي منها بالقليل المرتبط عضوياً بتطورات الحكاية، وأن
يركز على مصداقية المشاعر والانفعالات المتولدة عند العجوز وحفيدها الطفل،
وليس على مصداقية واقعة العثور على المقابر الجماعية .
الأفلام الروائية، ومهما بلغت واقعيتها، ومهما نجحت في سعيها إلى الإيهام
بالواقع أو التشبه به، تظل في محصلتها النهائية واقعاً فنياً وليس واقعاً
فعلياً، وتستمد قيمتها وتكتسب تأثيرها من فنيتها تحديداً .
الخليج الإماراتية في
17/07/2010
(قتل
طائرمحاكي)
رواية الدفاع عن المظلومين
التي تحولت الى اسطورة سينمائية
..
أحمد فاضل
لم اكن لأعود القهقرى ثمانية
واربعين سنة الى الوراء متناولا فيلما اصبح اسطورة ، لولا انني صدمت لما
آلت اليه
السينما الأمريكية اخيرا بتقديمها لأفلام لاتتلاءم والمجد الذي بنته ، هذا
الإنحدار تمثل مؤخرا في فيلم “ فارس اليوم “ الذي اضطلع
ببطولته “ توم كروز “ و “ كاميرون دياز “ رغم كل الامكانات
التي وضعتها الشركة
المنتجة له ، إلا انه سقط في أول افتتاح له ولم يحقق ما كان يأمله منتجوه
من ملايين
الدولارات، في الوقت نفسه يفكر هؤلاء بعدم تكرار انتاج مثل هذه الافلام
التي
لاتعتمد على قصة ناجحة ومؤثرة كالتي قدمتها الروائية الأميركية
“ هاربر لي “ لعشاق
السينما وحاز على كل تلك الشهرة والنجاح حينما عرض عام 1962
.
صحيفة “ التايمز “
اللندنية كانت قد طرحت في بداية العام
الحالي استفتاء على قرائها باختيار اعظم 60
كتابا خلال ستين عاما تحت عنوان “ أفضل من البوكر “ وهي
الجائزة العالمية التي تمنح
لأحسن رواية ، وقد استجاب القراء لقائمة الكتب التي طرحت عليهم للاختبار
بشجاعة
واقتناع وصوتوا بالمئات للروائية الأميركية هاربر لي “ قتل طائر محاكي “
الصادرة
عام 1960 والتي اخرجها للسينما عام 1962 “ روبرت موليفان “
المعروف بتقديمه لروائع
الكُتاب العالميين ، وفي بحث منطقي عن سبب اختيار هذه الرواية تساءل الكاتب
البريطاني المعروف جون سذرلاند عن كم من البريطانيين الذين اختاروا هذه
الرواية
شاهدوا هذا الطائر في حياتهم ؟ ثم لماذا احببناها اذن وجعلناها
مفضلة ؟ الاجابة
الاسهل قال سذرلاند هي في قناعة المصوتين بأهمية هذا الفن الأدبي ، وهم
ربطوا
بطريقة مهمة بين الرواية وما كان يحدث خارج عالمها ، أي بالقضايا التي كانت
في مركز
الاهتمام في ستينيات القرن الماضي دفاعا عن حقوق السود ،
وارتفع في سماء القارة
الأمريكية آنذاك شعار “ البشر جنس واحد “ ، لقد غير المجتمع القوانين وأعلن
ان لا
مواطنين من درجة ثانية بعد الآن ، لقد استوطنت الحركة الأكثر شراسة في
مناهضة حقوق
الانسان الجنوب وكان هناك من تصدى لها بجدارة ، كان والد
الكاتبة لي “ الذي اهدت
اليه روايتها “ محاميا وقف وجها لوجه أمام حركة “ كوكلوكس كلان “ العنصرية
،
الرواية فازت بجائزة بولتزر الأميركية التي تمنح لصحافيين وادباء وموسيقيين
عادة
وينال الفائز بها عشرة آلاف دولار أميركي ، وقد بيع من الرواية
حتى الآن اكثر من 40
مليون نسخة ، وتلقفتها السينما لتصنع منها فيلما اسطوريا نجح هو الآخر
نجاحا مذهلا
وحاز بطله النجم الراحل “ كريكوري بيك “ على الاوسكار لتجسيده المذهل
والرائع
لشخصية المحامي أتكيوس الذي يدافع عن الزنجي المتهم باغتصاب
امرأة من الجنوب
الاميركي ، والذي قام بتجسيد شخصيته الممثل بروك بيترز الذي يبلغ من العمر
الآن 75
عاما ، اضافة الى حشد مهم لنجوم هوليوود آنذاك ميري بادهام ، روبرت دافال ،
فيليب
الفورد ، جون ميجنا ، وفرانك افيرتون
.
قتل الطائر المحاكي بهذا الكم من
الممثلين الذين تقاضوا من ميزانية لاتتناسب واسمائهم مبالغ إذا قورنت بما
تقاضاه
كروز ودياز فإن الفارق قد يكون صادما للنفوس هذا إذا علمنا ان الفيلم قد
حاز على
ثلاثة جوائز اوسكار أولها ذهب لأحسن ممثل هو كريكوري بيك ،
والثاني لأفضل اخراج ،
والاوسكار الثالث ذهب لأفضل سيناريو ، فهل سيحصد فيلم فارس اليوم احدى تلك
الجوائز
هذا ما لا نعتقده وهو يقف على اعتاب فشل مروع
.
إن الامكانات المتوفرة لنجاح أي
فيلم لاتحددها الميزانيات الكبيرة والتقنيات الحديثة فقط ، بل يكمن نجاحها
في قصة
يقف وراءها كاتب جيد وكذلك مهارات اخراجية وتمثيلية متميزة وهذا ما لمسناه
في
العديد من الافلام التي بهرت المشاهد وحققت حضورا في
المهرجانات الفنية الكبيرة
وحصلت بالتالي على جوائز عديدة.
بعد 41 عاما من تمثيله لدور المحامي أتكيوس
ونجاحه في اكثر من 50 فيلما ، تدافع اكثر من ثلاثة آلاف شخص عام 2003
لتأبين
كريكوري بيك الذي ودع الدنيا بهدوء عن 87 عاما بمنزله في لوس انجليس ،
وكانت تقف
الى جواره زوجته الفرنسية الأصل فيرونيك وقام بتأبينه كذلك
الممثل بروك بيترز الذي
شاركه بطولة فيلمه قتل طائر محاكي ، بدور الزنجي المفترى عليه والذي جاء
لوداعه
ونثر الزهور على قبره المعمول من الحجر الجيري المصقول واحتل مكانا اسفل
الكاتدرائية الذي سكت جرسها احتراما لهذا الرجل .
الصباح العراقية في
17/07/2010
ثلوج كلمنجارو أرنست
همنغواي
صبيح الحافظ*
نبش التاريخ وفتح الأبواب المغلقة لخزائن المعلومات ونفض
الغبار عن محتوياتها هو عملية استذكار واسترجاع أولئك الرواد
الأوائل الذين عملوا
في صناعة وإنتاج الأفلام السينمائية من مخرجين وروائيين وممثلين وغيرهم وقد
تركوا
اعمالاً وانتجوا افلاماً سينمائية باهرة ورائعة تشاهدها الأجيال اللاحقة
جيلاً بعد
جيل.
وبهدف المقارنة بين ما أنتج من روائع الأفلام آنذاك رغم عدم توفر
التقنيات الحديثة للأدوات والمستلزمات، وبين ما أنتج بعد تلك
المرحلة مع توافر
التقنيات التكنولوجيا ، نجد انها وبرأي النقاد والمشاهدين لم تكن في مستوى
تلك
الأفلام والتي أطلق عليها مصطلح (افلام الخمسينيات)
.
في موضوعنا هذا نتحدث عن
واحد من تلك الأفلام هو فلم (ثلوج كالنجارو) للروائي الشهير أرنست همنغواي
وإخراج
هنري كنك ، وأنتجته شركة (فوكس للقرن العشرين). ولأهمية الرواية أسندت
الأدوار
الرئيسية لكبار الممثلين والممثلات المتميزين منهم (كريكوي بك)
وهو بطل الرواية
و(سوزان هيوارد) و(افاكاردنر)وغيرهم.
صور الفيلم بدءا من المشهد الأول وحتى
نهايته في مكان واحد ، وكانت أحداث القصة تعرض بطريقة (الفلاش باك) وبلقطات
استرجاعية.
تتحدث قصة الفلم عن رجل في مقتبل العمر يدعى(هاري) وهو بطلها احترف
كتابة القصة والرواية واتخذ من باريس موطناً له ، تركزت
اهتماماته منذُ شبابه على
ملاحقة النساء الجميلات اللاتي يلتقيهن في الحفلات والنوادي الليلية
مستغلاً قامته
الفارهة وأناقته في الملبس وشهرته الثقافية وبراعته في الكلام المنمق
والمؤثر على
تأجيج عواطفهن ومن ثم ايقاعهن في حبه وعشقه .
ومن اهتماماته الأخرى حبه إلى صيد
الحيوانات الكبيرة وصيد الأسماك في البحر والغزلان في أحراش وغابات إفريقيا
، مع
شغفه لمناظر العنف إذ نراه يتردد على احتفالات مصارعة الثيران العنيفة في
اسبانيا.
شاءت الأقدار إن تقع في حبه امرأة حسناء (ثرية) أخذت تبذل الأموال الطائلة
في
سبيل سعادته لكسب مودته وأصبحت تعيش معه بعد أن تركت عائلتها ،
وفي واحدة من
جولاتهم الترفيهية لصيد الغزلان والتمتع في اجواء أحراش إفريقيا حدث وان
أصيب (هاري) بخدش في ساقه اليمنى ولعدم الاهتمام
به في البداية لمعالجته باليود
والمطهرات ، وبمرور الأيام تقرح الجرح إلى أن بدأت (الغنغرينا) تسري في
فخذه حتى
أصبح عاجزاً تماماً عن الحركة ، عندها ظل راقداً على سرير نصب له إمام
الخيمة تحت
ظل شجرة كبيرة في وسط السهل الطويل في أسفل الجبل انتظاراً
لمجيء الطائرة لنقلهما
الى باريس.
من هنا وفي هذا المكان تتباطأ إحداث الفيلم.
(كلمنجارو)
جبل
يكسوه الثلج يبلغ ارتفاعه (19710) قدماً ويعتبر اعلى جبل في القارة
الإفريقية تدعى
قمته (وماساي) (نكاجي نكاي) ـ بيت الله ـ.
يرى المشاهد في السهل الممتد الطويل
أسفل الجبل مجموعة من الخيم المتناثرة هنا وهناك يسكنها عدد من الافريقين
القاطنين
هناك.
كان (هاري) ممدداً على ظهره في السرير ينظر إلى ثلاثة نسور جاثمة فوق تلك
الشجرة تنتظر شيئا ما ، وكانت هيلين تجلس بجانبه.
قال: انظري (مؤشراً إلى
النسور) أنها تجثم هناك ولأول مرة التي تهبط فيها على الأرض بسبب الرائحة –
أنها
تزعجك بلاشك (يقصد الرائحة المنبعثة من ساقه).
قالت: دعك من هذا رجاء ، انك
تعلم انه لا يزعجني ولكني أصبحت عصبية المزاج لعجزي عن القيام بأي شيء يخفف
عنك
الألم إلى أن تأتي الطائرة ، التي كنا ننتظر مجيئها منذ شهرين.
قال: تستطيعين
بتر الساق ، فقد يوقف الداء ، او تستطيعين قتلي.
قالت: أرجو أن تكف عن الكلام
بهذه الطريقة.
هتف ((مولو)) منادياً خادمة وهو صبي إفريقي ! هات الوسكي
والصودة.
قالت: ينبغي أن لا تشرب ، انه ضار بك.
قال: كلا ، انه نافع.
قالت: (حبذا لو لم نأت إلى هنا) وهي تنظر إليه مشفقة والكأس في يده، لو كنا
في
باريس لما حدث بك هذا.
قال: نقودك القذرة.
قالت: لا أنصاف في ذلك ، كانت
النقود لك اكثر ما كانت لي ، تركت كل شيء من أجلك ، وذهبت حيث رغبت ، وعملت
ما أردت
، لكن ليتنا ما قدمنا الى هنا ابداً أنني
أحببتك ، ولا زلت أحبك ، سأحبك دوماً ،
ألا تحبني؟.
أجاب : كلا لا أظن ذلك ، لم احبك ابداً.
قالت:(هاري) ماذا تقول
؟ لابد أن الجنون صعد إلى راسك.
قال: (كلا) لا رأس لي حتى يصعد الجنون إليه ،
ثم نظر إليها فرآها تبكي.
قال: لست ادري ما دهاني ، أظن أنها محاولة للبقاء
حياً ، كنت طبيعياً حين بدأنا في الحديث ، لم أقصد افتعال الشجار بينما أرى
نفسي
الآن مجنوناً وقاسياً لاقصى الدرجة ، لاتعيري اهتماماً لأقوالي ياحبيبتي ،
احبك
حقاً تعلمين أنني احبك.
لجأ إلى كذبته المألوفة التي اعتمدها وسيلة للعيش
.
قالت: ( ما الطفك معي) سأذهب إلى الصيد من أجل اللحم ، ثم ذهبت الى هناك
فكر
وتذكر حول وجوده في باريس وساعة معرفته بتلك المرأة الحسناء
(إيفا) وهي تراقص احد
أصدقائه في إحدى الحانات ، والأيام الطيبة الجميلة ، احبها حباً لا يوصف
دون النساء
الأخريات اللاتي عاشرهن في حياته ، وتذكر ايضاً تلك الليلة حينما جاء إلى
الفندق
ولم يجدها كالعادة كل ليلة ، وتكرر غيابها أيام ولا يعرف سبباً
مقنعاً لفراقها له
حتى ظل يفتش عنها هنا وهناك دون جدوى.
أدار برأسه على السرير لينظر إليها ،
قال(هلو)
هتفت (قتلت غزالاً صغيرا)فسيكون حساؤه جيداً لك ، إضافة إلى بعض
البطاطس المهروسة
.
سألته كيف تشعر الآن؟.
(مرتعشاً
قليلاً) في تلك اللحظة
داهمه هاجس الموت ، حدث ذلك بسرعة والضبع يحوم حول الخيمة بسبب الرائحة
والطيور
الجائمة على الشجرة تتكاثر.
قالت سأذهب للاستحمام ، لن أتاخر ، سنأكل معاً ،
وبعدئذ سننقل السرير الى الداخل وبعد خروجها من الخيمة بعد الاستحمام ،
قالت : كيف
تشعر.
(بخير)
ثم جاء الخادم (مولو) بالطعام.
قال: أريد أن أكتب.
قالت: يجب أن تشرب شيئاً من الحساء حفاظاً على قوتك.
فرد: (سأموت الليلة ،
لست بحاجة إلى قوتي ، انظري إلى هذا الحيوان القذر وهو يحوم كل ليلة حول
خيمتي هو
الأخر يشم الرائحة (ويقصد به الضبع).
قالت: (أياك والعاطفة ياهاري).
(ألا
تملكين حاسة الشم؟ لقد تعفنت حتى أعلى الفخذ (مولو) اجلب الويسكي والصودة )
قالت
برقة (خذ الحساء).
(حسناً)
ثم شرب قليلاً منه ، بعدها اخذ يكثر من شرب الويسكي
ثم أحس باقتراب الموت ثانية ثم أناخ برأسه على أسفل السرير ،
وكان بوسعه شم رائحته.
وفي الصباح الباكر جاءت الطائرة وحطت بالقرب من الخيمة ، فنهضت هيلين من
فراشها
فرحة وهي تنادي (هاري) ، (هاري) جاءت الطائرة وارتفع صوتها
(هاري) أوه يا (هاري)
،
لم يكن هناك من رد ولم تستطع أن ترى اثراً للتنفس ثم رأت الضبع
يقترب والطيور
الكبير الجاثمة على الشجرة تهبط إلى الأرض وقد تكاثرت إعدادها ، عندها
أيقنت انه
مات هاري.
ملاحظة :
أن قصة الفيلم هي مشابهة لسيرة حياة همنغواي
الحقيقية.
*باحث
في نظم المعلومات
الصباح العراقية في
17/07/2010 |